الحمد لله ملك من شاء ونزع الملك ممن شاء ، وأعز من شاء وأذل من شاء، وأظهر بالنهار ما شاء وطمس بالليل ما شاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فاعلم أن الله سبحانه اصطفى رسلاً من خلقه فبعثهم بالدعوة إليه والصبر على ما نالهم من جهلة خلقه وامتحنهم بصنوف من البلاء وضروب من المحن واللأواء وكل ذلك تكريماً لهم غير تذليل وتشريفاً غير تخسير ولا تقليل.
وكان أرفع رسله عنده منزلة: أشدهم اجتهاداً وأخذاً في إمضاء أمره مع البلية بأهل دهره قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل } [ الأحقاف : 35 ]
وقال تعالى: { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ ص 17]
وقال عز وجل له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [ البقرة 214]
وقال عز وجل: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) } [ العنكبوت 1ـ3]
فلم يخل جل ثناؤه أحداً من مكرمي رسله وأنبيائه ومقربي أصفيائه وأوليائه من محنة في عاجلته دون آجلته يستوجب بصبره عليها ما أعد له من الدرجات التي قسم مصيره إليها وجعل سبحانه علماء الأمم الماضين خلفاء أنبيائهم المرسلين والقوام بما جاءوا به من الدين يرخصون عن أحكامه ويحامون عن حدوده وأعلامه يدفعون عنه كيد الشيطان ويحرسونه من الترك والنسيان لا يصدهم عن التمسك بالحق ولا يثنيهم عن التعطف على الخلق: سوء ما به ينالون توخياً لثواب الله الذي له يطلبون وفيه يرغبون .
ثم جعل سبحانه علماء هذه الأمة أفضل علماء الأمم قسماً وأوفرهم من الخيرات حظاً أعد لهم الكرامات وقسم لهم المنازل والدرجات مع ابتلائه سبحانه لمؤمنيهم بالمنافقين ولصادقيهم بالمكذبين ولخيارهم بالأشرار ولصالحيهم بالفجار وللأماثل الرفعاء بأوضع السفهاء، فلم يكن يثني العلماء ما يلقونه من الأذى عن القيام بحقوق الله تعالى في عباده وإظهار الحق في بلاده.
ألا وإن أهل السنة والأثر ومشايخهم الأبرار في اليمن عموماً وفي دار الحديث بدماج الأبية خصوصا ابتلاهم الله عز وجل بالروافض الأشرار بإيعاز ممن لا خلاق له في الدنيا والآخرة من اليهود والنصارى والإشتراكيين، ولا غرو في ذلك فهم آلة الغدر في كل زمان ومكان بل يعتبرون أعظم السيوف التي سلت على المسلمين وهم مع ذلك مقهورون و (كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله) حجتهم داحضة وشرهم مكشوف ودعوتهم بائرة
وليس المقصود هنا بيان ذلك فهو أشهر من نار على علم وقد علمه القاصي والداني.
وإنما هذا البيان لكشف ما جاء في بيان ما يسمون بعلماء اليمن أولئك النفر الذين عُرفوا بالتخذيل عن نصرة دار الحديث بدماج وسلق بعضهم لأهل السنة بألسنة حداد !
فقد جاء بيانهم هذه المرة بتحميل كلام علامة اليمن ومفتيها الناصح الأمين ما لا يحتمل بما يصدق أن يقال فيه (أحشفاً وسوء كيلة) مع التفنن في رمي المناصرين لأهل النسة من مكان بعيد بأن جهادهم غير مأذون به شرعاً، ويكأن أهل السنة سينتظرون بياناتهم المخذلة عن نصرة أهل السنة الشرفاء !.
افتتحوا مقالهم بالدعوة إلى الرحمة و الاستعطاف ورمي أهل السنة من طرف خفي أنهم لم يتعاملوا في القضية بما يقتضيه الكتاب والسنة من العدل و الرحمة، مع أن الأولى والحالة على ما يعرفه الصغير قبل الكبير والجاهل قبل العالم أن يفتتحوا مقالهم بما يشعر الرافضة في أهل السنة أنهم أعزة، وأنهم إن سكتوا لا يسكتون عن جبن وإن صبروا لا يصبرون عن عجز بما يتوافق مع قوله تعالى {وليجدوا فيكم غلظة} فإن للحرب كلاماً وللسلم كلاماً.
و قولهم : وليس من الحلول لهذه الفتنة ما دعا إليه الشيخ يحيى بن علي الحجوري أهل السنة في جميع المدن والقرى اليمنية بقوله : " من وجد حوثياً فليقتله أو يأسره أو يأخذه " أهـ
بيانهم هذا ليتوصلوا إلى هذه النقطة ومن تأمل صدر بيانهم علم هذا وفيه عليهم عدة مآخذ :
المأخذ الأول : لم يقل شيخنا بأن من وجد حوثياً فليقتله أو يأسره أو يأخذه وإن من الظلم البين لشيخنا يحيى تقويله ما لم يقل ولا غرو في هذا فهم يعتبرونه عدواً لهم فكان الأجدر بهم أن يأخذوا بما نصحوا به أهل السنة في صدر مقالهم هذا من العدل وتجنب الظلم والحيف !!
المأخذ الثاني : نص كلام شيخنا يحيى المنقول مبتورا عند الكوكبة ! : ومن كان لا قدرة له بالذهاب إلى هنا وإلى هنا واستطاع أن يقوم بمجهود له في بلده من القيام في وجه الرافضة هناك أعني من أسر أو قتل بعض رؤوسهم الذين يقومون بالفتنة في دماج فإنهم قد استباحوا دماء أهل دماج فينبغي أن تستباح دماؤهم في كل بلد.اهـ
وهذا عين الصواب فإن من أعلن الحرب على المسلمين وقتل الأبرياء والعلماء والرجال والنساء ولم يفرق بين صغير ولا كبير ولا شيخ عليل مع ما يصاحب ذلك من نقض للعهود والمواثيق وخرم للذمم فأحرى بالمحاربة ولا عهد له ولا ذمة !
قال العلامة قاضي قضاة المسلمين في عصره بدر الدين ابن جماعة رحمه الله في كتابه [تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام ص 182] .:
يجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من الكفار المحاربين سواء كان مقاتلاً أو غير مقاتل ، وسواء كان مقبلاً أو مدبراً ، لقوله تعالى "فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ" (التوبة : 5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ : فأما قتل الواحد المقدور عليه من الخوارج ؛ كالحرورية والرافضة ونحوهم : فهذا فيه قولان للفقهاء هما روايتان عن الإمام أحمد .
والصحيح أنه يجوز قتل الواحد منهم ؛ كالداعية إلى مذهبه ونحو ذلك ممن فيه فساد. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أينما لقيتموهم فاقتلوهم } وقال : { لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد } وقال عمر لصبيغ بن عسل : لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك . ولأن علي بن أبي طالب طلب أن يقتل عبد الله بن سبأ أول الرافضة حتى هرب منه .
ولأن هؤلاء من أعظم المفسدين في الأرض، فإذا لم يندفع فسادهم إلا بالقتل قُتلوا، ولا يجب قتل كل واحد منهم إذا لم يظهر هذا القول أو كان في قتله مفسدة راجحة .اهـ
ففتوى شيخنا يحيى لم تخرج عن هذا أبداً فاتركوا الجعجعة على حساب إخوانكم إن لم تنصروهم فلا أقل من كف ألسنتكم وسفهائكم عنهم ولله الأمر من قبل ومن بعد !
ولقد حصل من جراء فتوى شيخنا من البركات ما الله به عليم فقد ذعر الحوثي ومسه الخوف الشديد والهلع من أهل السنة، فمن كان عنده على سلاحه شعاراً أخفاه، ومن كان لابساً ما عليه شعارهم خلعه، ومن كان على جداره شعار الحوثيين بادر إلى طمسه ولقد خف شرهم وكثر خوفهم ورعبهم .
ولو أفتى شيخنا يحيى بقتل كل حوثي لما أفتى إلا وقد نظر نظرة ثاقبة مستمداً ومستدلاً بالكتاب والسنة ومراعاة للمصالح ودرءا للمفاسد ولأخذ أهل السنة بذلك ولسمعتم بمقتلهم صباح مساء لكن ذلك لم يحدث فكفوا عن شيخنا هذا الافتراء !.
وأما قولكم : ولكن من استطاع أن يذهب إلى دمّاج لدفع الظلم عن إخوانه فليفعل .اهـ
فهذا شيء عجيب !!
وهو إما نفي لوجود الحصار !!
أو ضرب من الهذيان هدفه ذر الرماد في عيون الأتباع الرعاع ويؤكده قولكم: وندعو جميع أهل السنة في المدن والقرى اليمنية من طلاب العلم وغيرهم إلى الاستمرار على طلب العلم والدعوة إلى الله.
فأما أهل الدماج فما ثم إلا الدعاء لهم وهو أقصى ما يستطيعونه وغير ذلك فلابد من الرجوع إلى العلماء ! اهـ
ويقصدون بالعلماء أنفسهم، ولو انتظر أهل السنة الشرفاء إلى بياناتكم لتمكنت الرافضة، ولصُفعتم بفتنتها ولكن سلم الله.
فاتقوا ودعوا أهل السنة وشأنهم وكفوا عنهم السفهاء، واعلموا بأن دين الله منصور ولا يحرم نفسه جهاد الرافضة وقد تهيأ له أسبابه إلا من سفه نفسه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَلَا يَفُوتُ مِثْلُ هَذِهِ الْغُزَاةِ إلَّا مَنْ خَسِرَتْ تِجَارَتُهُ وَسَفَّهَ نَفْسَهُ وَحُرِمَ حَظًّا عَظِيمًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى كَالْمَرِيضِ وَالْفَقِيرِ وَالْأَعْمَى وَغَيْرِهِمْ اهـ وقد حاله قريبا من هذا
وأبشر إخواني و أحبابي في ميادين الشرف بما قاله شيخ الإسلام _ رحمه الله _ : أَيْضًا فَكَوْنُ النَّبِيِّ قَاتَلَ مَعَهُ أَوْ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ : لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ مَعَهُمْ فِي الْغَزَاةِ بَلْ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَ النَّبِيَّ وَقَاتَلَ عَلَى دِينِهِ فَقَدْ قَاتَلَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قُتِلَ عَلَى دِينِهِ فَقَدْ قُتِلَ مَعَهُ وَهَذَا الَّذِي فَهِمَ الصَّحَابَةُ ؛ فَإِنَّ أَعْظَمَ قِتَالِهِمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَتَحُوا الْبِلَادَ شَامًا وَمِصْرًا وَعِرَاقًا ويمنا وَعَرَبًا وَعَجَمًا وَرُومًا وَمَغْرِبًا وَمَشْرِقًا وَحِينَئِذٍ فَظَهَرَ كَثْرَةُ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ فَإِنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوا وَأُصِيبُوا وَهُمْ عَلَى دِينِ الْأَنْبِيَاءِ كَثِيرُونَ وَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِبْرَةٌ لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ يُقَاتِلُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ يَغْزُونَ فِي السَّرَايَا وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُمْ : كَانُوا مَعَهُ يُقَاتِلُونَ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ } الْآيَةَ وَفِي قَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُواوَجَاهَدُوا مَعَكُمْ } الْآيَةَ . لَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَنْ يَكُونُ مَعَ الْمُطَاعِ أَنْ يَكُونَ مُشَاهِدًا لِلْمُطَاعِ نَاظِرًا إلَيْهِ .اهـ [ مجموع الفتاوى 1/60].
فأنتم تدافعون عن دينكم وعرضكم فالله الله في الثبات وعدم المبالاة بمثل هذه التخذيلات التي من أسبابها التهويل والتضخيم من شأن العدو كما قال الإمام ابن قيم الجوزية في اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية - (ج 1 / ص 13) :
فإذا رأى ضعيف البصيرة ما في الجهاد من التعب والمشاق والتعرض لإتلاف المهجة، والجراحات الشديدة، وملامة اللوام، ومعاداة من يخاف معاداته، لم يقدم عليه لأنه لم يشهد ما يؤول إليه من العواقب الحميدة والغايات التي إليها تسابق المتسابقون، وفيها تنافس المتنافسون. اهـ
ومن تأمل اليوم لحال المخذلين المتباكين على الدعوة _ زعموا _ تراهم يتشدقون ويشيدون بقوة الحوثي اللعين مع أنه وجماعته أمام أهل السنة جرذان لا قيمة لهم فهونوا على أنفسكم أيها المخذلون فقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بأن الطائفة المنصورة لا يضرها من خذلها ولا من خالفها فسواء علينا أنصرتم الحق أم خذلتموه فعلى أنفسكم ما تجنون والله المستعان
والحمد لله رب العالمين
وكان أرفع رسله عنده منزلة: أشدهم اجتهاداً وأخذاً في إمضاء أمره مع البلية بأهل دهره قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل } [ الأحقاف : 35 ]
وقال تعالى: { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ ص 17]
وقال عز وجل له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [ البقرة 214]
وقال عز وجل: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) } [ العنكبوت 1ـ3]
فلم يخل جل ثناؤه أحداً من مكرمي رسله وأنبيائه ومقربي أصفيائه وأوليائه من محنة في عاجلته دون آجلته يستوجب بصبره عليها ما أعد له من الدرجات التي قسم مصيره إليها وجعل سبحانه علماء الأمم الماضين خلفاء أنبيائهم المرسلين والقوام بما جاءوا به من الدين يرخصون عن أحكامه ويحامون عن حدوده وأعلامه يدفعون عنه كيد الشيطان ويحرسونه من الترك والنسيان لا يصدهم عن التمسك بالحق ولا يثنيهم عن التعطف على الخلق: سوء ما به ينالون توخياً لثواب الله الذي له يطلبون وفيه يرغبون .
ثم جعل سبحانه علماء هذه الأمة أفضل علماء الأمم قسماً وأوفرهم من الخيرات حظاً أعد لهم الكرامات وقسم لهم المنازل والدرجات مع ابتلائه سبحانه لمؤمنيهم بالمنافقين ولصادقيهم بالمكذبين ولخيارهم بالأشرار ولصالحيهم بالفجار وللأماثل الرفعاء بأوضع السفهاء، فلم يكن يثني العلماء ما يلقونه من الأذى عن القيام بحقوق الله تعالى في عباده وإظهار الحق في بلاده.
ألا وإن أهل السنة والأثر ومشايخهم الأبرار في اليمن عموماً وفي دار الحديث بدماج الأبية خصوصا ابتلاهم الله عز وجل بالروافض الأشرار بإيعاز ممن لا خلاق له في الدنيا والآخرة من اليهود والنصارى والإشتراكيين، ولا غرو في ذلك فهم آلة الغدر في كل زمان ومكان بل يعتبرون أعظم السيوف التي سلت على المسلمين وهم مع ذلك مقهورون و (كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله) حجتهم داحضة وشرهم مكشوف ودعوتهم بائرة
وليس المقصود هنا بيان ذلك فهو أشهر من نار على علم وقد علمه القاصي والداني.
وإنما هذا البيان لكشف ما جاء في بيان ما يسمون بعلماء اليمن أولئك النفر الذين عُرفوا بالتخذيل عن نصرة دار الحديث بدماج وسلق بعضهم لأهل السنة بألسنة حداد !
فقد جاء بيانهم هذه المرة بتحميل كلام علامة اليمن ومفتيها الناصح الأمين ما لا يحتمل بما يصدق أن يقال فيه (أحشفاً وسوء كيلة) مع التفنن في رمي المناصرين لأهل النسة من مكان بعيد بأن جهادهم غير مأذون به شرعاً، ويكأن أهل السنة سينتظرون بياناتهم المخذلة عن نصرة أهل السنة الشرفاء !.
افتتحوا مقالهم بالدعوة إلى الرحمة و الاستعطاف ورمي أهل السنة من طرف خفي أنهم لم يتعاملوا في القضية بما يقتضيه الكتاب والسنة من العدل و الرحمة، مع أن الأولى والحالة على ما يعرفه الصغير قبل الكبير والجاهل قبل العالم أن يفتتحوا مقالهم بما يشعر الرافضة في أهل السنة أنهم أعزة، وأنهم إن سكتوا لا يسكتون عن جبن وإن صبروا لا يصبرون عن عجز بما يتوافق مع قوله تعالى {وليجدوا فيكم غلظة} فإن للحرب كلاماً وللسلم كلاماً.
و قولهم : وليس من الحلول لهذه الفتنة ما دعا إليه الشيخ يحيى بن علي الحجوري أهل السنة في جميع المدن والقرى اليمنية بقوله : " من وجد حوثياً فليقتله أو يأسره أو يأخذه " أهـ
بيانهم هذا ليتوصلوا إلى هذه النقطة ومن تأمل صدر بيانهم علم هذا وفيه عليهم عدة مآخذ :
المأخذ الأول : لم يقل شيخنا بأن من وجد حوثياً فليقتله أو يأسره أو يأخذه وإن من الظلم البين لشيخنا يحيى تقويله ما لم يقل ولا غرو في هذا فهم يعتبرونه عدواً لهم فكان الأجدر بهم أن يأخذوا بما نصحوا به أهل السنة في صدر مقالهم هذا من العدل وتجنب الظلم والحيف !!
المأخذ الثاني : نص كلام شيخنا يحيى المنقول مبتورا عند الكوكبة ! : ومن كان لا قدرة له بالذهاب إلى هنا وإلى هنا واستطاع أن يقوم بمجهود له في بلده من القيام في وجه الرافضة هناك أعني من أسر أو قتل بعض رؤوسهم الذين يقومون بالفتنة في دماج فإنهم قد استباحوا دماء أهل دماج فينبغي أن تستباح دماؤهم في كل بلد.اهـ
وهذا عين الصواب فإن من أعلن الحرب على المسلمين وقتل الأبرياء والعلماء والرجال والنساء ولم يفرق بين صغير ولا كبير ولا شيخ عليل مع ما يصاحب ذلك من نقض للعهود والمواثيق وخرم للذمم فأحرى بالمحاربة ولا عهد له ولا ذمة !
قال العلامة قاضي قضاة المسلمين في عصره بدر الدين ابن جماعة رحمه الله في كتابه [تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام ص 182] .:
يجوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من الكفار المحاربين سواء كان مقاتلاً أو غير مقاتل ، وسواء كان مقبلاً أو مدبراً ، لقوله تعالى "فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ" (التوبة : 5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ : فأما قتل الواحد المقدور عليه من الخوارج ؛ كالحرورية والرافضة ونحوهم : فهذا فيه قولان للفقهاء هما روايتان عن الإمام أحمد .
والصحيح أنه يجوز قتل الواحد منهم ؛ كالداعية إلى مذهبه ونحو ذلك ممن فيه فساد. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أينما لقيتموهم فاقتلوهم } وقال : { لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد } وقال عمر لصبيغ بن عسل : لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك . ولأن علي بن أبي طالب طلب أن يقتل عبد الله بن سبأ أول الرافضة حتى هرب منه .
ولأن هؤلاء من أعظم المفسدين في الأرض، فإذا لم يندفع فسادهم إلا بالقتل قُتلوا، ولا يجب قتل كل واحد منهم إذا لم يظهر هذا القول أو كان في قتله مفسدة راجحة .اهـ
ففتوى شيخنا يحيى لم تخرج عن هذا أبداً فاتركوا الجعجعة على حساب إخوانكم إن لم تنصروهم فلا أقل من كف ألسنتكم وسفهائكم عنهم ولله الأمر من قبل ومن بعد !
ولقد حصل من جراء فتوى شيخنا من البركات ما الله به عليم فقد ذعر الحوثي ومسه الخوف الشديد والهلع من أهل السنة، فمن كان عنده على سلاحه شعاراً أخفاه، ومن كان لابساً ما عليه شعارهم خلعه، ومن كان على جداره شعار الحوثيين بادر إلى طمسه ولقد خف شرهم وكثر خوفهم ورعبهم .
ولو أفتى شيخنا يحيى بقتل كل حوثي لما أفتى إلا وقد نظر نظرة ثاقبة مستمداً ومستدلاً بالكتاب والسنة ومراعاة للمصالح ودرءا للمفاسد ولأخذ أهل السنة بذلك ولسمعتم بمقتلهم صباح مساء لكن ذلك لم يحدث فكفوا عن شيخنا هذا الافتراء !.
وأما قولكم : ولكن من استطاع أن يذهب إلى دمّاج لدفع الظلم عن إخوانه فليفعل .اهـ
فهذا شيء عجيب !!
وهو إما نفي لوجود الحصار !!
أو ضرب من الهذيان هدفه ذر الرماد في عيون الأتباع الرعاع ويؤكده قولكم: وندعو جميع أهل السنة في المدن والقرى اليمنية من طلاب العلم وغيرهم إلى الاستمرار على طلب العلم والدعوة إلى الله.
فأما أهل الدماج فما ثم إلا الدعاء لهم وهو أقصى ما يستطيعونه وغير ذلك فلابد من الرجوع إلى العلماء ! اهـ
ويقصدون بالعلماء أنفسهم، ولو انتظر أهل السنة الشرفاء إلى بياناتكم لتمكنت الرافضة، ولصُفعتم بفتنتها ولكن سلم الله.
فاتقوا ودعوا أهل السنة وشأنهم وكفوا عنهم السفهاء، واعلموا بأن دين الله منصور ولا يحرم نفسه جهاد الرافضة وقد تهيأ له أسبابه إلا من سفه نفسه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَلَا يَفُوتُ مِثْلُ هَذِهِ الْغُزَاةِ إلَّا مَنْ خَسِرَتْ تِجَارَتُهُ وَسَفَّهَ نَفْسَهُ وَحُرِمَ حَظًّا عَظِيمًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى كَالْمَرِيضِ وَالْفَقِيرِ وَالْأَعْمَى وَغَيْرِهِمْ اهـ وقد حاله قريبا من هذا
وأبشر إخواني و أحبابي في ميادين الشرف بما قاله شيخ الإسلام _ رحمه الله _ : أَيْضًا فَكَوْنُ النَّبِيِّ قَاتَلَ مَعَهُ أَوْ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ : لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ مَعَهُمْ فِي الْغَزَاةِ بَلْ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَ النَّبِيَّ وَقَاتَلَ عَلَى دِينِهِ فَقَدْ قَاتَلَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قُتِلَ عَلَى دِينِهِ فَقَدْ قُتِلَ مَعَهُ وَهَذَا الَّذِي فَهِمَ الصَّحَابَةُ ؛ فَإِنَّ أَعْظَمَ قِتَالِهِمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَتَحُوا الْبِلَادَ شَامًا وَمِصْرًا وَعِرَاقًا ويمنا وَعَرَبًا وَعَجَمًا وَرُومًا وَمَغْرِبًا وَمَشْرِقًا وَحِينَئِذٍ فَظَهَرَ كَثْرَةُ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ فَإِنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوا وَأُصِيبُوا وَهُمْ عَلَى دِينِ الْأَنْبِيَاءِ كَثِيرُونَ وَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِبْرَةٌ لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ يُقَاتِلُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ يَغْزُونَ فِي السَّرَايَا وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُمْ : كَانُوا مَعَهُ يُقَاتِلُونَ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ } الْآيَةَ وَفِي قَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُواوَجَاهَدُوا مَعَكُمْ } الْآيَةَ . لَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَنْ يَكُونُ مَعَ الْمُطَاعِ أَنْ يَكُونَ مُشَاهِدًا لِلْمُطَاعِ نَاظِرًا إلَيْهِ .اهـ [ مجموع الفتاوى 1/60].
فأنتم تدافعون عن دينكم وعرضكم فالله الله في الثبات وعدم المبالاة بمثل هذه التخذيلات التي من أسبابها التهويل والتضخيم من شأن العدو كما قال الإمام ابن قيم الجوزية في اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية - (ج 1 / ص 13) :
فإذا رأى ضعيف البصيرة ما في الجهاد من التعب والمشاق والتعرض لإتلاف المهجة، والجراحات الشديدة، وملامة اللوام، ومعاداة من يخاف معاداته، لم يقدم عليه لأنه لم يشهد ما يؤول إليه من العواقب الحميدة والغايات التي إليها تسابق المتسابقون، وفيها تنافس المتنافسون. اهـ
ومن تأمل اليوم لحال المخذلين المتباكين على الدعوة _ زعموا _ تراهم يتشدقون ويشيدون بقوة الحوثي اللعين مع أنه وجماعته أمام أهل السنة جرذان لا قيمة لهم فهونوا على أنفسكم أيها المخذلون فقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بأن الطائفة المنصورة لا يضرها من خذلها ولا من خالفها فسواء علينا أنصرتم الحق أم خذلتموه فعلى أنفسكم ما تجنون والله المستعان
والحمد لله رب العالمين
كتبه أبو عيسى علي بن رشيد العفري