تويت
تفرَّيغ خطبة جمعة بعنوان(استجابة الله للمؤمنين المُهجَّرين والمُقتَّلين) الشيخ عبد الحميد الحجوري
بسم الله الرحمن الرحيم
تفَّريغ خطبة جمعة
بعنوان
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1].
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب].
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، و ((إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ )) [سورة الأنعام:134]
جاء في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ..)) [رواه مسلم]
وفي حديث عائشة رضي الله عنها عند ابن حبان أنها قالت : قام ليلة من الليالي فقال يا عائشة ذريني أتعبد لربي قالت قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك قالت فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض وجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها { إن في خلق السماوات والأرض } [صححه الألباني].
والذي يهمنا في هذا الموطن هو قول الله عز وجل : ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) )) [سورة آل عمران].
أخبر الله في هذه الآية العظيمة أنه استجاب لأوليائه وعباده الذين دعوه بالدعوات المتقدمة في هذه الآيات،((أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ))، (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8))) [سورة الزلزلة].
((لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم )) والمقصود عمل المؤمنين، عمل المخلصين المنيبين، عمل المؤمنين إلى ربهم.
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ..)) خمس أوصاف ذكرها الله عز وجل، لأهل الإستقامة في هذا الموطن، ((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ ..)) هاجروا بلد الكفر إلى بلد الإسلام، هاجروا بلد الزندقة إلى بلد السنة والتوحيد، هاجروا بلد البدعة والمعصية إلى بلد الطاعة، والهجرة ماضية ما بقي الجهاد، والجهاد ماضي حتى يقاتل آخر هذه الامة الدجال.
نعم أيها الإخوة.
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ )) هنيئاً لمن هاجر في سبيل الله، فإن ((الهجرة تجب ما قبلها)) [رواه أحمد وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم].، كما قال صلى الله عليه وسلم. والهجرة أجرها عظيم وشأنها عظيم ولهذا ذكرها الله عز وجل في مواطن كثيرة في كتابه العظيم، وذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان مما ذكر : ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) [رواه مسلم].
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ ..)) أخرجوا من مساكنهم، سواء كانت مساكنهم التي بنوها في موطنهم، أو مساكن أستأجروها من غيرهم، وسواء كان خروجهم من هذه المساكن جبرياً، أو كان بسبب ما لحقهم من الحصار أو من الضغوط التي أدت إلى إخراجهم فهم داخلون في هذا المعنى العظيم.
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي)) وغالباً ما يكون إخراج المؤمنين من ديارهم هو بسبب أنهم استقاموا على دين الله وعلى شرع الله وعلى أمر الله.
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي)) أوذوا بالحصار، أوذوا بالحرب، أوذوا بالكلام، أوذوا في طرقهم، أوذوا في مساجدهم، أوذوا على كل الأحوال. هنيئاً لمن أوذي في سبيل الله فصبر.
((وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8))) [سورة البروج].
((الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ )) [سورة الحج:40].
هذه سنن كونية مضت فيمن قبلنا ونالتنا وستنال من بعدنا لمن سلك هذا السبيل، لأن الله يبتلي المؤمن.
((وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )) [سورة الأنبياء:35].
((وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي )) ((كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بمنشار فيوضع فوق رأسه فيشق باثنين فما يصده ذلك عن دينه )) [رواه البخاري].
وكم قص الله علينا في كتابه العظيم من القصص البليغة ما تبين هذا المعنى العظيم.
((وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ )) وفي قراءة ((وقُتِلوا وقاتلوا)) والمعنى واحد، وفي قراءة ((وقاتلوا وقُتِّلوا)) أي كان قتلهم شديداً. وهذا والله هو الذي حصل على عباده المؤمنين في دار الحديث بدماج. فقد قاتلوا في سبيل الله. مدافعاً عن دين الله، وعن أعراضهم وعن أموالهم وعن أنفسهم، وقُتِّلوا قتلاً شديداً دريعاً. لأن الحرب أستخدم فيها أشد أنواع الأسلحة.
فهذه الخمسة وهؤلاء الخمسة المذكورون يبشرون بقول الله عز وجل ووعد الله عز وجل ((لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ )) وهذه مؤكدة بالقسم وباللام وبالنون. وعد الله ((لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ )) في الدنيا وأستر عليهم ما فعلوا من الأعمال، ((لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ )) خرجوا من بيوت ترابية ومن منازل مشققة، ومن دنيا فانية، فكان الوعد (((لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْوَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ )) خالدين فيها، نزلاً من عند الله. من يدخل الجنة ينعم لا يأيس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه، خالدين فيها نزلاً من عند الله، كرامة ومنزلة ليست من زيد، أو من عمرو، يفرح الرجل بالضيافة إذا أكرمه آحاد الناس.
هذه ضيافة الله لأوليائه المؤمنين ((من غدا إلى المسجد وراح ، أعد الله له نزلة من الجنة ، كلما غدا أو راح)) [رواه البخاري].
وكما قال الله عز وجل : ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) )) [سورة فصلت].
حسن الثواب، حسن الجزاء على الأعمال الصالحة، فأبشروا يا عباد الله، أبشروا يا أهل السنة والجماعة، بوعد الله عز وجل لكم واستقيموا على دينه وشرعه حيث كنتم وحيث حللتم، فإن هذا سبيل قديم سلكه الأنبياء والمرسلون، وسلكه الأصفياء والموحدون ولا زال يسلكه كل بر نقي حتى يلقى الله سبحانه وتعالى.
الخطبة الثانية:
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه ومجتباه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن اهتدى بهداه.
أما بعد،،،بعد أن وعد الله عز وجل المؤمنين وأخبر بالبشارات العظيمة , قال : ((لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) )) [سورة آل عمران].
وهنا مناسبة عظيمة بعد أن ذكر الله عز وجل أن المؤمنين قد يهجروا بلدانهم وأوطانهم وقد يخرجوا من ديارهم، ويؤذوا في سبيل ربهم، ويقاتلون دفعاً عن أنفسهم وعن عقائدهم، ويقتلون ويقتلون، أخبر الله عز وجل أن تقلب الذين كفروا في البلاد، لا يغرك ولا تتعجب منه، فإنه متاع قليل. قليل في كيفيته، فإنهم مهما تمتعوا فالملك لله الواحد القهار، وإنما ينالون شيئاً يسيراً من حطام الدنيا الفاني. حطام الدنيا الفاني قليل في زمنه لأنهم وإن طال تنعهم وإن طال تقلبهم في البلاد فإنهم صائروا إلى عذاب الله وبئس المهاد. هذا في الآخرة وقد يغير الله عز وجل عليهم الحال في الدنيا بالعذاب الأليم فينتقم لأوليائهم وأصفيائه، ((لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) )) قليل كذلك في كيفيته، فإنهم إنما يتمتعون تمتع الاجساد، ياكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم.
فلا يغرنكم تقلب الكافرين ولا الزنادقة المنافقين، الذين يسيرون تبع مخططاتهم، لا يغرنكم ذلك، ولا يهولنكم ذلك. استقيموا على شرع ربكم، وعلى دين ربكم. ((لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197))) .
ثم قال الله عز وجل : ((لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ ) [سورة آل عمران:198].
فأبشروا يا عباد الله بوعد الله سبحانه وتعالى الحق الذي لا يخلف، والحق منصور، وممتحن به، فلا تعجز فهذه سنة الرحمن.
إنما هو بلاء وفتنة نزلت على المسلمين، يرفع الله عز وجل من شاء من أوليائه، وكذلك يبتلي بها من كان عنده شيء من المعاصي أو السيئات حتى يرجع وتكون من الكفارات ومع ذلك الإستمرار في دعوة الله حتى نلقى الله سبحانه وتعالى.
***والحمد لله رب العالمين***
تفَّريغ خطبة جمعة
بعنوان
(استجابة الله للمؤمنين المُهجَّرين والمُقتَّلين )
للشيخ عبد الحميد الحجوري
_حفظه الله_
في مسجد السنة بسعوان
16 ربيع الأول 1435هـ
.............
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره.للشيخ عبد الحميد الحجوري
_حفظه الله_
في مسجد السنة بسعوان
16 ربيع الأول 1435هـ
.............
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1].
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب].
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، و ((إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ )) [سورة الأنعام:134]
جاء في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ..)) [رواه مسلم]
وفي حديث عائشة رضي الله عنها عند ابن حبان أنها قالت : قام ليلة من الليالي فقال يا عائشة ذريني أتعبد لربي قالت قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك قالت فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض وجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها { إن في خلق السماوات والأرض } [صححه الألباني].
والذي يهمنا في هذا الموطن هو قول الله عز وجل : ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) )) [سورة آل عمران].
أخبر الله في هذه الآية العظيمة أنه استجاب لأوليائه وعباده الذين دعوه بالدعوات المتقدمة في هذه الآيات،((أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ))، (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8))) [سورة الزلزلة].
((لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم )) والمقصود عمل المؤمنين، عمل المخلصين المنيبين، عمل المؤمنين إلى ربهم.
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ..)) خمس أوصاف ذكرها الله عز وجل، لأهل الإستقامة في هذا الموطن، ((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ ..)) هاجروا بلد الكفر إلى بلد الإسلام، هاجروا بلد الزندقة إلى بلد السنة والتوحيد، هاجروا بلد البدعة والمعصية إلى بلد الطاعة، والهجرة ماضية ما بقي الجهاد، والجهاد ماضي حتى يقاتل آخر هذه الامة الدجال.
نعم أيها الإخوة.
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ )) هنيئاً لمن هاجر في سبيل الله، فإن ((الهجرة تجب ما قبلها)) [رواه أحمد وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم].، كما قال صلى الله عليه وسلم. والهجرة أجرها عظيم وشأنها عظيم ولهذا ذكرها الله عز وجل في مواطن كثيرة في كتابه العظيم، وذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان مما ذكر : ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) [رواه مسلم].
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ ..)) أخرجوا من مساكنهم، سواء كانت مساكنهم التي بنوها في موطنهم، أو مساكن أستأجروها من غيرهم، وسواء كان خروجهم من هذه المساكن جبرياً، أو كان بسبب ما لحقهم من الحصار أو من الضغوط التي أدت إلى إخراجهم فهم داخلون في هذا المعنى العظيم.
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي)) وغالباً ما يكون إخراج المؤمنين من ديارهم هو بسبب أنهم استقاموا على دين الله وعلى شرع الله وعلى أمر الله.
((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي)) أوذوا بالحصار، أوذوا بالحرب، أوذوا بالكلام، أوذوا في طرقهم، أوذوا في مساجدهم، أوذوا على كل الأحوال. هنيئاً لمن أوذي في سبيل الله فصبر.
((وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8))) [سورة البروج].
((الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ )) [سورة الحج:40].
هذه سنن كونية مضت فيمن قبلنا ونالتنا وستنال من بعدنا لمن سلك هذا السبيل، لأن الله يبتلي المؤمن.
((وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )) [سورة الأنبياء:35].
((وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي )) ((كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بمنشار فيوضع فوق رأسه فيشق باثنين فما يصده ذلك عن دينه )) [رواه البخاري].
وكم قص الله علينا في كتابه العظيم من القصص البليغة ما تبين هذا المعنى العظيم.
((وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ )) وفي قراءة ((وقُتِلوا وقاتلوا)) والمعنى واحد، وفي قراءة ((وقاتلوا وقُتِّلوا)) أي كان قتلهم شديداً. وهذا والله هو الذي حصل على عباده المؤمنين في دار الحديث بدماج. فقد قاتلوا في سبيل الله. مدافعاً عن دين الله، وعن أعراضهم وعن أموالهم وعن أنفسهم، وقُتِّلوا قتلاً شديداً دريعاً. لأن الحرب أستخدم فيها أشد أنواع الأسلحة.
فهذه الخمسة وهؤلاء الخمسة المذكورون يبشرون بقول الله عز وجل ووعد الله عز وجل ((لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ )) وهذه مؤكدة بالقسم وباللام وبالنون. وعد الله ((لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ )) في الدنيا وأستر عليهم ما فعلوا من الأعمال، ((لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ )) خرجوا من بيوت ترابية ومن منازل مشققة، ومن دنيا فانية، فكان الوعد (((لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْوَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ )) خالدين فيها، نزلاً من عند الله. من يدخل الجنة ينعم لا يأيس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه، خالدين فيها نزلاً من عند الله، كرامة ومنزلة ليست من زيد، أو من عمرو، يفرح الرجل بالضيافة إذا أكرمه آحاد الناس.
هذه ضيافة الله لأوليائه المؤمنين ((من غدا إلى المسجد وراح ، أعد الله له نزلة من الجنة ، كلما غدا أو راح)) [رواه البخاري].
وكما قال الله عز وجل : ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) )) [سورة فصلت].
حسن الثواب، حسن الجزاء على الأعمال الصالحة، فأبشروا يا عباد الله، أبشروا يا أهل السنة والجماعة، بوعد الله عز وجل لكم واستقيموا على دينه وشرعه حيث كنتم وحيث حللتم، فإن هذا سبيل قديم سلكه الأنبياء والمرسلون، وسلكه الأصفياء والموحدون ولا زال يسلكه كل بر نقي حتى يلقى الله سبحانه وتعالى.
الخطبة الثانية:
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه ومجتباه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن اهتدى بهداه.
أما بعد،،،بعد أن وعد الله عز وجل المؤمنين وأخبر بالبشارات العظيمة , قال : ((لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) )) [سورة آل عمران].
وهنا مناسبة عظيمة بعد أن ذكر الله عز وجل أن المؤمنين قد يهجروا بلدانهم وأوطانهم وقد يخرجوا من ديارهم، ويؤذوا في سبيل ربهم، ويقاتلون دفعاً عن أنفسهم وعن عقائدهم، ويقتلون ويقتلون، أخبر الله عز وجل أن تقلب الذين كفروا في البلاد، لا يغرك ولا تتعجب منه، فإنه متاع قليل. قليل في كيفيته، فإنهم مهما تمتعوا فالملك لله الواحد القهار، وإنما ينالون شيئاً يسيراً من حطام الدنيا الفاني. حطام الدنيا الفاني قليل في زمنه لأنهم وإن طال تنعهم وإن طال تقلبهم في البلاد فإنهم صائروا إلى عذاب الله وبئس المهاد. هذا في الآخرة وقد يغير الله عز وجل عليهم الحال في الدنيا بالعذاب الأليم فينتقم لأوليائهم وأصفيائه، ((لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) )) قليل كذلك في كيفيته، فإنهم إنما يتمتعون تمتع الاجساد، ياكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم.
فلا يغرنكم تقلب الكافرين ولا الزنادقة المنافقين، الذين يسيرون تبع مخططاتهم، لا يغرنكم ذلك، ولا يهولنكم ذلك. استقيموا على شرع ربكم، وعلى دين ربكم. ((لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197))) .
ثم قال الله عز وجل : ((لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ ) [سورة آل عمران:198].
فأبشروا يا عباد الله بوعد الله سبحانه وتعالى الحق الذي لا يخلف، والحق منصور، وممتحن به، فلا تعجز فهذه سنة الرحمن.
إنما هو بلاء وفتنة نزلت على المسلمين، يرفع الله عز وجل من شاء من أوليائه، وكذلك يبتلي بها من كان عنده شيء من المعاصي أو السيئات حتى يرجع وتكون من الكفارات ومع ذلك الإستمرار في دعوة الله حتى نلقى الله سبحانه وتعالى.
***والحمد لله رب العالمين***
قام بالتفريغ:
أبو عمر شريف الشعبي
غفر الله له ولوالديه ولسائر المسلمين
أبو عمر شريف الشعبي
غفر الله له ولوالديه ولسائر المسلمين