مضاعفة الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم
أيها الأحبة:- الحرم هو بلد الله الحرام،الذي حرمه وشرفه وقدسه وميزه بحدوده عن بقية الأرض،فهو أول موطن هدى وبركة وخير وضع للناس على وجه الأرض؛ يعبدون ربهم فيه فيكرمهم وينعم عليهم قال الله تعالى:{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}[آل عمران : 96].
وبكة هي: مكة والبلد الآمين وأم القرى والحرم،هذا باتفاق المفسرين،وتعدد الأسماء تشريف للمسمى،فمكة أشرف وأفضل من سائر البلاد وأحبها إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
بداية أمر الحرم
كانت بداية أمر الحرم عندما أمر المولى تعالى خليله إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة-(فظاهر القرآن يقضي أن إبراهيم عليه السلام أول من بناه مبتدءاً،وأول من أسسه)-وأن كان يحتمل وجوده مبنياً قبل إبراهيم عليه السلام.
فبيت الله الحرام خصه الله تعالى من بين سائر الأماكن بأحكام وفضائل .
هذا الحرم له حدود،فما هي الغاية من تحديد الحرم؟؟،إن لأهمية تحديد حدود الحرم شأن عظيم وذلك لتعلق الأحكام الشرعية بها،لهذا جاء تحديدها بوحي من الله تعالى فنزل جبريل عليه السلام ليري إبراهيم عليه السلام باني البيت حدود الحرم فعلمه أين يضع أنصاب الحرم-وهي العلامات الدالة على حدوده-ثم جُددت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم،فقد بعث عام الفتح أسداً الخزاعي رضي الله عنه فجدد أنصاب الحرم كما روى ذلك أبو نعيم عن أبن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (( بعث عام الفتح أسد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم.وكان إبراهيم وضعها يريه إياها جبريل )).قال ابن حجر:إسناده حسن (الإصابة\1\183).
قال الإمام النووي رحمه الله: ((واعلم أن معرفة حدود الحرم من أهم ما ينبغي أن يعتني به،فإنه يتعلق به أحكام كثيرة )).(تهذيب الأسماء واللغات\3\82).
ولهذا كانت حدود الحرم معلومة في كل الأزمان لأهمية ما يتعلق بها من أحكام.
ما يحرم فعله داخل حدود الحرم
فالبقعة الواقعة داخل هذه الحدود كلها محرمة ولها نفس الحكم والمنزلة والقدسية،قال الله تعالى:{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [النمل : 91].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض،فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)).(مسلم\2\986).
وهذه الحرمة باقية إلى يوم القيامة وهي للمسجد الحرام وما أحاط به إلى نهاية حدود الحرم تشريفاً لمكة وبيته المحرم،لهذا حرم علينا فعل أمورٍ داخل حدود هذا الحرم منها :
أولاً:- يحرم الميل إلى المنكرات لقوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }(25).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (( وكلمة إلحاد تعم كل ميل إلى باطل سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} فنكر الجميع ، فإذا ألحد أحد أي إلحاد فإنه متوعد بهذا الوعيد ))(فتاوى بن باز\3\390).وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا التحريم للإلحاد في حرم الله تعالى،حين قال: (( ابغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم ،ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية؛ ومطلب دم أمريء بغير حق ليهريق دمه )).(البخاري).
بل أن الله تعالى في الآية السابقة توعد بالعذاب الأليم لمن هم ولم يفعل ما أراد،لهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه،كما في المسند(1\428): (( لو أن رجلاً همَّ فيه بإلحاد-أي الحرم- وهو بعدن أبْين لأذاقه الله عز وجل عذاباً أليماً )) ف ( من هم أن يعمل سيئة في مكة أذاقه الله العذاب الأليم بسبب همه بذلك وإن لم يفعلها،بخلاف غير الحرم المكي من البقاع فلا يعاقب فيه بالهم )هذا ما نقله ابن كثير في تفسير هذه الآية عن بعض أهل العلم(3\215).
وقال العلامة ابن باز رحمه الله: ((ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة ، قول الله تعالى : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }
فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة حتى إن في الهم بالسيئة فيه هذا الوعيد . وإذا كان من هم بالإلحاد في الحرم متوعدا بالعذاب الأليم فكيف بحال من فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير (((فتاوى بن باز3\389).
ثانيا:- يحرم حمل السلاح وسفك الدماء والقتال داخل حدود الحرم،وهذه من أهم مقتضيات حرمة هذا البلد المكرم الذي من دخله فهو آمن.
ثالثاً:- يحرم على الكفار دخول هذه الحدود لقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[التوبة : 28].قال القرطبي في تفسيرها: (يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع،فإذا جاء رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول،ولو دخل مشرك الحرم مستوراً ومات نبش قبره وأخرجت عظامه).
والمقصود بالمسجد الحرام في الآية هو الحرم كله وليس المبني حول الكعبة فقط،لهذا يستدل بعض العلماء بها على مضاعفة الصلاة في الحرم كله،لأن الله تعالى أطلق على الحرم أسم المسجد الحرام,
رابعاً:- يحرم داخل هذه الحدود الصيد أو مجرد تنفير ما يصاد وقطع الشجر إلا الأذخر ،ويحرم كذلك أخذ اللقطة إلا لمنشد لقوله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين،وإنها لن تحل لأحد كان قبلي،وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي،فلا ينفر صيدها،ولا يختلى شوكها،ولاتحل ساقطتها إلا لمنشد ))متفق عليه.
أنظر أخي المسلم كيف اشتمل هذا الحديث على هذه الجملة الطيبة من خصائص هذا البلد الآمن،وهي أحكام باقية إلى أخر الزمان.
وهذه المحرمات يحرم فعلها داخل حدود الحرم،وهذا مجمع عليه،فلم يفرقوا في فعلها داخل المسجد المبني حول الكعبة أو خارجه فيما هو داخل حدود الحرم العام فحكم فاعلها في المكانين سواء؛إلا ما أستثنى الشارع كقطع الإذخر وقتل الفواسق،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم؛الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور )) متفق عليه.
فكما ترى أخي المسلم كيف عمم حكم هذه المحرمات على جميع حدود الحرم ولم يميز في فعلها بقعة دون بقعة،فكذلك حكم الصلاة فإنه يشملها التضعيف في الحرم كله وليس مقصوراً على المسجد المبني حول الكعبة،فقد رجح هذا كثير من العلماء؛منهم التابعي الكبير عطاء بن أبي رباح رحمه الله إمام أهل مكة في زمانه؛فقد سأله الربيع بن صبيح رحمه الله فقال له: (يا أبا محمد هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو الحرم كله ؟؟ فقال: عطاء (بل في الحرم كله،فإن الحرم كله مسجد )مسند الطياليسي(1464).
و منهم العلامة ابن القيم رحمه الله ففي كتابه المفيد (زاد المعاد في هدي خير العباد)،عندما أخذ يستخلص الفوائد الفقهية من قصة الحديبية ذكر فائدتين بين فيها أن الصلاة مضاعفة في كل الحرم ولا يخص بهذا التضعيف المسجد المبني فقط فقال: ((ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل ذات اليمين إلى الحديبية قال الشافعي : بعضها من الحل وبعضها من الحرم
وروى الإمام أحمد في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم(( كان يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل))-(4\326)، وفي هذا كالدلالة على أن مضاعفة الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم لا يخص بها المسجد الذي هو مكان الطواف وأن قوله : [ صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي ] متفق عليه .كقوله تعالى : { فلا يقربوا المسجد الحرام } ( التوبة : 28 ) وقوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام } ( الإسراء : 1 ) وكان الإسراء من بيت أم هانىء
ومنها : أن من نزل قريبا من مكة فإنه ينبغي له أن ينزل في الحل ويصلى في الحرم وكذلك كان ابن عمر يصنع)).
و منهم العلامة المجدد عبد العزيز بن باز رحمه الله فقد رجح مسألة تضعيف الصلاة في كل الحرم فقال: ((وهو أن الفضل يعم ، وأن المساجد في مكة يحصل لمن صلى فيها التضعيف الوارد في الحديث.... جميع بقاع مكة كلها تسمى المسجد الحرام ، وكلها يحصل فيها المضاعفة إن شاء الله)) (فتاوى بن باز\4\130) .
هل التضعيف خاص بالصلاة!! أم يتعدى إلى غيرها من الأعمال!!
لقد ذهب بعض أهل العلم إلى مضاعفة الحسنات في كل الطاعات التي يتعبد بها المسلم في الحرم،وأن هذا التضعيف ليس مقصوراً على الصلاة وحدها ،ف(الأدلة الشرعية على أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل مثل رمضان وعشر ذي الحجة ، والمكان الفاضل كالحرمين فإن الحسنات تضاعف في مكة والمدينة مضاعفة كبيرة... وبقية الأعمال الصالحة تضاعف) (فتاوى بن باز\3)
وهذا قول إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله وكذلك أختاره الإمام النووي رحمه الله،وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: (( والصلاة وغيرها من القرب بمكة أفضل،والمجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان،وتضاعف السيئة والحسنة بمكان أو زمان فاضل ذكره القاضي وابن الجوزي)).(الأختيارات الفقهية\113).(والمجاورة فيه من أفضل العبادات لمن رزق الاستقامة،لأن العمل عنده مضاعف إلى مائة ألف ضعف،كما أن المعاصي عنده وفيه،مغلظة لحرمة المكان)(تيسير العلام للبسام\486). (والحاصل أن المضاعفة في الحرم الشريف بمكة المكرمة لا شك فيها - أعني مضاعفة الحسنات -)كما قاله ابن باز رحمه الله في(فتاوى بن باز\3)
وهل يقاس تضعيف السيئات في الحرم على تضعيف الحسنات!!
((أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد ولكن تضاعف من جهة الكيفية ، أما العدد فلا ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا }
فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيرها ، بل السيئة بواحدة دائما وهذا من فضله سبحانه وتعالى وإحسانه . ولكن سيئة الحرم ، وسيئة رمضان ، وسيئة عشر ذي الحجة أعظم إثما من السيئة فيما سوى ذلك ، فسيئة في مكة أعظم وأكبر وأشد إثما من سيئة في جدة والطائف مثلا ، وسيئة في رمضان ، وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئة في رجب ، أو شعبان ونحو ذلك .
فهي تضاعف من جهة الكيفية لا من جهة العدد، أما الحسنات فهي تضاعف كيفية وعددا بفضل الله سبحانه وتعالى ، ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة ، قول الله تعالى : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }
فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة حتى إن في الهم بالسيئة فيه هذا الوعيد . وإذا كان من هم بالإلحاد في الحرم متوعدا بالعذاب الأليم فكيف بحال من فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير . وكلمة إلحاد تعم كل ميل إلى باطل سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ }
فنكر الجميع ، فإذا ألحد أحد أي إلحاد فإنه متوعد بهذا الوعيد)) (فتاوى بن باز\3)، قال ابن مسعود رضي الله عنه،كما في المسند(1\428): (( لو أن رجلاً همَّ فيه بإلحاد-أي الحرم- وهو بعدن أبْين لأذاقه الله عز وجل عذاباً أليماً )) ف ( من هم أن يعمل سيئة في مكة أذاقه الله العذاب الأليم بسبب همه بذلك وإن لم يفعلها،بخلاف غير الحرم المكي من البقاع فلا يعاقب فيه بالهم )هذا ما نقله ابن كثير في تفسير هذه الآية عن بعض أهل العلم(3\215).لهذا كان سلفنا الصالح يعرفون قدر الحرم ويعظمونه،حتى وصل بهم الحال أنهم كانوا يتحرجون من السكن فيه خوفاً من الوقوع في المعاصي،لأنهم يعرفون أن الذنب في الحرم وعقوبته تختلف عن غيره من بقاع الأرض،ف((كان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم خشية ارتكاب الذنوب فيه.وقال:روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((لأن أخطيء سبعين خطيئة يعني بغير مكة أحب إلي من أن أخطيء خطيئة واحدة بمكة))،(من قول ابن رجب في جامع العلوم والحكم\332).إذاً ((السيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض))،(الزاد\1\51)،(فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات،والله أعلم)،كما قاله العلامة ابن القيم في المصدر السابق.
أخوكم المحب:عماد الحديدي
أيها الأحبة:- الحرم هو بلد الله الحرام،الذي حرمه وشرفه وقدسه وميزه بحدوده عن بقية الأرض،فهو أول موطن هدى وبركة وخير وضع للناس على وجه الأرض؛ يعبدون ربهم فيه فيكرمهم وينعم عليهم قال الله تعالى:{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}[آل عمران : 96].
وبكة هي: مكة والبلد الآمين وأم القرى والحرم،هذا باتفاق المفسرين،وتعدد الأسماء تشريف للمسمى،فمكة أشرف وأفضل من سائر البلاد وأحبها إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
بداية أمر الحرم
كانت بداية أمر الحرم عندما أمر المولى تعالى خليله إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة-(فظاهر القرآن يقضي أن إبراهيم عليه السلام أول من بناه مبتدءاً،وأول من أسسه)-وأن كان يحتمل وجوده مبنياً قبل إبراهيم عليه السلام.
فبيت الله الحرام خصه الله تعالى من بين سائر الأماكن بأحكام وفضائل .
هذا الحرم له حدود،فما هي الغاية من تحديد الحرم؟؟،إن لأهمية تحديد حدود الحرم شأن عظيم وذلك لتعلق الأحكام الشرعية بها،لهذا جاء تحديدها بوحي من الله تعالى فنزل جبريل عليه السلام ليري إبراهيم عليه السلام باني البيت حدود الحرم فعلمه أين يضع أنصاب الحرم-وهي العلامات الدالة على حدوده-ثم جُددت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم،فقد بعث عام الفتح أسداً الخزاعي رضي الله عنه فجدد أنصاب الحرم كما روى ذلك أبو نعيم عن أبن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (( بعث عام الفتح أسد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم.وكان إبراهيم وضعها يريه إياها جبريل )).قال ابن حجر:إسناده حسن (الإصابة\1\183).
قال الإمام النووي رحمه الله: ((واعلم أن معرفة حدود الحرم من أهم ما ينبغي أن يعتني به،فإنه يتعلق به أحكام كثيرة )).(تهذيب الأسماء واللغات\3\82).
ولهذا كانت حدود الحرم معلومة في كل الأزمان لأهمية ما يتعلق بها من أحكام.
ما يحرم فعله داخل حدود الحرم
فالبقعة الواقعة داخل هذه الحدود كلها محرمة ولها نفس الحكم والمنزلة والقدسية،قال الله تعالى:{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [النمل : 91].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض،فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)).(مسلم\2\986).
وهذه الحرمة باقية إلى يوم القيامة وهي للمسجد الحرام وما أحاط به إلى نهاية حدود الحرم تشريفاً لمكة وبيته المحرم،لهذا حرم علينا فعل أمورٍ داخل حدود هذا الحرم منها :
أولاً:- يحرم الميل إلى المنكرات لقوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }(25).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (( وكلمة إلحاد تعم كل ميل إلى باطل سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} فنكر الجميع ، فإذا ألحد أحد أي إلحاد فإنه متوعد بهذا الوعيد ))(فتاوى بن باز\3\390).وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا التحريم للإلحاد في حرم الله تعالى،حين قال: (( ابغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم ،ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية؛ ومطلب دم أمريء بغير حق ليهريق دمه )).(البخاري).
بل أن الله تعالى في الآية السابقة توعد بالعذاب الأليم لمن هم ولم يفعل ما أراد،لهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه،كما في المسند(1\428): (( لو أن رجلاً همَّ فيه بإلحاد-أي الحرم- وهو بعدن أبْين لأذاقه الله عز وجل عذاباً أليماً )) ف ( من هم أن يعمل سيئة في مكة أذاقه الله العذاب الأليم بسبب همه بذلك وإن لم يفعلها،بخلاف غير الحرم المكي من البقاع فلا يعاقب فيه بالهم )هذا ما نقله ابن كثير في تفسير هذه الآية عن بعض أهل العلم(3\215).
وقال العلامة ابن باز رحمه الله: ((ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة ، قول الله تعالى : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }
فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة حتى إن في الهم بالسيئة فيه هذا الوعيد . وإذا كان من هم بالإلحاد في الحرم متوعدا بالعذاب الأليم فكيف بحال من فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير (((فتاوى بن باز3\389).
ثانيا:- يحرم حمل السلاح وسفك الدماء والقتال داخل حدود الحرم،وهذه من أهم مقتضيات حرمة هذا البلد المكرم الذي من دخله فهو آمن.
ثالثاً:- يحرم على الكفار دخول هذه الحدود لقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[التوبة : 28].قال القرطبي في تفسيرها: (يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع،فإذا جاء رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول،ولو دخل مشرك الحرم مستوراً ومات نبش قبره وأخرجت عظامه).
والمقصود بالمسجد الحرام في الآية هو الحرم كله وليس المبني حول الكعبة فقط،لهذا يستدل بعض العلماء بها على مضاعفة الصلاة في الحرم كله،لأن الله تعالى أطلق على الحرم أسم المسجد الحرام,
رابعاً:- يحرم داخل هذه الحدود الصيد أو مجرد تنفير ما يصاد وقطع الشجر إلا الأذخر ،ويحرم كذلك أخذ اللقطة إلا لمنشد لقوله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين،وإنها لن تحل لأحد كان قبلي،وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي،فلا ينفر صيدها،ولا يختلى شوكها،ولاتحل ساقطتها إلا لمنشد ))متفق عليه.
أنظر أخي المسلم كيف اشتمل هذا الحديث على هذه الجملة الطيبة من خصائص هذا البلد الآمن،وهي أحكام باقية إلى أخر الزمان.
وهذه المحرمات يحرم فعلها داخل حدود الحرم،وهذا مجمع عليه،فلم يفرقوا في فعلها داخل المسجد المبني حول الكعبة أو خارجه فيما هو داخل حدود الحرم العام فحكم فاعلها في المكانين سواء؛إلا ما أستثنى الشارع كقطع الإذخر وقتل الفواسق،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم؛الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور )) متفق عليه.
فكما ترى أخي المسلم كيف عمم حكم هذه المحرمات على جميع حدود الحرم ولم يميز في فعلها بقعة دون بقعة،فكذلك حكم الصلاة فإنه يشملها التضعيف في الحرم كله وليس مقصوراً على المسجد المبني حول الكعبة،فقد رجح هذا كثير من العلماء؛منهم التابعي الكبير عطاء بن أبي رباح رحمه الله إمام أهل مكة في زمانه؛فقد سأله الربيع بن صبيح رحمه الله فقال له: (يا أبا محمد هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو الحرم كله ؟؟ فقال: عطاء (بل في الحرم كله،فإن الحرم كله مسجد )مسند الطياليسي(1464).
و منهم العلامة ابن القيم رحمه الله ففي كتابه المفيد (زاد المعاد في هدي خير العباد)،عندما أخذ يستخلص الفوائد الفقهية من قصة الحديبية ذكر فائدتين بين فيها أن الصلاة مضاعفة في كل الحرم ولا يخص بهذا التضعيف المسجد المبني فقط فقال: ((ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل ذات اليمين إلى الحديبية قال الشافعي : بعضها من الحل وبعضها من الحرم
وروى الإمام أحمد في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم(( كان يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل))-(4\326)، وفي هذا كالدلالة على أن مضاعفة الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم لا يخص بها المسجد الذي هو مكان الطواف وأن قوله : [ صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي ] متفق عليه .كقوله تعالى : { فلا يقربوا المسجد الحرام } ( التوبة : 28 ) وقوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام } ( الإسراء : 1 ) وكان الإسراء من بيت أم هانىء
ومنها : أن من نزل قريبا من مكة فإنه ينبغي له أن ينزل في الحل ويصلى في الحرم وكذلك كان ابن عمر يصنع)).
و منهم العلامة المجدد عبد العزيز بن باز رحمه الله فقد رجح مسألة تضعيف الصلاة في كل الحرم فقال: ((وهو أن الفضل يعم ، وأن المساجد في مكة يحصل لمن صلى فيها التضعيف الوارد في الحديث.... جميع بقاع مكة كلها تسمى المسجد الحرام ، وكلها يحصل فيها المضاعفة إن شاء الله)) (فتاوى بن باز\4\130) .
هل التضعيف خاص بالصلاة!! أم يتعدى إلى غيرها من الأعمال!!
لقد ذهب بعض أهل العلم إلى مضاعفة الحسنات في كل الطاعات التي يتعبد بها المسلم في الحرم،وأن هذا التضعيف ليس مقصوراً على الصلاة وحدها ،ف(الأدلة الشرعية على أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل مثل رمضان وعشر ذي الحجة ، والمكان الفاضل كالحرمين فإن الحسنات تضاعف في مكة والمدينة مضاعفة كبيرة... وبقية الأعمال الصالحة تضاعف) (فتاوى بن باز\3)
وهذا قول إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله وكذلك أختاره الإمام النووي رحمه الله،وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: (( والصلاة وغيرها من القرب بمكة أفضل،والمجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان،وتضاعف السيئة والحسنة بمكان أو زمان فاضل ذكره القاضي وابن الجوزي)).(الأختيارات الفقهية\113).(والمجاورة فيه من أفضل العبادات لمن رزق الاستقامة،لأن العمل عنده مضاعف إلى مائة ألف ضعف،كما أن المعاصي عنده وفيه،مغلظة لحرمة المكان)(تيسير العلام للبسام\486). (والحاصل أن المضاعفة في الحرم الشريف بمكة المكرمة لا شك فيها - أعني مضاعفة الحسنات -)كما قاله ابن باز رحمه الله في(فتاوى بن باز\3)
وهل يقاس تضعيف السيئات في الحرم على تضعيف الحسنات!!
((أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد ولكن تضاعف من جهة الكيفية ، أما العدد فلا ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا }
فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيرها ، بل السيئة بواحدة دائما وهذا من فضله سبحانه وتعالى وإحسانه . ولكن سيئة الحرم ، وسيئة رمضان ، وسيئة عشر ذي الحجة أعظم إثما من السيئة فيما سوى ذلك ، فسيئة في مكة أعظم وأكبر وأشد إثما من سيئة في جدة والطائف مثلا ، وسيئة في رمضان ، وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئة في رجب ، أو شعبان ونحو ذلك .
فهي تضاعف من جهة الكيفية لا من جهة العدد، أما الحسنات فهي تضاعف كيفية وعددا بفضل الله سبحانه وتعالى ، ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة ، قول الله تعالى : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }
فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة حتى إن في الهم بالسيئة فيه هذا الوعيد . وإذا كان من هم بالإلحاد في الحرم متوعدا بالعذاب الأليم فكيف بحال من فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير . وكلمة إلحاد تعم كل ميل إلى باطل سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ }
فنكر الجميع ، فإذا ألحد أحد أي إلحاد فإنه متوعد بهذا الوعيد)) (فتاوى بن باز\3)، قال ابن مسعود رضي الله عنه،كما في المسند(1\428): (( لو أن رجلاً همَّ فيه بإلحاد-أي الحرم- وهو بعدن أبْين لأذاقه الله عز وجل عذاباً أليماً )) ف ( من هم أن يعمل سيئة في مكة أذاقه الله العذاب الأليم بسبب همه بذلك وإن لم يفعلها،بخلاف غير الحرم المكي من البقاع فلا يعاقب فيه بالهم )هذا ما نقله ابن كثير في تفسير هذه الآية عن بعض أهل العلم(3\215).لهذا كان سلفنا الصالح يعرفون قدر الحرم ويعظمونه،حتى وصل بهم الحال أنهم كانوا يتحرجون من السكن فيه خوفاً من الوقوع في المعاصي،لأنهم يعرفون أن الذنب في الحرم وعقوبته تختلف عن غيره من بقاع الأرض،ف((كان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم خشية ارتكاب الذنوب فيه.وقال:روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((لأن أخطيء سبعين خطيئة يعني بغير مكة أحب إلي من أن أخطيء خطيئة واحدة بمكة))،(من قول ابن رجب في جامع العلوم والحكم\332).إذاً ((السيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض))،(الزاد\1\51)،(فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات،والله أعلم)،كما قاله العلامة ابن القيم في المصدر السابق.
أخوكم المحب:عماد الحديدي