الدرس الثامن:
قال ـ رحمه الله ـ قال :"و قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ ـ رحمه الله ـ فِي صيد الخاطرــ وصيد الخاطر تعرف منه وتنكر، و ابن الجوزي أيضا ينتقد عليه ــ لَيْسَ فِي الْوُجُود شَيْء أشرف من الْعلم كَيفَ لَا وَهُوَ الدَّلِيل فَإِذا عَدِمَ وُقع في الضلال" ــــ يعني العلم هو الدليل هو النور فإذا لم يحصل علم تاه الناس، يؤيّد ذلك ما في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْتزعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِن الصُدور وَلَكِنْ بِقَبْضِ الْعُلَمَاء حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ".ـــــــ
"وَقَالَ الشَّافِعِي من شرف الْعلم أَن كلَّ من نُسب إِلَيْهِ وَلَو فِي شَيْء حقيرٍ فَرح وَمن رفع عَنهُ حزِن ــــــ يعني الجاهل لو قلت له عندك علم بكذا فَرِح، كل من نُسب للعلم فرِح وكل من أضيف إليه الجهل حزِن ، هذا من شرف العلم ــــــ "وَقَالَ الْأَحْنَف كل عز لم يُوجد بِعلم فَإلَى ذل مصيره ـــ صيد الخاطر الطبعة التي عندنا (117) ، وكلام الشافعي أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي (2/155 ) ، وقول الأحنف " كل عز لم يُوجد بِعلم فَإلَى ذل مصيره" يعني كل عز بُني على جهل مصيره إلى الذل، أخرجه الدينوري في المجالسة وجواهر العلم رقم (1901) ،وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/331) من طريق إبراهيم بن إسحاق الحربي قال: أخبرنا أبو نصر عن الأصمعي عن أبيه قال قال الأحنف فذكره، سنده ضعيف قُريْبوالد الأصمعي مجهول، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، والبخاري في التاريخ الكبير ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا إلى آخر الكلام ،والأثر جيد ـــــ
" قيل سَادَات الْخلق ثَلَاثَة الْمَلَائِكَة والأنبياء والسلاطين وَكُلهم خضعوا للْعلم" ــــ والأنبياء أفضل، أفضل المخلوقات فإن هذا ليس على سبيل الترتيب ــــ أَمر الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم لفضل علمه وَأما الْأَنْبِيَاء فَحَدِيث مُوسَى وخضر ـــــ قصة موسى ورحلة موسى إلى الخضر في ابتغاء العلم ــــــ" وَأما الْمُلُوك فقصة يُوسُف فَلَمَّا كَلمه قَالَ {إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين} وَيُقَال الْعلم دَوَاء الْقُلُوب وشفاء الذُّنُوب وَنعم الحارس والفارس" ـــــ وهذه حكم عظيمة ــــ
قال :"
تَعلمْ فَلَيْسَ الْمَرْء يُولد عَالما ** وَلَيْسَ أَخُو علم كمن هُوَ جَاهِل
وَإِن كَبِير الْقَوْم لَا علم عِنْده ** صَغِيرُ إِذا الْتفت عَلَيْهِ المحافل
ــ في الحاشية مذكروة مع تخريجها ـــ
"وَهُوَ قوت الْأَرْوَاح والقلوب وروضة الْمُحب والمحبوب بِهِ يفضل الذَّوْق الروحاني على الجسماني من عَالم الْمِيثَاق وَلَيْسَ يُدْرك ذَاك إِلَّا من تَضلع أَو ذاق
لَا يعرف الشوق إِلَّا من يكابده *** وَلَا الصبابة إِلَّا من يدانيها "
ـــ جميل هذا البيت قاله محمد بن بختيار وهو مترجم لتاريخ الإسلام المجلد (40/292) ، وفي التخريج مزيد على هذا.
لَا يعرف الشوق إِلَّا من يكابده ** وَلَا الصبابة إِلَّا من يدانيها
يتمثل به الصنعاني كثيرا ، والشوكاني أمثال هؤلاء ــــ
" وَلَكِن على كل خير مَانع وعَلى الْعلم مَوَانِع ـــ موانع كثيرة ــــ مَوَانِع منْهَا الوثوق بالمستقبل وبالذكاء وبالانتقال من عِلم إلى عِلم قبل أَن يحصل مِنْهُ قدرا يُعْتدُّ بِهِ ــــــ يعني هذا من موانع العلم لا تركن على ذكائك، ولا تكثر التنقل من علم إلى علم قبل التمكّن ، وتركن على مستقبلك من حيث ما عندك من المكانة المادية ، وهكذا التوثب من كتاب إلى كتاب قبل فهمه قبل ختمه كما ذَكر ، يفتح الكتاب ولم يُكمله ـــــ " وَمِنْهَا طلب المَال والجاه "ــــ وهذا من الموانع لأنه إذا شُغل بالدنيا شُغل عن العلم ــــ " أَو الركون إِلَى اللَّذَّات البهيمية وضيق الْحَال "ــــ منها ضيق الحال ــــ " وَعدم المعونة على الِاشْتِغَال وإقبال الدُّنْيَا" ـــــ وأيضا إذا أَقْبلَت الدنيا صُرف عن العلم ـــــ " وتقليد الْأَعْمَال" ـــــ أي التكلّف بالأعمال والأشغال الكثيرة من موانع العلم ـــــ " وَكَثْرَة التَّأْلِيف فِي الْعُلُوم" ـــــ أي كونه لا يَنْشغل بالحفظ والمراجعة ويُقبِل على التأليف في العلوم وهذا قد يفوت عليه كثيرا من المسائل والمحفوظات ــــــ " وَكَثْرَة الاختصارات فَإِنَّهَا مُخلة عائقة "ــــــ هذا ليس على إطلاقه فمنها ما يكون هذا لقصد العلم والتعليم والاستفادة لكنه ليس كالحفظ، فالحفظ أتقن وأمكن ــــــ
" مُخلة عائقة وَلكُل مِنْهَا تَفْصِيل ذُكر فِي مَحَله.
فَائِدَة:
اعْلَم أن شَرف الشَّيْء إِمَّا لذاته أَو لغيره " إلى هنا والحمد لله. اهـ
الدرس التاسع:
قال أبو الطيب ـ رحمه الله ـ:
"فَائِدَة:
اعْلَم أن شَرف الشَّيْء إِمَّا لذاته أَو لغيره وَالْعلم حائز للشرفين جَمِيعًا لِأَنَّهُ لذيذ فِي نَفسه فيُطلب لذاته ولذيذ لغيره فيطلب لأَجله ــــ أي لأجل العبادة ــــ أما الأول فَلَا يخفى على أَهله أَنه لَا لَذَّة فَوْقهَا لِأَنَّهَا لَذَّة روحانية وَهِي اللَّذَّة الْمَحْضَة ــــ لذة العلم اللذة الروحانية وهي اللذة المحضة ، وهذه اللذة يذوقها حتى المبتدعة لذة العلم صراحة، لكن أهل الهدى تلذذهم بالعلم أفضل وأعظم وإلا الزمخشري له أبيات يُثبت فيها لذة العلم والسيوطي كذلك
سَهَرِي لِتَنْقِيحِ العُلُومِ أَلَذُّ لي ****مِنْ وَصْلِ غَانِية ٍ وَطيبِ عِنَاقِ
تمايلي طربا بالحل عويصة**** أحلى وأغلى من مدامة ساقي
وصريرُ أقلامي على أوراقها ***أحلى منَ الدّكاءِ والعشاقِ
إلى آخرها ، هذا إذا صحب ذلك ِنهمة وعافية ،لذة العلم إذا صحب ذلك ِنهمة في العلم وعافية ــــ "وَأما اللَّذَّة الجسمانية فَهِيَ دفع لأَلَم فِي الْحَقِيقَة" ـــ يعني كونه يتلذذ بالطعام دفعا لألم الجوع ، يتلذذ بالنوم دفعا لألم التعب ،سيأتي أيضا ما سيذكره ــــ " دفع لأَلَم فِي الْحَقِيقَة كَمَا أَن لَذَّة الْأكل دفع لألم الْجُوع وَلَذَّة الْجِمَاع دفع ألم الامتلاء بِخِلَاف اللَّذَّة الروحانية فَإِنَّهَا ألذ وأشهى من اللذائذ الجسمانية وَلذَا كَانَ الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقُول لَو يعلم الْمُلُوك مَا نَحن فِيهِ من لَذَّة الْعلم لحاربونا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ" ــــ لم أجد من عزى هذا القول لأبي حنيفة وإنما جاء عن إبراهيم بن أدهم أخرجه أبن عساكر في تاريخ دمشق، والبيهقي في الزهد ، وأبو نعيم في الحلية من طريق إبراهيم بن نصر المنصوري ومحمد بن غالب قال : حدّث إبراهيم بن بشار الصوّفي قال خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم وأبو يوسف الغاسوليّ وأبو عبد الله السّخاويّ نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر فذكره من قول إبراهيم بن أدهم ، وإبراهيم بن بشار قال الذهبي في الميزان صدوق ما تكلم فيه أحد انتهى.لكن إبراهيم المنصوري مترجم لتاريخ الإسلام لم يُذكر فيه جرحا ولا تعديلا، هذا قد يغض عنه في الطرف ، هو مشهور كذلك أيضا عن الحسن البصري إلا أنه ما عثرنا عليه على الحسن ما عُثر عليه، أمّا عن أبي حنيفة فهو مستغرب ما أدري كيف أتى به عنه ؟!ـــــ وقال :" وَقَالَ الْفَقِيه الرباني مُحَمَّد بن حسن الشَّيْبَانِيّ عِنْدَمَا انْحَلَّت لَهُ مشكلات الْعُلُوم أَيْن أَبنَاء الْمُلُوك من هَذِه اللَّذَّة"ـــــ هو صاحب أبي حنيفة الْفَقِيه مُحَمَّد بن حسن بن فرقد... الشَّيْبَانِيّ مرجئ في العقيدة و صاحب رأي؛ رأي في الحديث كما في ترجمته من لسان الميزان، وأبو حنيفة أيضا مرجئ وضعيف الحديث، وتاريخ بغداد والمجروحين لابن حبان والكامل لابن عدي قال أحمد بن معين ليس بشيء، وقال بن معين مرة كذاب ، هذا الشيباني محمد بن الحسن الشيباني كُذِّب ــ قال" سِيمَا إِذا كَانَت الفكرة فِي حقائق الملكوت وأسرار اللاهوت ــــ وهذا التعبير ما نرجوه قول اللاهوت والناسوت إشتهر على ألسنة المتكلمين ــــ " وَمن لذته التابعة لغيره أَنه لَا يقبل الْعَزْل ــــ يعني اللذة التابعة لغيره أَنه لَا يقبل الْعَزْل ـــــ" وَالنّصب مَعَ دوامه لَا مزاحمة فِيهِ لأحد لِأَن المعلومات متسعة مزيدة بِكَثْرَة الشُّرَكَاء والصناعات متكالمة متزايدة بتلاحق الأفكار والآراء وَمَعَ هَذَا لَا ترى أحدا من الْوُلَاة و الْجُهَّال إِلَّا يتمنون أَن يكون عزهم كعز أهل الْعلم إِلَّا أَن الْمَوَانِع البهيمية تمنع عَن نيله " ـــــ الله المستعان يعني مانع الناس عن العلم وعن الانكباب عليه هو الإقبال على الدنيا والانشغال بها والفتن ، والترؤس يا إخوان مما نبه عليه الصديق بالأمس ، وتحمل كثرة الأثقال والأعمال أيضا يُشغل عن العلم ، كثرة الأعباء ، والبركة من الله ، وإذا تذكرت مناصب الشيخ بن باز ـ رحمه الله ـ مع ما أتاه الله ترى أنه جعل الله له بركة؛ رئيس كذا رئيس كذا رئيس كذا أعمال كثيرة يرأسها ومع ذلك يقوم بمجهود فيها واتصالات ومشورات ونصائح وعلوم وجعل الله له بركة بفضل الله ـ عز وجل ـ ثم بكثرة ذكره لله ـ عز وجل ـ وكثرة عبادته ، وإقباله على الله ـ عز وجل ـ ودعائه، بارك الله له في وقته وجعل كلامه فيه بركة ؛ إن نصح نصيحة مسددة ، وإن قُرأ عليه عَلَّق ، وكان مشغولا حتى وقته ملئ بالقراءة عليه هذا من البركة من الله ، هذا نسلي أنفسنا به أن كثير من الناس بارك الله لهم على كثرة أشغالهم { إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ }[الأنفال :70]. إلى هنا وفقكم الله .اهـ
الدرس العاشر:
قال العلامة أبو الطيب القنوجي ـ رحمه الله ـ :" وَأما اللذائذ الْحَاصِلَة لغيره أما فِي الْأُخْرَى فلكونه وَسِيلَة إِلَى أعظم اللذائذ الأخروية والسعادة الأبدية وَأما فِي الدُّنْيَا فالعز وَالْوَقار ونفوذ الحكم على الْمُلُوك والحكام" ـــــ يعني العلماء حكمهم نافذ على الملوك وعلى الحكام هذا في شرع الله وحكمه التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله يبرزه أهل العلم ـــــ " ولُزم الاحترام فِي الطباع فَإنَّك ترى أغبياء التّرْك وأجلاف الْعَرَب وأرذال الْهِنْد وَغَيرهم يصادفون طبائعهم مجبولة على التوقير لشيوخهم وعلمائهم ـــــ صحيح أولئك الذين تراهم جهلة يعني كان من باعث التعظيم شدة الغلو، شدة الغلو، فيأتي مثلا بعض الجهلة من الهنود وأمثال هؤلاء إذا مرَّ به عالم عرف أنه عالم مُوقَّر يمسح ثيابه ويتبرك به ويمسح جسمه، هذا صادر عن تعظيم وإجلال حصل فيه المبالغة بسبب الجهل، حتى وقعوا في التبرك بما لا يُشرع التبرك به ، هذا الكلام معلوم ــ " فَإنَّك ترى أغبياء التّرْك وأجلاف الْعَرَب وأرذال الْهِنْد وَغَيرهم يصادفون طبائعهم مجبولة على التوقير لشيوخهم وعلمائهم لاختصاصهم بمزيد علم مُسْتَفَاد من التجربة بل الْبَهِيمَة تجدها توقر الْإِنْسَان بطبعها لشعورها بتمييز الْإِنْسَان بِكُل مجاوز لدرجتها حَتَّى أَنَّهَا تنزجر بزجره وَإِن كَانَت قوتها أَضْعَاف قُوَّة الْإِنْسَان ثمَّ السَّعَادَة منحصرة فِي قسمَيْنِ جلب الْمَنَافِع وَدفع المضار وكل مِنْهُمَا دنيوي وديني" ـــــ كلام الصديق هنا كلام جيّد يعني حكم ومستنبط من كتب وبخبرة وأيضا كلام عالم ــــ
" فالأقسام أَرْبَعَة
الأول مَا يَنْجَلِبُ بِالْعلمِ من الْمَنَافِع الدِّينِيَّة وَهُوَ خَفِي وَخلقِي
الثَّانِي مَا يَنْجَلِبُ بِهِ من الْمَنَافِع الدُّنْيَوِيَّة وَهُوَ وجداني وذوقي وجاهي رتبي ثمَّ مَا يجلبه الْعلم من الوجاهة والرتبة ـــــ وبعض كلمات ذوقي مع إضافة بعض الألفاظ هنا فيها نظر ربما أخدها من إحياء علوم الدين وما إلى ذلك ـــــ " من الوجاهة والرتبة وَهِي إِمَّا عِنْد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِمَّا عِنْد الْمَلأ الْأَعْلَى وَإِمَّا عِنْد الْمَلأ الْأَسْفَل
الثَّالِث مَا ينْدَفع بِالْعلمِ من المضار الدِّينِيَّة وَهُوَ نَوْعَانِ فعل النواهي وَترك الْأَوَامِر"
ــــــ يعني يندفع بالعلم من المضار نوعان يندفع فعل النواهي ويندفع ترك الأوامر فالعلم يأمر بتطبيق الأوامر الشرعية واجتناب النواهي الشرعية ـــــ " الرَّابِع مَا ينْدَفع بِهِ من المضار الدُّنْيَوِيَّة وَهُوَ أَيْضا نَوْعَانِ الأول دفع الْمصَالح والمقاصد وجلب المعايب والمفاسد و الثَّانِي مضرَّة اجتلاب الْمَفَاسِد برفض القانون الشَّرْعِيّ العاصم من كل ضلال
وَفِي الحَدِيث السَّابِق الْمَرْوِيّ من معَاذ بن جبل إِشَارَة إِلَى كل من هَذِه الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة" ــــ كأنه استفاد منه هذه الأشياء أو أمثاله، والإحياء إحياء علوم الدين كتاب ضلال إلى الغاية إلى هنا وفقكم الله. اهـ
*************************
ملاحظة : النقط(....) عبارة عن كلام غيرمسموع أو غير مفهوم لدي المرجو من الإخوة المراجعة مع سماع الصوتي .
فرغه راجي رحمة الغفور
أبو عبد الرحمن إبراهيم أوموسي
غفر الله له ولوالديه
29صفر1433هـ
أكادير المغرب الأقصى
قال ـ رحمه الله ـ قال :"و قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ ـ رحمه الله ـ فِي صيد الخاطرــ وصيد الخاطر تعرف منه وتنكر، و ابن الجوزي أيضا ينتقد عليه ــ لَيْسَ فِي الْوُجُود شَيْء أشرف من الْعلم كَيفَ لَا وَهُوَ الدَّلِيل فَإِذا عَدِمَ وُقع في الضلال" ــــ يعني العلم هو الدليل هو النور فإذا لم يحصل علم تاه الناس، يؤيّد ذلك ما في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْتزعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِن الصُدور وَلَكِنْ بِقَبْضِ الْعُلَمَاء حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ".ـــــــ
"وَقَالَ الشَّافِعِي من شرف الْعلم أَن كلَّ من نُسب إِلَيْهِ وَلَو فِي شَيْء حقيرٍ فَرح وَمن رفع عَنهُ حزِن ــــــ يعني الجاهل لو قلت له عندك علم بكذا فَرِح، كل من نُسب للعلم فرِح وكل من أضيف إليه الجهل حزِن ، هذا من شرف العلم ــــــ "وَقَالَ الْأَحْنَف كل عز لم يُوجد بِعلم فَإلَى ذل مصيره ـــ صيد الخاطر الطبعة التي عندنا (117) ، وكلام الشافعي أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي (2/155 ) ، وقول الأحنف " كل عز لم يُوجد بِعلم فَإلَى ذل مصيره" يعني كل عز بُني على جهل مصيره إلى الذل، أخرجه الدينوري في المجالسة وجواهر العلم رقم (1901) ،وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/331) من طريق إبراهيم بن إسحاق الحربي قال: أخبرنا أبو نصر عن الأصمعي عن أبيه قال قال الأحنف فذكره، سنده ضعيف قُريْبوالد الأصمعي مجهول، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، والبخاري في التاريخ الكبير ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا إلى آخر الكلام ،والأثر جيد ـــــ
" قيل سَادَات الْخلق ثَلَاثَة الْمَلَائِكَة والأنبياء والسلاطين وَكُلهم خضعوا للْعلم" ــــ والأنبياء أفضل، أفضل المخلوقات فإن هذا ليس على سبيل الترتيب ــــ أَمر الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم لفضل علمه وَأما الْأَنْبِيَاء فَحَدِيث مُوسَى وخضر ـــــ قصة موسى ورحلة موسى إلى الخضر في ابتغاء العلم ــــــ" وَأما الْمُلُوك فقصة يُوسُف فَلَمَّا كَلمه قَالَ {إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين} وَيُقَال الْعلم دَوَاء الْقُلُوب وشفاء الذُّنُوب وَنعم الحارس والفارس" ـــــ وهذه حكم عظيمة ــــ
قال :"
تَعلمْ فَلَيْسَ الْمَرْء يُولد عَالما ** وَلَيْسَ أَخُو علم كمن هُوَ جَاهِل
وَإِن كَبِير الْقَوْم لَا علم عِنْده ** صَغِيرُ إِذا الْتفت عَلَيْهِ المحافل
ــ في الحاشية مذكروة مع تخريجها ـــ
"وَهُوَ قوت الْأَرْوَاح والقلوب وروضة الْمُحب والمحبوب بِهِ يفضل الذَّوْق الروحاني على الجسماني من عَالم الْمِيثَاق وَلَيْسَ يُدْرك ذَاك إِلَّا من تَضلع أَو ذاق
لَا يعرف الشوق إِلَّا من يكابده *** وَلَا الصبابة إِلَّا من يدانيها "
ـــ جميل هذا البيت قاله محمد بن بختيار وهو مترجم لتاريخ الإسلام المجلد (40/292) ، وفي التخريج مزيد على هذا.
لَا يعرف الشوق إِلَّا من يكابده ** وَلَا الصبابة إِلَّا من يدانيها
يتمثل به الصنعاني كثيرا ، والشوكاني أمثال هؤلاء ــــ
" وَلَكِن على كل خير مَانع وعَلى الْعلم مَوَانِع ـــ موانع كثيرة ــــ مَوَانِع منْهَا الوثوق بالمستقبل وبالذكاء وبالانتقال من عِلم إلى عِلم قبل أَن يحصل مِنْهُ قدرا يُعْتدُّ بِهِ ــــــ يعني هذا من موانع العلم لا تركن على ذكائك، ولا تكثر التنقل من علم إلى علم قبل التمكّن ، وتركن على مستقبلك من حيث ما عندك من المكانة المادية ، وهكذا التوثب من كتاب إلى كتاب قبل فهمه قبل ختمه كما ذَكر ، يفتح الكتاب ولم يُكمله ـــــ " وَمِنْهَا طلب المَال والجاه "ــــ وهذا من الموانع لأنه إذا شُغل بالدنيا شُغل عن العلم ــــ " أَو الركون إِلَى اللَّذَّات البهيمية وضيق الْحَال "ــــ منها ضيق الحال ــــ " وَعدم المعونة على الِاشْتِغَال وإقبال الدُّنْيَا" ـــــ وأيضا إذا أَقْبلَت الدنيا صُرف عن العلم ـــــ " وتقليد الْأَعْمَال" ـــــ أي التكلّف بالأعمال والأشغال الكثيرة من موانع العلم ـــــ " وَكَثْرَة التَّأْلِيف فِي الْعُلُوم" ـــــ أي كونه لا يَنْشغل بالحفظ والمراجعة ويُقبِل على التأليف في العلوم وهذا قد يفوت عليه كثيرا من المسائل والمحفوظات ــــــ " وَكَثْرَة الاختصارات فَإِنَّهَا مُخلة عائقة "ــــــ هذا ليس على إطلاقه فمنها ما يكون هذا لقصد العلم والتعليم والاستفادة لكنه ليس كالحفظ، فالحفظ أتقن وأمكن ــــــ
" مُخلة عائقة وَلكُل مِنْهَا تَفْصِيل ذُكر فِي مَحَله.
فَائِدَة:
اعْلَم أن شَرف الشَّيْء إِمَّا لذاته أَو لغيره " إلى هنا والحمد لله. اهـ
الدرس التاسع:
قال أبو الطيب ـ رحمه الله ـ:
"فَائِدَة:
اعْلَم أن شَرف الشَّيْء إِمَّا لذاته أَو لغيره وَالْعلم حائز للشرفين جَمِيعًا لِأَنَّهُ لذيذ فِي نَفسه فيُطلب لذاته ولذيذ لغيره فيطلب لأَجله ــــ أي لأجل العبادة ــــ أما الأول فَلَا يخفى على أَهله أَنه لَا لَذَّة فَوْقهَا لِأَنَّهَا لَذَّة روحانية وَهِي اللَّذَّة الْمَحْضَة ــــ لذة العلم اللذة الروحانية وهي اللذة المحضة ، وهذه اللذة يذوقها حتى المبتدعة لذة العلم صراحة، لكن أهل الهدى تلذذهم بالعلم أفضل وأعظم وإلا الزمخشري له أبيات يُثبت فيها لذة العلم والسيوطي كذلك
سَهَرِي لِتَنْقِيحِ العُلُومِ أَلَذُّ لي ****مِنْ وَصْلِ غَانِية ٍ وَطيبِ عِنَاقِ
تمايلي طربا بالحل عويصة**** أحلى وأغلى من مدامة ساقي
وصريرُ أقلامي على أوراقها ***أحلى منَ الدّكاءِ والعشاقِ
إلى آخرها ، هذا إذا صحب ذلك ِنهمة وعافية ،لذة العلم إذا صحب ذلك ِنهمة في العلم وعافية ــــ "وَأما اللَّذَّة الجسمانية فَهِيَ دفع لأَلَم فِي الْحَقِيقَة" ـــ يعني كونه يتلذذ بالطعام دفعا لألم الجوع ، يتلذذ بالنوم دفعا لألم التعب ،سيأتي أيضا ما سيذكره ــــ " دفع لأَلَم فِي الْحَقِيقَة كَمَا أَن لَذَّة الْأكل دفع لألم الْجُوع وَلَذَّة الْجِمَاع دفع ألم الامتلاء بِخِلَاف اللَّذَّة الروحانية فَإِنَّهَا ألذ وأشهى من اللذائذ الجسمانية وَلذَا كَانَ الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقُول لَو يعلم الْمُلُوك مَا نَحن فِيهِ من لَذَّة الْعلم لحاربونا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ" ــــ لم أجد من عزى هذا القول لأبي حنيفة وإنما جاء عن إبراهيم بن أدهم أخرجه أبن عساكر في تاريخ دمشق، والبيهقي في الزهد ، وأبو نعيم في الحلية من طريق إبراهيم بن نصر المنصوري ومحمد بن غالب قال : حدّث إبراهيم بن بشار الصوّفي قال خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم وأبو يوسف الغاسوليّ وأبو عبد الله السّخاويّ نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر فذكره من قول إبراهيم بن أدهم ، وإبراهيم بن بشار قال الذهبي في الميزان صدوق ما تكلم فيه أحد انتهى.لكن إبراهيم المنصوري مترجم لتاريخ الإسلام لم يُذكر فيه جرحا ولا تعديلا، هذا قد يغض عنه في الطرف ، هو مشهور كذلك أيضا عن الحسن البصري إلا أنه ما عثرنا عليه على الحسن ما عُثر عليه، أمّا عن أبي حنيفة فهو مستغرب ما أدري كيف أتى به عنه ؟!ـــــ وقال :" وَقَالَ الْفَقِيه الرباني مُحَمَّد بن حسن الشَّيْبَانِيّ عِنْدَمَا انْحَلَّت لَهُ مشكلات الْعُلُوم أَيْن أَبنَاء الْمُلُوك من هَذِه اللَّذَّة"ـــــ هو صاحب أبي حنيفة الْفَقِيه مُحَمَّد بن حسن بن فرقد... الشَّيْبَانِيّ مرجئ في العقيدة و صاحب رأي؛ رأي في الحديث كما في ترجمته من لسان الميزان، وأبو حنيفة أيضا مرجئ وضعيف الحديث، وتاريخ بغداد والمجروحين لابن حبان والكامل لابن عدي قال أحمد بن معين ليس بشيء، وقال بن معين مرة كذاب ، هذا الشيباني محمد بن الحسن الشيباني كُذِّب ــ قال" سِيمَا إِذا كَانَت الفكرة فِي حقائق الملكوت وأسرار اللاهوت ــــ وهذا التعبير ما نرجوه قول اللاهوت والناسوت إشتهر على ألسنة المتكلمين ــــ " وَمن لذته التابعة لغيره أَنه لَا يقبل الْعَزْل ــــ يعني اللذة التابعة لغيره أَنه لَا يقبل الْعَزْل ـــــ" وَالنّصب مَعَ دوامه لَا مزاحمة فِيهِ لأحد لِأَن المعلومات متسعة مزيدة بِكَثْرَة الشُّرَكَاء والصناعات متكالمة متزايدة بتلاحق الأفكار والآراء وَمَعَ هَذَا لَا ترى أحدا من الْوُلَاة و الْجُهَّال إِلَّا يتمنون أَن يكون عزهم كعز أهل الْعلم إِلَّا أَن الْمَوَانِع البهيمية تمنع عَن نيله " ـــــ الله المستعان يعني مانع الناس عن العلم وعن الانكباب عليه هو الإقبال على الدنيا والانشغال بها والفتن ، والترؤس يا إخوان مما نبه عليه الصديق بالأمس ، وتحمل كثرة الأثقال والأعمال أيضا يُشغل عن العلم ، كثرة الأعباء ، والبركة من الله ، وإذا تذكرت مناصب الشيخ بن باز ـ رحمه الله ـ مع ما أتاه الله ترى أنه جعل الله له بركة؛ رئيس كذا رئيس كذا رئيس كذا أعمال كثيرة يرأسها ومع ذلك يقوم بمجهود فيها واتصالات ومشورات ونصائح وعلوم وجعل الله له بركة بفضل الله ـ عز وجل ـ ثم بكثرة ذكره لله ـ عز وجل ـ وكثرة عبادته ، وإقباله على الله ـ عز وجل ـ ودعائه، بارك الله له في وقته وجعل كلامه فيه بركة ؛ إن نصح نصيحة مسددة ، وإن قُرأ عليه عَلَّق ، وكان مشغولا حتى وقته ملئ بالقراءة عليه هذا من البركة من الله ، هذا نسلي أنفسنا به أن كثير من الناس بارك الله لهم على كثرة أشغالهم { إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ }[الأنفال :70]. إلى هنا وفقكم الله .اهـ
الدرس العاشر:
قال العلامة أبو الطيب القنوجي ـ رحمه الله ـ :" وَأما اللذائذ الْحَاصِلَة لغيره أما فِي الْأُخْرَى فلكونه وَسِيلَة إِلَى أعظم اللذائذ الأخروية والسعادة الأبدية وَأما فِي الدُّنْيَا فالعز وَالْوَقار ونفوذ الحكم على الْمُلُوك والحكام" ـــــ يعني العلماء حكمهم نافذ على الملوك وعلى الحكام هذا في شرع الله وحكمه التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله يبرزه أهل العلم ـــــ " ولُزم الاحترام فِي الطباع فَإنَّك ترى أغبياء التّرْك وأجلاف الْعَرَب وأرذال الْهِنْد وَغَيرهم يصادفون طبائعهم مجبولة على التوقير لشيوخهم وعلمائهم ـــــ صحيح أولئك الذين تراهم جهلة يعني كان من باعث التعظيم شدة الغلو، شدة الغلو، فيأتي مثلا بعض الجهلة من الهنود وأمثال هؤلاء إذا مرَّ به عالم عرف أنه عالم مُوقَّر يمسح ثيابه ويتبرك به ويمسح جسمه، هذا صادر عن تعظيم وإجلال حصل فيه المبالغة بسبب الجهل، حتى وقعوا في التبرك بما لا يُشرع التبرك به ، هذا الكلام معلوم ــ " فَإنَّك ترى أغبياء التّرْك وأجلاف الْعَرَب وأرذال الْهِنْد وَغَيرهم يصادفون طبائعهم مجبولة على التوقير لشيوخهم وعلمائهم لاختصاصهم بمزيد علم مُسْتَفَاد من التجربة بل الْبَهِيمَة تجدها توقر الْإِنْسَان بطبعها لشعورها بتمييز الْإِنْسَان بِكُل مجاوز لدرجتها حَتَّى أَنَّهَا تنزجر بزجره وَإِن كَانَت قوتها أَضْعَاف قُوَّة الْإِنْسَان ثمَّ السَّعَادَة منحصرة فِي قسمَيْنِ جلب الْمَنَافِع وَدفع المضار وكل مِنْهُمَا دنيوي وديني" ـــــ كلام الصديق هنا كلام جيّد يعني حكم ومستنبط من كتب وبخبرة وأيضا كلام عالم ــــ
" فالأقسام أَرْبَعَة
الأول مَا يَنْجَلِبُ بِالْعلمِ من الْمَنَافِع الدِّينِيَّة وَهُوَ خَفِي وَخلقِي
الثَّانِي مَا يَنْجَلِبُ بِهِ من الْمَنَافِع الدُّنْيَوِيَّة وَهُوَ وجداني وذوقي وجاهي رتبي ثمَّ مَا يجلبه الْعلم من الوجاهة والرتبة ـــــ وبعض كلمات ذوقي مع إضافة بعض الألفاظ هنا فيها نظر ربما أخدها من إحياء علوم الدين وما إلى ذلك ـــــ " من الوجاهة والرتبة وَهِي إِمَّا عِنْد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِمَّا عِنْد الْمَلأ الْأَعْلَى وَإِمَّا عِنْد الْمَلأ الْأَسْفَل
الثَّالِث مَا ينْدَفع بِالْعلمِ من المضار الدِّينِيَّة وَهُوَ نَوْعَانِ فعل النواهي وَترك الْأَوَامِر"
ــــــ يعني يندفع بالعلم من المضار نوعان يندفع فعل النواهي ويندفع ترك الأوامر فالعلم يأمر بتطبيق الأوامر الشرعية واجتناب النواهي الشرعية ـــــ " الرَّابِع مَا ينْدَفع بِهِ من المضار الدُّنْيَوِيَّة وَهُوَ أَيْضا نَوْعَانِ الأول دفع الْمصَالح والمقاصد وجلب المعايب والمفاسد و الثَّانِي مضرَّة اجتلاب الْمَفَاسِد برفض القانون الشَّرْعِيّ العاصم من كل ضلال
وَفِي الحَدِيث السَّابِق الْمَرْوِيّ من معَاذ بن جبل إِشَارَة إِلَى كل من هَذِه الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة" ــــ كأنه استفاد منه هذه الأشياء أو أمثاله، والإحياء إحياء علوم الدين كتاب ضلال إلى الغاية إلى هنا وفقكم الله. اهـ
*************************
ملاحظة : النقط(....) عبارة عن كلام غيرمسموع أو غير مفهوم لدي المرجو من الإخوة المراجعة مع سماع الصوتي .
فرغه راجي رحمة الغفور
أبو عبد الرحمن إبراهيم أوموسي
غفر الله له ولوالديه
29صفر1433هـ
أكادير المغرب الأقصى