إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نصيحة عامة للمسلمين.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نصيحة عامة للمسلمين.

    نصيحة عامة للمسلمين (1)
    للإمام ابن باز رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى مثواه
    من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من إخواننا المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين , ووفقني وإياهم للتمسك بالحق والفقه في الدين , وأعاذني وإياهم من طريق المغضوب عليهم والضالين , آمين .
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , أما بعد :
    فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملا بقوله سبحانه : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } (2) وقوله تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (3) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : « الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » (4) وقوله عليه السلام : « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه » (5) وقوله صلى الله عليه وسلم : « مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر » (6) إذا عرف ذلك فلا يخفى عليكم ما قد أصاب المسلمين من الغفلة والإعراض عما خلقوا له , وإقبال أكثرهم على عمارة الدنيا والتمتع بشهواتها وإشغال الأوقات بوسائل الحياة فيها ونسيان الآخرة والاستعداد لها حتى أفضى بهم ذلك إلى ما قد وقع من التفرق والاختلاف والشحناء والتباغض والموالاة والمعاداة لأجل الدنيا
    __________
    (1) كلمة توجيهية وجهها سماحته للمسلمين عامة في عام 1376 هـ وقرئت في المساجد بعد صلاة الجمعة .
    (2) سورة الذاريات الآية 55
    (3) سورة المائدة الآية 2
    (4) صحيح مسلم الإيمان (55),سنن النسائي البيعة (4198),سنن أبو داود الأدب (4944),مسند أحمد بن حنبل (4/102).
    (5) صحيح البخاري المظالم والغصب (2314),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585),سنن الترمذي البر والصلة (1928),سنن النسائي الزكاة (2560).
    (6) صحيح البخاري الأدب (5665),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586),مسند أحمد بن حنبل (4/270).
    --------------------------------------------------------------------------------
    وحظوظها العاجلة وعدم رفع الرأس بأمر الآخرة والتزود لها , فنتج عن ذلك أنواع من الشرور منها مرض القلوب وموت الكثير منها ; لأن حياة القلوب وصحتها بذكر الله والاستعداد للقائه والاستقامة على أمره وخشيته ومحبته والخوف منه والرغبة فيما عنده , كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } (1) وقال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }(2) وقال تعالى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }(3) فحياة القلوب وصحتها ونورها وإشراقها وقوتها وثباتها على حسب إيمانها بالله ومحبتها له وشوقها إلى لقائه وطاعتها له ولرسوله ، وموتها ومرضها وظلمتها وحيرتها على حسب جهلها بالله وبحقه وبعدها عن طاعته وطاعة رسوله وإعراضها عن ذكره وتلاوة كتابه . وبسبب ذلك يستولي الشيطان على القلوب فيعدها ويمنيها ويبذر فيها البذور الضارة التي تقضي على حياتها ونورها وتبعدها من كل خير وتسوقها إلى كل شر كما قال الله تعالى : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }(4){ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } (5) وقال تعالى : { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } (6) وقال تعالى : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ } (7)
    _________
    (1) سورة الأنفال الآية 24
    (2) سورة الشورى الآية 52
    (3) سورة الأنعام الآية 122
    (4) سورة الزخرف الآية 36
    (5) سورة الزخرف الآية 37
    (6) سورة الحج الآية 53
    (7) سورة البقرة الآية 268
    --------------------------------------------------------------------------------

    وقال تعالى : { وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا } (1) فالواجب علينا جميعا هو التوبة إلى الله سبحانه والإنابة إليه , وعمارة القلوب بمحبته وخشيته وخوفه ورجائه والشوق إليه والإقبال على طاعته وطاعة رسوله , والحب في ذلك والبغض فيه وموالاة المؤمنين ومحبتهم ومساعدتهم على الحق وبغض الكافرين والمنافقين ومعاداتهم والحذر من خداعهم ومكرهم والركون إليهم ومد النظر إلى ما متعوا به من زهرة الدنيا الزائلة عن قريب , قال الله تعالى : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } (2) { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } (3) { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ }(4) { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } (5) { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } (6) وقال تعالى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (7) وقال تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }(8) وقال تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ } (9) وفي الحديث عنه
    __________
    (1) سورة الإسراء الآية 64
    (2) سورة الزمر الآية 54
    (3) سورة الزمر الآية 55
    (4) سورة الزمر الآية 56
    (5) سورة الزمر الآية 57
    (6) سورة الزمر الآية 58
    (7) سورة النور الآية 52
    (8) سورة الأنبياء الآية 90
    (9) سورة الفتح الآية 29
    --------------------------------------------------------------------------------

    صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله » (1) ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان » (2) ، ومتى أناب العباد إلى ربهم وتابوا إليه من سالف ذنوبهم واستقاموا على طاعته وطاعة رسوله ، جمع الله قلوبهم وشملهم على الهدى ونصرهم على الأعداء وأعطاهم ما يحبون وصرف عنهم ما يكرهون وجعل لهم العزة والكرامة في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } (3) وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } (4) { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } (5) { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }(6) وقال تعالى : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } (7) وقال تعالى : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (8) { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }(9) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
    وإني أنصحكم وأوصيكم ونفسي بأمور :
    الأمر الأول : النظر والتفكر في الأمر الذي خلقنا لأجله قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } (10) وقال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } (11) { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }(12) وقال تعالى : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } (13)
    __________
    (1) سنن أبو داود السنة (4599).
    (2) سنن أبو داود السنة (4681).
    (3) سورة محمد الآية 7
    (4) سورة الطلاق الآية 4
    (5) سورة الطلاق الآية 2
    (6) سورة الطلاق الآية 3
    (7) سورة المنافقون الآية 8
    (8) سورة الحج الآية 40
    (9) سورة الحج الآية 41
    (10) سورة سبأ الآية 46
    (11) سورة آل عمران الآية 190
    (12) سورة آل عمران الآية 191
    (13) سورة القيامة الآية 36
    --------------------------------------------------------------------------------

    أي مهملا لا يؤمر ولا ينهى , ولا شك أن كل مسلم يعلم أنه لم يخلق عبثا بل خلق لعبادة الله وحده وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (1) وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (2) وقد أمر الله سبحانه جميع الثقلين بما خلقهم لأجله وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان ذلك والدعوة إليه ، ثم قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ } (3) وقال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (4) وقال سبحانه : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } (5) وقال تعالى : { هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } (6) فالواجب على من نصح نفسه أن يهتم بالأمر الذي خلق لأجله أعظم اهتمام وأن يقدمه على كل شيء ، وأن يحذر من إيثار الدنيا على الآخرة وتقديم الهوى على الهدى وطاعة النفس والشيطان على طاعة الملك الرحمن ، وقد حذر الله عباده من ذلك أشد تحذير فقال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ طَغَى } (7) { وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } (8) { فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى } (9) { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } (10) { فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } (11)
    __________
    (1) سورة الذاريات الآية 56
    (2) سورة البقرة الآية 21
    (3) سورة البينة الآية 5
    (4) سورة النحل الآية 36
    (5) سورة النساء الآية 36
    (6) سورة إبراهيم الآية 52
    (7) سورة النازعات الآية 37
    (8) سورة النازعات الآية 38
    (9) سورة النازعات الآية 39
    (10) سورة النازعات الآية 40
    (11) سورة النازعات الآية 41
    --------------------------------------------------------------------------------

    الأمر الثاني : في الأمور التي أوصيكم ونفسي بها هو الإقبال على تلاوة القرآن العظيم والإكثار منها ليلا ونهارا مع التدبر والتفكر والتعقل لمعانيه العظيمة المطهرة للقلوب المحذرة من متابعة الهوى والشيطان ، فإن الله سبحانه أنزل القرآن هداية وموعظة وبشيرا ونذيرا ومعلما ومرشدا ورحمة لجميع العباد ، فمن تمسك به واهتدى بهداه فهو السعيد الناجي ومن أعرض عنه فهو الشقي الهالك . قال الله تعالى : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } (1) وقال تعالى : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } (2) وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } (3) وقال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ } (4) وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به » (5) فحث على كتاب الله ورغب فيه , وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : « إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله » (6) ، وقال صلى الله عليه وسلم : « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » (7) وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : « أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأتي بناقتين كوماوين في غير إثم أو قطع رحم ؟ فقالوا : كلنا يا رسول الله نحب ذلك ، قال : أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين في كتاب الله خير له من ناقتين ، وثلاث خير له من ثلاث ، وأربع خير له من أربع ، ومن أعدادهن من الإبل » (8) . وكل هذه الأحاديث أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
    والآيات والأحاديث في فضل القرآن والترغيب في تلاوته وتعلمه وتعليمه كثيرة معلومة . والمقصود من التلاوة هو التدبر والتعقل للمعاني ثم العمل بمقتضى ذلك كما قال تعالى :
    __________
    (1) سورة الإسراء الآية 9
    (2) سورة الأنعام الآية 19
    (3) سورة يونس الآية 57
    (4) سورة فصلت الآية 44
    (5) صحيح مسلم فضائل الصحابة (2408),مسند أحمد بن حنبل (4/367),سنن الدارمي فضائل القرآن (3316).
    (6) صحيح مسلم الحج (1218),سنن أبو داود المناسك (1905),سنن ابن ماجه المناسك (3074).
    (7) صحيح البخاري فضائل القرآن (4739),سنن الترمذي فضائل القرآن (2907),سنن أبو داود الصلاة (1452),سنن ابن ماجه المقدمة (211),مسند أحمد بن حنبل (1/69),سنن الدارمي فضائل القرآن (3338).
    (8) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (803),مسند أحمد بن حنبل (4/154).
    --------------------------------------------------------------------------------

    { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (1) وقال تعالى : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } (2) فبادروا - رحمكم الله - إلى تلاوة كتاب ربكم وتدبر معانيه وعمارة الأوقات والمجالس بذلك . والقرآن الكريم هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم الذي من تمسك به وصل إلى الله وإلى دار كرامته ومن أعرض عنه شقي في الدنيا والآخرة . واحذروا - رحمكم الله - ما يصدكم عن كتاب الله ويشغلكم عن ذكره من الصحف والمجلات وما أشبهها من الكتب التي ضررها أكثر من نفعها . وما دعته الحاجة إلى مطالعة شيء من ذلك فليجعل لذلك وقتا مخصوصا , وليقتصر على قدر الحاجة وليجعل لتلاوة كتاب الله وسماعه ممن يتلوه وقتا مخصوصا يستمع فيه كلام ربه , ويداوي بذلك أمراض قلبه ويستعين به على طاعة خالقه ومربيه المالك للضر والنفع والعطاء والمنع لا إله غيره ولا رب سواه .
    ومما ينبغي الحذر منه حضور مجالس اللهو والغناء وسماع الإذاعات الضارة ومجالس القيل والقال والخوض في أعراض الناس . وأشد من ذلك وأضر حضور مجالس السينما وأشباهها ومشاهدة الأفلام الخليعة الممرضة للقلوب الصادة عن ذكر الله وتلاوة كتابه , الباعثة على اعتناق الأخلاق الرذيلة وهجر الأخلاق الحميدة , إنها والله من أشد آلات اللهو ضررا وأعظمها قبحا وأخبثها عاقبة فاحذروها - رحمكم الله - واحذروا مجالسة أهلها والرضى بعملهم القبيح . ومن دعا الناس إليها فعليه إثمها ومثل آثام من ضل بها , وهكذا كل من دعا إلى باطل أو زهد في حق يكون عليه إثم ذلك ومثل آثام من تبعه على ذلك . وقد صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم , ونسأل الله أن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب .
    __________
    (1) سورة محمد الآية 24
    (2) سورة ص الآية 29
    --------------------------------------------------------------------------------

    الأمر الثالث : من الأمور هو تعظيم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والرغبة في سماعها والحرص على حضور مجالس الذكر التي يتلى فيها كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن السنة هي شقيقة القرآن وهي المفسرة لمعانيه والموضحة لأحكامه الدالة على تفاصيل ما شرعه الله لعباده . فيجب على كل مسلم أن يعظم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يحرص على حفظ وفهم ما تيسر منها , وينبغي له أن يكثر من مجالسة أهلها فإنهم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وقد قال الله تعالى : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } (1) وقال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ، قيل : يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال : حلق الذكر » (3) . قال أهل العلم حلق الذكر هي المجالس التي يتلى فيها كتاب الله وأحاديث رسوله عليه السلام ويبين فيها ما أحل الله لعباده وما حرمه عليهم وما يتصل بذلك من تفاصيل أحكام الشريعة وبيان أنواعها ومتعلقاتها . فاغتنموا - رحمكم الله - حضور مجالس الذكر وعظموا القرآن والأحاديث واعملوا بما تستفيدون منها واسألوا عما أشكل عليكم لتعرفوا الحق بدليله فتعملوا به وتعرفوا الباطل بدليله فتحذروه وتكونوا بذلك من الفقهاء في الدين . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين » (4) وقال صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (5) وقال صلى الله عليه وسلم : « من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده ، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه » (6) . والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه وأن يمن على الجميع
    __________
    (1) سورة النساء الآية 80
    (2) سورة الحشر الآية 7
    (3) سنن الترمذي الدعوات (3510),مسند أحمد بن حنبل (3/150).
    (4) صحيح البخاري العلم (71),صحيح مسلم الإمارة (1037),سنن ابن ماجه المقدمة (221),مسند أحمد بن حنبل (4/93),موطأ مالك الجامع (1667),سنن الدارمي المقدمة (226).
    (5) صحيح مسلم الأقضية (1718),مسند أحمد بن حنبل (6/256).
    (6) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699),سنن الترمذي القراءات (2945),سنن ابن ماجه المقدمة (225),مسند أحمد بن حنبل (2/252),سنن الدارمي المقدمة (344).
    --------------------------------------------------------------------------------
    بالفقه في الدين والقيام بحق رب العالمين وأن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن ومكائد الشيطان إنه سميع الدعاء قريب الإجابة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
    نصيحة عامة (أ) (1) .
    من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من إخواننا المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل أهل الإيمان وأعاذني وإياهم من مضلات الفتن ونزغات الشيطان آمين ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
    فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملا بقوله تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } (2) وقوله تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (3) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : « الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » (4) . إذا علمتم هذا فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله سبحانه وخشيته في السر والعلانية ، والتقوى هي وصية الله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } (5) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : « أوصيكم بتقوى الله » (6) وقد أمر الله عباده بالتقوى ووعدهم عليها مغفرة الذنوب وتفريج الكروب وتيسير الأمور والرزق الطيب من حيث لا يحتسبون قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (7) { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (8) وقال تعالى :
    __________
    (1) نصيحة قرئت على الناس في المساجد في عام 1368 هـ .
    (2) سورة الذاريات الآية 55
    (3) سورة المائدة الآية 2
    (4) صحيح مسلم الإيمان (55),سنن النسائي البيعة (4198),سنن أبو داود الأدب (4944),مسند أحمد بن حنبل (4/102).
    (5) سورة النساء الآية 131
    (6) سنن الترمذي العلم (2676),سنن أبو داود السنة (4607),مسند أحمد بن حنبل (4/126),سنن الدارمي المقدمة (95).
    (7) سورة الحشر الآية 18
    (8) سورة الحشر الآية 19
    --------------------------------------------------------------------------------
    { إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } (1) وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } (2) وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } (3){ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } (4) وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } (5) والآيات في الأمر بالتقوى والحث عليها وبيان ما أعد الله للمتقين من الخير العظيم في الدنيا والآخرة كثيرة معلومة ، والتقوى كلمة جامعة للخير كله وحقيقتها فعل ما أوجب الله على عباده من الطاعات واجتناب ما حرم عليهم من المعاصي ، والتواصي بذلك والتعاون عليه ، فمن فعل ما أوجب الله عليه من الطاعة واجتنب ما حرم عليه من المعصية ابتغاء مرضاة الله وحذرا من عقابه فقد اتقى الله حق تقواه وأفلح كل الفلاح . فالواجب علينا وعليكم يا إخواني تقوى الله سبحانه بفعل أوامره واجتناب نواهيه والتواصي بذلك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الطاقة . وقد رأيتم وسمعتم ما حصل بسبب الإخلال بالتقوى من قسوة القلوب وكثرة الغفلة عما أوجب الله على عباده وغلاء الأسعار وجدب كثير من البلاد وتأخر نزول الغيث عنها ، وليس لذلك دواء إلا الرجوع إلى الله ولزوم تقواه والتوبة إليه من سالف الذنوب والتواصي بذلك ، فمتى رجع العباد إلى الله سبحانه وأنابوا إليه واتقوه بفعل أمره وترك نهيه وتابوا إليه من ذنوبهم واستغاثوه وتضرعوا إليه بقلوب خاشعة وألسنة صادقة وخوف ورجاء أعطاهم ما يحبون ، وصرف عنهم ما يكرهون وأصلح قلوبهم وأعمالهم كما وعدهم الله بذلك في الآيات المذكورة والأحاديث المعلومة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
    __________
    (1) سورة الأنفال الآية 29
    (2) سورة الأعراف الآية 96
    (3) سورة الطلاق الآية 2
    (4) سورة الطلاق الآية 3
    (5) سورة الطلاق الآية 4
    --------------------------------------------------------------------------------
    ويدخل في التقوى أمور أعظمها وأكبرها إخلاص العبادات القولية والفعلية لله فلا يعبد العبد إلا ربه ولا يتوكل إلا عليه ولا يستغيث إلا به ولا يخاف إلا منه ولا يرجو إلا إياه ; لأن نواصي العباد وأزمة الأمور كلها بيده سبحانه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع كما قال تعالى : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } (1) وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (2) وقال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } (3) وقال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } (4)
    ومتى صرف العبد شيئا من العبادة لغير الله فقد أشرك بالله والشرك يحبط العمل ويوجب الخلود في النار قال الله تعالى : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (5) وقال تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } (6) ومن أعظم التقوى المحافظة على الصلوات الخمس وأداء الرجال لها في الجماعة وإقامتها في المساجد كما شرع الله ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } (7) وقال تعالى : { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } (8) وقد وعد الله المحافظين عليها بالفردوس الأعلى والكرامة في الجنات , كما قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } (9) { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } (10) إلى قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } (11) { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } (12) { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (13) وقال تعالى :
    __________
    (2) سورة الطلاق الآية 3
    (3) سورة الإسراء الآية 23
    (1) سورة هود الآية 123
    (4) سورة البينة الآية 5
    (5) سورة الأنعام الآية 88
    (6) سورة المائدة الآية 72
    (7) سورة البقرة الآية 238
    (8) سورة النساء الآية 103
    (9) سورة المؤمنون الآية 1
    (10) سورة المؤمنون الآية 2
    (11) سورة المؤمنون الآية 9
    (12) سورة المؤمنون الآية 10
    (13) سورة المؤمنون الآية 11
    --------------------------------------------------------------------------------
    { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } (1) { أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ } (2) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » (3) وقال صلى الله عليه وسلم : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » (4) . وقد علم في الدين أن الصلاة لا يحافظ عليها إلا مؤمن ولا يتخلف عنها إلا منافق , وقد ذم الله أهل النفاق وتوعدهم بالدرك الأسفل من النار قال الله تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى } (5) وقال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } (6) فوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت الذين يتخلفون عن الصلاة في المساجد , وفي المسند عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم » (7) وفي صحيح مسلم « أن رجلا أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي ؟ فقال عليه السلام : ( هل تسمع النداء بالصلاة ؟ ) قال : نعم ، قال : فأجب ، وفي لفظ : لا أجد لك رخصة » (8) وقال صلى الله عليه وسلم : « من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر » (9) فاتقوا الله عباد الله وعظموا الصلاة وأحكموها وحافظوا عليها في المساجد وتواصوا بذلك , وأنكروا على من تخلف عنها لتسلموا جميعا من غضب الله وعقابه وتفوزوا برحمته وكرامته في الدنيا والآخرة .
    ومن أعظم التقوى أيضا أداء الزكاة التي افترضها الله على عباده الأغنياء في أموالهم وجعلها طهرة لهم وإحسانا ومواساة لإخوانهم الفقراء , وتوعد من بخل بها بالعذاب الأليم , قال الله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } (10)
    __________
    (1) سورة المعارج الآية 34
    (2) سورة المعارج الآية 35
    (3) صحيح مسلم الإيمان (82),سنن الترمذي الإيمان (2620),سنن أبو داود السنة (4678),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078),مسند أحمد بن حنبل (3/370),سنن الدارمي الصلاة (1233).
    (4) سنن الترمذي الإيمان (2621),سنن النسائي الصلاة (463),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079),مسند أحمد بن حنبل (5/346).
    (5) سورة النساء الآية 142
    (6) سورة النساء الآية 145
    (7) صحيح البخاري الأذان (618),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (651),سنن الترمذي الصلاة (217),سنن النسائي الإمامة (848),سنن أبو داود الصلاة (548),سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (791),مسند أحمد بن حنبل (2/367),موطأ مالك النداء للصلاة (292),سنن الدارمي الصلاة (1212).
    (8) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653),سنن النسائي الإمامة (850).
    (9) سنن أبو داود الصلاة (551),سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793).
    (10) سورة التوبة الآية 103
    --------------------------------------------------------------------------------

    وقال تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (1) وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (2) وقد « أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من لم يؤد زكاة ماله عذب به يوم القيامة » . فاتقوا الله عباد الله وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم رجاء ثواب الله سبحانه وحذرا من عقابه وشكرا له على نعمه ورحمة لإخوانكم الفقراء وأبشروا بالخلف والأجر الجزيل كما قال تعالى : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } (3) وقال تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } (4) وأكثروا من صلاة النافلة وصدقة التطوع لأن النوافل تكمل بها الفرائض وتضاعف بها الأجور , والصلاة والصدقة من أعظم الأسباب في دفع العقوبات وتكفير السيئات ومضاعفة الحسنات .
    ومن أعظم التقوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا قوام للدين وأهله ولا صلاح لهم في معاشهم ومعادهم إلا بالقيام بذلك والتواصي به والصبر على ما فيه من المشقة , قال الله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (5) وقال تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (6) وفي هذه الآية
    __________
    (1) سورة النور الآية 56
    (2) سورة التوبة الآية 34
    (3) سورة سبأ الآية 39
    (4) سورة إبراهيم الآية 7
    (5) سورة آل عمران الآية 110
    (6) سورة التوبة الآية 71
    --------------------------------------------------------------------------------

    الدلالة الصريحة على أن العبد لا يكون من المؤمنين على الحقيقة الموعودين بالرحمة والفوز بالجنة إلا إذا اتصف بهذه الخصال المذكورة التي من أهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومتى ترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتساكتوا استحقوا المقت من الله واللعنة وحلول العقوبات كما قال تعالى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } (1) { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } (2) وفي سنن أبي داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال : إلى قوله ثم قال : كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ، أو لتقصرنه على الحق قصرا ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم » (7) . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه » (8) وقال صلى الله عليه وسلم : « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان » (9) . فاتقوا الله عباد الله وخذوا على أيدي سفهائكم وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر
    __________
    (1) سورة المائدة الآية 78
    (2) سورة المائدة الآية 79
    (3) سنن الترمذي تفسير القرآن (3047),سنن أبو داود الملاحم (4336),سنن ابن ماجه الفتن (4006).
    (4) سورة المائدة الآية 78 (3) { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ }
    (5) سورة المائدة الآية 79 (4) { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }
    (6) سورة المائدة الآية 80 (5) { تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ }
    (7) سورة المائدة الآية 81 (6) { فَاسِقُونَ }
    (8) سنن الترمذي الفتن (2168),سنن ابن ماجه الفتن (4005).
    (9) صحيح مسلم الإيمان (49),سنن الترمذي الفتن (2172),سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5008),سنن أبو داود الصلاة (1140),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275),مسند أحمد بن حنبل (3/10).
    --------------------------------------------------------------------------------

    لتسلموا جميعا من غضب الله وحلول نقمته . ومن أهم ذلك محاسبة كل عبد نفسه وإلزامها بتقوى الله وقيامه على من تحت يده من زوجة وأهل وخادم وإلزامهم بما أوجب الله عليهم وزجرهم عما حرم الله عليهم عملا بقوله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } (1) وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته » (3) . ومن المنكرات التي يجب على العباد إنكارها والحذر منها الزنا واللواط والسرقة والظلم والغيبة والنميمة واللعن والسباب والكبر وإسبال الثياب وحلق اللحى وأخذ شيء منها وإطالة الشوارب ، وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا وأكل أموال اليتامى وشرب المسكرات والانشغال بآلات اللهو كالسينما والرباب واستماع أصوات المغنيات والمزامير من الراديو وغيره والتهاجر والتقاطع والشحناء لأجل الدنيا وحطامها ، والغش وشهادة الزور واليمين الفاجرة والكذب وكثرة الحلف في المعاملات إلى غير ذلك من المنكرات التي نهى الله ورسوله عنها .
    فالواجب علينا وعليكم يا إخواني اجتناب هذه المنكرات وأشباهها والحذر منها والتحذير منها ، والتوبة إلى الله مما سلف منها لتفوزوا بجزيل الثواب وتسلموا من غضب الرب وحلول العقاب . والله المسئول أن يوفقني وإياكم لما يرضيه من القول والعمل وأن يثبتنا جميعا على دينه وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، وأن يوفق الله ولاة أمورنا لما يرضيه وأن يصلح بطانتهم وأن ينصر بهم الدين ويقمع بهم المفسدين ، إنه سميع الدعاء قريب الإجابة وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
    __________
    (1) سورة طه الآية 132
    (2) سورة التحريم الآية 6
    (3) صحيح البخاري الجمعة (853),صحيح مسلم الإمارة (1829),سنن الترمذي الجهاد (1705),سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2928),مسند أحمد بن حنبل (2/121).

    [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الثالث ص244-258]
يعمل...
X