الجـمعـيّـات
حركة بلا بركة
تقديم
شيخنا العلامة أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله ورعاه.
تأليف
أبي الحسين الجاوي الإندونيسي
علق على بعضها
أبو تراب الجاوي
دار الحديث بدماج
تقديم شيخنا العلامة
أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى ورعاه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
أما بعد :
فقد تصفحت ما جمعه أخونا الفاضل أبو الحسين الجاوي بعنوان : "الجمعيات حركة بلا بركة" وكأنه أخذ هذا العنوان من حديث حكيم بن حزام أن النبي قال :"فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ". متفق عليه .ففي هذا الحديث أن الرزق الذي سيخرج بغير طيبة نفس من صاحبه وإنما بالإحراج له لا بركة فيه ، كما ثبت في صحيح مسلم عن معاوية أن النبي قال : " فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته من شيئا وأنا له كاره ، فيبارك له فيما أعطيته" .
كما إذا أخذ ببعض الوجوه والحيل التي عرف بها من ابتلي بمحاولة استخراج الأموال من أصحابها من أهل الجمعيات إما بكذب وإما بإظهار ذل ونحو ذلك ، فهذا لا بركة فيه كما دل عليه حديث حكيم بن حزام .
فعنوان هذه الرسالة وما تضمنه من النصح في طياتها كله طيب ، ونصح كاتبها بالعفة وحذر من بعض ما تنطوي عليه الجمعيات من المفاسد ، فجزاه الله خيرا
كتبه :
فضيلة الشيخ أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله
في ربيع الثاني 1429 هـ
بدار ا الحديث بدماج حرسها الله
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده روسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء:1] . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتُها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
ويقول عن نوح: ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف:62] وكذلك قال عن هود وصالح وشعيب.
وقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه (55) :
حدثنا محمد بن عباد المكى حدثنا سفيان قال قلت لسهيل إن عمرا حدثنا عن القعقاع عن أبيك قال ورجوت أن يسقط عني رجلا قال : فقال سمعته من الذى سمعه منه أبي كان صديقا له بالشام ثم حدثنا سفيان عن سهيل عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال «الدين النصيحة» قلنا لمن قال «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
ومن النصيحة ؛ القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:104] ولم يقل «طائفة» وإن كان الفرض فيه كفائياً وإنما قال «أمة» لأن هذه الكلمة تشعر التعاون والتكاتف من جميع أفرادها للقيام بهذا الواجب، كل بحسب استطاعته كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فلا ينبغي أن يخذل بعضهم بعضًا عن القيام به(1)، والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (49):
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة كلاهما عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب - وهذا حديث أبي بكر - قال أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة. فقال قد ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ج 1 / ص 118) :
وإن كان العبد عاجزا عن معرفة بعض ذلك، أوالعمل به، فلا ينهى عما عجز عنه مما جاء به الرسول، بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه، لكن عليه أن يفرح بقيام غيره به، ويرضى بذلك، ويود أن يكون قائما به. اهـ
لقد فشت في هذه الآونة الأخيرة بين أوساط المسلمين عموماً والسلفيين خصوصاً طريقة جديدة مخترعة يقال لها «جمعية» تحت ستار العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعمال الخيرية.
فإذا الأيام تكشف حقيقتها وفتنتها، أنها حزبية عصرية مغلفة، فقد ضاع الشباب والدعاة وطلبة العلم بسببها، فهل من مدكر؟ فالواجب على المسلم إنكارها بل إزالتها عن أوساط المسلمين لأنها تسبب الفرقة والاختلاف الذي نهانا الله عنه في كتابه وعلى لسان رسوله.
والله تعالى يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103] ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:105] ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم/31، 32].
فبين أيديكم رسالة موجزة في بيان حقيقة هذه الطريقة الماكرة أهلها، وعلق عليها أخونا الفاضل أبو تراب الجاوي - حفظه الله تعالى وجزاه خيرا – وأضاف إليها بعض الأشياء من فوائد دروس شيخنا - حفظه الله تعالى ورعاه - وغيرها، وأسأل الله أن يبارك هذا الجهد المقل ويجعله ذكرى لمن كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد فإن الذكرى تنفع المسلمين.
كتبه
أبو الحسين محمد بن محيي الدين الجاوي الأندونيسي
24 رمضان 1428 هـ
الجمعيات
الجمعية هي: تعبير سياسي اجتماعي يطلق عادة على تجمع عدة أشخاص للدفاع عن مصالحهم المشتركة أوتحقيق فكرة مشتركة ضمن حدود معينة وواضحة ونصت بعض القوانين على استبعاد الربح ومبدأ المشاركة في تحديد اصطلاح الجمعيات مثل القوانين الفرنسية أوالبلجيكية أوالإيطالية أوالأسبا نية وغيرها من قوانين البلدان اللا تينية، وكذالك قانون الجمعيات الصادر في لبنان في عهد الدولة العثمانية في 3 أغسطس 1909 م إذ ورد في مادته الأولى «الجمعية هي مجموع مؤلف من عدة أشخاص لتوحيد معلوماتهم ومساعيهم بصورة دائمة والغرض لا يقصد به اقتسام الربح»(1)
وفي معجم الوسيط مادة جمع :
( الجمعية) طائفة تتألف من أعضاء لغرض خاص وفكرة مشتركة ومنها الجمعية الخيرية الإسلامية والجمعية التشريعية والجمعية التعاونية والجمعية العلمية والأدبية (محدثة )(2)
وتوسع المتأخرون فأطلقوا هذا المصطلح لما يسمونه بالمؤسسات والشركات والمنتديات ونحوها، فإن العبرة بالمسميات والحقائق لا بالأسماء والمظاهر فتنبه!(3)
تاريخ الجمعيات
أثبتت التواريخ أنها من أقدم الوسائل التي استخدمها اليهود لنشر أفكارهم المسمومة وهي الماسونية حتى نجحت بواسطة جمعية الإتحاد والترقي في تركيا – التي أسست عام 1898 م – 1316هـ- في القضاء على الخلافة الإسلا مية العثمانية وقد كان للجمعية فروع في معظم الولايات العربية. ( )
ثم أخذ هذه الفكرة جمال الدين الأفغاني(2) وأمثاله ونشرها في أوساط المسلمين وتلقاها منه تلميذه محمد عبده حتى قام هو ونفر من أصدقائه في تأسيس جمعية الخيرية الإسلامية وكان هو الواضع لمشروع نظامها وهدفها تربية أولاد الفقراء تربية يحافظون فيها على عقائدهم وأداب دينهم وأخلاقهم وأعمالهم ويستعينون بها على معايشهم وتحصيل أرزاقهم(1) ثم تبعه تلميذه محمد رشيد رضا وأشاد بها في كتابه المنار.(2)
ومن هنا استفادها الحزبيون كالإخوان المسلين وغيرهم فطبقوها في أوساطهم حتى اغتر بعض المنتسبين إلى السنة والسلفية بهذه الفكرة ففعلوا مثل فعلهم ، رجاء مصلحتها وظنا في خيرها ، فإذا هي بائقة من بوائق الحزبية ، فرقت الدعوة وميعت أصحابها حتى ضاعت جهود كثير من أهلها ، والله المستعان .
شعارات الجمعيات المعلنة
لقد تنوعت عبارات أصحابها لكثرتها إلا أنها لا تخرج عن أحد هذه الأمور :
المشاركة في أعمال خيرية منها:
* مساعدة المحتاجين من الفقراء والمساكين واليتامى وغيرهم.
* مساعدة منكوبي الكوارث الطبيعية (1) كالزلازل والحرائق.
* مساعدة الشباب للزواج.
* إنشاء المشاريع الخيريات كالمستشفيات والملاجي ودور الحضانة ونحوها.
المشاركة في أعمال دعوية منها:
* نشر العقيدة الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة.
* حل مشاكل الدعوة في المجتمع.
* تدريب الدعاة وإعدادها.
* رعاية طلبة العلم والمراكز العلمية.
* طباعة الكتب الدينية وتوزيعها مجانًا.
* إنشاء المساجد والمعاهد والمدارس الدينية.(2)
تعاون شرعي لا تجمع بدعي
قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[المائدة:2]
وقال تعالى :﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:104]
وقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
قال الإمام البخاري رحمه الله : باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا
حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن أبي بردة بريد بن أبي بردة قال أخبرني جدي أبو بردة عن أبيه أبي موسى : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا». ثم شبك بين أصابعه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا إذ جاء رجل يسأل أوطالب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال :«اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء».
فهذه الأدلة كلها أصل في شرعية التعاون بين المسلمين بعضهم بعضا، وذلك منوط بقيامه على البر والتقوى، وقد قام النبي وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين بهذا الواجب أحسن قيام، ولنا فيهم أسوة .قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:21]
ومن أمثلة ذلك:
ما قال الإمام البخاري رحمه الله : باب التعاون في بناء المسجد
حدثنا مسدد قال حدثنا عبد العزيز بن مختار قال حدثنا خالد الحذاء : عن عكرمة قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكر بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول:«ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ". قال يقول عمار : أعوذ بالله من الفتن.
وقال الإمام البخاري رحمه الله (428):
حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار فقال :«يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا». قالو لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فقال أنس فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول :
اللهم لا خير إلا خير الآخرة * فاغفر للأنصار والمهاجرة .
وقال الإمام البخاري رحمه الله (4101)
حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال أتيت جابرًا رضي الله عنه فقال إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كدية عرضت في الخندق فقال (أنا نازل ). ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب الكدية فعاد كثيبا أهيل أوأهيم فقلت يا رسول الله ائذن لي إلى البيت فقلت لامرأتي رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ قالت عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج فقلت طعيم، فقم أنت يا رسول ورجل أورجلان قال :«كم هو ؟». فذكرت له قال :«كثير طيب قال قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال قوموا». فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت هل سألك؟ قلت نعم فقال .«ادخلوا ولا تضاغطوا!». فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال: «كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة»
قال الإمام البخاري رحمه الله ( 2386 ):
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حماد بن أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :«إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أوقل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم» [ وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم رقم 2500 ].(1)
قال الإمام البخاري ~ - (3581) :
حدثنا أبو النعمان قال حدثنا معتمر بن سليمان قال حدثنا أبي حدثنا أبو عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر: أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أوسادس». وإن أبا بكر جاء بثلاثة فانطلق النبي بعشرة قال فهو أنا وأبي وأمي فلا أدري قال وامرأتي وخادم بيننا وبين بيت أبي بكر وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حيث صليت العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته وما حبسك عن أضيافك أوقالت ضيفك؟ قال أوما عشيتيهم؟ قالت أبوا حتى تجيء قد عرضوا فأبوا قال فذهبت أنا فاختبأت فقال يا غنثر فجدع وسب وقال كلوا لا هنيا فقال والله لا أطعمه أبدا وأيم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها قال يعني حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أوأكثر منها فقال لامرأته يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده وكان بيننا وبين قوم عقد فمضى الأجل ففرقنا اثني عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل فأكلوا منها أجمعون. أوكما قال .[أخرجه مسلم في الأشربة باب إكرام الضيف وفضل إيثاره رقم 2057]
قال الإمام مسلم رحمه الله رحمه الله (677) :
حدثنا محمد بن حاتم حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك قال جاء ناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة. فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالى حرام يقرءون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه فى المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء فبعثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان. فقالوا اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا - قال - وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه. فقال حرام فزت ورب الكعبة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه «إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا».
قال الإمام الترمذى رحمه الله- (2987):
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدى عن أبي مالك عن البراء ﴿ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون﴾ قال نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتى من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتى بالقنو والقنوين فيعلقه فى المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل وكان ناس ممن لا يرغب فى الخير يأتى الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل الله تعالى:﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه﴾ قالوا لو أن أحدكم أهدى إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء قال فكنا بعد ذلك يأتى أحدنا بصالح ما عنده.
[قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح وأبو مالك هو الغفارى ويقال اسمه غزوان وقد روى سفيان عن السدى شيئا من هذا.اهـ قلت: الحديث في الصحيح المسند]
قال الإمام مسلم رحمه الله (1017):
حدثنى محمد بن المثنى العنزى أخبرنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه قال كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتأبي النمار أوالعباء متقلدى السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: «﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة﴾ إلى آخر الآية ﴿إن الله كان عليكم رقيبا ﴾ والآية التى فى الحشر ﴿اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله﴾ تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره - حتى قال - ولو بشق تمرة». قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت - قال - ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن فى الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"
قال الإمام مسلم رحمه الله (2054):
حدثنى زهير بن حرب حدثنا جرير بن عبد الحميد عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال إنى مجهود. فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذى بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك لا والذى بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. فقال «من يضيف هذا الليلة رحمه الله». فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء. قالت لا إلا قوت صبياني. قال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه. قال فقعدوا وأكل الضيف. فلما أصبح غدا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة»
قال الإمام مسلم رحمه الله (2630):
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر - يعني ابن مضر - عن ابن الهاد أن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش حدثه عن عراك بن مالك سمعته يحدث عمر بن عبد العزيز عن عائشة أنها قالت جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التى كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها فذكرت الذى صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال «إن الله قد أوجب لها بها الجنة أوأعتقها بها من النار».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5135):
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد : أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال :«هل عندك من شيء». فقال لا والله يا رسول الله قال :«اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا». فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا قال: «انظر ولو خاتما من حديد». فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري -قال سهل ما له رداء- فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك شيء». فجلس الرجل حتى طال مجلسه ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعي فلما جاء قال :«ماذا معك من القرآن». قال معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا عدها قال :«أتقرؤهن عن ظهر قلبك». قال نعم قال :«اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن».
[وأخرجه مسلم في النكاح باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد... رقم 1425]
قال الإمام مسلم رحمه الله (1072):
حدثنى عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين - قالا لى وللفضل بن عباس - إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس - قال - فبينما هما فى ذلك جاء على بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك فقال على بن أبي طالب لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل. فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا فوالله لقد نلت صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما نفسناه عليك. قال على أرسلوهما. فانطلقا واضطجع على - قال - فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا. ثم قال: «أخرجا ما تصرران» ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش - قال - فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون - قال - فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه - قال - وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه - قال - ثم قال: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد. إنما هي أوساخ الناس ادعوا لى محمية -وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب». قال فجاءاه فقال لمحمية: «أنكح هذا الغلام ابنتك». للفضل بن عباس فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث: «أنكح هذا الغلام ابنتك». لى فأنكحني وقال لمحمية: «أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا».
قال الإمام البخاري رحمه الله (4344):
حدثنا مسلم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جده أبا موسى ومعاذا إلى اليمن فقال: «يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا». فقال أبو موسى يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشعير المزر وشراب من العسل البتع فقال: «كل مسكر حرام». فانطلقا فقال معاذ لأبي موسى كيف تقرأ القرآن؟ قال قائما وقاعدا وعلى راحلتي وأتفوقه تفوقا قال أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وضرب فسطاطا فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق فقال ما هذا؟ فقال أبو موسى يهودي أسلم ثم ارتد فقال معاذ لأضربن عنقه.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2ص133):
حدثنا الحكم بن نافع حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب قال قال عبد الله بن عمر أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال اغد علي بها ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق خمر قد جلبت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته .
[في إسناده ضعيف وله طرق وشواهد يحسن بها كما ذكره العلامة الألباني في الإرواء (1529) ومنها حديث أبي سعيد عند مسلم].
قال الإمام مسلم رحمه الله رقم (1579)
حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى أبو همام حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب بالمدينة قال: « يا أيها الناس إن الله تعالى يعرض بالخمر ولعل الله سينزل فيها أمرا فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به ». قال فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : « إن الله تعالى حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع ». قال فاستقبل الناس بما كان عنده منها فى طريق المدينة فسفكوها.
والأدلة في الباب كثيرة جدا ومع ذلك لا نعلم دليلا واحدا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين أنهم قاموا بهذا الواجب (التعاون على البر والتقوى) على هذه الهيئة التي يسمونها بالجمعيات والمؤسسات ونحوها.
من
أضرار الجمعيات
ومفاسدها
مخالفة طريقة السلف(1)
قال الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أويُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115]
وقال الإمام البخاري رحمه الله (2697):
حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد».
قال الإمام مسلم رحمه الله (1718) :
حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد جميعا عن أبي عامر قال عبد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم قال سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن فأوصى بثلث كل مسكن منها قال يجمع ذلك كله فى مسكن واحد ثم قال أخبرتنى عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ».
قال الإمام الترمذي رحمه الله(ج7ص438):
حدثنا علي بن حجر حدثنا بقية بن الوليد عن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ». قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعيرحمه الله]
قال الإمام أبو داود رحمه الله(ج5ص18):
حدثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان قال كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر ح وثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حماد بن دليل قال سمعت سفيان الثوري يحدثنا عن النضر ح وثنا هناد بن السري عن قبيصة قال ثنا أبو رجاء عن أبي الصلت وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم قال : كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر فكتب: أما بعد أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره (أراد التوسط بين الإفراط والتفريط) واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أوعبرة فيها فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها ولم يقل ابن كثير " من قد علم " من الخطأ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم فإنهم هم السابقون فقد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم من مقصر وما فوقهم من محسر (حسر الشيء يحسره أي كشفه) وقد قصر قوم دونهم فجفوا وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. مختصرًا
قال العلامة الألباني :وهو أثر صحيح.
قال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (6):
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، قال: أخبرني أبي قال،: سمعت الأوزاعي، يقول: عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس. وإياك ورأي الرجال، وإن زخرفوه بالقول. فإن الأمر ينجلي ، وأنت على طريق مستقيم.
قلت: وهوأثر صحيح .
وقال ابن أبي خيثمة رحمه الله في كتاب العلم (54)
ثنا جرير عن العلاء عن حماد عن إبراهيم قال قال عبد الله اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة.
[ قال اللباني رحمه الله : هذا إسناد صحيح]
وفي الصارم المنكي لابن عبدالهادي رحمه الله (ص 471):
قال ابن مسعود رضي الله عنه : من كان منكم مسنناً فليستن بمن قد مات ، فإين الحين لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه ، فأعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ، وبسط هذا له موضع آخر .
وفي الرسالة التدمرية لابن تيمية رحمه الله (ص 96):
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما : يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم فو الله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبها بعيدا ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 158):
وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في فتاواه (ص250):
وكل ما لم يكن عليه السلف الصالح فليس من الدين فقد كانوا أحرص على الخير من هؤلاء فلو كان فيه خير لفعلوه وقد قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3] قال مالك بن أنس: فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا.
وقال أيضا في الموافقات (ج3ص280) :
الحذر الحذر من مخالفة الأولين ! فلو كان ثم فضل ما لكان الأولون أحق به والله المستعان.ٍٍٍاهــ
وذلك لأنه لم يثبت عن أحد من السلف لا فى القرون المفضلة ولا من بعدهم قامت دعوته على هذه الطريقة وهم أحرص الناس لهدايتهم وإيصال الخير لهم وأعلم الناس بمصالح هذه الدعوة فلوكانت هذه صالحة لماتركوها مع وجود مقتضاها (1)وقد قال الإمام مالك: لن يصلح آخرهذه الأمة إلا ما أصلح أولها. فعلم أنها ليست فى صالح الدين ولا الدعوة ولا المجتمع بل فى إفسادها أظهر.
التشبه بالكفار
قال الله تعالى :﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة:6، 7]
قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:149]
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران:100]
وقال تعالى :﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم:31- 32]
قال الإمام مسلم رحمه الله (302) :
حدثنى زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدى حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت فسأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض﴾ إلى آخر الآية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « اصنعوا كل شيء إلا النكاح». فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا. فلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فأرسل فى آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الإقتضاء (ج 1ص 269) تحقيق العقل:
وأيضا مما هو صريح في الدلالة ما روى أبو داود في سننه حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو النضر يعني هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت حدثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» وهذا إسناد جيد. اهـ
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره (ج 1 / ص 374):
ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم، ولباسهم وأعيادهم، وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نُقَرر عليها. اهـ
وقد علم مما تقدم أن هذه الطريقة جاءت من الغرب وأسست على وفق قوانينهم, فهذان الأمران – يعني الإحداث فى الدين والتشبه بالكفار – كافيان فى القطع بأنها بدعة محدثة بل من أشدها وأقبحها كما قال شيخ الإسلام رحمه الله فى الإقتضاء (ج1ص476-477) :
وأما القسم الثالث وهو ما أحدثوه من العبادات أوالعادات أوكليهما فهو أقبح وأقبح فإنه لو أحدثه المسلمون لقد كان يكون قبيحا فكيف إذا كان مما لم يشرعه نبي قط بل قد أحدثه الكافرون فالموافقة فيه ظاهرة القبح فهذا أصل.
وأصل آخر وهو أن كل ما يتشابهون فيه من عبادة أوعادة أوكليهما فهو من المحدثات في هذه الأمة ومن البدع إذ الكلام فيما كان من خصائصهم وأما ما كان مشروعا لنا وقد فعله سلفنا السابقون فلا كلام فيه.
فجميع الأدلة الدالة من الكتاب والسنة والاجماع على قبح البدع وكراهتها تحريما أوتنزيها تندرج هذه المشابهات فيها فيجتمع فيها أنها بدعة محدثه ومشابهة للكافرين وكل واحد من الوصفين يوجب النهي إذ المشابهة منهي عنها في الجملة ولو كانت في السلف والبدعة منهي عنها في الجملة ولو لم يفعلها الكفار فإذا اجتمع الوصفان صارا علتين مستقلتين في القبح والنهي.اهــ
فكيف إذا أضيفت معهما مخالفات شرعية أخر؟
التكلف بما لا يشرع
قال الله تعالى :﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص:86]
وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر﴾ [البقرة:185]
وقال تعالى :﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:6]
وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج:78]
وقال تعالى: ﴿طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه:1، 2]
• قال الإمام البخاري ~ (39):
حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة».
وهكذا شأن المحدثات فى الدين فيها تكلف وحرج لأنها استدراك على هذه الشريعة الكاملة. وهذا ملاحظ فى الواقع فإنهم استحسنوا أمورا على حساب الدين والدعوة لم يأذن بها الله ووضعوا مناهج ودساتر وقوانين وبرامج يسيرون عليها ما أنزل الله بها من سلطان.
التسولات(1)
قال الله تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [هود:29]
وعن هود عليه السلام: ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [هود:51]
وأخبر الله تعالى عن أنبياءه: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين﴾ [الشعراء:109]. وعلم نبيه أن يقولها :﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص:86]
حتى صار هذا سيماتهم عرفوا به عند قومهم. قال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس:21] ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾ [محمد:36-37]
وهذا هو دعوة الأنبياء والرسل المبنية على العفة وعدم التطلع لما في أيدي الناس.
• قال الإمام البخاري رحمه الله : (2681)
حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره قال : أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفة نبي.
فأين هؤلاء من دعوة الأنبياء والمرسلين ؟
ألم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذم المسألة وكراهتها؟
أيزعمون أنهم مستثنون فيها ؟
قال الإمام البخاري رحمه الله (1472) :
حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده فقال:«ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر».
• قال الإمام البخاري ~ (1473):
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن الزهري عن سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت عمر يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال :«خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك».
• قال الإمام البخاري ~ (1474):
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر قال سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر قال سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم».
• قال الإمام مسلم ~ (1044):
حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما عن حماد بن زيد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن هارون بن رياب حدثنى كنانة بن نعيم العدوى عن قبيصة بن مخارق الهلالى قال تحملت حمالة فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها فقال: « أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ». قال ثم قال « يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أوقال سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوى الحجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أوقال سدادا من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا ».
• قال الإمام النووي ~ (ج 3 / ص 488):
مقصود الباب وأحاديثه : النهي عن السؤال ، واتفق العلماء عليه إذا لم تكن ضرورة ، واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين أصحهما : أنها حرام ؛ لظاهر الأحاديث . والثاني : حلال مع الكراهة بثلاث شروط : ألا يذل نفسه ، ولا يلح في السؤال ، ولا يؤذي المسئول ، فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق . والله أعلم . اهـ
قال الحافظ رحمه الله في الفتح (ج 17 / ص 98) بعد أن ذكر الأقوال وكلام النووي : ( تنبيه ) : جميع ما تقدم فيما سأل لنفسه ، وأما إذا سأل لغيره فالذي يظهر أيضا أنه يختلف باختلاف الأحوال .
• قال شيخ الإسلام ~ كما في الفتاوى (ج 11 / ص 46):
ولم يكن فى الصحابة لا أهل الصفة ولا غيرهم من يتخذ مسألة الناس ولا الإلحاف فى المسألة بالكدية والشحاذة لا بالزنبيل ولا غيره صناعة وحرفة بحيث لا يبتغى الرزق الا بذلك كما لم يكن فى الصحابة أيضا أهل فضول من الاموال يتركون لا يؤدون الزكاة ولا ينفقون أموالهم فى سبيل الله ولا يعطون فى النوائب بل هذان الصنفان الظالمان المصران على الظلم الظاهر من مانعي الزكاة والحقوق الواجبة والمتعدين حدود الله تعالى فى أخذ اموال الناس كانا معدومين فى الصحابة المثنى عليهم.اهـ
وما هذه الخصلة الذميمة إلا نتيجة من التكلف بما لا يشرع والأماني الفارغة ...أننا
سنفعل كذا ونبني كذا ونحتاج ونريد... والواقع شاهد لذالك .
تصوير ذوات الأرواح
• قال الإمام البخاري ~ (2225):
حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا يزيد بن زريع أخبرنا عوف عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول :«من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا». فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح.
قال الإمام البخاري رحمه الله (5950 ):
حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الأعمش عن مسلم قال كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صفته تماثيل فقال سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5951 ):
حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5954 ):
حدثنا موسى حدثنا عبد الواحد حدثنا عمارة حدثنا أبو زرعة قال دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينة فرأى أعلاها مصورا يصور قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5954 ):
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت عبد الرحمن بن القاسم وما بالمدينة يومئذ أفضل منه قال سمعت أبي قال سمعت عائشة رضي الله عنها : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله». قالت فجعلناه وسادة أووسادتين.
هكذا المعاصي تجر بعضها بعضا. قال الله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون﴾ [البقرة:10]
فإنهم ما ارتكبوها إلا لإقناع المتبرعين طمعا لما في أيديهم، ثم اعلموا – وفقكم الله – أن الشيطان سول لبعض أناس تصوير البنايات لهذا الغرض في بادئ الأمرحتى أوقعهم في هذه الكبيرة وهم لايشعرون فاحذروه فإنه من مكايد الشيطان.وصدق الله إذ يقول: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُون﴾ [الأعراف:182]
ويقول عن إبليس: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف:16-17].
الاحتيال لأخذ أموال الناس
بالباطل
قال الله تعالى :﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[البقرة:188]
وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾[النساء:29]
وقال تعالى :﴿ وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ [النساء:2]
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء:10]
• قال الإمام البخاري ~ (3118):
حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال حدثني أبو الأسود عن ابن أبي عياش واسمه نعمان عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة».
• وقال الإمام البخاري ~ (2597) :
حدثنا عبيد الله بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا». ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :«أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أوبقرة لها خوار أوشاة تيعر». ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول :«اللهم هل بلغت». بصر عيني وسمع أذني.
• قال الإمام البخاري ~ (2766) :
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد المدني عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال :«الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
• قال الإمام محمد أمين الشنقيطي - رحمه الله - لولده عبد الله :
يا ولدي ! الدنيا ينبغي أن يبتعد منها، واحذر من الدنيا فإنك تراها كالماء المالح، إذا شرب منه الإنسان زاد ظمأ، واعلم أن الشيطان يكذب عليك ويضحك عليك ،ويقول لك: اجمع الأموال لكي تتصدق بها وتبني بها المدارس وتنفق على الأيتام، والشيطان يضحك عليك، يريدك أن تجمع المال وفى النهاية قال: ما لك رائح تعطي عليه؟ ولا يستريح جسمك، ولا تتعلم العلم وتضيع حياتك الدنيا، ولا رائح تتصدق ولا تنفقها، فتبقى عليك الآثام ويضيع عليك وقتك، فاحذر يا ابني من الدنيا. اهـ من شريط «سيرة الإمام الشنقطي» وجه(ا).
قلت: وهو الواقع في الغالب فإن العبد إذا جمع المال لا يعطيه للناس لأن المال فتنة، فمن يأمن على نفسه من فتنته وقد روى الإمام الترمذي في جامعه (ج 6ص629):
حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن سوار حدثنا ليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن كعب بن عياض قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال » .قال أبو عيسى هذا حديث صحيح غريب إنما نعرفه من حديث معاوية بن صالح .
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعي ~](1)
الافتتان بالدنيا والتهالك عليها
قال تعالى: ﴿واعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[الأنفال:28]
وقال تعالى :﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن:15]
وقال تعالى :﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[طه:131]
وقال تعالى :﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور﴾[الحديد:20]
• قال الإمام البخاري~ (3158) :
حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر ويونس عن الزهري عن عروة بن الزبير أنه أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمرعليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما انصرف تعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال :«أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء». قالوا أجل يا رسول الله قال :«فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم».
• وقال الإمام البخاري~ (2961):
حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى عن هلال بن أبي ميمونة حدثنا عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يحدث : أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال :«إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها».
• قال الإمام مسلم~ (2742) :
حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء ».
• قال الإمام الترمذي~ (ج7ص46) :
حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن ابن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه».قال أبو عيسى ~هذا حديث حسن صحيح.
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعي ~]
والحقيقة أن هذه الجمعيات ليست مهيئة لنشر العلم والدعوة والخير كما زعموا بل هي مهيئة للافتتان بالدنيا والتنافس فيها والتهالك عليها.(1)
الانشغال عن طلب العلم
قال الله تعالى :﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:28]
وقال تعالى :﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾[المجادلة:11]
• قال الإمام البخاري ~ (71) :
حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال قال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيبا يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله».
والله، فإنهم محرومون من هذا الخير لأنهم ضيعوا أنفسهم وأوقاتهم بالتسجيلات والبرامج والتسولات والجلسات، وهم في أوساط العلم ومراكزه، ولذا تجدهم واقعين في مخالفات كثيرة لقلة بضاعتهم في العلم الذي يمنعهم من الوقوع في مخالفة الشرع.(1)
إيداع الأموال في البنوك الربوية(1)
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:275]
وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُون﴾ [البقرة:278، 279]
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:130]
• قال الإمام مسلم ~ (1597-1598):
حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم - واللفظ لعثمان - قال إسحاق أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير عن مغيرة قال سأل شباك إبراهيم فحدثنا عن علقمة عن عبد الله قال لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا ومؤكله. قال قلت وكاتبه وشاهديه قال إنما نحدث بما سمعنا.
حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالوا حدثنا هشيم أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء.
وهذا حاصل في غالب الجمعيات والمؤسسات إن لم يكن كلها ثم إن البنوك تستفيد من أي نوع من أنواع المعاملات معها حتى الحوالة فكيف بإيداع الأموال فيها؟ سواء أخذت الربا أم لا، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2]
وعلى كل هي محرمة وإلا فأقل أحوالها شبهة(1) وقد روى الإمام مسلم ~ (1599):
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمدانى حدثنا أبي حدثنا زكرياء عن الشعبى عن النعمان بن بشير قال سمعته يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه: «إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب». (2)
الخضوع للقوانين الوضعية
والله يقول:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء/60]
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره - (ج 2 / ص 346):
هذا إنكار من الله، عز وجل، على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية: أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد. وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل: في جماعة من المنافقين، ممن أظهروا الإسلام، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية. وقيل غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل.اهـ
وهذا الخضوع لهذه القوانين يعتبر عدولا عن الكتاب والسنة مع ما في تلك القوانين التي افترضها الكفار على كثير من بلدان الإسلامية من النظام الديمقراطي الطاغوتي، و هذا أمر خطير جدا .
التنظيم المحدث
وهو التنظيم الذي بني على وفق القرارات والقوانين الوضعية الغربية ، ولم يدل عليه دليل البتة ، فإن الشرع حث على التعاون في الخير على نظام شرعي لا على هذا التنظيم الحزبي كما قال فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله في شرح المسائل الجاهلية ص 156: إن أهل السنة والجماعة يقرون بالجماعة بمعنى التجمع للدعوة، للخير للأمر والنهي وللهدى والصلاح تجمعا مشروعا يكون فيه تطاوعا وليس فيه طاعة ويكون فيه ائتلاف ولا يكون فيه أمر ونهي ، ويكون فيه نظام وليس فيه تنظيم ، وهذه هي أصول دعوة كل من تجمع من أهل السنة في قديم الزمان وفي الحديث ، وكذلك من جهة التنظيم يعني : بعض الجماعات تتجمع على تنظيم ، وهؤلاء كما رأيت في بعض مؤلفاتهم يستدلون بمقالات شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم ، هم لم يفهموا فإن شيخ الإسلام رحمه الله ذكر نظاما ، وما يعني به النظام ولم يذكر التنظيم لأن التنظيم هذا حادث ، التنظيم بمعنى تكون رأس للحزب يطاع ، ومن تحته تبلغ لهم الأشياء كما يحصل من طاعة الإمام وهذا لا شك أنه لا يجوز ، ولا يدل عليه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولا غيره . اهـ مختصرا.
الانتخابات(1)
وهي إجراء قانوني يحدد نظامه ومكانه في دستور وبرنامج ولائحة، ليختار على مقتضاه شخص أوأكثر لرئاسة مجلس أونقابة أوندوة أولعضويتها أونحو ذلك.
وهذه طريقة غير شرعية ووسيلة من وسائل القوانين الديمقراطية الطاغوتية المستوردة من بلاد الكفار، وقد تقدم الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وكما ذكره شيخ الإسلام على تحريم التشبه بالكفار سواء كان في أقوالهم أوأفعالهم.
ثم إن هذا تعويد إلى شر ما هوأكبر منه، فإنه قد يفضي بأصحابها إلى المشاركة في الدخول للانتخابات الدولية كما قال أحمد بن محمد الشحي في كتابه «حوار هادي مع إخواني» (ص52) :
فائدة: واعلم يا أخي –حفظك الله- أن طريقة الإخوان المسلمين في تشكيل حزبهم السياسي في يد البلدان التي لم تطبق الديمقراطية الطاغوتية والانتخابات تكون بتأسيس جمعيات أومنتديات إصلاحية وخيرية -زعموا- ثم ينشر شبابهم في ذلك المجتمع على نظام الأسر الذي ذكرته آنفاً في أول هذا الفصل، فإذا صرح ذلك البلد بالحكم الديمقراطي الطاغوتي والسماح للأحزاب بالدخول في الانتخابات وجدتهم يصرحون بأنهم حزب سياسي وهذه الطريقة واضحة لكل عارف بهم ومطلع على خط سيرهم، فقد حصل لهم هذا في مصر والجزائر والسودان واليمن والكويت وما حصوله في بلدنا ببعيد. اهـ
الإمارة في الحضر
• قال الإمام أبوداود رحمه الله رقم (2609):
حدثنا علي بن بحر، حدثنا حاتم ابن إسماعيل، حدثنا محمد بن عجلان، عن نافع، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم».
وقد بين طرقها وشواهدها شيخنا يحيى بن علي الحجوري في كتابه النفيس«ضياء السالكين»(ج 1 / ص 167) بماحاصله أنه قال:
فبهذه الشواهد يصير الحديث صحيحا والحمد لله، والإمارة في السفر ثابتة في جميع مغازي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه في «الصحيحين» وغيرهما ومن ذلك حديث علي الآتي في إمارة عبدالله بن حذافة السهمي.
• قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (7145):
حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن، عن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فرارا من النار أفندخلها، فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف؟».
فهذه الأحاديث دالة على شرعية الإمارة في السفر ولا نعلم دليلاً واحداً في شرعية الإمارة في الحضر إلا لإمام الدولة العام.
وقد كان لأئمة السلف رضي الله عنهم دعوات ومجالس علمية تحضرها آلاف الناس ولم يكونوا يؤمرونهم عليها لا أمير الجمعية ولا رئيس المؤسسة ولا المشرفين لها وإنما إمام وأصحاب وشيخ وتلاميذ .
المهم، أن هذه الإمارة بدعة عصرية أدت بصاحبها إلى التطلع والترفع للرياسة الكبرى والاستشراف لها وهذا مشاهد واقع. (1)
الحزبية
هي ولاء وبراء ضيق على هذه المسميات وأصحابها وومناهجها دون الكتاب والسنة على فهم السلف وهي سبب أصيل في افتراق هذه الأمة شيعا الذي نهانا الله عنه.
قال الله تعالى :﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾[آل عمران:103]
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:105]
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾[الأنعام:159]
وقال تعالى: ﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون:53]
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم:31، 32]
• قال الإمام البخاري ~ (3518):
حدثنا محمد أخبرنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابرا رضي الله عنه يقول: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهلية؟ ثم قال ما شأنهم». فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم «دعوها فإنها خبيثة». وقال عبد الله بن أبي سلول أقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه».
• وقال الإمام مسلم ~ (3584):
حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر قال اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر أو المهاجرون يا للمهاجرين. ونادى الأنصارى يا للأنصار. فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: « ما هذا دعوى أهل الجاهلية ». قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر قال: « فلا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلوما فلينصره ».
• قال شيخ الإسلام في الاقتضاء (ج1/ص241) :
فهاذان الإسمان المهاجرون والأنصار اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة وسماهما الله بهما كما سمانا المسلمين من قبل وفي هذا وانتساب الرجل إلى المهاجرين والأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط كالانتساب إلى القبائل والأمصار ولا من المكروه أوالمحرم كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أومعصية أخرى ثم مع هذا لما دعا كل واحد منهما طائفة منتصرا بها أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وسماها دعوى الجاهلية حتى قيل له إن الداعي بها إنما هما غلامان لم يصدر ذلك من الجماعة فأمر بمنع الظالم وإعانة المظلوم ليبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المحذور من ذلك إنما هو تعصب الرجل لطائفته. اهـ
• قال ابن القيم في المدارج (ج2/ص370) :
هذا وهما اسمان شريفان سماهم الله بهما في كتابه فنهاهم عن ذلك وأرشدهم إلى أن يتداعوا بالمسلمين والمؤمنين وعباد الله وهي الدعوى الجامعة بخلاف المفرقة كالفلانية والفلانية فالله المستعان.
• قال شيخ الإسلام ~ كما في الفتاوى: (ج 1 / ص 292)
فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان . وأولياء الله الذين هم أولياؤه : هم الذين آمنوا وكانوا يتقون فقد أخبر سبحانه أن أولياءه هم المؤمنون المتقون.
وقال أيضا (ج 2 / ص 466):
وأما " رأس الحزب " فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم . وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق والباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التفرقة والاختلاف وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان.
وقال أيضا (ج 6 / ص 310):
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى : ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ . وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدا بموافقته على كل ما يريده ؛ وموالاة من يواليه ؛ ومعاداة من يعاديه بل من فعل هذا كان من جنس جنكيزخان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا مواليا ومن خالفهم عدوا باغيا ؛ بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ؛ ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله ؛ ويحرموا ما حرم الله ورسوله ؛ ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله. اهـ(1)
السرية
هي عبارة عن جلسات واجتماعات عقدت خاصة لأصحاب هذه التنظيمات التي يمارسونها بين حين وآخر أسبوعيا أوشهريا أوسنويا لتدبير عملياتها تحت ستارالعلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذه الطريقة تكمن فيها شرور كثيرة وما جنتها هذه الجلسات من الاستحسانات في الدين والدعوة والثورات على العلماء والأمراء بالطعون فيهم والانقلابات وغيرها كاف في بطلانها وفسادها.
والحمد لله، ديننا الإسلام ظاهر جلي لا خفاء فيه ولا سرية هؤلاء ولا استتارهم.
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾[التوبة:33]
وقال تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين ﴾ [الحجر:94]
وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف:29]
• قال الإمام ابن أبي عاصم ~ في السنة (ج 1 / ص66):
ثنا محمد بن عوف، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، أن ضمرة بن حبيب، حدثه أن عبد الرحمن بن عمرو، حدثه أنه سمع العرباض بن سارية، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد تركتكم على مثل البيضاء ، ليلها كنهارها، لا يزيغ بعدي عنها إلا هالك» (1).
• قال الإمام ابن أبي عاصم ~ في السنة (ج2/ص494):
ثنا الحسن بن علي الحلواني، والحصين بن البزار، قالا: ثنا محمد بن الصباح، ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله بن عمير، عن نافع، عن ابن عمر، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني. قال: «اعبد الله ولا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة، وآت الزكاة، وصم رمضان، وحج البيت، واعتمر، واسمع وأطع، وعليك بالعلانية، وإياك والسر».
قال العلامة الألباني: إسناده جيد
• قال الإمام أبو نعيم ~ في حلية الأولياء (ج 5 / ص 338):
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن عبدالوهاب بن نجدة ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي قال قال عمر: إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم دون العامة فاعلم أنهم في تأسيس الضلالة.
وأخرجه اللالكائي في السنة (251) من طريق ابن مهدي عن ابن المبارك عن الأوزاعي به. وهو أثر صحيح.
وأما القضايا الدينية والدعوية ترد إلى أهلها ذوي البصائر من العلماء لا إلى هؤلاء الهمج الرعاع الذين لا يهمهم إلا المصالح الشخصية والمطامع الدنيوية.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أوالْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم﴾ [النساء:83]
فهذه الأمور لا تخلو منها جمعية حتى صارت وصفا طرديا لهذه المنظمات في جلها إن لم يكن كلها، فالذي لا يعرفها اليوم سيعرفها غدا، فإن الواقع خير شاهد لما أقول: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد﴾ [غافر:44]
فلا داعي لإنشاء مثل هذه التجمعات سواء سموها جمعية أومؤسسة أوندوة أورابطة أونحوها لأن مؤداها واحدة وهي الحزبية المغلفة غلفها الجهل والتلبيس.(1)
الشبهات
والردود عليها
شبهة (1)
استدلالهم بعموم قوله تعالى :﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة:2]
الجواب:
إن الاحتجاج بعمومات الأدلة لا بد من المراعاة بأن تكون على وفق عمل السلف وإلا لدخل كثير من المحدثات في الدين من هذا القبيل لاندراجها تحت عموم الأدلة ولذا قال الإمام الشاطبي ~ في الموافقات (ج 3 / ص 56):
كل دليل شرعي لا يخلو أن يكون معمولا به فى السلف المتقدمين دائما أوأكثريا أولا يكون معمولا به إلا قليلا أوفي وقت ما أولا يثبت به عمل، فهذه ثلاثة أقسام:
أحدها : أن يكون معمولا به دائما أوأكثريا فلا إشكال فى الاستدلال به ولا في العمل على وفقه وهي السنة المتبعة والطريق المستقيم.
والثاني: أن لا يقع العمل به إلا قليلا أوفي وقت من الأوقات أوحال من الأحوال ووقع إيثار غيره والعمل به دائما أوأكثريا، فذلك الغير هو السنة المتبعة والطريق السابلة وأما ما لم يقع العمل عليه إلا قليلا فيجب التثبت فيه وفى العمل على وفقه والمثابرة على ما هو الأعم والأكثر فإن إدامة الأولين للعمل على مخالفة هذا الأقل إما أن يكون لمعنى شرعي أولغير معنى شرعي.
والقسم الثالث : أن لا يثبت عن الأولين أنهم عملوا به على حال ، فهو أشد مما قبله والأدلة المتقدمة جارية هنا بالأولى، وما توهمه المتأخرون من أنه دليل على ما زعموا ليس بدليل عليه ألبتة ؛ إذ لو كان دليلا عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له ولو كان ترك العمل فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين وكل من خالف الإجماع فهو مخطئ وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة فما كانوا عليه من فعل أوترك فهو السنة والأمر المعتبر وهو الهدى وليس ثم إلا صواب أوخطأ فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ وهذا كاف. اهـ ملخصًا
أترون أن هذه الجمعيات عمل بها السلف دائما أوأكثريا أوفي حال من الأحوال ؟
أم لم يكن هناك عمل السلف على هذه الصورة البتة؟
فالحذر الحذر من مخالفة السلف الأولين! فلو كان ثم فضل ما، لكان الأولون أحق به والله تعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[النساء:115]
ويقول: ﴿ فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[البقرة:137]
فالأمر بالتعاون البر والتقوى مشروع بالكتاب والسنة والإجماع وعمل السلف، لكن إنشاء التعاون على هذه الصورة والهيئة لا أصل له في كتاب ولا سنة ولا عمل السلف ولا هو معروف فى تواريخ المسلمين.
شبهة (2)
إدخالهم هذا العمل في باب المصالح المرسلة.
الجواب :
هذا النظر غير صحيح، لأمور منها :
أولا: إن الله قد تكفل مصالح العباد الدينية والدنيوية في شرعه الكامل الذي لا يعتريه نقص ولا يحتاج إلى استدراك، قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة:3]
وقال: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام:38]
وقال الإمام مسلم ~ (1844):
حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس فى ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو فى جشره إذ نادى منادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال «إنه لم يكن نبى قبلى إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها فى أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجىء فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجىء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتى. ثم تنكشف وتجىء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذى يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».
قال شيخ الإسلام ~ كما في الفتاوى (ج11/ص344):
والقول الجامع أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط ، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا وقد حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد به فأحد الأمرين لازم له ؛ إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر أو أنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة ؛ لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة ، وكثيرا ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة كما قال تعالى في الخمر والميسر : ﴿قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما﴾.
ثم قال أيضا (ص348):
والمنفعة المطلقة هى الخالصة أوالراجحة واما ما يفوت ارجح منها أويعقب ضررا ليس هو دونها فانها باطل فى الاعتبار والمضرة احق باسم الباطل من المنفعة واما ما يظن فيه منفعة وليس كذلك أويحصل به لذة فاسدة فهذا لا منفعة فيه بحال فهذه الأمور التى يشرع الزهد فيها وتركها وهى باطل ولذلك ما نهى الله عنه ورسوله باطل ممتنع أن يكون مشتملا على منفعة خالصة أوراجحة. اهـ
وما هي المصلحة التي ترتجى من هذه الجمعيات بجانب هذه المفاسد والأضرار الحاصلة فيها التي تكون الواحدة منها أعظم وأكبر من تلك المصالح المزعومة.
ومن المعلوم المتقرر عند أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم ٍ﴾[الأنعام:108]
ثانيا: يقال لمن استدل بمثل هذا فى باب المصالح المرسلة كما قال الإمام الشاطبي ~: فى الموافقات (ج3ص284):
هل وجد هذا المعنى الذي استنبطت في عمل الأولين أولم يوجد؟
فإن زعم أنه لم يوجد ولا بد من ذلك.
فيقال له: أفكانوا غافلين عما تنبهت له أم جاهلين به أم لا؟
ولا يسعه أن يقول بهذا لأنه فتح لباب الفضيحة على نفسه وخرق للإجماع وإن قال إنهم كانوا عارفين بمآخذ هذه الأدلة كما كانوا عارفين بمآخذ غيرها،
قيل له: فما الذي حال بينهم وبين العمل بمقتضاها على زعمك حتى خالفوها إلى غيرها؟
ما ذاك إلا لأنهم اجتمعوا فيها على الخطأ دونك أيها المتقول. والبرهان الشرعي والعادي دال على عكس القضية فكل ما جاء مخالفا لما عليه السلف الصالح فهو الضلال بعينه.اهــ
ثالثا: لو كانت مصلحة ، لما تركها السلف مع وجود مقتضاها. فهذا دليل على عدم صلاحيتها كما قال شيخ الإسلام ~ في الاقتضاء (ج1/ص101):
فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودا، لو كان مصلحة ولم يفعل، يعلم أنه ليس بمصلحة.
وقال أيضا:
فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة، وهو مع هذا لم يشرعه، فوضعه تغيير لدين الله، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين، من الملوك والعلماء والعباد، أومن زل منهم باجتهاد.اهـ ملخصًا
أليس المقتضى لإنشاء هذه الجمعيات موجودا في عهد النبي ؟ الفقراء والمساكين من الصحابة كثير واليتامى أيضا موجودون وطلبة العلم والدعاة منهم متوافرون والأغنياء والتجار موجودون ، فهل نقل عن النبي أنه يوما من الأيام قال لأصحابه: اجعلوا لكم جمعية تجمعون الأموال تعينون بها إخوانكم المحاويج من الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل وتكفلون بها الدعاة إلى الله ؟
رابعا : القائلون بالمصالح المرسلة يشترطون فيها شرطين :
الأول؛ عدم دخولها فى الأمور التعبدية .
الثاني؛ رجوعها إلى حفظ أصل الملة.
وهذان الأمران لا يتوفران فى مسألة الجمعية، وذلك لأنهم بنوها وعملياتها على حساب الدين أوالدعوة ومصالحها وهي من أجل العبادات وأسماها(1)، قال الله تعالى :
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33]
وقال: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108]
ثم إن أهل العلم مثلوا لها بجمع المصاحف فى خلافة أبي بكر وتوحيد القراءات فى خلافة عثمان بن عفان لمافيه من حفظ أصل الدين وهوجمع كلمة المسلمين والبعد من الفرقة، قال الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:13] وقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103]
أما هذه الجمعيات هي سبب كبير لهدم هذا الأصل كما هوواقع اليوم وإن أظهروا الوحدة: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر:14]، فإنها فى الحقيقة وليدة من تلك الجماعات والأحزاب المتفرقة.
شبهة (3)
قولهم إن ليس هناك دليل أونص على بدعيتها .
الجواب:
هذا قصور فى النظر إلى الأدلة، فإن النبي قد أعطي جوامع الكلم ومن تلك الجوامع مارواه البخاري: فى صحيحه: حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد».
وهذا الحديث أصل فى رد المحدثات فى الدين كلها، وليس كل بدعة لابد فيها أن يرد نص خاص فى النهي عنها، لأنك لو تأملت البدع التي نهى عنها بأعيانها وما لم ينه عنها بأعيانها وجدت هذا الضرب هوالأكثر.كذا قال شيخ الإسلام فى الإقتضاء.
شبهة (4)
إدخالهم هذه الطريقة من وسائل الدعوة والوسائل لها أحكام الغايات.
الجواب:
فقد كثر الكلام فى الوسائل الدعوية وخاض الناس فىها، أ توقيفية هي أم إجتهادية؟
والصواب أن وسائل الدعوة توقيفية أي متوقفة على الأدلة من الكتاب والسنة كما أشار إليه كلام شيخ الإسلام فى الإقتضاء (ج2ص375) عند قوله تعالى: ﴿إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا﴾ فأخبره أنه أرسله داعيا إليه بإذنه فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك ومن دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع.اهــ
أما الصحيح فى القاعدة «الوسائل لها أحكم الغايات» أنها مقصورة على ما ورد فى الشرع سواء كان وسيلة أوغاية، لأنه لو فتح هذالباب-أي النظر والإحداث-لدخل الإبتداع فى الوسائل الكثيرة للمقاصد الشرعية وانقلبت القاعدة إلى أن صارت «الغاية تبرر الوسيلة» وهي قاعدة باطلة، فتأمل.
شبهة (5)
احتجاجهم بأن عمل الجمعيات داخل فى المعاملات والعادات والأصل فىها الإباحة، فكيف يدخل فىها الإبتداع ؟
الجواب:
هذا النظر غير مسلم لأنهم فى الواقع يتبنون – بزعمهم – بهذه التجمعات على أساس الدعوة ومصالحها، كيف يقال أنها من العادات، فإن الدعوة إلى الله من أجل العبادات وأسماها وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾ [فصلت:33] وقال: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108] وقال: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء:165]
وإذا تقرر هذا، علم أن الابتداع حاصل من هذا القبيل لعموم قول النبي : «من أحدث فى أمرنا هذا ماليس منه فهو رد » وهذا هو الأصل فى العبادة، فمن اخترع عبادة مزعومة لم يشرعها الله ولا رسوله فعليه بالبرهان!
ثم لو سلمنا هذا النظر فإننا نقول أن العاديات من حيث هي عادية لا بدعة فىها ومن حيث يتعبد بها أوتوضع وضع التعبد تدخلها البدعة وذلك لأنه ثبت فى الأصول الشرعية أنه لابد فى كل عادي من شائبة التعبد، هذا ملخص كلام الشاطبي فى الإعتصام (ج2ص79-98).
ولا يبعد أن يكون هذا من نوع العاديات والمعاملات التي يشوبها التعبد، فالبدع تدخل فىها من الوجه التعبدي المتعلق بها.
شبهة (6)
دعواهم أنهم ملزمون بإنشاء الجمعيات من قبل الدولة.
الجواب:
هذا من أفشل دعاويهم ، فإن أئمة السلف رضوان الله عليهم كانت لهم دعوات ومجالس علمية تحضرها آلاف الناس وقد عاصروا دولًا تحارب السنة والدعوة إلىها، ولم ينقل عنهم أنهم لجأوا إلى هذه الطريقة المحدثة ، فهل قامت لهم هذه الجمعيات بحجة حل مشاكلها مع الدولة ؟
والحمدلله، الدعوة سائرة على ما كان عليه السلف تبلغ مشارق الأرض ومغاربها بدون هذه الجمعيات من قبل ومن بعد، وكل يدعو بما استطاع بلا تكلف.
تنبيه:
أما دعواهم بإنشائها وهمية(1) فهي دعوى فارغة لاوجودلها فإن الواقع يشهد أن الظروف والمطالب الكثيرة تضطرهم إلى نعشها ولو بعد حين، فلا داعي لإنشائها لا حقيقة ولاوهمية.
شبهة (7)
اعتمادهم على فتاوى بعض العلماء فى جواز إنشاء هذه الجمعيات، وعلى أن هذه المسألة إجتهادية ، ولا يجوز إلزام الآخر على تركها .
الجواب:
اعلموا – وفقنا الله وإياكم – أن الأقوال والأفعال الصادرة من أي إنسان كائنا من كان تعرض على الكتاب والسنة، فما وافقت الحق قبلت وما خالفته ردت، الله تعالى يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:59] ويقول: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون﴾ [الأعراف:3]
قال الإمام الطبراني فى معجمه الكبير (ج11ص339):
حدثنا أحمد بن عمرو البزار، حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا أبو عبيدة الحداد، عن مالك بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، رفعه قال:ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويدع غير النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الهيثمي فى المجمع (ج1ص179): رجاله موثقون.
قلت: وهو كما قال، وروي بمعناه من قول مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وأحمد وغيرهم.
الحق يعرف بأدلته وبراهينه لا بكثرة قائليه، فعلى الإنسان أن يتحرى الحق والصواب، حتى يوفق لإصابته، أما تتبع رخص العلماء فهو من سيمات أهل الزيغ والريب. (1)
إن فتاوى العلماء مبنية على اجتهادات فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر وعذر، ففى كلا الحالين فإنهم مأجورون وأما أنت – أيها المقلد – فمن أين لك الأجر والعذر فهذا غرور كما قال الإمام الشنقيطي ~ في" الأضواء" (ج7/ص533، 537-538) : اعلم أن المقلدين، اغتروا بقضيتين ظنوهما صادقتين، وهما بعيدتان من الصدق ... ثم ذكر الأولى ثم قال: وأما القضية الثانية: فهي ظن المقلدين أن لهم مثل ما للإمام من العذر في الخطأ.
وإيضاحه: أنهم يظنون أن الإمام لو أخطأ في بعض الأحكام وقلدوه في ذلك الخطأ بكون لهم من العذر في الخطأ والأجر مثل ما لذلك الإمام الذي قلدوه, لأنهم متبعون له فيجري عليهم ما جرى عليه.
وهذا ظن كاذب باطل بلا شك. لأن الإمام الذي قلدوه بذل جهده في تعلم كتاب الله وسنة رسوله وأقوال أصحابه وفتاويهم.
فقد شمر وما قصر فيما يلزم من تعلم الوحي والعمل به وطاعة الله على ضوء الوحي المنزل، ومن كان هذا شأنه فهو جدير بالعذر في خطئه والأجر في اجتهاده.اهـ
ثم إن القائلين بجواز إنشائها قيدوه بشروط لا تتوفر في جمعية من الجمعيات ومن تلك الشروط:
1- ارتباطهم بالعلماء الربانيين والعمل من وراءهم لا أمامهم.
وهذا لا يحصل فإنهم إن أظهروا الرجوع إلى العلماء والارتباط بهم ليس إلا لمصالحهم وتبرير مسارهم وبرامجهم المخفية عند العلماء، وهم يتزينون أمامهم أنهم أصحاب الدعوة الذين ينبغي معاونتهم، ولذا تجدهم عند الفضيحة وأن كشفت حقيقتهم وبعد ما نصحهم العلماء وحذروا منهم، غضبوا وبدلوا ثناء العلماء شتما وطعنا ووصمهم بالتسرع والتشدد وغير ذلك.
2- وجود نصيب وافر من العلم الشرعي عندالقائمين على هذه الأعمال يفوت وقوعهم في المخالفات.
وهو من أندر النادر في الواقع، فإن الغالب فيهم جهال ماديون ولا ننفي هناك من عنده شيء من العلم لكن السكوت والممالأة على المنكرات والمخالفات تجعلهم داخلين في زمرة الجهلاء قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء:197] أثبت لهم العلماء، فهل نفعهم علمهم؟ ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة:78- 79]
3- وجود مكنة في الإرادة من الترفع عن حب الرياسة والمصالح الشخصية والمطامع الدنيوية مع الدوران في الحركة والأقوال والأفعال في عقد سلطان الولاء والبراء والحب والبغض على ذات الدين لا على هذه المسميات التي هي الوسائل فحسب، وهي بمثابة أسماء العاملين وعشائرهم وجنسياتهم وإلا رجع الأمر إلى حال الحزبيين العاملين باسم الدين والآخذين منه ما يلزمهم دون العمل على خدمته وتشخيص واجب الوقت والعمل على إحيائه.(1)
وقد سبق لنا أن الأمر عكس ذلك لأن هذه الطريقة هيئت لهذه المقاصد السيئة من أصلها ولو ظهرت بعد حين فهي حزبية عصرية مغلفة.
أما قولهم إنه لا يجوز إلزام الآخر في ترك شيء من مسائل الإجتهاد ، فقول باطل بلا برهان، وهذا فتح باب ترك إنكار منكر محقق بالأدلة بحجة أن هذه من مسائل إجتهادية. فقد جرى عمل الأئمة والأمة على إنكار ما رأوه منكرا وإن كان قد اجتهد ورأى آخر أنه ليس بمنكر.
قال ابن القيم ~ في إعلام الموقعين (ج 2 / ص 396):
فقد تقرر أن كل عمل خالف السنة الصحيحة لم يقع من طريق النقل البتة وإنما يقع من طريق الاجتهاد إذا خالف السنة كان مردودا وكل عمل طريقه النقل فإنه لا يخالف سنة صحيحة البتة . اهـ
وقال أيضا في (ج 3 / ص 288):
وقولهم إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل أما الأول، فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره إتفاقا إن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار وكيف يقول فقيه لا إنكار في المسائل المختلف فيها، والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتابا او سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا .اهـ
بل في مسألة الفضل والأفضل، يجوز لمن علم شيئا أفضل من غيره أن ينبه بل وينهى غيره لترك ذلك الفضل لأخذ الأفضل ، والدليل على ذلك ما ثبت في سنن النَسائى (ج 15 / ص 495رقم:5153) : أخبرنا وهب بن بيان قال حدثنا ابن وهب قال أنبأنا عمرو بن الحارث أن أبا عشانة - هو المعافرى - حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول « إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها فى الدنيا ». [الحديث في الصحيح المسند]
ومعلوم أن لبس الحلية من ذهب وغيره حلال للنساء جميعا سواء أزواج النبي أو غيرهن، ولكن النبي نهاهن لأجل الأفضل والزهد في الدنيا.ثم عمل به بعد ذلك أبو هريرة صحابي جليل كما ثبت في " المصنف " (19938) بإسناده صحيح من طريق أيوب، عن ابن سيرين: أن أبا هريرة قال لبنته: لا تلبسي الذهب ; فإني أخشى عليك اللهب.[ وانظر سير أعلام النبلاء - (ج 2 / ص 622)]
فكيف إذا كانت المسألة اجتهادية مرجوحة لما فيها من المنكرات الواضحات كالجمعيات ، فالإنكار فيها أولى وأحرى بل واجب. والله أعلم.
شبهة (8)
قول بعضهم : إن الجمعيات ليست على حد سواء ، منها ما فيها المنكرات ومنها ما ليس فيها المنكرات ، فكيف سويتم بينها ، أليس هذا عين الجرم والظلم ؟
الجواب : أن إنكار المنكر لايمكن أن يحصل على جميع أفراد المنكرات على حدتها ، أو لابد أن يتوفر لشخص جميع تلك المنكرات، وهذه القاعدة لا تتأتى حتى على كافر، فليس كل كافر يجترح السيئات بأسرها، فهذا شبيه بما قبله في إغلاق باب إنكار المنكر بل تعطيله بالكلية، فإننا إذا نظرنا إلى النواهي التي نهاها الله في القرآن وجدناها عمومات كنهيه عن السرقة والزنا وقتل النفس وغيرها وليس كل الناس سارقا ولا زانيا ولا قاتلا للنفس ، بل خطاب الله أعم وأجمع بل قد يكون الخطاب لمن لا تصدر منه تلك الأشياء وإنما لقصد التنبيه، كندائه بالإيمان : ﴿ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول﴾ فالخيانة لله ولرسوله ليست من صفات المؤمنين كاملي الإيمان، وغير ذلك من الأمثلة ، واللبيب من تنبه بغيره ، قال العرب :
العــــــبد يقـــــرع بالـــعصا الحـــــر تكفـــيه الإشــــــارة
وكذلك لو نظرنا إلى القضايا التي حصلت في زمن النبي ، ثم صدر من النبي نهي أو أمر لم تكن تلك القضايا صادرة عن جميع الصحابة ، بل ربما من واحد منهم، كقضية بريرة رضي الله عنها مع سيدها ، قام النبي يخطب الناس قائلا: «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة». [متفق عليه] وغير ذلك من القضايا.فبأي حجة تلك القاعدة البائرة؟
شبهة (9)
وقد استدل بعض أصحاب الجمعيات بحديث جرير المتقدم(1) على جمعياتهم، وأنى لهم ذلك لأن بين هذه القضية وهذه الجمعيات فروقا بينة، منها :
• أن النبي إمام المسلمين ، وله أن يأمر رعيته بما رأى ما فيه مصلحة رعيته، وعلى الرعية طاعته، أما هذه الجمعيات فليست كذلك.
• أن هذه القضية إنما حادثة عين ولم تكن هذه ديدنه ولا أصحابه، حاش وكلا، لا يوميا ولا أسبوعيا ولا شهريا بل ولا سنويا، أما هذه الجمعيات تجعل التسول عادة وعبادة رسمية التي لا تصلح إلا به، ومتى وجدوا فرصة انتهزوها.
• أن النبي إنما هو شفيع ولم يستفد من هذا الجمع شيئا، فقد قال هو نفسه : «اشفعوا تؤجروا»، أما هؤلاء، فهم الذين استشرفوه بأنفسهم وهم أكثر الناس أخذا لذلك المال الذي جمعوه باسم الدعوة.
• أن النبي إنما عرض هذه المسألة للحاضرين حوله فقط، ولم يتجاوز إلى غيرهم، ولا يأمر أحدا أن يأتي إلى أبواب الناس فيدقها ويسألهم، أما أصحابنا هؤلاء فهرعوا إلى أي وسيلة وجدوها وإلى أي الناس وافقوهم.
• أن النبي إنما جمع ذلك المال ليقسمه إلى مستحقيه ،ولم يدخرمنه شيئا بل قسمه مباشرة حتى نفد، أما هؤلاء فأحوالهم معروفة في هذا الجانب، ادخروه في البنوك ولم يعطوه إلى مستحقيه إلا قليلا.
• أن النبي إنما فعل ذلك لعدم وجود شيء عنده ، وإلا لو كان عنده شيء يعطيهم، لأعطاهم إياه من عنده ، من غير أن يحث الناس على هذا الأمر، لأن الله لم يجعله بخيلا، أما هؤلاء فلربما من أغنى الناس، وأبخلهم ولذلك ما يزالون يسألون.
• أن المنكوبين والمحتاجين بين يدي النبي ، وقد حصلت فاقتهم بشدة ولذلك لما رأى النبي فاقتهم وحاجتهم فعل هذا ليسدها، أما هؤلاء فمحتاجوهم في السراب والخيال وخلاف الواقع الحقيقي.
وغير ذلك من الفروق التي تبين أن الحديث في شق والجمعيات في شق آخر.
الشبهة (10)
قولهم : إلى من تترك الفقراء والأرامل و الأيتام وكفالة الدعاة والطلبة ، إن لم تكن هناك جمعية ؟؟؟
الجواب : ألم يقل الله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات/58] وقال أيضا :﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود/6] وقال أيضا :﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت/60]وقال أيضا ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات/22]
وفي الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا : « إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا ، فيؤمر بأربع كلمات ، ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد .
وعن أبى هريرة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال « اللهم إنى أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ». [رواه أحمد - (ج 20 / ص 447) قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (ج 3 / ص 12) ( حسن )]
وفي حديث أبى هريرة قال قال النبى - صلى الله عليه وسلم - « الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار »[متفق عليه]
وكم من أدلة من الكتاب والسنة تحث وتحض على مواساتهم بلا تكلف من إنشاء هذه الجمعيات والتنظيمات التي لم تكن معلومة عند السلف، وقد كانت الحقوق تصل إلى ذويها ومستحقيها بدون هذه التنظيمات والجمعيات. والله أعلم.
شبهة (11)
اعتمادهم على كلام محمد رشيد رضا في تفسيره (6/131):
وكان المسلمون في الصدر الأول جماعة واحدة يتعاونون على البر والتقوى عن غير ارتباط بعهد ونظام بشري كما هو شأن الجمعيات اليوم ، فإن عهد الله وميثاقه كان مغنيا لهم عن غيره ، وقد شهد الله تعالى لهم بقوله : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران/110]، ولما انتثرى بأيدي الخلف هذا العقد ونكث ذلك العهد ، صرنا محتاجين إلى تأليف الجمعيات خاصة بنظام خاص لأجل جمع طوائف من المسلمين وحملهم على إقامة هذا الواجب ( التعاون على البر والتقوى ) في ركن من أركانه ، أو عمل من أعماله ، وقلما ترى أحدا في هذا العصر يعينك على عمل من البر ما لم يكن مرتبطا معك في جمعية ألفت لعمل معين بل لا يفي لك بهذا كل من يعاهدك على الوفاء ، فهل نرجو أن يعينك على غير ما عاهدت عليه ؟
فالذي يظهر ، أن تأليف الجمعيات في هذا العصر ، مما يتوقف عليه امتثال هذا الأمر وإقامة هذا الواجب ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما قال العلماء ، فلا بد لنا من تأليف الجمعيات الدينية والخيرية والعملية ، إذا كنا نريد أن نحيى حياة عزيزة ، فعلى أهل الغيرة والنجدة من المسلمين أن يعنوا بهذا كل العناية . اهـ
الجواب من وجوه:
الأول : أن هذا الكلام صادر ممن ليس له قدم وثيق في الدين الصحيح كما تقدم ، فلا يعول إلى كلامه بشيء بل ولا يلتفت إليه.
الثاني : وفي كلامه مما يدل على بطلان أصالة الجمعيات ويؤكد مما تقدم أنها ليست من دين الإسلام بالكلية وأنها بدعة محدثة من قبل هؤلاء المربوكين.
الثالث : وأثر معاذ بن جبل ، رضي الله عنه حيث يقول في كل مجلس يجلسه : « هلك المرتابون ، إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ، ويفتح فيها القرآن ، حتى يأخذه الرجل والمرأة والحر والعبد ، والصغير والكبير ، فيوشك الرجل أن يقرأ القرآن في ذلك الزمان فيقول : ما بال الناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ، فيقول : ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره ، فإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة » [وهو أثر صحيح رواه الآجري في الشريعة [ج 1 / ص 100رقم: 88] ينطبق على هذا القائل .
الرابع : أما قوله : (ولما انتثرى – بنظام خاص) ، فهذا القصور والتفريط من العباد يس مسوغا لإحداث معصية أخرى ، بل الواجب المفروض التوبة من هذا التقصير و الرجوع إلى ما كان عليه المسلمون في الصدر الأول ، السلف الصالح ، من المحافظة على هذا العهد قال الإمام دار الهجرة :ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ،وما لم يكن يومئذ دينا فليس اليوم دينا" [ انظر : الشفا للقاضي 2/88)] وقد قال الله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم/41] وتقدم حديث العرباض بن السارية .
الخامس : وأما قوله ( وقلما ترى – لعمل معين ) : فليس كما قال ، فإن كثيرا من الأعمال لجماعة تقام وتنفذ بغير هذه الجمعيات من عهد النبي إلى يومنا هذا ، ألا ترى هذه الصلوات الخمس في الجماعة والعيدين وأداء زكاة الفطر والمال والتعليم والتدريس في المساجد السنة ، هل تحتاج إلى جمعيات ؟ وأيضا تلك الدعوة النبوية الناجحة الطيبة المثمرة المباركة التي قام بها الصحابة رضي الله عنهم في مشارق الأرض ومغاربها على أساس واحد فهل تحتاج إلى جمعيات ؟
السادس : قوله : ( بل لا يفي- عاهدك عليه) فالجواب : أن الرباط والعهد الذي بيننا وبين إخواننا المسلمين هو السير على كتاب الله وسنة نبيه وعلى فهم السلف الصالح ولو بعدت الديار والأمصار ، لا على ارتباط الجمعية ولا المؤسسة ولا غيرها من هذه التجمعات. والعهد الذي يجب على المسلمين محافظته هو الواصي بالحق والتواصي بالصبر والتناصح قال عز وجل : وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر/1-3] وقال تعالى : يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان/17]. وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ .[متفق عليه] وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».[رواه مسلم]
ونحن في عنية عن بهذا العهد عن هذه الروابط والعهود البدعية المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله التي استتر بها الحزبيون لاستقطاب الناس إلى أفكارهم الخبيثة سواء سموها عهدا أو بيعة فالمقصود واحد.
السابع : أما استدلاله بقاعدة أصولية : "ما لا يتم الواجب إلا به فهوواجب" فاستدلال باطل إذ كلا الواجبين لابد أن يكون شرعيا في نفسه، أو أن لا يخالف بحال النصوص الشرعية الأخرى ، وأنه يشترط لصحة تطبيق هذه القاعدة بأمرين عند الأصوليين:
(1) – أن يكون تنفيذ الواجب الأصيل مرهونا مرتبطا بهذا الواجب الفرعي ،فلا سبيل سواه.
(2) – أن يكون الواجب الأصلي متيقن الحصول بوجود ذلك الواجب الفرعي لا أنه مظنون متوهم. وهذان الشرطان هنا معدومان.
حوار هادئ
قالوا : كيف الأمر إذا لم تكن عليه جمعية أومؤسسة، فما البديل؟
أ يكون الأمر فوضى؟
قلنا : هل كان السلف فوضى؟
قالوا : حدثت أمور
قلنا : هل كانوا عنها غافلين؟
قالوا : كيف ندير الأموال ونسير الأعمال؟
قلنا : أولم يكن في عهدهم مال و أعمال؟
قالوا : بلى، ولكن الوسائل اختلفت من حال إلى حال
قلنا : فإن كانت وسائلكم مما يقبلها الشرع، فذلك لا يحتاج إلى مقال وإن كانت غير ذلك فذاك هو الضلال.
الفتاوى
فتوى لفضيلة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله :
س: ما واجب علماء المسلمين حيال كثرة الجمعيات والجماعات في كثير من الدول الإسلامية وغيرها، واختلافها فيما بينها حتى إن كل جماعة تضلل الأخرى. ألا ترون من المناسب التدخل في مثل هذه المسألة بإيضاح وجه الحق في هذه الخلافات، خشية تفاقمها وعواقبها الوخيمة على المسلمين هناك ؟
ج: إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بين لنا دربا واحدا يجب على المسلمين أن يسلكوه وهو صراط الله المستقيم ومنهج دينه القويم، يقول الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ كما نهى رب العزة والجلال أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن التفرق واختلاف الكلمة.
لأن ذلك من أعظم أسباب الفشل وتسلط العدو كما في قوله جل وعلا: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ وقوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ فهذه دعوة إلهية إلى اتحاد الكلمة وتآلف القلوب.
والجمعيات إذا كثرت في أي بلد إسلامي من أجل الخير والمساعدات والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها فهي خير وبركة وفوائدها عظيمة، أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى وتنقد أعمالها فإن الضرر بها حينئذ عظيم والعواقب وخيمة(1). فالواجب على علماء المسلمين توضيح الحقيقة ومناقشة كل جماعة أوجمعية ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبينا محمد، ومن تجاوز هذا واستمر في عناده لمصالح شخصية أولمقاصد لا يعلمها إلا الله، فإن الواجب التشهير به والتحذير منه ممن عرف الحقيقة، حتى يتجنب الناس طريقهم وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه في قوله جل وعلا: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولا وأعداء الإسلام من الإنس ثانيا: لأن اتفاق كلمة المسلمين ووحدتهم وإدراكهم الخطر الذي يهددهم ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين ودرء الخطر عن دينهم وبلادهم وإخوانهم، وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم وبذر أسباب العداوة بينهم، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلالة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. [مجموع فتاوى ومقالات ابن باز - (ج 4 / ص 135)»]
فتوى لفضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله :
س: لو قال قائل: إن الجمعيات الدعوية قام مقتضاها فى زمن النبي ﷺ، ولم يقم مانع يمنعها، فإن فعلها بعد النبي ﷺ من المحدثات، فما صحة هذا القول؟
ج: الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد ، السؤال الذي قدم سؤال وجيه ،ومن أجل هذا نحن من زمن قديم نقول : إن ترك الجمعيات خير من وجودها لأن النبي ﷺ - وأصحابه –، كانوا أحوج إلى المال منا، بل كانوا أشد حاجة منا، ومع هذا لم ينشئوا جمعية، وعلى هذا فتركها خير من وجودها، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، دع عنك أنها جمعيات تكون سببا للحزبية ، ومن كان معنا ساعدناه ومن لم يكن معنا لم نساعده ، والنبي ﷺ يقول كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير : "مثل المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى" وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال ﷺ :" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، هذه الجمعيات فرقت شمل المسلمين ، بعض المغفلين يقول : مقبل لا يفرق بين الجماعات والجمعيات ، وهذه الجمعيات لابد أن تكون خاضعة لشؤون الاجتماعية وخاضعة للقوا نين الدولة والعمل الذي يتعلق بالدولة تكون بركته قليلة، إن لم يكن منزوع البركة ، بل الحكومات يعجبهم العمل الميت فيما يتعلق بالإسلام ، وأما ما يتعلق بالتطور والتقدم إلى غير ذلك ، فإذاعتهم تنعى ، وعلى ننصح بترك هذه الجمعيات التي تكون سببا لضياع حق الفقراء ، وذك الفقير ربما لا يصل إليه شيء كما قيل، ونؤخذ باسمه الدنيا جميعا ، وما من ذلك شيء في يديه ، الذي ينبغي للتجار ننصحهم أن يتولوا توزيع زكواتهم على المحاويج فإنها قد أصبحت سببا للحزبية في كثير من البلاد الإسلامية ، والله المستعان .[من شريط: الغارة الشديدة على الجمعية الجديدة وجه (ا) سجلت ليلة العاشر من صفر 1220 هـ].
فتوى للشيخ العلامة ابن العثيمين رحمه الله .
قال رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية (ص191) في معرض رده على اليهود :
ولما وصفوا الله بذا العيب ؛ عاقبهم الله بما قالوا فقال : غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة/64] أي منعت عن الإنفاق ، ولهذا كان اليهود أشد الناس جمعا للمال ومنعا للعطاء ؛ فهم أبخل عباد الله ، وأشدهم شحا في طلب المال ، ولا يمكن أن ينفقوا فلسا ؛ إلا وهم يظنون أنهم سيسكبون بدله درهما ، ونرى نحن الآن لهم جمعيات كبيرة وعظيمة ، لكن هم يريدون من وراء هذه الجمعيات والتبرعات أكثر وأكثر ، يريدون أن يسيطروا على العالم.
فتوى لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
س: هل يعتقد فضيلتكم أن كثرة الجماعات الإسلامية وتعددها في صالح الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي والمسلمين بوجه عام ؟
ج: الواجب أن يكون المسلمون جماعة واحدة، أما الجماعات المتفرقة فقد نهى الله عنها بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ﴾ [آل عمران: 105]، وقوله: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [آل عمران: 103] .
فالتفرق والتجزؤ إلى جماعات أو إلى جمعيات هو مما نهى عنه ديننا، وما يطلبه ديننا منا ألا نختلف أوتتضارب أفكارنا، وبالتالي يضيع مجهود الدعوة .
فالواجب علينا أن نكون جماعة واحدة على منهج الإسلام وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا واجب المسلمين، أما منطق الجماعات فهذا ليس لصالح الدعوة الإسلامية، بل هو على حساب الدعوة.
[المنتقى من فتاوى الفوزان - (ج 45 / ص 22)]
فتاوى فضيلة الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله.
س: هل تعطى الزكاة إلى شيخ القبيلة أو إلى الجمعبات ؟
ج: إن كان شيخ القبيلة جابيا من قبل ولي الأمر يعطى له الزكاة إن كلف بهذا لحديث «تؤخذ من أغنياءهم فترد على فقراءهم» والذين كانوا يجمعونها لرسول الله هم الجباة.وإن لم يكن جابيا فغالبا أن شيوخ القبائل يأخذونها ويعبثوا ، أنت تعلم أنهم ليسوا من ولاة الأمر وكثير منهم لصوص مشايخ القبائل، نحن ما نقول كلهم لكن كثير منهم لصوص لواستطاع أن يأخذ المال من أي جانب من الحلال أم من الحرام.
أما الجمعيات حرمت الفقراء ما أوجب الله لهم من الزكاة وذهبت تصب لمن كان في جماعتهم وفي سلكهم إن هذه الجمعيات تسلط أموال المزكين لحرب الدعوة السلفية وللعصبية ولمن كان معهم أيضا يودعونها في البنوك الربوية وكذالك يشترون منها الدشوش وجندوا أنفسهم لها وضيعوا أوقاتهم فيها يعطونها من الزكاة في تلك الجمعيات من ليس من مستحقي الزكاة ويحرمون من هو مستحق. الزكاة صارت تخدم الحزبية عند هؤلاء الجمعيين، الزكاة صارت تحارب الدعوة تحارب الإسلام عند هذه الجمعيات.
إن أداء الزكاة إلى هذه الجمعيات يعتبر وضعا للمال في غير محله ولا ننصح إنسانا من المسلمين له مال يزكيه أن يدع ماله في هذه الجمعيات فليسوا مؤتمنين على أموال الناس، هذه نصيحة نحن عرفنا ذلك وعرف ذلك كل من عرف الجمعيات.
والجمعيات مفتونة بتصوير ذوات الأرواح، وبالتسول وعدم العفة وبتضييع الأوقات عند الأثرياء، ومن اشتغل بها صرف عن العلم الشرعي وفتن بالدنيا وصار من الحزبيين بل صار أوكارًا لأهل التحزب ولا نعلم عالما سلفيا فتن نفسه بالحمعية كما شأن هؤلاء المتحزبين، وحسبها شرا أنها تؤسس على معاص شتى والله عز وجل يقول: ﴿ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾[التوبة:109]
ومن أعطوه إن أعطوه شيئا بغير إشراف ولا تطلع كما في حديث عمر وأمن على نفسه ولسنا آمنين عليه أخذه فمن حيث الحرام فليس بالحرام عليه إلا إذا كان يؤدي إلى فتنة. فالمطلوب الاجتناب «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه «ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يصبر يصبره الله وما أعطى أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر».
فننصح بالبعد عن هذه الجمعيات، جمعيات فاسدة مفسدة وإنما أنشئت لمحاربة الدعوة السلفية وتمزيقها.
يا أخي! الأيام الماضية أين جمعياتهم في زمن الرسول ﷺ أليست كانت الحقوق تصل إلى مستحقيها أما الآن جمعيات محدثة ليبلغ الشاهد الغائب، والذي يغضب من هذا القول بيننا وبينه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» فمقتضاها كان موجودا في زمن الرسول ﷺ وماعملها عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف جماعة من الصحابة كانوا أثرياء وآخرون كانوا فقراء مثل أصحاب الصفة فما قال: "اجعلوا لهم جمعيات وصندوقًا"، لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح أولها، لا يهيب علينا الناس بكثرة الجمعيات، الباطل وإن كثر فهو باطل لا يبرر الباطل أن يزيد أوينتشر بل إن انتشر الباطل لا يزيده إلا شرا وضررا.
س: من علم هذه المخالفة في الجمعيات هل يجزئه أن يعطيهم الزكاة؟
ج: يكون آثما إذا وضع ماله في الجمعيات وهو يعلم هذه الأضرار والمنكرات فيها وتفرقة المسلمين والله فرقت السلفيين في الكويت وفرقتهم في السودان وفرقتهم في اليمن وهل فسد أبو الحسن المصري وأمثاله إلا بالجمعيات وهل فسد عبدالرحمن عبدالخالق إلا عن طريقها وعبدالله بن السبت والحويني ومحمد المهدي وعبدالمجيد الريمي ومحمد بن موسى البيضاني وعقيل المقطري وأصحاب براءة الذمة فسدوا وتحزبوا، وهؤلاء ما فسدوا إلا عن طريق الدنيا فتنة الجمعيات وتجميع الأموال(1).
الذي يعلم ويؤدي هذا فيها يكون متعاونا على الإثم والعدوان ومن تعاون على الإثم والعدوان يكون آثما لأن الله يقول: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾. [اتحاف الكرام (ص30-32)]
س: ما حكم تأسيس رابطة الدعاة السلفية لحماية الدعوة واجتماع الدعاة على كلمة واحدة، وجزاكم الله خيرًا ؟
ج: ما يحتاج إلى هذا، والرابطة الإسلامية، تلك التي يسمونها رابطة العالم الإسلامي: إخوانية؛ فرابطتنا الكتاب والسنة، قال النبي : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»( )، وقال الله: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ [الحجرات: 10]، والنبي ص يقول: «قضاء الله أحق وشرط الله أوثق»( )، ويقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»( )، فالرابطة: الإسلام، ولا نحتاج إلى هذه الروابط المخترعة التي لم تكن عند أسلافنا الذين مضوا، والنبي ﷺ لما قدم المهاجرون آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم بعد ذلك قويت شوكة الإسلام صارت الأخوة الإسلامية فوق ذلك كله.
[الأسئلـة الإندونيـسيـة (26 جــمادي الثـانيــة 1424هـ) ]
وقال شيخنا -حفظه الله – لما سئل أن بعض الجمعيات ليس على حد سواء ، أو أن الجمعيات في بعض البلدان ليست كالجمعيات في بلاد أخرى :
هذه بوادر السوء ما ذكر في هذا السؤال من تلك الجمعيات التي تربوا عليها جمعية موجودة عندنا في بعض البنود لا يبرر لإخواننا أولئك اللجوج بتلك الجمعيات باعتبار أنها تنقص عن هذه الجمعيات بشيء من الأعمال ولا ينبغي اتخاذ عن صف الحلول ولم يضيق الله على إخواننا السلفيين من أنه لا تقوم دعوتهم إلا بالجمعيات فيها إما التصوير أو وضع المال في البنوك أو كذلك أيضا ترتيبات الجمعيات من رئيس ومندوب وكذلك نحن نعرف ما الذي يتعلق بشؤون الجمعيات أنها خاضعة للقوانين الدولية سواء سموها جمعيات أو سموها مؤسسات أو سموها بما شاءوا لهذا سبق الجواب على هذه المسألة بالنص الجازم بما يسر الله تعالى لإخواننا السلفيين هنا وهناك بالبعد عن هذه الجمعيات فوالله رأينا أضرارها وشرورها وتفكيكها وتحزبها وما إلى ذلك من الأعمال التي بذرت منها وفرقت السلفيين، فيا إخوان الله الله بالبعد عن ذرائع الفتن الجمعيات وإن كانت هناك بنود تنقص عن هذه، وهذه ذرائع للفتن وما هذه الأسئلة التي سمعتموها إلا من الفتن المترتبة على الجمعية أعني أنها ينكرها السلفيون وأولئك يستمرون فيها على بعض الفتاوى ربما أخذوها من بعض من لم يتبين له أضرارها أو بعض من نعتبر هذا الفتاوى منه خطأ، فنعم بارك الله فيكم البعد عن هذه الجمعيات ولو كان هناك شيء مما يختلف فيه عن شيء، هذه الجمعيات هناك ولكنها جمعية. واستمروا بنودها وأفكارها وشيئا من ذلك يجتنب يجتنب.
الــرد علــى مــن أبـاح الجــمعيات بفعـل
الشيــخ ابـن بـاز رحــمه اللـه
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو معْرُوفٍ أو إصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس﴾ [النساء: من الآية114] ويقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أو لِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَعَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:71]، ففي الآية الأولى أن الخير منتزع من كثير من الناس واستثني من ذلك من أمر بالمعروف وأمر بالصدقة، وسواء كانت واجبة أو مستحبة ؛ فالأمر بالصدقة مأمور به شرعًا في كتاب الله وسنة رسول الله كما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال : جاء وفد من مضر مجتابي النمار متقلد للسيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر ٍ فخرج النبي وأمر بلالًا، فنادى بالصلاة، ثم حث الناس على التصدق على أولئك المحاويج العراة. تصدق رجل من ديناره ومن درهمه ومن صاع بره من صاع إلى آخره. فتتابع الناس. قام رجل وأتى بصرة كادت يده أن تعجز عنها بل قد أعجزت وتتابع الناس بعد ذلك الرجل في الصدقة، تتابعوا على الصدقة على أولئك المحاويج حتى اجتمع شيء من الطعام فقال النبي : «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، القرآن لا ينكر الحث على الصدقة، بل يحث عليها، قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ.فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾[سورة الماعون]، فعدم الحث على إطعام المسكين وعلى إخراج الصدقة ما يجوز، الواجب الحث على ذلك، قال تعالى: ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ إلى قوله: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ*فَكُّ رَقَبَةٍ*أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ*يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ*أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد:1 16]، ففي هذه الأدلة وفي غيرها كثير بيان من الله سبحانه وتعالى وبيان من رسول الله ص على شرعية التعاطف والتعاون والتراحم، وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير ب: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتك منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وفيهما من حديث أبي موسى : «المؤمن للمؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، وَحَثَّ رسول الله على المواساة بين الجوار، فقال: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك»، وَحَثَّ ربنا سبحانه وتعالى على حقوق الوالدين، وحقوق الأرحام، قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ [الإسراء:23 24]، وهكذا تتوالى الأدلة في ثنائه على الأشعريين لما عندهم من العطف والتراحم والإيثار. قال النبي : «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو جمعوا ما عندهم في إناء واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسوية فهم مني وأنا منهم»، وهذا ثناء عظيم، وأثنى الله سبحانه وتعالى على أهل الإيثار، فقال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك هُمُ الصَّادِقُونَ*وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أو تُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:9-8]، وقال النبي ﷺ: «الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به كاملا موفورا طيبة بها نفسه أحد المتصدقين» أخرجاه عن أبي موسى الأشعري ا، وفي الصحيحين حديث أبي هريرة ا أن النبي ص قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، وقد انقلب في بعض الروايات أن الشمال هي المنفقة، وقال النبي : «يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تُمْسِكْ شَرٌّ لك، ولا تلام على الكفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى». هذه الأدلة ذكرناها بيانا لهذه المسألة؛ فإنَّ من الناس من يزعم أن هذه المسألة فقهها وفهمها يعجز عنها أهل العلم إلا إياهم ويقول: نحن نكفل الأيتام والنبي يقول: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين»، ويقول: «القائم على الأرملة، والمسكين كالصائم الذي لا يفطر». وحفر الآبار، والصدقات الجارية مرغب فيها، روى مسلم أن النبي قال: «إذا مات إنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، وما إلى ذلك من الأدلة التي يضعونها في غير موضعها، ويفهمونها على غير مدلولها، ويستدلون بها على البدعة، وعلى المحرمات، والتسولات، والربا،وتضييع الشباب، وعلى محاربة أهل الحق بتلك الأموال وأنت تعلم أن التهالك على الدنيا يؤدي إلى مفاسد وفي هذه الأزمنة أشتد المتهالكون على الدنيا وحطامها ومطامها تحت ستار الدعوة وتحت ستار ما ذكرناه آنفا من الكفالة والحفر وبناء المساجد وما إلى ذلك؛ فأهل الجمعيات فُتِنوا بالدنيا وفُتِنوا بالمال، ولكن يا إخوان، هؤلاء تحت دعاية العلم وتحت دعاية نفع المسلمين، ومن حديث محمود ابن لبيد عند الإمام أحمد في ”مسنده“ بسند حسن أن النبي قال: «اثنتان يكرههما ابن آدم وهما خير له، يكره الموت والموت خير له من الفتنة ويكره قلة المال وقلة المال أقل عند الحساب». ومن حديث كعب بن عياض في ”الصحيح المسند“ لشيخنا : أن النبي قال: «لكل أمة فتنة وفتنة أمتي مال»، وقال النبي : «إن الدنيا حلو ة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أو ل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء». نحن مأمورون باتقاء الدنيا فإنها فَتَنَتْ أُنَاسًا فتنة، وهذا مما خافه علينا رسول الله، فقال: «إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها»، وإن الافتتان بالدنيا يُصَيِّرُ حاملَ القرآن، أو حامل العلم مثل الكلب. نص على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوينَ*وَلو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أو تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف:175 176]، ومن أسباب فتنة بني إسرائيل المال، والنساء حتى هلكوا، قال تعالى: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:75] هل التحريف الذي فعلوه من أجل الدنيا؟ بيّنه قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولون هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة:79] توعدهم الله بثلاث ويلات:
الويل الأول :بسبب كسب أيديهم من الحرام، والثاني: بسبب تحريفهم للقرآن، وكذبهم على الله أنه من عنده عز وجل، وتحريف القرآن والعبث بالقرآن على حساب الدنيا ومن أجلها، والويل الثالث: على كتابتهم الباطلة التي كتبوها وعبثوا فيها بكتاب الله من أجل الدنيا، والويل: هو العذاب، جاء أنه واد في جهنم ولم يثبت ذلك كما في ”تفسير ابن كثير“ ألا فليتق الله أصحاب هذه الجمعيات في أنفسهم ولا يتمادى بهم الباطل ويزين لهم الشيطان ويزخرف لهم ما هم فيه من العملات الصعبة التي تسولوها وجندوا أنفسهم لها فإن هذا المال الذي يأخذونه ويحتالون له ويجمعونه وتراهم في رمضان مثل المجانين بعد الدنيا: (مرحبًا يا رمضان) كل ذلك من أجل جمع الأموال، وإفطار الصائم، وأيضا كفالة اليتيم في شهر كذا، وكفالة المدرس في شهر كذا، وأكاذيب وتحويلات وملفات وإهانة للعلم إن كان عندهم علم، وإهانة للسنة إن بقيت عندهم سنة، من أجل الدنيا أين العزة؟! عزة المؤمن التي تجعله كما كان أولئك الصحابة رضوان الله عليهم إذا سقط سوط أحدهم لا يقول لأخيه: ناولني ولكن ينزل فيأخذه ثم يصعد كما في حديث عوف. أدبهم رسول الله وهذبهم على هذه الآداب العظيمة النبيلة على العفة. اجتمع جماعة عند النبي وقال: «ألا تبايعون» قالوا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعه؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ولا تسألوا الناس شيئا». حتى أن أحدهم سقط سوطه ما يقول ناولني، وقال من تكفلني أن لا يسأل الناس شيئا فأضمن له الجنة فقال ثوبان: أنا فكان لا يسأل الناس شيئا ثم من مهد دعوته من مكة وهو يدعو الناس إلى العفة كما في الصحيحين من حديث أبي سفيان أنه لما لقيه هرقل وقال: ما يأمركم؟ قال يقول: «اعبدوا الله لا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول أباؤكم»، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والسلاح. يا أيها الناس تعفوا فإن الله عز وجل وجل ضامن للعفيف أن يعفه، قال تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه﴾ِ [النور: من الآية33] العفة طريق الغناء قال النبي حين سأله أناس قال: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم»، وقال: «ومن يستغن يغنيه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر». هذا واجب على كل المسلمين أن يأخذوا هدي رسول الله في هذا وفي غيره وأن يستفيد آداب رسول الله التي أَدَّبَ أصحابَه وَأَدَّبَنَا جميعًا، قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65] شجرة بينهم اختلفوا، يحكمون الكتاب والسنة في كل صغيرة وكبيرة ودقيقة وجليلة، ولقد قامت هذه الجمعيات على ضعف العفة وعلى التهالك على الدنيا وأسست على عدة محاذير، المحذور الأول: الحزبية.
الشيخ ابن باز : ما كان عنده حزبية أنتم تلبسون فلم يكن عند الشيخ ابن باز جمعية على طريقة جمعيتكم البطالة جمعيتكم المحرمة الحزبية. عنده أناس أهل خير يجلونه ويثقون به وسائر المسلمين في العصر يثقون به إلا من فسدت معلوماته عن هذا الإمام ؛ فهو رجل محبوب عليه رحمة الله، التجار والأمراء وغير هؤلاء من أهل الخير من المملكة وخارج المملكة يجلونه، ويجعلون صدقاتهم ليصرفها على مستحقيها، وإذا آت يطلب مالًا قال: أعطه فلانا. هذا هو المعلوم، لم يكن ماله في جمعية من الجمعيات، ولم يكن ماله في بنك من البنوك الربوية ، لم يكن يصور تصوير ذوات الأرواح كما في هذه الجمعيات ، ولم يكن على ما عليه هؤلاء من الولاء والبراء الضيق لمن كان في صفهم، وسلكهم، نواصب الدعوة السلفية هم أصحاب الجمعيات، والحزبيات، نواصب الدعوة السلفية، ومن أنكر عليهم نصبوا له العداء جمعية الإحسان، وجمعية الإصلاح، وجمعية الحكمة، وجمعية البر، وجمعية إحياء التراث، نواصب الدعوة السلفية، هذه الجمعيات التي نعرفها من أوسع الجمعيات وأشهرها، هُنَاكَ الجمعيات بالمئات لكن هذه الجمعيات كما ترون صاروا نواصب الدعوة السلفية أفمن هذه الجمعيات يتحصل على علم؟ هاتوا عالمًا أخرجته هذه الجمعيات، أبدًا يخرجون حزبيين وجهال، ومتعصبين، وحاقدين على العلم والتعليم والسنة، متسولين، متعاونين على الإثم والعدوان في أداء المال في البنوك، والله يقول: ﴿وَتعاونوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تعاونوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، وما تخرج أيضا إلا مساخين للشباب ومن التحق بهم، وقد أفسدت الجمعيات على الدعوة السلفية عددا من الناس، الشيخ رحمة الله عليه عدد من طلابه أفسدته الجمعيات، أفمثل هذه الجمعيات يجوز أن تسند إليها الأموال؟ فلا يجوز صرف الأموال وأداء الزكوات لهذه الجمعيات يبلغ الشاهد الغائب ومن لم يقبل الحق سيندم، يقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا*يا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ [الفرقان:29 27]، نحن إذ نقول هذا ليس معناه أننا نقول امنعوهم وحولوها إلينا، معاذ الله. نسأل الله أن يغنينا من فضله ولكن إنما نقول هذا نصحا لكم إذ أنكم تضعون أموالكم عبارة عن المحاربة للعلم والتعليم النافع، والسنة الصحيحة وعبارة عن إخراج حركيين في أرض الحرمين، أخرجوا مفجرين لهم رؤوس وأسس قوية جدًّا، لا يستطيع أحد إنكارها، فهي تعتبر مآرزَ حزبية. تأرز إليها الحزبية وتلجأ إليها، وهاتوا لنا حِزْبيًّا ما يلهث بعد هذه الجمعيات، حزبي نزيه عن أموال الناس عفيف عن مطامع الدنيا، أبدًا. من أول دنس الحزبية أن تجعل الحزبي عبارة عن رجل درويش يفكر في اختلاس أموال الناس، ربما ذبحوا عجلًا في المسلخ وصوروا عشرين عجلًا لغيرهم، ويذهبون بتلك العجول على أنهم هم الذين ذبحوها للمحاويج، ويتسولون عليها، وهكذا شغلوا أنفسهم بالكاميرات من تصوير الكباش، وتصوير الدجاج وهذا ماسك الفخذ ويأكل وذال ماسك السكين يسلخ همهم بطونهم، رجال ونساء دراويش، صيروهم دراويش إلا من رحم الله، تسولًا عند أبواب السيارات، تقف وهو يمد علبته، الناس يسلمون من صلاة التراويح، أو الجمعة، وأنتم تضعون علبة أمامهم، يحرجون الناس إحراجًا، والنبي يقول: «إنهم خيروني بين أن تسألوني بالفحش أو يبخلوني، ولست بباخل»، وتلك القاعدة ما خرج عن وجه الحياء فهو حرام. قاعدة لها أدلتها أن إخراج شيء بإلحاح وإلحاف منكر، نهى الله عنه في كتابه. وهكذا نهى رسول الله في السنة، وأولئك لم تحل لهم المسألة؛ لحديث: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة حلت له المسألة حتى يصيبها» حمالة في إصلاح بين الناس، أما هؤلاء ربما تحملوا في شراء الدشوش، وفي إفساد الشباب، وفي شراء البساتين، «ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، ورجل أصابته فاقة حلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش وما سوى ذلك يا قبيصة، من المسألة سحت يأكلها صاحبها سحتًا»، السحت: هو الحرام، مَنِ الَّذي سيخرج أصحاب الجمعيات من هذا الحديث وأمثاله، أنهم يأكلون السحت؟ يا قوم، أنتم تأكلون الحرام، وتجمعون الحرام، وتبنون المساجد أيضًا، إذا بنيت لك مسجدًا من ذلك المال فقد بنيته من الحرام الذي اكتسبته من السحت، والله، لو أن عزيزا يُخَيَّرُ بين مال الشعب اليمني كاملًا، وبين أن يصير درويشًا من أصحاب الجمعيات ما طابت نفسه أن يصير درويشًا ومتسولًا، ومرتكبًا لكبيرة من تلك الكبائر التي نهى عنها رسول الله وتوعد، وأن المسألة كَدٌّ يكد بها الإنسان وجهه.
[ انظر : الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى ص 61-63]
من مـفـاســد الــجمـعـيـات والمــؤسـسـات
1- أنها ليست من طريقة السلف الصالح.
2- مشغلة عن طلب العلم.
3- إهانة النفس بالتسولات.
4- التساهل في المعاملة مع البنوك الربوية.
5- الولاء والبراء من أجلها.
6- التساهل في تصوير ذوات الأرواح.
7- الانتخابات.
8- الخيانة في الدعوة والغش فيها.
9- التخوض في مال الله بغير حق.
10- كثرة التنازلات والاستحسانات في الدعوة.
11- ذريعة إلى تفرق الأمة وتشتيتها وتحزيبها.
12- وهي تعتبر فيروسا للدعوة السلفية.
كان ذكر هذه المفاسد بعد العصر (1/ذي القعدة/ 1426هـ).
النصيحة
قال الله تعالى : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور/31] وقال تعالى:﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِين﴾ [الزمر/54-56]
وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ [التحريم/8]
قال الإمام البخاري ~ (ج 6 / ص 2725رقم: 7068) حدثنا أحمد بن إسحق حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام حدثنا إسحق بن عبد الله سمعت عبد الرحمن بن أبي عمرة قال سمعت أبا هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا فقال رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي فقال ربه أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال رب أذنبت - أو أصبت - آخر فاغفره ؟ فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال أصاب ذنبا قال قال رب أصبت - أو قال أذنبت - آخر فاغفره لي فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء ».
[ و أخرجه مسلم في التوبة باب قبول التوبة من الذنوب . . رقم 2758 ]
• قال ابن القيم ~ في إعلام الموقعين - (ج 1 / ص 110):
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
وقوله ولا يمنعنك قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق فإن الحق قديم ولا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل يريد إذا اجتهدت في حكومة ثم وقعت لك مرة أخرى، فلا يمنعك الاجتهاد الأول من إعادته فإن الاجتهاد قد يتغير ولا يكون الاجتهاد الأول مانعا من العمل بالثاني إذا ظهر أنه الحق فإن الحق أولى بالإيثار لأنه قديم سابق على الباطل فإن كان الاجتهاد الأول قد سبق الثاني والثاني هو الحق فهو أسبق من الاجتهاد الأول لأنه قديم سابق على ما سواه ولا يبطله وقوع الاجتهاد الأول على خلافه بل الرجوع إليه أولى من التمادي على الاجتهاد الأول . اهـ
إطلالة على صناديق التبرع
قالوا تصــــدق لمحتاج ومسكين إلى صـــــناديق أهل الفضل والدين
إلى عمائم في الأبواب قد فرشــت إلى لصــــوص بأزياء الرهـــــابين
إلى بناء مسجد كي يرسمون به شــــعار جمعــــية القــــوم المآفين
كم كامرات قد صــــوروا حلقا على موائد إطعــــام وتمــــــــوين
وصوروا ذود أغنــام وقد ذبحت باسم الأضاحي لأيتام ومســـجون
كم يـــسحذون بها في كل منطقة عنــد التـجار وأبـــواب السلاطين
هم لصوص شياطين مجنــــــدة للاحتــــــيالات من حين إلى حين
إذا رأيت اللحى للــــــصيد قـد نصبت فعذ بربك من شر الشياطـين
بطونهم صــــــندوق التبرع كم فيها تــــكدس أموال المســــاكـين
قالوا أنفــقوا وارحموا الأيتـام إن لهم في الجمعيات شعارا ذا عـــناوين
قالوا انصروا فتية سالت دماءهم بالـــقصف حينا وحينا بالسـكاكين
فلا العــــراقي في بلواه يعرفهم ولا المجــــــاهد في أقصى فلسـطين
ولا الفقير الذي يعشو بـــصرته على المقاهي وأبــــــواب الدكاكين
وإنما تذهب الأمــــوال عندهم كالمـــــاء يذهب بين الرمل والطين
سلوا البنوك التي فيها دراهيمهم فليس تنـــــــــــطق إلا بالمـلايين
عادت إلى الجامعين العاملين لها أما الــــــــفقير له سم الــــثعابين
هذا وأكبرهم بطنـــا أبو حسن فكم له من صــــــــــناديق تخازين
أضحى وأذياله يستشـرقون إلى الدنيــــــــا يسعون فيها كالمجانين
نعوذ بالله من زيــــغ ومن فتـن ففــــــــتنة المال داء العلم والدين
والحـــمد لله من ذا عف دعوتنا أمثــــال أعلامنـــا الغر الميـــامين
كتبه أبو عبد الله حمود البعادني 15 ربيع الثاني 1426 هـ
فهرس
تقديم شيخنا العلامة 3
أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى ورعاه 3
مقدمة المؤلف 5
الجمعيات 10
تاريخ الجمعيات 12
شعارات الجمعيات المعلنة 20
تعاون شرعي لا تجمع بدعي 22
من أضرار الجمعيات ومفاسدها 34
مخالفة طريقة السلف 35
التشبه بالكفار 40
التكلف بما لا يشرع 43
التسولات(1) 44
تصوير ذوات الأرواح 50
الاحتيال لأخذ أموال الناس بالباطل 52
الافتتان بالدنيا والتهالك عليها 55
الانشغال عن طلب العلم 58
إيداع الأموال في البنوك الربوية 60
الخضوع للقوانين الوضعية 65
التنظيم المحدث 67
الانتخابات 68
الإمارة في الحضر 70
الحزبية 72
السرية 76
الشبهات والردود عليها 79
شبهة (1) 80
شبهة (2) 82
شبهة (3) 88
شبهة (4) 89
شبهة (5) 90
شبهة (6) 92
شبهة (7) 95
شبهة (8) 102
شبهة (9) 104
الشبهة (10) 107
شبهة (11) 109
حوار هادئ 113
الفتاوى 114
فتوى لفضيلة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله : 115
فتوى لفضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله : 117
فتوى للشيخ العلامة ابن العثيمين رحمه الله . 119
فتوى لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: 120
فتاوى فضيلة الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله. 121
الــرد علــى مــن أبـاح الجــمعيات بفعـل 125
الشيــخ ابـن بـاز رحــمه اللـه 125
من مـفـاســد الــجمـعـيـات والمــؤسـسـات 135
النصيحة 136
إطلالة على صناديق التبرع 138
فهرس 140
حركة بلا بركة
تقديم
شيخنا العلامة أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله ورعاه.
تأليف
أبي الحسين الجاوي الإندونيسي
علق على بعضها
أبو تراب الجاوي
دار الحديث بدماج
تقديم شيخنا العلامة
أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى ورعاه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
أما بعد :
فقد تصفحت ما جمعه أخونا الفاضل أبو الحسين الجاوي بعنوان : "الجمعيات حركة بلا بركة" وكأنه أخذ هذا العنوان من حديث حكيم بن حزام أن النبي قال :"فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ". متفق عليه .ففي هذا الحديث أن الرزق الذي سيخرج بغير طيبة نفس من صاحبه وإنما بالإحراج له لا بركة فيه ، كما ثبت في صحيح مسلم عن معاوية أن النبي قال : " فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته من شيئا وأنا له كاره ، فيبارك له فيما أعطيته" .
كما إذا أخذ ببعض الوجوه والحيل التي عرف بها من ابتلي بمحاولة استخراج الأموال من أصحابها من أهل الجمعيات إما بكذب وإما بإظهار ذل ونحو ذلك ، فهذا لا بركة فيه كما دل عليه حديث حكيم بن حزام .
فعنوان هذه الرسالة وما تضمنه من النصح في طياتها كله طيب ، ونصح كاتبها بالعفة وحذر من بعض ما تنطوي عليه الجمعيات من المفاسد ، فجزاه الله خيرا
كتبه :
فضيلة الشيخ أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله
في ربيع الثاني 1429 هـ
بدار ا الحديث بدماج حرسها الله
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده روسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء:1] . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتُها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
ويقول عن نوح: ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف:62] وكذلك قال عن هود وصالح وشعيب.
وقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه (55) :
حدثنا محمد بن عباد المكى حدثنا سفيان قال قلت لسهيل إن عمرا حدثنا عن القعقاع عن أبيك قال ورجوت أن يسقط عني رجلا قال : فقال سمعته من الذى سمعه منه أبي كان صديقا له بالشام ثم حدثنا سفيان عن سهيل عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال «الدين النصيحة» قلنا لمن قال «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
ومن النصيحة ؛ القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:104] ولم يقل «طائفة» وإن كان الفرض فيه كفائياً وإنما قال «أمة» لأن هذه الكلمة تشعر التعاون والتكاتف من جميع أفرادها للقيام بهذا الواجب، كل بحسب استطاعته كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فلا ينبغي أن يخذل بعضهم بعضًا عن القيام به(1)، والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (49):
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة كلاهما عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب - وهذا حديث أبي بكر - قال أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة. فقال قد ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ج 1 / ص 118) :
وإن كان العبد عاجزا عن معرفة بعض ذلك، أوالعمل به، فلا ينهى عما عجز عنه مما جاء به الرسول، بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه، لكن عليه أن يفرح بقيام غيره به، ويرضى بذلك، ويود أن يكون قائما به. اهـ
لقد فشت في هذه الآونة الأخيرة بين أوساط المسلمين عموماً والسلفيين خصوصاً طريقة جديدة مخترعة يقال لها «جمعية» تحت ستار العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعمال الخيرية.
فإذا الأيام تكشف حقيقتها وفتنتها، أنها حزبية عصرية مغلفة، فقد ضاع الشباب والدعاة وطلبة العلم بسببها، فهل من مدكر؟ فالواجب على المسلم إنكارها بل إزالتها عن أوساط المسلمين لأنها تسبب الفرقة والاختلاف الذي نهانا الله عنه في كتابه وعلى لسان رسوله.
والله تعالى يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103] ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:105] ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم/31، 32].
فبين أيديكم رسالة موجزة في بيان حقيقة هذه الطريقة الماكرة أهلها، وعلق عليها أخونا الفاضل أبو تراب الجاوي - حفظه الله تعالى وجزاه خيرا – وأضاف إليها بعض الأشياء من فوائد دروس شيخنا - حفظه الله تعالى ورعاه - وغيرها، وأسأل الله أن يبارك هذا الجهد المقل ويجعله ذكرى لمن كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد فإن الذكرى تنفع المسلمين.
كتبه
أبو الحسين محمد بن محيي الدين الجاوي الأندونيسي
24 رمضان 1428 هـ
الجمعيات
الجمعية هي: تعبير سياسي اجتماعي يطلق عادة على تجمع عدة أشخاص للدفاع عن مصالحهم المشتركة أوتحقيق فكرة مشتركة ضمن حدود معينة وواضحة ونصت بعض القوانين على استبعاد الربح ومبدأ المشاركة في تحديد اصطلاح الجمعيات مثل القوانين الفرنسية أوالبلجيكية أوالإيطالية أوالأسبا نية وغيرها من قوانين البلدان اللا تينية، وكذالك قانون الجمعيات الصادر في لبنان في عهد الدولة العثمانية في 3 أغسطس 1909 م إذ ورد في مادته الأولى «الجمعية هي مجموع مؤلف من عدة أشخاص لتوحيد معلوماتهم ومساعيهم بصورة دائمة والغرض لا يقصد به اقتسام الربح»(1)
وفي معجم الوسيط مادة جمع :
( الجمعية) طائفة تتألف من أعضاء لغرض خاص وفكرة مشتركة ومنها الجمعية الخيرية الإسلامية والجمعية التشريعية والجمعية التعاونية والجمعية العلمية والأدبية (محدثة )(2)
وتوسع المتأخرون فأطلقوا هذا المصطلح لما يسمونه بالمؤسسات والشركات والمنتديات ونحوها، فإن العبرة بالمسميات والحقائق لا بالأسماء والمظاهر فتنبه!(3)
تاريخ الجمعيات
أثبتت التواريخ أنها من أقدم الوسائل التي استخدمها اليهود لنشر أفكارهم المسمومة وهي الماسونية حتى نجحت بواسطة جمعية الإتحاد والترقي في تركيا – التي أسست عام 1898 م – 1316هـ- في القضاء على الخلافة الإسلا مية العثمانية وقد كان للجمعية فروع في معظم الولايات العربية. ( )
ثم أخذ هذه الفكرة جمال الدين الأفغاني(2) وأمثاله ونشرها في أوساط المسلمين وتلقاها منه تلميذه محمد عبده حتى قام هو ونفر من أصدقائه في تأسيس جمعية الخيرية الإسلامية وكان هو الواضع لمشروع نظامها وهدفها تربية أولاد الفقراء تربية يحافظون فيها على عقائدهم وأداب دينهم وأخلاقهم وأعمالهم ويستعينون بها على معايشهم وتحصيل أرزاقهم(1) ثم تبعه تلميذه محمد رشيد رضا وأشاد بها في كتابه المنار.(2)
ومن هنا استفادها الحزبيون كالإخوان المسلين وغيرهم فطبقوها في أوساطهم حتى اغتر بعض المنتسبين إلى السنة والسلفية بهذه الفكرة ففعلوا مثل فعلهم ، رجاء مصلحتها وظنا في خيرها ، فإذا هي بائقة من بوائق الحزبية ، فرقت الدعوة وميعت أصحابها حتى ضاعت جهود كثير من أهلها ، والله المستعان .
شعارات الجمعيات المعلنة
لقد تنوعت عبارات أصحابها لكثرتها إلا أنها لا تخرج عن أحد هذه الأمور :
المشاركة في أعمال خيرية منها:
* مساعدة المحتاجين من الفقراء والمساكين واليتامى وغيرهم.
* مساعدة منكوبي الكوارث الطبيعية (1) كالزلازل والحرائق.
* مساعدة الشباب للزواج.
* إنشاء المشاريع الخيريات كالمستشفيات والملاجي ودور الحضانة ونحوها.
المشاركة في أعمال دعوية منها:
* نشر العقيدة الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة.
* حل مشاكل الدعوة في المجتمع.
* تدريب الدعاة وإعدادها.
* رعاية طلبة العلم والمراكز العلمية.
* طباعة الكتب الدينية وتوزيعها مجانًا.
* إنشاء المساجد والمعاهد والمدارس الدينية.(2)
تعاون شرعي لا تجمع بدعي
قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[المائدة:2]
وقال تعالى :﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:104]
وقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
قال الإمام البخاري رحمه الله : باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا
حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن أبي بردة بريد بن أبي بردة قال أخبرني جدي أبو بردة عن أبيه أبي موسى : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا». ثم شبك بين أصابعه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا إذ جاء رجل يسأل أوطالب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال :«اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء».
فهذه الأدلة كلها أصل في شرعية التعاون بين المسلمين بعضهم بعضا، وذلك منوط بقيامه على البر والتقوى، وقد قام النبي وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين بهذا الواجب أحسن قيام، ولنا فيهم أسوة .قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:21]
ومن أمثلة ذلك:
ما قال الإمام البخاري رحمه الله : باب التعاون في بناء المسجد
حدثنا مسدد قال حدثنا عبد العزيز بن مختار قال حدثنا خالد الحذاء : عن عكرمة قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكر بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول:«ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ". قال يقول عمار : أعوذ بالله من الفتن.
وقال الإمام البخاري رحمه الله (428):
حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار فقال :«يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا». قالو لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فقال أنس فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول :
اللهم لا خير إلا خير الآخرة * فاغفر للأنصار والمهاجرة .
وقال الإمام البخاري رحمه الله (4101)
حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال أتيت جابرًا رضي الله عنه فقال إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كدية عرضت في الخندق فقال (أنا نازل ). ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب الكدية فعاد كثيبا أهيل أوأهيم فقلت يا رسول الله ائذن لي إلى البيت فقلت لامرأتي رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ قالت عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج فقلت طعيم، فقم أنت يا رسول ورجل أورجلان قال :«كم هو ؟». فذكرت له قال :«كثير طيب قال قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال قوموا». فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت هل سألك؟ قلت نعم فقال .«ادخلوا ولا تضاغطوا!». فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال: «كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة»
قال الإمام البخاري رحمه الله ( 2386 ):
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حماد بن أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :«إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أوقل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم» [ وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم رقم 2500 ].(1)
قال الإمام البخاري ~ - (3581) :
حدثنا أبو النعمان قال حدثنا معتمر بن سليمان قال حدثنا أبي حدثنا أبو عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر: أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أوسادس». وإن أبا بكر جاء بثلاثة فانطلق النبي بعشرة قال فهو أنا وأبي وأمي فلا أدري قال وامرأتي وخادم بيننا وبين بيت أبي بكر وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حيث صليت العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته وما حبسك عن أضيافك أوقالت ضيفك؟ قال أوما عشيتيهم؟ قالت أبوا حتى تجيء قد عرضوا فأبوا قال فذهبت أنا فاختبأت فقال يا غنثر فجدع وسب وقال كلوا لا هنيا فقال والله لا أطعمه أبدا وأيم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها قال يعني حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أوأكثر منها فقال لامرأته يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده وكان بيننا وبين قوم عقد فمضى الأجل ففرقنا اثني عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل فأكلوا منها أجمعون. أوكما قال .[أخرجه مسلم في الأشربة باب إكرام الضيف وفضل إيثاره رقم 2057]
قال الإمام مسلم رحمه الله رحمه الله (677) :
حدثنا محمد بن حاتم حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك قال جاء ناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة. فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالى حرام يقرءون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه فى المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء فبعثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان. فقالوا اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا - قال - وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه. فقال حرام فزت ورب الكعبة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه «إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا».
قال الإمام الترمذى رحمه الله- (2987):
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدى عن أبي مالك عن البراء ﴿ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون﴾ قال نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتى من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتى بالقنو والقنوين فيعلقه فى المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل وكان ناس ممن لا يرغب فى الخير يأتى الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل الله تعالى:﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه﴾ قالوا لو أن أحدكم أهدى إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء قال فكنا بعد ذلك يأتى أحدنا بصالح ما عنده.
[قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح وأبو مالك هو الغفارى ويقال اسمه غزوان وقد روى سفيان عن السدى شيئا من هذا.اهـ قلت: الحديث في الصحيح المسند]
قال الإمام مسلم رحمه الله (1017):
حدثنى محمد بن المثنى العنزى أخبرنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه قال كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتأبي النمار أوالعباء متقلدى السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: «﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة﴾ إلى آخر الآية ﴿إن الله كان عليكم رقيبا ﴾ والآية التى فى الحشر ﴿اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله﴾ تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره - حتى قال - ولو بشق تمرة». قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت - قال - ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن فى الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"
قال الإمام مسلم رحمه الله (2054):
حدثنى زهير بن حرب حدثنا جرير بن عبد الحميد عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال إنى مجهود. فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذى بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك لا والذى بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. فقال «من يضيف هذا الليلة رحمه الله». فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء. قالت لا إلا قوت صبياني. قال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه. قال فقعدوا وأكل الضيف. فلما أصبح غدا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة»
قال الإمام مسلم رحمه الله (2630):
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر - يعني ابن مضر - عن ابن الهاد أن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش حدثه عن عراك بن مالك سمعته يحدث عمر بن عبد العزيز عن عائشة أنها قالت جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التى كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها فذكرت الذى صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال «إن الله قد أوجب لها بها الجنة أوأعتقها بها من النار».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5135):
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد : أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال :«هل عندك من شيء». فقال لا والله يا رسول الله قال :«اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا». فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا قال: «انظر ولو خاتما من حديد». فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري -قال سهل ما له رداء- فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك شيء». فجلس الرجل حتى طال مجلسه ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعي فلما جاء قال :«ماذا معك من القرآن». قال معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا عدها قال :«أتقرؤهن عن ظهر قلبك». قال نعم قال :«اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن».
[وأخرجه مسلم في النكاح باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد... رقم 1425]
قال الإمام مسلم رحمه الله (1072):
حدثنى عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين - قالا لى وللفضل بن عباس - إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس - قال - فبينما هما فى ذلك جاء على بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك فقال على بن أبي طالب لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل. فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا فوالله لقد نلت صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما نفسناه عليك. قال على أرسلوهما. فانطلقا واضطجع على - قال - فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا. ثم قال: «أخرجا ما تصرران» ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش - قال - فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون - قال - فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه - قال - وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه - قال - ثم قال: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد. إنما هي أوساخ الناس ادعوا لى محمية -وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب». قال فجاءاه فقال لمحمية: «أنكح هذا الغلام ابنتك». للفضل بن عباس فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث: «أنكح هذا الغلام ابنتك». لى فأنكحني وقال لمحمية: «أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا».
قال الإمام البخاري رحمه الله (4344):
حدثنا مسلم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جده أبا موسى ومعاذا إلى اليمن فقال: «يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا». فقال أبو موسى يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشعير المزر وشراب من العسل البتع فقال: «كل مسكر حرام». فانطلقا فقال معاذ لأبي موسى كيف تقرأ القرآن؟ قال قائما وقاعدا وعلى راحلتي وأتفوقه تفوقا قال أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وضرب فسطاطا فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق فقال ما هذا؟ فقال أبو موسى يهودي أسلم ثم ارتد فقال معاذ لأضربن عنقه.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2ص133):
حدثنا الحكم بن نافع حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب قال قال عبد الله بن عمر أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال اغد علي بها ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق خمر قد جلبت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته .
[في إسناده ضعيف وله طرق وشواهد يحسن بها كما ذكره العلامة الألباني في الإرواء (1529) ومنها حديث أبي سعيد عند مسلم].
قال الإمام مسلم رحمه الله رقم (1579)
حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى أبو همام حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب بالمدينة قال: « يا أيها الناس إن الله تعالى يعرض بالخمر ولعل الله سينزل فيها أمرا فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به ». قال فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : « إن الله تعالى حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع ». قال فاستقبل الناس بما كان عنده منها فى طريق المدينة فسفكوها.
والأدلة في الباب كثيرة جدا ومع ذلك لا نعلم دليلا واحدا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين أنهم قاموا بهذا الواجب (التعاون على البر والتقوى) على هذه الهيئة التي يسمونها بالجمعيات والمؤسسات ونحوها.
من
أضرار الجمعيات
ومفاسدها
مخالفة طريقة السلف(1)
قال الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أويُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115]
وقال الإمام البخاري رحمه الله (2697):
حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد».
قال الإمام مسلم رحمه الله (1718) :
حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد جميعا عن أبي عامر قال عبد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم قال سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن فأوصى بثلث كل مسكن منها قال يجمع ذلك كله فى مسكن واحد ثم قال أخبرتنى عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ».
قال الإمام الترمذي رحمه الله(ج7ص438):
حدثنا علي بن حجر حدثنا بقية بن الوليد عن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ». قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعيرحمه الله]
قال الإمام أبو داود رحمه الله(ج5ص18):
حدثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان قال كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر ح وثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حماد بن دليل قال سمعت سفيان الثوري يحدثنا عن النضر ح وثنا هناد بن السري عن قبيصة قال ثنا أبو رجاء عن أبي الصلت وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم قال : كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر فكتب: أما بعد أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره (أراد التوسط بين الإفراط والتفريط) واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أوعبرة فيها فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها ولم يقل ابن كثير " من قد علم " من الخطأ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم فإنهم هم السابقون فقد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم من مقصر وما فوقهم من محسر (حسر الشيء يحسره أي كشفه) وقد قصر قوم دونهم فجفوا وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. مختصرًا
قال العلامة الألباني :وهو أثر صحيح.
قال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (6):
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، قال: أخبرني أبي قال،: سمعت الأوزاعي، يقول: عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس. وإياك ورأي الرجال، وإن زخرفوه بالقول. فإن الأمر ينجلي ، وأنت على طريق مستقيم.
قلت: وهوأثر صحيح .
وقال ابن أبي خيثمة رحمه الله في كتاب العلم (54)
ثنا جرير عن العلاء عن حماد عن إبراهيم قال قال عبد الله اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة.
[ قال اللباني رحمه الله : هذا إسناد صحيح]
وفي الصارم المنكي لابن عبدالهادي رحمه الله (ص 471):
قال ابن مسعود رضي الله عنه : من كان منكم مسنناً فليستن بمن قد مات ، فإين الحين لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه ، فأعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ، وبسط هذا له موضع آخر .
وفي الرسالة التدمرية لابن تيمية رحمه الله (ص 96):
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما : يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم فو الله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبها بعيدا ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 158):
وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في فتاواه (ص250):
وكل ما لم يكن عليه السلف الصالح فليس من الدين فقد كانوا أحرص على الخير من هؤلاء فلو كان فيه خير لفعلوه وقد قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3] قال مالك بن أنس: فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا.
وقال أيضا في الموافقات (ج3ص280) :
الحذر الحذر من مخالفة الأولين ! فلو كان ثم فضل ما لكان الأولون أحق به والله المستعان.ٍٍٍاهــ
وذلك لأنه لم يثبت عن أحد من السلف لا فى القرون المفضلة ولا من بعدهم قامت دعوته على هذه الطريقة وهم أحرص الناس لهدايتهم وإيصال الخير لهم وأعلم الناس بمصالح هذه الدعوة فلوكانت هذه صالحة لماتركوها مع وجود مقتضاها (1)وقد قال الإمام مالك: لن يصلح آخرهذه الأمة إلا ما أصلح أولها. فعلم أنها ليست فى صالح الدين ولا الدعوة ولا المجتمع بل فى إفسادها أظهر.
التشبه بالكفار
قال الله تعالى :﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة:6، 7]
قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:149]
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران:100]
وقال تعالى :﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم:31- 32]
قال الإمام مسلم رحمه الله (302) :
حدثنى زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدى حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت فسأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض﴾ إلى آخر الآية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « اصنعوا كل شيء إلا النكاح». فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا. فلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فأرسل فى آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الإقتضاء (ج 1ص 269) تحقيق العقل:
وأيضا مما هو صريح في الدلالة ما روى أبو داود في سننه حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو النضر يعني هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت حدثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» وهذا إسناد جيد. اهـ
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره (ج 1 / ص 374):
ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم، ولباسهم وأعيادهم، وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نُقَرر عليها. اهـ
وقد علم مما تقدم أن هذه الطريقة جاءت من الغرب وأسست على وفق قوانينهم, فهذان الأمران – يعني الإحداث فى الدين والتشبه بالكفار – كافيان فى القطع بأنها بدعة محدثة بل من أشدها وأقبحها كما قال شيخ الإسلام رحمه الله فى الإقتضاء (ج1ص476-477) :
وأما القسم الثالث وهو ما أحدثوه من العبادات أوالعادات أوكليهما فهو أقبح وأقبح فإنه لو أحدثه المسلمون لقد كان يكون قبيحا فكيف إذا كان مما لم يشرعه نبي قط بل قد أحدثه الكافرون فالموافقة فيه ظاهرة القبح فهذا أصل.
وأصل آخر وهو أن كل ما يتشابهون فيه من عبادة أوعادة أوكليهما فهو من المحدثات في هذه الأمة ومن البدع إذ الكلام فيما كان من خصائصهم وأما ما كان مشروعا لنا وقد فعله سلفنا السابقون فلا كلام فيه.
فجميع الأدلة الدالة من الكتاب والسنة والاجماع على قبح البدع وكراهتها تحريما أوتنزيها تندرج هذه المشابهات فيها فيجتمع فيها أنها بدعة محدثه ومشابهة للكافرين وكل واحد من الوصفين يوجب النهي إذ المشابهة منهي عنها في الجملة ولو كانت في السلف والبدعة منهي عنها في الجملة ولو لم يفعلها الكفار فإذا اجتمع الوصفان صارا علتين مستقلتين في القبح والنهي.اهــ
فكيف إذا أضيفت معهما مخالفات شرعية أخر؟
التكلف بما لا يشرع
قال الله تعالى :﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص:86]
وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر﴾ [البقرة:185]
وقال تعالى :﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:6]
وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج:78]
وقال تعالى: ﴿طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه:1، 2]
• قال الإمام البخاري ~ (39):
حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة».
وهكذا شأن المحدثات فى الدين فيها تكلف وحرج لأنها استدراك على هذه الشريعة الكاملة. وهذا ملاحظ فى الواقع فإنهم استحسنوا أمورا على حساب الدين والدعوة لم يأذن بها الله ووضعوا مناهج ودساتر وقوانين وبرامج يسيرون عليها ما أنزل الله بها من سلطان.
التسولات(1)
قال الله تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [هود:29]
وعن هود عليه السلام: ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [هود:51]
وأخبر الله تعالى عن أنبياءه: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين﴾ [الشعراء:109]. وعلم نبيه أن يقولها :﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص:86]
حتى صار هذا سيماتهم عرفوا به عند قومهم. قال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس:21] ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾ [محمد:36-37]
وهذا هو دعوة الأنبياء والرسل المبنية على العفة وعدم التطلع لما في أيدي الناس.
• قال الإمام البخاري رحمه الله : (2681)
حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره قال : أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفة نبي.
فأين هؤلاء من دعوة الأنبياء والمرسلين ؟
ألم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذم المسألة وكراهتها؟
أيزعمون أنهم مستثنون فيها ؟
قال الإمام البخاري رحمه الله (1472) :
حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده فقال:«ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر».
• قال الإمام البخاري ~ (1473):
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن الزهري عن سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت عمر يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال :«خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك».
• قال الإمام البخاري ~ (1474):
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر قال سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر قال سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم».
• قال الإمام مسلم ~ (1044):
حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما عن حماد بن زيد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن هارون بن رياب حدثنى كنانة بن نعيم العدوى عن قبيصة بن مخارق الهلالى قال تحملت حمالة فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها فقال: « أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ». قال ثم قال « يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أوقال سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوى الحجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أوقال سدادا من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا ».
• قال الإمام النووي ~ (ج 3 / ص 488):
مقصود الباب وأحاديثه : النهي عن السؤال ، واتفق العلماء عليه إذا لم تكن ضرورة ، واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين أصحهما : أنها حرام ؛ لظاهر الأحاديث . والثاني : حلال مع الكراهة بثلاث شروط : ألا يذل نفسه ، ولا يلح في السؤال ، ولا يؤذي المسئول ، فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق . والله أعلم . اهـ
قال الحافظ رحمه الله في الفتح (ج 17 / ص 98) بعد أن ذكر الأقوال وكلام النووي : ( تنبيه ) : جميع ما تقدم فيما سأل لنفسه ، وأما إذا سأل لغيره فالذي يظهر أيضا أنه يختلف باختلاف الأحوال .
• قال شيخ الإسلام ~ كما في الفتاوى (ج 11 / ص 46):
ولم يكن فى الصحابة لا أهل الصفة ولا غيرهم من يتخذ مسألة الناس ولا الإلحاف فى المسألة بالكدية والشحاذة لا بالزنبيل ولا غيره صناعة وحرفة بحيث لا يبتغى الرزق الا بذلك كما لم يكن فى الصحابة أيضا أهل فضول من الاموال يتركون لا يؤدون الزكاة ولا ينفقون أموالهم فى سبيل الله ولا يعطون فى النوائب بل هذان الصنفان الظالمان المصران على الظلم الظاهر من مانعي الزكاة والحقوق الواجبة والمتعدين حدود الله تعالى فى أخذ اموال الناس كانا معدومين فى الصحابة المثنى عليهم.اهـ
وما هذه الخصلة الذميمة إلا نتيجة من التكلف بما لا يشرع والأماني الفارغة ...أننا
سنفعل كذا ونبني كذا ونحتاج ونريد... والواقع شاهد لذالك .
تصوير ذوات الأرواح
• قال الإمام البخاري ~ (2225):
حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا يزيد بن زريع أخبرنا عوف عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول :«من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا». فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح.
قال الإمام البخاري رحمه الله (5950 ):
حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الأعمش عن مسلم قال كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صفته تماثيل فقال سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5951 ):
حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5954 ):
حدثنا موسى حدثنا عبد الواحد حدثنا عمارة حدثنا أبو زرعة قال دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينة فرأى أعلاها مصورا يصور قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5954 ):
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت عبد الرحمن بن القاسم وما بالمدينة يومئذ أفضل منه قال سمعت أبي قال سمعت عائشة رضي الله عنها : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله». قالت فجعلناه وسادة أووسادتين.
هكذا المعاصي تجر بعضها بعضا. قال الله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون﴾ [البقرة:10]
فإنهم ما ارتكبوها إلا لإقناع المتبرعين طمعا لما في أيديهم، ثم اعلموا – وفقكم الله – أن الشيطان سول لبعض أناس تصوير البنايات لهذا الغرض في بادئ الأمرحتى أوقعهم في هذه الكبيرة وهم لايشعرون فاحذروه فإنه من مكايد الشيطان.وصدق الله إذ يقول: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُون﴾ [الأعراف:182]
ويقول عن إبليس: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف:16-17].
الاحتيال لأخذ أموال الناس
بالباطل
قال الله تعالى :﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[البقرة:188]
وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾[النساء:29]
وقال تعالى :﴿ وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ [النساء:2]
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء:10]
• قال الإمام البخاري ~ (3118):
حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال حدثني أبو الأسود عن ابن أبي عياش واسمه نعمان عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة».
• وقال الإمام البخاري ~ (2597) :
حدثنا عبيد الله بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا». ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :«أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أوبقرة لها خوار أوشاة تيعر». ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول :«اللهم هل بلغت». بصر عيني وسمع أذني.
• قال الإمام البخاري ~ (2766) :
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد المدني عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال :«الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
• قال الإمام محمد أمين الشنقيطي - رحمه الله - لولده عبد الله :
يا ولدي ! الدنيا ينبغي أن يبتعد منها، واحذر من الدنيا فإنك تراها كالماء المالح، إذا شرب منه الإنسان زاد ظمأ، واعلم أن الشيطان يكذب عليك ويضحك عليك ،ويقول لك: اجمع الأموال لكي تتصدق بها وتبني بها المدارس وتنفق على الأيتام، والشيطان يضحك عليك، يريدك أن تجمع المال وفى النهاية قال: ما لك رائح تعطي عليه؟ ولا يستريح جسمك، ولا تتعلم العلم وتضيع حياتك الدنيا، ولا رائح تتصدق ولا تنفقها، فتبقى عليك الآثام ويضيع عليك وقتك، فاحذر يا ابني من الدنيا. اهـ من شريط «سيرة الإمام الشنقطي» وجه(ا).
قلت: وهو الواقع في الغالب فإن العبد إذا جمع المال لا يعطيه للناس لأن المال فتنة، فمن يأمن على نفسه من فتنته وقد روى الإمام الترمذي في جامعه (ج 6ص629):
حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن سوار حدثنا ليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن كعب بن عياض قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال » .قال أبو عيسى هذا حديث صحيح غريب إنما نعرفه من حديث معاوية بن صالح .
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعي ~](1)
الافتتان بالدنيا والتهالك عليها
قال تعالى: ﴿واعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[الأنفال:28]
وقال تعالى :﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن:15]
وقال تعالى :﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[طه:131]
وقال تعالى :﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور﴾[الحديد:20]
• قال الإمام البخاري~ (3158) :
حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر ويونس عن الزهري عن عروة بن الزبير أنه أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمرعليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما انصرف تعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال :«أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء». قالوا أجل يا رسول الله قال :«فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم».
• وقال الإمام البخاري~ (2961):
حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى عن هلال بن أبي ميمونة حدثنا عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يحدث : أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال :«إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها».
• قال الإمام مسلم~ (2742) :
حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء ».
• قال الإمام الترمذي~ (ج7ص46) :
حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن ابن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه».قال أبو عيسى ~هذا حديث حسن صحيح.
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعي ~]
والحقيقة أن هذه الجمعيات ليست مهيئة لنشر العلم والدعوة والخير كما زعموا بل هي مهيئة للافتتان بالدنيا والتنافس فيها والتهالك عليها.(1)
الانشغال عن طلب العلم
قال الله تعالى :﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:28]
وقال تعالى :﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾[المجادلة:11]
• قال الإمام البخاري ~ (71) :
حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال قال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيبا يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله».
والله، فإنهم محرومون من هذا الخير لأنهم ضيعوا أنفسهم وأوقاتهم بالتسجيلات والبرامج والتسولات والجلسات، وهم في أوساط العلم ومراكزه، ولذا تجدهم واقعين في مخالفات كثيرة لقلة بضاعتهم في العلم الذي يمنعهم من الوقوع في مخالفة الشرع.(1)
إيداع الأموال في البنوك الربوية(1)
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:275]
وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُون﴾ [البقرة:278، 279]
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:130]
• قال الإمام مسلم ~ (1597-1598):
حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم - واللفظ لعثمان - قال إسحاق أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير عن مغيرة قال سأل شباك إبراهيم فحدثنا عن علقمة عن عبد الله قال لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا ومؤكله. قال قلت وكاتبه وشاهديه قال إنما نحدث بما سمعنا.
حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالوا حدثنا هشيم أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء.
وهذا حاصل في غالب الجمعيات والمؤسسات إن لم يكن كلها ثم إن البنوك تستفيد من أي نوع من أنواع المعاملات معها حتى الحوالة فكيف بإيداع الأموال فيها؟ سواء أخذت الربا أم لا، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2]
وعلى كل هي محرمة وإلا فأقل أحوالها شبهة(1) وقد روى الإمام مسلم ~ (1599):
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمدانى حدثنا أبي حدثنا زكرياء عن الشعبى عن النعمان بن بشير قال سمعته يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه: «إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب». (2)
الخضوع للقوانين الوضعية
والله يقول:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء/60]
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره - (ج 2 / ص 346):
هذا إنكار من الله، عز وجل، على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية: أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد. وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل: في جماعة من المنافقين، ممن أظهروا الإسلام، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية. وقيل غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل.اهـ
وهذا الخضوع لهذه القوانين يعتبر عدولا عن الكتاب والسنة مع ما في تلك القوانين التي افترضها الكفار على كثير من بلدان الإسلامية من النظام الديمقراطي الطاغوتي، و هذا أمر خطير جدا .
التنظيم المحدث
وهو التنظيم الذي بني على وفق القرارات والقوانين الوضعية الغربية ، ولم يدل عليه دليل البتة ، فإن الشرع حث على التعاون في الخير على نظام شرعي لا على هذا التنظيم الحزبي كما قال فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله في شرح المسائل الجاهلية ص 156: إن أهل السنة والجماعة يقرون بالجماعة بمعنى التجمع للدعوة، للخير للأمر والنهي وللهدى والصلاح تجمعا مشروعا يكون فيه تطاوعا وليس فيه طاعة ويكون فيه ائتلاف ولا يكون فيه أمر ونهي ، ويكون فيه نظام وليس فيه تنظيم ، وهذه هي أصول دعوة كل من تجمع من أهل السنة في قديم الزمان وفي الحديث ، وكذلك من جهة التنظيم يعني : بعض الجماعات تتجمع على تنظيم ، وهؤلاء كما رأيت في بعض مؤلفاتهم يستدلون بمقالات شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم ، هم لم يفهموا فإن شيخ الإسلام رحمه الله ذكر نظاما ، وما يعني به النظام ولم يذكر التنظيم لأن التنظيم هذا حادث ، التنظيم بمعنى تكون رأس للحزب يطاع ، ومن تحته تبلغ لهم الأشياء كما يحصل من طاعة الإمام وهذا لا شك أنه لا يجوز ، ولا يدل عليه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولا غيره . اهـ مختصرا.
الانتخابات(1)
وهي إجراء قانوني يحدد نظامه ومكانه في دستور وبرنامج ولائحة، ليختار على مقتضاه شخص أوأكثر لرئاسة مجلس أونقابة أوندوة أولعضويتها أونحو ذلك.
وهذه طريقة غير شرعية ووسيلة من وسائل القوانين الديمقراطية الطاغوتية المستوردة من بلاد الكفار، وقد تقدم الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وكما ذكره شيخ الإسلام على تحريم التشبه بالكفار سواء كان في أقوالهم أوأفعالهم.
ثم إن هذا تعويد إلى شر ما هوأكبر منه، فإنه قد يفضي بأصحابها إلى المشاركة في الدخول للانتخابات الدولية كما قال أحمد بن محمد الشحي في كتابه «حوار هادي مع إخواني» (ص52) :
فائدة: واعلم يا أخي –حفظك الله- أن طريقة الإخوان المسلمين في تشكيل حزبهم السياسي في يد البلدان التي لم تطبق الديمقراطية الطاغوتية والانتخابات تكون بتأسيس جمعيات أومنتديات إصلاحية وخيرية -زعموا- ثم ينشر شبابهم في ذلك المجتمع على نظام الأسر الذي ذكرته آنفاً في أول هذا الفصل، فإذا صرح ذلك البلد بالحكم الديمقراطي الطاغوتي والسماح للأحزاب بالدخول في الانتخابات وجدتهم يصرحون بأنهم حزب سياسي وهذه الطريقة واضحة لكل عارف بهم ومطلع على خط سيرهم، فقد حصل لهم هذا في مصر والجزائر والسودان واليمن والكويت وما حصوله في بلدنا ببعيد. اهـ
الإمارة في الحضر
• قال الإمام أبوداود رحمه الله رقم (2609):
حدثنا علي بن بحر، حدثنا حاتم ابن إسماعيل، حدثنا محمد بن عجلان، عن نافع، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم».
وقد بين طرقها وشواهدها شيخنا يحيى بن علي الحجوري في كتابه النفيس«ضياء السالكين»(ج 1 / ص 167) بماحاصله أنه قال:
فبهذه الشواهد يصير الحديث صحيحا والحمد لله، والإمارة في السفر ثابتة في جميع مغازي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه في «الصحيحين» وغيرهما ومن ذلك حديث علي الآتي في إمارة عبدالله بن حذافة السهمي.
• قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (7145):
حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن، عن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فرارا من النار أفندخلها، فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف؟».
فهذه الأحاديث دالة على شرعية الإمارة في السفر ولا نعلم دليلاً واحداً في شرعية الإمارة في الحضر إلا لإمام الدولة العام.
وقد كان لأئمة السلف رضي الله عنهم دعوات ومجالس علمية تحضرها آلاف الناس ولم يكونوا يؤمرونهم عليها لا أمير الجمعية ولا رئيس المؤسسة ولا المشرفين لها وإنما إمام وأصحاب وشيخ وتلاميذ .
المهم، أن هذه الإمارة بدعة عصرية أدت بصاحبها إلى التطلع والترفع للرياسة الكبرى والاستشراف لها وهذا مشاهد واقع. (1)
الحزبية
هي ولاء وبراء ضيق على هذه المسميات وأصحابها وومناهجها دون الكتاب والسنة على فهم السلف وهي سبب أصيل في افتراق هذه الأمة شيعا الذي نهانا الله عنه.
قال الله تعالى :﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾[آل عمران:103]
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:105]
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾[الأنعام:159]
وقال تعالى: ﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون:53]
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم:31، 32]
• قال الإمام البخاري ~ (3518):
حدثنا محمد أخبرنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابرا رضي الله عنه يقول: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهلية؟ ثم قال ما شأنهم». فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم «دعوها فإنها خبيثة». وقال عبد الله بن أبي سلول أقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه».
• وقال الإمام مسلم ~ (3584):
حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر قال اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر أو المهاجرون يا للمهاجرين. ونادى الأنصارى يا للأنصار. فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: « ما هذا دعوى أهل الجاهلية ». قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر قال: « فلا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلوما فلينصره ».
• قال شيخ الإسلام في الاقتضاء (ج1/ص241) :
فهاذان الإسمان المهاجرون والأنصار اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة وسماهما الله بهما كما سمانا المسلمين من قبل وفي هذا وانتساب الرجل إلى المهاجرين والأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط كالانتساب إلى القبائل والأمصار ولا من المكروه أوالمحرم كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أومعصية أخرى ثم مع هذا لما دعا كل واحد منهما طائفة منتصرا بها أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وسماها دعوى الجاهلية حتى قيل له إن الداعي بها إنما هما غلامان لم يصدر ذلك من الجماعة فأمر بمنع الظالم وإعانة المظلوم ليبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المحذور من ذلك إنما هو تعصب الرجل لطائفته. اهـ
• قال ابن القيم في المدارج (ج2/ص370) :
هذا وهما اسمان شريفان سماهم الله بهما في كتابه فنهاهم عن ذلك وأرشدهم إلى أن يتداعوا بالمسلمين والمؤمنين وعباد الله وهي الدعوى الجامعة بخلاف المفرقة كالفلانية والفلانية فالله المستعان.
• قال شيخ الإسلام ~ كما في الفتاوى: (ج 1 / ص 292)
فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان . وأولياء الله الذين هم أولياؤه : هم الذين آمنوا وكانوا يتقون فقد أخبر سبحانه أن أولياءه هم المؤمنون المتقون.
وقال أيضا (ج 2 / ص 466):
وأما " رأس الحزب " فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم . وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق والباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التفرقة والاختلاف وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان.
وقال أيضا (ج 6 / ص 310):
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى : ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ . وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدا بموافقته على كل ما يريده ؛ وموالاة من يواليه ؛ ومعاداة من يعاديه بل من فعل هذا كان من جنس جنكيزخان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا مواليا ومن خالفهم عدوا باغيا ؛ بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ؛ ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله ؛ ويحرموا ما حرم الله ورسوله ؛ ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله. اهـ(1)
السرية
هي عبارة عن جلسات واجتماعات عقدت خاصة لأصحاب هذه التنظيمات التي يمارسونها بين حين وآخر أسبوعيا أوشهريا أوسنويا لتدبير عملياتها تحت ستارالعلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذه الطريقة تكمن فيها شرور كثيرة وما جنتها هذه الجلسات من الاستحسانات في الدين والدعوة والثورات على العلماء والأمراء بالطعون فيهم والانقلابات وغيرها كاف في بطلانها وفسادها.
والحمد لله، ديننا الإسلام ظاهر جلي لا خفاء فيه ولا سرية هؤلاء ولا استتارهم.
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾[التوبة:33]
وقال تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين ﴾ [الحجر:94]
وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف:29]
• قال الإمام ابن أبي عاصم ~ في السنة (ج 1 / ص66):
ثنا محمد بن عوف، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، أن ضمرة بن حبيب، حدثه أن عبد الرحمن بن عمرو، حدثه أنه سمع العرباض بن سارية، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد تركتكم على مثل البيضاء ، ليلها كنهارها، لا يزيغ بعدي عنها إلا هالك» (1).
• قال الإمام ابن أبي عاصم ~ في السنة (ج2/ص494):
ثنا الحسن بن علي الحلواني، والحصين بن البزار، قالا: ثنا محمد بن الصباح، ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله بن عمير، عن نافع، عن ابن عمر، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني. قال: «اعبد الله ولا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة، وآت الزكاة، وصم رمضان، وحج البيت، واعتمر، واسمع وأطع، وعليك بالعلانية، وإياك والسر».
قال العلامة الألباني: إسناده جيد
• قال الإمام أبو نعيم ~ في حلية الأولياء (ج 5 / ص 338):
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن عبدالوهاب بن نجدة ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي قال قال عمر: إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم دون العامة فاعلم أنهم في تأسيس الضلالة.
وأخرجه اللالكائي في السنة (251) من طريق ابن مهدي عن ابن المبارك عن الأوزاعي به. وهو أثر صحيح.
وأما القضايا الدينية والدعوية ترد إلى أهلها ذوي البصائر من العلماء لا إلى هؤلاء الهمج الرعاع الذين لا يهمهم إلا المصالح الشخصية والمطامع الدنيوية.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أوالْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم﴾ [النساء:83]
فهذه الأمور لا تخلو منها جمعية حتى صارت وصفا طرديا لهذه المنظمات في جلها إن لم يكن كلها، فالذي لا يعرفها اليوم سيعرفها غدا، فإن الواقع خير شاهد لما أقول: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد﴾ [غافر:44]
فلا داعي لإنشاء مثل هذه التجمعات سواء سموها جمعية أومؤسسة أوندوة أورابطة أونحوها لأن مؤداها واحدة وهي الحزبية المغلفة غلفها الجهل والتلبيس.(1)
الشبهات
والردود عليها
شبهة (1)
استدلالهم بعموم قوله تعالى :﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة:2]
الجواب:
إن الاحتجاج بعمومات الأدلة لا بد من المراعاة بأن تكون على وفق عمل السلف وإلا لدخل كثير من المحدثات في الدين من هذا القبيل لاندراجها تحت عموم الأدلة ولذا قال الإمام الشاطبي ~ في الموافقات (ج 3 / ص 56):
كل دليل شرعي لا يخلو أن يكون معمولا به فى السلف المتقدمين دائما أوأكثريا أولا يكون معمولا به إلا قليلا أوفي وقت ما أولا يثبت به عمل، فهذه ثلاثة أقسام:
أحدها : أن يكون معمولا به دائما أوأكثريا فلا إشكال فى الاستدلال به ولا في العمل على وفقه وهي السنة المتبعة والطريق المستقيم.
والثاني: أن لا يقع العمل به إلا قليلا أوفي وقت من الأوقات أوحال من الأحوال ووقع إيثار غيره والعمل به دائما أوأكثريا، فذلك الغير هو السنة المتبعة والطريق السابلة وأما ما لم يقع العمل عليه إلا قليلا فيجب التثبت فيه وفى العمل على وفقه والمثابرة على ما هو الأعم والأكثر فإن إدامة الأولين للعمل على مخالفة هذا الأقل إما أن يكون لمعنى شرعي أولغير معنى شرعي.
والقسم الثالث : أن لا يثبت عن الأولين أنهم عملوا به على حال ، فهو أشد مما قبله والأدلة المتقدمة جارية هنا بالأولى، وما توهمه المتأخرون من أنه دليل على ما زعموا ليس بدليل عليه ألبتة ؛ إذ لو كان دليلا عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له ولو كان ترك العمل فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين وكل من خالف الإجماع فهو مخطئ وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة فما كانوا عليه من فعل أوترك فهو السنة والأمر المعتبر وهو الهدى وليس ثم إلا صواب أوخطأ فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ وهذا كاف. اهـ ملخصًا
أترون أن هذه الجمعيات عمل بها السلف دائما أوأكثريا أوفي حال من الأحوال ؟
أم لم يكن هناك عمل السلف على هذه الصورة البتة؟
فالحذر الحذر من مخالفة السلف الأولين! فلو كان ثم فضل ما، لكان الأولون أحق به والله تعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[النساء:115]
ويقول: ﴿ فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[البقرة:137]
فالأمر بالتعاون البر والتقوى مشروع بالكتاب والسنة والإجماع وعمل السلف، لكن إنشاء التعاون على هذه الصورة والهيئة لا أصل له في كتاب ولا سنة ولا عمل السلف ولا هو معروف فى تواريخ المسلمين.
شبهة (2)
إدخالهم هذا العمل في باب المصالح المرسلة.
الجواب :
هذا النظر غير صحيح، لأمور منها :
أولا: إن الله قد تكفل مصالح العباد الدينية والدنيوية في شرعه الكامل الذي لا يعتريه نقص ولا يحتاج إلى استدراك، قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة:3]
وقال: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام:38]
وقال الإمام مسلم ~ (1844):
حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس فى ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو فى جشره إذ نادى منادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال «إنه لم يكن نبى قبلى إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها فى أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجىء فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجىء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتى. ثم تنكشف وتجىء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذى يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».
قال شيخ الإسلام ~ كما في الفتاوى (ج11/ص344):
والقول الجامع أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط ، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا وقد حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد به فأحد الأمرين لازم له ؛ إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر أو أنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة ؛ لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة ، وكثيرا ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة كما قال تعالى في الخمر والميسر : ﴿قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما﴾.
ثم قال أيضا (ص348):
والمنفعة المطلقة هى الخالصة أوالراجحة واما ما يفوت ارجح منها أويعقب ضررا ليس هو دونها فانها باطل فى الاعتبار والمضرة احق باسم الباطل من المنفعة واما ما يظن فيه منفعة وليس كذلك أويحصل به لذة فاسدة فهذا لا منفعة فيه بحال فهذه الأمور التى يشرع الزهد فيها وتركها وهى باطل ولذلك ما نهى الله عنه ورسوله باطل ممتنع أن يكون مشتملا على منفعة خالصة أوراجحة. اهـ
وما هي المصلحة التي ترتجى من هذه الجمعيات بجانب هذه المفاسد والأضرار الحاصلة فيها التي تكون الواحدة منها أعظم وأكبر من تلك المصالح المزعومة.
ومن المعلوم المتقرر عند أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم ٍ﴾[الأنعام:108]
ثانيا: يقال لمن استدل بمثل هذا فى باب المصالح المرسلة كما قال الإمام الشاطبي ~: فى الموافقات (ج3ص284):
هل وجد هذا المعنى الذي استنبطت في عمل الأولين أولم يوجد؟
فإن زعم أنه لم يوجد ولا بد من ذلك.
فيقال له: أفكانوا غافلين عما تنبهت له أم جاهلين به أم لا؟
ولا يسعه أن يقول بهذا لأنه فتح لباب الفضيحة على نفسه وخرق للإجماع وإن قال إنهم كانوا عارفين بمآخذ هذه الأدلة كما كانوا عارفين بمآخذ غيرها،
قيل له: فما الذي حال بينهم وبين العمل بمقتضاها على زعمك حتى خالفوها إلى غيرها؟
ما ذاك إلا لأنهم اجتمعوا فيها على الخطأ دونك أيها المتقول. والبرهان الشرعي والعادي دال على عكس القضية فكل ما جاء مخالفا لما عليه السلف الصالح فهو الضلال بعينه.اهــ
ثالثا: لو كانت مصلحة ، لما تركها السلف مع وجود مقتضاها. فهذا دليل على عدم صلاحيتها كما قال شيخ الإسلام ~ في الاقتضاء (ج1/ص101):
فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودا، لو كان مصلحة ولم يفعل، يعلم أنه ليس بمصلحة.
وقال أيضا:
فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة، وهو مع هذا لم يشرعه، فوضعه تغيير لدين الله، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين، من الملوك والعلماء والعباد، أومن زل منهم باجتهاد.اهـ ملخصًا
أليس المقتضى لإنشاء هذه الجمعيات موجودا في عهد النبي ؟ الفقراء والمساكين من الصحابة كثير واليتامى أيضا موجودون وطلبة العلم والدعاة منهم متوافرون والأغنياء والتجار موجودون ، فهل نقل عن النبي أنه يوما من الأيام قال لأصحابه: اجعلوا لكم جمعية تجمعون الأموال تعينون بها إخوانكم المحاويج من الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل وتكفلون بها الدعاة إلى الله ؟
رابعا : القائلون بالمصالح المرسلة يشترطون فيها شرطين :
الأول؛ عدم دخولها فى الأمور التعبدية .
الثاني؛ رجوعها إلى حفظ أصل الملة.
وهذان الأمران لا يتوفران فى مسألة الجمعية، وذلك لأنهم بنوها وعملياتها على حساب الدين أوالدعوة ومصالحها وهي من أجل العبادات وأسماها(1)، قال الله تعالى :
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33]
وقال: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108]
ثم إن أهل العلم مثلوا لها بجمع المصاحف فى خلافة أبي بكر وتوحيد القراءات فى خلافة عثمان بن عفان لمافيه من حفظ أصل الدين وهوجمع كلمة المسلمين والبعد من الفرقة، قال الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:13] وقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103]
أما هذه الجمعيات هي سبب كبير لهدم هذا الأصل كما هوواقع اليوم وإن أظهروا الوحدة: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر:14]، فإنها فى الحقيقة وليدة من تلك الجماعات والأحزاب المتفرقة.
شبهة (3)
قولهم إن ليس هناك دليل أونص على بدعيتها .
الجواب:
هذا قصور فى النظر إلى الأدلة، فإن النبي قد أعطي جوامع الكلم ومن تلك الجوامع مارواه البخاري: فى صحيحه: حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد».
وهذا الحديث أصل فى رد المحدثات فى الدين كلها، وليس كل بدعة لابد فيها أن يرد نص خاص فى النهي عنها، لأنك لو تأملت البدع التي نهى عنها بأعيانها وما لم ينه عنها بأعيانها وجدت هذا الضرب هوالأكثر.كذا قال شيخ الإسلام فى الإقتضاء.
شبهة (4)
إدخالهم هذه الطريقة من وسائل الدعوة والوسائل لها أحكام الغايات.
الجواب:
فقد كثر الكلام فى الوسائل الدعوية وخاض الناس فىها، أ توقيفية هي أم إجتهادية؟
والصواب أن وسائل الدعوة توقيفية أي متوقفة على الأدلة من الكتاب والسنة كما أشار إليه كلام شيخ الإسلام فى الإقتضاء (ج2ص375) عند قوله تعالى: ﴿إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا﴾ فأخبره أنه أرسله داعيا إليه بإذنه فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك ومن دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع.اهــ
أما الصحيح فى القاعدة «الوسائل لها أحكم الغايات» أنها مقصورة على ما ورد فى الشرع سواء كان وسيلة أوغاية، لأنه لو فتح هذالباب-أي النظر والإحداث-لدخل الإبتداع فى الوسائل الكثيرة للمقاصد الشرعية وانقلبت القاعدة إلى أن صارت «الغاية تبرر الوسيلة» وهي قاعدة باطلة، فتأمل.
شبهة (5)
احتجاجهم بأن عمل الجمعيات داخل فى المعاملات والعادات والأصل فىها الإباحة، فكيف يدخل فىها الإبتداع ؟
الجواب:
هذا النظر غير مسلم لأنهم فى الواقع يتبنون – بزعمهم – بهذه التجمعات على أساس الدعوة ومصالحها، كيف يقال أنها من العادات، فإن الدعوة إلى الله من أجل العبادات وأسماها وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾ [فصلت:33] وقال: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108] وقال: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء:165]
وإذا تقرر هذا، علم أن الابتداع حاصل من هذا القبيل لعموم قول النبي : «من أحدث فى أمرنا هذا ماليس منه فهو رد » وهذا هو الأصل فى العبادة، فمن اخترع عبادة مزعومة لم يشرعها الله ولا رسوله فعليه بالبرهان!
ثم لو سلمنا هذا النظر فإننا نقول أن العاديات من حيث هي عادية لا بدعة فىها ومن حيث يتعبد بها أوتوضع وضع التعبد تدخلها البدعة وذلك لأنه ثبت فى الأصول الشرعية أنه لابد فى كل عادي من شائبة التعبد، هذا ملخص كلام الشاطبي فى الإعتصام (ج2ص79-98).
ولا يبعد أن يكون هذا من نوع العاديات والمعاملات التي يشوبها التعبد، فالبدع تدخل فىها من الوجه التعبدي المتعلق بها.
شبهة (6)
دعواهم أنهم ملزمون بإنشاء الجمعيات من قبل الدولة.
الجواب:
هذا من أفشل دعاويهم ، فإن أئمة السلف رضوان الله عليهم كانت لهم دعوات ومجالس علمية تحضرها آلاف الناس وقد عاصروا دولًا تحارب السنة والدعوة إلىها، ولم ينقل عنهم أنهم لجأوا إلى هذه الطريقة المحدثة ، فهل قامت لهم هذه الجمعيات بحجة حل مشاكلها مع الدولة ؟
والحمدلله، الدعوة سائرة على ما كان عليه السلف تبلغ مشارق الأرض ومغاربها بدون هذه الجمعيات من قبل ومن بعد، وكل يدعو بما استطاع بلا تكلف.
تنبيه:
أما دعواهم بإنشائها وهمية(1) فهي دعوى فارغة لاوجودلها فإن الواقع يشهد أن الظروف والمطالب الكثيرة تضطرهم إلى نعشها ولو بعد حين، فلا داعي لإنشائها لا حقيقة ولاوهمية.
شبهة (7)
اعتمادهم على فتاوى بعض العلماء فى جواز إنشاء هذه الجمعيات، وعلى أن هذه المسألة إجتهادية ، ولا يجوز إلزام الآخر على تركها .
الجواب:
اعلموا – وفقنا الله وإياكم – أن الأقوال والأفعال الصادرة من أي إنسان كائنا من كان تعرض على الكتاب والسنة، فما وافقت الحق قبلت وما خالفته ردت، الله تعالى يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:59] ويقول: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون﴾ [الأعراف:3]
قال الإمام الطبراني فى معجمه الكبير (ج11ص339):
حدثنا أحمد بن عمرو البزار، حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا أبو عبيدة الحداد، عن مالك بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، رفعه قال:ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويدع غير النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الهيثمي فى المجمع (ج1ص179): رجاله موثقون.
قلت: وهو كما قال، وروي بمعناه من قول مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وأحمد وغيرهم.
الحق يعرف بأدلته وبراهينه لا بكثرة قائليه، فعلى الإنسان أن يتحرى الحق والصواب، حتى يوفق لإصابته، أما تتبع رخص العلماء فهو من سيمات أهل الزيغ والريب. (1)
إن فتاوى العلماء مبنية على اجتهادات فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر وعذر، ففى كلا الحالين فإنهم مأجورون وأما أنت – أيها المقلد – فمن أين لك الأجر والعذر فهذا غرور كما قال الإمام الشنقيطي ~ في" الأضواء" (ج7/ص533، 537-538) : اعلم أن المقلدين، اغتروا بقضيتين ظنوهما صادقتين، وهما بعيدتان من الصدق ... ثم ذكر الأولى ثم قال: وأما القضية الثانية: فهي ظن المقلدين أن لهم مثل ما للإمام من العذر في الخطأ.
وإيضاحه: أنهم يظنون أن الإمام لو أخطأ في بعض الأحكام وقلدوه في ذلك الخطأ بكون لهم من العذر في الخطأ والأجر مثل ما لذلك الإمام الذي قلدوه, لأنهم متبعون له فيجري عليهم ما جرى عليه.
وهذا ظن كاذب باطل بلا شك. لأن الإمام الذي قلدوه بذل جهده في تعلم كتاب الله وسنة رسوله وأقوال أصحابه وفتاويهم.
فقد شمر وما قصر فيما يلزم من تعلم الوحي والعمل به وطاعة الله على ضوء الوحي المنزل، ومن كان هذا شأنه فهو جدير بالعذر في خطئه والأجر في اجتهاده.اهـ
ثم إن القائلين بجواز إنشائها قيدوه بشروط لا تتوفر في جمعية من الجمعيات ومن تلك الشروط:
1- ارتباطهم بالعلماء الربانيين والعمل من وراءهم لا أمامهم.
وهذا لا يحصل فإنهم إن أظهروا الرجوع إلى العلماء والارتباط بهم ليس إلا لمصالحهم وتبرير مسارهم وبرامجهم المخفية عند العلماء، وهم يتزينون أمامهم أنهم أصحاب الدعوة الذين ينبغي معاونتهم، ولذا تجدهم عند الفضيحة وأن كشفت حقيقتهم وبعد ما نصحهم العلماء وحذروا منهم، غضبوا وبدلوا ثناء العلماء شتما وطعنا ووصمهم بالتسرع والتشدد وغير ذلك.
2- وجود نصيب وافر من العلم الشرعي عندالقائمين على هذه الأعمال يفوت وقوعهم في المخالفات.
وهو من أندر النادر في الواقع، فإن الغالب فيهم جهال ماديون ولا ننفي هناك من عنده شيء من العلم لكن السكوت والممالأة على المنكرات والمخالفات تجعلهم داخلين في زمرة الجهلاء قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء:197] أثبت لهم العلماء، فهل نفعهم علمهم؟ ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة:78- 79]
3- وجود مكنة في الإرادة من الترفع عن حب الرياسة والمصالح الشخصية والمطامع الدنيوية مع الدوران في الحركة والأقوال والأفعال في عقد سلطان الولاء والبراء والحب والبغض على ذات الدين لا على هذه المسميات التي هي الوسائل فحسب، وهي بمثابة أسماء العاملين وعشائرهم وجنسياتهم وإلا رجع الأمر إلى حال الحزبيين العاملين باسم الدين والآخذين منه ما يلزمهم دون العمل على خدمته وتشخيص واجب الوقت والعمل على إحيائه.(1)
وقد سبق لنا أن الأمر عكس ذلك لأن هذه الطريقة هيئت لهذه المقاصد السيئة من أصلها ولو ظهرت بعد حين فهي حزبية عصرية مغلفة.
أما قولهم إنه لا يجوز إلزام الآخر في ترك شيء من مسائل الإجتهاد ، فقول باطل بلا برهان، وهذا فتح باب ترك إنكار منكر محقق بالأدلة بحجة أن هذه من مسائل إجتهادية. فقد جرى عمل الأئمة والأمة على إنكار ما رأوه منكرا وإن كان قد اجتهد ورأى آخر أنه ليس بمنكر.
قال ابن القيم ~ في إعلام الموقعين (ج 2 / ص 396):
فقد تقرر أن كل عمل خالف السنة الصحيحة لم يقع من طريق النقل البتة وإنما يقع من طريق الاجتهاد إذا خالف السنة كان مردودا وكل عمل طريقه النقل فإنه لا يخالف سنة صحيحة البتة . اهـ
وقال أيضا في (ج 3 / ص 288):
وقولهم إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل أما الأول، فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره إتفاقا إن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار وكيف يقول فقيه لا إنكار في المسائل المختلف فيها، والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتابا او سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا .اهـ
بل في مسألة الفضل والأفضل، يجوز لمن علم شيئا أفضل من غيره أن ينبه بل وينهى غيره لترك ذلك الفضل لأخذ الأفضل ، والدليل على ذلك ما ثبت في سنن النَسائى (ج 15 / ص 495رقم:5153) : أخبرنا وهب بن بيان قال حدثنا ابن وهب قال أنبأنا عمرو بن الحارث أن أبا عشانة - هو المعافرى - حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول « إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها فى الدنيا ». [الحديث في الصحيح المسند]
ومعلوم أن لبس الحلية من ذهب وغيره حلال للنساء جميعا سواء أزواج النبي أو غيرهن، ولكن النبي نهاهن لأجل الأفضل والزهد في الدنيا.ثم عمل به بعد ذلك أبو هريرة صحابي جليل كما ثبت في " المصنف " (19938) بإسناده صحيح من طريق أيوب، عن ابن سيرين: أن أبا هريرة قال لبنته: لا تلبسي الذهب ; فإني أخشى عليك اللهب.[ وانظر سير أعلام النبلاء - (ج 2 / ص 622)]
فكيف إذا كانت المسألة اجتهادية مرجوحة لما فيها من المنكرات الواضحات كالجمعيات ، فالإنكار فيها أولى وأحرى بل واجب. والله أعلم.
شبهة (8)
قول بعضهم : إن الجمعيات ليست على حد سواء ، منها ما فيها المنكرات ومنها ما ليس فيها المنكرات ، فكيف سويتم بينها ، أليس هذا عين الجرم والظلم ؟
الجواب : أن إنكار المنكر لايمكن أن يحصل على جميع أفراد المنكرات على حدتها ، أو لابد أن يتوفر لشخص جميع تلك المنكرات، وهذه القاعدة لا تتأتى حتى على كافر، فليس كل كافر يجترح السيئات بأسرها، فهذا شبيه بما قبله في إغلاق باب إنكار المنكر بل تعطيله بالكلية، فإننا إذا نظرنا إلى النواهي التي نهاها الله في القرآن وجدناها عمومات كنهيه عن السرقة والزنا وقتل النفس وغيرها وليس كل الناس سارقا ولا زانيا ولا قاتلا للنفس ، بل خطاب الله أعم وأجمع بل قد يكون الخطاب لمن لا تصدر منه تلك الأشياء وإنما لقصد التنبيه، كندائه بالإيمان : ﴿ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول﴾ فالخيانة لله ولرسوله ليست من صفات المؤمنين كاملي الإيمان، وغير ذلك من الأمثلة ، واللبيب من تنبه بغيره ، قال العرب :
العــــــبد يقـــــرع بالـــعصا الحـــــر تكفـــيه الإشــــــارة
وكذلك لو نظرنا إلى القضايا التي حصلت في زمن النبي ، ثم صدر من النبي نهي أو أمر لم تكن تلك القضايا صادرة عن جميع الصحابة ، بل ربما من واحد منهم، كقضية بريرة رضي الله عنها مع سيدها ، قام النبي يخطب الناس قائلا: «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة». [متفق عليه] وغير ذلك من القضايا.فبأي حجة تلك القاعدة البائرة؟
شبهة (9)
وقد استدل بعض أصحاب الجمعيات بحديث جرير المتقدم(1) على جمعياتهم، وأنى لهم ذلك لأن بين هذه القضية وهذه الجمعيات فروقا بينة، منها :
• أن النبي إمام المسلمين ، وله أن يأمر رعيته بما رأى ما فيه مصلحة رعيته، وعلى الرعية طاعته، أما هذه الجمعيات فليست كذلك.
• أن هذه القضية إنما حادثة عين ولم تكن هذه ديدنه ولا أصحابه، حاش وكلا، لا يوميا ولا أسبوعيا ولا شهريا بل ولا سنويا، أما هذه الجمعيات تجعل التسول عادة وعبادة رسمية التي لا تصلح إلا به، ومتى وجدوا فرصة انتهزوها.
• أن النبي إنما هو شفيع ولم يستفد من هذا الجمع شيئا، فقد قال هو نفسه : «اشفعوا تؤجروا»، أما هؤلاء، فهم الذين استشرفوه بأنفسهم وهم أكثر الناس أخذا لذلك المال الذي جمعوه باسم الدعوة.
• أن النبي إنما عرض هذه المسألة للحاضرين حوله فقط، ولم يتجاوز إلى غيرهم، ولا يأمر أحدا أن يأتي إلى أبواب الناس فيدقها ويسألهم، أما أصحابنا هؤلاء فهرعوا إلى أي وسيلة وجدوها وإلى أي الناس وافقوهم.
• أن النبي إنما جمع ذلك المال ليقسمه إلى مستحقيه ،ولم يدخرمنه شيئا بل قسمه مباشرة حتى نفد، أما هؤلاء فأحوالهم معروفة في هذا الجانب، ادخروه في البنوك ولم يعطوه إلى مستحقيه إلا قليلا.
• أن النبي إنما فعل ذلك لعدم وجود شيء عنده ، وإلا لو كان عنده شيء يعطيهم، لأعطاهم إياه من عنده ، من غير أن يحث الناس على هذا الأمر، لأن الله لم يجعله بخيلا، أما هؤلاء فلربما من أغنى الناس، وأبخلهم ولذلك ما يزالون يسألون.
• أن المنكوبين والمحتاجين بين يدي النبي ، وقد حصلت فاقتهم بشدة ولذلك لما رأى النبي فاقتهم وحاجتهم فعل هذا ليسدها، أما هؤلاء فمحتاجوهم في السراب والخيال وخلاف الواقع الحقيقي.
وغير ذلك من الفروق التي تبين أن الحديث في شق والجمعيات في شق آخر.
الشبهة (10)
قولهم : إلى من تترك الفقراء والأرامل و الأيتام وكفالة الدعاة والطلبة ، إن لم تكن هناك جمعية ؟؟؟
الجواب : ألم يقل الله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات/58] وقال أيضا :﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود/6] وقال أيضا :﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت/60]وقال أيضا ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات/22]
وفي الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا : « إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا ، فيؤمر بأربع كلمات ، ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد .
وعن أبى هريرة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال « اللهم إنى أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ». [رواه أحمد - (ج 20 / ص 447) قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (ج 3 / ص 12) ( حسن )]
وفي حديث أبى هريرة قال قال النبى - صلى الله عليه وسلم - « الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار »[متفق عليه]
وكم من أدلة من الكتاب والسنة تحث وتحض على مواساتهم بلا تكلف من إنشاء هذه الجمعيات والتنظيمات التي لم تكن معلومة عند السلف، وقد كانت الحقوق تصل إلى ذويها ومستحقيها بدون هذه التنظيمات والجمعيات. والله أعلم.
شبهة (11)
اعتمادهم على كلام محمد رشيد رضا في تفسيره (6/131):
وكان المسلمون في الصدر الأول جماعة واحدة يتعاونون على البر والتقوى عن غير ارتباط بعهد ونظام بشري كما هو شأن الجمعيات اليوم ، فإن عهد الله وميثاقه كان مغنيا لهم عن غيره ، وقد شهد الله تعالى لهم بقوله : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران/110]، ولما انتثرى بأيدي الخلف هذا العقد ونكث ذلك العهد ، صرنا محتاجين إلى تأليف الجمعيات خاصة بنظام خاص لأجل جمع طوائف من المسلمين وحملهم على إقامة هذا الواجب ( التعاون على البر والتقوى ) في ركن من أركانه ، أو عمل من أعماله ، وقلما ترى أحدا في هذا العصر يعينك على عمل من البر ما لم يكن مرتبطا معك في جمعية ألفت لعمل معين بل لا يفي لك بهذا كل من يعاهدك على الوفاء ، فهل نرجو أن يعينك على غير ما عاهدت عليه ؟
فالذي يظهر ، أن تأليف الجمعيات في هذا العصر ، مما يتوقف عليه امتثال هذا الأمر وإقامة هذا الواجب ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما قال العلماء ، فلا بد لنا من تأليف الجمعيات الدينية والخيرية والعملية ، إذا كنا نريد أن نحيى حياة عزيزة ، فعلى أهل الغيرة والنجدة من المسلمين أن يعنوا بهذا كل العناية . اهـ
الجواب من وجوه:
الأول : أن هذا الكلام صادر ممن ليس له قدم وثيق في الدين الصحيح كما تقدم ، فلا يعول إلى كلامه بشيء بل ولا يلتفت إليه.
الثاني : وفي كلامه مما يدل على بطلان أصالة الجمعيات ويؤكد مما تقدم أنها ليست من دين الإسلام بالكلية وأنها بدعة محدثة من قبل هؤلاء المربوكين.
الثالث : وأثر معاذ بن جبل ، رضي الله عنه حيث يقول في كل مجلس يجلسه : « هلك المرتابون ، إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ، ويفتح فيها القرآن ، حتى يأخذه الرجل والمرأة والحر والعبد ، والصغير والكبير ، فيوشك الرجل أن يقرأ القرآن في ذلك الزمان فيقول : ما بال الناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ، فيقول : ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره ، فإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة » [وهو أثر صحيح رواه الآجري في الشريعة [ج 1 / ص 100رقم: 88] ينطبق على هذا القائل .
الرابع : أما قوله : (ولما انتثرى – بنظام خاص) ، فهذا القصور والتفريط من العباد يس مسوغا لإحداث معصية أخرى ، بل الواجب المفروض التوبة من هذا التقصير و الرجوع إلى ما كان عليه المسلمون في الصدر الأول ، السلف الصالح ، من المحافظة على هذا العهد قال الإمام دار الهجرة :ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ،وما لم يكن يومئذ دينا فليس اليوم دينا" [ انظر : الشفا للقاضي 2/88)] وقد قال الله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم/41] وتقدم حديث العرباض بن السارية .
الخامس : وأما قوله ( وقلما ترى – لعمل معين ) : فليس كما قال ، فإن كثيرا من الأعمال لجماعة تقام وتنفذ بغير هذه الجمعيات من عهد النبي إلى يومنا هذا ، ألا ترى هذه الصلوات الخمس في الجماعة والعيدين وأداء زكاة الفطر والمال والتعليم والتدريس في المساجد السنة ، هل تحتاج إلى جمعيات ؟ وأيضا تلك الدعوة النبوية الناجحة الطيبة المثمرة المباركة التي قام بها الصحابة رضي الله عنهم في مشارق الأرض ومغاربها على أساس واحد فهل تحتاج إلى جمعيات ؟
السادس : قوله : ( بل لا يفي- عاهدك عليه) فالجواب : أن الرباط والعهد الذي بيننا وبين إخواننا المسلمين هو السير على كتاب الله وسنة نبيه وعلى فهم السلف الصالح ولو بعدت الديار والأمصار ، لا على ارتباط الجمعية ولا المؤسسة ولا غيرها من هذه التجمعات. والعهد الذي يجب على المسلمين محافظته هو الواصي بالحق والتواصي بالصبر والتناصح قال عز وجل : وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر/1-3] وقال تعالى : يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان/17]. وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ .[متفق عليه] وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».[رواه مسلم]
ونحن في عنية عن بهذا العهد عن هذه الروابط والعهود البدعية المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله التي استتر بها الحزبيون لاستقطاب الناس إلى أفكارهم الخبيثة سواء سموها عهدا أو بيعة فالمقصود واحد.
السابع : أما استدلاله بقاعدة أصولية : "ما لا يتم الواجب إلا به فهوواجب" فاستدلال باطل إذ كلا الواجبين لابد أن يكون شرعيا في نفسه، أو أن لا يخالف بحال النصوص الشرعية الأخرى ، وأنه يشترط لصحة تطبيق هذه القاعدة بأمرين عند الأصوليين:
(1) – أن يكون تنفيذ الواجب الأصيل مرهونا مرتبطا بهذا الواجب الفرعي ،فلا سبيل سواه.
(2) – أن يكون الواجب الأصلي متيقن الحصول بوجود ذلك الواجب الفرعي لا أنه مظنون متوهم. وهذان الشرطان هنا معدومان.
حوار هادئ
قالوا : كيف الأمر إذا لم تكن عليه جمعية أومؤسسة، فما البديل؟
أ يكون الأمر فوضى؟
قلنا : هل كان السلف فوضى؟
قالوا : حدثت أمور
قلنا : هل كانوا عنها غافلين؟
قالوا : كيف ندير الأموال ونسير الأعمال؟
قلنا : أولم يكن في عهدهم مال و أعمال؟
قالوا : بلى، ولكن الوسائل اختلفت من حال إلى حال
قلنا : فإن كانت وسائلكم مما يقبلها الشرع، فذلك لا يحتاج إلى مقال وإن كانت غير ذلك فذاك هو الضلال.
الفتاوى
فتوى لفضيلة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله :
س: ما واجب علماء المسلمين حيال كثرة الجمعيات والجماعات في كثير من الدول الإسلامية وغيرها، واختلافها فيما بينها حتى إن كل جماعة تضلل الأخرى. ألا ترون من المناسب التدخل في مثل هذه المسألة بإيضاح وجه الحق في هذه الخلافات، خشية تفاقمها وعواقبها الوخيمة على المسلمين هناك ؟
ج: إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بين لنا دربا واحدا يجب على المسلمين أن يسلكوه وهو صراط الله المستقيم ومنهج دينه القويم، يقول الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ كما نهى رب العزة والجلال أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن التفرق واختلاف الكلمة.
لأن ذلك من أعظم أسباب الفشل وتسلط العدو كما في قوله جل وعلا: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ وقوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ فهذه دعوة إلهية إلى اتحاد الكلمة وتآلف القلوب.
والجمعيات إذا كثرت في أي بلد إسلامي من أجل الخير والمساعدات والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها فهي خير وبركة وفوائدها عظيمة، أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى وتنقد أعمالها فإن الضرر بها حينئذ عظيم والعواقب وخيمة(1). فالواجب على علماء المسلمين توضيح الحقيقة ومناقشة كل جماعة أوجمعية ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبينا محمد، ومن تجاوز هذا واستمر في عناده لمصالح شخصية أولمقاصد لا يعلمها إلا الله، فإن الواجب التشهير به والتحذير منه ممن عرف الحقيقة، حتى يتجنب الناس طريقهم وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه في قوله جل وعلا: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولا وأعداء الإسلام من الإنس ثانيا: لأن اتفاق كلمة المسلمين ووحدتهم وإدراكهم الخطر الذي يهددهم ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين ودرء الخطر عن دينهم وبلادهم وإخوانهم، وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم وبذر أسباب العداوة بينهم، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلالة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. [مجموع فتاوى ومقالات ابن باز - (ج 4 / ص 135)»]
فتوى لفضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله :
س: لو قال قائل: إن الجمعيات الدعوية قام مقتضاها فى زمن النبي ﷺ، ولم يقم مانع يمنعها، فإن فعلها بعد النبي ﷺ من المحدثات، فما صحة هذا القول؟
ج: الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد ، السؤال الذي قدم سؤال وجيه ،ومن أجل هذا نحن من زمن قديم نقول : إن ترك الجمعيات خير من وجودها لأن النبي ﷺ - وأصحابه –، كانوا أحوج إلى المال منا، بل كانوا أشد حاجة منا، ومع هذا لم ينشئوا جمعية، وعلى هذا فتركها خير من وجودها، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، دع عنك أنها جمعيات تكون سببا للحزبية ، ومن كان معنا ساعدناه ومن لم يكن معنا لم نساعده ، والنبي ﷺ يقول كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير : "مثل المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى" وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال ﷺ :" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، هذه الجمعيات فرقت شمل المسلمين ، بعض المغفلين يقول : مقبل لا يفرق بين الجماعات والجمعيات ، وهذه الجمعيات لابد أن تكون خاضعة لشؤون الاجتماعية وخاضعة للقوا نين الدولة والعمل الذي يتعلق بالدولة تكون بركته قليلة، إن لم يكن منزوع البركة ، بل الحكومات يعجبهم العمل الميت فيما يتعلق بالإسلام ، وأما ما يتعلق بالتطور والتقدم إلى غير ذلك ، فإذاعتهم تنعى ، وعلى ننصح بترك هذه الجمعيات التي تكون سببا لضياع حق الفقراء ، وذك الفقير ربما لا يصل إليه شيء كما قيل، ونؤخذ باسمه الدنيا جميعا ، وما من ذلك شيء في يديه ، الذي ينبغي للتجار ننصحهم أن يتولوا توزيع زكواتهم على المحاويج فإنها قد أصبحت سببا للحزبية في كثير من البلاد الإسلامية ، والله المستعان .[من شريط: الغارة الشديدة على الجمعية الجديدة وجه (ا) سجلت ليلة العاشر من صفر 1220 هـ].
فتوى للشيخ العلامة ابن العثيمين رحمه الله .
قال رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية (ص191) في معرض رده على اليهود :
ولما وصفوا الله بذا العيب ؛ عاقبهم الله بما قالوا فقال : غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة/64] أي منعت عن الإنفاق ، ولهذا كان اليهود أشد الناس جمعا للمال ومنعا للعطاء ؛ فهم أبخل عباد الله ، وأشدهم شحا في طلب المال ، ولا يمكن أن ينفقوا فلسا ؛ إلا وهم يظنون أنهم سيسكبون بدله درهما ، ونرى نحن الآن لهم جمعيات كبيرة وعظيمة ، لكن هم يريدون من وراء هذه الجمعيات والتبرعات أكثر وأكثر ، يريدون أن يسيطروا على العالم.
فتوى لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
س: هل يعتقد فضيلتكم أن كثرة الجماعات الإسلامية وتعددها في صالح الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي والمسلمين بوجه عام ؟
ج: الواجب أن يكون المسلمون جماعة واحدة، أما الجماعات المتفرقة فقد نهى الله عنها بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ﴾ [آل عمران: 105]، وقوله: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [آل عمران: 103] .
فالتفرق والتجزؤ إلى جماعات أو إلى جمعيات هو مما نهى عنه ديننا، وما يطلبه ديننا منا ألا نختلف أوتتضارب أفكارنا، وبالتالي يضيع مجهود الدعوة .
فالواجب علينا أن نكون جماعة واحدة على منهج الإسلام وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا واجب المسلمين، أما منطق الجماعات فهذا ليس لصالح الدعوة الإسلامية، بل هو على حساب الدعوة.
[المنتقى من فتاوى الفوزان - (ج 45 / ص 22)]
فتاوى فضيلة الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله.
س: هل تعطى الزكاة إلى شيخ القبيلة أو إلى الجمعبات ؟
ج: إن كان شيخ القبيلة جابيا من قبل ولي الأمر يعطى له الزكاة إن كلف بهذا لحديث «تؤخذ من أغنياءهم فترد على فقراءهم» والذين كانوا يجمعونها لرسول الله هم الجباة.وإن لم يكن جابيا فغالبا أن شيوخ القبائل يأخذونها ويعبثوا ، أنت تعلم أنهم ليسوا من ولاة الأمر وكثير منهم لصوص مشايخ القبائل، نحن ما نقول كلهم لكن كثير منهم لصوص لواستطاع أن يأخذ المال من أي جانب من الحلال أم من الحرام.
أما الجمعيات حرمت الفقراء ما أوجب الله لهم من الزكاة وذهبت تصب لمن كان في جماعتهم وفي سلكهم إن هذه الجمعيات تسلط أموال المزكين لحرب الدعوة السلفية وللعصبية ولمن كان معهم أيضا يودعونها في البنوك الربوية وكذالك يشترون منها الدشوش وجندوا أنفسهم لها وضيعوا أوقاتهم فيها يعطونها من الزكاة في تلك الجمعيات من ليس من مستحقي الزكاة ويحرمون من هو مستحق. الزكاة صارت تخدم الحزبية عند هؤلاء الجمعيين، الزكاة صارت تحارب الدعوة تحارب الإسلام عند هذه الجمعيات.
إن أداء الزكاة إلى هذه الجمعيات يعتبر وضعا للمال في غير محله ولا ننصح إنسانا من المسلمين له مال يزكيه أن يدع ماله في هذه الجمعيات فليسوا مؤتمنين على أموال الناس، هذه نصيحة نحن عرفنا ذلك وعرف ذلك كل من عرف الجمعيات.
والجمعيات مفتونة بتصوير ذوات الأرواح، وبالتسول وعدم العفة وبتضييع الأوقات عند الأثرياء، ومن اشتغل بها صرف عن العلم الشرعي وفتن بالدنيا وصار من الحزبيين بل صار أوكارًا لأهل التحزب ولا نعلم عالما سلفيا فتن نفسه بالحمعية كما شأن هؤلاء المتحزبين، وحسبها شرا أنها تؤسس على معاص شتى والله عز وجل يقول: ﴿ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾[التوبة:109]
ومن أعطوه إن أعطوه شيئا بغير إشراف ولا تطلع كما في حديث عمر وأمن على نفسه ولسنا آمنين عليه أخذه فمن حيث الحرام فليس بالحرام عليه إلا إذا كان يؤدي إلى فتنة. فالمطلوب الاجتناب «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه «ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يصبر يصبره الله وما أعطى أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر».
فننصح بالبعد عن هذه الجمعيات، جمعيات فاسدة مفسدة وإنما أنشئت لمحاربة الدعوة السلفية وتمزيقها.
يا أخي! الأيام الماضية أين جمعياتهم في زمن الرسول ﷺ أليست كانت الحقوق تصل إلى مستحقيها أما الآن جمعيات محدثة ليبلغ الشاهد الغائب، والذي يغضب من هذا القول بيننا وبينه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» فمقتضاها كان موجودا في زمن الرسول ﷺ وماعملها عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف جماعة من الصحابة كانوا أثرياء وآخرون كانوا فقراء مثل أصحاب الصفة فما قال: "اجعلوا لهم جمعيات وصندوقًا"، لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح أولها، لا يهيب علينا الناس بكثرة الجمعيات، الباطل وإن كثر فهو باطل لا يبرر الباطل أن يزيد أوينتشر بل إن انتشر الباطل لا يزيده إلا شرا وضررا.
س: من علم هذه المخالفة في الجمعيات هل يجزئه أن يعطيهم الزكاة؟
ج: يكون آثما إذا وضع ماله في الجمعيات وهو يعلم هذه الأضرار والمنكرات فيها وتفرقة المسلمين والله فرقت السلفيين في الكويت وفرقتهم في السودان وفرقتهم في اليمن وهل فسد أبو الحسن المصري وأمثاله إلا بالجمعيات وهل فسد عبدالرحمن عبدالخالق إلا عن طريقها وعبدالله بن السبت والحويني ومحمد المهدي وعبدالمجيد الريمي ومحمد بن موسى البيضاني وعقيل المقطري وأصحاب براءة الذمة فسدوا وتحزبوا، وهؤلاء ما فسدوا إلا عن طريق الدنيا فتنة الجمعيات وتجميع الأموال(1).
الذي يعلم ويؤدي هذا فيها يكون متعاونا على الإثم والعدوان ومن تعاون على الإثم والعدوان يكون آثما لأن الله يقول: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾. [اتحاف الكرام (ص30-32)]
س: ما حكم تأسيس رابطة الدعاة السلفية لحماية الدعوة واجتماع الدعاة على كلمة واحدة، وجزاكم الله خيرًا ؟
ج: ما يحتاج إلى هذا، والرابطة الإسلامية، تلك التي يسمونها رابطة العالم الإسلامي: إخوانية؛ فرابطتنا الكتاب والسنة، قال النبي : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»( )، وقال الله: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ [الحجرات: 10]، والنبي ص يقول: «قضاء الله أحق وشرط الله أوثق»( )، ويقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»( )، فالرابطة: الإسلام، ولا نحتاج إلى هذه الروابط المخترعة التي لم تكن عند أسلافنا الذين مضوا، والنبي ﷺ لما قدم المهاجرون آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم بعد ذلك قويت شوكة الإسلام صارت الأخوة الإسلامية فوق ذلك كله.
[الأسئلـة الإندونيـسيـة (26 جــمادي الثـانيــة 1424هـ) ]
وقال شيخنا -حفظه الله – لما سئل أن بعض الجمعيات ليس على حد سواء ، أو أن الجمعيات في بعض البلدان ليست كالجمعيات في بلاد أخرى :
هذه بوادر السوء ما ذكر في هذا السؤال من تلك الجمعيات التي تربوا عليها جمعية موجودة عندنا في بعض البنود لا يبرر لإخواننا أولئك اللجوج بتلك الجمعيات باعتبار أنها تنقص عن هذه الجمعيات بشيء من الأعمال ولا ينبغي اتخاذ عن صف الحلول ولم يضيق الله على إخواننا السلفيين من أنه لا تقوم دعوتهم إلا بالجمعيات فيها إما التصوير أو وضع المال في البنوك أو كذلك أيضا ترتيبات الجمعيات من رئيس ومندوب وكذلك نحن نعرف ما الذي يتعلق بشؤون الجمعيات أنها خاضعة للقوانين الدولية سواء سموها جمعيات أو سموها مؤسسات أو سموها بما شاءوا لهذا سبق الجواب على هذه المسألة بالنص الجازم بما يسر الله تعالى لإخواننا السلفيين هنا وهناك بالبعد عن هذه الجمعيات فوالله رأينا أضرارها وشرورها وتفكيكها وتحزبها وما إلى ذلك من الأعمال التي بذرت منها وفرقت السلفيين، فيا إخوان الله الله بالبعد عن ذرائع الفتن الجمعيات وإن كانت هناك بنود تنقص عن هذه، وهذه ذرائع للفتن وما هذه الأسئلة التي سمعتموها إلا من الفتن المترتبة على الجمعية أعني أنها ينكرها السلفيون وأولئك يستمرون فيها على بعض الفتاوى ربما أخذوها من بعض من لم يتبين له أضرارها أو بعض من نعتبر هذا الفتاوى منه خطأ، فنعم بارك الله فيكم البعد عن هذه الجمعيات ولو كان هناك شيء مما يختلف فيه عن شيء، هذه الجمعيات هناك ولكنها جمعية. واستمروا بنودها وأفكارها وشيئا من ذلك يجتنب يجتنب.
الــرد علــى مــن أبـاح الجــمعيات بفعـل
الشيــخ ابـن بـاز رحــمه اللـه
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو معْرُوفٍ أو إصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس﴾ [النساء: من الآية114] ويقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أو لِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَعَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:71]، ففي الآية الأولى أن الخير منتزع من كثير من الناس واستثني من ذلك من أمر بالمعروف وأمر بالصدقة، وسواء كانت واجبة أو مستحبة ؛ فالأمر بالصدقة مأمور به شرعًا في كتاب الله وسنة رسول الله كما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال : جاء وفد من مضر مجتابي النمار متقلد للسيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر ٍ فخرج النبي وأمر بلالًا، فنادى بالصلاة، ثم حث الناس على التصدق على أولئك المحاويج العراة. تصدق رجل من ديناره ومن درهمه ومن صاع بره من صاع إلى آخره. فتتابع الناس. قام رجل وأتى بصرة كادت يده أن تعجز عنها بل قد أعجزت وتتابع الناس بعد ذلك الرجل في الصدقة، تتابعوا على الصدقة على أولئك المحاويج حتى اجتمع شيء من الطعام فقال النبي : «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، القرآن لا ينكر الحث على الصدقة، بل يحث عليها، قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ.فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾[سورة الماعون]، فعدم الحث على إطعام المسكين وعلى إخراج الصدقة ما يجوز، الواجب الحث على ذلك، قال تعالى: ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ إلى قوله: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ*فَكُّ رَقَبَةٍ*أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ*يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ*أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد:1 16]، ففي هذه الأدلة وفي غيرها كثير بيان من الله سبحانه وتعالى وبيان من رسول الله ص على شرعية التعاطف والتعاون والتراحم، وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير ب: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتك منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وفيهما من حديث أبي موسى : «المؤمن للمؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، وَحَثَّ رسول الله على المواساة بين الجوار، فقال: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك»، وَحَثَّ ربنا سبحانه وتعالى على حقوق الوالدين، وحقوق الأرحام، قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ [الإسراء:23 24]، وهكذا تتوالى الأدلة في ثنائه على الأشعريين لما عندهم من العطف والتراحم والإيثار. قال النبي : «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو جمعوا ما عندهم في إناء واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسوية فهم مني وأنا منهم»، وهذا ثناء عظيم، وأثنى الله سبحانه وتعالى على أهل الإيثار، فقال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك هُمُ الصَّادِقُونَ*وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أو تُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:9-8]، وقال النبي ﷺ: «الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به كاملا موفورا طيبة بها نفسه أحد المتصدقين» أخرجاه عن أبي موسى الأشعري ا، وفي الصحيحين حديث أبي هريرة ا أن النبي ص قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، وقد انقلب في بعض الروايات أن الشمال هي المنفقة، وقال النبي : «يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تُمْسِكْ شَرٌّ لك، ولا تلام على الكفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى». هذه الأدلة ذكرناها بيانا لهذه المسألة؛ فإنَّ من الناس من يزعم أن هذه المسألة فقهها وفهمها يعجز عنها أهل العلم إلا إياهم ويقول: نحن نكفل الأيتام والنبي يقول: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين»، ويقول: «القائم على الأرملة، والمسكين كالصائم الذي لا يفطر». وحفر الآبار، والصدقات الجارية مرغب فيها، روى مسلم أن النبي قال: «إذا مات إنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، وما إلى ذلك من الأدلة التي يضعونها في غير موضعها، ويفهمونها على غير مدلولها، ويستدلون بها على البدعة، وعلى المحرمات، والتسولات، والربا،وتضييع الشباب، وعلى محاربة أهل الحق بتلك الأموال وأنت تعلم أن التهالك على الدنيا يؤدي إلى مفاسد وفي هذه الأزمنة أشتد المتهالكون على الدنيا وحطامها ومطامها تحت ستار الدعوة وتحت ستار ما ذكرناه آنفا من الكفالة والحفر وبناء المساجد وما إلى ذلك؛ فأهل الجمعيات فُتِنوا بالدنيا وفُتِنوا بالمال، ولكن يا إخوان، هؤلاء تحت دعاية العلم وتحت دعاية نفع المسلمين، ومن حديث محمود ابن لبيد عند الإمام أحمد في ”مسنده“ بسند حسن أن النبي قال: «اثنتان يكرههما ابن آدم وهما خير له، يكره الموت والموت خير له من الفتنة ويكره قلة المال وقلة المال أقل عند الحساب». ومن حديث كعب بن عياض في ”الصحيح المسند“ لشيخنا : أن النبي قال: «لكل أمة فتنة وفتنة أمتي مال»، وقال النبي : «إن الدنيا حلو ة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أو ل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء». نحن مأمورون باتقاء الدنيا فإنها فَتَنَتْ أُنَاسًا فتنة، وهذا مما خافه علينا رسول الله، فقال: «إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها»، وإن الافتتان بالدنيا يُصَيِّرُ حاملَ القرآن، أو حامل العلم مثل الكلب. نص على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوينَ*وَلو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أو تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف:175 176]، ومن أسباب فتنة بني إسرائيل المال، والنساء حتى هلكوا، قال تعالى: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:75] هل التحريف الذي فعلوه من أجل الدنيا؟ بيّنه قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولون هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة:79] توعدهم الله بثلاث ويلات:
الويل الأول :بسبب كسب أيديهم من الحرام، والثاني: بسبب تحريفهم للقرآن، وكذبهم على الله أنه من عنده عز وجل، وتحريف القرآن والعبث بالقرآن على حساب الدنيا ومن أجلها، والويل الثالث: على كتابتهم الباطلة التي كتبوها وعبثوا فيها بكتاب الله من أجل الدنيا، والويل: هو العذاب، جاء أنه واد في جهنم ولم يثبت ذلك كما في ”تفسير ابن كثير“ ألا فليتق الله أصحاب هذه الجمعيات في أنفسهم ولا يتمادى بهم الباطل ويزين لهم الشيطان ويزخرف لهم ما هم فيه من العملات الصعبة التي تسولوها وجندوا أنفسهم لها فإن هذا المال الذي يأخذونه ويحتالون له ويجمعونه وتراهم في رمضان مثل المجانين بعد الدنيا: (مرحبًا يا رمضان) كل ذلك من أجل جمع الأموال، وإفطار الصائم، وأيضا كفالة اليتيم في شهر كذا، وكفالة المدرس في شهر كذا، وأكاذيب وتحويلات وملفات وإهانة للعلم إن كان عندهم علم، وإهانة للسنة إن بقيت عندهم سنة، من أجل الدنيا أين العزة؟! عزة المؤمن التي تجعله كما كان أولئك الصحابة رضوان الله عليهم إذا سقط سوط أحدهم لا يقول لأخيه: ناولني ولكن ينزل فيأخذه ثم يصعد كما في حديث عوف. أدبهم رسول الله وهذبهم على هذه الآداب العظيمة النبيلة على العفة. اجتمع جماعة عند النبي وقال: «ألا تبايعون» قالوا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعه؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ولا تسألوا الناس شيئا». حتى أن أحدهم سقط سوطه ما يقول ناولني، وقال من تكفلني أن لا يسأل الناس شيئا فأضمن له الجنة فقال ثوبان: أنا فكان لا يسأل الناس شيئا ثم من مهد دعوته من مكة وهو يدعو الناس إلى العفة كما في الصحيحين من حديث أبي سفيان أنه لما لقيه هرقل وقال: ما يأمركم؟ قال يقول: «اعبدوا الله لا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول أباؤكم»، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والسلاح. يا أيها الناس تعفوا فإن الله عز وجل وجل ضامن للعفيف أن يعفه، قال تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه﴾ِ [النور: من الآية33] العفة طريق الغناء قال النبي حين سأله أناس قال: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم»، وقال: «ومن يستغن يغنيه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر». هذا واجب على كل المسلمين أن يأخذوا هدي رسول الله في هذا وفي غيره وأن يستفيد آداب رسول الله التي أَدَّبَ أصحابَه وَأَدَّبَنَا جميعًا، قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65] شجرة بينهم اختلفوا، يحكمون الكتاب والسنة في كل صغيرة وكبيرة ودقيقة وجليلة، ولقد قامت هذه الجمعيات على ضعف العفة وعلى التهالك على الدنيا وأسست على عدة محاذير، المحذور الأول: الحزبية.
الشيخ ابن باز : ما كان عنده حزبية أنتم تلبسون فلم يكن عند الشيخ ابن باز جمعية على طريقة جمعيتكم البطالة جمعيتكم المحرمة الحزبية. عنده أناس أهل خير يجلونه ويثقون به وسائر المسلمين في العصر يثقون به إلا من فسدت معلوماته عن هذا الإمام ؛ فهو رجل محبوب عليه رحمة الله، التجار والأمراء وغير هؤلاء من أهل الخير من المملكة وخارج المملكة يجلونه، ويجعلون صدقاتهم ليصرفها على مستحقيها، وإذا آت يطلب مالًا قال: أعطه فلانا. هذا هو المعلوم، لم يكن ماله في جمعية من الجمعيات، ولم يكن ماله في بنك من البنوك الربوية ، لم يكن يصور تصوير ذوات الأرواح كما في هذه الجمعيات ، ولم يكن على ما عليه هؤلاء من الولاء والبراء الضيق لمن كان في صفهم، وسلكهم، نواصب الدعوة السلفية هم أصحاب الجمعيات، والحزبيات، نواصب الدعوة السلفية، ومن أنكر عليهم نصبوا له العداء جمعية الإحسان، وجمعية الإصلاح، وجمعية الحكمة، وجمعية البر، وجمعية إحياء التراث، نواصب الدعوة السلفية، هذه الجمعيات التي نعرفها من أوسع الجمعيات وأشهرها، هُنَاكَ الجمعيات بالمئات لكن هذه الجمعيات كما ترون صاروا نواصب الدعوة السلفية أفمن هذه الجمعيات يتحصل على علم؟ هاتوا عالمًا أخرجته هذه الجمعيات، أبدًا يخرجون حزبيين وجهال، ومتعصبين، وحاقدين على العلم والتعليم والسنة، متسولين، متعاونين على الإثم والعدوان في أداء المال في البنوك، والله يقول: ﴿وَتعاونوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تعاونوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، وما تخرج أيضا إلا مساخين للشباب ومن التحق بهم، وقد أفسدت الجمعيات على الدعوة السلفية عددا من الناس، الشيخ رحمة الله عليه عدد من طلابه أفسدته الجمعيات، أفمثل هذه الجمعيات يجوز أن تسند إليها الأموال؟ فلا يجوز صرف الأموال وأداء الزكوات لهذه الجمعيات يبلغ الشاهد الغائب ومن لم يقبل الحق سيندم، يقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا*يا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ [الفرقان:29 27]، نحن إذ نقول هذا ليس معناه أننا نقول امنعوهم وحولوها إلينا، معاذ الله. نسأل الله أن يغنينا من فضله ولكن إنما نقول هذا نصحا لكم إذ أنكم تضعون أموالكم عبارة عن المحاربة للعلم والتعليم النافع، والسنة الصحيحة وعبارة عن إخراج حركيين في أرض الحرمين، أخرجوا مفجرين لهم رؤوس وأسس قوية جدًّا، لا يستطيع أحد إنكارها، فهي تعتبر مآرزَ حزبية. تأرز إليها الحزبية وتلجأ إليها، وهاتوا لنا حِزْبيًّا ما يلهث بعد هذه الجمعيات، حزبي نزيه عن أموال الناس عفيف عن مطامع الدنيا، أبدًا. من أول دنس الحزبية أن تجعل الحزبي عبارة عن رجل درويش يفكر في اختلاس أموال الناس، ربما ذبحوا عجلًا في المسلخ وصوروا عشرين عجلًا لغيرهم، ويذهبون بتلك العجول على أنهم هم الذين ذبحوها للمحاويج، ويتسولون عليها، وهكذا شغلوا أنفسهم بالكاميرات من تصوير الكباش، وتصوير الدجاج وهذا ماسك الفخذ ويأكل وذال ماسك السكين يسلخ همهم بطونهم، رجال ونساء دراويش، صيروهم دراويش إلا من رحم الله، تسولًا عند أبواب السيارات، تقف وهو يمد علبته، الناس يسلمون من صلاة التراويح، أو الجمعة، وأنتم تضعون علبة أمامهم، يحرجون الناس إحراجًا، والنبي يقول: «إنهم خيروني بين أن تسألوني بالفحش أو يبخلوني، ولست بباخل»، وتلك القاعدة ما خرج عن وجه الحياء فهو حرام. قاعدة لها أدلتها أن إخراج شيء بإلحاح وإلحاف منكر، نهى الله عنه في كتابه. وهكذا نهى رسول الله في السنة، وأولئك لم تحل لهم المسألة؛ لحديث: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة حلت له المسألة حتى يصيبها» حمالة في إصلاح بين الناس، أما هؤلاء ربما تحملوا في شراء الدشوش، وفي إفساد الشباب، وفي شراء البساتين، «ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، ورجل أصابته فاقة حلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش وما سوى ذلك يا قبيصة، من المسألة سحت يأكلها صاحبها سحتًا»، السحت: هو الحرام، مَنِ الَّذي سيخرج أصحاب الجمعيات من هذا الحديث وأمثاله، أنهم يأكلون السحت؟ يا قوم، أنتم تأكلون الحرام، وتجمعون الحرام، وتبنون المساجد أيضًا، إذا بنيت لك مسجدًا من ذلك المال فقد بنيته من الحرام الذي اكتسبته من السحت، والله، لو أن عزيزا يُخَيَّرُ بين مال الشعب اليمني كاملًا، وبين أن يصير درويشًا من أصحاب الجمعيات ما طابت نفسه أن يصير درويشًا ومتسولًا، ومرتكبًا لكبيرة من تلك الكبائر التي نهى عنها رسول الله وتوعد، وأن المسألة كَدٌّ يكد بها الإنسان وجهه.
[ انظر : الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى ص 61-63]
من مـفـاســد الــجمـعـيـات والمــؤسـسـات
1- أنها ليست من طريقة السلف الصالح.
2- مشغلة عن طلب العلم.
3- إهانة النفس بالتسولات.
4- التساهل في المعاملة مع البنوك الربوية.
5- الولاء والبراء من أجلها.
6- التساهل في تصوير ذوات الأرواح.
7- الانتخابات.
8- الخيانة في الدعوة والغش فيها.
9- التخوض في مال الله بغير حق.
10- كثرة التنازلات والاستحسانات في الدعوة.
11- ذريعة إلى تفرق الأمة وتشتيتها وتحزيبها.
12- وهي تعتبر فيروسا للدعوة السلفية.
كان ذكر هذه المفاسد بعد العصر (1/ذي القعدة/ 1426هـ).
النصيحة
قال الله تعالى : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور/31] وقال تعالى:﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِين﴾ [الزمر/54-56]
وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ [التحريم/8]
قال الإمام البخاري ~ (ج 6 / ص 2725رقم: 7068) حدثنا أحمد بن إسحق حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام حدثنا إسحق بن عبد الله سمعت عبد الرحمن بن أبي عمرة قال سمعت أبا هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا فقال رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي فقال ربه أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال رب أذنبت - أو أصبت - آخر فاغفره ؟ فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال أصاب ذنبا قال قال رب أصبت - أو قال أذنبت - آخر فاغفره لي فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء ».
[ و أخرجه مسلم في التوبة باب قبول التوبة من الذنوب . . رقم 2758 ]
• قال ابن القيم ~ في إعلام الموقعين - (ج 1 / ص 110):
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
وقوله ولا يمنعنك قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق فإن الحق قديم ولا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل يريد إذا اجتهدت في حكومة ثم وقعت لك مرة أخرى، فلا يمنعك الاجتهاد الأول من إعادته فإن الاجتهاد قد يتغير ولا يكون الاجتهاد الأول مانعا من العمل بالثاني إذا ظهر أنه الحق فإن الحق أولى بالإيثار لأنه قديم سابق على الباطل فإن كان الاجتهاد الأول قد سبق الثاني والثاني هو الحق فهو أسبق من الاجتهاد الأول لأنه قديم سابق على ما سواه ولا يبطله وقوع الاجتهاد الأول على خلافه بل الرجوع إليه أولى من التمادي على الاجتهاد الأول . اهـ
إطلالة على صناديق التبرع
قالوا تصــــدق لمحتاج ومسكين إلى صـــــناديق أهل الفضل والدين
إلى عمائم في الأبواب قد فرشــت إلى لصــــوص بأزياء الرهـــــابين
إلى بناء مسجد كي يرسمون به شــــعار جمعــــية القــــوم المآفين
كم كامرات قد صــــوروا حلقا على موائد إطعــــام وتمــــــــوين
وصوروا ذود أغنــام وقد ذبحت باسم الأضاحي لأيتام ومســـجون
كم يـــسحذون بها في كل منطقة عنــد التـجار وأبـــواب السلاطين
هم لصوص شياطين مجنــــــدة للاحتــــــيالات من حين إلى حين
إذا رأيت اللحى للــــــصيد قـد نصبت فعذ بربك من شر الشياطـين
بطونهم صــــــندوق التبرع كم فيها تــــكدس أموال المســــاكـين
قالوا أنفــقوا وارحموا الأيتـام إن لهم في الجمعيات شعارا ذا عـــناوين
قالوا انصروا فتية سالت دماءهم بالـــقصف حينا وحينا بالسـكاكين
فلا العــــراقي في بلواه يعرفهم ولا المجــــــاهد في أقصى فلسـطين
ولا الفقير الذي يعشو بـــصرته على المقاهي وأبــــــواب الدكاكين
وإنما تذهب الأمــــوال عندهم كالمـــــاء يذهب بين الرمل والطين
سلوا البنوك التي فيها دراهيمهم فليس تنـــــــــــطق إلا بالمـلايين
عادت إلى الجامعين العاملين لها أما الــــــــفقير له سم الــــثعابين
هذا وأكبرهم بطنـــا أبو حسن فكم له من صــــــــــناديق تخازين
أضحى وأذياله يستشـرقون إلى الدنيــــــــا يسعون فيها كالمجانين
نعوذ بالله من زيــــغ ومن فتـن ففــــــــتنة المال داء العلم والدين
والحـــمد لله من ذا عف دعوتنا أمثــــال أعلامنـــا الغر الميـــامين
كتبه أبو عبد الله حمود البعادني 15 ربيع الثاني 1426 هـ
فهرس
تقديم شيخنا العلامة 3
أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى ورعاه 3
مقدمة المؤلف 5
الجمعيات 10
تاريخ الجمعيات 12
شعارات الجمعيات المعلنة 20
تعاون شرعي لا تجمع بدعي 22
من أضرار الجمعيات ومفاسدها 34
مخالفة طريقة السلف 35
التشبه بالكفار 40
التكلف بما لا يشرع 43
التسولات(1) 44
تصوير ذوات الأرواح 50
الاحتيال لأخذ أموال الناس بالباطل 52
الافتتان بالدنيا والتهالك عليها 55
الانشغال عن طلب العلم 58
إيداع الأموال في البنوك الربوية 60
الخضوع للقوانين الوضعية 65
التنظيم المحدث 67
الانتخابات 68
الإمارة في الحضر 70
الحزبية 72
السرية 76
الشبهات والردود عليها 79
شبهة (1) 80
شبهة (2) 82
شبهة (3) 88
شبهة (4) 89
شبهة (5) 90
شبهة (6) 92
شبهة (7) 95
شبهة (8) 102
شبهة (9) 104
الشبهة (10) 107
شبهة (11) 109
حوار هادئ 113
الفتاوى 114
فتوى لفضيلة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله : 115
فتوى لفضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله : 117
فتوى للشيخ العلامة ابن العثيمين رحمه الله . 119
فتوى لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: 120
فتاوى فضيلة الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله. 121
الــرد علــى مــن أبـاح الجــمعيات بفعـل 125
الشيــخ ابـن بـاز رحــمه اللـه 125
من مـفـاســد الــجمـعـيـات والمــؤسـسـات 135
النصيحة 136
إطلالة على صناديق التبرع 138
فهرس 140
تعليق