إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مختصر أحكام الجنائز\للعلامة الفوزان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مختصر أحكام الجنائز\للعلامة الفوزان

    مختصر أحكام الجنائز

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، حَكَمَ بالموتِ على بني الإنسانِ‏.‏ ‏{‏كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ‏}‏‏.‏
    وبعدَ الموتِ يُودَعُونَ في القبور‏.‏ إلى يوم البعث والنُّشورِ، ثم ينتقلون منها إلى دار القرار‏.‏ في الجنَّة أو النار‏.‏ ولمَّا كان للميِّتِ بعد وفاته أحكامًا شرعية‏.‏ من تغسيلٍ وتكفينٍ وحملٍ ودفن - اختصرنا هذه الأحكام من كلامِ الفقهاءِ في هذه الصفحاتِ القليلةِ التي نقدمها لمن يتولون القيامَ بتنفيذِ هذه الأحكام في إخوانهم الموتى حتى يؤدوها على بصيرة - إن شاء الله - ونسأل الله لنا ولهم مزيدَ الأجرِ والثَّوابِ والعلمِ النافعِ والعملِ الصالح، إنه سميعٌ مجيبٌ‏.‏ وصلى الله وسلَّمَ على نبينا محمد وآله وصحبه‏.‏
    صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
    الاستعداد للموت
    يُسَنُّ الإكثارُ من ذكر الموتِ والاستعدادُ له - لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أكثروا من ذكر هادِمِ اللذاتِ‏)‏ يعني الموت - رواه الخمسةُ بأسانيد صحيحة، وصححه ابنُ حبَّان والحاكمُ وغيرهما، ويُباحُ العلاجُ والتداوي بالمُبَاح، لأنَّ الله ما أنزلَ داءً إلا وأنزلَ له شفاء، ولا يجوز التداوي بالمُحرَّمِ من مأكولٍ وغيره كالخمر والنجاسات‏.‏ لما في الصحيح عن ابن مسعودٍ‏:‏ ‏(‏إن الله لم يجعل شفاءَ أمتي فيما حرَّم عليها‏)‏ وكذا لا يجوز التداوي بما يُخِلُّ في العقيدة من السِّحرِ والشعوذَةِ والذبح لغير الله(1) وإتيان الكُهّان والمنَجِّمين‏.‏ ويجبُ على المريضِ التوبة إلى الله‏.‏ لأنها واجبة في كلِّ حالٍ وفي حالِ المرضِ آكد‏.‏
    وأن يوصي بما له وما عليه من الحقوق وما عنده من الودائعِ حتى تُردَّ إلى أهلها، ويوصي بالنَّظرِ في حق أولادِه الأصاغر - ويُسَنُّ تلقينُ المحتضِرِ قولَ لا إلهَ إلا الله لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله‏)‏ رواه مسلم، ويُسنُّ توجيهُه إلى القبلةِ فإذا ماتَ سُنَّ تغميضُ عينيه، وسترهُ بثوبٍ، ويُسرَع بتجهيزه مهما أمكن، ويجبُ الإسراع في قضاء ديونه، وتنفيذ وصيته لقولِهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نفسُ المؤمنِ معلَّقةٌ بدينه حتى يُقضَى عنه‏)‏ رواه أحمد والتِّرمذي وحسَّنَه، وتجهيزه كما يلي‏:‏

    أولاً‏:‏ تغسيل الميت وتكفينه
    1ـ حُكمُ تغسيل الميِّت وتكفينه‏:‏ غسلُ الميِّتِ وتكفينُه‏:‏ فرضُ كفايةٍ على مَن عَلِمَ به من المسلمين إذا قام بهما من يكفى سقَطَ الإثمُ عن الباقين‏.‏
    2ـ من يتولى تغسيلَ الميِّت‏:‏ يُشترطُ أن يكونَ مسلمًا وينبغي أن يكونَ ثقةً أمينًا عالمًا بأحكام الغسل‏.‏ ثم إن كان الميّتُ رجلاً تولى تغسيلَه الرِّجالُ ولا يجوز للنساءِ تغسيلُه إلا الزوجة فلها أن تُغَسِّلَ زوجَها‏.‏ وإن كان الميتُ امرأةً تولى تغسيلَها النساءُ ولا يجوز للرجالِ تغسيلُها إلا الزوج فله أن يُغسِّلَ زوجتَه‏.‏ وإن كان الميتُ صغيرًا دون سبعِ سنين فلكل من الرجال والنساء تغسيلُه‏.‏
    3ـ صفةُ الماءِ الذي يُغسَّل به‏:‏ يشترط أن يكون الماء طهورًا مباحًا والأفضل أن يكون باردًا إلا عند الحاجة لإزالة وسخٍ على الميِّت أو في شدّة بردٍ فلا بأس بتسخينه‏.‏
    4ـ مكانُ تغسيل الميِّت‏:‏ يكون التغسيلُ في مكانٍ مستورٍ عن الأنظارِ ومسقوفٍ من بيتٍ أو خيمةٍ ونحوِها إن أمكن‏.‏
    5ـ ما يُفعل بالميِّت قبل التغسيل‏:‏ يُسترُ ما بين سُرَّتِه ورُكبتهِ وُجوبًا ثم يُجرَّدُ من ثيابه ويُوضَعُ على سرير الغسلِ منحدرًا نحو رجليه لينصبَّ عنه الماء وما يخرجُ منه‏.‏
    6ـ من يحضرُ التغسيل‏:‏ يحضره الغاسلُ ومن يُعينُه على الغسلِ ويُكرَهُ لغيرهم حضورُه‏.‏
    7ـ صفةُ التَّغسيلِ‏:‏ ينبغي أولاً - أن يَرفعَ الغاسلُ رأسَ الميتِ إلى قُربِ جلوسِه ثم يمر يدَه على بطنه ويعصره برفقٍ ليخرجَ منه ما هو مستعد للخروجِ ويُكثِر صبَّ الماء حينئذٍ ليذهَبَ بالخارجِ‏.‏ ثم يلف الغاسلُ على يده خرقة خشنة فينجي الميِّتَ وينقى المخرجَ بالماءِ‏.‏ ثم ينوي التغسيل ويُسَمِّى ويوضّئه كوضوء الصلاة إلا في المضمضة والاستنشاق فيكفي عنهما مسحُ الغاسلِ أسنان الميِّتِ ومنخريه بأصبعيه مبلولتين أو عليهما خرقة مبلولة بالماءِ ولا يدخل الماء فَمَهُ ولا أنفَه‏.‏ ثم يغسل رأسَه ولِحيتَه برغوةِ سِدْرٍ أو صابون ثم يغسل ميامِنَ جسده وهي صفحة عنقِه اليُمنى ثم يده اليُمنى وكتفه ثم شِقَّ صَدرِه الأيمن وجنبه الأيمن وفخذه الأيمن وساقِه وقدمه الميامن ثم يقلبه على جنبه الأيسر فيغسلَ شِقَّ ظهرِه الأيمن ثم يغسل جانبَهُ الأيسر كذلك ثم يقلبه على جنبه الأيمن فيغسل شِقَّ ظهرِه الأيمن فيغسل شِقَّ ظهره الأيسر ويستعمل السِّدْرَ مع الغسل أو الصابونَ ويُستحب أن يلف على يده خرقةً حال التغسيل‏.‏
    8ـ عددُ الغسلات‏:‏ إن حصل الإنقاءُ فالواجبُ غسلُهُ واحدةٌ والمستحبُّ ثلاثُ غسلاتٍ‏.‏ وإن لم يحصلْ الإنقاءُ زادَ في الغسلاتِ حتى ينقى إلى سبعِ غسلاتٍ ويُستحبُّ أن يجعلَ في الغسلةِ الأخيرةِ كافورًا لأنه يصلب بدنَ الميِّت ويطيبه ويبرده فلأجل ذلك يجعل في الغسلة الأخيرة ليبقى أثرهُ‏.‏
    9ـ ما يُفعلُ بالميِّتِ بَعدَ التَّغسيلِ‏:‏ يُنَشَّف بثَوبٍ ونَحوِه ويقَصُّ شارِبُه وتقلَّم أظافِرُه إن طَالَت ويُؤخذُ شعر إبطيه ويجعل المأخُوذُ معه في الكَفَنِ ويظفر شَعرُ رأسِ المرأةِ ثلاثة قرون ويُسدَلُ من ورائها‏.‏
    10ـ ما يُفعلُ بالميِّت إذا تعذَّرَ غسله‏:‏ من تعذر غسله لعَدَم الماءِ‏.‏ أو خِيفَ تَقَطّعهُ بالغسل كالمجذومِ والمُحتَرِق‏.‏ أو كان الميّتُ امرأةً مع رجالٍ ليسَ فيهم زوجها أو رجلاً مَعَ نساءٍ ليسَ فيهن زوجته فإنَّ الميتَ في هذه الأحوال يُمَمَّمُ بالتُّرابِ بمسحِ وجهِهِ وكفَّيهِ من وراءِ حائِلٍ على يد الماسِحِ‏.‏ وإن تعذر غسلُ بعضِ الميّتِ غسلَ ما أمكنَ غسلُه منه ويُمِّمَ عن الباقي‏.‏
    11ـ ما يُشرَعُ في حَقِّ الغاسل بعدَ الغسلِ‏:‏ يُستحبُّ لِمَنْ غسلَ ميتًا أن يغتسلَ وليس ذلك بواجب‏.‏

    أحكام التكفين
    1ـ صِفَة الكَفَنِ‏:‏ يُشترطُ أن يكون ساترًا ويُستحبُّ أن يكونَ أبيض نظيفًا سواء كان جديدًا وهو الأفضل أو غسيلاً‏.‏
    2ـ مقدارُ الكَفَنِ‏:‏ الواجِبُ ثوبٌ يَسترُ جميعَ الميِّتِ والمُستحبُّ تكفينُ الرجلِ في ثلاث لفائِف وتكفين المرأة في خمسة أثواب‏:‏ إزار وخمار وقميص ولفافتين‏.‏ ويُكفّنُ الصَّغيرُ في ثوبٍ واحدٍ ويباحُ في ثلاثةِ أثوابٍ وتُكفّنُ الصَّغيرةُ في قميصٍ ولفافتين‏.‏
    ويُستحبُّ تجميرُ الأكفانِ بالبخُورِ بعدَ رَشِّها بماء الوردِ ونحوه لتعلق بها رائحةُ البُخورِ‏.‏
    3ـ صِفَةُ تكفين الرَّجُلِ‏:‏ تُبسَطُ اللفائِفُ الثلاثُ بعضها فوقَ بعضٍ ثم يُؤتى بالميِّت مستورًا وُجُوبًا بثوبٍ ونحوِه ويُوضَعُ فوقَ اللفائفِ مُستلقيًا‏.‏ ثم يُؤتى بالحنوطِ وهو الطِّيب ويُجعلُ منه في قطن بينَ أليتي الميِّت ويَشُدُّ فوقَه خرقَة‏.‏ ثم يُجعلُ باقي القُطنِ المُطَيَّبِ على عينيهِ ومنخَرَيْهِ وفَمِه وأُذُنَيه وعلى مواضِعِ سُجودِه‏:‏ جبهتِه وأنفه ويديه وركبتيه وأطرافِ قَدَميه ومغابنِ البَدَنِ الإبطين وطي الركبتين وسُرَّتِه‏.‏ ويجعل مِنَ الطيب بينَ الأكفانِ وفي رأس الميِّتِ‏.‏ ثُمَّ يرد طرفُ اللفافةِ العُليا من الجانب الأيسر على شِقِّهِ الأيمن ثم طرفها الأيمن على شِقِّه الأيسر ثم الثانية كذلك ثم الثالثة كذلك ويكون الفاضِلُ مِنْ طُولِ اللفائِفِ عندَ رأسه أكثرَ مما عند رجليه ثم يجمعُ الفاضِلَ عند رأسه ويرُدُّه على وجهه ويَجمعُ الفاضِلَ عند رجليه فيرده على رِجلَيه ثم يُعَقدُ على اللفائف أحزِمةً لئلا تنتشر وتحل العُقد في القبر‏.‏
    4ـ صِفَةُ تكفِينِ المرأة‏:‏ تكفن المرأة في خمسة أثواب‏:‏ إزار تُؤزَر به ثم تلبس قميصًا ثم تُخمرُ بِخِمارٍ على رأسها ثم تُلفُّ بلفافتين‏.‏

    ثانيًا‏:‏ أحكام الصلاة على الميت
    فَضلُهَا
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراطٌ ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل وما القيراطان‏.‏ قال مِثْلَ الجبلَيْن العظيمين‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
    حُكْمُها
    فَرْضُ كفايَةٍ إذا فَعَلَها البعضُ سَقَطَ الإثمُ عن الباقين وتبقى في حقِّ الباقين سُنَّة وإن تركها الكُلُّ أثموا‏.‏
    شُروطُها
    النِّيَّةُ‏.‏ واستقبالُ القِبلَةِ‏.‏ وسترُ العورَةِ‏.‏ وطهارةُ المصلِّي والمصلَّى عليه‏.‏ واجتنابُ النَّجاسة‏.‏ وإسلامُ المصلِّي والمصلَّى عليه‏.‏ وحضور الجنازةِ إن كانت بالبلدِ‏.‏ وكونُ المصلَّي مُكَلَّفًا‏.‏
    أركانها
    القيامُ فيها‏.‏ والتَّكبيراتُ الأربع‏.‏ وقراءةُ الفاتحةِ‏.‏ والصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ والدعاءُ للميِّت‏.‏ والترتيبُ‏.‏ والتَّسليمُ‏.‏
    سُنَنُها
    رفعُ اليدين معَ كُلِّ تكبيرةٍ‏.‏ والاستعاذةُ قبل القراءةِ‏.‏ وأن يدعو لنفسه وللمسلمين‏.‏ والإسرارُ بالقراءةِ وأن يقِفَ بعدَ التكبيرة الرابعة وقبلَ التَّسليم قليلاً‏.‏ وأن يضعَ يدَهُ اليُمنى على يده اليُسرى على صدره والإلتفاتُ على يمينه في التَّسليمِ‏.‏
    صِفَتُهَا
    يقومُ الإمامُ والمنفردُ عندَ صَدْرِ الرَّجُل ووَسَط المرأةِ، ويقفُ المأمُومُونَ خلفَ الإمام، ويُسنُّ جعلُهم ثلاثَةَ صُفُوفٍ، ثمَّ يكبِّرُ للإحرامِ ويتعوّذُ بعد التكبير مباشرة، فلا يَستَفْتِح، ويُسَمِّي ويقرأ الفاتحة، ثم يُكبِّرُ ويُصلِّي بعدها على النبي صلى الله عليه وسلم مثل الصلاة عليه في تشهُّدِ الصَّلاة‏.‏ ثم يُكبِّر ويدعو للميِّت بما ورَدَ؛ ومنهُ‏:‏ اللهمَّ اغفر لحيِّنَا وميِّتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، إنَّك تعلم مُنقلبنا ومثوانا وأنت على كلِّ شيءٍ قديرُ، اللهمَّ مَنْ أحييتَهُ مِنَّا فأحيِه على الإسلام والسُّنّةِ ومَنْ تَوفَّيتَهُ مِنَّا فتوفَّهُ عليهما، اللهم اغفر له وارحَمْهُ وعافِهِ واعفُ عنه وأكرِم نُزُلَهُ ووسِّع مُدْخَلَه واغسِلهُ بالماءِ والثَّلج والبَرَد ونَقِّه مِنَ الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ من الدَّنس وأبدِلْهُ دارًا خيرًا من دارِهِ وزَوجًا خيرًا من زوجه وأدخِلْه الجنَّةَ وأعِذْه مِنْ عذاب القبر وعذاب النارِ وافسحْ لَهُ في قبره ونوِّر له فيه - وإن كانَ المصلَّي عليه أُنثى قال اللهم اغفر لها - بتأنيث الضمير في الدعاءِ كُلِّه وإن كان المصلَّى عليه صغيرًا قال اللهم اجعَلْهُ ذُخرًا لوالديه وفرطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا، اللهم ثَقِّلْ به موازينَهُما وأعظِمْ به أُجُورَهُما وألحِقْهُ بصالح سَلَفِ المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وَقِهِ برحمتكَ عذابَ الجحيم، ثمّ يُكَبِّر ويقفُ بعدها قليلاً، ثم يُسَلِّم تسليمةً واحدةً عن يمينه - ومن فاته بعضُ الصلاة على الجنازةِ دخلَ مع الإمام فيما بقي ثم إذا سلَّمَ الإمامُ قضى ما فاته على صِفَتِه، وإن خَشِيَ أن تُرفَعَ الجنازةُ تابع التَّكبيرات ‏(‏أي بدون فصلٍ بينها‏)‏ ثم سلَّم‏.‏ - ومن فاتته الصلاة على الميِّتِ قبلَ دفنِه صلَّى على قبره‏.‏
    ومَنْ كان غائبًا عن البلد الذي فيه الميِّتُ وعَلِم بوفاته فَلَه أن يُصلي عليه صلاة الغائب بالنِّيةِ، وحَملُ المرأة إذا سَقَطَ ميِّتًا وقد تمَّ له أربعةُ أشهُرٍ فأكثَر صلى عليه صلاة الجنازةِ وإن كان دُون أربعةِ أشهرٍ لم يُصَلّ عليه‏.‏

    ثالثًا‏:‏ حمل الميت ودفنه
    1ـ حمل الميت ودفنه مِن فُروض الكفاية على مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ مِنَ المسلمين‏.‏ ودفنُه مشروعٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا‏}‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ‏}‏‏.‏
    أي جعله مقبُورًا - والأحاديثُ في دفن الميِّتِ مُستفيضَةٌ وهو بِرٌّ وطاعةٌ - وإكرامٌ للميِّتِ‏.‏ واعتناءٌ به‏.‏
    ويُسنُّ اتباع الجنازة وتشيعها إلى قبرها - ففي الصحيحين‏:‏ ‏(‏مَنْ شَهِدَ جنازةً حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تُدفَنُ فله قيراطان - قيل‏:‏ وما القيراطان - قال‏:‏ مِثْلُ الجبلين العظيمين‏)‏‏.‏ وللبخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏من شيع‏)‏ ولمسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏من خرج معها ثم تبعها حتى تدفن‏)‏ ففي الحديث برواياته الحثُّ على تشييع الجنازة إلى قبرها‏.‏
    ويُسنُّ لِمَنْ تبعها المشاركةُ في حملها إنْ أمكن - ولا بأس بحملها في سيارة أو على دابّةٍ لا سيما إذا كانت المقبرةُ بعيدةً ويُسَنُّ الإسراعُ بالجنازة - لقولِهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أسرعوا بالجنازة، فإنْ تَكُ صالحة فخير تُقَدِّمونَها إليه، وإن تَكُ سوى ذلك فَشَرٌّ تضعُونه عن رِقَابِكُم‏)‏ متفق عليه‏.‏ لكن لا يكونُ الإسراعُ شديدًا - ويكونُ على حامليها ومُشيِّعيها السَّكينة، لا يرفعونَ أصواتهم لا بقراءةٍ ولا غيرها من تهليل وذكرٍ، أو قولهم‏:‏ ‏(‏استغفروا له‏)‏ وما أشبه ذلك لأن هذا بدعة، وتشبُّه بأهلِ الكتابِ، ويحرُمُ خُروج النِّساءِ مع الجنائز لحديثِ أمِّ عطيّةٍ‏:‏ ‏(‏نُهينا عن اتِّباعِ الجنائز‏)‏ ولم تكن النِّساء يخرُجْنَ مع الجنائِزِ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتشييعُ الجنائزِ خاصٌّ بالرِّجال‏.‏
    ويُسنُّ أن يُعَمَّقَ القبرُ ويُوسَّعَ - لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏احفروا وأوسِعُوا وعمِّقُوا‏)‏ قال التِّرمذي‏:‏ حَسَنٌ صحيحٌ - ويسن سترُ قبر المرأة عند إنزالها فيه، لأنها عورة‏.‏
    ويُسنُّ أن يقولَ مَنْ يُنزِلُ الميتَ في القبر‏:‏ ‏"‏بسم الله وعلى مِلَّة رسول الله‏"‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا بسم الله وعلى ملَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ رواه الخمسة إلا النِّسائي وحسَّنه التِّرمذي‏.‏
    ويُوضَعُ الميّتُ في لَحْدِهِ على شِقِّه الأيمن مُستقبل القبلة - لقوله صلى الله عليه وسلم في الكعبة‏:‏ ‏(‏قِبلَتُكُم أحياءً وأمواتًا‏)‏ رواه أبو داود وغيره‏.‏
    ويُجْعلُ تحتَ رأسه لَبِنَة أو حَجَر أو تُراب ويُدنى من حائطِ القبر الأمامي ويُجعل خلفَ ظهرِهِ ما يسنده من تراب حتى لا ينكَبَ على وجهه أو ينقلب على ظهره ثم تُسَدُّ عليه فتحةُ اللّحدِ باللبنِ والطِّينِ حتى يلتحمَ ثم يُهالُ عليه التُّرابُ ولا يُزادُ عليه من غير تُرابه ويُرفَعُ القبرُ عن الأرض قدرُ شبر ويكون مُسنَّمًا أي مُحَدَّبًا كهيئة السنامِ لتنزل عنه مياهُ السيولِ ويُوضَع عليه حصبَاء ويرشُّ بالماء ليتماسَكَ ترابُه ولا يتطاير - والحكمةُ في رفعهِ بهذا المقدار ليُعلَم أنَّه قبر فلا يُداسُ ولا بأس بوضع النَّصائب على طرفيه لبيان حُدودِه، وليُعرفَ بها؛ من غير أن يُكتَبَ عليها‏.‏
    ويُستحبُّ إذا فرغ مِنْ دفنه أن يقفَ المسلمون على قبره ويدعو له ويستغفروا له فرادى - لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فرَغَ من دفن الميِّت وقفَ عليه وقال‏:‏ ‏(‏استغفروا لأخيكُم واسألوا له التَّثبيت فإنَّه الآن يُسألُ‏)‏ رواه أبو داود - وأما قراءة شيء من القرآن عند القبر فإنّ هذا بدعة لأنه لم يفعله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابَتُه الكِرامُ ‏(‏وكُلُّ بدعةٍ ضلالة‏)‏ ويَحْرمُ البناءُ على القُبور وتجصيصُها والكتابةُ عليها - لقولِ جابر‏:‏ ‏(‏نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصّصَ القبر وأن يُعقَدَ عليه وأن يُبنى عليه‏)‏ رواه مسلم‏.‏ وروى الترمذي وصححه من حديث جابر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏نهى أن تُجصّصَ القبورُ وأن يكتبَ عليها وأن تُوطأ‏)‏ ولأنَّ هذا من وسائِل الشِّركِ والتَّعلُّق بالأضرحة لأنَّ الجُهّال إذا رأوا البناءَ والزَّخرفةَ على القبر تعلَّقُوا به‏.‏
    ويحرمُ إسراجُ القُبورِ ‏(‏أي إضاءَتُها بالأنوار الكهربائية وغيرها‏)‏ ويحرمُ اتخاذُ المساجدِ عليها أي ببناء المساجد عليها والصّلاة عندها أو إليها - وتحرُمُ زيارةُ النِّساء للقبور - لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لعن الله زوارات القبور والمتَّخذين عليها المساجد والسّرُج‏)‏ رواه أهل السُّنن - وفي الصحيح‏:‏ ‏(‏لعنَ الله اليهودَ والنَّصارى اتخذُوا قُبُورَ أنبيائهم مساجِدَ‏)‏‏.‏ ولأنَّ تعظيم القبور بالبناء عليها ونحوه هو أصلُ شِرْكِ العالم‏.‏
    وتَحرُمُ إهانةُ القبورِ بالمشي عليها ووطئها بالنِّعَالِ والجُلُوس عليها وجعلها مجمعًا للقُمَامات أو إرسال المياه عليها - لِمَا روى مُسلمٌ عن أبي هريرة مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لأن يجلس أحدُكم على جمرةٍ فتخرقُ ثيابَه فتخلُص إلى جِلدِهِ خير من أن يجلسَ على قبر‏)‏‏.‏ قال الإمام ابن القيم رحمه الله‏:‏ مَنْ تدَبَّر نهيَه عن الجُلوس على القبرِ والاتكاءِ عليه والوطءِ عليه عَلِم أنّ النَّهيَ إنما كان احترامًا لِسُكَّانها أن يوطأ بالنعال على رؤوسهم‏.‏

    التعزية
    وتسنُّ تعزيةُ المُصَابِ بالميِّتِ وحثّه على الصَّبرِ والدُّعاءُ للميِّت‏.‏ لِمَا روى ابن ماجه وإسناده ثقات عن عمر وابن حزم مرفوعًا‏:‏ ‏(‏ما مِنْ مُؤمِن يُعزّي أخاه بمُصيبةٍ إلا كساهُ الله مِن حُلل الكرامةِ يومَ القيامة‏)‏ ووردت بمعناه أحاديث‏.‏ ولفظ التعزية أن يقول‏:‏ ‏(‏أعظم الله أجرَكَ‏.‏ وأحسن عزاءكَ‏.‏ وغفر لميِّتكَ‏)‏ ولا ينبغي الجُلُوس للعَزَاءِ والإعلان عن ذلكَ كما يفعلُ بعضُ الناسِ اليوم‏.‏ ويُستحبُّ أن يُعدَّ لأهلِ الميِّتِ طعامًا يبعثه إليهم‏.‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد جاءهم ما يُشغلُهم‏)‏ رواه أحمد والتِّرمذي وحسَّنه‏.‏
    أمَّا ما يفعلُه بعضُ النَّاس اليومَ من أنَّ أهل الميت يُهيئونَ مكانًا لاجتماع الناس عندهم ويصنعونَ الطَّعامَ ويستأجِرُونَ المقرئين لتلاوةِ القرآنِ ويتحمَّلونَ في ذلك تكاليفَ ماليّة فهذا من المآتم المُحرَّمةِ المبتدعَة - لما روى الإمامُ أحمد عن جرير بن عبد الله قال‏:‏ ‏(‏كُنَّا نَعُدُّ الاجتماعَ إلى أهل الميِّت وصنعةَ الطَّعامِ بعد دفنه من النِّياحَة‏)‏ وإسناده ثقات - قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمهُ الله‏:‏ جَمْعُ أهل المُصيبةِ النّاس على طعامهم ليقرءوا ويهدوا له ليس معروفًا عند السَّلَفِ‏.‏ وقد كَرِهَه طوائفُ مِنْ أهلِ العلم مِنْ غيرِ وجَه‏.‏ انتهى - وقال الطرطوشي‏:‏ فأما المآتم فممنوعة بإجماع العُلماء - والمأتم هو الاجتماعُ على المصيبةِ‏.‏ وهو بدعة مُنكَرَة لم ينقل فيه شيء‏.‏ وكذا ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والرابع والسابع والشهر والسنة فهو طامَّة‏.‏ وإن كان من التركة وفي الورثةِ محجورٌ عليه أو مَنْ لَمْ يأذَنْ حُرِّمَ فِعْلُه وحُرِّمَ الأكلُ منه، انتهى‏.‏
    زيارة القبور
    تُستحَبُّ زيارة القبورِ للرِّجالِ خاصَّةً لأجلِ الاعتبار والاتِّعاظ ولأجل الدُّعاء للأمواتِ والاستغفار لهم لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كُنتُ نَهيتُكم عن زيارة القُبورِ فَزُورُوها‏)‏ رواه مسلم والتِّرمذيِّ وزاد‏:‏ ‏(‏فإنَّها تُذَكِّرُ الآخرَةَ‏)‏ ويكونُ ذلك بدون سفرٍ فزيارةُ القُبورِ تُستَحَبُّ بثلاثةِ شروطٍ‏:‏
    1ـ أن يكون الزّائِرُ من الرِّجالِ لا النِّساءِ - لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏لَعَن زوَّاراتِ القُبُورِ‏)‏‏.‏
    2ـ أن تَكُونَ بِدُونِ سَفَرٍ لقولِه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تُشدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجد‏)‏‏.‏
    3ـ أن يكونَ القصدُ منها الاعتبارَ والاتّعاظَ والدُّعاءَ للأمواتِ، فإن كانَ القصدُ منها التّبرّكَ بالقبورِ والأضرحةِ وطلبَ قضاء الحاجاتِ وتفريج الكُرباتِ من الموتى فهذه زيارةٌ بِدْعية شركية - قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله‏:‏ زيارةُ القبور على نوعين‏:‏ شرعيَّة وبِدْعية - فالشرعيّةُ المقصُودُ بها السَّلامُ على الميِّتِ والدُّعاءُ له‏:‏ كَمَا يقصد بالصّلاة على جنازته مِنْ غير شدِّ رِحْلٍ، والبِدْعِيّة‏:‏ أن يكون قصدُ الزّائر أن يطلبَ حوائجَهُ من ذلك الميِّتِ‏.‏ وهذا شِرْكٌ أكبر‏.‏ أو يقصد الدَّعاءَ عندَ قبرِهِ أو الدُّعَاءَ به‏.‏ وهذا بِدْعة مُنْكَرة ووسيلَةٌ إلى الشِّرك وليس مِنْ سُنَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا استحبَّهُ أحَدٌ من سَلَفِ الأمَّةِ وأئمّتِها‏.‏
    انتهى والله تعالى أعلم - وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‏.‏

    المصدر : موقع الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
    www.fawzan.al-eman.com
يعمل...
X