مسألة حكم صلاة الجماعة؟
اختلف العلماء في صلاة الجماعة على أقوال:
الأول: أنها من آكد السنن وليست بواجبة وهو مذهب مالك وأبي حنيفة لحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. أخرجه البخاري ومسلم.
ولأن النبي ج لم ينكر على الذَين قالا : صلينا في رحالنا فلو كانت واجبة لأنكر عليهما ؛ ولأنها لو كانت واجبة لكانت شرطا لها في الصلاة كالجمعة .
قال الإمام الشوكاني في النيل : فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التي لا يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم وأما أنها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا.اهـ
الثاني: أنها فرض كفاية وهو مذهب الشافعي وجماعة.
الثالث: أنها شرط لا تصح الصلاة إلا بها وهو مذهب داود واستدل بحديث ابن عباس( من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر..... لم تقبل الصلاة التي صلى. أخرجه أبو داود (551) وفي إسناده أبو جناب يحي بن أبي حية الكلبي ضعيف.
وأخرجه ابن ماجة(793) من وجه آخر بلفظ فمن سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر.والراجح وقفه رجح ذلك أحمد والبيهقي .
قال ابن المنذر: وقد روى هذا الحديث وكيع وعبدالرحمن بن زياد عن شعبة موقوفا عن ابن عباس غير مرفوع.
الثالث : أنها فرض عين غير شرط وهو مذهب عطاء والأوزاعي وإسحاق وأحمد وأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان لقول الله : ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭼ النساء: ١٠٢
ولو لم تكن واجبة لرخص لهم في حالة الخوف ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة لأجلها .
ولحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم. أخرجه البخاري ومسلم
فإنها لوكانت سنه لم يهدد تاركها بالتحريق.
ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه، وليس هذا الحديث خاص بالجمعة إذ لو كان للجمعة وليس للجماعة لما هم بالتخلف عنها.
ويؤيد ماتقدم حديث أبي هريرة في الأعمى قال : يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولي دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة ؟ فقال نعم قال فأجب. أخرجه مسلم
فإذا لم يرخص للأعمى الذي ليس له قائد فغيره أولى.
وهذا هو الراجح والله أعلم إلا لعذر ولا يلزم من الوجوب الشرطية – وسيأتي ذكر الأعذار إن شاء الله-.
قال ابن المنذر: فدلت الأخبار التي ذكرناها على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له ، فمما دل عليه قوله لابن أم مكتوم ، وهو ضرير : « لا أجد لك رخصة » ، فإذا كان الأعمى كذلك ، لا رخصة له ، فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة ، وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة ، إذ غير جائز أن يحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف على ندب ، وعما ليس بفرض ، ويؤيد ما قلنا حديث أبي هريرة ..... عن أبي الشعثاء المحاربي : « أنه كان مع أبي هريرة ، فخرج رجل من المسجد بعدما أذن المؤذن ، فقال أبو هريرة : أما هذا ، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم » ولو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة ، أو إتيانها لم يجز أن يقضي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره ، ولما أمر الله عز وجل بالجماعة في حال الخوف ، دل على أن ذلك في حال الأمن أوجب ، قال الله جل ذكره : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ، فلتقم طائفة منهم معك الآية ، ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف دليل بين على أن ذلك في حال الأمن أوجب ، والأخبار المذكورة في أبواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لأصحاب العذر تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له ، إذ لو كان حال العذر ، وغير حال العذر سواء ، لم يكن للترخيص في التخلف عنها في أبواب العذر معنى .اهـ
وأما حديث صلاة الفذ فغاية مافيه الفضل الحاصل للجماعة ولا يلزم منه منع الوجوب وهدر الأدلة الأخرى وكم من العبادات لها أحاديث في فضلها وهي واجبة كالوضوء وغيره.
وأما أنه لم يأمر الرجلان بالصلاة معه لأنهما صليا بالراحلة فذلك يدل على أنهما كانا على سفر وليست عندنا واجبة بالسفر.
تنبيه: الخلاف الحاصل بين العلماء هو في الجماعة في الصلوات الخمس، وأما الجمعة ففرض عين بالاجماع، وأما المنذورة فلا تشرع فيها الجماعة بلا خلاف، وأما النوافل فقد سبق ذكرها.
المغني(3/5) والمجموع (4/182 و 185 و188و 189-192) والأوسط (4/134- 136) والنيل (5/403-418)
مسألة هل هذا الحكم يشمل النساء ؟
صلاة الجماعة للنساء ليست بفرض عين ولا كفاية بلاجماع ولكنها مستحبة لحديث ابن عمر" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن. أخرجه البخاري (865) ومسلم .
في هذا الحديث إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب لأنه لو كان واجبا لا يبقى معنى للاستئذان لأن ذلك إنما متحقق إذا كان المستأذن مجيزا في الإجابة والرد فكل صلاة استحب للرجال أن يؤدونها في جماعة أستحبت الجماعة فيها للنساء سواء كان فرضا أو نفلا نقل هذا عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
وصلاتها في جماعة في بيتها أفضل من صلاتها في جماعة في المسجد لحديث ابن مسعود" أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " .أخرجه أبو داود وصححه العلامة الألباني.
المجموع (4/198-199) والفتح لابن رجب(869) والنيل (5/423)
مسألة ائتمامها على أحوال:
أحدهما: أن تأتم المرأة بامرأة أخرى وهذا مشروع لعموم الأدلة والشرع عام للرجال والنساء ولانهي عن صلاة المرأة بالنساء .
وقدروي عن عائشة أنها أمتهن في مكتوبة وعن أم سلمة وهي قابلة للتحسين بطرقها وشواهدها وبه قال الشافعية والحنابلة.
وأما حديث أن الرسول أمر أم ورقة بأن تجعل لها مؤذنا وأمرها أن تؤم أهل دارها.فأخرجه أبوداود(592) بإسناد ضعيف.
الثانية: أن تأتم برجل بجماعة رجال فمشروع لحديث أم سلمة م كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم. أخرجه البخاري (870)
وحديث أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه و سلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: قوموا فأصلي لكم قال أنس بن مالك فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين ثم انصرف. أخرجه البخاري (727) مسلم (658)
الثالث: ائتمام النساء برجل دون رجال في بيت فمكروه لما فيه من نوع خلوة .
قال ابن رجب : وكره طائفة من السلف أن يصلي الرجل بالنساءِ الأجنبيات وليس خلفه صفٌ من الرجال منهم : الجزري .
وكذلك قال الإمام أحمد -في روايه الميموني -:إذا كان خلفه صف رجال صلى خلفه النساء ؛ لأن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -صلى بأنس واليتيم وأم سليم وراءهم.
قيل لهُ : فإن لم يكن رجال ، كانوا نساء ؟
قالَ : هذه مسأله مشتبهةٌ . قيل لهُ : فصلاتهم جائزة ؟
قال : أما صلاته فهي جائزة قيل له : فصلاة النساء ؟ هذه مسألةٌ مشتيهةٌ .
فتوقف في صحة صلاتهن دونه .اهـ
والراجح صحة صلاته.
الرابع : وإن ائتم بامرأة واحدة دون رجال فمحرم لحديث ابن عباس يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يخطب يقول : لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. أخرجه البخاري ومسلم
هذا إذا كان غير محرم أما إن كان محرما فجائز والله أعلم.
المجموع (4/199) والفتح لابن رجب (8/44- 46)
مسألة الأعذار المبيحة للتخلف عن الجماعة؟
الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة :
الأول: المطر الذي يشق معه الخروج إلى المسجد: عذر يسقط به وجوب صلاة الجماعة سواء كان ليلا أو نهار في سفر أو حضر لحديث ابن عمر أن الرسول ج كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول ألا صلوا في الرحال. البخاري ومسلم.
وحديث جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فمطرنا فقال ليصل من شاء منكم في رحله. أخرجه مسلم
قال ابن رجب: وأكثر أهل العلم عَلَى أن المطر والطين عذر يباح مَعَهُ التخلف عَن حضور الجمعة والجماعات، ليلاً ونهاراً .
قَالَ الترمذي : قَدْ رخص أهل العلم فِي القعود عَن الجماعة والجمعة فِي المطر والطين . وسمى منهم : أحمد وإسحاق .
وحكاه بعض أصحابنا عَن جمهور العلماء .اهـ
تنبيه: قال النووي: وأنها مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة لقوله في الرواية الثانية ليصل من شاء في رحله .اهـ
قلت: يؤيده حديث زيد بن خالد الجهنى ان النبى صلى الله عليه و سلم صلى بأصحابه صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل ثم قال أتدرون ماذا قال ربكم الليلة قال أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا ونوء كذا وكذا فذلك كافر بى مؤمن بالكواكب.
وحديث أبي سعيد أخرجه البخاري (669) ومسلم(1167)
المجموع (4/203- 204) والفتح لابن رجب(666) وشرح مسلم (698)
الثاني: الوحل والدحض.
الوحل: هو الطين الرقيق قال ابن منظور : الوَحَل بالتحريك الطينُ الرَّقيق الذي ترتَطِمُ فيه الدوابّ والوَحْل بالتسكين لغة رديَّة.اهـ
والدحض: المطر الذي بل ظهر الأرض كذا قال النووي .
وهو عذر من الأعذار الذي يجوز التخلف عن الجماعة بسببه سواء كان بالليل أو النهار لحديث ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا قال فعله من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض. أخرجه البخاري ومسلم المجموع (4/204)
الثالث: البرد الشديد:
قال النووي:البرد الشديد عذر في الليل والنهار وشدة الحر عذر في الظهر والثلج عذر ان بل الثوب والريح الباردة عذر في الليل دون النهار قال الرافعى ويقول بعض الاصحاب الريح الباردة في الليلة المظلمة قال وليس ذلك على سبيل اشتراط الظلمة.اهـ
المجموع (4/204)
الرابع: المرض:
المرض الذي يشق مع القصد وإن كان ممكنا لما عليه من الضرر والحرج في ذلك فيكون من الأعذار التي يترك بها الحضور للجماعة لقوله: ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ الحج: ٧٨
وحديث عائشة حين سقط الرسول من فرسه فصلى في بيته)
وأما إن كان مرض يسير لا يشق معه القصد كوجع ضرس وصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر.
وضبطوه بأن تلحقه مشقة كمشقت المشي في المطر .
المجموع (4/205)
مسألة إذا كان ممرضا؟
إذا كان ممرضا لمريض يخاف ضياعه ولا يوجد من يتعاهده فهو عذر له عن تركها.
وأما إن وجد من يتعهده ولكنه يتعلق قلبه به ويذهب خشوعه الواجب فلا بأس.
وإن كان يذهب الخشوع الغير واجب لزمه حضور الجماعة . المجموع (4/205)
الخامس: العمى:
الأعمى إذا لم يجد قائدا وتعذر عليه الوصول إلى صلاة الجماعة جاز له التخلف عنها لحديث عتبان بن مالك وبه قال الجمهور من أهل العلم.
وإن كان له قائد أو يستطيع صلاة الجماعة بدون مشقة فلا يسعه التخلف عنها لحديث هل أن الرسول قال هل تسمع النداء قال نعم فقال أجب.
قال النووي: وفي هذا الحديث دلالة لمن قال الجماعة فرض عين وأجاب الجمهور عنه بأنه سأل هل له رخصة أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقيل لا ويؤيد هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر باجماع المسلمين ودليله من السنة حديث عتبان بن مالك المذكور بعد هذا وأما ترخيص النبي صلى الله عليه و سلم له ثم رده وقوله فأجب فيحتمل أنه بوحي نزل في الحال ويحتمل أنه تغير اجتهاده صلى الله عليه و سلم إذا قلنا بالصحيح وقول الأكثرين أنه يجوز له الاجتهاد ويحتمل أنه رخص له أولا وأراد أنه لا يجب عليك الحضور إما لعذر واما لأن فرض الكفاية حاصل بحضور غيره واما للأمرين ثم ندبه إلى الأفضل فقال الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب والله أعلم.اهـ
اختلف العلماء في صلاة الجماعة على أقوال:
الأول: أنها من آكد السنن وليست بواجبة وهو مذهب مالك وأبي حنيفة لحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. أخرجه البخاري ومسلم.
ولأن النبي ج لم ينكر على الذَين قالا : صلينا في رحالنا فلو كانت واجبة لأنكر عليهما ؛ ولأنها لو كانت واجبة لكانت شرطا لها في الصلاة كالجمعة .
قال الإمام الشوكاني في النيل : فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التي لا يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم وأما أنها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا.اهـ
الثاني: أنها فرض كفاية وهو مذهب الشافعي وجماعة.
الثالث: أنها شرط لا تصح الصلاة إلا بها وهو مذهب داود واستدل بحديث ابن عباس( من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر..... لم تقبل الصلاة التي صلى. أخرجه أبو داود (551) وفي إسناده أبو جناب يحي بن أبي حية الكلبي ضعيف.
وأخرجه ابن ماجة(793) من وجه آخر بلفظ فمن سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر.والراجح وقفه رجح ذلك أحمد والبيهقي .
قال ابن المنذر: وقد روى هذا الحديث وكيع وعبدالرحمن بن زياد عن شعبة موقوفا عن ابن عباس غير مرفوع.
الثالث : أنها فرض عين غير شرط وهو مذهب عطاء والأوزاعي وإسحاق وأحمد وأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان لقول الله : ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭼ النساء: ١٠٢
ولو لم تكن واجبة لرخص لهم في حالة الخوف ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة لأجلها .
ولحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم. أخرجه البخاري ومسلم
فإنها لوكانت سنه لم يهدد تاركها بالتحريق.
ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه، وليس هذا الحديث خاص بالجمعة إذ لو كان للجمعة وليس للجماعة لما هم بالتخلف عنها.
ويؤيد ماتقدم حديث أبي هريرة في الأعمى قال : يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولي دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة ؟ فقال نعم قال فأجب. أخرجه مسلم
فإذا لم يرخص للأعمى الذي ليس له قائد فغيره أولى.
وهذا هو الراجح والله أعلم إلا لعذر ولا يلزم من الوجوب الشرطية – وسيأتي ذكر الأعذار إن شاء الله-.
قال ابن المنذر: فدلت الأخبار التي ذكرناها على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له ، فمما دل عليه قوله لابن أم مكتوم ، وهو ضرير : « لا أجد لك رخصة » ، فإذا كان الأعمى كذلك ، لا رخصة له ، فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة ، وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة ، إذ غير جائز أن يحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف على ندب ، وعما ليس بفرض ، ويؤيد ما قلنا حديث أبي هريرة ..... عن أبي الشعثاء المحاربي : « أنه كان مع أبي هريرة ، فخرج رجل من المسجد بعدما أذن المؤذن ، فقال أبو هريرة : أما هذا ، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم » ولو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة ، أو إتيانها لم يجز أن يقضي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره ، ولما أمر الله عز وجل بالجماعة في حال الخوف ، دل على أن ذلك في حال الأمن أوجب ، قال الله جل ذكره : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ، فلتقم طائفة منهم معك الآية ، ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف دليل بين على أن ذلك في حال الأمن أوجب ، والأخبار المذكورة في أبواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لأصحاب العذر تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له ، إذ لو كان حال العذر ، وغير حال العذر سواء ، لم يكن للترخيص في التخلف عنها في أبواب العذر معنى .اهـ
وأما حديث صلاة الفذ فغاية مافيه الفضل الحاصل للجماعة ولا يلزم منه منع الوجوب وهدر الأدلة الأخرى وكم من العبادات لها أحاديث في فضلها وهي واجبة كالوضوء وغيره.
وأما أنه لم يأمر الرجلان بالصلاة معه لأنهما صليا بالراحلة فذلك يدل على أنهما كانا على سفر وليست عندنا واجبة بالسفر.
تنبيه: الخلاف الحاصل بين العلماء هو في الجماعة في الصلوات الخمس، وأما الجمعة ففرض عين بالاجماع، وأما المنذورة فلا تشرع فيها الجماعة بلا خلاف، وأما النوافل فقد سبق ذكرها.
المغني(3/5) والمجموع (4/182 و 185 و188و 189-192) والأوسط (4/134- 136) والنيل (5/403-418)
مسألة هل هذا الحكم يشمل النساء ؟
صلاة الجماعة للنساء ليست بفرض عين ولا كفاية بلاجماع ولكنها مستحبة لحديث ابن عمر" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن. أخرجه البخاري (865) ومسلم .
في هذا الحديث إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب لأنه لو كان واجبا لا يبقى معنى للاستئذان لأن ذلك إنما متحقق إذا كان المستأذن مجيزا في الإجابة والرد فكل صلاة استحب للرجال أن يؤدونها في جماعة أستحبت الجماعة فيها للنساء سواء كان فرضا أو نفلا نقل هذا عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
وصلاتها في جماعة في بيتها أفضل من صلاتها في جماعة في المسجد لحديث ابن مسعود" أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " .أخرجه أبو داود وصححه العلامة الألباني.
المجموع (4/198-199) والفتح لابن رجب(869) والنيل (5/423)
مسألة ائتمامها على أحوال:
أحدهما: أن تأتم المرأة بامرأة أخرى وهذا مشروع لعموم الأدلة والشرع عام للرجال والنساء ولانهي عن صلاة المرأة بالنساء .
وقدروي عن عائشة أنها أمتهن في مكتوبة وعن أم سلمة وهي قابلة للتحسين بطرقها وشواهدها وبه قال الشافعية والحنابلة.
وأما حديث أن الرسول أمر أم ورقة بأن تجعل لها مؤذنا وأمرها أن تؤم أهل دارها.فأخرجه أبوداود(592) بإسناد ضعيف.
الثانية: أن تأتم برجل بجماعة رجال فمشروع لحديث أم سلمة م كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم. أخرجه البخاري (870)
وحديث أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه و سلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: قوموا فأصلي لكم قال أنس بن مالك فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين ثم انصرف. أخرجه البخاري (727) مسلم (658)
الثالث: ائتمام النساء برجل دون رجال في بيت فمكروه لما فيه من نوع خلوة .
قال ابن رجب : وكره طائفة من السلف أن يصلي الرجل بالنساءِ الأجنبيات وليس خلفه صفٌ من الرجال منهم : الجزري .
وكذلك قال الإمام أحمد -في روايه الميموني -:إذا كان خلفه صف رجال صلى خلفه النساء ؛ لأن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -صلى بأنس واليتيم وأم سليم وراءهم.
قيل لهُ : فإن لم يكن رجال ، كانوا نساء ؟
قالَ : هذه مسأله مشتبهةٌ . قيل لهُ : فصلاتهم جائزة ؟
قال : أما صلاته فهي جائزة قيل له : فصلاة النساء ؟ هذه مسألةٌ مشتيهةٌ .
فتوقف في صحة صلاتهن دونه .اهـ
والراجح صحة صلاته.
الرابع : وإن ائتم بامرأة واحدة دون رجال فمحرم لحديث ابن عباس يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يخطب يقول : لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. أخرجه البخاري ومسلم
هذا إذا كان غير محرم أما إن كان محرما فجائز والله أعلم.
المجموع (4/199) والفتح لابن رجب (8/44- 46)
مسألة الأعذار المبيحة للتخلف عن الجماعة؟
الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة :
الأول: المطر الذي يشق معه الخروج إلى المسجد: عذر يسقط به وجوب صلاة الجماعة سواء كان ليلا أو نهار في سفر أو حضر لحديث ابن عمر أن الرسول ج كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول ألا صلوا في الرحال. البخاري ومسلم.
وحديث جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فمطرنا فقال ليصل من شاء منكم في رحله. أخرجه مسلم
قال ابن رجب: وأكثر أهل العلم عَلَى أن المطر والطين عذر يباح مَعَهُ التخلف عَن حضور الجمعة والجماعات، ليلاً ونهاراً .
قَالَ الترمذي : قَدْ رخص أهل العلم فِي القعود عَن الجماعة والجمعة فِي المطر والطين . وسمى منهم : أحمد وإسحاق .
وحكاه بعض أصحابنا عَن جمهور العلماء .اهـ
تنبيه: قال النووي: وأنها مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة لقوله في الرواية الثانية ليصل من شاء في رحله .اهـ
قلت: يؤيده حديث زيد بن خالد الجهنى ان النبى صلى الله عليه و سلم صلى بأصحابه صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل ثم قال أتدرون ماذا قال ربكم الليلة قال أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا ونوء كذا وكذا فذلك كافر بى مؤمن بالكواكب.
وحديث أبي سعيد أخرجه البخاري (669) ومسلم(1167)
المجموع (4/203- 204) والفتح لابن رجب(666) وشرح مسلم (698)
الثاني: الوحل والدحض.
الوحل: هو الطين الرقيق قال ابن منظور : الوَحَل بالتحريك الطينُ الرَّقيق الذي ترتَطِمُ فيه الدوابّ والوَحْل بالتسكين لغة رديَّة.اهـ
والدحض: المطر الذي بل ظهر الأرض كذا قال النووي .
وهو عذر من الأعذار الذي يجوز التخلف عن الجماعة بسببه سواء كان بالليل أو النهار لحديث ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا قال فعله من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض. أخرجه البخاري ومسلم المجموع (4/204)
الثالث: البرد الشديد:
قال النووي:البرد الشديد عذر في الليل والنهار وشدة الحر عذر في الظهر والثلج عذر ان بل الثوب والريح الباردة عذر في الليل دون النهار قال الرافعى ويقول بعض الاصحاب الريح الباردة في الليلة المظلمة قال وليس ذلك على سبيل اشتراط الظلمة.اهـ
المجموع (4/204)
الرابع: المرض:
المرض الذي يشق مع القصد وإن كان ممكنا لما عليه من الضرر والحرج في ذلك فيكون من الأعذار التي يترك بها الحضور للجماعة لقوله: ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ الحج: ٧٨
وحديث عائشة حين سقط الرسول من فرسه فصلى في بيته)
وأما إن كان مرض يسير لا يشق معه القصد كوجع ضرس وصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر.
وضبطوه بأن تلحقه مشقة كمشقت المشي في المطر .
المجموع (4/205)
مسألة إذا كان ممرضا؟
إذا كان ممرضا لمريض يخاف ضياعه ولا يوجد من يتعاهده فهو عذر له عن تركها.
وأما إن وجد من يتعهده ولكنه يتعلق قلبه به ويذهب خشوعه الواجب فلا بأس.
وإن كان يذهب الخشوع الغير واجب لزمه حضور الجماعة . المجموع (4/205)
الخامس: العمى:
الأعمى إذا لم يجد قائدا وتعذر عليه الوصول إلى صلاة الجماعة جاز له التخلف عنها لحديث عتبان بن مالك وبه قال الجمهور من أهل العلم.
وإن كان له قائد أو يستطيع صلاة الجماعة بدون مشقة فلا يسعه التخلف عنها لحديث هل أن الرسول قال هل تسمع النداء قال نعم فقال أجب.
قال النووي: وفي هذا الحديث دلالة لمن قال الجماعة فرض عين وأجاب الجمهور عنه بأنه سأل هل له رخصة أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقيل لا ويؤيد هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر باجماع المسلمين ودليله من السنة حديث عتبان بن مالك المذكور بعد هذا وأما ترخيص النبي صلى الله عليه و سلم له ثم رده وقوله فأجب فيحتمل أنه بوحي نزل في الحال ويحتمل أنه تغير اجتهاده صلى الله عليه و سلم إذا قلنا بالصحيح وقول الأكثرين أنه يجوز له الاجتهاد ويحتمل أنه رخص له أولا وأراد أنه لا يجب عليك الحضور إما لعذر واما لأن فرض الكفاية حاصل بحضور غيره واما للأمرين ثم ندبه إلى الأفضل فقال الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب والله أعلم.اهـ
تعليق