أحكام وَلِيمَةِ العُرْس
بَابُ وَلِيمَةِ العُرْسِ
قوله: «وليمة العرس» هذا من باب إضافة الشيء إلى سببه، والعرس هو النكاح، ووليمة مأخوذة من الإتمام والاجتماع، وهي في الحقيقة جامعة للأمرين، ففيها اجتماع وفيها إتمام، ولكنها نقلت من هذا المعنى إلى معنى آخر، وهو الطعام الذي يصنع وليس الاجتماع عليه، ولا تمام العقد، وإن كان أصلها الاجتماع والتمام، ومنه قول الناس الآن: هذا الشيء والم، أي: تام، ومنه التأم القوم يعني اجتمعوا، ولكنها نقلت بالعرف والاصطلاح إلى نفس الطعام الذي يصنع في أيام العرس.
هناك ولائم يجتمع عليها الناس غير وليمة العرس، منها ما هو مباح، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو محرم، فمن الولائم المحرمة أن يجتمع الناس إلى أهل الميت للعزاء، ويصنع أهل الميت الطعام للمجتمعين، فهذه محرمة لقول جرير بن عبد الله البجلي ـ رضي الله عنه ـ كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة[(194)]، والنياحة كبيرة من الكبائر؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لعن النائحة[(195)]، ومنها الوليمة على العزف، والغناء، والرقص، فهذه ـ أيضاً ـ حرام، ومنها الوليمة المكروهة، وهي الوليمة الثانية للعرس؛ لأن فيها نوعاً من الإسراف، ووليمة مباحة، وهي سائر الولائم التي تفعل عند حدوث ما يَسُرُّ، فهي من قسم المباح وليس من قسم البدعة، كما ظنه بعض الناس، كالوليمة للختان، فهذه مباحة؛ لأن الأصل في جميع الأعمال غير العبادة الإباحة، حتى يقوم دليل على المنع.
تُسَنُّ بِشَاةٍ فَأَقَلَّ، وَتَجِبُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ إِجَابَةُ مُسْلِمٍ يَحْرُمُ هَجْرُهُ إِلَيْهَا إِنْ عَيَّنَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُنْكَرٌ،..........
قوله: «تسن» هذا حكمها، أي: أنها مندوبة، وهذا هو القسم الرابع من أقسام الوليمة، وهي وليمة العرس لأول مرة، والدليل على ذلك سنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ القولية والفعلية.
فأما القولية فقوله لعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: «أولم» [(196)]، وهذا فعل أمر، وأقل أحوال الأمر الاستحباب.
وأما الفعلية فقد ثبت عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه أولم على نسائه.
وقيل: واجبة؛ للأمر بها في حديث عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ السابق، والجمهور يرون أنها سنة، وقالوا: الذي صرف الأمر عن الوجوب أنه طعام بمناسبة سرور حادث، وهذا لا يقتضي الوجوب؛ لأنه ليس دفع ضرورة كالنفقة فتجب، وليس دفعاً لزكاة، أو نذراً فيجب، وإنما هو سرور فلا يكون واجباً.
والحكمة منها إعلان النكاح، وإظهاره حتى يتميز عن السفاح، وإطعام للفقراء، وصلة للأقارب والأرحام، وما يحدث فيها من السرور، يكون جبراً لخاطر الزوجة، وأوليائها وغير ذلك.
وهي مشروعة في حق الزوج؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: «أولم» ولم يقل لأصهاره: أولموا، ولأن النعمة في حق الزوج أكبر من النعمة في حق الزوجة؛ لأنه هو الطالب الذي يطلب المرأة، ويندر جداً أن المرأة تطلب الرجل.
قوله: «بشاة بأقل» ، فتسن لكن بقدر لا يزيد على شاة، بخبز، بحيس، بتمر، وما أشبه ذلك.
وقال بعض أهل العلم: إن الوليمة من النفقة الراجعة للعرف، فتسن بما يقتضيه العرف، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، لكن بشرط أن لا تصل إلى حد المباهاة والإسراف، فإذا وصلت إلى حد الإسراف والمباهاة صارت محرمة أو مكروهة.
وقوله: «بشاة فأقل» ، الدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أولم ولو بشاة» ، والحديث لا يدل على ما قالوا، بل يدل على أن أقل شيء شاة، ولم يأت هذا التعبير في اللغة العربية مراداً به بيان الأكثر، وإنما يأتي في اللغة العربية مراداً به الأقل، فالصواب أنها للغني ولو بشاة؛ فإن كان غناه كبيراً يجعل شاتين، أو ثلاثاً، حسب حاله والعرف، ولكن بشرط أن لا يخرج إلى حد الإسراف والمباهاة، فالإسراف محرم، والمباهاة مكروهة.
قوله: «وتجب في أول مرة إجابة مسلم يحرم هجره إليها إن عينه ولم يكن ثم منكر» ، انتقل المؤلف من بيان حكم الوليمة إلى بيان حكم الإجابة إليها إذا دُعي.
فقوله: «تجب» فعل مضارع فاعله قوله: «إجابة» ، وفي هذا إشارة إلى أنه لا بد أن يكون هناك دعوة، وإلا فلا تجب الإجابة.
وقوله: «أول مرة» أي صنعت أول مرة، احترازاً من الثانية، والثالثة، والرابعة... إلخ.
وقوله: «مسلم» احترازاً من الكافر، فالكافر لا تجب إجابته، فلو كان عندك جار من الكفار، وحصل عنده زواج، ودعاك إلى وليمته، فإن إجابته لا تجب، ولكنها تجوز؛ لأن إجابة دعوة الكافر جائزة، إلا فيما يقصد به الشعائر الدينية، فإنه تحرم الإجابة إليه، مثل أعيادهم؛ لأن إجابته لها معناه الرضا بها، وهي تفعل على سبيل التدين، فكأنه رضي بدينهم وأقره، ولهذا ـ باتفاق أهل العلم ـ لا يجوز تهنئتهم بها، لأن الرضى بشعائر الكفر أمره عظيم، والعياذ بالله.
وأما مناسباتهم غير الدينية كالولد والزواج، فمن أهل العلم من يقول: إن تهنئتهم بها جائزة، بشرط أن يكون في ذلك مصلحة، أو دفع مضرة، أو أنهم يفعلون ذلك بنا فنكافئهم عليه، وأما تشييع جنائزهم فلا يجوز.
وقوله: «يحرم هجره» ، أفادنا أن من المسلمين من لا يحرم هجره؛ وذلك أن الهجر ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: من يجب هجره، وذلك كصاحب البدعة الداعي إلى بدعته، إذا لم ينتهِ إلا بالهجر، فإنه يجب علينا أن نهجره وجوباً؛ لأن في الهجر فائدة، وهو ترك الدعوة إلى البدعة، فإذا وجدنا شخصاً يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، أو إلى أن الله ـ تعالى ـ في كل مكان وجب علينا أن نهجره، فلا نسلم عليه، ولا نرد عليه السلام، ولا نجيب دعوته، ولا نتحدث إليه حديث الصديق؛ لأن هجره هنا فيه مصلحة، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بهجر من فعل محرماً، كما في قصة كعب وصاحبيه ـ رضي الله عنهم ـ[(197)]، وفاعل المحرم أهون ممن يدعو إلى البدعة؛ لأن البدعة تستمر بالدعوة إليها، وفاعل المحرم فَعَلَه وانتهى.
القسم الثاني: من هجره سُنة، وهو هجر فاعل المعصية التي دون البدعة، إذا كان في هجره مصلحة، كهجر إنسان يحلق لحيته، فإذا رأينا شخصاً قد أصر على ذلك، وكان في هجره مصلحة، وهو الرجوع إلى حظيرة السنة، فالهجر هنا سنة حتى يرجع، وكذلك يقال في شارب الدخان، والموظف في جهات ربوية، ولا نقول: إنه واجب؛ لأننا لا نتحقق به ترك المحرم، فلو تحققنا به ترك المحرم لكان الهجر واجباً.
إذاً هنا الهجر سنة بشرط المصلحة، فإن لم يكن في هجره مصلحة فإنه لا يهجر؛ لأن الأصل أن هجر المؤمن حرام لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة» [(198)]، فإن لم يكن مصلحة صار الهجر حراماً، إذ لا يحصل منه إلا عكس ما نريد، وأما ما يفعله بعض الإخوة المستقيمين الغيورين على دينهم من هجر أهل المعاصي مطلقاً فغلط، ومخالف للسنة، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة» ، وفاعل المعصية أخ لك مهما فعل من الكبائر، إلا إذا كفر، وعلى هذا فلا يجوز هجر أهل المعاصي إلا لوجود المصلحة.
القسم الثالث: هجر مباح وهو ما يحصل بين الإنسان وأخيه بسبب سوء تفاهم، وهو مقيد بثلاثة أيام فأقل.
والقول الراجح أن الهجر لا يجب، ولا يسن، ولا يباح إلا حيث تحققت المصلحة، فإذا كان هناك مصلحة هجرنا وإلا فلا؛ لأن الهجر إما دواء وإما تعزير، فإن كان من أجل معصية مستمرة فهو دواء، وإن كان من أجل معصية مضت وانتهت فهو تعزير، فيحرم أن يهجر أخاه المؤمن ما لم يصل إلى الكفر، والدليل على ذلك عمومات الأدلة الدالة على حقوق المسلم على المسلم، والمؤمن لا يخرج من الإيمان بمجرد الفسوق والعصيان عند أهل السنة والجماعة، ولذلك الأصل تحريم هجر المؤمنين، ولو فعلوا المعصية وتجاهروا بها؛ لأنهم مؤمنون، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وحق المسلم على المسلم ست، ومنها: إذا لقيته فسلم عليه» [(199)]، فقال: حق المسلم، ولم يقل: حق المؤمن؛ لأن الإسلام أوسع من الإيمان، لكن إذا كان في الهجر مصلحة فإنه إما أن يسن، وإما أن يجب، حسب ما تقتضيه المصلحة، وحسب عظم الذنب، فإذا كان هذا الرجل الحالق للحية إذا هجرناه ارتدع، وصار يمشي بين الناس غريباً، لا يُسلم عليه، ولا يرد سلامه، فيخجل ويعفي لحيته، كان هجره سنة أو واجباً؛ لأن هجره مفيد، أما إذا كان هذا الرجل إذا هجرناه ازداد شره، ونفر من أخيه المؤمن، وحصلت الوحشة بينهما، فلا يسن الهجر هنا، بل لا ينبغي، والمسبل لثيابه مجاهر بالمعصية، والذي يبدو لنا أنه أعظم من حلق اللحية؛ لأنه متوعد عليه، فهو من كبائر الذنوب، وأعظم من شرب الدخان، مع أن شرب الدخان الآن أكثر من حلق اللحية والإسبال.
المهم أن المذهب يقسمون الهجر إلى ثلاثة أقسام: واجب، وسنة، ومباح، ولكن الصحيح عندنا أنه لا ينقسم إلى هذه الأقسام، وأن الأصل في الهجر التحريم، إلا إذا كان فيه مصلحة.
هذا بالنسبة لمن كان مسلماً، أما غير المسلمين فلا يبدؤون بالسلام، سواء كانوا غير منتسبين للإسلام، كأن يصرحوا بأنهم نصارى، أو يهود، أو وثنيون، أو كانوا منتسبين للإسلام لكن بدعتهم تخرجهم من الإسلام؛ لأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول في أهل الكتاب: «لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه»[(200)] ، لكن إن سلم علينا نرد عليه، فإن قال: السلام عليكم، قلنا: وعليكم السلام، وإن قال: السام عليكم، قلنا: وعليكم.
ففي المسألة ثلاثة احتمالات:
إن سلم سلاماً صريحاً، رددنا سلاماً صريحاً، وإن قال: السام عليكم، قلنا: وعليكم، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم[(201)]، وإن قال: السام عليكم، وأدغمه نقول: وعليكم.
الشرط الرابع: قوله: «إليها» أي: إلى وليمة العرس؛ احترازاً مما لو دعاه إلى غير وليمة العرس فإنه لا تجب الإجابة، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم، ودليل ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «شر الطعام طعام الوليمة، يدعى إليها من يأباها، ويمنعها من يأتيها، ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله» [(202)]، وهذا هو الشاهد، وذهب بعض أهل العلم ـ وهو قول الظاهرية ـ إلى وجوب إجابة الدعوة ولو لغير الوليمة؛ لأن هذا من حقوق المسلم على المسلم، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في حق المسلم على المسلم: «وإذا دعاك فأجبه» [(203)]، وهذا عام يدخل فيه وليمة العرس وغيرها، وتخصيص وليمة العرس بالوجوب لا يدل على أن غيرها غير واجب؛ لأن ذلك من باب ذكر بعض أفراد العام، وذكر بعض أفراد العام بحكم مطابق للعام لا يقتضي التخصيص.
أيضاً الإجابة إلى الدعوة من خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: «لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت»[(204)] ، إلى هذا الحد!! «ذراع أو كراع» وهو من أزهد ما يكون في الذبيحة، فلو لم يكن من بركة الإجابة إلا أنه من خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأن المجيب سيكون متأسياً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لو لم يكن إلا هذا لكان كافياً.
وَلاَحِظْ أن الإنسان إذا أشعر نفسه أنه متبع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا أو غيره، فسيكون في قلبه محبة للرسول عليه الصلاة والسلام، كما أنه إذا عود نفسه على الإخلاص لله ـ تعالى ـ فسيكون الإخلاص دأبه في كل شيء.
وقوله: «إن عيَّنه» هذا هو الشرط الخامس، أي: عيَّن الداعي المدعوَ، بأن قال: يا فلان احضر وليمتي، وعلم منه أنه إن لم يعينه فلا يجب، مثل لو أطل برأسه على جماعة، وقال: تفضلوا إلى وليمتي، فإنه لا تجب إجابته؛ لأنه لم يعينه، وإنما وجه الكلام للجميع، ولذلك الناس لا يعدون من تخلف عن هذه الدعوة، كمن عُيِّن وتخلف، فمن عُيِّن وتخلف أشد.
وقوله: «ولم يكن ثَمَّ منكر» هذا هو الشرط السادس، وقوله: «ثَمَّ» أي: هناك، ويغلط كثير من الناس حتى من طلبة العلم، فيقولون: ثُم؛ لأن «ثُم» حرف عطف و«ثَم» ظرف، والمعنى ولم يكن في مكان الدعوة منكر.
والمنكر ما أنكره الشرع والعرف، والعبرة بإنكار الشرع، فما أنكره الشرع منكر ولو أقره العرف؛ لأن بعض الأعراف ـ والعياذ بالله ـ تقر المنكرات، وما أنكره الشرع فالعقل السليم والعرف السليم ينكره، ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الإثم ما حاك من نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس» [(205)]، لأن الناس ينكرونه، وهذا في أناس فطرهم سليمة، ومناهجهم مستقيمة.
أما إذا كان المجيب قادراً على تغيير المنكر، فحينئذٍ يجب عليه الحضور؛ إجابة للدعوة ولتغيير المنكر، مثل أن يدعى رجل له قيمته العلمية، أو له سلطة إلى وليمة فيها الحرام، فيحضر وهو قادر على أن يغير هذا الحرام، فالحضور عليه واجب؛ لأنه قادر على تغيير المنكر، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده» [(206)].
وأما إذا لم يكن قادراً فالإجابة إلى الوليمة المحرمة حرام، ودليل هذا قوله تعالى: {{وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}} [المائدة: 2] ، وقال تعالى: {{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}} [النساء: 140] يعني إن قعدتم معهم فأنتم مثلهم في العقوبة والمعصية.
فالشروط ستة، وهناك شرط سابع ذكره بعضهم، وهو أن لا يكون ماله حراماً، فإن كان حراماً لم تجب الإجابة، مثل أن يكون ممن يتعامل بالربا، أو بالغش، أو بالكذب، والحقيقة أن هذا الشرط ليس في النصوص ما يدل عليه، ولكنه محل اجتهاد من أهل العلم، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أجاب دعوة اليهودي[(207)]، وأكل من الشاة التي أهدته اليهودية[(208)]، مع أن اليهود أكَّالون للسحت والربا، ثم إن مَنْ ماله محرم هنا تحريمه لكسبه لا لعينه، وكسبه إثمه عليه، لكن إذا كانت إجابة من يتعامل بالربا والغش ونحو ذلك تغريه، ويغر غيره، فهنا لا يجاب.
واشترط بعض العلماء أن لا يكون في الإجابة دناءة، مثل أن تعلم أن المدعوين ناس من السفهاء والسَّفَل، وأنت رجل محترم بين الناس، فإذا أجبت نزل قدرك، وصار فيه ضرر عليك، لكن هذا الشرط ـ أيضاً ـ ليس بصحيح؛ لأنه يفتح للناس باب الطبقية، والترفع، والتعاظم، بل نقول: احضر، وانصح لعل الله ينفع بك.
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: ولهذا نأتي إلى المسجد وفيه ناس نصلي معهم، جنباً إلى جنب، فيهم دناءة وسفل، فأنا أُمرت بالإجابة فأجيب ولا أترفع، لا سيما إذا كان الترفع والعلو على هؤلاء لأجل أنهم فقراء، فهذا أشد، اللهم إلا إذا كان حضور هذا الرجل مع هؤلاء يجلب إليه التهمة، فهذا لا يجب عليه الحضور، ولكن رجل من كبار علماء المسلمين ودعي معهم، فلا يمكن أن تلحقه تهمة، بل يقال: جزاه الله خيراً، يمكن أن ينصحهم وينفعهم، ولكل مقام مقال.
واشترط بعضهم أن لا يلحقه ضرر بذلك، وهذا صحيح؛ لأن جميع الواجبات من شرط وجوبها انتفاء الضرر، فلو كان يخشى ضرراً في ماله، أو بدنه، أو عرضه فإنه لا يجب عليه، وهذا معلوم من القاعدة العامة في الواجبات.
فتلخص لنا ستة شروط:
الأول: أن تكون الدعوة أول مرة.
الثاني: أن يكون الداعي مسلماً.
الثالث: أن يحرم هجره.
الرابع: أن يعين المدعو.
الخامس: أن لا يكون ثَمَّ منكر.
السادس: أن لا يكون عليه ضرر.
ولكن يشترط ـ أيضاً ـ شرط لا بد منه، وهو أن نعلم أن دعوته عن صدق، وهذا يضاف إلى الشروط التي ذكرناها، وضد ذلك أن يكون حياءً، أو خجلاً، أو مجرد إعلام، فلا يجب.
كإنسان واقف عند البيت ومر به شخص فقال له: تفضل، فهذه دعوة الغالب فيها أنها عن غير صدق، أي: حياءً فقط، إلا إذا علمنا أن هذا صديق له، وأنه يرغب الجلوس معه، فإن كانت حياءً أو خجلاً لم تجب الإجابة، بل لو قيل بالتحريم لكان له وجه؛ لأنه أحياناً يحرجك، وأحياناً تقول له عند الباب: تفضل فيدخل، وأنت تود أن تنام مثلاً، أو تجلس إلى أهلك، وعادتك أن تتغدى أنت وأهلك ولا تجتمع معهم إلا في هذا الوقت.
فإذا تمت هذه الشروط وجبت الإجابة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله» [(209)]. وقال الله تعالى: {{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً}} [الأحزاب: 36] ، ولعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وإذا دعاك فأجبه» [(210)].
مسألة: البطاقات التي ترسل الآن تعيين أو لا؟ الجواب: إذا رأيت الاسم مطبوعاً قلت: هذا تعيين، وإذا رأيت أنهم لا يبالون، وإنما ذلك عبارة عن مجاملة؛ لأنك صاحب أو قريب، بدليل أنهم لا يأتون ويقولون: هل ستأتي، أو أنت مشغول؟ فالظاهر لي أن البطاقة صارت مثل دعوة الجَفَلى، إلا إذا كان هناك شيء آخر، كقرابة، وإن لم تأته عدّ ذلك قطيعة، أو قال الناس: لِمَ لَمْ يأت إلى قريبه؟
لما ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ الشروط منطوقاً، ذكر مفهومها، فقال:
فَإِنْ دَعَاهُ الجَفَلَى، أَوْ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، أَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ كُرِهَتِ الإِْجَابَةُ،.......
«فإن دعاه الجفلى» وهي دعوة العموم، مثل أن يقول: هلموا أيها الناس، وهي مما يفتخر بها العرب، كما قال شاعرهم:
نحن في المشتات ندعو الجفلى
لا ترى الآدب فينا ينتقر
«النقرى» أن يعين، و«الجفلى» أن يعمم، و«الآدب» صاحب المأدُبة.
فإذا دعا الجفلى يقول المؤلف: «كرهت الإجابة» ، والتعليل أن في ذلك دناءة بالنسبة للمدعو، ومفاخرة ومباهاة للداعي، وهذا التعليل عليل، والصحيح أنها لا تكره بل هي جائزة، وقد ثبت أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أرسل أنساً ـ رضي الله عنه ـ وقال له: «ادع فلاناً وفلاناً ومن لقيت» [(211)]، فعيَّن في الأول، ثم عمم، فالصحيح أن الإجابة ليست مكروهة، بل في ظني أن عدم الإجابة إلى الكراهة أقرب؛ لأنك إذا دعوت الناس جميعاً وتخلف واحد قال الناس: هذا مترفع ومتكبر، صحيح أن الإجابة لا تجب على كل واحد؛ لأن الدعوة عامة، فهي تشبه فرض الكفاية، ولكن لا نقول: إنها مكروهة، بل الصواب أنها ليست بمكروهة وليست بواجبة، لكن إذا علم أحد المدعوين أن صاحب الدعوة يُسَرُّ بحضوره فينبغي له أن يجيب.
قوله: «أو في اليوم الثالث» أي دعاه في اليوم الثالث فإنه تكره الإجابة؛ لأنه يروى عن النبي (ص) أنه قال: «الوليمة في يوم الثالث رياء وسمعة»[(212)] ، وإذا كانت رياء وسمعة فلا ينبغي أن يشجع صاحبها، ولأنها إذا خرجت إلى اليوم الثالث صارت إسرافاً، فالإجابة تكون مكروهة، ولكن إذا لم تكن رياء وسمعة، مثل أن يكون له أقارب ما حضروا إلا في اليوم الثالث، فمثل هذه الصورة لا تكره الإجابة فيها؛ لأن الوليمة في اليوم الثاني أو الثالث ليس للعرس ولكن للضيوف، ولكن ينبغي لمن أجاب أولاً أن يقتصر على الإجابة الأولى؛ لأنه إذا تكررت الإجابة فلا بد أن يكون فيها دناءة، اللهم إلا أن يكون هناك سبب خاص تنتفي به الدناءة، مثل أن يكون قريباً، أو صديقاً، أو جاراً.
وقوله: «أو دعاه ذمي كرهت الإجابة» ، الذمي هو اليهودي أو النصراني، وعلى الصحيح غيرهما ممن عقدت له الذمة، بأن يقيم في بلاد المسلمين مع دفع الجزية، فالإسلام مسيطر عليه وخاضع لأحكامه، وله حقوق، فإذا دعاك لوليمة العرس، فالمذهب يكره، قالوا: لأن المطلوب هو إذلال أهل الكفر، واحتقارهم، وازدراؤهم، فلا تنبغي إجابتهم، وظاهر كلامهم ولو كانوا يجيبوننا إذا دعوناهم؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى، وفي هذا نظر، والصواب أنه لا تكره إجابتهم فقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أجاب دعوة يهودي[(213)]، وسئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن إجابة دعوة الذمي، فقال: نعم، وهذا هو الصحيح، فهي لا تجب، ولكن تجوز، لا سيما إذا كان في ذلك تأليف لهم، ومصلحة، وهذا في إجابتهم في الأمور العادية، كالزواج، والقدوم من سفر، وما أشبه ذلك.
وأما الإجابة إلى الشعائر الدينية فإنه لا يجوز، فلو دعانا نصراني إلى عيد الميلاد فإن الإجابة حرام؛ لأن عيد الميلاد من شعائر الكفر، وشعائر الكفر لا يرضاها الله ـ عزّ وجل ـ وهكذا نقول في تهنئتهم، فما يهنؤون بأعيادهم؛ لأن معنى ذلك الرضى، بل ذلك أعظم من الرضى.
وعليه فنقول في مسألة إجابة الذمي لوليمة العرس: الصحيح عدم الكراهة، لكن لدينا قاعدة مقررة عند أهل العلم: أن المباح إن كان وسيلة لمحرم صار حراماً، وإذا كان وسيلة لواجب صار واجباً، وإذا كان وسيلة لمكروه صار مكروهاً، وإذا كان وسيلة لمستحب صار مستحباً، فالبيع حلال قال الله تعالى: {{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}} [البقرة: 275] ، وقد يكون واجباً، كما لو رأيت مضطراً يريد شراء طعام مني لينقذ نفسه، فالبيع له واجب، وكما لو أردت أن أشتري ماء للوضوء للصلاة فالشراء واجب، وإذا أردت شراء طيب للتطيب به لصلاة الجمعة فالشراء مستحب، ولو أراد رجل شراء سُلَّم يتسلق به بيوت الناس لسرقتها، فالشراء حرام، ولو أراد إنسان شراء بصل ـ على القول بكراهته ـ فيكون الشراء مكروهاً، والصحيح أنه لا يكره؛ لأن البصل حلال.
وَمَنْ صَوْمُهُ وَاجِبٌ دَعَا وَانْصَرَفَ، وَالمُتَنَفِّلُ يُفْطِرُ إِنْ جَبَرَ، وَلاَ يَجِبُ الأَكْلُ،
قوله: «ومن صومه واجب دعا وانصرف» أي: أن من صومه واجب فإنه يجيب الدعوة، ولكن لا يأكل؛ لأنه لا يجوز قطع الصوم الواجب، كإنسان عليه قضاء من رمضان، فدعي إلى الوليمة وهو صائم، وكإنسان عليه كفارة يمين فصام ودعي إلى الوليمة وهو صائم، وكإنسان عليه فدية لفعل محظور صيام ثلاثة أيام فدعي وهو صائم، فكل هؤلاء يحضرون ولكن لا يأكلون؛ لأن الصيام الواجب لا يجوز قطعه؛ لأن القاعدة الشرعية أن من شرع في واجب وجب عليه إتمامه، ومن شرع في نفل لم يجب عليه إتمامه، إلا الحج والعمرة، وكذلك الجهاد على قول بعض أهل العلم، ولكن يدعو للداعي بما يناسب، إن كان يعرف الوارد فهو أفضل، وإن كان لا يعرفه فيدعو بما يناسب.
وقوله: «وانصرف» هل ينصرف قبل أن تقدم الوليمة، أو بعدها، أو يجلس مع الناس ولا يأكل؟ ظاهر كلام المؤلف: أنه ينصرف قبل ذلك ولا يبقى؛ لأنه إذا بقي مع الناس ولم يأكل ربما يخشى عليه من الرياء، وإذا أخبر الناس بأن صومه عن واجب فقد لا يكون لائقاً، ولكن لو قيل: إن هذا يرجع لحال الإنسان، إن كان يُفقد في الوليمة فليجلس وليتقدم مع الناس في الأكل، ولكن لا يأكل فيقدم لجلسائه مثلاً، لهذا الإدام، ولهذا لحماً، ولهذا خبزاً، فربما لا يُشعر به؛ لأن الإنسان الذي يفقد مثل أن يكون جاراً، أو قريباً، أو صديقاً حميماً، إذا لم يأت تكلم الناس وقالوا: لمَ لمْ يأت جاره، أو قريبه، أو صديقه وما أشبه ذلك؟ والإنسان ينبغي له أن يكف ألسنة الناس عن نفسه.
وقوله: «صومه واجب» مبتدأ وخبر، وهي صلة الموصول «من» لا محل لها من الإعراب، ولا تصح أن تكون «من» شرطية؛ لأنها دخلت على جملة اسمية، ولكن لها جواب؛ وذلك أن اسم الموصول لما كان يشبه اسم الشرط في العموم صار له جواب كجواب الشرط، وهو هنا: «دعا وانصرف» ومنه قولهم:
الذي يأتيني فله درهم.
فـ «الذي» مبتدأ، و«له درهم» خبره، وقرنت بالفاء؛ لأن اسم الموصول يشبه اسم الشرط في العموم فأعطي حكمه في الجواب.
وقوله: «دعا وانصرف» ، الدليل قول ـ النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ: «إذا دعي أحدكم فليُجب، فإن كان صائماً فليُصَلِّ، وإن كان مفطراً فليطعم»[(214)] ، ومعنى قوله: «فليصلِّ» فليدعُ.
فإن قال قائل: أنتم تقولون: إن ألفاظ الشارع تحمل على الحقائق الشرعية، والصلاة حقيقتها الشرعية هي العبادة المعروفة.
قلنا: إن الكلمات يعين معناها السياق وقرائن الأحوال، ومن المعلوم هنا أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يرد من الإنسان الصائم الذي يُدعى فيجيب أن يصلي؛ لأنه لا معنى لذلك، وإنما المعنى أن يدعو لهم لقوله تعالى: {{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}} [التوبة: 103] .
وَإِبَاحَتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى صَرِيحِ إِذْنٍ أَوْ قَرِينَةٍ،
وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ثَمَّ مُنْكَراً يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ حَضَرَ وَغَيَّرَه، وَإِلاَّ أَبَى،
قوله: «والمتنفل يفطر إن جبر» يعني أن الصائم المتنفل كصيام أيام البيض، أو الاثنين، أو الخميس، أو ستة أيام من شوال، أو عشر ذي الحجة، أو عاشوراء وما أشبهها، فالمتنفل يجيب الدعوة، ولكن هل يفطر أو لا؟ المؤلف ذكر أن فيه تفصيلاً، إن جبر قلب الداعي، وأدخل السرور عليه فإنه يفطر، وإن لم يجبر كأن يكون الداعي لا يهتم أكل أو ما أكل، المهم أن يجيب الدعوة، فإن الأفضل أن لا يفطر ويتم صومه؛ لأن صومه نفل، ولا ينبغي أن يقطع نفله إلا لغرض صحيح.
قوله: «ولا يجب الأكل» أي: أكل المدعو ليس بواجب، وإنما الواجب الحضور فقط لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعي أحدكم فليُجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك» [(215)]، فهذا الحديث يدل على أنه لا يجب الأكل، والحديث السابق يدل على وجوب الأكل لقوله: «فليطعم» فكيف الجمع بين الحديثين؟
الجمع بينهما أن يقال: إن الخيار إذا لم يترتب على ترك الأكل مفسدة، فإن ترتب عليه مفسدة فلا شك في وجوب الأكل، كرجل صنع وليمة شاة، أو شاتين، أو أكثر، وجهزها وأذن لهم في الأكل، فقالوا: لا يجب علينا الأكل وما نحن بآكلين!! فهذا فيه نظر، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لرجل معتزل عن القوم ناحيةً، وقال: إني صائم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعاكم أخوكم وتكلف لكم، كُلْ، ثم صُمْ يوماً مكانه إن شئت» [(216)]، والصحيح أن الأكل واجب إلا على من صومه واجب كما سبق، أو من يتضرر بالأكل؛ لأن بعض الناس قد يكون مريضاً بمرض يحتاج إلى حِمْية فلا يستطيع أن يأكل.
وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إن شاء أكل وإن شاء ترك» يحمل على الصائم، أو على إذا لم يكن في ذلك مضرة، وإلا فلا شك عند كل الناس أن هذا مما يستقبح عادة، أن يدعو الناس ويحضروا، ثم يقولوا: الأكل غير واجب!! ومن عادة العرب أن الإنسان إذا لم يأكل فإنه يخشى منه، وإلى الآن هذا الأمر موجود، ولذلك يلزمون الواحد بالأكل ولو يسيراً، ويسمونها المِلحة؛ يعني أنك تمالح وتأكل، ومعنى ذلك أننا أَمِنَّاك.
ولنا أن نقول: إن الأكل فرض كفاية لا فرض عين، فإذا قام به من يكفي، ويجبر قلب الداعي، فالباقي لا يجب عليهم الأكل، وهو الصواب، أما أن نقول: لا يجب الأكل على الآخرين، فهذا فيه نظر.
قوله: «وإباحته متوقفة على صريح إذن» أي: إباحة الأكل متوقفة على صريح إذن، وهذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، يعني على إذن صريح، بأن يقول: تفضل كل، فإذا قال ذلك، أبيح الأكل.
قوله: «أو قرينة» أي: إذا دلت القرينة والعرف والعادة على أنه إن قدم الطعام بهذه الصفة فإنه إذن في الأكل، فلك أن تأكل.
وعادة الناس اليوم على أنه يحتاج إلى ألفاظ صريحة، فلو تقدمت للمائدة ولم تكتمل، عُدَّ ذلك جشعاً، كما قال الشاعر:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلهم إذ أجشعُ القومِ أعجلُ
فما دام الداعي لم يقل: تفضلوا، فلننتظر، أما إذا جاء بإناء الطعام وقدمه بين يديك، فهذا إذن، لا يحتاج إلى لفظ صريح، والحاصل أن هذه الأمور تكون بالألفاظ الصريحة، والقرائن الواضحة الدالة عليها.
وقوله: «وإباحته» فلو أن أحداً أخذ شيئاً من الطعام قبل الإذن، أو القرينة كان ذلك حراماً، والناس لا يرون هذا حراماً، وإنما يرونه سوء أدب بتقدمه قبل الإذن، ولكن ظاهر كلام المؤلف أن الإباحة لا تكون إلا بصريح الإذن، أو القرينة.
ومن هنا نأخذ مسألة مهمة أنه إذا دعاك إنسان وجئت إلى البيت، ووجدت الباب مفتوحاً في الوقت الذي دعاك فيه، فهل يحتاج إلى إذن، أو أن فتح الباب يعتبر إذناً؟
هذا ـ أيضاً ـ عند الناس إذن عرفي، فلو جئت بعد العشاء الآخرة ووجدت الباب مفتوحاً فهو إذن.
ولكن لا شك أن الأفضل أن يستأذن؛ لأنه قد تكون إحدى النساء في فناء البيت ونحوه، أما إذا صرح، وقال: إذا وجدتم الباب مفتوحاً فادخلوا، أو وجد المفتاح على الباب كما كان في الزمن السابق، يتركون المفاتيح على الأبواب، فهذا إذن صريح.
قوله: «وإن علم أن ثم منكراً يقدر على تغييره حضر وغيّره» «إن علم» الضمير يعود على المدعو، «ثَمَّ» ظرف مكان يشار بها للبعيد، مبني على الفتح في محل نصب، متعلق بمحذوف، خبر مقدم، «منكراً» اسم «أنَّ» مؤخر، والمنكر كل ما حرم الشرع، فإذا علم ـ مثلاً ـ أن في هذه الوليمة اختلاطاً للرجال بالنساء، أو آلات لهو، أو تصويراً، وما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة، فهذا إن كان يقدر على تغييره أو تقليله يحضر؛ لأنه يجب على الإنسان أن ينكر المنكر إذا علم أنه إذا أنكر قل، فيحضر وجوباً لسببين:
الأول: أنه دعوة وليمة عرس.
الثاني: أن فيها إزالة لمنكر، أو تقليلاً له، وإزالة المنكر أو تقليله واجب.
مثل أن يكون رجل له هيبة وقيمة، بحيث إذا علم بالمنكر وأمر بإزالته أطاعوه، فهذا يجب عليه الحضور.
قوله: «وإلا أبى» ، أي: وإلا يقدر على تغييره امتنع من الحضور، وهل يذكر السبب أو لا؟ الأولى أن يبين السبب لأمور:
الأول: بيان عذره.
الثاني: ردع هؤلاء.
الثالث: ربما أن هؤلاء يجهلون أن هذا الأمر محرم، فإذا قال: لا أحضر؛ لأن عندكم كذا وكذا، وبين لهم أن هذا محرم، فيكفون عنه.
وتبيين الأسباب في الأمور التي تستنكر مما جاء به الشرع، قال ـ النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ: «إذا رأيتم من يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، فإن المساجد لم تُبنَ لهذا»[(217)] لأجل أن يعذر.
وقوله: «وإلا أبى» وجوباً أو جوازاً؟ وجوباً ما دام يعرف أن ثم منكراً، ولا يقدر على تغييره، فيحرم عليه الحضور، فإذا قال: أنا أحضر وأكره بقلبي، ولا أشاركهم.
نقول: هذا ليس بصحيح؛ لأنك لو كرهت بقلبك لما بقيت، فكل ما يكرهه الإنسان بقلبه لا يمكن أن يبقى فيه إلا مكرهاً، وقد قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}} [النساء: 140] .
فلو قال قائل: إذا لم أحضر ترتب على هذا قطيعة رحم، كما لو كان صاحب الوليمة من أقاربه، وعندهم منكر ودعاهم، فإذا لم يُجب غضب عليه، وتقطعت الصلة بينهما.
فالجواب: ولو أدى ذلك إلى قطيعة الرحم؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال في الوالدين، وهما أقرب الأرحام: {{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا}} [لقمان: 15] .
ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس فلا يحل، وربما يكون امتناعه عن الحضور لوليمة قريبه المشتملة على المحرم، سبباً لهدايته، فيعتب على نفسه، ويوبخ نفسه، ويقول: إنه بفعله هذه المعصية اكتسب هجران قريبه، فيرتدع، وكثيراً ما يقع مثل ذلك، إذا هجر الإنسان قريبه أو صاحبه سابقاً فإنه يراجع نفسه، ويتأمل، وربما يرجع عما كان عليه من المعصية.
المهم أنه لا يجوز الحضور، ولو أدى ذلك إلى قطيعة الرحم، والقاطع هو الداعي إذا قطعت الرحم.
وَإِنْ حَضَرَ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ أَزَالَهُ، فَإِنْ دَامَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ انْصَرَفَ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ خُيِّرَ،..........
قوله: «وإن حضر» أي المدعو.
قوله: «ثم علم به» أي بالمنكر.
قوله: «أزاله» وجوباً؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه»[(218)].
قوله: «فإن دام» الضمير يعود على المنكر.
قوله: «لعجزه عنه» اللام للتعليل، يعني من أجل عجزه عن تغييره.
قوله: «انصرف» هذا جواب الشرط، وينصرف وجوباً؛ لأنه لا يمكن أن يقعد مع قوم على منكر، ودليل ذلك ما سبق، وهو قوله تعالى: {{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}} [النساء: 140] .
قوله: «وإن علم به ولم يره ولم يسمعه خُيِّر» أي: علم بالمنكر بعد حضوره، فيخير بين البقاء والانصراف؛ لأنه لا يشاهد المنكر ولا يسمعه فلا إثم عليه، وله أن ينصرف تعزيراً لهؤلاء الذين فعلوا المنكر.
وأيهما أولى أن ينصرف أو يبقى؟ الجواب: حسب المصلحة؛ لأن التخيير هنا ليس تخيير تشهٍ، ولكنه تخيير مصلحة؛ لأن المقصود بذلك مصلحة الغير، وكل ما كان المقصود به مصلحة الغير فالتخيير فيه للمصلحة لا للتشهي، فإذا كان في انصرافه ردع لهم ولغيرهم، فهذا لا شك أنه يجب عليه الانصراف، وقد يكون عدم الانصراف أحياناً أولى بحسب الحال، فلو فرض أنه في هذه الحال لو انصرف لصار فيه قطيعة رحم، فهنا قد نقول: بقاؤه أولى؛ لأنه لم يرَ ولم يسمعْ، ولكنه يعظ وينصح وينكر؛ فإن لم يستجيبوا فلا بأس أن يجلس؛ لأنه ليس مع الذين يفعلون المنكر.
وإذا كان هذا الرجل كبيراً، كعالم أو وزير ينظر إليه إذا انصرف، ويرون أن هذا من أعظم التعزير؛ فإنه حينئذٍ يجب أن ينصرف، لما في ذلك من إزالة المنكر، وأما إن كان من عامة الناس، إذا انصرف أو لم ينصرف لم يؤبه له، فهذا قد نقول بأنه مخير، وقد نقول بأنه إذا رأى من نفسه أن الانصراف أحسن لقلبه، وأتقى لربه انصرف.
وقوله: «وإن علم به» فإن ظن ولم يعلم، فالأصل وجوب الإجابة، فيحضر ثم إن تحقق ظنه، فإن قدر على تغييره غيَّره، وإلا انصرف.
وَكُرِهَ النِّثَارُ، وَالْتِقَاطُهُ، وَمَنْ أَخَذَهُ أَوْ وَقَعَ فِي حَجْرِهِ فَلَهُ، وَيُسَنُّ إِعْلاَنُ النِّكَاحِ، وَالدُّفُّ فِيهِ لِلنِّسَاءِ.
قوله: «وكره» اعلم أن المكروه في اصطلاح الفقهاء غير المكروه في الكتاب والسنة، فالمكروه في الكتاب والسنة يراد به المحرم، كما في قوله ـ تعالى ـ لما ذكر المنهيات العظيمة قال: {{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا *}} [الإسراء] ، وفي الحديث عن ـ النبي عليه الصلاة والسلام ـ: «إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» [(219)]، فالكراهة في لسان الشرع يراد بها المحرم إذا كانت في الأحكام الشرعية.
وأما الكراهة عند الفقهاء فمرتبة بين المباح والمحرم، يثاب تاركها امتثالاً، ولا يعاقب فاعلها.
قوله: «النثار» وهو أن يُنثر في الوليمة طعام، أو فلوس، أو ثياب، فهذا مكروه، فإن كان المنثور طعاماً، فمكروه لسببين:
الأول: إن فيه امتهاناً للنعمة.
الثاني: أن فيه دناءة وخلافاً للمروءة، لا سيما إذا كان من الشرفاء والوجهاء، أما عامة الناس فلا يكره منهم الالتقاط.
وإذا كان مالاً كان إفساداً له وإضاعة، ولو قيل بالتحريم في مسألة الدراهم، أي: الأوراق النقدية، لكان له وجه؛ لأنه عرضة لإتلاف المال وإضاعته، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن إضاعة المال.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكره النثار، واحتجوا بما جاء في الحديث في الأضحية أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ضحى عنده رجل فقال: «من شاء اقتطع» [(220)].
وعندي أن في هذا الاستدلال نظراً؛ لأن هذا الرجل ما نثر، وإنما قدمها تقديماً، ورخص للناس بالأكل، كما لو قدم طعاماً، وقال للناس: تفضلوا؛ فهذا ليس بنثار، ففرق بينهما، وهذا لا بأس به، وجرت به العادة.
قوله: «والتقاطه» أي: يكره أخذ المنثور لما فيه من الدناءة، وعند الفقهاء ـ كما سيأتينا في باب الشهادات ـ أن الشهادة يعتبر لها شيئان: الصلاح في الدين، واستعمال المروءة، وعلى هذا فمن ذهب إلى النثارات ليلتقط منها يعتبر ساقط المروءة، فلا تقبل شهادته.
قوله: «ومن أخذه، أو وقع في حجره فله» أي: من أخذ النثار، أو وقع في حجره فهو له، أما من أخذه فظاهر، وأما من وقع في حجره، فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون قد أعد حجره لاستقباله، فهذا واضح أنه يكون له.
الثانية: أن لا يكون قد أعد حجره لذلك، بل هو غافل، فهذا ـ أيضاً ـ النثار له، وإن لم يقصد التملك، وعلى هذا فمن أخذه من حجره، فعليه أن يرده إليه، ولو أن أحداً جاء بسرعة فلما رآه أهوى والتقطه، ولو تركه لوقع في حجر الرجل، فهذا يجوز؛ لأن المؤلف يقول: «أو وقع في حجره» ، ولم يقل: أو أهوى إلى حجره.
ولو أنه حين وقع في حجره نفضه فهو لمن أخذه؛ لأن نفضه إياه يعني عدم قبوله، والهبة لا تلزم إلا بالقبول والقبض.
ولو أن أحداً أتى ببساط، واستعان بأشخاص آخرين، وقال: نجعل البساط على الناس حتى يقع كله على البساط، فهذا لا يجوز؛ لأنه يريد أن يتحجر، مثل الذي يتحجر مكاناً في المسجد.
قوله: «ويسن إعلان النكاح» أي: إظهاره، مأخوذ من العلانية التي هي ضد السر، فيسن إعلانه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أعلنوا النكاح» [(221)] فأمر بإعلانه، ولما في ذلك من إظهار هذه الفضيلة وهي النكاح، فإن النكاح من سنن المرسلين، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم عن نفسه إنه يتزوج النساء[(222)]، وقال الله تعالى: {{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}} [الرعد: 38] ، وما كان كذلك فإنه ينبغي إعلانه.
وأيضاً إعلانه فصل ما بين السفاح والنكاح؛ لأن السفاح، والعياذ بالله ـ وهو الزنا ـ إنما يفعله من يفعله سراً، وأما النكاح فيسن إعلانه والجهر به.
وقوله: «يسن» هذا هو المشهور من المذهب، وقيل: إنه يجب إعلان النكاح؛ لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم به، وهنا ثلاثة أشياء:
إعلان، وإسرار، وتواصٍ بكتمانه، أما الإعلان فهذا هو المشروع، وأما الإسرار بدون تواصٍ بكتمانه، فهذا خلاف المشروع، وعلى قول من يرى أن الإعلان واجب يكون إسراره معصية، يأثم الإنسان عليها.
وأما التواصي بكتمانه بأن يقول الزوج، أو الزوجة، أو وليها: هذا سر بيننا، لا تخبروا أحداً، فهذا لا شك أنه إثم، بل إن بعض أهل العلم قال: إنه يبطل بذلك النكاح؛ لأنه خلاف النكاح الصحيح، وهذا مذهب مالك ـ رحمه الله ـ.
فإن قال قائل: إذا كان في إسراره فائدة، ولم يتواصَ الناس بكتمانه ولكن أسروه، فهل هذا جائز؟
فالجواب: هذا ينبني على اختلاف القولين، إن قلنا: إن الإعلان واجب فإنه لا يجوز إسراره، وإن قلنا: إنه ليس بواجب جاز إسراره إذا كان في ذلك مصلحة، مثل أن يخشى الإنسان إذا كان معه زوجة أخرى، إذا أعلنه أن تتفكك العائلة، فهذا لا بأس به على القول بأنه سنة.
ويعلن بوسائل الإعلان المعروفة، منها مثلاً الدف، ومنها ما كان يفعل في الزمن الأول لما لم تكن أنوار كهرباء، يمشي الزوج من بيته إلى بيت الزوجة ومعه أنوار مصابيح.
ومن الإعلان مزامير السيارات، ولكن فيه غلو؛ لأنه مزعج جداً، ومن الإعلان ـ أيضاً ـ الأنوار التي تكون على بيت الزوج والزوجة، وفيها غلو أيضاً؛ لأنهم يسرفون فيها، ومن الإعلان أيضاً ما ذكره بقوله:
«والدف فيه للنساء» الدَّف بالفتح وبالضم، أي: يسن الضرب بالدف لكنه للنساء، فهاهنا أمران:
أولاً: أن الذي يسن الدُّف، وهو غير الطبل والطار، فالدف يجعل الرق والجلد على وجه واحد منه، وأما الطبل والطار فبعضهم قال: هي الكُوْبة التي ورد فيها النهي[(223)]، يكون فيه الرَّق من الوجهين جميعاً، وهذا موسيقاه أكثر من الموسيقى الذي فيه الجلد من وجه واحد، ولهذا اشترط الفقهاء في الدف أن لا يكون فيه حلق ولا صنوج، وأخرجوا من ذلك الطبول، فقالوا: لا تسن في النكاح.
ثانياً: أنه للنساء خاصة دون الرجال، والدليل على أن ذلك أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أخبرت الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال: «ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو» [(224)]، وفي السنن: «هلاَّ بعثتم معها من يغني» [(225)]، فهذا يدل على أنه يسن الدف وأن يصحبه غناء أيضاً، ولكنه الغناء النزيه الطيب المنبئ عن السرور والبهجة، مثل: «أتيناكم أتيناكم فحيَّانا وحيَّاكم» [(226)]، وما أشبه ذلك من الكلمات الترحيبية الطيبة، أما الأغاني الماجنة فلا يجوز.
وقوله: «للنساء» ظاهره أنه لا يسن للرجال، لكن قال في الفروع: وظاهر الأخبار، ونص الإمام أحمد أنه لا فرق بين النساء والرجال، وأن الدف فيه للرجال كما هو للنساء؛ لأن الحديث عام: «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال» [(227)] أي الدف، ولما فيه من الإعلان، وإن كان الغالب أن الذي يفعل ذلك النساء، والذين قالوا بتخصيصه بالنساء وكرهوه للرجال، يقولون: لأن ضرب الرجال بالدف تشبه بالنساء؛ لأنه من خصائص النساء، وهذا يعني أن المسألة راجعة للعرف، فإذا كان العرف أنه لا يضرب بالدف إلا النساء، فحينئذٍ نقول: إما أن يكره، أو يحرم تشبه الرجال بهن، وإذا جرت العادة بأنه يُضرب بالدف من قبل الرجال والنساء فلا كراهة؛ لأن المقصود الإعلان، وإعلان النكاح بدف الرجال أبلغ من إعلانه بدف النساء؛ لأن النساء إذا دففن فإنما يدففن في موضع مغلق، حتى لا تظهر أصواتهن، والرجال يدفون في موضع واضح بارز، فهو أبلغ في الإعلان، وهذا ظاهر نص الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وكلامِ الأصحاب حتى «المنتهى» الذي هو عمدة المتأخرين في مذهب الإمام أحمد، ظاهره العموم وأنه لا فرق بين الرجال والنساء في مسألة الدف.
ولكن لو ترتب على هذا مفسدة نمنعه، لا لأنه دف، وإنما نمنعه للمفسدة، وهكذا جميع المباحات إذا ترتب عليها مفسدة منعت، لا لذاتها ولكن لما يترتب عليها.
وهناك آلات عزف أخرى كالمزامير، والطنابير، والرباب، وما أشبهها، وهذه لا تجوز بأي حال من الأحوال لحديث أبي مالك الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف» [(228)].
«الحِرَ» يعني الفرج، والمراد الزنا، والخمر كل ما أسكر، والحرير نوع معروف مما يلبس، لكنه لا يحرم على النساء لدعاء الحاجة إلى لبسه، والمعازف معروفة، واستحلالها نوعان: إما اعتقاد أنها حلال، كما يلبس ثوبه، وإما فعلها فعل المستحل مع اعتقاد أنها حرام، وكلا الأمرين موجود الآن، فمن الناس من يرى حل المعازف، إما عن اجتهاد، أو تأويل، وإما مجرد هوى، فيقول: الناس مختلفون في هذه المعازف، وأنا أرى أنها حلال، بدون أي اجتهاد، ومنهم من يفعلها فعل المستحل.
أما الأول: فوقع فيه علماء أجلاء، وضعفوا حديث أبي مالك الأشعري ـ رضي الله عنه ـ بأن البخاري ـ رحمه الله ـ رواه معلقاً، والمعلق نوع من أنواع الضعيف، وقالوا: إن المعازف حلال، وممن قال بذلك ابن حزم الظاهري ـ رحمه الله ـ.
ولكن هذا القول ضعيف، وتعليل الحديث بالانقطاع ـ أيضاً ـ ضعيف؛ لأن البخاري ـ رحمه الله ـ رواه جازماً به، وما رواه البخاري معلقاً مجزوماً به فهو صحيح عنده، ثم إن الحديث قد روي موصولاً من طرق أخرى، وله شواهد كثيرة في الوعيد على من يستمعون إلى المعازف.
فالحديث لا شك في صحته، لكن ابن حزم رجل مجتهد، والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب، وهناك أناس ليسوا أهل اجتهاد ولا أهل علم، ولكن يحكِّمون الهوى، يقولون: المسألة فيها خلاف، وما دامت المسألة خلافية فأمرها هين، فيعتقدون حله بناءً على الخلاف، وما ذاك إلا لهوى في أنفسهم، وكما قال الأول[(229)]:
وليس كل خلاف جاء معتبراً
إلا خلاف له حظ من النظرِ
وهذا لا حظ له من النظر، ومن أراد استقصاء هذه المسألة بأدلتها فعليه مراجعة كتاب: (إغاثة اللهفان) لابن القيم ـ رحمه الله ـ فقد أجاد في ذلك وأفاد.
وإذا كانت المعازف حراماً فإنه لا يحل منها إلا ما خصه الدليل، وبالقيود التي جاءت به.
وهذه قاعدة مهمة إذا جاءنا نص عام، ثم ورد تخصيصه فإنه يتقيد ـ أي التخصيص ـ بالصورة التي ورد بها النص فقط، مثلاً: وردت إباحة الدف في موضعه، فهل يمكن أن يقول قائل: إذاً جميع آلات العزف تباح في مثل هذه المناسبات قياساً على الدف؟
الجواب: لا يصح؛ لأن التخصيص إذا ورد يجب أن يكون في الصورة المعينة التي ورد بها، ولا يمكن أن تقاس بقية المعازف على الدف؛ لأنها أشد تأثيراً من الدف؛ وذلك لأصواتها ورناتها، والنفوس تطرب بها أكثر مما تطرب بالدف.
ثم إن بعضهم يختار أحسن النساء صوتاً ويجعلها تغني، ثم لا يجعلون بين النساء والرجال سوى جدار قصير يمنع الرؤية، ولكن لا يمنع الصوت، فيحصل بذلك فتنة، وأحياناً ـ والعياذ بالله ـ يجعلون مكبرات صوت على الأسواق، وهذا لا شك أنه فتنة، فإذا وصل إلى هذا الحد فإنه يجب على ولاة الأمور منعه، وأن ينبه الناس على أن هذا ليس هو الوارد.
قال في الروض[(230)]: «وكذا ختان، وقدوم غائب، وولادة، وإملاك».
أما الختان فهو قطع قلفة الذكر، فيسن فيه ـ على كلام صاحب الروض ـ الضرب بالدف.
وأما قدوم الغائب، فقد جاءت السنة بإباحته، فقد أتت امرأة إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقالت له: إني نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بالدف بين يديك، فقال: «أوفِ بنذرك» [(231)]، ولو كان هذا معصية لمنعها من الوفاء بالنذر؛ لأنه لا وفاء لنذر في معصية الله.
ولكن هل يشترط في الغائب أن يكون له جاه، وشرف، ومكانة، كأمير، ووزير، وما أشبه ذلك؟
الظاهر نعم بناء على القاعدة التي ذكرناها، وهي أن ما خرج عن العموم وجب أن يتقيد بما قيد به من حيث النوع، والوصف، والزمان، والمكان، وكل شيء؛ لأن الأصل العموم، فالظاهر أنه لا يجوز إلا لمن له شأن في البلد.
فإذا قال قائل: إذا كان الرجل ليس له شأن في البلد، لكن له شأن في قبيلته، مثل ما يكون في البادية مثلاً، فهل يضرب بالدف لقدومه؟
الجواب: نعم، يضرب بالدف لقدومه؛ لأنه فرح.
كذلك ـ أيضاً ـ في أيام العيد يجوز الدف للرجال والنساء على حد سواء؛ وذلك لأنه فرح عام، كلٌ يفرح به، وهو يوم سرور، والدف لا شك أنه يدخل السرور على الإنسان، ويفرح به ويسر.
وهل نطرد هذا في كل مناسبة فرح؟
الظاهر أننا لا نطرده إلا في فرح يكون عاماً، كالأعياد، وقدوم الغائب الذي له شأن في البلد، وما أشبه ذلك، وإلا فيقتصر على ما ورد.
وكذلك الولادة، إذا ولد للإنسان ولد أو بنت يضربون بالدف.
وكذلك الإملاك وهو عقد المِلكة، وقد يكون داخلاً في قول المؤلف «النكاح» ؛ لأن النكاح كما يكون بالدخول يكون بالعقد.
وكون صاحب الروض يرى هذا من باب الاستحباب فيه نظر، والصواب أنه لا يتجاوز الإباحة؛ لأن النكاح له شأن خاص، وقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بإعلانه[(232)]، وأما هذه الأمور فغاية ما هنالك أن نقول: للنفس أن تطرب بعض الطرب بهذه الأشياء.
وقال بعض أهل العلم: كذلك في كل سرور حادث، وعليه نقول: إذا حصل لواحد نجاح في الدراسة، يجمع إخوانه ويضربون بالدف، وكل هذه الأشياء من التوسع، ولكن أن يصل إلى درجة الغلو كما يفعله بعض الناس، فهذا لا يجوز، ونحن الآن ابتلينا بآلات اللهو والأغاني، وهي بلوى عظيمة في الحقيقة أفسدت كثيراً من شؤون الناس وأمورهم، حتى أصبحت عند بعض الناس من الفنون التي يدعى لها، وتعطى الشهادات عليها، ويحمد عليها، وهذا لا شك أنه يوجب قسوة القلب، وغفلته عن الله ـ عزّ وجل ـ وعما خلق له، بل عن مصالح الدين والدنيا، ويصير الإنسان ما همه إلا الطرب، ولذا ينبغي أن يبصر المسلمون بأن هذا لا يجوز، وأقبح من هذا أن يتخذ مثل هذا ديناً، مثل ـ والعياذ بالله ـ من يُلحِّن بعض الآيات القرآنية، ويلحنها تلحيناً كأغنية ماجنة خبيثة، وربما يجعل لها ضرباً خاصاً بالموسيقى، فهذا ـ والعياذ بالله ـ من أكبر ما يكون من امتهان كلام الله ـ عزّ وجل ـ، وصاحبه على خطر عظيم.
ويوجد بعض الناس كذلك يتخذه ديناً، يذكرون بعض القصائد إما محزنة، وإما مسلية، وإما مشجعة ـ كما يزعمون ـ على الدين، ويجعلونها مصحوبة بموسيقى معينة، ولهم إيقاعات خاصة تسمى بالتغبير، يأتون بقوس معين يسمونه قوس التغبير، ثم يجلسون يذكرون الله ـ تعالى ـ بنغمات معينة، وعندهم عود يضربون به، وكل من كان ضربته أشد وأقوى فهو دليل على أن قلبه أشد تعلقاً بالله، وهذه من طرق الصوفية، ولا شك أنها بدعة محرمة، وهذه لا توجب إخبات الإنسان لله تعالى، وإنما توجب اهتزاز الإنسان لهذه الانفعالات القلبية، ولكنها انفعالات طائشة في الواقع، فالرسول صلّى الله عليه وسلّم أخشع الناس ولم يسمع لهذا، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ.
ومن هذا النوع ما يسمى بأناشيد دينية، فهذه كذلك ينهى عنها، وهي مما يصد عن الاتعاظ بالقرآن، فإن استمع إليها الإنسان أحياناً إذا شعر بكسل وخمول ليتنشط بها، فهذا لا بأس به، أما أن يجعلها ديدنه، فهذا لا يجوز، وبعضهم يقول: إننا نستمعها حتى لا نستمع إلى أغانٍ أخرى محرمة.
فنقول لهم: هل الإنسان مجبر أن يسمع إما إلى هذا، أو إلى هذا؟ ليس مجبراً، ومثل هذا من يلعب الورق، فإذا قلت له: هذه لا يجوز اللعب بها، فهي تلهي عن الصلاة وتوجب العداوة والبغضاء، قال لك: أيهم أحسن هذه أو الغيبة؟!
والجواب: نعم هي أهون، وليست أحسن من الغيبة، ولكن لست مجبراً أن تبقى مغتاباً أو لاعباً.
تتمة في آداب الأكل والشرب من الروض المربع
يجب علينا أن نعلم نعمة الله ـ عزّ وجل ـ علينا بالأكل والشرب في تيسيره وتسهيله، حتى وصل إلينا، وقد أشار الله ـ تعالى ـ إلى هذه النعم في سورة الواقعة، فقال ـ عزّ وجل ـ بعد أن ذكر المادة التي خُلِق منها الإنسان، وذكر المواد التي يقوم بها الإنسان: {{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ *أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *}} [الواقعة] الجواب: بل أنت يا ربنا، {{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ *}} [الواقعة] أي لو نشاء لنبت الزرع ونما واستتم، ثم جعله الله حطاماً، بما يُرسَل عليه من العواصف، أو القواصف، وهذا أشد في الحسرة، من كونه لا ينبت، يعني أن الله لم يقل: لو نشاء لم ينبت، بل قال: {{لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}} وهذا أشد؛ لأن تعلق النفس به بعد أن نما واستتم أشد من تعلقها به وهو بذر {{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ *بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ *أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ *}} والطعام لا يكون إلا بماء {{أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ *}} الجواب: بل أنت يا ربنا {{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا}} [الواقعة: 70] ولم يقل: لو نشاء لم ننزله من المزن؛ لأن كون الماء بين يديك، ولكن لا تستطيع أن تشربه لكونه أجاجاً أشد حسرة {{فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ *}} ويصلح بها الطعام {{أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُونَ *}} [الواقعة] الجواب: بل أنت يا ربنا.
اذكر هذه النعم، قبل أن تذكر نعمة الله عليك بالأكل والشرب، ثم اذكر نعمة الله عليك بأنك تسيغ الأكل، ويسهل عليك، وتتلذذ به مذاقاً، وتتلذذ به مقراً في المعدة، وتتلذذ به إخراجاً، نعمٌ عظيمة، ألم يكن في الناس من لا يستطيع أن يسيغ اللقمة أو التمرة؟ بلى، فاحمد الله.
كذلك ـ أيضاً ـ من الناس من لا يتنعم بقرار الطعام في المعدة، ومن الناس من لا يتنعم بإخراج هذا الأكل بعد أن تفرقت الفائدة في الجسد، إذاً اذكر هذا.
إننا في الحقيقة ـ ونسأل الله أن يغفر لنا ويعفو عنا ـ نأكل كما تأكل الأنعام، أكثر ما نأكل تشهياً فقط، دون أن نذكر هذه النعم التي بأيدينا، وليست من صنعنا، اللهم ذكِّرنا ما نسينا، وعلمنا ما جهلنا.
هذا الأكل الذي تدعو إليه الطبيعة، جعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ للموفقين فيه عبادات عند البدء به، وعند الانتهاء منه، وفي أثنائه، فأولاً: اذكر أنك تأكل امتثالاً لأمر الله؛ لأن الله أمرك فقال: {{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}} [الأعراف: 31] ، ثانياً: تأكل لتحفظ صحتك وعافيتك، حتى في العبادة إذا كنت مريضاً وخفت من الماء، فإنك تتيمم حفاظاً على الصحة، ووقاية للبدن من المرض، ثالثاً: تأكل لتقوى على طاعة الله، ولا سيما في السحور حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «تسحروا فإن في السحور بركة» [(233)]، فيكون أكلك الذي تدعو إليه النفس والفطرة عبادة من أجلِّ العبادات.
ثم هناك عبادات مشروعة منها: التسمية عند الأكل، والتسمية عند الشرب، يقول صاحب الروض: «تسن التسمية» [(234)]، وهذا قول كثير من العلماء إن لم يكن أكثرهم، والصواب أن التسمية واجبة عند الأكل والشرب، وأن الإنسان يأثم بتركها لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك، حيث قال لعمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنه ـ: «يا غلام سمِّ الله» [(235)] مع أنه صغير، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر أن الإنسان إذا لم يسمِّ فإن الشيطان يشاركه في طعامه وشرابه[(236)]، وأتت جارية تُدفَع دفعاً، والنبي صلّى الله عليه وسلّم جالس، حتى قعدت ومدت يدها لتأكل، ولكنها لم تسم، فأمسك النبي صلّى الله عليه وسلّم بيدها وأمرها أن تسمي، وأخبر أن يد الشيطان ويد الجارية في يده[(237)] صلّى الله عليه وسلّم، وهذا يدل على أن الشيطان يتحين الفرص أن يحضر مع من لم يحضر أول الأكل، فيأكل بلا تسمية، فالصواب أن التسمية واجبة.
قوله: «جهراً» وهذا من أجل التعليم إذا كان معه أحد، ومن أجل إعلان هذا الذكر الذي يطرد به الشيطان إذا لم يكن معه أحد، فيقول: بسم الله.
وهل يزيد على ذلك بأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم؟
الجواب: إن اقتصر على قول بسم الله فحسن، وإن زاد: الرحمن الرحيم فحسن أيضاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: إذا زاد الرحمن الرحيم فهذا حسن؛ لأن هذا تكملة البسملة، ففي القرآن الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم، لكنه قال ـ رحمه الله ـ: وأما زيادتها عند الذبح أي: الرحمن الرحيم ـ فقد ذكر بعض أهل العلم أنها غير مناسبة؛ لأنك ستفعل ما لولا أن الله أحله لك ما كان لك أن تفعله، وهو ذبح الحيوان، فلا يناسب ذكر هذين الاسمين عند الذبح.
وأما ما قاله بعض الإخوان: إنه يكره أن تقول: الرحمن الرحيم، فعجبٌ من هذا، كيف يتجرأ فيحكم بما ليس له به علم؟!
والذي يقول: الرحمن الرحيم، ما زاد إلا خيراً؛ لأن من رحمة الله أن الله يسر لك هذا الأكل، فهي لا تنافي الحال، ولا تنافي الشرع، فلم يرد النهي، ولا يحل لإنسان أن يقول عن شيء: إنه يكره إلا بدليل؛ لأن الكراهة حكم شرعي تحتاج إلى دليل، أو إلى تعليل صحيح يشهد له النص.
وإذا كان الإنسان لا يحسن البسملة باللغة العربية، ويحسنها بلسانه فإنه يسمي بلسانه، وإذا كان أخرسَ لا ينطق أبداً فبالإشارة، وإذا كان معه أناس وبدؤوا بالأكل جميعاً، فهل تكفي تسمية الواحد، أو لا بد أن يسمي كل إنسان بنفسه؟
الجواب: إن جاؤوا مرتبين، بحيث يأتي الإنسان ولم يسمع تسمية الأول، فلا بد أن يسمي، كما جاء في الحديث في قصة الجارية، وأما إذا كانوا بدؤوا جميعاً فالظاهر أن التسمية تكفي من واحد، لا سيما إذا نوى أنه سمى عن نفسه وعمن معه، ومع ذلك فالذي أختار أن يسمي كل إنسان بنفسه، وإن بدؤوا جميعاً.
قوله: «والحمد إذا فرغ» أي: يسن الحمد إذا فرغ، فيقول: الحمد لله؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها» [(238)]، ولا شك أن هذا من باب الشكر لله ـ عزّ وجل ـ على نعمه، أن يسر لك هذا الطعام، فاحمد الله على ذلك.
ولكن هل نقول: إذا فرغ من جميع الأكل، أو من كل أكلة، ومن كل شربة؟
الظاهر: الأول؛ لأن الأكلات، وإن تتابعت فهي أكلة واحدة، فإذا فرغ من أكله فليحمد الله.
مثال ذلك: رجل أمامه رز يأكله، فهل نقول: كلما أكلت لقمة قل: الحمد الله، أو السنة أن تحمد الله إذا فرغت نهائياً؟
الجواب: الثاني.
كذلك ـ أيضاً ـ رجل يأكل تمراً، فلا تقول له: احمد الله كلما أكلت تمرة، فما دامت أكلة واحدة، سم عند أولها، واحمد عند آخرها.
قوله: «وأكله مما يليه» ، هذا إذا كان معه أحد، فإن من الأدب أن يأكل مما يليه، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ وهو ربيبه: «وكل مما يليك» [(239)]، ولأن هذا من المروءة والأدب، لكن إذا كان وحده فله أن يأكل من أي جانب، ولكن لا يأكل من أعلى الصحفة؛ لأن البركة تنزل في أعلاها، فيأكل من الجوانب، ولا حرج.
واستثنى العلماء ـ رحمهم الله ـ إذا كان الأكل أنواعاً فلا بأس أن يأخذ مما لا يليه، وقد جاءت بذلك السنة، كما لو كان على الطعام لحم، فاللحم في الوسط، فله أن يتناول منه، وكذلك لو فرض أن المائدة فيها أنواع من الإدام، ويوجد نوع يلي صاحبه، ونوع لا يليه، فله أن يتناول منه، لكن هنا يحسن أن يستأذن؛ لأنه من كمال الأدب.
قوله: «بيمينه» يعني يسن أكله بيمينه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر ابن أبي سلمة ـ رضي الله عنها ـ: «كل بيمينك» ، وهذا الذي ذكره ـ رحمه الله ـ هو المشهور من المذهب أن الأكل باليمين أفضل من الأكل باليسار.
والقول الراجح في هذه المسألة: أن الأكل باليمين واجب، ودليل هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الأكل بالشمال، وقال: «لا يأكل أحد بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» [(240)]، وقد نهينا عن اتباع خطوات الشيطان.
والعجب أن بعض السفهاء منا ـ معشر المسلمين ـ يرون أن الأكل بالشمال تقدم، فلا أدري كيف يرونه كذلك وهم إنما يقلدون الكفار بهذا الفعل الرديء ولا يستفيدون من سَبْقهم في الصناعات المفيدة، ولكن هذا من إملاء الشيطان ولا شك، فما دام الشيطان يأكل بشماله، فإنه يحب من بني آدم أن يتابعوه على هذا.
فالصواب أن الأكل بالشمال حرام إلا لعذر، وأكل رجل بشماله عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فنهاه وقال: «كل بيمينك» ، قال: لا أستطيع، يعني لا يستطيع نفسياً؛ لأنه ما منعه إلا الكِبْر ـ والعياذ بالله ـ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا استطعت» فما رفع الرجل يمينه إلى فمه أبداً[(241)]؛ لأن الله ـ تعالى ـ أجاب دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه بحق، وهذا نوع من التعزير غريب، أن يعزر الإنسان بأن يدعى عليه بما يشبه معصيته؛ لأن التعزير والتأديب بأي نوع كان.
فإن قال قائل: إذا كان الإنسان يأكل طعاماً، وأراد أن يشرب، فإن أخذ باليمين تأثر الإناء بالطعام، وهذا ربما يكرِّه غيره أن يشرب به، فهل هذا يبيح للإنسان أن يشرب بالشمال؟
الجواب: لا؛ لأن المحرم لا يباح إلا للضرورة، وهذا ليس بضرورة، ويستطيع الإنسان أن يمسك هذا الإناء من أسفله، فإن كان كبيراً يضعه على الراحة ويشرب، وإن كان كأساً فهو سهل؛ لأن الكأس يمكن للسبابة والإبهام الإحاطة به، فيمسكه من الأسفل ويشرب.
على أننا في الوقت الحاضر يسر الله الأمر، وزالت هذه العلة نهائياً بكؤوس البلاستيك، فهذا الكأس لا يشرب به غيرك؛ لأنه سيرمى، لكن هذا كله من وحي الشيطان يتحجج به بعض الناس.
قوله: «بثلاث أصابع» أي: ينبغي أن يأكل الطعام بثلاث أصابع: الإبهام، والوسطى، والسبابة، هذا إذا أمكن، لكن إذا كان لا يمكن الأكل بثلاث أصابع، كالرز ـ مثلاً ـ فإنه يأكل بما يمكن، وجاءت السنة بذلك؛ لأن الأكل بالأصابع كلها يدل على الشره والجشع، لا سيما إذا كان معه أحد.
والعجب أن بعض الناس استنبط من هذا النص أنه ينبغي أن يأكل اللحم بالشوكة، وغير اللحم بالملعقة، قال: لأنه يمسك الشوكة بثلاث أصابع، والملعقة بثلاث أصابع، سبحان الله! نحن لا يضرنا في الوقت الحاضر إلا الأفهام الخاطئة! فهذا لا يقال: أكل بالأصابع، وإنما بالشوكة وبالملعقة، والعلماء ـ رحمهم الله ـ مع قولهم إنه يأكل بثلاث أصابع قالوا: لا بأس بالأكل بالملعقة، قال شارح الإقناع: (وقد يؤخذ من قول الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ «أكره كل مُحدَث» أنه يُكره الأكل بالملعقة)؛ لأنها محدثة، ونحن لا نرى كراهة الأكل بالملعقة، لكن لا نرى أن الأكل بها يعني الأكل بثلاث أصابع.
فالصواب: أن الأكل بالملعقة لا بأس به، لا سيما مع دعاء الحاجة، وقد حدثني بعض الناس عن شخص له وزنه أنه كان مع جماعة كانوا يأكلون بالملعقة وهو يأكل بيده، فقالوا له: يا فلان لماذا لا تأكل بالملعقة؟ قال: أنا آكل بملعقة لا يأكل بها إلا أنا، وأنتم تأكلون بملعقة كل الناس يأكلون بها، أنا آكل بملعقة باشرتُ تنظيفها، وأنتم تأكلون بملاعق ما باشرتم تنظيفها، فربما يكون من نظفها نظفها جيداً، وربما لم ينظفها، وهذا جواب جيد، لكن لكل امرئ من دهره ما تعودا، فنحن لا نستطيع أن ننكر الأكل بالملعقة، لكننا لا نقول: إنه هو السنة؛ لأنه أكل بثلاث أصابع.
قوله: «وتخليل ما علق بأسنانه» ، لأن بقاء هذا بين الأسنان يضر بها، وباللثة، وربما يحدث به رائحة كريهة، ودفع المؤذي من الأمور المسنونة.
قوله: «ومسح الصحفة» ، وهذا ـ أيضاً ـ مما جاءت به السنة، يعني أن تمسحها من بقية الطعام، وتلعق أصابعك أيضاً، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة»[(242)].
قوله: «وأكل ما تناثر» وهذا سنة أيضاً، ولكن بعد إزالة ما فيه من أذى، مثل لو سقطت تمرة، أو قطعة من الطعام، فخذها وامسح ما بها من أذى ثم كُلْها، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ولا تدعها للشيطان» [(243)]، وهذا يدل على أن الشيطان يأكل ما تناثر إذا لم يؤكل، وأما إذا لم يمكن أكل ما تناثر فإنه يترك.
قوله: «وغض طرفه عن جليسه» وهذا ـ أيضاً ـ من الآداب، أن يغض طرفه عن جليسه الذي يأكل معه، فلا تجلس تنظر ما أكل هذا، وما أخذ هذا، وتجلس تراقبه من حين يأخذ الشيء حتى يضعه في فمه، فهذا ليس من الأدب، والناس كلهم ينتقدون هذا.
قوله: «وشربه ثلاثاً مصًّا» أي: سن أن يشرب بثلاثة أنفاس[(244)]، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا شرب شرب مصًّا، وقال: «إنه أهنأ وأبرأ» [(245)]، ففيه ثلاث فوائد، وينبغي أن يكون ذلك مصًّا لا جرعاً؛ وذلك لأن الماء لا يشرب إلا عند الحاجة إليه، إذا عطش الإنسان، والعطش التهاب المعدة وحرارتها، فإذا جاءها الماء جرعاً فإنه يؤثر عليها؛ لأنه يصطدم البارد بالحار، فإذا صار مصاً صار الذي ينزل خفيفاً يسيراً، ويكتسب حرارة من الفم إلى المعدة، فيرد على المعدة وهو ساخن مناسب لها.
ويكون ثلاثاً لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإنه أهنأ وأبرأ وأمرأ» ، ولذلك يقول العارفون: إنك إذا وجدت شخصاً عطشان جداً لا تعطيه الماء دفعة واحدة؛ لأنك إن فعلت فإنه يهلك، لكن أعطه شربة وجرعة واحدة، ثم تمهل قليلاً، ثم أعطه الثانية، وهكذا؛ لئلا يهلك.
وقوله: «مصًّا» ، هذا بالنسبة للماء، وأما اللبن والمرق وما أشبههما فإنه يُعب عباً، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن الماء جاف، وليس فيه دهونة، ولا شيء مناسب للمعدة، فكان الأولى أن يأتيها شيئاً فشيئاً، بخلاف اللبن وشبهه فتعبه عبًّا، ولكن بثلاثة أنفاس.
قوله: «ويتنفس خارج الإناء» فيكره أن يتنفس في الإناء، يعني لو فرض أن رجلاً نفسه قليل، ولا يصبر عن النفس، وأراد أن يتنفس، فليَبِنْ الإناءَ عن فمه ثم يتنفس.
قوله: «وكره شربه من فم سقاء» لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك[(246)]، ولأنه قد يكون في السقاء أشياء مؤذية لا يدري عنها، فإذا صب الماء في الإناء فإنه ينظر إلى الماء، هل فيه أشياء مؤذية أو لا؟ ومما يؤذي «العلقة»، وهي دودة حمراء تتغذى من الماء، فإذا شرب الإنسان من ماء فيه علقة، ودخلت إلى جوفه، فأحياناً تلصق على جدار المريء، أو ما قبله، وأحياناً تنزل إلى المعدة، فتلتصق به وتعضه وتتغذى منه، ثم تكبر وتتضخم حتى تسد النَّفَس تماماً، ولهذا أحياناً قد يهلكون بها.
قوله: «وفي أثناء طعام بلا عادة» أي: يكره الشرب في أثناء الطعام بلا عادة، فإن كان الإنسان اعتاد هذا فلا بأس، قال بعضهم: ويكره ـ أيضاً ـ بعد الطعام مباشرة بلا عادة.
وقوله: «بلا عادة» يفهم منه أن المسألة ترجع إلى ناحية طبية، قالوا: لأن الشرب أثناء الطعام يفسده، وتزول به منفعته، وكذلك إذا شرب مباشرة، فإذا كان قد اعتاد هذا فإنه لا يضره.
وقال بعضهم أيضاً: إنه إذا شرب أثناء الطعام فإنه يشعر أن معدته كالسقاء ترجرج، أما إذا كان هناك عادة، فالعادات لها طبائع ثابتة، فكثير من الناس لا يهمه أن يشرب أثناء الطعام، أو بعده مباشرة فلا يضره؛ لأنه معتاد.
ثم إن الطعام إذا كان حاراً والماء بارداً، صار هناك مضرة من جهة أخرى، وهي ورود البارد على الحار، ومعلوم أن الحار يوجب تمدد العروق والجلد، فإذا جاء البارد تقلص بسرعة فيكون في ذلك خطر.
قوله: «وإذا شرب ناوله الأيمن» اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم[(247)]، وهذا إذا كان الإناء واحداً، أما إن كان لكل واحد إناء، فالأمر واضح.
ولكن إذا دخل الساقي بمن يبدأ؟ هل يبدأ بمن هو عن يمينه أول ما يدخل، أو بالذي أمامه؟
نقول: يبدأ بالأكبر كما جاءت به السنة، ولا يبدأ بمن هو عن يمينه من عند الباب، وبه نعرف أن ما يفعله بعض الناس إذا دخل صافح كل من في المجلس من أول واحد عن اليمين إلى آخر واحد عن اليسار، أن هذا ليس من السنة، لا من جهة المرور بالناس ومصافحتهم، ولا من جهة أنه يبدأ من جهة اليمين الذي عند الباب، وهو أصغر القوم.
أما الأول فمن المعروف أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا دخل جلس حيث ينتهي به المجلس[(248)]، ولا يمر على الناس يسلم عليهم.
وأما الثاني فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان معه مسواك يتسوك به، فأراد أن يناوله الأصغر، فقيل له: كبِّر، فأعطاه الأكبر[(249)]، وعلى هذا فإذا كان الإنسان مقبلاً على الناس يبدأ بالأكبر، أما إذا كان بيده إناء وأراد أن يناوله فيبدأ باليمين، فإذا كان عن يمينه واحد، وعن يساره واحد فيعطي الأيمن.
قوله: «ويسن غسل يديه قبل طعام» أي: يسن أن يغسل يديه قبل الطعام، وهذه المسألة مختلف فيها، هل من السنة أن يغسل يديه قبل الطعام مطلقاً، أو إذا كان هناك حاجة؟
الظاهر التفصيل، فإذا كان هناك حاجة فاغسل يديك، ومن الحاجة أن تكون قد لمست شيئاً تتلوث به يدك، أو كثر سلام الناس عليك، فأحسست برائحة كريهة، فهنا الأفضل أن تغسل يديك، وإلا فلا حاجة.
قوله: «متقدماً به ربُّه» يعني أن الذي يتقدم في غسل يديه هو رب البيت.
قوله: «وبعده متأخراً به ربُّه» أي: أنه في آخر الطعام يكون رب البيت آخر الناس غسلاً ليديه. وهذه راجعة للعرف والمروءة، وفي وقتنا، فالغالب أن رب البيت لا يشارك الناس.
قوله: «وكره رد شيء من فمه إلى الإناء» ، لأن هذا خلاف المروءة، ويُكرِّه الطعام للناس، والإنسان ينبغي له أن يتعامل معاملة طيبة مع الناس، ويتأدب بالأدب الرفيع.
أما إذا كانت ثمرة أو لقمة فهي أشد وأشد، ومن ذلك أيضاً أن يأخذ قطعة اللحم يريد أكلها، فيجدها قاسية فيردها في الإناء، فهذا مكروه وخلاف المروءة.
قوله: «وأكله حاراً» أي: يكره أكل الحار الشديد، والذي تتألم منه المعدة، والطعام يمر على ثلاثة أشياء: اليد، والفم، والمعدة، فاليد تحس بالحر أكثر؛ لأنها لم تتعود على الحار، فأحياناً يكون الطعام حاراً في اليد، ويدخله الإنسان في فمه فما يتأثر، وبعض الناس إذا كان الطعام حاراً في الفم وتأثر به، أنزله بسرعة إلى المعدة، وهذا غلط؛ لأن هذا يوجب أن تنصهر المعدة ويحدث فيها قرحة، ولهذا أرى أن صاحب البيت إذا رأى أن الطعام حار، فإنه يصبرحتى يبرد، ثم يقدمه للضيوف؛ لئلا يضرهم وهم لا يشعرون.
قوله: «أو من وسط الصحفة» ، كذلك يكره أن يأكل من وسط الصحفة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك، وقال: «إن البركة تنزل في أعلاها»[(250)].
قوله: «أو أعلاها» الغالب أن الأعلى هو الأوسط، وإذا كانت سواء، كما في صحون الرز فلا يأكل من الوسط.
قوله: «وفعله ما يستقذره من غيره» هذه مهمة جداً، والمعنى أنك لو فعل غيرك هذا لرأيته قذراً، فلا تفعل مثله، وهذا مأخوذ من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [(251)]، ومن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه»[(252)].
قوله: «ومدح طعامه وتقويمه» أي: أن هذا مكروه؛ لأنه يمنُّ به على الضيف.
قوله: «وعيب الطعام» أي أنه مكروه، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يعيب الطعام، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه[(253)] أما أن تعيبه وتقول: طعامك مالح! وشايك مر! وتمرك حشف! فهذا مكروه، أما إن أراد أن يعيبه عند أهله حتى لا يعودوا لمثل ذلك، فهذا جائز، بل هو من التعليم، وهنا لم يعب الطعام، ولكن عاب صنعة أهله.
قوله: «وقِران في تمر» أي: يكره أن يأكل تمرتين جميعاً.
قوله: «مطلقاً» أي سواء كان معه مشارك أم لا، وبعض العلماء يقول: إن لم يكن معه مشارك فهو حر، يقرن بين اثنتين أو ثلاث، أما إن كان معه أحد فيكره ذلك؛ لأنه سيأكل أكثر من صاحبه، فيكون في ذلك ظلم.
وأما كراهته إذا كان وحده فلأنه يدل على الشره، وأيضاً ربما غص بذلك فيتضرر.
وقوله: «تمر» احترازاً مما دون التمر، كالعنب والفستق، فإنه يجوز القران فيه، إلا إذا كان معه أحد يضيق عليه، فلا يفعل.
قوله: «وأن يفجأ قوماً عند وضع طعامهم تعمداً» ، وهذا ما يسمى بالطفيلي، فإذا ظن أنهم قدموا الطعام فاجأهم حتى لا يستطيعوا أن يقولوا له شيئاً.
فمثل هذا يكره؛ لأنه أولاً: دناءة، وثانياً: إن فيه إحراجاً لأهل البيت.
أما إذا كان عن غير عمد، كإنسان أراد أن يزور صاحبه، فدخل ووجدهم على الطعام فهذا لا بأس به.
قوله: «وأكله كثيراً بحيث يؤذيه» أي: أن ذلك يكره، وعلامة الأذى أن يضيق النفَس، ويتعب عند القيام، والاضطجاع، وما أشبه ذلك.
واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن هذا حرام، وهو الصواب، فلا يجوز للإنسان أن يأكل أكلاً يؤذيه.
قوله: «أو قليلاً بحيث يضره» الأكل القليل ينظر، إذا كان البدن يتغذى به فهذا خير؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «بحسب ابن آدم لُقيمات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» [(254)].
فكونك تأكل قليلاً، ثم تعود إلى الأكل قريباً أحسن من كونك تأكل كثيراً ثم تتأخر إلى العودة إلى الأكل، ولهذا نسمع عن بعض الأمم أنهم يأكلون قليلاً، ثم يرجعون إلى الأكل عن قرب، فتجدهم يأكلون في اليوم والليلة خمس مرات، ويقولون: هذا أصح للبدن، وما هذا ببعيد؛ لأن الحديث السابق يدل عليه؛ لأنه إذا صار الطعام قليلاً كان هضمه من المعدة بيسر وسهولة، ولا يشق عليها، وإذا هضمته وطلبت طعاماً فكل، فلن يضرك، ولكن أكثر الناس لا يقدر على هذا، فإذا جلس على الطعام لا بد أن يملأ البطن، وهذا أحياناً لا بأس به، أي: أن تملأ بطنك بالطعام حتى لا تجد مكاناً للطعام، كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ فقد كان فقيراً، وكان يصحب النبي صلّى الله عليه وسلّم على شبع بطنه، وفي يوم من الأيام خرج الناس من المسجد، فجعل إذا لقي أحداً يسأله: ما الذي بعد آية كذا؟ وهو يريد بذلك: أن يدعى من أحدهم، ولكن لم يدعه أحد إلى بيته، حتى خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فلما رآني تبسم؛ لأنه عرف أن به جوعاً، قال: فذهبت معه، فجيء إليه بقدح من لبن، فقال لي: «ادع أهل الصفة» يريد أن يسقيهم من اللبن، فقال أبو هريرة في نفسه: إذا دعوت أهل الصفة فماذا يبقى لي؟! ولكن لا بد لي من امتثال أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فذهب ودعاهم، وكانوا أحياناً يبلغون ثمانين رجلاً، فجاءوا وشربوا كلهم من هذا الإناء، وبقي فيه شيء، وكان أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ هو ساقيهم، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اشرب أبا هر» ، فشرب، ثم قال له: «اشرب» ، فشرب، حتى ما وجد مكاناً للبن في بطنه، فقال: والله يا رسول الله لا أجد له مساغاً، فأخذ العلماء من هذا أنه يجوز للإنسان أن يملأ بطنه من الطعام، لكن أحياناً.
وانظر إلى البركة فهذا الإناء كفى أهل الصفة، وأبا هريرة، وبقيت فيه بقية، وكان يقول: إن الناس يقولون لي: أبا هريرة، وإن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمَّاني أبا هر[(255)]، والأحسن أبو هر؛ لأنه مكبر، ولأنها تسمية النبي صلّى الله عليه وسلّم له، ولهذا كان علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أحسن الألقاب عنده أبو تراب، لأنه كان نائماً يوماً في المسجد، وقد علق التراب بجسمه، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يمسح عنه التراب، ويقول له: «قم أبا تراب» [(256)].
وقال صاحب الحاشية[(257)]: «وليس من السنة ترك أكل الطيبات» وهذا صحيح، بل من السنة أكل الطيبات، فقد جيء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بتمر طيب، فسأل عن مصدره، فقالوا: كنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة[(258)]، ولم ينكر عليهم أكل الطيب، ولكن أنكر عليهم الربا، وأقرهم على أنهم يختارون له الطيب.
وقال أصحاب الكهف: {{}} [الكهف: 19] ، فالتورع عن أكل الطيبات خلاف سنة الأولين والآخرين، لكن إن لزم من أكل الطيبات الخروج إلى حد الإسراف، فحينئذٍ يمنع، لا لأنه أكل من الطيبات، ولكن لأجل السرف.
قوله: «ومن السرف أن يأكل كل ما اشتهى» سبحان الله! هذا ليس من السرف، بل هو من التنعم بنعم الله ـ عزّ وجل ـ، نعم لو اختار أشياء غالية لا تليق بمثله فهذا صحيح، فكلام المؤلف فيه نظر.
قوله: «ومن أذهب طيباته في حياته الدنيا، واستمتع بها، نقصت درجاته في الآخرة للأخبار» ، لا شك إذا تلهى بطيبات الدنيا عن أعمال الآخرة، فلا شك أن ذلك ضرر عظيم.
قوله: «وكره نفض يده في القصعة» لأنه يقذرها على الناس، حتى لو قال: أنا أنفضها في جهتي؛ لأن الطعام كالرز ينتشر في القصعة.
قوله: «وأن يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فمه» ، هذا أيضاً مكروه؛ لأنه دناءة.
قوله: «وأن يغمس اللقمة الدسمة في الخل» الخل عبارة عن ماء يوضع فيه زبيب أو تمر ليحليه، فإذا وضع فيه اللقمة الدسمة تلطخ بالدسم، فأفسده على الناس.
قوله: «أو الخل في الدسم فقد يكرهه غيره» وهذا كذلك؛ إلا إذا كان الخل في إناء خاص به، والدسم كذلك إذا كان في إناء خاص به، فإذا غمس فيه الخبز وفيه دسم فإنه لا يكره؛ لأنه لن يفسده على أحد، ومثله الشاي لو غمست فيه الخبز المدهون فيظهر أثر الدهن فيه، فلا بأس؛ لأن كل واحد يشرب في إناء خاص.
فإذا قال قائل: المؤلف ـ رحمه الله ـ جزم بالكراهة في هذه الأمور، فهل في كل واحد منها سنة مخصوصة؟
فالجواب: لا نعلم، ولكن هنا شيء عام يدل على كراهة هذه الأشياء، وهو قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت» [(259)]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» [(260)]، وكل ما يخالف المروءة، فهو مخالف للحياء.
قوله: «وينبغي أن يحول وجهه عند السعال والعطاس عن الطعام» السعال، أي: الكحة، فينبغي أن يبعد وجهه عن الطعام لئلا يخرج شيء من الريق، ويقع في الطعام وهذا حق، والعطاس من باب أولى.
ولكن قوله: «أن يحول وجهه» أي يصرفه عند العطاس هذا غلط؛ لأنهم يقولون: إن هذا خطر عظيم على الأعصاب؛ لأنه كما هو معلوم العطاس يهز البدن كله، فلو التفت أثناء العطاس ربما اختلفت أعصاب الرقبة، ولهذا كره الأطباء أن ينحرف الإنسان عند العطاس، ولكن يفعل كما قال المؤلف: «يبعد عنه ، أو يجعل على فيه شيئاً» وهذا من الآداب أن يغطي الإنسان وجهه عند العطاس، فيضع غترته أو ما أشبه ذلك على وجهه إذا أمكن.
قوله: «لئلا يخرج منه ما يقع في الطعام» وهذا سبق.
قوله: «ويكره أن يغمس بقية اللقمة التي أكل منها في المرقة» كإنسان أكل قطعة من خبز، ثم غمسها في المرق، فيكره، إلا إذا كان لا يأكل معه أحد فلا حرج.
قوله: «ويستحب للآكل أن يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى، أو يتربع» فيجلس على اليسرى وينصب اليمنى بساقها وفخذها؛ لئلا يتوطن كثيراً فيأكل كثيراً، أو يتربع، ولكن ابن القيم ـ رحمه الله ـ ذكر في «زاد المعاد» أن التربع مكروه، وأنه داخل في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا آكل متكئاً» [(261)]، وعلل ذلك بأن المتربع مستوطن أكثر، فربما يأكل كثيراً.
والجواب: عن هذا أن يقال: الحديث لا يدل على هذا، فالتربع ليس اتكاء، ومسألة أنه إذا تربع أكثرَ من الطعام هذه ترجع إلى الإنسان، ربما حتى لو جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى ربما يكثر من الطعام، فالظاهر أن التربع لا يكره.
قوله: «وينبغي لمن أكل مع جماعة أن لا يرفع يده قبلهم حتى يكتفوا» خصوصاً إذا كان كبير القوم، أو صاحب البيت، فلا تقم قبلهم؛ لأنك إذا قمت قبلهم ربما يقومون حياء، وهم لم يشبعوا، فكن آخر شخص.
وكان الناس فيما سبق يبالغون في هذا غاية المبالغة، حتى إذا قام صبي من خمسين رجلاً على المائدة قاموا جميعاً، ولكن أخيراً صار لا يقوم الإنسان إلا إذا شبع، ويعبرون عن هذه العادة بقولهم: سعودية؛ لأن أول من سنها ـ كما قيل ـ الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، واقترح علينا بعض الناس في مجلس في الرياض أن تكون سعودية في المبتدى والمنتهى، فالناس إذا حضروا على المائدة لا يبدأون حتى يتكاملوا ويحضروا جميعاً، فيتأخرون كثيراً، فلماذا لا نقول: سعودية في الأول، فمن جلس أكل؟ وهذا الاقتراح أعجبني في الواقع، ولا يعد خلافاً للمروءة كما قال الشاعر[(262)]:
وإن مُدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلهم إذ أجشع الناس أعجل
لأنه إذا صارت عادة لم تكن جشعاً.
قوله: «وأن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار» أي: يستحب ذلك، وهذا ـ أيضاً ـ حسب العادة، فإذا كان الضيف ممن يرى أنه أهل لأن يصحب إلى الباب فليكن، وإلا فلا حاجة.
قوله: «ويحسن أن يأخذ بركابه» هذا إذا جاء على بعير، فيأخذ بركابه حتى يسهل الركوب، وفي الوقت الحاضر يفتح له باب السيارة.
قوله: «وينبغي للضيف ـ بل لكل أحد ـ أن يتواضع في مجلسه» وضد التواضع شيئان:
الأول: الكبر، وهذا حرام، بل من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: {{وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا}} [لقمان: 18] .
الثاني: أن لا يكون متكبراً ولا متواضعاً، بل طبيعياً، وهذه حال جائزة، لكن الأفضل أن يكون متواضعاً.
وهل من التواضع أن يقدم اللحم لجليسه كما يفعل بعض الناس؟
هذه ـ أيضاً ـ ترجع إلى العادات، فإذا جرت العادة بأن هذا من باب التواضع والإكرام فافعل، وإلا فلا تفعل، وكذلك لو قال لك جليسك: كف عن هذا، فلا تحرجه، ودعه يأخذ كما يريد.
قوله: «وإن عيَّن له صاحب البيت مكاناً لم يتعده» .
هذا من الأدب، فإذا قال له صاحب البيت: تفضل اجلس هنا، فلا يقول: لا، وإذا كان رجلاً شريفاً، وذا مكانة، وأجلسه في مكان لا يليق به فله أن يرفضه؛ لأنه ما أكرمه، فلا كرامة له، وإذا قال للداخل: اجلس هنا ـ أي: في صدر المجلس ـ ولكن أحب هذا الداخل أن يجلس في مكان آخر يكون قريباً من جميع الحضور، فهل يعصي صاحب البيت، ونقول: لا بأس؟ أو نقول: أنت داخل بإذن من صاحب البيت، فليس لك أن تجلس في مكان غير الذي عينه لك؟
الجواب: الثاني، ولكن إذا رأى من المصلحة أن يجلس وسط الناس دون المقدم فليستأذن.
-------------------------
[194] أخرجه الإمام أحمد (2/204)؛ وابن ماجه في الجنائز/ باب ما جاء في النهي عن الاجتماع (1612) وقال البوصيري: إسناده صحيح، رجال الطريق الأول على شرط البخاري، والثاني على شرط مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي ـ رضي الله عنه ـ.
[195] أخرجه الإمام أحمد (3/65)؛ وأبو داود في الجنائز/ باب في النوح (3128)؛ والبيهقي (6314) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
[196] أخرجه البخاري في البيوع/ باب ما جاء في قول الله تعالى: {{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ}} (2049)؛ ومسلم في النكاح/ باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد... (1427) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[197] أخرجه البخاري في المغازي/ باب حديث كعب بن مالك (4418)؛ ومسلم في التوبة/ باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه (2769) عن كعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ.
[198] أخرجه البخاري في الأدب/ باب الهجرة... (6077)؛ ومسلم في الأدب/ باب تحريم الهجر فوق ثلاثة أيام بلا عذر شرعي (2560) عن أبي أيوب الأنصاري.
[199] أخرجه البخاري في الجنائز/ باب الأمر باتباع الجنائز (1240)؛ ومسلم في الآداب/ باب من حق المسلم على المسلم رد السلام (2162) (5) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، واللفظ لمسلم.
[200] أخرجه مسلم في السلام/ باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام (2167) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[201] أخرجه البخاري في استتابة المرتدين/ باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلّى الله عليه وسلّم (6926)؛ ومسلم في الآداب/ باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام2163) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[202] أخرجه البخاري في النكاح/ باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم (5177)؛ ومسلم في النكاح/ باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة (1432) (110) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ واللفظ لمسلم.
[203] سبق تخريجه ص(324).
[204] أخرجه البخاري في الهبة/ باب القليل من الهبة (2568) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[205] أخرجه مسلم في الأدب/ باب تفسير البر والإثم (2553) عن النواس بن سمعان ـ رضي الله عنه ـ.
[206] أخرجه مسلم في الإيمان/ باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (49) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
[207] أخرجه أحمد (3/270) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ، وصححه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (2493)، وأصله في البخاري في الرهن/ باب في الرهن في الحضر (2508).
[208] أخرجه البخاري في الهبة/ باب قبول الهدية من المشركين (2617)؛ ومسلم في الآداب/ باب السم (2190) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[209] سبق تخريجه ص(326).
[210] سبق تخريجه ص(324).
[211] أخرجه البخاري في النكاح/ باب الهدية للعروس (5163)؛ ومسلم في النكاح/ باب زواج زينب بنت جحش... (1428) (94) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[212] أخرجه الترمذي في النكاح/ باب ما جاء في الوليمة (1097) عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ، وابن ماجه في النكاح/ باب إجابة الداعي (1915) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، ومثله عند أبي داود في الأطعمة/ باب في كم تستحب الوليمة (3745)، انظر: خلاصة البدر المنير (2020)، والتلخيص (1560)؛ والإرواء (1950).
[213] سبق تخريجه ص(329).
[214] أخرجه مسلم في النكاح/ باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة (1431) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[215] أخرجه مسلم في النكاح/ باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة (1430) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[216] أخرجه البيهقي (4/279) وحسنه الحافظ في الفتح (4/247) ط/ دار الريان، وانظر: خلاصة البدر المنير (2028)؛ والإرواء (1952).
[217] أخرجه الترمذي في البيوع، باب النهي عن البيع في المسجد (1321)؛ والدارمي في الصلاة باب النهي عن استنشاد الضالة في المسجد والشرى والبيع (1/347) (ط/البغا) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه ابن خزيمة (1305)؛ والحاكم (2/56) على شرط مسلم؛ وأقره الذهبي.
[218] سبق تخريجه ص(328).
[219] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب قول الله تعالى: {{لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}} (1477)؛ ومسلم في الأقضية/ باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة... (593) عن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ.
[220] أخرجه أحمد (4/350)؛ وأبو داود في المناسك/ باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ (1765) عن عبد الله بن قرط ـ رضي الله عنه ـ، وصححه في الإرواء (1958).
[221] سبق تخريجه ص(95).
[222] أخرجه البخاري في النكاح/ باب الترغيب في النكاح (5063)؛ ومسلم في النكاح/ باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه... (1401) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[223] أخرجه الإمام أحمد (1/274)؛ وأبو داود في الأشربة/ باب ما جاء في السكر (3685) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ، وأخرجه أيضاً في الأشربة/ باب في الأوعية (3696) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وصححه ابن حبان (5341) ط/ الأفكار الدولية، وانظر التلخيص (2124).
[224] أخرجه البخاري في النكاح/ باب النسوة اللاتي يهدين الزوجة... (5162) عن عائشة ـ رضي الله عنه ـ.
[225] أخرجه أحمد (3/391) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ، وابن ماجه في النكاح/ باب الغناء والدف (1900) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وحسنه في الإرواء (1995).
[226] انظر: الحديث السابق.
[227] سبق تخريجه ص(95).
[228] أخرجه البخاري في الأشربة/ باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (5590) عن أبي عامر الأشعري ـ رضي الله عنه ـ.
[229] أبو الحسن ابن الحصار نقله عنه السيوطي في الأتقان (1/41).
[230] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/418).
[231] أخرجه الإمام أحمد (5/353، 356)؛ والترمذي في المناقب/ باب في مناقب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ (3690) عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ، وقال: حسن صحيح غريب، وصححه ابن حبان (4386)؛ والحافظ في التلخيص (2123).
[232] سبق تخريجه ص(95).
[233] أخرجه البخاري في الصوم/ باب بركة السحور من غير إيجاب (1923)؛ ومسلم في الصيام/ باب فضل السحور وتأكيد استحبابه... (1095) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[234] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/419).
[235] أخرجه البخاري في الأطعمة/ باب التسمية على الطعام، والأكل باليمين (5376)، ومسلم في الأشربة/ باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (2022) عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما.
[236] أخرجه مسلم في الأشربة/ باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (2018) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ..
[237] أخرجه مسلم في الأشربة/ باب آداب الطعام والشراب وأحكامها (7/20) عن حذيفة رضي الله عنه.
[238] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء/ باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب (2734) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[239] سبق تخريجه ص(358).
[240] أخرجه مسلم في الأشربة/ باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (2020) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[241] أخرجه مسلم في الأشربة/ باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (2021) عن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ.
[242] أخرجه مسلم في الأشربة/ باب استحباب لعق الأصابع والصحفة... (2033) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[243] أخرجه مسلم في الأشربة/ باب سابق (2033) (134) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[244] أخرجه البخاري في الأشربة/ باب الشرب بنفسين أو ثلاثة (5631)؛ ومسلم في الأطعمة/ باب كراهة التنفس في نفس الإناء... (2028) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[245] أخرجه البيهقي (1/40) عن ربيعة بن أكثم ـ رضي الله عنه ـ.
[246] أخرجه البخاري في الأشربة/ باب الشرب من فم السقاء (5627) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[247] أخرجه البخاري في المساقاة/ باب من رأى صدقة الماء... (2353)؛ ومسلم في الأشربة/ باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما... (2029) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[248] أخرجه الطبراني في الكبير (22/158)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/156) عن الحسين عن أبيه رضي الله عنهما، وانظر: مجمع الزوائد (8/277).
[249] أخرجه البخاري في الوضوء/ باب دفع السواك إلى الأكبر (246)؛ ومسلم في الرؤيا/ باب رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم (2271) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[250] أخرجه أبو داود كتاب الأطعمة/ باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة (3772).
[251] أخرجه البخاري في الإيمان/ باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه (13)؛ ومسلم في الإيمان/ باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه (45) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[252] أخرجه مسلم في المغازي/ باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول (1844) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ.
[253] أخرجه البخاري في المناقب/ باب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم (3563)؛ ومسلم في الأطعمة/ باب لا يعيب الطعام (2064) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[254] أخرجه الترمذي في الزهد/ باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل (2380)؛ وابن ماجه في الأطعمة/ باب الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع (3349) عن المقدام بن معد يكرب ـ رضي الله عنه ـ، وقال الترمذي: حسن صحيح.
[255] أخرجه البخاري في الرقاق/ باب كيف كان عيش النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه... (6452) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[256] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم/ باب مناقب علي بن أبي طالب (3703)؛ ومسلم في الفضائل/ باب من فضائل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ (2405) عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ.
[257] حاشية ابن قاسم على الروض المربع (6/424).
[258] أخرجه البخاري في البيوع/ باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه (2201) (2202)؛ ومسلم في المساقاة/ باب بيع الطعام مثلاً بمثل (1593) (95) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ.
[259] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء/ باب (3483) عن أبي مسعود ـ رضي الله عنه ـ
[260] أخرجه مسلم في الإيمان/ باب بيان عدد شعب الإيمان... (35) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ؛ وأخرجه البخاري في الإيمان (9) بلفظ: «الإيمان بضع وستون شعبة».
[261] أخرجه البخاري في الأطعمة/ باب الأكل متكئاً (5398) عن أبي جحيفة ـ رضي الله عنه ـ.
[262] الشنفري في ديوانه 1/2.
المرجع
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18126.shtml