معنى السكينة
فالسكينة: فعيلة من السكون، وهو طمأنينة القلب واستقراره، وأصلها في القلب، ويظهر أثرها على الجوارح، وهي عامة وخاصة.
سكينة الأنبياء فسكينة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أخص مراتبها وأعلى أقسامها، كالسكينة التي حصلت لإبراهيم الخليل وقد ألقى في المنجنيق مسافرًا إلى ما أضرم له أعداء الله من النار، فلله تلك السكينة التي كانت في قلبه حين ذلك السفر، وكذلك السكينة التي حصلت لموسى وقد غشيه فرعون وجنوده من ورائهم والبحر أمامهم وقد استغاث بنو اسرائيل يا موسى إلى أين تذهب بنا هذا البحر أمامنا وهذا فرعون خلفنا، وكذلك السكينة التي حصلت له وقت تكليم الله له نداء ونجاء كلامًا حقيقة سمعه حقيقة بأذنه وكذلك السكينة التي حصلت له وقد رأى العصا ثعبانًا مبينًا، وكذلك السكينة التي نزلت عليه وقد رأى حبال القوم وعصيهم كأنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة، وكذلك السكينة التي حصلت لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد أشرف عليه وعلى صاحبه عدوهما وهما في الغار فلو نظر أحدهم إلى تحت قدميه لرآهما، وكذلك السكينة التي نزلت عليه في موافقة العظيمة وأعداء الله قد أحاطوا به كيوم بدر ويوم حنين ويوم الخندق وغيره فهذه السكينة أمر فوق عقول البشر وهي من أعظم معجزاته عند أرباب البصائر فإن الكذاب ولا سيما على الله أملق ما يكون وأخوف ما يكون وأشده اضطرابا في مثل هذه المواطن فلوا لم يكن للرسل صلوات الله وسلامه عليهم من الآيات إلا هذه وحدها لكفتهم.
سكينة اتباع الرسل
وأما الخاصة فتكون لاتباع الرسل بحسب متابعتهم، وهي سكينة الإيمان، وهي سكينة تسكن القلوب عن الريب والشك، ولهذا أنزلها الله على المؤمنين في أصعب المواطن أحوج ما كانوا إليها (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً) فذكر نعمته عليهم بالجنود الخارجة عنهم والجنود الداخلة فيهم وهي السكينة عند القلق والاضطراب الذي لم يصبر عليه بعض الأفضال قبل بيان الحال، وذلك يوم الحديبية قال الله سبحانه وتعالى يذكر نعمته عليهم بإنزالها أحوج ما كانوا إليها (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً) لما علم الله سبحانه وتعالى ما في قلوبهم من القلق والاضطراب لما منعهم كفار قريش من دخول بيت الله وحبسوا الهدى عن محله واشترطوا عليهم تلك الشروط الجائرة الظالمة فاضطربت قلوبهم وقلقت ولم تطق الصبر فعلم تعالى ما فيها فثبتها بالسكينة رحمةً منه ورافةً ولطفاً وهو اللطيف الخبير،
وتحتمل الآية وجها آخر وهو أنه سبحانه علم ما في قلوبهم من الإيمان والخير ومحبته ومحبة رسوله فثبتها بالسكينة وقت قلقها واضطرابها، والظاهر أن الآية تعم الأمرين وهو أنه علم ما في قلوبهم مما يحتاجون معه إلى إنزال السكينة وما في قلوبهم من الخير الذي هو سبب إنزالها ثم قال بعد ذلك (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شئ عليماً) لما كانت حمية الجاهلية توجب من الأقوال والأعمال ما يناسبها جعل الله في قلوب أوليائه سكينة تقابل حمية الجاهلية، وفي ألسنتهم كلمة التقوى مقابلة لما توجبه حمية الجاهلية من كلمة الفجور، فكان حظ المؤمنين السكينة في قلوبهم وكلمة التقوى على ألسنتهم، وحظ أعدائهم حمية الجاهلية في قلوبهم وكلمة الفجور والعدوان على ألسنتهم، فكانت هذه السكينة وهذه الكلمة جند من جند الله أيد بها الله رسوله والمؤمنين في مقابلة جند الشيطان الذي في قلوب أوليائه وألسنتهم.
وثمرة هذه السكينة الطمأنينة للخير تصديقاً وإيقاناً وللأمر تسليماً وإذعاناً فلا تدع شبهة تعارض الخير ولا إرادة تعارض الأمر فلا تمر معارضات السوء بالقلب إلا وهي مجتازة من مرور الوساوس الشيطانية التي يبتلى بها العبد ليقوى إيمانه ويعلو عند الله ميزانه بمدافعتها وردها وعدم السكون إليها فلا يظن المؤمن أنها لنقص درجته عند الله.
فصل السكينة عند القيام بوظائف العبودية
ومنها السكينة عند القيام بوظائف العبودية وهي التي تورث الخضوع والخشوع وغض الطرف وجمعية القلب على الله تعالى بحيث يؤدي عبوديته بقلبه وبدنه والخشوع نتيجة هذه السكينة وثمرتها وخشوع الجوارح نتيجة خشوع القلب وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
فإن قلت قد ذكرت أقسامها ونتيجتها وثمرتها وعلامتها فما أسبابها الجالبة لها
الأسباب المؤدية الى السكينة
قلت: سببها استيلاء مراقبة العبد لربه جل جلاله حتى كأنه يراه، وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من الحياء والسكينة والمحبة والخضوع والخشوع و الخوف والرجاء ما لا يحصل بدونها، فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلها وعمودها الذي قيامها به ولقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصول أعمال القلب وفروعها كلها في كلمة واحدة، وفي قوله في الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فتأمل كل مقام من مقامات الدين وكل عمل من أعمال القلوب كيف تجد هذا أصله ومنبعه
والمقصود أن العبد محتاج إلى السكينة عند الوساوس المعترضة في أصل الإيمان ليثبت قلبه ولا يزيغ وعند الوساوس والخطرات القادحة في أعمال الإيمان لئلا تقوى وتصير هموماً وغموماً وإرادات ينقص بها إيمانه وعند أسباب المخاوف على اختلافها ليثبت قلبه ويسكن جأشه وعند أسباب الفرح لئلا يطمح به مركبه فيجاوز الحد الذي لا يعبر فينقلب ترحاً وحزناً وكم ممن أنعم الله عليه بما يفرحه فجمح به مركب الفرح وتجاوز الحد فانقلب ترحاً عاجلاً.
ولو أعين بسكينة تعدل فرحه لاريد به الخير وبالله التوفيق وعند هجوم الاسباب المؤلمه على اختلافها الظاهره والباطنه فما أحوجه إلى السكينة حينئذ وما أنفعها له وأجداها عليه وأحسن عاقبتها
والسكينة في هذه المواطن علامة على الظفر وحصول المحبوب واندفاع المكروه وفقدها علامه على ضد ذلك لا يخطئ هذا ولا هذا والله المستعان. أهـ من إعلام الموقعين (ج 4 / ص 204)
أقول: مما شوهد من الأحداث السابقة في دماج وما حولها أن الله أنزل السكينة عليهم وجعلها في قلوبهم، أسأل الله أن يزيدهم من فضله.
ونقله أبو عبدالله مجدي سلطان
فالسكينة: فعيلة من السكون، وهو طمأنينة القلب واستقراره، وأصلها في القلب، ويظهر أثرها على الجوارح، وهي عامة وخاصة.
سكينة الأنبياء فسكينة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أخص مراتبها وأعلى أقسامها، كالسكينة التي حصلت لإبراهيم الخليل وقد ألقى في المنجنيق مسافرًا إلى ما أضرم له أعداء الله من النار، فلله تلك السكينة التي كانت في قلبه حين ذلك السفر، وكذلك السكينة التي حصلت لموسى وقد غشيه فرعون وجنوده من ورائهم والبحر أمامهم وقد استغاث بنو اسرائيل يا موسى إلى أين تذهب بنا هذا البحر أمامنا وهذا فرعون خلفنا، وكذلك السكينة التي حصلت له وقت تكليم الله له نداء ونجاء كلامًا حقيقة سمعه حقيقة بأذنه وكذلك السكينة التي حصلت له وقد رأى العصا ثعبانًا مبينًا، وكذلك السكينة التي نزلت عليه وقد رأى حبال القوم وعصيهم كأنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة، وكذلك السكينة التي حصلت لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد أشرف عليه وعلى صاحبه عدوهما وهما في الغار فلو نظر أحدهم إلى تحت قدميه لرآهما، وكذلك السكينة التي نزلت عليه في موافقة العظيمة وأعداء الله قد أحاطوا به كيوم بدر ويوم حنين ويوم الخندق وغيره فهذه السكينة أمر فوق عقول البشر وهي من أعظم معجزاته عند أرباب البصائر فإن الكذاب ولا سيما على الله أملق ما يكون وأخوف ما يكون وأشده اضطرابا في مثل هذه المواطن فلوا لم يكن للرسل صلوات الله وسلامه عليهم من الآيات إلا هذه وحدها لكفتهم.
سكينة اتباع الرسل
وأما الخاصة فتكون لاتباع الرسل بحسب متابعتهم، وهي سكينة الإيمان، وهي سكينة تسكن القلوب عن الريب والشك، ولهذا أنزلها الله على المؤمنين في أصعب المواطن أحوج ما كانوا إليها (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً) فذكر نعمته عليهم بالجنود الخارجة عنهم والجنود الداخلة فيهم وهي السكينة عند القلق والاضطراب الذي لم يصبر عليه بعض الأفضال قبل بيان الحال، وذلك يوم الحديبية قال الله سبحانه وتعالى يذكر نعمته عليهم بإنزالها أحوج ما كانوا إليها (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً) لما علم الله سبحانه وتعالى ما في قلوبهم من القلق والاضطراب لما منعهم كفار قريش من دخول بيت الله وحبسوا الهدى عن محله واشترطوا عليهم تلك الشروط الجائرة الظالمة فاضطربت قلوبهم وقلقت ولم تطق الصبر فعلم تعالى ما فيها فثبتها بالسكينة رحمةً منه ورافةً ولطفاً وهو اللطيف الخبير،
وتحتمل الآية وجها آخر وهو أنه سبحانه علم ما في قلوبهم من الإيمان والخير ومحبته ومحبة رسوله فثبتها بالسكينة وقت قلقها واضطرابها، والظاهر أن الآية تعم الأمرين وهو أنه علم ما في قلوبهم مما يحتاجون معه إلى إنزال السكينة وما في قلوبهم من الخير الذي هو سبب إنزالها ثم قال بعد ذلك (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شئ عليماً) لما كانت حمية الجاهلية توجب من الأقوال والأعمال ما يناسبها جعل الله في قلوب أوليائه سكينة تقابل حمية الجاهلية، وفي ألسنتهم كلمة التقوى مقابلة لما توجبه حمية الجاهلية من كلمة الفجور، فكان حظ المؤمنين السكينة في قلوبهم وكلمة التقوى على ألسنتهم، وحظ أعدائهم حمية الجاهلية في قلوبهم وكلمة الفجور والعدوان على ألسنتهم، فكانت هذه السكينة وهذه الكلمة جند من جند الله أيد بها الله رسوله والمؤمنين في مقابلة جند الشيطان الذي في قلوب أوليائه وألسنتهم.
وثمرة هذه السكينة الطمأنينة للخير تصديقاً وإيقاناً وللأمر تسليماً وإذعاناً فلا تدع شبهة تعارض الخير ولا إرادة تعارض الأمر فلا تمر معارضات السوء بالقلب إلا وهي مجتازة من مرور الوساوس الشيطانية التي يبتلى بها العبد ليقوى إيمانه ويعلو عند الله ميزانه بمدافعتها وردها وعدم السكون إليها فلا يظن المؤمن أنها لنقص درجته عند الله.
فصل السكينة عند القيام بوظائف العبودية
ومنها السكينة عند القيام بوظائف العبودية وهي التي تورث الخضوع والخشوع وغض الطرف وجمعية القلب على الله تعالى بحيث يؤدي عبوديته بقلبه وبدنه والخشوع نتيجة هذه السكينة وثمرتها وخشوع الجوارح نتيجة خشوع القلب وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
فإن قلت قد ذكرت أقسامها ونتيجتها وثمرتها وعلامتها فما أسبابها الجالبة لها
الأسباب المؤدية الى السكينة
قلت: سببها استيلاء مراقبة العبد لربه جل جلاله حتى كأنه يراه، وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من الحياء والسكينة والمحبة والخضوع والخشوع و الخوف والرجاء ما لا يحصل بدونها، فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلها وعمودها الذي قيامها به ولقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصول أعمال القلب وفروعها كلها في كلمة واحدة، وفي قوله في الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فتأمل كل مقام من مقامات الدين وكل عمل من أعمال القلوب كيف تجد هذا أصله ومنبعه
والمقصود أن العبد محتاج إلى السكينة عند الوساوس المعترضة في أصل الإيمان ليثبت قلبه ولا يزيغ وعند الوساوس والخطرات القادحة في أعمال الإيمان لئلا تقوى وتصير هموماً وغموماً وإرادات ينقص بها إيمانه وعند أسباب المخاوف على اختلافها ليثبت قلبه ويسكن جأشه وعند أسباب الفرح لئلا يطمح به مركبه فيجاوز الحد الذي لا يعبر فينقلب ترحاً وحزناً وكم ممن أنعم الله عليه بما يفرحه فجمح به مركب الفرح وتجاوز الحد فانقلب ترحاً عاجلاً.
ولو أعين بسكينة تعدل فرحه لاريد به الخير وبالله التوفيق وعند هجوم الاسباب المؤلمه على اختلافها الظاهره والباطنه فما أحوجه إلى السكينة حينئذ وما أنفعها له وأجداها عليه وأحسن عاقبتها
والسكينة في هذه المواطن علامة على الظفر وحصول المحبوب واندفاع المكروه وفقدها علامه على ضد ذلك لا يخطئ هذا ولا هذا والله المستعان. أهـ من إعلام الموقعين (ج 4 / ص 204)
أقول: مما شوهد من الأحداث السابقة في دماج وما حولها أن الله أنزل السكينة عليهم وجعلها في قلوبهم، أسأل الله أن يزيدهم من فضله.
ونقله أبو عبدالله مجدي سلطان
تعليق