بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة النظم لحلية طالب العلم
المقدمة
الحمد لله عظيم المنه ... وناصر الدين بأهل السنه
ثم الصلاة والسلام ما جرى ... في هذه الأفلاك نجم أو سرى
على رسول الله خير الرسل ... والآل والصحب وأهل الفضل
وبعد فالنظم على مراتب ... لحلية فائقة المطالب
الفصل الأول
آداب الطالب مع نفسه
فأول الأصول في ذي الحليه ... لكل طالب خلوص النيه
فاحذر من التسميع والرياء ... وعالج النية في الخفاء
ولا تكن ممن يريد الشهره ... ويترك الحق لما في الصره
وكن على السبيل مثل من سلف ... إياك إياك وسبل من خلف
في كل شيء فاتبع آثارهم ... وسر كما ساروا على منهاجهم
والزم هديت خشية الرحمن ... في حالة الإسرار والإعلان
فإنها وصف لأهل الذكر ... كما أتى مصرحا في الذكر
فراقب الله ـ أخي في السنه ... فإن هذا من عظيم المنه
واخفض جناحا وانبذن الخيلا ... واحتمل الذل تنل ذا الأملا
فالعلم حرب للفتى المكابر ... كالسيل حرب للذي يغامر
واقنع بما أوتيت فهو الكنز ... وازهد عن الدنيا فذاك العز
وكن على دل وسمت وأدب ... إياك من مزح ولهو وشغب
إن الفتى من كان ذا رجوله ... وكان مقداما وذا فحوله
واهجر نعيم اللبس والرفاهه ... وكن قوي الدين ذا نباهه
تمعددوا واخشوشنوا قال عمر ... فإن طيب العيش عقباه ضرر
فخذ من اللباس ما يزينك ... واحذر من اللبس الذي يشينك
ولا تطأ بساط أهل الشر ... فإن هذا من عظيم النكر
وانء عن الهيشات جمعا واللغط ... فإن ذا يدعوك حتما للغلط
ولازم الرفق فذاك زين ... واجتنب الشدة فهي شين
واحرص على الثبات والتثبت ... قبل الكلام إن أردت تثبت
وهكذا أوصيك بالتأمل ... فإنما الزلات في التعجل
الفصل الثاني
كيفية الطلب والتلقي
قد قيل من لم يتقن الأصولا ... قد حرم التأصيل والوصولا
ومن بغى العلم بإجمال ذهب ... وربما أصبح مقطوع النسب
إن ازدحام العلم يا هذا يمل ... وربما للفهم أيضا قد يضل
فالعلم بالتأسيس والتحصيل ... والضبط والتحرير والتفصيل
فحبذا حفظ لمتن مختصر ... ثم على شيخ لضبط فليمر
لا تخلطن يا أخي علمين ... فإن هذا يزعج العقلين
والعلم بالتلقين والمشافهه ... عن الشيوخ ذي العقول النابهه
من لم يشافه شيخه يلق العلل ... وربما يعثر يوما في الزلل
فآخذ العلم من الطروس ... كآكل اللحم بلا ضروس
الفصل الثالث
آداب الطالب مع شيخه
والأدب العالي ـ أخي ـ الطالب ... مع الشيوخ أعظم المطالب
أعني به الإكرام والإجلالا ... وتركك الإلحاح والإخلالا
ثم الجلوس بوقار للطلب ... في مجلس للدرس يحلو كالرطب
وإن تخاطبه فقل: يا شيخنا ... فإن هذا جاء عن أسلافنا
واحذر ـ هداك الله ـ أخلاق العجم ... مع الشيوخ فهي عندي كالورم
والاقتدا بالشيخ سمت السالك ... ومن يقلده فذاك الهالك
واجتنب النوم وشرد بالكسل ... فإنه يجلب للشيخ الملل
نشاطه في درسه قد ينقطع ... لأنه بحسب فهم المستمع
وإن أردت يا أخي أن تكتبن ... عن شيخك الدرس لزاما فاعلمن
وشر بأن ما يرى في ذي الصحف ... قد كان من سماعه لا يختلف
واحذر أبا جهل عدو الدين ... لا تأخذن عنه ولا حرفين
ذاك الذي في الشبهات قد رتع ... وحرف الدين وعاث وابتدع
ففر منه واهجرن كتبه ... فإنه يمرض من قد صحبه
فهؤلا أشد من داء الجرب ... بل هم شياطين وداء كالكلب
فاحذر رعاك الله منهم ... ما أتى ... فإنه يقدح في قلب الفتى
الفصل الرابع
أدب الزمالة
واحذر قرين السوء واجتنبه ... واختر قرين الخير واصطحبه
واحرص على الموصوف بالفضيله ... فإنه كالعملة الجليله
ومن تصادقه ـ أخي ـ للنفع ... أو لذة فأمره للقطع
الفصل الخامس: آداب الطالب في حياته العلمية:
ويا أخي كن كبير الهمه ... في طلب العلم وبذل النهمه
كم ترك الأول للآخر من ... جواهر العلم فكن ممن فطن
من لم يكن للعلم يوما رحله ... فلن يكون عالما ذا رحله
فارحل طويلا لسماع السنه ... إلى شيوخ العلم تلق المنه
وحفظك العلم أخا الروايه ... حفظ كتاب ثم بالرعايه
ومن يذاكر حفظه تثبت ... ومن جفا عنه فقد تفلت
لا تجعل العلم سبيلا للغرض ... أو سلما ترجو به نيل العوض
من عالج الفقه بفهم ونظر ... نضره الله وأمسى كالقمر
وذاك بالتخريج للفروع ... على الأصول حذر الوقوع
لا تترك العلم إذا ما استصعب ... والجأ إلى الله تفز بالمأرب
وكرر الإلحاح في الدعاء ... لا تقنطن فهو ذو العطاء
أمانة العلم من الديانه ... فاحفظ أخي هذه الأمانه
عند البلاغ والأداء والعمل ... في كل شيء قبل إتيان الأجل
والصدق في اللهجة عنوان الطلب ... فكن مع الصدق وجانب من كذب
و (لست أدري) جنة للطالب ... لأنها حرز من المعاطب
والوقت للطالب رأس المال ... وهو وعاء الجد والإقبال
فاغتنم الغض من الشباب ... من قبل أن يؤول للذهاب
والنفس كالطفل لها ملاله ... فروح النفس تجد علاله
فإنها تنشط بالإجمام ... في روضة العلم مع الأيام
واحرص على القراءة المنيفه ... على إمام واضبط الصحيفه
لتأمنن عثرة التصحيف ... والوهم في اللفظ مع التحريف
والجرد للطوال ذو فوائد ... يخبر القارئ بالفرائد
وفيه توسيع لذي المدارك ... كذاك أيضا خبرة لسالك
والعلم يا هذا له مراتب ... حسن سؤال واستماع طالب
وحسن فهم ثم حفظ وعمل ... وهكذا التبليغ ــ بلغت الأمل
واجتنب المراء فهو نقمه ... وناظرن في الحق فهو نعمه
وعود النفس على المطارحه ... والتزم الإنصاف والمصارحه
من ذاكر العلم ارتقى في المجد ... وصار مغبوطا قوي الرد
إن حياة العلم في المذاكره ... ونعشه بالبذل والمصابره
ومن يعش بين الكتاب والسنن ... فإنه يعيش في أزكى المنن
يكون كالنسر على الشماء ... وآمنا في السير من وعثاء
ولن تكون متقنا للفن ... حتى تحوز آلة للفن
الفصل السادس
التحلي بالعمل
من لم يقيد علمه ويعمل ... فإنه يرحل إن لم يفعل
أد زكاة العلم واصدع بالأثر ... وانه عن المنكر واصبر واصطبر
فإنه يزداد بالإنفاق ... وهكذا يمحق بالإشفاق
وكن عزيز النفس ذا صيانه ... للعلم والحق أخا الأمانه
فنزه العلم عن المطامع ... حتى يكون درة المجامع
وباعد النفس عن الأشرار ... فإنهم حرب على الأخيار
وإن بلغت منصبا بالعلم ... فعظم العلم وقل بالحكم
ثم حذار يا أخي المداهنه ... فإنها تدعو إلى الملاينه
أما المداراة ففيها حكمه ... لكل وال وهي ليست نقمه
وطالب العلم شغوف بالكتب ... فهو لها شار بأثمان الذهب
يجد دوما في بناء مكتبه ... تحوي أصولا وترى مرتبه
وإن يحز يوما كتابا ينصرف ... لسبر ما فيه لكيما ينكشف
وعنده فقه بأنواع الكتب ... لا يقتني إلا مفيدا للطلب
وإن رقمت يا أخي كتابه ... فاحرص على التجويد والإصابه
واجر على قواعد الأحياء ... في الرسم والتشكيل والإملاء
الفصل السابع
المحاذير:
لا تدع العلم إذا لم تعلمن ... وهكذا الإتقان إن لم تتقنن
ولاتكن مثل الذي في الشبر ... يخطر دوما في رداء الكبر
وإن تصدرت ولم تؤهل ... عوقبت بالتأخير والتسفل
واترك ـ أخي ـ عادة التنمر ... فإن من يأتي بها يصغر
ومن يصنف قبل أن يستكمل ... كل أداة يا أخي ما يعقل
ولا تكن بفارح للوهم ... أو غلطة كانت لأهل العلم
فإن في ذاك من التعاظم ... ما يوقع الإنسان في التعالم
ولا يكن قلبك كالسفنجه ... يشرب ما يلقى كما الفرنجه
فجانب الشبهة والإثاره ... فإنها للقلب كالشراره
واجتنب اللحن إذا كتبتا ... وهو مشين لك إن نطقتا
واحذر من الإجهاض للأفكار ... فإنه كالداء للأزهار
وكن من التغريب في حصانه ... وإن جرت ... في ... ثوبه الرطانه
فإنه دسيسة عتيقه ... قد وضعت للطعن في الحقيقه
إياك إياك وقول العملا ... أولئك المستشرقين الدخلا
ولا تخض في الجدل العقيم ... فإنه يقدح في الكريم
ولا توال يا أخا الإيمان ... إلا على الإسلام والإحسان
واحذر من الحزبية المقيته ... فإنها مساخة مميته
وقل هو الإسلام ديني أبدا ... لا فخر إلا فى اتباع أحمدا
فالمسلمون في حمى الجماعه ... في قوة وعزة وطاعه
نواقض الحلية
وفي الختام فاحذر النواقض ... لهذه الحلية والقوارض
فإن من ذلك سوء الظن ... وكثرة المزح بأهل الفن
والحقد والدخول بين اثنين ... وحسد يفسد ذات البين
كذلك الإفشاء للأسرار ... والسعي في الآثام والأوزار
وأعظم النواقض المخوفه ... أن يجلس الطالب للمحرفه
الخاتمة
فالحمد لله على الإتمام ... حمدا يوافي نعمة الإسلام
ثم صلاة الله تغشى أحمدا ... مع السلام دائما وسرمدا
ولي رجاء في ختام النظم ... أن ينفع المولى بهذا العلم
كذاك أرجوه مزيد الأجر ... لصاحب الأصل ونيل الخير
فإنه جامع هذا السفر ... وليس لي فيه سوى ذا الشعر
نظمها راجي عفو ربه / أبو عبد الرحمن عمر بن أحمد صبيح التريمي