إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

منقول: تفريغ خطبة (تذكير العقلاء بأَنَّ ذل العبد بمعصية الله والبغي والاعتداء) للناصح الأمين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منقول: تفريغ خطبة (تذكير العقلاء بأَنَّ ذل العبد بمعصية الله والبغي والاعتداء) للناصح الأمين

    منقول : تفريغ خطبة يوم الجمعة بتاريخ :

    التاسع والعشرين من شهر صفر 1434هجرية.

    بعنوان : (تذكير العقلاء بأَنَّ ذل العبد بمعصية الله والبغي والاعتداء)

    لشيخنا الناصح الأمين العلامة / يحيى بن علي الحجوري-حفظه الله-

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الخطبة الأولى:

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {102} } سورة آل عمران
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً {1} } سورة النساء
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً {71}}سورة الأحزاب
    أما بعد،،،
    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٍ، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالةٍ في النار.
    أيها الناس،
    أخرج الإمام البخاري في صحيحه فقال: حدثنا عبدالله بن يوسف قال: حدثنا عبدالله بن سالم الحمصي: عن محمد بن زياد الألهاني: عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه رأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل هذا بيتا إلا أدخله الله الذل.
    هذا الحديث أورده الإمام البخاري في صحيحه ثاني حديث في كتاب المزارعة. الحرث والمزارعة. عقب حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((لا يزرع مسلم زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو حيوان – أو قال دابة – إلا كان له صدقة)).
    فأتى الإمام البخاري رحمه الله بحديث أبي أمامة يبين به حديث أنس وأن ذلك الأجر المذكور في حديث أنس الذي هو مدعاة للتنافس فيه.
    ذلك ما لم يشغل عن ذكر الله وما لم يجلب معصية الله، وما لم يجلب الغفلة للقلوب.
    أما إذا انشغل الإنسان بالعمل المباح والكسب المباح عن ذكر الله عز وجل فإنه سبب ذلته وخسارته.
    ومن هذا قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {9}}سورة المنافقون.
    فبيّن الله عز وجل أن من لهى بالمال المباح والولد عن ذكر الله عز وجل فإن ذلك عين الخسارة.

    هذا مع أن المال والولد زينة، الله عز وجل جعل ذلك زينة وجعل ذلك أيضا وجعل ذلك من متاع الحياة الدنيا،
    {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14}}سورة آل عمران.
    {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً {46}} سورة الكهف.
    فالمباح إذا جرك إلى شيء تلهو به عن ذكر الله وتنشغل به عن طاعته وتبعد به عن فقه دينك فإن ذلك المباح ينقلب عليك خسارة وقد قال الله عز وجل عن المشركين،
    {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ {55}} سورة التوبة.
    ومن هذا الباب أدلة كثيرة في سبل وأسباب الذل وهو الانشغال عن طاعة الله عز وجل سواء شغل بمعصية الله أو شغل بالشيء المباح على حسب حاله يكون ذله فقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ - نوع من أنواع البيع المحرمة - وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم))
    رواه أحمد (4987) وأبو داود (3462) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
    وهذا الحديث من تلك الأدلة المبينة أن الانشغال عن طاعة الله بالأمر المباح أنه خسارة. أنه خسارة.
    فالتبايع بالعينة نوع من البيوع في الجملة غير أن هذا البيع جر إليه الغفلة، بيع محرم. وأخذ أذناب البقر ورعي البقر والانشغال بها والربا بالزرع والحرث والبعد عن واجبات لازمات بالانشغال بشيء من المباحات حتى تمادى إلى غفلة وإلى الوقوع في المعصية. هذا هو سبب الذل المذكور في حديث أبي أمامة ((إلا أدخله الله الذل)) ومن هذا الذل الإخلاد إلى الأرض والرضى بها.
    {...... أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ {38}} سورة التوبة.
    إن أمر الذل أمر مرهق لا يسلطه الله إلا على محاديه وعلى عصاته، قال الله سبحانه وتعالى :
    {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ .........{27} سورة يونس
    فالذلة ترهق أصحاب السيئات سواء كانوا أثرياء أو فقراء، سواء كانوا ملوك أو رعايا.
    على أي حال كان ذلك العاصي لله، المكتسب للسيئات لا محالة أن الذلة سترهقه وإن هملجت بهم البغال وإن ركبوا البراذين كما قال الحسن. لا يفارق الذل أعناقهم.
    هذا شيء ضربه الله، مضروب ,مضروب على من عصاه، مضروب.
    قال الله سبحانه وتعالى :
    {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {110} سورة آل عمران.
    ثم بيّن أن هؤلاء الذين آذوا المؤمنين قد ضربت عليهم الذلة ،
    {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ {111} ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ....{ 112}}سورة آل عمران.
    مضروبة ,مضروبة
    {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {112}} سورة آل عمران.
    فبسبب بغيهم وعدوانهم ومخالفتهم لشرع الله ضرب الله عليهم الذلة. صارت مضروبة ومن الذي ينزع هذا الذل عمن ضرب الله عليه سواء كان فردا أو جماعة أو قبيلة أو شعبا أو أمة؟ لا ينزعها عنه أحد. لأن الذل الله يضربه على من يشاء ويرفعه عمن يشاء. قال الله عز وجل:
    {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26}}سورة آل عمران.
    فيذل الله عز وجل من حاده ويضرب عليه الذل.
    قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
    {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ - أي أحسن من هذا قد أعطاكم المن والسلوى- اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ- بالمخالفة والتعنت والمحادة لله سبحانه وتعالى وبعدم الإذعان لشرعه سبحانه وتعالى - هكذا أخبر سبحانه وتعالى إلى قوله -ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {61}}سورة البقرة
    هذا الاعتداء لا شك أنه سبب الذل.
    : «إِنَّ هَذَا الْحَىَّ مِنْ مُضَرَ لاَ تَدَعُ لِلَّهِ في الأَرْضِ عَبْدًا صَالِحًا إِلاَّ فَتَنَتْهُ وَأَهْلَكَتْهُ، حَتَّى يُدْرِكَهَا اللَّهُ بِجُنُودٍ مِنْ عِبَادِهِ، فَيُذِلَّهَا حَتَّى لاَ تَمْنَعَ ذَنَبَ تَلْعَةٍ».
    أخرج الإمام أحمد في مسنده من طريق ، أو قال حدثنا أبو داود (وهو الطيالسي) عن هشام بن عبدالله الدستوائي عن قتادة عن أبي الطفيل قال دخلت أنا وعمرو بن صليح على حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: : «إِنَّ هَذَا الْحَىَّ مِنْ مُضَرَ لاَ تَدَعُ لِلَّهِ في الأَرْضِ عَبْدًا صَالِحًا إِلاَّ فَتَنَتْهُ وَأَهْلَكَتْهُ، حَتَّى يُدْرِكَهَا اللَّهُ بِجُنُودٍ مِنْ عِبَادِهِ،- يذل هذا الحي من مضر- فَيُذِلَّهَا حَتَّى لاَ تَمْنَعَ ذَنَبَ تَلْعَةٍ».
    أي مسيلة ماء, لا يستطيع أن يتصرف في مسيلة ماء فضلا أن يكون يتصرف في مُلكٍ وسيطرة :
    «إِنَّ هَذَا الْحَىَّ مِنْ مُضَرَ لاَ تَدَعُ لِلَّهِ في الأَرْضِ عَبْدًا صَالِحًا إِلاَّ فَتَنَتْهُ وَأَهْلَكَتْهُ، حَتَّى يُدْرِكَهَا اللَّهُ بِجُنُودٍ مِنْ عِبَادِهِ، فَيُذِلَّهَا حَتَّى لاَ تَمْنَعَ ذَنَبَ تَلْعَةٍ».
    ما سبب هذا الذل؟ سببه البغي والاعتداء والفتنة على عباد الله الصالحين.
    فما من أحد يفتن عباد الله الصالحين إلا أذله الله حتى لا يمنع ذنب تلعة , وهذا والله حديث عظيم.
    أيها الناس،
    ما ذل قوم إلا بمعاصيهم ومحاداتهم وإعجابهم وغرورهم.
    ثبت عن ابن عمر، جاء مرفوعاً وصح موقوفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لبس ثوب إعجاب ألبسه الله ثوب مذلة)). ما كان كذلك حتى ولو في لبسه. ثوب مفخرة لا يلبسه للتزين ولا يلبسه للعبادة.
    ((خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) سورة الأعراف:31.
    يلبسه للإعجاب للفخر للرياء، هذا بلا شك فيه أمر يسير فإنه يورثه من الذل بقدر ما حصل له من المخالفة الشرعية بسبب ذلك. تأملوا وفقكم الله قول الله عز وجل:
    ((إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ)) سورة المجادلة :20.
    أي في خضم وداخل في الأذلين من الكفار والمشركين والضلال والمبتدعين ممن أذلهم الله بحسب ما عندهم.
    ((كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ )) سورة المجادلة:21.
    هذا معناه أن حاد الله ورسوله أن الله يذله ويغلبه وأن شرع الله سيقهره وأن الحق سيعلو عليه.
    ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) سورة الفتح:28.
    إن الله عز وجل يعز من أطاعه ويذل من عصاه، قال الله:
    ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) سورة آل عمران:123.
    فمن نصره الله أعزها ورفعها من الذل ومهانة الشرك والبدع والمخالفات وغير ذلك من تسلط الأعداء عليه يحمد الله ويزداد له شكرا.
    وقال الله عز وجل في كتابه الكريم:
    ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..))
    ما صفات هؤلاء المحبوبين. وهذا صفة الوافدين إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في سبب الآية،
    ((..أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ)) سورة المائدة:54.
    تواضع للمؤمنين وخفض جناح للمؤمن وعند أعداء الله أسد ضاري، أعزة. ولا شك أن العزة ملازمة له في كل حال، في حال تواضعه عند المؤمن وفي حال قوته وبرز ما عنده من القوة الإيمانية على الكافر. هذه عزة. هذه عزة. إن أعظم ما يذل الله به الإنسان في الدنيا والآخرة معصية الله
    ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى(133) )) سورة طه. إلى قوله : ((مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى)) سورة طه :134.
    أي فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى.
    قال الله :
    ((قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)) سورة طه:135.

    الخطبة الثانية:

    الحمد لله على هداه، الحمدلله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك في الآخر والأولى وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم المصطفى المجتبى.
    أما بعد،
    فيقول الله عز وجل في كتابه الكريم:
    ((يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ..)) سورة القلم.
    ما سبب هذا الذل في الدنيا وحتى في الآخرة
    ((وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)) القلم :43.
    فمن لم يطع الله عز وجل الذلة ملازمة له دنيا وأخرى. وقال الله سبحانه وتعالى : ((يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ(44) )) سورة المعارج.
    وقال الله :
    ((وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ)) سورة الشورى :45.
    أي على النار.
    كل هذا الذل سببه معصية الله فإن الله أذل وكبت العاصي، قال الله:
    ((إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)) سورة المجادلة:5.

    تثبت وتبين لكم أن الله كبت المحادين له ((وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ)).
    ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك قال رجل من المنافقين: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسمع ذلك زيد بن أرقم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فاجتهد ذلك المنافق أنه ما قال ذلك القول وحلف، فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزل القرآن يؤيد قول زيد ويثبته،
    قال الله عز وجل:
    ((يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)) سورة المنافقون:8.
    هذا يدل على عدم الفقه أن يظن بعباد الله المؤمنين الذلة
    ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)) سورة الرعد:11.
    إن من أسباب الذل تسلط الجبابرة والملوك كما قال الله عز وجل :
    ((إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً)) سورة النمل:34.
    ملكة سبأ تقول هذا القول، قال الله عز وجل : ((وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)) فصدق قولها أن الملوك الجبابرة إذا دخلوا قرية أذلوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وهي في ذلك تثبت على أنها لابد لها من امتثال أمر سليمان عليه الصلاة والسلام ولم يكن بذلك إلا نبيا مرسلا يريد إقامة شرع الله وإقامة دينه.

    وهكذا أيها الناس،
    إن أمر الذل أمر أرهق الأمة بسبب مخالفتها لشرع الله, وإلا لو أنها أقامت دين الله لأعزها الله.
    فقد ثبت عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم :
    ((ليبلغن هذا الدين مبلغ الليل والنهار بعز عزيز أو ذل ذليل حتى لا يدع مدر أو وبر إلا دخله بعز عزيز أو بذل ذليل)).
    عز يعز الله به من أطاعه ويذل به من عصاه وفي لفظ ((يعز الله به الإسلام وأهله ويذل الكفر وأهله)) هذه بشرى لك أيها المؤمن أن الله عز وجل سوف ينصر هذا الدين وسينصر أهله، وسينصر أهله, وذلك إذا أقاموا شرع الله ونصروا دينه وابتعدوا عن محاداته ومخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    ثبت من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم )) أخرجه الإمام أحمد وغيره.
    تتشبه بمن ضربت عليهم الذلة والمسكنة من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين.
    لا شك أن هذا سبب ذلة من تشبه بهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
    نسأل الله أن يدفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله.

    ومن هنا صوتياً:

    التعديل الأخير تم بواسطة علي بن إبراهيم جحاف; الساعة 12-01-2013, 02:01 PM.
يعمل...
X