حكم الحلف بالنبي عليه الصلاةوالسلام
الحمد لله الحميد المجيد ، حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله - ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " [آل عمران : 102] .
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " [النساء : 1] .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً " [الأحزاب : 71 - 70] .
أيها الناس اعلموا أن الله خلقنا لعبادته وطاعته فقال : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [البقرة : 21] ،
وقال : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات : 56] ، وقال : " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً " [النساء : 36] ، وقال : " قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً " [الأنعام : 151] ، ولما وقع الناس في مخالفة التوحيد الذي خلقهم الله لإقامته ؛ أرسل إليهم رسلا مبشرين للموحدين بالجنة ؛ ومنذرين لمن خالف بالنار ، قال تعالى : " رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً " [النساء : 165] ، وقال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُوا اْلطَّاغُوتَ " [النحل : 36] ، فكان الناس صنفين ؛ منهم من هدى الله - عز وجل - إلى الصراط المستقيم والطريق القويم ، ومنهم من أخلد إلى هوى نفسه ومتابعة الشيطان ، فحقت عليهم الضلالة ، قال تعالى : " فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ " [النحل : 36] ، ولما كان من أعظم أسباب ضلال الناس الجهل بدين الله - عز وجل - أحببت أن أكتب هذه الوريقات في التنبيه على مسألة عظيمة وهي : الحلف بغير الله - عز وجل - حيث استشرى هذا المنكر العظيم في معظم بلاد المسلمين ؛ مع اختلاف الناس في المحلوف به ، فبعضهم يحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا لاحظنا وجوده في بلاد مصر - عمّرها الله - بالتوحيد والاستقامة ، فتجد أحدهم يكثر من قوله :
( والنبي ) ، وتارة يحلفون بحياة الأشخاص المخلوقين المربوبين ؛ فيقول أحدهم : ( وحياتك ) ، ( وحياة رسول الله ) ، - صلى الله عليه وآله وسلم - وبعضهم يحلف بأصحاب القبور ، فيقول أحدهم : ( بالحسين ) ، أو ( والحسين ) ، وآخر ( بالهادي ) ، أو ( والهادي ) ، وقد قال ابن عباس - رضي الله - عنه في تفسير قوله تعالى : " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً " [البقرة : 22] : الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل ! على صفاة سوداء ؛ في ظلمة الليل ؛ وهو أن تقول والله ! وحياتك يا فلان وحياتي .اهـ
إلى غير ذلك ، فأحببت أن أكتب محذرا ومنذرا من مغبة هذا الصنيع ؛ سائلا المولى - جل وعز - أن ينفع بها في المحيا وبعد الممات إنه سميع قريب مجيب الدعوات .
أحسن تعريف لها وأجمعه ما عرفها به شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ بأنها
[ اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ] ، فصرف شيء من العبادات لغير الله - عز وجل - يعتبر شركا ! والشرك من كبائر الذنوب ، قال تعالى : " إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ " [النساء : 48] ، وقال تعالى : " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " [لقمان : 13] ، وقال تعالى : "ِ إنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ " [المائدة : 72] ، وفي الحديث : [ من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ] أخرجه مسلم عن جابر وابن مسعود - رضي الله - عنهما ، والله - عز وجل - غني حميد ؛ وغناه غنى ذاتي ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [فاطر : 15] ، وفي الحديث القدسي [ أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ] أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله - عنه ، والشرك ينقسم إلى قسمين :
أ - شرك أكبر : وهو مخرج من الملة ومُذهبٌ لأصل الإيمان ، ويحبط جميع الأعمال ، قال تعالى : " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً " [الفرقان : 23] ، وقال : " لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [الزمر : 65] ، وفي حديث عائشة - رضي الله - عنها عند مسلم [ قالت : يا رسول الله ابن جدعان كان يفعل ويفعل ، قال :
( لا ينفعه ) ، إنه لم يقل يوما : ( ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) ] ، وصاحبه مخلد في النار لا يقبل الله - عز وجل - منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا .
ب - وشرك أصغر : يحبط به العمل الذي قارنه ويبقى معه مسمى الإيمان ، وصاحبه لا يخلد في النار ولا يُخرج صاحبه من الملة إلا أنه من أعظم الكبائر ؛ وليس بداخل تحت المشيئة على الصحيح من أقوال أهل العلم
( ! ) معنى ذلك أنه من مات على شيء من أنواع الشرك لابد من دخوله النار ؛ عائذا بالله منها ؛ فإن كان شركه أكبر خُلد فيها ، ومن كان شركه أصغر عُذب بقدر جريرته وذنبه ، ثم يخرج منها ؛ فعلى هذا يجب عليما جميعا أن نتعاهد توحيدنا لله ربّ العالمين ، ونكون كما قال الله : " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " [الأنعام : 162- 163] ، ونتعاهد أنفسنا بالتوبة العامة والخاصة بين الحين والآخر للتخلص من معرات الذنوب صغيرها وكبيرها ، قال تعالى : " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [النور : 31] ، وفي الحديث المأثور : [ اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه ، وأستغفرك لما لا أعلمه ] ، وعلى العبد المؤمن أن يخاف من الوقوع في الشرك الذي خافه إبراهيم - عليه السلام - فقال : " وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ " [إبراهيم : 35] ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : [ اللهم إني أعوذ بك من الشرك والكفر ] أخرجه ابن حبان عن أنس - رضي الله - عنه ، وكان يقول :
[ اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ، وعذاب القبر ] أخرجه أحمد عن أبي بن كعب ، ومن أسباب السلامة من الشرك أيضا معرفة التوحيد فيُلزم ، والشرك فيحذر ، وكما قيل :
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
ومن هذا الباب اعلم أن الحلف عبادة لا يجوز صرفها لغير الله - عز وجل - ، ومن صرفها لغير الله - عز وجل - فقد أشرك ، ففي حديث ابن عمر - رضي الله - عنهما ؛ عند الترمذي وغيره : [ من حلف بغير الله فقد أشرك ] الحديث في سنده سعيد بن عبيد ! لم يسمعه من ابن عمر !! لكن الحديث له شواهد كثيرة في معناه تدل عليه ، والحلف بغير الله - عز وجل - من حيث هو شرك أصغر لكن إذا اقترن بالحلف تعظيم المحلوف به صار شركًا أكبر مخرج من الملة ، ومما يدل على أن الحلف بغير الله – عز وجل- شرك حديث قتيلة عند النسائي وغيره ، [ أن رجلا من اليهود قال يا محمد إنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد ، وتقولون : والكعبة ، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ! وأمرهم أن يقولوا : ما شاء الله ثم شاء محمد ، ويقولون ورب الكعبة ] ، وجاء بنحوه من حديث الطفيل بن سخبرة - رضي الله عنه - ، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الحلف بالكعبة مع أنها معظمة عند المسلمين ، عظمها ربنا - سبحانه وتعالى - لكنها مع ذلك مخلوقة مربوبة ! لا يجوز الحلف بها ، والحلف لا يكون إلا بالله - عز وجل - ففي حديث عمر - رضي الله - عنه ، عند الشيخين : [ أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع عمر - رضي الله - عنه وهو يحلف بأبيه ، فقال : ألا إن الله ينهكم أن تحلفوا بآبائكم ؛ من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ، قال عمر : فما حلفت به ذاكرا ولا آثرا ] ، وفي حديث ابن عمر عند الشيخين أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال :
[ من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله ؛ وكانت قريش تحلف بآبائها فقال : لا تحلفوا بآبائكم ] وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عند مسلم : [ لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغي ] ، والطواغيت هي : ما تعظم وتعبد من دون الله عز وجل . وفي حديث أبو هريرة - رضي الله - عنه عند أبي داود :
[ لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ، ولا تحلفوا إلا بالله ، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون ] ، ففي الحديث النهي عن الحلف بالآباء والأمهات وما في معناهما من المخلوقين ، ثم حصر الحلف وبين أنه لا يكون إلا بالله - عز وجل - ثم أمر من باب تعظيم الله - عز وجل - بأن لا يحلف به كاذبا ، ولذلك جعل اليمين الغموس من أكبر الكبائر ، ففي حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله - عنهما عند البخاري : [ الكبائر ؛ الإشراك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ] ، وفي حديث ابن مسعود - رضي الله - عنه : [ من حلف بالله كاذبا يقتطع به مال امرئ مسلم لقي الله وهو عنه معرض ] ، أخرجاه في الصحيحين ، ومع ذلك الحلف بالله كاذبا مع أنه من الكبائر أهون من الحلف بغير الله صادقا ، لأن الحلف بغير الله - عز وجل - شرك ! وقد تقدم أن الله لا يغفر الشرك ، فعن ابن مسعود قال : [ لأن أحلف بالله كاذبا أهون من أن أحلف بغير الله صادقا([1]) ] ، قال في فتح المجيد : ومعلوم أن الحلف بالله كاذبًا كبيرة من الكبائر ؛ لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر .اهـ ، وفي حديث بريدة عند ابن ماجة وغيره : [ من حلف بالأمانة فليس منا ] ، فعلى المسلمين رجالا ونساء ، وجنًا وإنسًا ، أن يراقبوا الله - عز وجل - فيما يعملون ويذرون ، والحذر الحذر من مغبة المعاصي ؛ لاسيما الوقيعة في الشرك بنوعيه الأصغر والأكبر ، ولا يعتذر أحدهم بالأعذار الواهية التي لا تغني ولا تنفع ، وليعود لسانه على النطق بما يقربه من الله - عز وجل - لا بما يُسخط الله - عز وجل - عليه ! نسأل الله العافية .
من المعلوم أنه يجب أن يفرد الله بالعبادة ؛ لا يشرك معه أحد غيره ، لا نبيا مرسلا ، ولا ملكا مقربا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله مخبرا عنه : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ " [الكهف : 110] ، وفي الحديث : [ إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ] ، وعن أبي هريرة في الصحيح : [ اللهم إنما أنا بشر أرضى كما يرضون وأغضب كما يغضبون ... ] ، ولما سجد له معاذ أنكر عليه وقال : [ لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله ! لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها !! ] أخرجه الترمذي ، فعلى هذا فمن يقول : ( والنبي ! ) ، أو ( وحياة النبي ! ) ، أو ( وجاه النبي ! ) ، أو غير ذلك من الألفاظ غير الشرعية ؛ إما أن يكون حالفا بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم - تعظيما فهذا هو الشرك الأكبر الذي حذر الله - عز وجل - منه وتوعد عليه بالخلود في النار ، وأما أن يحلف بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم - على ما تعود عليه لسانه ، فهذا شرك لفظي وهو من الشرك الأصغر يخشى عليه من معرته إن مات ولم يتب منه ، فهو دائر بين ضلالتين ! ضلالة كبرى وضلالة صغرى ، هذا فيمن يحلف بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فما بالك بمن يحلف بغيره من المقبورين ! بل وربما يحلف بالله - عز وجل - كاذبا إذا اسُتحلف ؛ وإذا استحلف بطاغوته لم يحلف به كاذبا !! فإلى الله المشتكى .
وإنما تكون طاعة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - بموافقة شرعه ، والتمسك بسنته ظاهرًا وباطنًا ، أما ما خرج عن ذلك فليس بتعظيم وإنما هو من المخالفة ؛ ولو كان الحلف برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - من الأمور المندوحة لحلف به الصحابة في حياته وبعد موته ! لكن هذا لم يحدث ولو كان خيرًا لسبقونا إليه ، قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في كتابه أركان الإسلام ؛ صحيفة ( 160 ) : الحلف بالنبي - عليه الصلاة والسلام - لا يجوز بل هو نوع من الشرك .اهـ
للحالف أو المقسم أن يحلف بالله - عز وجل - وصفاته ، وقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - عدة أيمان لو لازمها المرء إذا احتاج لتوكيد أمر كان موفقا ومسددا في هذا الباب .
منها : ( والذي نفسي بيده ) ، كان يحلف بها كثيرا ، وجاءت عن كثير من الصحابة في الصحيحين وغيرهما ، وكذلك : ( لا ومقلب القلوب ) ، جاء عن ابن عمر عند البخاري ، وكذلك : ( والذي بنفس محمد بيده ) ، وجاء عن عائشة في الصحيح أنها كانت تقول : ( وربّ محمد ) ، ( وربّ إبراهيم ) ، وجاء : ( ورب الكعبة ) ، وجاء الحلف : ( والله الذي لا إله إلا هو ) ، وكذلك ( والله ) ، وكذا ( والذي لا إله غيره ) ، والحلف بالعزة ! في حديث أبي هريرة في الصحيح ، [ أن أيوب - عليه السلام - قال بلى وعزتك ] ، إلى غير ذلك من الأسماء والصفات قد استوعبنا ذلك بحمد الله في كتابنا [ التبيان في أحكام الأيمان ] ، عجل الله طبعه ، قال العثيمين - رحمه الله - في أركان الإسلام ( 157 ) : القسم بالشيء يدل على تعظيم ذلك المقسم به تعظيمًا خاصًا لدى المقسم ! ولهذا لا يجوز لأحد أن يحلف إلا بالله تعالى بأحد أسمائه أو صفة من صفاته مثل أن يقول : والله لأفعلن ؛ وربّ الكعبة لأفعلن ؛ وعزة الله لأفعلن ؛ وما أشبه ذلك من صفات الله تعالى .
لو قال قائل : كيف تقولون لا يحلف بغير الله - عز وجل - مع أن الله تعالى قد أقسم بكثير من مخلوقاته ! وقال : " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى " [الليل : 1 - 3] ، وقال : " وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى " [الضحى : 1- 2] ، وقال : " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا " [الشمس : 1 – 3] ، وقال : " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ "
[التين :1- 3] ، فالجواب : أن الله - عز وجل - له أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته ، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون .
قال الله تعالى : " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ " [آل عمران : 110] ، فخيرية هذه الأمة مقرون بإيمانها لربها - عز وجل - ؛ وبتحقيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن أسباب لعن الأمة الغضبية اليهود ؛ والأمة الضالة النصارى ؛ هو عدم تحقيقهم لهذا الركن العظيم ، قال تعالى : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ " [المائدة : 78 - 79] ، وفي حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله - عنه عند الإمام مسلم : [ من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ؛ فإن لم يستطع فبقلبه ؛ فإن لم يستطع فبلسانه ؛ وذلك أضعف الإيمان ] ، وعنه - رضي الله - عنه أيضًا ؛ أنه قال : [ لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول حقًا رآه ؛ أو شهده ؛ أو سمعه ] ، وقد علم أن الحلف بغير الله - عز وجل - ذنب عظيم دائر بين الشرك الأكبر والأصغر ، وأنه من الذنوب التي إن مات عليها العبد لا تدخل تحت مشيئة الله - عز وجل - ! قال تعالى : " إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً " [النساء : 116] ، وقد تقدم عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الإنكار في هذا الباب سواء إنكاره على عمر - رضي الله - عنه ؛ أو علي - رضي الله - عنه ، أو على غيره من الصحابة ، قال العلاّمة ابن عثيمين - رحمه الله - في أركان الإسلام صحيفة ( 159 ) : فإذا سمع الإنسان شخصًا يحلف بالنبي - عليه الصلاة والسلام - أو بحياة شخص آخر فلينهه عن ذلك وليبين له أن هذا حرام ولا يجوز ؛ ولكن ليكون نهيه وبيانه على وفق الحكمة حيث يكون باللطف واللين والإقبال على الشخص وهو يريد نصحه وانتشاله من هذا المُحرم .اهـ
من رحمة الله - عز وجل - بعباده أن جعل لهم مكفرات لذنوبهم ومخالفاتهم الشرعية ومن هذه المكفرات ؛ التوبة النصوح إلى الله - عز وجل - وشروطها في هذا الباب :
أ - الإقلاع عن الحلف بالمخلوق .
ب - العزم على عدم العود .
ث - الندم على الحلف بغير الله عز وجل .
وزد على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عند الشيخين قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - : [ من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ، ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق ] .
قد تقدم إنكار النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - على من تلفظ ببعض الألفاظ المخالفة لشريعة الله - عز وجل - كإنكاره عليهم لما قالوا : [ ما شاء الله وشاء محمد ] ، ولما سمع بعض النساء في بعض الأعراس تقول : [ وفينا رسول الله يعلم ما في غدي ] ؛ أنكر عليها قولها هذا ، ولما سمع من يقول : [ يا سيدنا وابن سيدنا قال لهم : قولوا بقولكم ولا يستجرنكم الشيطان إنما أنا عبد الله ورسوله ] ، ولما سمع من يقول :[ اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا ! قال : لقد حجرت واسعًا ] ، إلى غير ذلك مما لو توسعنا لطال المقام ولخرجنا عن الموضوع ، قال العلاّمة العثيمين - رحمه الله - في أركان الإسلام صحيفة ( 190 - 191 ) ؛ في جوابه عن سؤال عن قول بعض الناس إن تصحيح الألفاظ غير مهم مع سلامة القلب ؟
فأجاب : إن أراد بتصحيح الألفاظ وإجراءها على اللغة العربية فهذا صحيح أنه لا يهم من جهة سلامة العقيدة أن تكون الألفاظ جارية على اللغة العربية ما دام المعنى مفهومًا وسليمًا ، أما إذا أراد بتصحيح الألفاظ ترك الألفاظ التي تدل على الكفر والشرك فكلامه غير صحيح بل تصحيحها مهم ولا يمكن أن تقول للإنسان اطلق لسانك في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة بل نقول الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية .اهـ
1 - أخرجه الطبراني في الكبير برقم ( 8768 ) قال حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو نعيم ، ح وحدثنا أبو مسلم الكشي ، ثنا الحكم بن مروان الضرير ، قالا : ثنا مسعر بن كدام ، عن وبرة بن عبد الرحمن ، قال : قال عبد الله : " لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق " ، وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه برقم ( 15402 ) وابن أبي شيبة في مصنفه أيضا برقم( 13841 ) ، وهو أثر صحيح موقوف كما قال العلاّمة الألباني - رحمه الله - .
المصدر
http://alzoukory.com/play.php?catsmktba=45
بسم الله الرحمن الرحيم
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " [آل عمران : 102] .
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " [النساء : 1] .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً " [الأحزاب : 71 - 70] .
أيها الناس اعلموا أن الله خلقنا لعبادته وطاعته فقال : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [البقرة : 21] ،
وقال : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات : 56] ، وقال : " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً " [النساء : 36] ، وقال : " قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً " [الأنعام : 151] ، ولما وقع الناس في مخالفة التوحيد الذي خلقهم الله لإقامته ؛ أرسل إليهم رسلا مبشرين للموحدين بالجنة ؛ ومنذرين لمن خالف بالنار ، قال تعالى : " رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً " [النساء : 165] ، وقال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُوا اْلطَّاغُوتَ " [النحل : 36] ، فكان الناس صنفين ؛ منهم من هدى الله - عز وجل - إلى الصراط المستقيم والطريق القويم ، ومنهم من أخلد إلى هوى نفسه ومتابعة الشيطان ، فحقت عليهم الضلالة ، قال تعالى : " فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ " [النحل : 36] ، ولما كان من أعظم أسباب ضلال الناس الجهل بدين الله - عز وجل - أحببت أن أكتب هذه الوريقات في التنبيه على مسألة عظيمة وهي : الحلف بغير الله - عز وجل - حيث استشرى هذا المنكر العظيم في معظم بلاد المسلمين ؛ مع اختلاف الناس في المحلوف به ، فبعضهم يحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا لاحظنا وجوده في بلاد مصر - عمّرها الله - بالتوحيد والاستقامة ، فتجد أحدهم يكثر من قوله :
( والنبي ) ، وتارة يحلفون بحياة الأشخاص المخلوقين المربوبين ؛ فيقول أحدهم : ( وحياتك ) ، ( وحياة رسول الله ) ، - صلى الله عليه وآله وسلم - وبعضهم يحلف بأصحاب القبور ، فيقول أحدهم : ( بالحسين ) ، أو ( والحسين ) ، وآخر ( بالهادي ) ، أو ( والهادي ) ، وقد قال ابن عباس - رضي الله - عنه في تفسير قوله تعالى : " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً " [البقرة : 22] : الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل ! على صفاة سوداء ؛ في ظلمة الليل ؛ وهو أن تقول والله ! وحياتك يا فلان وحياتي .اهـ
إلى غير ذلك ، فأحببت أن أكتب محذرا ومنذرا من مغبة هذا الصنيع ؛ سائلا المولى - جل وعز - أن ينفع بها في المحيا وبعد الممات إنه سميع قريب مجيب الدعوات .
تعريف العبادة
[ اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ] ، فصرف شيء من العبادات لغير الله - عز وجل - يعتبر شركا ! والشرك من كبائر الذنوب ، قال تعالى : " إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ " [النساء : 48] ، وقال تعالى : " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " [لقمان : 13] ، وقال تعالى : "ِ إنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ " [المائدة : 72] ، وفي الحديث : [ من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ] أخرجه مسلم عن جابر وابن مسعود - رضي الله - عنهما ، والله - عز وجل - غني حميد ؛ وغناه غنى ذاتي ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [فاطر : 15] ، وفي الحديث القدسي [ أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ] أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله - عنه ، والشرك ينقسم إلى قسمين :
أ - شرك أكبر : وهو مخرج من الملة ومُذهبٌ لأصل الإيمان ، ويحبط جميع الأعمال ، قال تعالى : " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً " [الفرقان : 23] ، وقال : " لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [الزمر : 65] ، وفي حديث عائشة - رضي الله - عنها عند مسلم [ قالت : يا رسول الله ابن جدعان كان يفعل ويفعل ، قال :
( لا ينفعه ) ، إنه لم يقل يوما : ( ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) ] ، وصاحبه مخلد في النار لا يقبل الله - عز وجل - منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا .
ب - وشرك أصغر : يحبط به العمل الذي قارنه ويبقى معه مسمى الإيمان ، وصاحبه لا يخلد في النار ولا يُخرج صاحبه من الملة إلا أنه من أعظم الكبائر ؛ وليس بداخل تحت المشيئة على الصحيح من أقوال أهل العلم
( ! ) معنى ذلك أنه من مات على شيء من أنواع الشرك لابد من دخوله النار ؛ عائذا بالله منها ؛ فإن كان شركه أكبر خُلد فيها ، ومن كان شركه أصغر عُذب بقدر جريرته وذنبه ، ثم يخرج منها ؛ فعلى هذا يجب عليما جميعا أن نتعاهد توحيدنا لله ربّ العالمين ، ونكون كما قال الله : " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " [الأنعام : 162- 163] ، ونتعاهد أنفسنا بالتوبة العامة والخاصة بين الحين والآخر للتخلص من معرات الذنوب صغيرها وكبيرها ، قال تعالى : " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [النور : 31] ، وفي الحديث المأثور : [ اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه ، وأستغفرك لما لا أعلمه ] ، وعلى العبد المؤمن أن يخاف من الوقوع في الشرك الذي خافه إبراهيم - عليه السلام - فقال : " وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ " [إبراهيم : 35] ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : [ اللهم إني أعوذ بك من الشرك والكفر ] أخرجه ابن حبان عن أنس - رضي الله - عنه ، وكان يقول :
[ اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ، وعذاب القبر ] أخرجه أحمد عن أبي بن كعب ، ومن أسباب السلامة من الشرك أيضا معرفة التوحيد فيُلزم ، والشرك فيحذر ، وكما قيل :
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
ومن هذا الباب اعلم أن الحلف عبادة لا يجوز صرفها لغير الله - عز وجل - ، ومن صرفها لغير الله - عز وجل - فقد أشرك ، ففي حديث ابن عمر - رضي الله - عنهما ؛ عند الترمذي وغيره : [ من حلف بغير الله فقد أشرك ] الحديث في سنده سعيد بن عبيد ! لم يسمعه من ابن عمر !! لكن الحديث له شواهد كثيرة في معناه تدل عليه ، والحلف بغير الله - عز وجل - من حيث هو شرك أصغر لكن إذا اقترن بالحلف تعظيم المحلوف به صار شركًا أكبر مخرج من الملة ، ومما يدل على أن الحلف بغير الله – عز وجل- شرك حديث قتيلة عند النسائي وغيره ، [ أن رجلا من اليهود قال يا محمد إنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد ، وتقولون : والكعبة ، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ! وأمرهم أن يقولوا : ما شاء الله ثم شاء محمد ، ويقولون ورب الكعبة ] ، وجاء بنحوه من حديث الطفيل بن سخبرة - رضي الله عنه - ، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الحلف بالكعبة مع أنها معظمة عند المسلمين ، عظمها ربنا - سبحانه وتعالى - لكنها مع ذلك مخلوقة مربوبة ! لا يجوز الحلف بها ، والحلف لا يكون إلا بالله - عز وجل - ففي حديث عمر - رضي الله - عنه ، عند الشيخين : [ أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع عمر - رضي الله - عنه وهو يحلف بأبيه ، فقال : ألا إن الله ينهكم أن تحلفوا بآبائكم ؛ من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ، قال عمر : فما حلفت به ذاكرا ولا آثرا ] ، وفي حديث ابن عمر عند الشيخين أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال :
[ من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله ؛ وكانت قريش تحلف بآبائها فقال : لا تحلفوا بآبائكم ] وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عند مسلم : [ لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغي ] ، والطواغيت هي : ما تعظم وتعبد من دون الله عز وجل . وفي حديث أبو هريرة - رضي الله - عنه عند أبي داود :
[ لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ، ولا تحلفوا إلا بالله ، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون ] ، ففي الحديث النهي عن الحلف بالآباء والأمهات وما في معناهما من المخلوقين ، ثم حصر الحلف وبين أنه لا يكون إلا بالله - عز وجل - ثم أمر من باب تعظيم الله - عز وجل - بأن لا يحلف به كاذبا ، ولذلك جعل اليمين الغموس من أكبر الكبائر ، ففي حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله - عنهما عند البخاري : [ الكبائر ؛ الإشراك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ] ، وفي حديث ابن مسعود - رضي الله - عنه : [ من حلف بالله كاذبا يقتطع به مال امرئ مسلم لقي الله وهو عنه معرض ] ، أخرجاه في الصحيحين ، ومع ذلك الحلف بالله كاذبا مع أنه من الكبائر أهون من الحلف بغير الله صادقا ، لأن الحلف بغير الله - عز وجل - شرك ! وقد تقدم أن الله لا يغفر الشرك ، فعن ابن مسعود قال : [ لأن أحلف بالله كاذبا أهون من أن أحلف بغير الله صادقا([1]) ] ، قال في فتح المجيد : ومعلوم أن الحلف بالله كاذبًا كبيرة من الكبائر ؛ لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر .اهـ ، وفي حديث بريدة عند ابن ماجة وغيره : [ من حلف بالأمانة فليس منا ] ، فعلى المسلمين رجالا ونساء ، وجنًا وإنسًا ، أن يراقبوا الله - عز وجل - فيما يعملون ويذرون ، والحذر الحذر من مغبة المعاصي ؛ لاسيما الوقيعة في الشرك بنوعيه الأصغر والأكبر ، ولا يعتذر أحدهم بالأعذار الواهية التي لا تغني ولا تنفع ، وليعود لسانه على النطق بما يقربه من الله - عز وجل - لا بما يُسخط الله - عز وجل - عليه ! نسأل الله العافية .
النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - بشر لا يجوز صرف شيء من العبادات له
وإنما تكون طاعة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - بموافقة شرعه ، والتمسك بسنته ظاهرًا وباطنًا ، أما ما خرج عن ذلك فليس بتعظيم وإنما هو من المخالفة ؛ ولو كان الحلف برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - من الأمور المندوحة لحلف به الصحابة في حياته وبعد موته ! لكن هذا لم يحدث ولو كان خيرًا لسبقونا إليه ، قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في كتابه أركان الإسلام ؛ صحيفة ( 160 ) : الحلف بالنبي - عليه الصلاة والسلام - لا يجوز بل هو نوع من الشرك .اهـ
بما يحلف إذن ؟
منها : ( والذي نفسي بيده ) ، كان يحلف بها كثيرا ، وجاءت عن كثير من الصحابة في الصحيحين وغيرهما ، وكذلك : ( لا ومقلب القلوب ) ، جاء عن ابن عمر عند البخاري ، وكذلك : ( والذي بنفس محمد بيده ) ، وجاء عن عائشة في الصحيح أنها كانت تقول : ( وربّ محمد ) ، ( وربّ إبراهيم ) ، وجاء : ( ورب الكعبة ) ، وجاء الحلف : ( والله الذي لا إله إلا هو ) ، وكذلك ( والله ) ، وكذا ( والذي لا إله غيره ) ، والحلف بالعزة ! في حديث أبي هريرة في الصحيح ، [ أن أيوب - عليه السلام - قال بلى وعزتك ] ، إلى غير ذلك من الأسماء والصفات قد استوعبنا ذلك بحمد الله في كتابنا [ التبيان في أحكام الأيمان ] ، عجل الله طبعه ، قال العثيمين - رحمه الله - في أركان الإسلام ( 157 ) : القسم بالشيء يدل على تعظيم ذلك المقسم به تعظيمًا خاصًا لدى المقسم ! ولهذا لا يجوز لأحد أن يحلف إلا بالله تعالى بأحد أسمائه أو صفة من صفاته مثل أن يقول : والله لأفعلن ؛ وربّ الكعبة لأفعلن ؛ وعزة الله لأفعلن ؛ وما أشبه ذلك من صفات الله تعالى .
حلف الله عز وجل بما شاء من مخلوقاته
[التين :1- 3] ، فالجواب : أن الله - عز وجل - له أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته ، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون .
الإنكار على من حلف بغير الله عز وجل
كفارة الحلف بغير الله عز وجل
أ - الإقلاع عن الحلف بالمخلوق .
ب - العزم على عدم العود .
ث - الندم على الحلف بغير الله عز وجل .
وزد على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عند الشيخين قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - : [ من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ، ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق ] .
أهمية تصحيح الألفاظ
فأجاب : إن أراد بتصحيح الألفاظ وإجراءها على اللغة العربية فهذا صحيح أنه لا يهم من جهة سلامة العقيدة أن تكون الألفاظ جارية على اللغة العربية ما دام المعنى مفهومًا وسليمًا ، أما إذا أراد بتصحيح الألفاظ ترك الألفاظ التي تدل على الكفر والشرك فكلامه غير صحيح بل تصحيحها مهم ولا يمكن أن تقول للإنسان اطلق لسانك في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة بل نقول الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية .اهـ
وكتب
أبو محمد عبد الحميد بن يحى بن زيد الحجوري الزعكري
القاهرة الموافق 10 / ربيع ثاني / 1430 هـ
1 - أخرجه الطبراني في الكبير برقم ( 8768 ) قال حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو نعيم ، ح وحدثنا أبو مسلم الكشي ، ثنا الحكم بن مروان الضرير ، قالا : ثنا مسعر بن كدام ، عن وبرة بن عبد الرحمن ، قال : قال عبد الله : " لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق " ، وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه برقم ( 15402 ) وابن أبي شيبة في مصنفه أيضا برقم( 13841 ) ، وهو أثر صحيح موقوف كما قال العلاّمة الألباني - رحمه الله - .
المصدر
http://alzoukory.com/play.php?catsmktba=45