• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللقاء المفتوح بين الشيخين ربيع المدخلي ومحمد المدخلي - حفظهما الله تعالى-.والذي تمَّ انعقاده بمكَّة 6/11/1433هـ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللقاء المفتوح بين الشيخين ربيع المدخلي ومحمد المدخلي - حفظهما الله تعالى-.والذي تمَّ انعقاده بمكَّة 6/11/1433هـ


    اللقاء المفتوح بين الشيخ العلامة / ربيع المدخلي - حفظه الله تعالى -

    والشيخ / محمد بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى-.
    والذي تمَّ انعقاده بمكَّة المكرَّمة ليلة الأحد السابع من شهر ذي القعدة لعام ألف وأربعمائة وثلاث وثلاثين من هجرة النبي-صلى الله عليه وسلَّم-.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام أشرف الأنبياء والمرسلين - نبينا محمد - وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أمَّا بعد،

    فيسرُّ إخوانكم في مكَّة الترحيب بشيخنا العلَّامة ربيع بن هادي المدخلي والشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي-حفظهما الله-، لنستمع منهما التوجيهات والنصائح الغالية، فليتفضَّل شيخنا العلَّامة ربيع، وأهلًا وسهلًا ومرحبًا بالجميع.


    كلمة فضيلة الشيخ العلَّامة ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

    نسأل الله أن يكون هذا اللقاء الطيِّب المبارك على أساس العقيدة السلفيَّة والمنهج السلفي، وعلى أساس التحابِّ في الله والتوادِّ في الله والتآخي فيه، أرجو الله أن يكون هذا الاجتماع من هذا المنطلق الطيِّب. وإنِّي أوصي نفسي وأبنائي وإخواني الحاضرين بتقوى الله- تبارك وتعالى- في السر والعلن،

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)(الأحزاب:71).

    هذه من ثمار تقوى الله- تبارك وتعالى-، وثمار الصدق، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا…) ماذا يترتَّب على ذلك؟

    ، (…يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ…) وكان الله غفورًا رحيمًا.

    اتقوا الله أيها الشباب وراقبوه في السر والعلن يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم. وأوصيهم بالاعتزاز بكتاب الله وسنَّة رسوله-صلى الله عليه وسلَّم-في السرَّاء والضراء، في السرِّ والعلن، في الشدَّة والرخاء، في كل وقت من الأوقات يراقب المسلم ربه-سبحانه وتعالى-ويتَّقيه، ويخشاه، ويلجأ إليه، ويحبُّه، ويضرع إليه- سبحانه وتعالى- وحده، ويخلص له الدين، أوصيهم بهذا.

    وأوصيهم بالاهتمام بالتوحيد علمًا من مصادره الأساسيَّة، وعملًا وتطبيقًا صادقًا صحيحًا لهذه العقيدة الطيِّبة المباركة التي هي عقيدة الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام-، ما أرسل الله رسولًا إلَّا للدعوة إلى توحيد الله ومحاربة الشرك بالله-تبارك وتعالى-، والدعوة إلى طاعة الله-سبحانه وتعالى-وإلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه.

    فلنعرف هذا حقَّ المعرفة من كتاب الله، ومن سنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-، ومن كتب سلفنا الصالح الذين اهتموا أشد الاهتمام بالمنهج السلفي وعقائده وأصوله ومناهجه- رضوان الله عليهم -.

    خلَّفوا لنا تراثًا عظيمًا نعتزُّ به، ويجب أن ننهل منه-بارك الله فيك-عقائدنا وأخلاقنا وعباداتنا وعلاقتنا مع بعضنا البعض، خلَّفوا لنا هذا التراث العظيم في هذه المجالات، فعلينا أن ننهل من كتاب الله ومن سنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-ومن هذه المصادر التي نهلت كلَّما ورَّثوا من كتاب الله ومن سنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-ومن منهج الصحابة الكرام والسلف الصالح - رضوان الله عليهم -.

    أوصيهم بالتآخي في الله- تبارك وتعالى-، والتحابّ فيه والتوادّ والتواصل فيه- سبحانه وتعالى -، هذا أمر عظيم والله يرتب عليه جزاءًا عظيمًا عنده- تبارك وتعالى -، يقول يوم القيامة: (أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بجَلاَلِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي…)[1]،

    (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ…)

    وأرجوا أن تكونوا جميعًا من هذا الصنف من الشباب الذين نشئوا في عبادة الله وإخلاص الدين له.

    (وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)[2].

    فهذه أبواب سبعة في هذا الحديث ينبغي للشاب أن يطرقها ويسلكها-باركالله فيكم-، ليحظى بهذه المنزلة العظيمة عند الله-عزَّ وجل-أن يظلَّه الله بظله يوم لا ظل إلَّا ظله-سبحانه وتعالى-، والظل هذا هو: ظل عرش الله-تبارك وتعالى-، بعض الناس يقول: إنَّه ظل الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، هذا من إضافة المخلوق إلى الخالق-بارك الله فيكم-، مثل ناقة الله وبيت الله ورسول الله وأنبياء الله وأولياء الله هنا إضافة الخالق للمخلوق.

    رغم هذا-بارك الله فيكم- (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(آل عمران:103).

    الاعتصام بحبل الله أمر ضروري في حياة المسلم، لا بد أن يعتصم بحبل الله وهو كتاب الله وسنَّة رسول الله، يضيف إلى هذا رسول الله: (…فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)[3]

    وكلَّ ضلالة في النار.


    تمسَّكوا بهذا المنتهج العظيم علمًا وعملًا وتطبيقًا والتزامًا ودعوة إلى الله-تبارك وتعالى-، ومن هذا المنهج الولاء والبراء في الله-تبارك وتعالى-، الولاء والبراء في الله، توالي المؤمنين الصادقين المخلصين المتمسِّكين بكتاب الله وسنَّة رسوله، وتحبُّهم وتذبُّ عنهم وعن أعراضهم، وادفع عنهم شرَّ وغوائل الكافرين والمشركين وأهل الضلال المنحرفين لأنَّهم كلُّهم يستهدفون هذا المنهج السلفي وأهله، هذه الطوائف كلِّها من كفَّارها من يهودها من نصاراها، من، من، من، من المبتدعين، من الروافض، من الخوارج، من المعتزلة، من الصوفيَّة، من الأحزاب، كلهم يحاربون هذا المنهج وأهله.

    فعليكم بمنهج الولاء والبراء، توالون من التزم بكتاب الله وسنَّة رسول الله وتتبرءون مِمَّن خالف هذا المنهج وحاربه.

    أسأل الله- تبارك وتعالى- أن يجعلنا وإياكم مِمَّن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، واسأل الله أن يثبِّتنا على ما نقول، وأن يجعلنا من المعتصمين الصادقين فيه، إنَّ ربنا لسميع الدعاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.


    كلمة فضيلة الشيخ العلَّامة / محمد بن هادي المدخلي- حفظه الله - :

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، قيُّوم السموات والأراضين، وهو ولي عباده المؤمنين، وناصر من نصر دينه وسنَّة نبيِّه-صلى الله عليه وسلَّم-إلى يوم الدين.

    وأصلِّي وأسلِّم على عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين وحجَّة على خلق الله أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

    أمَّا بعد،

    فإنَّه لَمِن دواعي السرور أن نلتقي في هذه المدينة-مكة المعظَّمة-التي حرَّمها الله يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرِّمها الناس،

    في هذه الليلة- ليلة الأحد- الموافق لِلَّيلة السابعة من شهر ذي القعدة من سنة ثلاثٍ وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرته- صلوات الله وسلامه عليه -.


    نلتقي في هذه المدينة التي هي أفضل مدن الأرض على الإطلاق، إذ بها بيته، ومنها رسوله- صلى الله عليه وسلَّم-، نزل بها نور الوحي أوَّل ما نزل على رسوله-صلى الله عليه وسلَّم-في غار حراء المعروف.

    وثور ومن أرسى ثبيرًا مكانه……وراق ليرقى في حراء ونازل صلوات الله وسلامه عليه، منطلق الإسلام الأول، ويأرز إليها الإيمان في آخر الزمان كما صحَّ ذلك في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلَّم-: (لَيَأْرِزُ الإِيمَانُ إِلَى مَا بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ…) وهما مكَّة والمدينة، ولا يدخلهما الدجَّال.

    والحمد لله- جلَّ وعلا- على ما مَنَّ به من هذا اللقاء، وأسأله- جلَّ وعلا- أن يجعله لقاءً مباركًا نافعًا.

    أيها الإخوة في الله:

    إنَّه والله مِمَّا يَحُز في النفوس ويعظم في الصدور ما يتعرَّض له الإسلام من هجمة من أعدائه عليه، وعلى أهله، وعلى نبيِّه-صلى الله عليه وسلَّم-الذي بعثه الله رحمة للعالمين كما قال- جلَّ وعلا-:

    (وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ)(الأنبياء: 107).

    كنَّا ضلَّالًا فهدانا الله به - عليه الصلاة والسلام -، يتعرض هذا الدين وهذا النبي الكريم-صلى الله عليه وسلَّم- للهجمة الشرسة من أعداء كفَّار وليس ذلك بغريب عليهم

    (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)(الفرقان: 31)،

    وفي هذا بشارة من الله-جل وعلا-للهداية لِمَن وفَّقه، والنصرة لِمَن آمن به ونصر دينه-صلوات الله وسلامه عليه-.

    (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)(الصافات: 171-173).

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)(محمد:7-8)،

    فلهم التعاسة والإضلال، ومن أضلَّه الله-جلَّ وعلا-فلا تسأل عنه، فهؤلاء لن يبلغوا من نبيِّه- صلى الله عليه وسلَّم- شيئًا

    (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)(الحجر:95)،

    فليس ذلك بغريب فقد استهزئ به-صلى الله عليه وسلَّم-في حياته.

    وهذا ليس خاصًّا بنبيِّنا من عدوِّه-عليه الصلاة والسلام-بل قد شاركه الأنبياء-صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، فقد قال الله-جلَّ وعز-عن نوح مخبرًا عن حاله مع قومه:

    (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ…)(هود:38)،

    قال الله-جلَّ وعلا-مخبرًا على لسان نوح-عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام-في الرد عليهم:

    (…قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)(هود:38-39).

    هذه بشارة الله-جلَّ وعلا-لأوليائه وأنبيائه ورسله-صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-.

    والواجب علينا أمَّة الإسلام: أن ننظر في الطريق الشرعي الذي يردُّ به على هؤلاء، ولا يسلك الإنسان طريق العاطفة العاصفة التي لا يجني منها خيرًا وربَّما جنى شرًّا، فالله-سبحانه وتعالى-مظهر دينه على الدين كلِّه ولو كره المشركون.

    وليس ذلك بمستغرب على أعداء الله وأعداء الرسل-صلوات الله وسلامه عليهم-ضد هذا النبي وضد هذا الدين، لأنَّ الله-جلَّ وعلا-يقول:


    (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى…)(البقرة:120)،

    في الآية الأخرى (…قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ…)(آل عمران:73).

    والشاهد: إخبار الله لنا بأنَّ هؤلاء لا يرضيهم إلَّا أن نرتد على أعقابنا

    (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(آل عمران:101)،

    فهذا ليس بمستغرب من الكفار، إذ هم منذ أن فتح الله- جلَّ وعلا- على هذه الأمَّة ببعثته - عليه الصلاة والسلام - وهم ساعون في هذا المضمار، وكما خيَّب الله آمالهم في أول الأمر وعلى مَمَر العصور فسعيهم في تباب في هذه الأيام وفيما بعد ولله الحمد، ونحن مطمئنون إلى نصر الله-جلَّ وعلا-لدينه ولرسوله-صلى الله عليه وسلَّم-.

    ولكن الذي يَحُز في نفوس أهل الإسلام الصادقين مظاهرة أهل الأهواء على أهل الإسلام-على أهل السنَّة-، مظاهرتهم لأعداء الله على أهل الإسلام والإيمان وعسكر السنَّة والقرآن.

    وهذا قد جرى ما جرى منه كما هو مسطَّر في التاريخ، فالروافض وأعوانهم والباطنيَّة باختلاف مسمَّياتهم وفرقهم، كل هؤلاء كادوا ويكيدون للإسلام وأهله، يكيدون لأهل السنَّة والجماعة ولا يرقبون فيهم إلًّا ولا ذمَّة، نسأل الله-العافية والسلامة-.

    تقتيل، وتشريد، وتطريد، وتغريب إلى غير ذلك، أسر، تصفية بلغة هذا العصر قل ما شئت، وقد كنَّا نسمع ما يقرأ علينا في الكتب أو نقرأ بأنفسنا بعد أن تقدَّمنا، ورأينا أخبار هؤلاء وقرأنا من ضمنها قول قائل هؤلاء: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهَّـــار يعني بذلك الخليفة الفاطمي الباطني، فيسمِّيه بالواحد القهَّار، ويقول: ما شئت هو الذي يمضي لا ما شاءت الأقدار، ثمَّ أباد الله هذه الدولة الخبيثة-الدولة الباطنيَّة-ولم يعد لها ذكر ولله الحمد.

    والآخر الذي وقف يقول: أنـــا بـالله وبـالله أنـــا يخلق الخلـق وأفنيهــم أنــا ما في الجبَّة إلَّا الله وما الله إلَّا من في الجبَّة، قبَّحه الله، ويقتل المسلمين تحت الكعبة المعظَّمة هؤلاء هم القوم القرامطة، فعشنا حتَّى رأينا وسمعنا من يدَّعى له الألوهيَّة كفرعون (…مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي…)(القصص:38).

    فهؤلاء على مَرِّ العصور وكَرِّ الدهور ورَّثهم باقون، وقد كشفهم الله-جل وعلا-لأهل الإسلام والإيمان وعسكر السنَّة والقرآن بِمَا نقله عن هؤلاء في الأزمان السابقة العلماء الثقات الأثبات ودوَّنوه في كتب التاريخ الموثوقة.

    واليوم نحن نراه ونسمعه، نراه بأمِّ اعيننا ونسمعه بآذاننا: لا إله إلَّا بشَّار، فقل لهؤلاء الذين يقولون إنَّ هذه الفرق انتهت، فإنَّ في هذا أعظم رد على هؤلاء، ما بعد هذا الكفر شيء، هذا هو كفر فرعون لعنه الله.


    فهؤلاء يتوارثهم من يتوارثهم وهم باقون امتحانًا من الله وابتلاءً واختبارًا، وهؤلاء هم أعوان اليهود والنصارى-عبَّاد الصليب-على أهل الإسلام والإيمان.

    ولقد سمعت أنا بأذني تحقيقًا يتكلَّم فيه المتكلِّم باسم دولة اليهود يتخوَّف على دولة اليهود الغاصبة في بلاد فلسطين العزيزة-نسأل الله-جلَّ وعلا-أن يعيدها إلى أهل الإسلام شامخة عزيزة ويطهِّرها من أرجاس الشرك والبدع-، يتخوَّف من ذهاب حكومة الباطنيَّة، ويقول: (…لا ندري من الذي سيأتينا إن ذهبت حكومة بشَّار فنحن نخشى من الإسلام الأصولي…).

    سمعت هذا بأذني يعني: يخشى من الإسلام الحق، فهم آمنون بوجود هؤلاء، لأنَّهم يعلمون أنَّ هؤلاء هم أنصارهم، وهم الدفع الأول الذي يدفعون به عن أنفسهم، كما قال شيخ الإسلام-رحمه الله تعالى-عن نصارى بلاد الشام والنصيرية في بلاد الشام أنَّهم لَمَّا دخل الصليبيون ظاهروهم على المسلمين، وركبوا ظهور المسلمين قتلًا وحوَّلوا مساجدهم إلى اسطبلات لخيول النصارى، فليس ذلك بغريب عليهم، فهؤلاء الكفرة وأمثالهم لا ينتظر منهم إلَّا هذا ونسأل الله-جلَّ وعلا-بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يطهِّر بلاد الشام منهم وأن يعلي راية الإسلام والسنَّة فيها.

    بلاد الشام التي كانت تزخر بأئمَّة الهدى وأئمَّة السنَّة في الأعصار الأولى في صدر الإسلام، وكذلك في الأعصار التي مَرَّت عليها متعاقبة في عصر شيخ الإسلام ابن تيميَّة-رحمه الله-والمزي وابن كثير وابن القيِّم وابن عبد الهادي والذهبي وأمثال هؤلاء-رحمهم الله جميعًا-، ونحن نرتقب النصر، ونصر الله قريب-سبحانه وتعالى-ولا نيأس من روح الله.

    وأعجب من هذا فهؤلاء أمرهم ظاهر، أعجب من هؤلاء من يزعم السنَّة وهو يحارب أهلها في كلِّ مجال ويدَّعي أنَّه الذي يحمل راية الوسطيَّة بينما تجده مع الخوارج في مظاهراتهم وفي ساحاتهم، تجده مع المختلطين وأهل الاختلاط ودعاة الاختلاط، قل ما شئت: مختلطين، مخلِّطين، دعاة إلى الخلط والاختلاط، تجده معهم ويدافع عنهم ويحسِّن من أمرهم، ولَمَّا كشفه الله إذا به يسكت؟، لا ما يسكت يرفع عقيرته ويزعم أنَّه قد أذن بالرد عليه.

    طيب أنت الذي أضللت كثيرًا من الناس بمدحك له أين توبتك؟، أين قول الله-جلَّ وعلا-: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ…) ما قال بيِّن عنهم، قال: وَبَيَّنُواْ، (…فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(البقرة:160).

    وقوف مع دعوة وحدة الأديان ونحوها ضد أهل السنَّة والقرآن، ظهور في قنوات الروافض ورَّاث الشياطين، ودعوة الروافض معروفة يظهر في قنواتهم ومع ذلك يزعم أنَّه سلفي!، أي سلفيَّة هذه؟، تظهر في قناة الرافضة-قناة حزب الشيطان-وتحارب أهل السنَّة وبعد ذلك تزعم أنَّ هؤلاء غلاة.

    والله لقد برَّأهم الله من الغلو، وما حارب الغلو إلَّا هؤلاء، فهم أول من وقف لغلاة الخوارج في هذا العصر الحديث، مشايخ السنَّة ودعاة السنَّة الحقيقيين شيوخ المدينة هم أوَّل من حارب غلو الخوارج المعاصرين في هذا العصر، وهم أول من حارب غلو المبدِّعين المتمثِّل في الحدَّادية ومن معها، فلا تركوا غلاة الخوارج من الإخوانيين السروريين القطبيين المعاصرين، ولا تركوا أيضًا غلاة المبدِّعين بالباطل، مبدِّعين لأئمَّة الإسلام، وطاعنين في أئمَّة الإسلام، فوقفوا في وجه غلاة المكفِّرين-خوارج هذا العصر-، ووقفوا في وجه غلاة المبدِّعين بالجهل، فقاموا بنصرة السنَّة.

    ولَمَّا ركب هؤلاء سلَّم الضياع والانحلال في صفوف الإخوان المسلمين والصوفيَّة والروافض ودعاة الأحزاب السياسيين فأنكر عليهم هؤلاء الأشياخ رموهم بأنَّهم غلاة، وهم والله هم القائمون بنصرة الدين حقًّا وما بالوا في هذا بقول قائل، ومواقفهم ولله الحمد شاهدة ناصعة.


    يدعون إلى كتاب الله وإلى سنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-، يدعون إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-، لِمَا كان عليه سعيد بن المسيِّب-رحمه الله-والزهري وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وابن سيرين والحمَّادين والسفيانين والنخعي إبراهيم وعلقمة والأسود أصحاب ابن مسعود والاوزاعي.

    ثمَّ بعد هؤلاء أحمد بن حنبل-رحمه الله-ومن كان معه كابن مهدي وابن المديني وابن معين والبخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي وابن ماجة والآجري وعبد الله بن أحمد وهكذا إلى عصر شيخ الإسلام ابن تيميَّة-رحمه الله تعالى-ومدرسته مِمَّن ذكرت أسماءهم آنفًا، وهكذا إلى عصر سيخ الإسلام محمد بن عبد الوهَّاب-رحمه الله تعالى-ومدرسته من أبنائه وتلاميذه وأحفاده كعبد الله بن محمد بن عبد الوهَّاب الحبر بن الحبر، وسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهَّاب.

    والمجدد الثاني عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهَّاب، والشيخ حسين والشيخ علي هؤلاء أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب، والشيخ حمد بن معمَّر وهلمَّ جرَّا إلى الشيخ حمد بن عتيق والشيخ سعد بن عتيق والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبد اللطيف، سليمان بن سحمان.

    وهؤلاء وأمثالهم وخاتمتهم في هذه البلاد من فحول العلماء شيخ الإسلام في هذه الأعصار شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز-رحمهم الله تعالى جميعًا-، الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-، ومحدِّث هذا العصر على الإطلاق وإن رغمت أنوف حامل راية السنَّة والحديث وباعث نهضته ومعلي علومه بأمر الله في هذا العصر الشيخ ناصر الدين الألباني-رحمهم الله جميعًا-.

    هؤلاء هم الذين يسيرون على طريقهم، لأنَّهم متَّبعون لا مبتدعون سائرون في ذلك على قول ابن مسعود: (من كان مستنًّا فليستنَّ بِمَن قد مات فإنَّ الحي لا تؤمن عليه الفتنة)، فنسأل الله-جلَّ وعلا-أن يثبِّتنا وإيَّاكم.

    هؤلاء هم الذين قاموا بنصرة السنَّة والدفاع عنها والذبِّ عنها، وهؤلاء الذين يتَّهمونهم بالغلو لا نجد منهم إلَّا الدفاع عن الإخوان المسلمين وعن التبليغ وعن الصوفيَّة وعن الروافض وعن التكفير، وللأسف ويزعمون أنَّهم يحاربون التكفير.


    بل بعد ذلك رأينا في هذه الآونة وللأسف وهذا من أعجب العجب بل هو من نصرة الله لأهل السنَّة الصادقين، رأينا من يزعم أنَّ من لا يبدِّع جهم بن صفوان فخذ العلم عليه، السلف أطبقوا على كفره واستجهلوا من لم يكفِّر الجهميَّة، البخاري في خلق أفعال العباد يقول: أنا أستجهل من لم يكفِّر الجهميَّة، إذا كان يعرف أمرهم يستجهل من لم يكفِّرهم.

    وهذا يقول: لا بأس خذ العلم عمَّن لم يبدِّع جهمًا!، ما هو الجهميَّة، الجهم رأس الكفر والضلال ويزعم أنَّه مختص في العقيدة وأنَّ غيره لا يعرف العقيدة، جهم بن صفوان الذي أجمعت الأمَّة على كفره.

    لله زائرة بالليل لم تخـــف......عسس الأمير ومرصد السجــان
    سارت وكان دليلها في سيرها......سعد السعود وليس بالدبـــران
    وأتت على وادي العقيق فجاوزت......ميقاته حـــلا بلا نكــران
    وأتت على الجمرات ثم تيممت......ذات الستور وربة الاركــــان
    إن كنت كاذبة الذي حدثتني......فعليك إثم الكاذب الفتــــــان
    جهم بن صفوان وشيعته الألى......جحدوا صفات الخالق الديــــان
    بل عطلوا منه السموات العلى......والعرش أخلوه من الرحمـــــن
    هذا هو الجهم وبشر وجعد وأمثالهم، الجهميَّة هؤلاء لا بأس تأخذ العلم عمَّن لم يبدِّعهم.

    وأعجب من ذلك وأعجب أن يقال: إذا كان هذا عالم وعنده علم وعنده سنَّة وصاحب سنَّة ومعرفة بالسنَّة فلا بأس أن تأخذ عليه العلم ولو لم يبدِّع جهم بن صفوان، أين يكون هذا العالم وبهذه الصفات وبهذه الشروط؟، عالم صاحب سنَّة وعنده علم بالسنَّة وما يبدِّع جهم بن صفوان؟، والسلف استجهلوا من لم يكفِّر الجهميَّة.

    وهذا يدافع عمَّن لم يبدِّع جهمًا، السلف ما قبلوا تبديع جهم كما ذكر ذلك الإمام أحمد-رحمه الله-حينما قيل له في مسألة اللفظ أنَّ أبا ثور قال: هذا مبتدع، قال: مبتدع؟!، إيش هذا مبتدع؟!، هذا قول جهم، يعني أعلى من مبتدع هذا كفر، وهذا يقول: من لم يبدِّع الجهميَّة خذ عنه، فهؤلاء والله أشد وأنكى على أهل السنَّة.

    فكما أنَّ أهل البدع أشد على أهل الإسلام من العدو الظاهر الخارج من الكفَّار والمشركين فهؤلاء أشد على أهل السنَّة من أهل البدع الظاهرين، لأنَّ فتنتهم في صفوف أهل الإسلام والسنَّة العظيمة، وفتكهم في صفوف أهل السنَّة عظيم، ولكن الله-جل وعلا-ينصر دينه ويعلي سنَّة نبيِّه-صلى الله عليه وسلَّم-.

    هؤلاء يتبجَّحون بأنَّهم يعرفون السنَّة، وأنَّهم يخدمون السنَّة وقد مضى على احدهم ثلاثين سنَّة في تحقيق كتب السنَّة، وإذا به يأتي كما قال الإمام الشوكاني بسلحة كسلحة الديك، بل هي أنجس عندي فيزعم أن البخاري كان مرجئًا، حينما يقول البخاري-رحمه الله-: (المعرفة عمل القلب)، فيختلط على صاحبنا الذي يزعم لنفسه ويزعم أنَّ هذه العبارة مثل قول المرجئة (الإيمان هو المعرفة).

    وهذا يدل إن دل على أنَّ العلم لا يؤخذ بالمصاحبة فقط هكذا من غير تعلُّم، لا بدَّ من علم، وإنَّمَا التعليم بالتعلُّم والحفظ والتدقيق والتَّفهُّم، لا بد من تعلُّم، هؤلاء ما تعلَّموا، نعم أخذوا الثقافة العامَّة نعم، أمَّا تعلُّم علم على أصوله ما أخذوه.

    نعم محقِّقون لأنَّ باب التحقيق أصبح الآن سلعة وظيفة يتكسَّب من ورائها، فهؤلاء هم وأمثالهم أشد على السلفيين على أتباع السلف الصالح على أهل الأثر أشد عليهم من المبتدعة الظاهرين.

    لأنَّهم يرفعون راية الوسطيَّة كما يزعمون، ويحاربون كما يقولون الغلو ويقعون في هذا الذي ذكرت لكم الجهميَّة يقعون فيها مع هذا، ومع رؤوس الخوارج في هذا العصر، ومع هذا كلُّه يزعمون أنهم على السنَّة وأنَّهم هم الذين اختصُّوا في العقيدة.

    فالمختص في العقيدة يقول مقالته في الجهميَّة، والمختص بخدمة السنَّة لا يفرِّق بين قول المرجئة وقول البخاري الذي هو اعتقاد أهل السنَّة قاطبة، فإلى الله المشتكى.


    وقديمًا قيل:
    تَصَدَّرَ للتَّدريسِ كُلُّ مُهَوّس......بَليدٍ يسَمَّى بِالفَقيهِ الْمُدَرِّسِ
    فَحُقَّ لأهلِ العِلمِ أنْ يَتَمَثَّلُوا......بِبَيْتٍ قَديمٍ شاعَ في كُلِّ مَجْلِسٍ
    لَقَدْ هَزِلَتْ حتى بَدا مِنْ هُزَالِها......كُلاها وحتى سامَها كُلُّ مُفْلِسِ
    فأي إفلاس بعد أن لا تعرف الفرق بين قول أهل السنَّة في الإيمان وقول المرجئة؟، وأي إفلاس بعد أن تخالف إجماع أهل السنَّة في تكفير الجهميَّة وعدم قبولهم للتبديع فقط مجرَّد التبديع قاموا على صاحبه ولم يرض منه إلَّا بالتكفير، فهذا يصل إلى هذا المستوى ويزعم أنَّه هو الذي على العقيدة الصحيحة ويدَّرس العقيدة ومختص في العقيدة!.

    فإذا كان هؤلاء هذا حالهم فأمرهم في التلبيس على الناس عظيم، فيجب القيام عليهم بنصيحتهم فإن أبوا مثل من ذكرت في هاذين المثالين فيجب الاحتساب لله-جلَّ وعز-في نصرة سنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-، وإذا علم الله منك الصدق والله ما يخذلك أحد وليهيِّأن الله لك من ينصرك، ولو خذلت في حين النصر لك بإذن الله-تبارك وتعالى-.

    أسأل الله-جلَّ وعلا-أن يرزقنا وإيَّاكم جميعًا العلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين والبصيرة فيه والثبات على الحق حتَّى نلقاه إنَّه جواد كريم،

    وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وأنا أستميح شيخنا ولكن عذري أنَّ الإخوة قد طلبوا منِّ الكلمة وإلَّا والله ما كان لي أن أتكلَّم بين يدي الشيخ فجزاه الله عنَّا وعنكم وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء بِمَا يقوم به من نصرة السنَّة والتأليف في الذبِّ عنها، وكسر وقمع من خالفها، فهذه هي المنقبة والله.

    أسأل الله-جلَّ وعلا-أن يثبِّته على ذلك وأن يختم لي وله ولكم جميعًا بخير، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد.


    السؤال الأول:


    يقول السائل:

    لو تفضَّلتم شيخنا الشيخ ربيع بتفسير قوله-تعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…)(النحل:125).


    الجواب:


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

    الله-تبارك وتعالى-أرسل الرسل أفضل البشر، وأعلاهم منزلة، وأفضلهم أنسابًا، اختارهم لدعوة أمَمِهم إلى توحيد الله-تبارك وتعالى-، وكانوا يدعون إلى الله-تبارك وتعالى-بالحكمة والموعظة الحسنة.

    الحكمة هي: العلم. فالداعي بالعلم والحجة والبرهان داعٍ إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

    ورسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-أعظم الناس أخلاقًا وأعلاهم علمًا وحكمة-عليه الصلاة والسلام-، وقد دعا إلى الله-تبارك وتعالى-في مكَّة والمدينة بالحجة والبرهان، وهو أفصح الناس-عليه الصلاة والسلام-.

    ومع ذلك لا تجدي هذه الحكمة والموعظة الحسنة عند أهل الضلال من الوثنيين وأهل البدع، فيلجأ أنبياء الله أحيانًا إلى القوة، سخروا من نوح-عليه السلام-وهو يصنع الفلك (…قَالَ إِن تـَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)(هود:38).

    ودعاهم إلى الله ألف سنة إلَّا خمسين عامًا ليلًا ونهارًا وسرًا وجهارًا بالحجج والبراهين الواضحة القاطعة، ومع ذلك يصرُّون على الشرك بالله والكفر به وعبادة الأوثان، فاضطر نوح إلى أن يدعو عليهم


    (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا)(نوح:26-27)، فدعا عليهم فأهلكهم الله-تبارك وتعالى-.

    أهلكهم بالطوفان وقال الله فيهم الخبثاء: (وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى)(النجم:52)، كم صبر عليهم نوح-بارك الله فيكم-وهم يسخرون منه، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)(الأنبياء:25)، يجاوبه هؤلاء الخبثاء في دعوتهم إلى الله وإلى التوحيد بالسخريَّة (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ)(الزخرف:7)،

    فيضطر حينئذ الرسول الكريم من الرسل الكرام-عليهم الصلاة والسلام-أن يشتدَّ عليهم. والرسول-عليه الصلاة والسلام-كما قال الشاعر:
    دعا المصطفى دهرًا بمكــة لم يجــب……وقـد لان منـه جانبوخطـــاب
    فلما دعا والســيف صلــت بكفه……له أسلمـوا واستسلمــوا وأنابــوا
    فقد يضطَّر الداعية يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن يواجه مواقف تضطره إلى أن يقول بشدَّة ويتكلَّم بشدة-بارك الله فيك-.

    فإذا تكلَّم بشدَّة السلفي إذا دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة دهرًا ثمَّ اشتد في بعض المناسبات مسحوا كلَّ جهوده هذه وصبره وحلمه وحكمته، دفنوها تمامًا وأظهروه أنَّه متشدِّد-بارك الله فيكم-.

    الشدَّة في بعض الأحيان مطلوبة:

    (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(التوبة:73)،

    بارك الله فيكم.

    فالله-سبحانه وتعالى-دعاه إلى أن يشتدَّ على أعدائه من الكفار والمنافقين، لِمَاذا؟، دعاهم ودعاهم ودعاهم باللين والحكمة فما بقي إلَّا السيف-بارك الله فيك-واللسان الصارم، والعمل الحاسم.

    وأنا أظن أنَّ السائل والله أعلم رأى أنَّ في الكلام شدَّة فسأل هذا السؤال يدعونا إلى الحكمة، والله أعلم، هداه الله، هذا منهج الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام-ومنهج السلف الصالح-رضوان الله عليهم-.

    الصحابة كانوا قد يشتدُّون إذا دعت الحاجة إلى ذلك يلينون ثمَّ قد يشتدُّون-بارك الله فيك-، وإذا قرأت للسلف الصالح فيما كتبوه ضد أهل البدع ترى عندهم شدَّة، وكان حمَّاد بن أبي سلمة شديدًا على أهل البدع والضلال، فكانت هذه الشدَّة مزيَّة من مزاياه، فكان أئمَّة الإسلام مثل أحمد بن حنبل وغيره يجعلونه مقياسًا لأهل الباطل-يميزون به أهل الباطل-، إذا سمعت الرجل يطعن في حمَّاد بن سلمة فاتهمه على الإسلام.

    وجعلوا من أئمَّة الإسلام مقاييس فارقة بين أهل السنَّة وبين أهل الضلال، نسأل الله أن يرزقنا وإيَّاكم الحكمة، والحكمة هي العلم، والدعوة إلى الله باللطف والحكمة والصبر الجميل ثمَّ عند الشدَّة لا يلام إذا اشتدَّ الإنسان في وجه أهل الباطل.

    أسأل الله أن يفقهنا وإياكم في دينه إنَّ ربنا لسميع الدعاء.


    السؤال الثاني:


    يقول السائل: هل يبدأ الطالب في دراسة الفقه بكتب الفقهاء أو بكتب أحاديث الأحكام؟.


    فضيلة الشيخ العلَّامة محمد بن هادي المدخلي- حفظه الله - :



    الجواب:


    هذا السؤال يتكرر دائمًا، وأنا أذكر بدايات ظهوره بكثرة يوم أن ظهر الحدَّاد وتكلَّم على كتب الفقه ونال ما نال منها، ومن جماعته من تبعه على ذلك من جماعته، فالسؤال كان من قبل يأتي لكن على أوقات وقد كثر السؤال عنه.

    وعلى كل حال إجابتنا القديمة هي اليوم ما تغيَّرت كلاهما طريق مسلوك هذا وهذا فيتفقَّه عليهما جميعًا، الفقه هو الكتاب والسنَّة، والأخذ بكتاب الله وسنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-على الطريق الصحيحة في التفقُّه هذا لا بد أن يقرأ فيه كتب أصول الفقه على يد شيخ متقن في هذا الفن فيتمرَّس ويتدرَّب على كيفيَّة التفقُّه الصحيح.

    ويقرأ في كتب الفقه وخصوصًا الكتب التي تعنى بذكر الأدلَّة، فسواء قرأ بهذا أو بهذا فهما طريقان مسلوكان.

    وموقفنا من كتب الفقه المذهبيَّة التي صنِّفت في فقه المذاهب، أنا قد نقلته قديمًا لَمَّا جاءت شيء من الفتنة في هذا الباب في كتابي (الإقناع) ذكرت كلام العلَّامة الشيخ سليمان بن العلَّامة عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهَّاب-رحمهم الله جميعًا وأدخلهم الجنَّة بغير حساب ولا عذاب-.

    فالشيخ سليمان في تيسير العزيز الحميد أورد عليه سؤالًا وأجاب عليه في هذا الباب، قال: فإن قلت: كيف تقرأ هذه الكتب في الفقه-كتب المذاهب-وكيف يستفاد منها؟، فقال: قلت: هي بمثابة كتب الآلة التي يستعان بها على فهم كتاب الله وسنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-، يعني: تعرف كيف الفقه-تتفقه-من خلال الأدلَّة.

    أمَّا ان تجمد عليها وإذا قيل لك: الدليل في كذا، قلت: المذهب كذا أو الكتاب الفلاني كذا، قال: فهذا يخشى عليه أن ينطبق عليه أو يكون مِمَّن قال الله فيهم: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)(التوبة:31).


    فإذا تفقَّه الإنسان على كتب الفقه التي ذكرنا فلا بأس هذا طريق مسلوك، وإذا تفقَّه على كتب متون الحديث على ما هو شائع في العمدة ونحوها عمدة الحديث هذا أيضًا والبلوغ هذا طريق مسلوك، المقصود هو الفقه الصحيح، الذي قال النبي-صلى الله عليه وسلَّم-في صاحبه: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ…)[4].

    والإمام أحمد-رحمه الله-يقول: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يتركون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان.

    ويقول: رأي مالك والأوزاعي وسفيان كله عندي سواء إنَّما الحجة في الآثار.

    فهذا الذي يجب على طالب العلم يتفقَّه سواء بهذا أو بهذا، ولكن إذا ظهر له الدليل عن رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-في المسألة لا يجوز له أن يعدل عنه لقول أحد كائنًا من كان.

    فضيلة الشيخ العلَّامة ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-: يعني:

    يتَّخذ من كتب الفقه واللغة والأصول يتَّخذ منها آلة لفهم كتاب الله وسنَّة رسول الله، الهدف الأوَّل والغاية فهم كتاب الله وسنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-والفقه فيهما، ويتَّخذ هذه وسائل تساعده على فهم كتاب الله وسنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-، جزاك الله خيرًا.


    السؤال الثالث:


    جزاكم الله خيرًا، يقول السائل:


    هل تطبَّق قواعد الجرح والتعديل كلُّها في هذا العصر؟.



    فضيلة الشيخ العلَّامة ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-:



    الجواب:


    إذا فيه زيادة في الجرح والتعديل يتطلَّب هذا الأصل، كتب الجرح والتعديل السابقة وقواعدها قد لا تفي بِما يستحقُّه هؤلاء في هذا الأصل من أهل الضلال-بارك الله فيكم-.

    فهم لا يطيقون هذا المنهج، ويبكون منه، ويريدون إلغاءه، ويؤصِّلون الأصول لإبطاله، ناس يدَّعون السلفيَّة هذا منهجهم تأصيل أصول: نصحح ولا نجرِّح، نريد منهجًا واسعًا أفيحًا.

    لا يريدون جرح أهل البدع حتَّى أهل وحدة الأديان لا يريدون نقدهم-بارك الله فيكم-، ولا يريدون بيان الحق لأنَّهم أذناب لهؤلاء ومأجورين معهم-بارك الله فيكم-، فالجرح والتعديل أمر ضروري، لا نميِّز بين أهل الحق والباطل والضلال والهدى إلَّا من خلال هذا المنهج أصوله وقواعده وتطبيقاته، استخدمه السلف والقرآن مليء بالجرح والسنَّة كذلك، الجرح والتعديل موجودان في كتاب الله فعلوا في الأنبياء فعلوا في المؤمنين فعلوا في الكافرين في المنافقين في المجرمين في الفاسقين-بارك الله فيكم-، فعلوا فيهم، هذا أمر شرعه الله-تبارك وتعالى-.

    وهو سند أو أصل للولاء والبراء، والولاء والبراء أصل عظيم من أصول الإسلام، ولا يتحقق إلَّا إذا طبَّقنا هذا المنهج-بارك الله فيكم-.

    دعايات كثيرة ضد هذا المنهج الأصيل الذي هو سلاح أهل الحق على أهل الباطل في كل زمان ومكان-بارك الله فيكم-.

    فلا يحاربه إلَّا أهل الأهواء والضلال، يقال: يكاد المجرم أن يقول: خذوني، يخاف أن تمسَّه هذه القواعد وتفضح حقيقته ومنهجه فيحارب منهج أهل السنَّة والجماعة في الجرح والتعديل.

    والله أهل البدع ما حاربوا الجرح والتعديل في خلال الأصول هذه كلّها مثل ما حارب هؤلاء المنتسبين إلى السنَّة كذبًا وزورًا، ولا أصَّلوا أصولًا ضدَّ هذا المنهج-بارك الله فيكم-. فافهموا هذه الأمور وأدركوها.

    -----------------

    [1] (صحيح مسلم37 - 2566).


    [2] (صحيح البخاري/ 1423)


    [3] (سنن أبي داوود/ 4607).

    [4] (صحيح البخاري71).













    التعديل الأخير تم بواسطة علي بن إبراهيم جحاف; الساعة 25-09-2012, 01:37 PM.
يعمل...
X