تسلية؛لخائف الفراق
من
كتاب(مشارع الأشواق)
للإمام ابن النحاس رحمه الله]
قال الإمام أحمد بن إبراهيم ابن النحاس الدّمشقي الدّمياطي رحمه الله تعالى:
فصل
في تفنيد حجج المتثاقلين عن الجهاد
اعلم أيها الراغب عما افترض عليه من الجهاد، الناكب عن سنن التوفيق والسداد، أنك قد تعرضت للطردوالإبعاد، وحرمت- والله- الإسعاد بنيل المراد! وما ذلك إلا لقعودك عن الجهاد!! ما سبب إحجامك عن القتال؟واقتحام معارك الأبطال؟ وبخلك عن سبيل الله بالنفس والمال؟ ما هو إلا طول أمل، أو خوف هجوم أجل، أو فراق محبوب من أهلِ ومال، أو ولدِ وخدمِ وعيال، أو أخِ لك شقيق، أو قريبِ عليك شفيق، أو ولي كريم، أو صديقِ حميم، أو ازدياد من صالح الأعمال، أو حب زوجة ذاتِ حسن وجمال، أو جاهٍ منيع، أو منصب رفيع، أو قصر مشيد، أو ظلٍ مديد، أو ملبسِ ي، أو مأ كل هني! ليس غير هذه الأسباب ما يقعدك عن الجهاد، ويبعدك عن رب العباد،ووالله ما هذا الموقف منك بجميل! أما تسمع قوله تعالى:ي﴿َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [التوبة: ٣٨] إصغِ لما أملي عليك من الحجج القاطعة، واستمع ما ألقي عليك من البراهين الساطعة. لتعلم أنه ما يقعدك عن الجهاد سوى الحرمان، وليس لتأخرك سبب إلا النفس والشيطان.
في تفنيد حجج المتثاقلين عن الجهاد
اعلم أيها الراغب عما افترض عليه من الجهاد، الناكب عن سنن التوفيق والسداد، أنك قد تعرضت للطردوالإبعاد، وحرمت- والله- الإسعاد بنيل المراد! وما ذلك إلا لقعودك عن الجهاد!! ما سبب إحجامك عن القتال؟واقتحام معارك الأبطال؟ وبخلك عن سبيل الله بالنفس والمال؟ ما هو إلا طول أمل، أو خوف هجوم أجل، أو فراق محبوب من أهلِ ومال، أو ولدِ وخدمِ وعيال، أو أخِ لك شقيق، أو قريبِ عليك شفيق، أو ولي كريم، أو صديقِ حميم، أو ازدياد من صالح الأعمال، أو حب زوجة ذاتِ حسن وجمال، أو جاهٍ منيع، أو منصب رفيع، أو قصر مشيد، أو ظلٍ مديد، أو ملبسِ ي، أو مأ كل هني! ليس غير هذه الأسباب ما يقعدك عن الجهاد، ويبعدك عن رب العباد،ووالله ما هذا الموقف منك بجميل! أما تسمع قوله تعالى:ي﴿َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [التوبة: ٣٨] إصغِ لما أملي عليك من الحجج القاطعة، واستمع ما ألقي عليك من البراهين الساطعة. لتعلم أنه ما يقعدك عن الجهاد سوى الحرمان، وليس لتأخرك سبب إلا النفس والشيطان.
تفنيد الحجة الأولى: أما سكونك إلى طول الأمل، وخوفك هجوم الأجل، واحترازك من الموت الذي لا بد من نزوله، وإشفاقك من الطريق الذي لا بد من سلوك سبيله، فهذا باطل، وحجتك فيه واهية مردودة. والله إنّ الإقدام لا ينقص عمر المتقدمين، ووالله إن الإحجام لا يزيد عمر المستأخرين. والله تعالى يقول:﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾[الأعراف34] والله يقول: ﴿َولَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[المنافقون: ١١] والله يقول:﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٧] إن للموت لسكرات أيها المفتون، وان هول المطلع شديد ولكن لا تشعرون، وان للقبر عذاباً لا ينجو منه إلاَالصالحون، وفي القبر سؤال الملكين الفاتنين. والله عز وجل يقول: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾[إبراهيم: ٢٧] وفي الاَخرة الخطر العظيم، والإنسان إما أن يكون سعيداَ إلى جنات النعيم، وإم أن يكون شقياً إلى عذاب الجحيم. والشهيد آمن من جميع ذلك، لا يخشى شيئاً من هذه المهالك! والقتل غير مؤلم للشهيد، فلا يجد إلا ألم القرصة. روى الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما يجِدالشهيد من ألَمِ القتل إلا كما يجد أحدكم من مسِ القرصة... " فما يقعدك أيها الأخ عن انتهاز هذه الفرصة؟ وبعدها تجار في القبر من العذاب، وتفوز عند الله بحسن المآب،وتأمن من فتنة السؤال، وما بعد ذلك من الشدائد والأهوال، فالشهداء عند ربهمم أحياء يرزقون لا خوف عليهم ولاهم يحزنون، فرحين بما آتاهم الله من فضله مستبشرين، أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في عليين. فكم بين هذا القتل الكريم، وبين الموت الأليم؟ والله إن البون بينهما بعيد، ومن رزق التوفيق فهو السعيد!
تفنيد الحجة الثانية: وان قلت: يعوقني عن الجهاد: أهلي ومالي، وأطفالي وعيالي، فأنت مخطىء، وحجتك هذه باطلة مردودة. لقد قال الله قولا بيناً لا يخفى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾[ سبأ: ٣٧] وقال تعالى:﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران14] وقال تعالى ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: ٢٠] والآيات في مثل هذا كثيرة، والحجج واضحة منيرة. وروى الترمذي عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو كانت الدنيا تعد ل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربةَ ماء" وروى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"موضع سوطِ أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها، وغَدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها،وخِما ر جاريةِ من أهل الجنة خيرمن الدنيا وما فيها.. " فكيف يصدك عن هذا الملك العظيم في الجنة أهلٌ عن قريبٍ يكونون في الأموات، وتمزقهم أيدي الشتات،وتفرقهم نوازل الآفات؟ مع ما يصدر منهم من النكد والعداوات، والأخلاق السيئات، والحقد على ما عرضت حظوظهم منك للفوات! وهجرانهمم إياك عند قلة المال، وتحولهم عن ودك عند تغيرِ الأحوال! وأعظم من ذلك فرارهم منك في المآل، ومحاسبتهم إياك على مثاقيل الذرِ في موقف السؤال، حتى يود كل واحدٍ منهم لو نجا، وحملَك ما عليه من الذنوب والأثقال! أم كيف يصدك المال عن الجهاد وهو في معرض الذهاب والزوال، ينفر عنك عند فقده الأخلاء، وتتفرق العيال، ويهجرك كل صديقِ كان يكثر لك الوصال؟ ثم يوم القيامة تسأل عن المال: من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ ويا له من سؤال، في يومٍ تشيب فيه الأطفال،وتعظم فيه الأهوال! يكثرفيه الزحام، ويشت ُ ذ فيه الخصام، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حملِ حملها من هولِ ذلك المقام، ويعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ويحاسب فيه الأغنياء على النقير والقطمير، والخطير والحقير، والناقص والتمام، ويسبق الفقراءُ الأغنياءَ إلى الجنة بخمسمائة عام، كما أخبرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام! روى الترمذي وابن ماجة وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل فقراءُ المسلمين الجنةَ قبلَ الأغنياءِ بنصفِ يوم، وهو خمسمائة عام " وإن تذكرت ولدك الكريم وحنوت عليه حنو الأب الشفيق الرحيم، فتذكَر قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾[التغابن: ١٥] ووالله إن الله أرحم بالولد من أبيه وأمه، وأخيه وعمه، وكيف لا وهو قد رباه قبلهم برحمته في ظلمات الأحشاء،وقلبه بيدِ لطفه ورأفته في أرحام الأمهات وأصلابِ الآَباء!. وكيف يقعدك عن دار النعيم وجوار الرب الكريم، ولدك إن كان صغيرًا فأنت به مهموم، وإن كان كبيرًا فأنت به مهموم! وان كان صحيحاً فأنت عليه خائف، وإن كان سقيماً فقلبك لضعفه واجف! إِن أدبته غضب وشرد، وإن نصحته حرد وحقد! مع ما تتوفَعه من العقوق المعتاد، من كثيرٍ من الأولاد! إن أقدمت جبّنك، وإن سمحت وأنفقت بخَلك، وإن زهدت رغّبك! لقد عظمت به الفتنة، وأنت تع ُ ذها مِنة! وعمّ به البلاء، وأنت تراه من النعماء! تو د سروره مك، وفرحه بحزنك، وربحه بخسرانك، وزيادة درهمه وديناره بخفّة ميزانك! تتكلَف من أجله مالاتطيق، وتدخل بسببه في كل مضيق! ألقه يا هذا عن بالك إلى من خلقك وخلقه، وتوكل في رزقه بعدك على الذي رزقك ورزقه! كيف أسلمت إلى الله تدبيره في الملك والملكوت، ولم تسلم إليه تدبير ولدك بعدما تموت؟ وهل لك من تدبير ولدك قليل أو كثير، ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير؟! والله لا تملك له ولا لنفسك نفعاَ ولا ضراً، ولا موتاَ ولا حياةً ولا نشوراً، ولا تستطيع أن تزيد في عمره يسيرَا،ولا في رزقه نقيرًا. وقد تفترسك المنية بغتةً فتمسي في قبرك صريعاً، وبعملك أسيرَا، ويصبح ولدك العزيز بعدك يتيماَ، ويأخذ مالك وإرثك عدواَ كان أو رحيماً، ويفترق عيالك ظاعناً ومقيماً! عندها تقول: يا ليتني كنت مع الشهداء فأفوز فوزَا عظيماً، فيقال لك: هيهات هيهات، فاتما فات، وعظمت الحسرات، وخلوت بما قَدمت من حسناتِ أو سيئات! اسمع قول الله العزيز الغفور، محذراَ لك ما أنت عليه من الغرور: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان : ٣٣ ] هذا: وإن كان ولدك من السعداء، فستجمع بينك وبينه الجنان، وانْ كانَ من الأشقياء، فليكن من الآن، لايجتمع أهل الجنة مع أهل النار، ولا الأخيار مع الأشرار! ولعل الله يرزقك الشهادة، فتشفع فيه، وتكون بفراقك له ساعياً في أن تنجيه، احرص على ما ينجيك من العذاب ولا تزهد فيه، فيوم القيامة يفر المرء من أخيه وأمه وأَبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرىء منهم يومئذِ شأنٌ يغنيه.. إنً هذا لهو البيان العظيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم..
تفنيد الحجة الثالثة: وإن قلت : أقعد عن الجهاد لأنه يشق علي فراق الأخ والقريب، والصديق والحبيب، فكلامك باطل، وحجتك مردودة. تذكر القيامة وقد قامت على الخلق أجمعين، والأخلاءُ يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، فإن كانت الصداقة لله فستجمع بينكما عّليون، في نعيم أنتم فيه خالدون، وإن كانت الصحبة لغير الله فالفراق الفراق، قبل أن يحشر الرفاق مع الرفاق. إن المرء في الآخرة مع محبوبه، لمشاركته إياه في مطلوبه، فإن كان من الاْتقياء نفعه أخاه، وان كان من الأشقياء ضره وأرداه!! مع ما يتوقّع في هذه الدار من الأقرباء والأصدقاء من الجفاء، والصد وقلة الوفاء، وكثرة الكدر وعدم الصفاء، وتغيرهم لديك، وتلومهم عليك، وإساءتهمم إليك. وهجرهم إياك عند فوات الأعراض، وما تحويه قلوبهمم من العِلل والأمراض! إن وقعت في شدة تخفوا عنك، أو وقعت في زلة تبرءووا منك، إنهمم إخوان السراء، وأعداءُ الضراء.. صداقتهم مقرونةٌ بالغنى، وصحبتهم مشحرنةٌ بالعنا.. إن قلّ ماُلك ملوك، وإن تغير حاُلك فما أخوك أخوك! وإن شككت في شيء من هذا البيان، فسيظهر لك يقيناً عند الإمتحان، وإنْ ظفرت يدك منهم بأخٍ من إخوان الصفا- وأين ذاك؟- أو خِل من خلاّنِ الوفا- وما أراك- فأنتما غداً كما قال أصدق القائلين: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ الحجر: ٤٧ فلا يجوز يا هذا أن يقعدك عن الجهاد حبيب أو قريب، فربما افترقتما قبلَ المغيب، ففاتك الثوا ب العظيم،وانفصل عنك الصديقالحميم، وبذلك تحرممما تريده من الدرجات، وتندم فلم يغنك الندم على ما فات. روى البيهقي والحاكم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: " جاءَ جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد: إن اللهَ يقول لك: عِش ما شئت فَإنك ميت، واحبب من شِئت فإنك مفارِقه، واعمل ماشئت فإنك مجزِي به.. واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه. استغناؤه عن الناس" فانظر ما اشتملت عليه هذه الكلمات اليسيرة، من ذكر الموت وفراقِ الأحبة، والجزاءِ على الأعمال. فهل بعد هذا الإنذار إنذار؟ إنَّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.
تفنيد الحجة الرابعة: وإن قلت: يقعدني عن الجهاد منصبي وجاهي الرفيع، وعزي وحجابي المنيع. فكلامك خطأ، وحجتك باطلة مردودة. ليت شعري كم فارق منصبك محبله إلى أن وصلَ إليك، وكم زالَ ظلّه عن مغبطِ نفسه إلى أن ظلّل عليك، وسينفصل ويبين عنك كما عنهم بانَ، وكأنك بذلك وقد كان، فإذا أنت لفراقه ثكلان، وقلبك مغموربالحسد،وصدرك معمور بالأحزان، فلم يدم لك ما أنت فيه من المنصب والجاه، ولم تفز بما أنت طالِبه من أسبابِ النجاة. واَخِر من يخرج من النار من الموحدين، ويدخل الجنةَ بعد الداخلين، يعطيه الله في الجنة عشرةَ أمثالِ ملوك الدنيا أجمعين! فما ظنك بمن يكون مع السابقين الأوّلين، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟! مع ما يخفى عليك مما في المنصب من النصب والتعب، وشرالعاقبة وسوءِ المنقلب، وما تكسب به من كثرة الأعداء والحساد،َ وما اشتملت عليه بواطنهم من الضغائن والأحقاد، وشماتتهم بك عند زواله، وتلهفِك حزناَ على ما فات من إقباله، وزوالِ أكثرِ حشمِك وخدمِك، وإعراضِ من كانَ يسر بتقبيلِ قدمِك! اطلب الجنةَ ونعيمها، واسمع قولَ العزيز الغفار: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾[الرعد: ٢٣-24] والله إن هذا هو الذي تقر به العيون، ولمثلِ هذا يجب أن يعمل العاملون!
تفنيد الحجة الخامسة: وإن قلت: يشق علي فراق قصري وظله، وبنائه المشيد وعلومحلّه، وحشمي فيه وخدمي، سروري فيه ونعمي،فكلامك باطل، وحجتك مردودة داحضة. ما قصرك الذي تتحدث عنه والذي أقعدك عن الجهاد؟ ما هو إلاّ بيت من طينٍ وحجرِ وتراب، ومدرِ وحديدٍ وخشب، إنْ لم يكنس كثرت فيه القمامة، وإن لم يسرج فما أشذَ ظلامه، وإن لم تتعاهده بالبناء فما أسرع انهدامه، وإن تعاهدته فمآله إلى الخراب، وعن قليل يصير كالتراب،يتفرق عنه السكان. وتنتقل عنه الناس القطّان، ويعفى أثره، ويندرس خبره، ويمحى رسمه، وينسى اسمه. استبدل أيها المغرور قصرك مع سرعة فنائه، بدارِ باقية، قصورها عالية، وأنوارها زاهية، وأنهارها جارية، وقطوفها دانية، وأفرا حها متوالية. إن سألت عن بناء الجنة، فلبنُة فضة، ولبنُة ذهب، لا تعب فيها ولا نصب. وإن سألت عن ترابها فالمسك الأذْفر، وان سألت عن حصبائها فاللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن أنهارها، فأنهار من لبن، وأنهار من عسل، ونهر الكوثر. وإن سألت عن قصورها، فالقصر من لؤلؤة مجوّفَة، طوُلها سبعون ميلاَ في الهواء، أو من زمردة خضراء باهرةِ السناء، أو ياقوتةِ حمراء، عاليةِ البناء، وللمؤمن في كل زاوية من زواياها أهل وخدم، لا يبصر بعضهم بعضاً لسعة الفناء. وإن سألت عن فُرشِها، فمن إستبرقِ بطائنها، فما ظنك بظهائرها؟وهي مرفوعةٌ بين الفراشين أربعين سنة، وليس عليها نوم ولا سِنة، بل هم عليه متكئون، مقبلٌ بعضهم على بعضِ يتساءلون. وإن سألت عن أ ُ كلِها فموائِدها موضوعة، وأ ُ كُلها على الدوام، وثمارها لا ممنوعة ولا مقطوعةٌ لطول المقام، بل فاكهةٌ مما يتخترون، ولحم طيرٍ مما يشتهون، ويسقَون فيها من رحيقٍ مختوم ختامه مسك، وفي ذلك فلْيتنافس المتنافسون. لا يتغوّطُ أهُلها، ولا يبولون، ولا يبصقون، ولا يمتخطون، أكلهم يرشحمن جلودهم كالمسك ريحاً، ولوناً كالجُمان، فإذا البطن قد ضمر كما كان. وإن سألت عن خدمِها، فالولدان المخلَدون، الذين قال الله عنهم: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ﴾[الإنسان: ١٩-22] وبالجملة فكل ما ذكرت لك، فهو مما جاء في الخبر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واإلاّ ففي الجنة ما لاعين رأت، ولا ُأ ُ ذنٌ سمعت، ولا خطر على قلبِ بشر! وإن سألت عن مدة بقاءِ أهلِ الجنةِ في هذا النعيم العظيم والمقامِ الكريم، فهم أبداَ فيه خالدون، أحياءٌ لا يموتون، شباب لا يهرمون، أصحاء لا يسقمون، فرِحون لا يحزنون، راضون لا يسخطون.. من خوف القطيعة والطردِ أبداً آمنين، في مقامٍ أمين، دعواهم فيها سبحانك اللهم، وتحيتهم فيها سلام، واَخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. وعليك أن تقيس بعقلك ما بين هذا الملكِ العظيمِ الخطير، وبين قصرك ذي العمر القصير، والقدرِ اليسير. وانظر إذا فارقت قصرك بالشهادة إلى ماذا تصير.. إنَّ المقام فيما أنت من القصورِ َلغرور، ولا ينبئك مثلُ خبير..
تفنيد الحجة السادسة: وإن قلت: أقعد عن الجهاد لأني أرغب في طول العمر لإصلاح العمل. فكلامك هذا باطل، وحجتك مردودة. إن هذا الكلام عندك ناتج من الغرور، ووالله لا يتم تأخير في الأجل المقدور. والله يقول: ﴿َ يا أَيُّهَا لنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر:٥-6] وما هذا الكلام إلا من مصايد إبليس اللعين، وليس من مقاصد الأولياء والصالحين. أليس الصحابة وأخيارالتابعين، أولى منك بهذا القصد إن كنت من الصادقين! ولو ركن الصحابة والتابعون إلى تأخير الآجال، لما ارتكبوا في الله عظيم الأهوال، ولو فعلوا ذلك لما جاهدوا المشركين والكفار، ولما اقتحموا البلاد والأمصار! ألا تصغي بأذنك يا هذا المفتون إلى قوله تعالى: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[التوبة: ٤١] ألا تلقي بالك إن كنت فطيناً فهيماً، وتفكر في قوله تعالى ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٥] وروى الترمذي والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن قيام الرجلِ في الصف في سبيل الّله، أفضل من عبادتِهِ في أهله سبعين عاماً" أيها المغرور: اعلم أن نوم المجاهد أفضل من قيام الليل وصيام الدهور! وهب أنك صادق فيما تقول، أليس عمُلك متردداَ بين الرد والقبول؟ أليس أمامك ما يفزع ويهول؟ أليس قدامك يوم الحشر المهول؟ ولا والله إنك لا تدري هل ينجيك عملك الذي عملته أو يرديك!! وان الله يعلم ما تخفون وما تعلنون. ولئن متم أو قُتلتم لإلى اللهِ تحشرون!
تفنيد الحجة السابعة: وإن قلت: إنني أقعد عن الجهاد لأن نفسي لا تطيق فراق زوجتي، فأنا مغرم بجمالها، وأنسي بقربها، و سروري بوصالها. فكلامك خطأ، وحجتك دا حضةٌ مرد ودة. هب أن زوجتك أحسن النسوان، وأجملُ أهلِ الزمان، أليس أوُلها نطفةً مذرة، وآخرها جيفةَ قَذرة، وهي فيما بين ذلك تحمل العذَرة! حيضها يمنعك عنها شطر عمرها، وعقوُقها لك أكثر من بِرها، إنْ لم تكتحل تعمشت عينها، وإن لم تتزين ظهر شينها، وان لم تتمشط شعث شعرها، وإن لم تدهِن طفى نو رها، وإن لم تتطيب تفلت، وإن لم تتطهر نتنت، كثيرةُ العلل، سريعُة الملل، إن كَبرت أيست، وإنْ عجزت هرِمت، تحِسن إليها جهدك، فتنكر ذلك عند السخط. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال عن جحود المرأة فضل زوجها: "لو أحسنت إلى إحداهن الدهر،ثم رأت منك قالت: ما رأيت منك خيرًا قط " أنت تروم من زوجتك أقذر ما فيها، وتخاف هجرها، وتخشى تجافيها، يحملك حبها على الكدوالتعب، والشقاء الشديد والنصب، تورِدك الموارد المهلكة، وترضى في أدنى هواها هلاكِك وما أوشكه، تودك هي لتحقق مرادها منك، فإن فات أعرضت عنك، وهجرتك وطلبت سواك، وملَتك وأظهرت قِلاك، وقالت بلسانِ حالها- إن لم تفصح بمقالِها-: واصلني وأَنفِق، أو فارِقني وطَلق! وبالجملةِ فإنكلا يمكن أن تستمتع بها إلاَّ على عِوج، ولا تدوم صحبتك إياها إلا مع ضيقِ وحرج. يا للعجب، كيف يقعِدك حب هذه عن وصال من خلقت من النور، ونشأت في ظلال القصور، مع الولدان والحور، في دار النعيم والسرور.. والله لا يجف دم الشهيد حتى تلقاه، وتستمتع بشهودِ نورها عيناه. إنها حوراءُ عيناءُ، جميلة حسناء، بكر عذراء، كأنها الياقوت، لم يطمثها إنس قبلَك ولا جان. كلامها رخيم،وقَدّها قويم، وشعرها بهيم، وقدرها عظيم، جفنها فاتر، و حسنها باهر، وجمالها زاهر، ودلالها ظاهر.. كحيل طَرفها، جميل ظَرفها، عذب نطقُها، عجيب خلقها، حسن خلُقها، زاهيُة الحِلِي؛ بهية الحُلَل، كثيرةُ الوِداد،عديمةُ المَلَل، قد قَصرت طَرفَها عليك، فلم تنظر إلى سواك، وتحببت إليك، بكلِّ ما وافق هواك! لو برز ظفرها لطمس بدر التمام، ولو ظهر سوارها ليلاً، لم يبقِ في الكون ظلام، ولو بدا معصمها َلسبى كل الأنام، ولو أطلَعت بين السماء والأرض، لملأ ريحها ما بينهما، ولو تفِلَت في البحر المالح، عاد كأعذبِ الماء. كلما نظرت إليها إزدادت في عينك حسناً، وكلما جالستها زادت إلى ذلك الحسن حسناً. أيجمل بعاقلٍ أن يسمع بهذه ويقعد عن وصالها؟ وكيف وله في الجنة من الحور العين أمثال أمثالِها. واعلم أن فراقك لزوجتك تلك أمر لا بدّ منه، وكأن قد وقع، والجنُة إن شاءَ الله تجمع بينكما، ونعم المجتمع، ومابينك وبين وصلها إن كانت من الصالحات، إلاّ وقت لا بد مِن فراقِك لها فيه، وهو الممات، فتجدها في الاَخرة أجمل من الحورِ العين بما لا يعلمه إلاّ رب العالمين. قد ذهب ما تكره منها، وزالَ ما يسوءُ عنها، وحسن خلُقها، وكَملَ خلُقها، كحلاءَ نجلاء، حسناءَ زهراء، بكراً عذراء، قد طهرت من الحيض والنفاس، وكرمت منها الأنواعوالأجناس، وزال اعوجاجها، وزاد ابتها جها،وعظمت أنوارها، وجل مقدارها، وفضلت على الحور العين في الجمالِ والأنوار، كفضلِهن عليها في هذه الدار. فإن أعرضت عن زوجتك اليوم لله بخروجك للجهاد في سبيل الله، فسوف يعوضك الله عنها، وإن كانت في الآخرة من أهل الجنة، فلا بد لك منها. ولا يلهِينّك يا هذا عن دار القرار، الاغترار بشيء من زخرف هذه الدار،فواللهِ ما هي بدارِ مقام، ولا في محل اجتماعٍ والتئام. الدنيا دار إنْ أضحكت اليوم أبكت غداً، وإن سرّت اليوم أعقب سرورها الردى، وإن جلَّت فيها النعم جميعاً،حلَّت فيها النقم سريعاً! الدنيا إن أخصبت أجدبت، وان جمعت فرّقت، وإن ضمت شتتت، وإن نقَصت نقصت،وإن أغنت عنّت، وِإن زادت أبادت، وإن عمرت دمرت، وإنْ أسفَرت أدبرت، وإن راقَت أراقَت، وإن صافت حافَت، وإن عمّت بنوالِها غمّت بوبالِها، وإن جادت بوِصالِها جاءت بفصالها. قريبها بعيد، وحبيبها طريد، شرابها سراب، وعذبها عذاب، دار الهموم والأحزان، والغموم والأشجان، والبين والفراق، والشقاء والشقاق، والوصب والنصب، والمشقة والتعب. كثيرها قليل، وعزيزها ذليل، وغنيها فقير، وجليلها حقير، غزيرة الآفات، كثيرةُ الحسرات، قليلُة الصفاء، عديمةُ الوفاء، لا ثقة بعهودها، ولا هي توفي لوعودها. محِبها تعبان، وعاشُقها ولهان، والواثق بها خجلان. قد سترت معايبها، وكتمت مصائِبها، وأخفَت نوائِبها، وخدعت بأباطيلها، وغَرت برشاويها وبراطيلها، ونصبت شِباكَها،ووضعت أشراكَها، وبهرجت زيفها، وجردت سيفها، وأبدت ملامحها، وسترت قبائحها. ونادت: الوصال الوصال أيها الرجال! فمن رام وصالها وقع في حبالها، وبدا له سوءُ حالِها، وعظم نكالها، ووقع في أسرها بجهله بشرها، وحاق به مكرها، حيث لم يتبصر في أمرها، فعضّ يديه ندماً، وبكى بعد الدمع دماً، وأسلمه ما طلب، إلى سوء المنقلب، وجهد في الفرار فما أمكنه الهرب! فتيقظ لنفسك يا هذا قبل الهلاك، وأطلق نفسك من أسرِها قبل أن يعسر الفكاك! وامض على قدم التوفيق والسعادة، عسى اللهُ أن يرزقك من فضله الشهادة.. ولا يقعدك عن هذا الثواب سبب من الأسباب، فذو الحزم السديد، من جرد العزم الشديد، وذو الرأي المصيب،من كان له في الجهاد نصيب. ومن أخلد إلى الكسل، وغرّه الأمل، زّلت منه القدم، وندِم حيث لا ينفعه الندم، وقَرع السن على ما فرط وفات، إذا شاهد الشهداء في أعلى الغرفات! واللهُ يقول الحق وهو يهدي السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[تهذيب مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق/ص31-42]
تنبيه
عاش الإمام الجهاد حالة واقعة في حياته، حيث نشأ في دمشق نشأة جهادية، ومارس الجهاد فيها عملياَ، ولماانتقل إلى مصر وأقام في دمياط حوالي عشر سنوات، جاهد فيها جهادا صادقا عملياً، وكان يقود أهل دمياط وما حولها في جهاد الصليبيين، وصد غاراتهم، وختم الله حياته الجهادية بالشهادة-إن شاء سبحانه وتعالى-، واتخذه شهيداَ-فيما نحسبه-، حيث استشهد في معركة "الطينة" قرب دمياط سنه٨١٤ ه. وبهذا جمع الإمام ابن النحاس بين العلم والعمل، وبين الكلام عن الجهاد، والممارسة العملية للجهاد، التي توجت بالاستشهاد-إن شاء الله-. وبهذا كان لكتابه مذاق خاص، وتأثير خاص، ومعلوم أن العالم الكاتب الشهيد-إن شاء الله- يكتب الله لكتبه القبول، لأنه كتبها مرتين: مرة بمداد العالم، ومرة بدماء الشهيد، وكان ابن النحاس ممن تحقق فيه وفي كتابه هذا الوصف الكريم! والذي دفع ابن النحاس إلى تأليف كتابه هو ما رآه من وجوب الجهاد على مسلمي زمانه، بسبب الهجوم المغولي والصليبي عليهم، ولكنهم انصرفوا عنه، وتثاقلوا ونكصوا عن ميدانه، فأراد ابن النحاس أن يشحذ هممهم، فألف لهم هذا الكتاب لتحقيق هذه الغاية. وألفه في حوالي عشرة أشهر، قبل استشهاده بسنتين، قال رحمه الله: "وكان فراغه على يد مؤلفه، فقير رحمة ربه، وآمل عفوه وغفرانه، أحمد بن إبراهيم بن محمد بن النحاس الدمشقي، تاب الله عليه. بخمس بقين من جمادى الآخرة، سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وابتدأ تأليفه في شهر رمضان سنة إحدى عشرة وثمانمائة.".
تنبيه
عاش الإمام الجهاد حالة واقعة في حياته، حيث نشأ في دمشق نشأة جهادية، ومارس الجهاد فيها عملياَ، ولماانتقل إلى مصر وأقام في دمياط حوالي عشر سنوات، جاهد فيها جهادا صادقا عملياً، وكان يقود أهل دمياط وما حولها في جهاد الصليبيين، وصد غاراتهم، وختم الله حياته الجهادية بالشهادة-إن شاء سبحانه وتعالى-، واتخذه شهيداَ-فيما نحسبه-، حيث استشهد في معركة "الطينة" قرب دمياط سنه٨١٤ ه. وبهذا جمع الإمام ابن النحاس بين العلم والعمل، وبين الكلام عن الجهاد، والممارسة العملية للجهاد، التي توجت بالاستشهاد-إن شاء الله-. وبهذا كان لكتابه مذاق خاص، وتأثير خاص، ومعلوم أن العالم الكاتب الشهيد-إن شاء الله- يكتب الله لكتبه القبول، لأنه كتبها مرتين: مرة بمداد العالم، ومرة بدماء الشهيد، وكان ابن النحاس ممن تحقق فيه وفي كتابه هذا الوصف الكريم! والذي دفع ابن النحاس إلى تأليف كتابه هو ما رآه من وجوب الجهاد على مسلمي زمانه، بسبب الهجوم المغولي والصليبي عليهم، ولكنهم انصرفوا عنه، وتثاقلوا ونكصوا عن ميدانه، فأراد ابن النحاس أن يشحذ هممهم، فألف لهم هذا الكتاب لتحقيق هذه الغاية. وألفه في حوالي عشرة أشهر، قبل استشهاده بسنتين، قال رحمه الله: "وكان فراغه على يد مؤلفه، فقير رحمة ربه، وآمل عفوه وغفرانه، أحمد بن إبراهيم بن محمد بن النحاس الدمشقي، تاب الله عليه. بخمس بقين من جمادى الآخرة، سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وابتدأ تأليفه في شهر رمضان سنة إحدى عشرة وثمانمائة.".
[المصدر السابق بتصرف يسير/ص4]
أسأل الله الكريم،ألاّيجعل حظي من هذه الشعيرة العظيمة مجرد التطفل على كتب هؤلاء الأعلام،والنقل منها،وأن يرزقني-وإخواني المسلمين-الجهاد في سبيله؛جهاد النفس في طلب العلم،والعمل به،والدعوة إليه،والصبر على الأذى فيه،وجهاد الدفع عن الدين والعقيدة،والمقدسات الإسلامية،وأن يختم لنا بالشهادة في سبيله،إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. كتبه الفقير إلى عفو ربه: أبومصعب الشريف بن الطيب فروج الجزائري