إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سفر الحج للمرأة بلا محرم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سفر الحج للمرأة بلا محرم

    حكم حجّة المرأة
    بمحرم مؤقّت


    لأبي فيروز عبد الرحمن الإندونيسي
    غفر الله له


    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة

    الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأهل محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله أجمعين، وأما بعد:
    فقد جاء سؤال من أخ فاضل حفظه الله: ما حكم حجة المرأة بدون محرمها، وإنما يكون معها رجل أجنبي عيّنه ولي الأمر محرماً لها مؤقتاً؟
    فأقول مستعيناً بالله:

    الباب الأول: لا يجوز سفر المرأة بلا محرم

    إن الله تعالى قد شرع في هذا الدين كاملاً لمصالح عباده، وقد كبت للنساء محارمهنّ لسلامة أنفسهنّ وصيانة أعراضهنّ. والدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم». (أخرجه البخاري (1088) ومسلم (1339)).
    قال أبو الوليد الباجي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر» بمعنى التغليظ، يريد أن مخالفة هذا ليست من أفعال من يؤمن بالله ويخاف عقوبته في الآخرة ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم» يريد - والله أعلم - لأن المرأة فتنة، وانفرادها سبب للمحظور ؛ لأن الشيطان يجد السبيل بانفرادها فيغري بها ويدعو إليها. ويحتمل قوله صلى الله عليه وسلم «إلا مع ذي محرم» معنيين أحدهما: أن لا تسافر هذه المسافة مع إنسان واحد إلا أن يكون ذا محرم منها؛ لأنه مأمون عليها. والمعنى الثاني: أن لا تنفرد في مثل هذا السفر دون ذي محرم منها ؛ لأنه يحفظها ويجري إلى صيانتها لما ركب في طباع أكثر الناس من الغيرة على ذوي محارمهم والحماية لهم. ("المنتقى شرح الموطأ"/4 /ص434).
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وحكمته ظاهرة، فإن النساء لحم على وضم إلا ما ذبّ عنه، والمرأة معرضة في السفر للصعود والنزول والبروز، محتاجة إلى من يعالجها، ويمس بدنها، تحتاج هي ومن معها من النساء إلى قيم يقوم عليهن، وغير المحرم لا يؤمن ولو كان أتقى الناس؛ فإن القلوب سريعة التقلب، والشيطان بالمرصاد، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما». قال أحمد - في رواية الأثرم: لا تحج المرأة إلا مع ذي محرم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نهى أن تحج المرأة إلا مع ذي محرم» .
    وليس يشبه أمر الحج الحقوق التي تجب عليها؛ لأن الحقوق لازمة واجبة مثل الحدود وما أشبهها، وأمر النساء صعب جدا؛ لأن النساء بمنزلة الشيء الذي يذب عنه، وكيف تستطيع المرأة أن تحج بغير محرم؟ فكيف بالضيعة وما يخاف عليها من الحوادث؟!
    ولا يجوز لها أن تسافر بغير محرم إلا في الهجرة؛ لأن الذي تهرب منه شر من الذي تخافه على نفسها، وقد خرجت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وغيرها من المهاجرات بغير محرم، وفي حضور مجلس الحاكم؛ لأنه ضرورة يخاف منه أن يضيع حق المدعي، وفي التغريب لأنه حد قد وجب عليها. (انتهى من "شرح عمدة الفقه لابن تيمية" /من كتاب الطهارة والحج /2/ ص178).
    فوجود المحرم للمرأة إيجاب من الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في سفرهنّ، لحكمة عظيمة.

    الباب الثاني: هذه الأدلة عامّة تشمل جميع أنواع السفر، منها: سفر الحجّ

    إن هذه الأدلة المذكورة في الموضوع عامّة تشمل جميع أنواع السفر.
    قال الإمام النووي رحمه الله: فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك لرواية بن عباس المطلقة وهي آخر روايات مسلم السابقة: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم»، وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً، والله أعلم. ("المنهاج"/للنووي /9/ص103-104).
    ولا فرق هل المرأة شابّة أم العجوز، حسناء أم قبيحة، معها جمع من النسوة أم لا، آمنة أم غير آمنة، لعموم الدليل، ولأننا لا ندري ما يحدث بعدُ، فسدّ الله تعالى باب الفتنة وذريعة الشرّ تماماً رحمة لعباده، لو كانوا يفهمون.
    قال الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله: ثم الحديث عام للشابة والعجوز. وقال جماعة من الأئمة: يجوز للعجوز السفر من غير محرم. وكأنهم نظروا إلى المعنى فخصصوا به العموم. وقيل: لا يخصص بل العجوز كالشابة. وهل تقوم النساء الثقات مقام المحرم للمرأة؟ فأجازه البعض مستدلاً بأفعال الصحابة ولا تنهض حجة على ذلك؛ لأنه ليس بإجماع وقيل: يجوز لها السفر إذا كانت ذات حشم والأدلة لا تدل على ذلك. ("سبل السلام" /1/ص 608).
    وقال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: فكل ما يطلق عليه اسم سفر فإنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم خوفاً عليها من الفتنة والشر والبلاء. ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم فيما يدل على أنه يحرم أن تسافر المرأة بلا محرم. وظاهر الحديث أنه لا فرق بين المرأة الشابة والكبيرة والحسناء والقبيحة ومن معها نساء ومن لا نساء معها ومن هي آمنة وغير آمنة. فالحديث عام. وإذا قدر أن يوجد في سفر من الأسفار السلامة يقيناً فإن ذلك لا يوجد في كل سفر. ولما كانت المسألة خطيرة منعت المرأة منعاً باتاً من السفر بلا محرم.
    وقد تهاون بعض الناس اليوم في السفر بلا محرم ولاسيما في سفر الطائرة وكذلك النقل الجماعي، وهذا غلط وتهاون في طاعة الله ورسوله. فلا يحل للمرأة أن تسافر بلا محرم ولو بالطائرة، حتى لو كان محرمها سيشيعها إلى أن تركب الطائرة ومحرمها الثاني يقابلها في البلد الآخر فإن ذلك لا يجوز، لأننا مهما قدرنا من السلامة فإنه من يركب إلى جنب هذه المرأة؟ لأن النساء الآن في الطائرة لا يفرق بينهم وبين الرجال: تجد المرأة إلى جانب الرجل. لهذا نقول إنه يحرم على المرأة أن تسافر بلا محرم في الطائرة أو السيارة أو الجمل أو الحمار أو الأرجل، كل ذلك حرام.
    (انتهى من "شرح رياض الصالحين" /4/ص628-629).
    وكذلك في سفر الحجّ فإنه داخل تحت عموم الأدلة.
    قال الإمام الصنعاني رحمه الله: واختلفوا في سفر الحج الواجب فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز للشابة إلا مع محرم، ونقل قولا عن الشافعي أنها تسافر وحدها إذا كان الطريق آمناً. ولم ينهض دليله على ذلك. قال ابن دقيق العيد: إن قوله تعالى: ﴿ولله على الناس حج البيت﴾ [آل عمران: 97] عموم شامل للرجال والنساء. وقوله: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» عموم لكل أنواع السفر فتعارض العمومان، ويجاب بأن أحاديث: «لا تسافر المرأة للحج إلا مع ذي محرم» مخصِّص لعموم الآية. ("سبل السلام" /1/ص 608).
    ومما يقوّي ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم»، فقام رجل فقال: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة، قال: «اذهب فحج مع امرأتك». (أخرجه البخاري (3006) ومسلم (1341)).
    إن هذا الصحابي معيَّن عليه في تلك الغزوة فصارت واجبة عينية عليه، ومع ذلك ألغى النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الجهاد عنه من أجل سفر امرأته للحجّ. فهذا يدلّ على تأكيد حتم وجود المحرم مع المرأة في الحج.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهذه نصوص من النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم سفر المرأة بغير محرم، ولم يخصص سفرا من سفر، مع أن سفر الحج من أشهرها وأكثرها. فلا يجوز أن يغفله، ويهمله ويستثنيه بالنية من غير لفظ، بل قد فهم الصحابة منه دخول سفر الحج في ذلك لما سأله ذلك الرجل عن سفر الحج، وأقرهم على ذلك، وأمره أن يسافر مع امرأته، ويترك الجهاد الذي قد تعين عليه بالاستنفار فيه، ولولا وجوب ذلك لم يجز أن يخرج سفر الحج من هذا الكلام، وهو أغلب أسفار النساء، فإن المرأة لا تسافر في الجهاد، ولا في التجارة غالباً، وإنما تسافر في الحج، ولهذا جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - جهادهن.
    وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لها السفر إلا على وجه يؤمن فيه البلاء، ثم بعض الفقهاء ذكر كل منهم ما اعتقده حافظاً لها وصاينا، كنسوة ثقات، ورجال مأمونين، ومنعها أن تسافر بدون ذلك. فاشتراط ما اشترطه الله ورسوله أحق وأوثق.
    (انتهى من "شرح عمدة الفقه لابن تيمية" /من كتاب الطهارة والحج /2/ ص174-177).
    وقال القاضي بدر الدين العيني رحمه الله: ذكر ما يستفاد منه فيه: أن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم، وعموم اللفظ يتناول عموم السفر، فيقتضي أن يحرم سفرها بدون ذي محرم معها، سواء كان سفرها قليلا أو كثيرا للحج أو لغيره، وإلى هذا ذهب إبراهيم النخعي والشعبي وطاووس والظاهرية، واحتج هؤلاء أيضا فيما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة أن رسول الله قال: «لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم».
    وفيه: دلالة على أن حج الرجل مع امرأته إذا أرادت حجة الإسلام أولى من سفره إلى الغزوة لقوله صلى الله عليه وسلم: «أخرج معها»، يعني إلى الحج، مع كونه قد كتب في الغزو. وفيه: دلالة على اشتراط المحرم في وجوب الحج على المرأة.
    (انتهى من "عمدة القاري" /10/ص221-222).
    وقال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: ولم يستفصله النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كان معها نساء أم لا؟ ولا هل كانت شابة جميلة أم لا؟ ولا هل كانت آمنةً أم لا؟ والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم صونُ المرأة عن الشر والفساد، وحمايتها من أهل الفجور والفسق؛ فإن المرأة قاصرة في عقلها وتفكيرها والدفاع عن نفسها، وهي مطمعُ الرجال، فربما تُخدع أو تُقهر، فكان من الحكمة أن تُمنع من السفر بدون محرم يُحافظ عليها ويصونها؛ ولذلك يُشترط أن يكون المَحرَم بالغاً عاقلاً، فلا يكفي المحرم الصغير أو المعتوه. والمَحرَمُ زوج المرأة، وكل ذَكرٍ تَحرمُ عليه تحريماً مؤبداً بقرابةٍ، أو رضاع، أو مصاهرة. ("مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" /24/ص 258).
    وقال رحمه الله في شرح: «لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انطلق فحج مع امرأتك». فأطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن سفر المرأة بدون محرم، ولم يقيده بسفر دون سفر، ولا بامرأة دون أخرى، ولا بحال دون حال، ولم يستفصل الرجل عن امرأته. (انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" /24/ص 422).

    الباب الثالث: من محارم النساء؟

    من محارم النساء؟ قال الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 23[.
    قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: فالمحارم من القرابة سبعة:
    1- الأصول؛ وهم الآباء والأجداد وإن علوا، سواء من قِبَلِ الأب أو من قِبَلِ الأم.
    2- الفروع؛ وهم الأبناء وأبناء الأبناء وأبناء البنات وإن نزلوا.
    3- الإخوة؛ سواءٌ كانوا إخوةً أشقاء أم لأب أم لأم.
    4- الأعمام؛ سواء كانوا أعماماً أشقاء أم لأب أو لأم، وسواء كانوا
    أعماما للمرأة أو لأحد من آبائها أو أمهاتها، فإن عم الإنسان عم له ولذريته منهما نزلوا.
    5- الأخوال سواء كانوا أخوالا أشقاء أم لأب أم لأم، وسواء كانوا أخوالا للمرأة أو لأحد من آبائها أو أمهاتها، فإن خال الإنسان خال له ولذريته مهما نزلوا.
    6- أبناء الإخوة وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهم وإن نزلوا، سواء كانوا أشقاء أم لأب أم لأم.
    7- أبناء الأخوات وأبناء أبنائهن وأبناء بناتهن وإن نزلوا، سواء كن شقيقات أم لأب أم لأم.
    والمحارم من الرضاع نظير المحارم من النسب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يحرم من الرضاع من يحرم من النسب» . متفق عليه.
    * والمحارم بالمصاهرة أربعة:
    1- أبناء زوج المرأة وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا.
    2- آباء زوج المرأة وأجداده من قبل الأب أو من قبل الأم وإن علوا.
    3- أزواج بنات المرأة وأزواج بنات أبنائها وأزواج بنات بناتها وإن نزلن.
    وهذه الأنواع الثلاثة تثبت المحرمية فيهم بمجرد العقد الصحيح على الزوجة، وإن فارقها قبل الخلوة والدخول.
    4- أزواج أمهات المرأة وأزواج جداتها وإن علوا، سواء من قبل الأب أو من قبل الأم، لكن لا تثبت المحرمة في هؤلاء إلا بالوطء، وهو الجماع في نكاح صحيح، فلو تزوج امرأة ثم فارقها قبل الجماع لم يكن محرما لبناتها وإن نزلن.
    (انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" /24/ص258-260).

    الباب الرابع: شروط المحرم

    يشترط المحرم أن يكون المحرم بالغاً عاقلاً. فإن لم تجد المرأة لها محرماً بالغاً عاقلاً لم يجب عليها الحجّ. هذا هو الصواب.
    قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: ويشترط أن يكون المحرم بالغاً عاقلاً، فالصغير والمجنون لا يكفيان لجواز السفر معهما. وعلى هذا فإذا لم تجد المرأة محرما لم يجب عليها الحج؛ لأنها لا تستطيع إليه سبيلا. ("مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" /24/ص 422).

    الباب الخامس: لا يجوز السفر مع المحرم المؤقت

    هل يجوز السفر مع محرم مؤقّت فقط؟
    لا، بل المراد في تلك الأدلة: محرم مؤبّد، لا المحرم المؤقّت الذي في الغالب تحصل شهوة النكاح بينه وبينها.
    عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء» فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت». (أخرجه البخاري (5232) ومسلم (2172)).
    وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء». (أخرجه البخاري (5096) ومسلم (2740)).
    قال الشاعر:
    لا يأمنن على النساء أخ أخا ... ما في الرجال على النساء أمين
    إن الأمين وإن تحفظ جهده ... لا بد أن بنظرة سيخون
    (كما في "الفروع وتصحيح الفروع" /للمرداوي/8/ ص382).
    فلا يجوز أن يكون محرماً للمرأة في السفر إلا ما كان محرماً مؤبداً.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المراد بالمحرم في سفر النساء: هو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب، أو سبب مباح. وتسمية الزوج محرما تمسك بقوله: «لا تسافر المرأة إلا مع محرم». وفي أكثر الروايات «ذو محرم». ومعلوم أنها تسافر مع الزوج، فيتناوله اسم محرم، وربما لم يسمّ محرماً على ما جاء في أكثر الروايات: «إلا ومعها زوجها، أو ذو محرم منها». ("شرح عمدة الفقه لابن تيمية" /من كتاب الطهارة والحج /2/ص 180).
    وقال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: والمحرم هو من تحرم عليه تحريما مؤبدا بنسب أو مصاهرة أو رضاعة. ("شرح رياض الصالحين" /4/ص629).
    فإذا كان المحرم المؤقت الذي عيّنه الشرع لا يجوز أن يكون محرماً لها في السفر، فكيف برجل أجنبي عيّنه ولي الأمر محرماً لها مؤقّتاً؟ فهذا من باب أولى بالمنع والتحريم لمخالفته النصّ والقياس.
    قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾. ]سورة النساء: 59[.
    فيها دليل على وجوب طاعة ولاة الأمور في المعروف، لا في معصية الله.
    قال الإمام ابن كثير رحمه الله: والظاهر -والله أعلم-أن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء، كما تقدم. وقد قال تعالى: ﴿لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾(). وقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾(). وفي الحديث الصحيح المتفق عليه، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصا الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصا أميري فقد عصاني»().
    فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال تعالى: ﴿أَطِيعُوا الله﴾ أي: اتبعوا كتابه ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أي: خذوا بسنته ﴿وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ أي: فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، كما تقدم في الحديث الصحيح: «إنما الطاعة في المعروف»(). انتهى.)"تفسير القرآن العظيم" /2/ص 384/ط. دار الحديث).
    عَنْ عَلِىٍّ رضى الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُطِيعُونِى. قَالُوا: بَلَى. قَالَ فَاجْمَعُوا لِى حَطَبًا. فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا. فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا. فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ النَّارِ. فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ». (أخرجه البخارى (4340) ومسلم (1840)).
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاماً بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه. ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول إيذاناً بأنهم إنما يطاعون تبعاً لطاعة الرسول. فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة. ("إعلام الموقعين" /1/ص 48).
    والله تعالى أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين
    ماليزيا، 22 شعبان 1436 هـ
يعمل...
X