حوار «مجلة الحسبة» مع
معالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
معالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
خاص - الحسبة:
دعا معالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء إلى تعاون كل أفراد المجتمع مع رجال الحسبة وتشجيعهم وإخبارهم عن مواطن الفساد حتى يصلحوها، لا أن يفتّوا في عضدهم ويتلمسوا الأخطاء لهم وإشاعتها في الناس كما يفعل البعض.
▪بداية معالي الشيخ ماهي أسباب النصر والتمكين لأمة الإسلام في الأرض في ضوء القرآن الكريم؟
- قال الله تعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ آل عمران، أخبر سبحانه وتعالى عن سبب خيرية هذه الأمة أنه أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر. والمعروف: كل ما أمر الله ورسوله به، والمنكر: كل ما نهى الله ورسوله عنه، كما أخبر سبحانه أنه لعن الذين كفروا من بني إسرائيل بسبب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال :﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)﴾ المائدة. أخبر سبحانه أن سبب بقاء الأمة وتمكينها في الأرض وإمدادها بالنصر هو قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى:﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾ هود، أي قائمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سُمي ذلك إصلاحاً ولم يقل: وأهلها صالحون، لأن صلاحهم بأنفسهم بدون إصلاح غيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون ضماناً لبقائهم كما جاء في الحديث لما قيل للنبي: «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم إذا كثر الخبث» ولما ذكر سبحانه هلاك الأمم السابقة في سورة هود. قال ﴿فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ﴾ هود. يعني لو كان فيهم من أولئك أحد لنجوا من العذاب، كما جعل سبحانه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبباً للنصر والتمكين في الأرض فقال سبحانه:﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)﴾ الحج.
أصحاب السفينة
▪وماالذي يحدث إذا ترك من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر الناس في المعاصي ولم يأمروهم ولم ينهوهم؟- لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والواقعين في المنكرات المضيعين للواجبات بقوم استهموا - أي اقترعوا - على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها.. وكان الذين في الأسفل يستقون الماء من عند الذين في الأعلى فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقاً نستقي منه الماء ولم نؤذ من فوقنا. فلو تركهم الأعلون يخرقون السفينة لغرقوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم ومنعوهم من خرق السفينة نجوا جميعاً، فهكذا الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لو تركوا الناس في المعاصي ولم يأمروهم ولم ينهوهم هلك الجميع، وإذا قاموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجا الجميع من العقوبة. وقد قال الله تعالى ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)﴾ الأنفال. ولذلك اهتمت حكومة هذه البلاد - وفّقها الله - فجعلت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهازاً خاصاً من رجال الحسبة وهي ميزة امتازت بها هذه الدولة - وفّقها الله - بين الدول الإسلامية عملاً بأمر الله سبحانه في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾ آل عمران.
فرض كفاية
▪نعلم أن حكم الأمربالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية لكن متى يصبح واجباً عن كل مسلم؟- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام بهما من يكفي سقط الإثم عن الباقين وإن لم يقم به أحد أثم الجميع وهلكوا وهذا الأمر واجب على كل مسلم بحسب استطاعته. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). وفي رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل». وهذا يقتضي التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل بحسب استطاعته حتى يختفي المنكر في المجتمع، فالذي بيده سلطة يزيل المنكر بيده والذي ليس له سلطة ينكره بلسانه بالدعوة والوعظ والتذكير وإبلاغ ولاة الأمور والذي لا يستطيع هذا ولا هذا ينكر المنكر بقلبه ويعتزل أهله ويبتعد عنهم.
واجب الجميع
▪ما هو واجبنا تجاه رجال الحسبة؟- الواجب علينا أن نتعاون مع رجال الحسبة ونشجعهم ونخبرهم عن مواطن الفساد حتى يصلحوها، لا أن نفت في عضدهم ونتلمس الأخطاء لهم ونشيعها في الناس، كما يحصل من بعض الصحفيين اليوم - هداهم الله - أو من بعض الممثلين في المسلسلات التمثيلية. فإن هذا من السعي في تعطيل هذا الجهاز من أداء مهمته الشريفة التي هي ضمانة بقاء المجتمع، ولئن كان يقع من بعضهم شيء من الخطأ لأنه بشر وليس معصوماً، فإنه عن اجتهاد وينبغي أن يعالج بالطرق السليمة ويكون ذلك من أهل الاختصاص والخبرة. ويكون سراً لا تشهيراً وأيهما أولى بالإصلاح واللوم - المجرم الذي يريد أن يخرق السفينة ويغرق الجميع أو رجل الحسبة الذي يريد الإصلاح لكنه أخطأ من غير قصد - إن الواجب علينا جميعاً التعاون مع رجال الحسبة وإذا لحظنا من بعضهم خطأ مؤكداً فإننا نناصحه سراً من غير تشهير، فإن لم يجد ذلك معه، فإننا نبلغ مرجعه من غير أن نأخذ من خطأ الفرد مبرراً للنيل من جهاز الحسبة والتقليل من شأنه. ثم أليس في الأجهزة الأخرى بعض الأخطاء التي تعالج بالطرق السليمة، فلماذا لا يتعامل مع جهاز الحسبة بنفس الطريقة الحكيمة لأن القصد الإصلاح لا التشهير ومتى كان في يوم من الأيام التشهير في الصحف وفي المجالس وفي المسلسلات التمثيلية طريقاً من طرق الإصلاح إننا نخشى على هؤلاء الذين يمارسون النيل من رجال الحسبة العقوبة، فلو كانت هذه الممارسة الخاطئة مع فرد من أفراد الناس لعد ذلك من العدوان الآثم، فكيف إذا كان هذا مع جهاز محترم هو صمام أمان الدولة وضمانة بقائها.. نسأل الله تعالى أن يهدي الجميع لسداد القول والعمل ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾لأحزاب.
قصة أصحاب السبت
▪وبماذا يوصي معاليكم أعضاء الهيئة الذين يتعرضون لأذى الناس؟- لا ننس قصة أصحاب السبت الذين اعتدوا على ما حرّم الله إنه عندما نزل بهم العذاب لم ينج منه إلا الذين أنكروا المنكر، قال تعالى:﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)﴾الأعراف. إنها موعظة لنا وعبرة والسعيد من وعظ بغيره. وعلى أعضاء الهيئة أن يمضوا في طريقكم ويصبروا على أذى الناس ليكونوا من الذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. كما قال لقمان لابنه ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾ لقمان . أمدهم الله بنصره وتأييده وهدى الذين التبست عليهم الأمور.
من هو المتزمت المتنطع؟
▪معالي الشيخ لننتقل إلى جانب آخر من الحوار .. يشيع في بعض المجتمعات أن من يأمر بالالتزام بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- كتوفير اللحى وترك الإسبال أن هذا متنطع ومتزمت كما يزعمون، فهل من كلمة حول هذا الموضوع؟- الأمور الشرعية والضوابط ليس مرجعها إلى اختلاف الناس وذوق الناس وإنما مرجعها إلى الكتاب والسنة ، فالغلو والتشدد والتطرف كما يقولون هذه يُرجع إلى ضوابطها في الكتاب والسنة ، الكتاب والسنة فيهما أن الغلو والتشدد والتزمت هو الزيادة عن المشروع ، أما الالتزام بالمشروع وتطبيق السنة فهذا ليس تشدداً بل هذا اعتدال، فترك الإسبال وإكرام اللحية وإرسالها وعدم حلقها هذا عمل بالسنة، وهذا اعتدال وليس تشدداً ، أما حلقها والإسبال فهو ترك للسنة ، وهذا تفريط، ونحن قلنا إن الدين بين الإفراط والتفريط ، فترك الأوامر؛ هذا تفريط والزيادة على الأوامر هذا إفراط ، فمثلاً التزمت والتشدد والغلو والتطرف هذا هو الزيادة عن المشروع والزيادة على الأوامر، كما أن ترك الأوامر هذا تفريط وإهمال وفسوق أو كفر أحياناً، أما الالتزام بأوامر الله وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتطبيق السنة فهذا هو الاعتدال والحمد لله .
استدلال باطل
▪لكن هناك من يدّعي جواز التسامح والتنازل عن الواجبات الشرعية بدعوى مراعاة المصالح والمفاسد، ويستدل على ذلك بترك المرأة الحائض للصلاة والصيام مع أنهما ركنا الإسلام، وكذلك يستدل على ذلك بترك النبي صلى الله عليه وسلم لكتابة «الرحمن الرحيم» وعدم كتابة «محمد رسول الله» في رسائله، وكذلك ترك الوضوء على من لم يجده، فما صحة هذه الاستدلالات؟- هذا استدلال باطل ، وإلحاد في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وقائل هذا يجب أن يتوب إلى الله ، يعلن توبته عن هذا الخوض في أحكام الله عز وجل بغير علم أو بغير بصيرة أو بهوى ، لا يجوز له الكلام هذا ، لو أُخِذَ بقوله هذا لغُيّر الدين كله ، ويقال إن المصلحة تقتضي هذا، لا تصلوا لأن المصلحة تقتضي أنكم لا تصلون؛ حتى لا يعيّروكم الكفار، لا تدفعوا الزكاة لئلا يقال إن المسلمين فيهم محتاجون وفيهم فقراء، لا يجوز هذا الأمر أبداً، وقائل هذا يجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ويرجع للحق والصواب ، ويجب الإنكار عليه. نعم.. الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك الكتابة، وما منع الرحمن أو أنه لا يقال الرحمن الرحيم، ما منع هذا ومحا الاسم من أصله، بل ترك الكتابة فقط، وتركه الكتابة لا يدل على ترك الاسم ؛ بسم الله عز وجل .
مخالفةالإجماع
▪أحسن الله إليكم .. هناك مسائل مجمع عليهاعند المسلمين .. فما حكم من خالفهم؟ وما معنى كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من خالف الإجماع فق دكفر؟- نعم، الله عز وجل قال هذا ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)﴾ الأنفال وهذا دليل على أن من خالف الإجماع فإنه يكفر.
الإجماع والقياس
▪ومن أنكر الإجماع والقياس، أيكون مبتدعا؟- الإجماع، ما من أحد من أهل السنة ينكره، وأعني الإجماع الصحيح القطعي، أما القياس، نعم فيه الخلاف، والجمهور على أنه صحيح، وأنه مدرك من مدارك الأحكام؛ لكن لا يحكم على من أنكره بالكفر، أما من خالف الإجماع فيحكم عليه بالكفر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)﴾ الأنفال.
احترام الرأي الآخر
▪لكن .. مارأي الشيخ صالح في قول أحدهم : «أجمع العلماءعلى احترام الرأي الآخر » هل هذا القول صحيح، وهل الإجماع معتبر؟- هذا إجماعه هو ، أما العلماء فما أجمعوا ، هذا كذب على العلماء ، أجمعوا على احترام الحق ، كما قام عليه الدليل ، أما ما خالف الدليل فإنه مرفوض ولو كان رأياً آخر .
[«مجلة الحسبة»«العدد112»«الصفحة 48-50»]