]السَّيفُ المَسلُولُ عَلى مَن أنكَرَ صفَةَ النُّزول
لله المُتَنَزّه عَن تَصَوُّرَات العُقُول
(وهو ردٌّ على إمام مسجد عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه-)
كتبه :
أبو عبد الله حسين بن مسعود الجيجلي
-غفرالله له و لولديه-
بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله المحمود بكل لسان , المعبود في كل زمان ، الذي لا يخلو من علمه مكان ، و لا يشغله شان عن شأن ، جل عن الأشباه و الأنداد ، و تنزه عن الصاحبة والأولاد ، و نفذ حُكمهُ في جميع العباد ، لا تمثله العقول بالتفكير ، و لا تتوهمه القلوب بالتصوير ﴿ ليس كمثله شيئ و هو السميع البصير﴾ [الشورى:11] )) [مقطع من مقدمة اللمعة لا بن قدامة –رحمه الله-]
و أشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه و سلم تسليماُ كثيرا ، وبعـــد :
من المعلوم أن الله ما خلق الخلق إلا لتوحيده و عبادته فقال –عز من قائل :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ [الذاريات:56] ، وأنه ما أرسلت الرسل ، وما أنزلت الكتب إلا من أجل هذا الأمر العظيم ، فكانت دعوة الرسل جميعا من نوح-عليه السلام- ، إلى آخرهم محمد – صلى الله عليه وسلم- ؛ كلها إلى التوحيد .
قال تعالى :﴿ و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ [الأنبياء:25] .
و قد قسم العلماء –رحمهم الله- التوحيد بعد تتبعٍ و استقراءٍ لنصوص الكتاب والسنة إلى ثلاثة أقسام :
1/ توحيد الربوبية : و هو إفراد الله تعالى في أمور ثلاثة : في الخلق ، و الملك ، والتدبير ؛ قال تعالى:﴿ ألا له الخلق و الأمر ﴾ [الأعراف:54] ، و المراد بالأمر هنا التدبير ، وقال تعالى : ﴿ و لله ملك السموات و الأرض﴾ [الجاثية:27] .
2/ توحيد الألوهية أو توحيد العبادة : وهو إفراد الله تعالى بالعبادة ، لا تعبد ملكاً مقربا ولا نبياً مرسلا و شجراً ولا قبراً و لا وليًّا , لا تعبد إلا الله وحده كما أمرك قال تعالى : ﴿ رب السموات والأرض و ما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميًّا ﴾ [مريم:65] ؛ ولم يكن الرسل الذين بعثهم الله تعالى إلى البشر يدعون إلى توحيد الربوبية كدعوتهم إلى توحيد الألوهية ؛ ذلك أن منكري توحيد الربوبية قليلون جدًّا و حتى الذين ينكرونه هم في قرارة أنفسهم مقرون به قال تعالى ﴿و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوًّا ﴾ [النمل:14] . فانكارهم إنما هو من باب المكابرة .
3/ توحيد الأسماء والصفات : فالأسماء هي : كلمات شرعية تدل على ذات تتضمن صفات الكمال و تتنزه عن كل عيب ونقص ؛ و الصفات : هي المعنى القائم بالله تعالى مما نعت به نفسه أو نعته به رسوله –صلى الله عليه وسلم- على الوجه اللائق به تعالى . [ انظر" الفوائد العقائدية " لشيخنا حسن بن قاسم الريمي –حفظه الله-].
و سأبسط الكلام عن هذا القسم لثلاثة أمور هي :
1/ أن النوعان الأولان من أنواع التوحيد لا يجحدها و لا ينكرها أحد من أهل القبلة المنتسبين للإسلام ، لأن القرآن كله في التوحيد و حقوقه وجزائه ، وبيان الشرك و أهله و جزائهم كما ذكر ابن العز-رحمه الله – في " شرح الطحاوية" (ص/98-90) .
2/ ولأن أيضا هذا النوع (توحيد الأسماء والصفات) كثر فيه النزاع بين أهل القبلة و انقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام : بين معطل (مكذب أو محرف) ، وممثل ، و معتدل , والله المستعان .
3/ و لأن المقام يستدعي ذلك ؛ لأني ما كتبت هذه الوريقات إلا من أجل بيان عقيدة المسلم السني الموحد ،و رد و دحض انحرافات و زيغ ذاك الرجل الذي هو إمام بمسجد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقد كثر شره , و منذ أن قدم إلى هذا المسجد و هو يسعى سعياً حثيثاً في نشر البدع و الخرافات و المخالفات العقائدية و المنهجية ، كالإحتفال بالمواليد ، وقوله بأن المرأة رجل ؟؟؟ و دعوته إلى المظاهرات و تجويزها ، و الطعن في الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب بسبب إعتماده على قصة منكرة ... و قوله أيضا : أن نزول الله تعالى في الثلث الأخير من الليل نزول صفة لا نزولاً حقيقياً يليق به سبحانه وتعالى - تعالى الله عماّ يقول علوا كبيرًا- و غيرها كثير من المخالفات التي يقوم بنشرها في دروسه التي يقيمها في هذا الشهر العظيم و في غير هذا الشهر ؛ فأدعوا إخواني إلى أن لا يسمعوا لهذا الرجل و أن يحذروه ويحذروا منه و ليعلموا أن هذا العلم دين فلينظر أحدنا عمن يأخذ دينه كما قال ابن سيرين-رحمه الله- ، فخذ - رعاك الله - عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا .
قال تعالى : ﴿{ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات بينات هنّ أمّ الكتاب و أخرُ متشابهات ۖ فأمّا الذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله ۗ و ما يعلم تأويله إلاّ الله ۗ و الراسخون في العلم يقولون آمنّا به ? كلٌّ من عند ربّنا ۗ و ما يذَّكر إلاَّ أو۟لوا۟ الألباب ﴾ [آل عمران :7] .
وقد تلا –صلى الله عليه وسلم- هذه الآية ثم قال : (( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاخذروهم )) [متفق عليه من حديث عائشة-رضي الله عنها-] .
وقال العلامة الشوكاني عند تفسيره لهذه الآية في " فتح القدير" : (( وهذه الآية تعمّ كلّ طائفة من الطوائف الخارجة عن الحق .... إلى أن قال –رحمه الله- : فإنهم يتلاعبون بكتاب الله تلاعباً شديداً و يُوردُون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شيء )) اهـ .
فكتبت هذه الوريقات التي أتقرب بها لله عزو جل على ما تفوه به هذا الرجل في خطبة جمعة (20رمضان1432ه) ؛ و هو قوله كما ذكرنا آنفاً : أن نزول الله تعالى في الثلث الأخير من الليل نزول صفة (أي تنزل رحمته) و ليس نزولاً حقيقياً، وهو بهذا القول يقرر للمسلمين عقيدة الأشاعرة ؛ تلك الفرقة المبتدعة التي سيأتي الكلام عليها أثناء الرد , والله الموفق إلى كل خير. و الله المستعان.
أقول مستعينا بالله عزّ وجلّ فإيّاه نعبد وإيّاه نستعين :
إعلم –رحمك الله – أن عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله و صفاته هو : إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله –صلى الله عليه وسلم- في سنته كالعلم و القدرة و اليدين و الإستواء و النزول ... و نحو ذلك،و نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسوله كالظلم، والنوم ...ونحو ذلك؛ من غير تحريف و لا تعطيل و لا تكييف و لا تمثيل على حد قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ؛ و الصفات الثبوتية على قسمين :ذاتية و فعلية .
1/ فالصفات الذاتية : هي التي لم يزل و لا يزال الله متصفا بها ، كالسمع و البصر و العلم والعلو و الوجه واليدين و العينين ونحو ذلك.
2/ والصفات الفعلية : و هي التي تتعلق بالمشيئة ، فإن شاء الله فعلها و إن لم يشأ لم يفعلها كالكلام , و المجيئ , و النزول , و الغضب , و الفرح , و الضحك و نحو ذلك ؛ و طريق إثباتها هو الدليل السمعي [الكتاب و السنة] فقط .
و الصفات الذاتية على قسمين : معنوية ، وخبرية .
1/فالمعنوية : كالسمع و البصر و العلم والقدرة و الحياة و نحو ذلك . [وطريق إثباتها الدليل السمعي العقلي ، مع العلم أن العقل لا يستقل بإثباتها بل يكون تبعاً للسمع [الكتاب والسنة] في ذلك .] .
2/ و الخبرية : كالوجه و اليدين و الساق و العينين ونحو ذلك مما لا يثبت إلى من طريق الدليل السمعي [الكتاب والسنة] فقط . [ انظر " الصفات الألهية "للعلامة محمد أمان الجامي-رحمه الله- (ص/207-208).] .
و إن مما يقدح في توحيد الأسماء و الصفات ؛ الإلحاد فيها و قد حذر الله تعالى من ذلك حيث قال : ﴿ و ذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ﴾ [الأعراف:180] ، وهو أنواع :
1/ أن تسمي الأصنام بها كما سمّى المشركون اللات من أله ، والعزى من العزيز .
2/ تسمية الله بما لم يسم به نفسه كتسمية النصارى له تعالى أباً ، والفلاسفة موجب الوجود بذاته ، أو علة فاعلة .
3/ وصفه تعالى بما تقدس عنه و تنزه من النقائص كقول اليهود عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين : إنه فقير ، و قولهم : يد الله مغلولة .
4/ تعطيل الأسماء و الصفات عن معانيها و هذا أقسام :
أ- نفي الأسماء و الصفات مطلقاً ، كمن يقول : لا موجود , ولا معدوم , ولا حي , ولا ميت ... إلخ , وهو مذهب غلاة المعطلة .
ب- تعطيل الأسماء مع معانيها , مع اثباتها دون الصفات , وهذا مذهب الجهمية .
ت- إثبات الأسماء و معانيها , دون الصفات , وهو مذهب المعتزلة .
ث- إثبات الأسماء و معانيها , وإثبات بعض الصفات دون معانيها , وهذا مذهب الأشاعرة و الماتردية ( وهذا ما قرره هذا المنحرف ) .
ج- تمثيل صفات الله بصفات خلقه كقولهم يد الله كيد المخلوق , وهو مذهب الممثلة الكرامية . [راجع " الفقه الأكبر بشرح قطف الثمر " (1/97) للشيخ الفاضل أبي عمرو الحجوري –كان الله له- ].
و الذي سلكه هذا المنحرف و قرره للمسلمين في خطبته ( إثبات الأسماء و معانيها , وإثبات بعض الصفات دون معانيها ) و هو مذهب الأشاعرة الذي لا يثبتون من الصفات إلا سبعاً وهي المذكورة في هذا البيت :
له الحياة و الكلام و البصر سمع إرادة و علم و اقتدر
فزعموا أن العقل دل عليها فأثبتوها , ويحرفون ما عداها من الصفات التي تليق بجلاله كالإستواء ،و النزول ،و المجيء... ونحوها, فآمنوا ببعض ، وأنكروا بعض, و إنكارهم لهذه الصفات إنما هو من باب التحريف لا من باب التكذيب ؛ لأنهم لو أنكروها تكذيباً ؛ كفروا , لكن ينكرونها تحربفاُ و هو ما يدعونه أنه " تأويل " فضلو او أضلو ا . والله المستعان .
و هذا المذهب - الأشعرية – نسبة إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري –رحمه الله- (ت330) , و قد مر في العقيدة بثلاثة أطوار ؛ مذهب المعتزلة فمكث أربعين سنة وهو في الإعتزال , ثم اتنقل إلى طور آخر بين الإعتزال والسنة يثبت بعض الصفات و يحرف بعضها كما ذكرنا آنفاً , ثم اتهى به الأمر إلى اعتقاد أهل السنة و الجماعة و ما كان عليه السلف الصالح –رضوان الله عليهم- ؛ إذ أبان على ذلك في كتابه " الإبانة عن أصول الديانة" ، ورسالة إلى اهل الثغر ، وغيرها . راجع ترجمته من "سير أعلام النبلاء "(15/85-90) للذهبي ،و " البداية والنهاية" (11/185) لابن كثير وغيرها .
و من تلكم الصفات التي يحرفونها –أعني الأشاعرة- " صفة النزول " وقد نحى هذا المنحرف –هداه الله- نحوهم و صرح بأن هؤلاء علماؤه ؛ فقال بعد أن ذكر حديث النزول قال : (( وكما ذكرنا في دروسنا السابقة و ذكر علماؤنا !! أن النزول هنا هو نزول رحمة الله و ليس نزوله هو سبحانه وتعالى لأنه سبحانه وتعالى لا تسعه السموات والأرض )) أو كما قال﴿كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ﴾[الكهف :5].
و يرد على هذا القول الباطل بمايلي :
أولا : هذا الحديث رواه البخاري برقم(7194) و مسلم برقم(758) عن أبي هريرة ان النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر , فيقول : من يدعوني ؟ فأستجب له , من يسألني ؟ فأعطيه , من يستغفرني ؟ فأغفر له )) وجاء عن جمع من الصحابة ؛ جاء علي بن أبي طالب , وابن مسعود , وجبير بن مطعم , وجابر بن عبد الله , وأبو سعيد الخدري –رضي الله عنهم - .
قال العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- في " شرح العقيدة الواسطية" (ص/395) : (( و هذا الحديث قال بعض أهل العلم : إنه من الأحاديث المتواترة , و اتفقوا على أنه من الأحاديث المشهورة المستفيضة عند اهل العلم بالسنة .)) اهـ .
ثانيا : النزول صفة فعلية ثابتة لله تعالى بصحيح السنة ؛ قال الإمام الآجري –رحمه الله – في كتابه " الشريعة " (3/1124-1126) : (( باب الإيمان والتصديق بأن الله –عزّوجلّ- ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة قال : الإيمان بهذا واجب , و لا يسع المسلم العاقل أن يقول : كيف ينزل , ولا يرد هذا إلا المعتزلة , و أما أهل الحق فيقولون : الإيمان به واجب بلا كيف , و وأن الأخبار قد صحت عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- : (( أن الله عزّوجلّ ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة)) . والذين نقلو إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام و الحلال و الحرام , و علم الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و فكما قبل العلماء عنهم ذلك كذلك قبلوا منهم هذه السنن , و قالوا : من ردها فهو ضال خبيث يحذرونه و يحذرو منه. )) اهـ .
ثالثاُ : أن النزول في هذا الحديث هو نزول حقيقي يليق به سبحانه وتعالى : ﴿ ليس كمثله شيء و هو السميع البصير﴾ ، وأن كل شيء كان الضمير يعود فيه إلى الله ؛ فهو ينسب إليه حقيقة . فعلينا أن نؤمن و نصدق و نقول : ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ، و هي أقرب السموات إلى الأرض , والسموات السبع , و إنما ينزل –عزّ وجلّ- في هذا الوقت من الليل للقرب من عباده جل وعلا ؛ كما يقرب منهم عشية عرفة ؛ حيث يباهي بالواقفين الملائكة .[ شرح الواسطية لابن عثيمين (ص/395) ] .
رابعا : الذين نفو نزول الله تعالى هم : المعتزلة , والجهمية , والأشاعرة , والماتريدية , واجتمعوا على ثلاث شبه, ومدارها أنهم شبهوا نزول الله تعالى بنزول المخلوقين .
الشبهة الأولى : قالوا : لو نزل لخلا منه العرش , ولو خلا منه العرش كان العرش و السموات و الأرض فوقه أثناء النزول .
فيرد على هذه الشبهة بما قاله العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- في "شرح الواسطية" (ص/400-401) : (( يقولون : كيف تقولون : إن الله ينزل ؟! إذا نزل ؛ أين العلو ؟ !و إذا نزل ؛ أين الإستواء على العرش ؟! و إذا نزل ؛ فالنزول حركة و انتقال !! إذا نزل ؛ فالنزول حادث , والحوادث لا تقوم إلا بحادث.
فنقول : هذا جدال باطل , وليس بمانع من القول بحقيقة النزول , هل أنتم أعلم بما يستحقه الله عزّوجلّ من أصحاب الرسول-صلى الله عليه وسلم-؟! فأصحاب الرسول –صلى الله عليه وسلم- ما قالوا هذه الإحتمالات أبداً ؛ قالوا : سمعنا و آمنا و قبلنا وصدقنا, و أنتم أيها الخالفون المخالفون تأتون الآن بالباطل و تقولون : كيف؟! وكيف؟! , ونحن نقول : ينزل , ولا نتكلم عن استوائه على العرش ؛ هل يخلو منه العرش أو يخلو ؟!
أما العلو ؛ فنقول : ينزل , لكنه عال عزّ وجلّ على خلقه ؛ لأنّه ليس معنى النزول أن السماء تقله (و ادعى هذا الرجل انها لا تسعه!), و أن السموات الأخرى تظله ؛ إذ إنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته . فنقول : هو ينزل حقيقة مع علوه حقيقة , وليس كمثله شيء .
أما الإستواء على العرش فهو فعل , ليس من صفات الذات , وليس لنا حق – فيما أرى- أن نتكلم هل يخلو منه العرش أو لا يخلو , بل نسكت كما سكت عن ذلك الصحابة –رضي الله عنهم- . وإذا كان علماء اهل السنة لهم في هذا ثلاثة أقوال :قول بأنه يخلو , وقول بأنه لا يخلو , وقول بالتوقف ...الخ)) اهـ , والصحيح انه قول لا دليل عليه بل نسكت كما سكت الصحابة عنه , قال العلامة صديق بن حسن –رحمه الله- في كتابه"قطف الثمر" : (( و من قال : يخلو العرش عند النزول ، أو لا يخلو, فقد أتى بقول مبتدع و رأي مخترع )) اهـ .
الشبهة الثانية : قالوا : أيلزم من ذلك أن الله يكون دائماُ نازلاً إلى السَّماء؟ ؛ فيجاب عنه أن هذا عين التشبيه بالمخلوق , وانتم تدعون الفرار من التشبيه فوقعتم فيه و ونزول الله تعالى ليس من جنس نزول العباد ﴿ ليس كمثله شيء﴾ .
و كما أنَّه يحاسب عباده يوم القيامة في ساعة واحدة ، ولا يشغله شأن عن شأن , كذا أيضا في صحيح مسلم برقم(395) عن أبي هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : (( قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين , ولعبدي ما سأل و فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين , قال الله تعالى: حمدني عبدي , و إذا قال : الرحمن الرحيم , قال الله تعالى : أثنى علي عبدي , و إذا قال : مالك يوم الدين , قال الله تعالى : مجدني عبدي , فإذا قال : إياك نعبد و إياك نستعين قال : هذا بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل , فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم , صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين قال : هذا لعبدي و لعبدي ما سأل ))
فالله تعالى يقولها لكل مصلّ قرأ الفاتحة , وكم عدد المصلين الذين يقولونها , ولا يحصي عددهم إلا الله , وكل واحد يقول الله له ماذكر في الحديث , ولا يشغله شأن عن شان . راجع "مجموع الفتاوى" (5/478-480).
و كذا نقول في التزول , ولا يلزم من نزوله ما قاله أهل الفرى و الكذب .
الشبهة الثالثة : قالوا : ثلث الليل يختلف من بلد إلى بلد آخر , ففي أي الثلث ينزل ؟
فيجاب عن هذا السؤال بما قال قاله العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- في "شرح الواسطية" (ص/401-402) : (( آمن أولا بأن الله ينزل في هذا الوقت المعين , و إذا آمنت ليس عليك شيء وراء ذلك لا تقل كيف؟ كيف ؟ بل قل : إذا كان ثلث الليل في السعودية فالله نازل , وإذا كان في أمريكا ثلث الليل يكون نزول الله أيضاً , وإذا طلع الفجر انتهى وقت النزول في كل مكان بحسبه , فنزوله سبحانه و تعالى لا يقاس بنزول الخلق . ))اهـ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في " مجموع الفتاوى"(5/243) : ((و أما من يتوهم أن السماوات تنفرج , ثم تلتحم اهـ .
خامساُ : أما قوله أن النزول هنا يراد به نزول رحمته !! , فهذه م, فهذا من أعظم الجهل , وإن وقع فيه طائفة من الرجال)) ن شبه أهل التعطيل في نفي النزول وقد سبق ذكرهم, فقالوا : تنزل رحمته , وينزل أمره ؛ وهذا باطل من وجوه :
الوجه الأول : أن الأصل عدم الحذف , أوالتقدير .
الوجه الثاني : أنه يقول من يدعوني فأستجب له , فهل رحمته أو أمره يقول : من يدعوني فأستجب له ؟! .
هذا مما لا يعقل أن يكون القائل له غير الله سبحانه , والقادر عليه , فلم يكن إلا نزوله سبحانه هذا هو صريح الأدلة والمعقول .
الوجه الثالث : أنه حدد لنزوله ثلث الليل الأخير , وأمره ورحمته لم يحدد نزولها بوقت , بل ينزلان في كل وقت .
قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في " شرح الواسطية" (399-400) : (( وقالوا : ينزل أمر الله ! ... و هذا باطل ؛ فإن نزول أمر الله دائماً , ولا يخت نزوله في الثلث الأخير من الليل قال الله تعالى : ﴿ يُدَبّرُ الأمرَ منَ السَّمَاء إلى الأرض ثُمَّ يَعرُجُ إليه ﴾ [السجدة: 5] , وقال : ﴿و إليه يُرجَعُ الأمرُ كَلُّه ﴾ [ هود :123] , وأما قولهم : تنزل رحمة الله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ! فسبحان الله ! الرحمة لا تنزل إلا في هذا الوقت ! قال الله تعالى : ﴿ وَ مَا بكُم من نعمَة فمن الله ﴾ [النحل : 35] ؛ كل النعم من الله , وهي من آثار رحمة الله , وهي تترى كل وقت !! ))اهـ .
الوجه الرابع : نزول أمره و رحمته لا تكون إلا منه , وهذا يقتضي أن يكون فوق العالم , وهذا يبطل مذهبهم في نفي العلو . [راجع " محموع الفتاوى" (5/415-416) ] .
و من شبه أهل التعطيل أيضا ً ؛ قولهم : أن ذلك مجاز , وان المراد بالنزول الإحسان و الرحمة , واستدلوا بقوله تعالى : ﴿ وانزلنا الحديد﴾ [الحديد:24] , قوله تعالى : ﴿ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ﴾ [الزمر:5] .
قالوا : معلوم ان الحديد و الأنعام لم تنزل من السماء إلى الأرض , والجواب :
أولا : أن المجاز حمار المبتدعة , وليس في كتاب الله , ولا في سنة رسوله –صلى الله عليهو سلم- , ولا في كلام العرب شيء اسمه " مجاز ", بل و لا شرع ولا عرف و لا استعمال صحيح .
ثانيا : أن الحديد إنما يكون في المعادن التي في الجبال , وهي عالية على الأرض , و قد قيل : إن كل ما كان معدنه أعلى حديده أجود .
و أما الأنعام فإنها إنما تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث , ولهذا يقال : أنزل ولا تنزل , ثم إن الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض .
ثالثا: أن الإنزال على ثلاث درجات :
أحدها : إنزال مطلق : كإنزال الحديد و الأنعام .
ثانيها : إنزال من السماء , كقوله تعالى : ﴿ و أنزلنا من السماء ماءً طَهُوراً﴾ [الفرقان:83] .
ثالثها : إنزال منه و كقوله تعالى : ﴿ تَنزيلُ الكتَاب منَ الله العَزيز الحَكيم﴾ [الزمر:1] .
فالحديد و الأنعام تنزلان نزولاً مطلقاً , و الماء منزل من السماء , والقرآن منزل منه تعالى , وبهذا يظهر بطلان تلبيس الجهمية و المعتزلة و المعطلة القائلين : أن كون القرآن منزلاً لا يمنع أن يكون مخلوقاً كالماء و الحديد و الأنعام .[ راجع " مختصر الصواعق المرسلة "(ص/378-381) .] .
و من شبههم (أهل التعطيل) أيضاً : قولهم : انه ينزل ملك من الملائكة .
و الجواب عليه من أوجه :
الوجه الأول : الأصل عدم الحذف , أو التقدير .
الوجه الثاني : قال العلامة الإمام الرباني ابن عثيمين –رحمه الله- في " شرح الواسطية" (ص/400) : ((ثم نقول لمن قال : إنه ملك من الملائكة : هل من المعقول أن الملك من ملا ئكة الله يقول : من يدعوني فأستجب له . . . إلخ ؟! .)) اهـ .
الوجه الثالث : أن نزول الملك على حسب زعمهم أن يكون لا يكون إلا من عنده , وهذا يقتضي أن يكون فوق العالم , وهذا يبطل مذهبهم في نفي علو الله . [راجع " مجموع الفتاوى" (5/415-416) ] .
الوجه الرابع : هل الملائكة لا تنزل إلا إلى السماء الدنيا فقط ! , ولا ينزلون إلى الأرض ؟! .
فبطلت شبه أهل التعطيـــــــــــل بفضل الله تعالى .
أما مسألة : هل ينزل بذاته ؟
هذا اللفظ مما لم يرد به دليل إثباتاً أو نفياُ , فالواجب العدول عنه , و أن نقول : ينزل ربنا , واستوى على العرش , وهكذا في صفات الله , فكما لا تقول : خلق الله بذاته , وقدر بذاته . . .وهكذا , فكذا هنا .
و إنما قاله من قاله من أهل السنة إبطالاً لمذهب أهل التعطيل , [راجع " الصواعق المرسلة" (ص/318) للإمام ابن القيم , و " شرح الواسطية " (ص/399) للإمام ابن عثيمين ] .
و نختم هذه الوريقات بأثر عظيم جاء عن الأوزاعي –رحمه الله- ؛ قال : (( اصبر نفسك على السنّة , وقف حيث وقف القوم , وقل ما قالوا , وكفّ عمّا كفّوا عنه , و أسلك سبيل سلفك الصالح , فإنه يسعك ما وسعهم )) [ أخرجه اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنّة " (1/154- 155) وغيره , و سنده صحيح ] .
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك
كتبه : أبو عبد الله حسين بن مسعود الجيجلي
يوم : 21 /رمضان /1432
حمل من المرفقات
[/size]
لله المُتَنَزّه عَن تَصَوُّرَات العُقُول
(وهو ردٌّ على إمام مسجد عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه-)
كتبه :
أبو عبد الله حسين بن مسعود الجيجلي
-غفرالله له و لولديه-
بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله المحمود بكل لسان , المعبود في كل زمان ، الذي لا يخلو من علمه مكان ، و لا يشغله شان عن شأن ، جل عن الأشباه و الأنداد ، و تنزه عن الصاحبة والأولاد ، و نفذ حُكمهُ في جميع العباد ، لا تمثله العقول بالتفكير ، و لا تتوهمه القلوب بالتصوير ﴿ ليس كمثله شيئ و هو السميع البصير﴾ [الشورى:11] )) [مقطع من مقدمة اللمعة لا بن قدامة –رحمه الله-]
و أشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه و سلم تسليماُ كثيرا ، وبعـــد :
من المعلوم أن الله ما خلق الخلق إلا لتوحيده و عبادته فقال –عز من قائل :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ [الذاريات:56] ، وأنه ما أرسلت الرسل ، وما أنزلت الكتب إلا من أجل هذا الأمر العظيم ، فكانت دعوة الرسل جميعا من نوح-عليه السلام- ، إلى آخرهم محمد – صلى الله عليه وسلم- ؛ كلها إلى التوحيد .
قال تعالى :﴿ و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ [الأنبياء:25] .
و قد قسم العلماء –رحمهم الله- التوحيد بعد تتبعٍ و استقراءٍ لنصوص الكتاب والسنة إلى ثلاثة أقسام :
1/ توحيد الربوبية : و هو إفراد الله تعالى في أمور ثلاثة : في الخلق ، و الملك ، والتدبير ؛ قال تعالى:﴿ ألا له الخلق و الأمر ﴾ [الأعراف:54] ، و المراد بالأمر هنا التدبير ، وقال تعالى : ﴿ و لله ملك السموات و الأرض﴾ [الجاثية:27] .
2/ توحيد الألوهية أو توحيد العبادة : وهو إفراد الله تعالى بالعبادة ، لا تعبد ملكاً مقربا ولا نبياً مرسلا و شجراً ولا قبراً و لا وليًّا , لا تعبد إلا الله وحده كما أمرك قال تعالى : ﴿ رب السموات والأرض و ما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميًّا ﴾ [مريم:65] ؛ ولم يكن الرسل الذين بعثهم الله تعالى إلى البشر يدعون إلى توحيد الربوبية كدعوتهم إلى توحيد الألوهية ؛ ذلك أن منكري توحيد الربوبية قليلون جدًّا و حتى الذين ينكرونه هم في قرارة أنفسهم مقرون به قال تعالى ﴿و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوًّا ﴾ [النمل:14] . فانكارهم إنما هو من باب المكابرة .
3/ توحيد الأسماء والصفات : فالأسماء هي : كلمات شرعية تدل على ذات تتضمن صفات الكمال و تتنزه عن كل عيب ونقص ؛ و الصفات : هي المعنى القائم بالله تعالى مما نعت به نفسه أو نعته به رسوله –صلى الله عليه وسلم- على الوجه اللائق به تعالى . [ انظر" الفوائد العقائدية " لشيخنا حسن بن قاسم الريمي –حفظه الله-].
و سأبسط الكلام عن هذا القسم لثلاثة أمور هي :
1/ أن النوعان الأولان من أنواع التوحيد لا يجحدها و لا ينكرها أحد من أهل القبلة المنتسبين للإسلام ، لأن القرآن كله في التوحيد و حقوقه وجزائه ، وبيان الشرك و أهله و جزائهم كما ذكر ابن العز-رحمه الله – في " شرح الطحاوية" (ص/98-90) .
2/ ولأن أيضا هذا النوع (توحيد الأسماء والصفات) كثر فيه النزاع بين أهل القبلة و انقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام : بين معطل (مكذب أو محرف) ، وممثل ، و معتدل , والله المستعان .
3/ و لأن المقام يستدعي ذلك ؛ لأني ما كتبت هذه الوريقات إلا من أجل بيان عقيدة المسلم السني الموحد ،و رد و دحض انحرافات و زيغ ذاك الرجل الذي هو إمام بمسجد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقد كثر شره , و منذ أن قدم إلى هذا المسجد و هو يسعى سعياً حثيثاً في نشر البدع و الخرافات و المخالفات العقائدية و المنهجية ، كالإحتفال بالمواليد ، وقوله بأن المرأة رجل ؟؟؟ و دعوته إلى المظاهرات و تجويزها ، و الطعن في الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب بسبب إعتماده على قصة منكرة ... و قوله أيضا : أن نزول الله تعالى في الثلث الأخير من الليل نزول صفة لا نزولاً حقيقياً يليق به سبحانه وتعالى - تعالى الله عماّ يقول علوا كبيرًا- و غيرها كثير من المخالفات التي يقوم بنشرها في دروسه التي يقيمها في هذا الشهر العظيم و في غير هذا الشهر ؛ فأدعوا إخواني إلى أن لا يسمعوا لهذا الرجل و أن يحذروه ويحذروا منه و ليعلموا أن هذا العلم دين فلينظر أحدنا عمن يأخذ دينه كما قال ابن سيرين-رحمه الله- ، فخذ - رعاك الله - عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا .
قال تعالى : ﴿{ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات بينات هنّ أمّ الكتاب و أخرُ متشابهات ۖ فأمّا الذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله ۗ و ما يعلم تأويله إلاّ الله ۗ و الراسخون في العلم يقولون آمنّا به ? كلٌّ من عند ربّنا ۗ و ما يذَّكر إلاَّ أو۟لوا۟ الألباب ﴾ [آل عمران :7] .
وقد تلا –صلى الله عليه وسلم- هذه الآية ثم قال : (( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاخذروهم )) [متفق عليه من حديث عائشة-رضي الله عنها-] .
وقال العلامة الشوكاني عند تفسيره لهذه الآية في " فتح القدير" : (( وهذه الآية تعمّ كلّ طائفة من الطوائف الخارجة عن الحق .... إلى أن قال –رحمه الله- : فإنهم يتلاعبون بكتاب الله تلاعباً شديداً و يُوردُون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شيء )) اهـ .
فكتبت هذه الوريقات التي أتقرب بها لله عزو جل على ما تفوه به هذا الرجل في خطبة جمعة (20رمضان1432ه) ؛ و هو قوله كما ذكرنا آنفاً : أن نزول الله تعالى في الثلث الأخير من الليل نزول صفة (أي تنزل رحمته) و ليس نزولاً حقيقياً، وهو بهذا القول يقرر للمسلمين عقيدة الأشاعرة ؛ تلك الفرقة المبتدعة التي سيأتي الكلام عليها أثناء الرد , والله الموفق إلى كل خير. و الله المستعان.
أقول مستعينا بالله عزّ وجلّ فإيّاه نعبد وإيّاه نستعين :
إعلم –رحمك الله – أن عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله و صفاته هو : إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله –صلى الله عليه وسلم- في سنته كالعلم و القدرة و اليدين و الإستواء و النزول ... و نحو ذلك،و نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسوله كالظلم، والنوم ...ونحو ذلك؛ من غير تحريف و لا تعطيل و لا تكييف و لا تمثيل على حد قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ؛ و الصفات الثبوتية على قسمين :ذاتية و فعلية .
1/ فالصفات الذاتية : هي التي لم يزل و لا يزال الله متصفا بها ، كالسمع و البصر و العلم والعلو و الوجه واليدين و العينين ونحو ذلك.
2/ والصفات الفعلية : و هي التي تتعلق بالمشيئة ، فإن شاء الله فعلها و إن لم يشأ لم يفعلها كالكلام , و المجيئ , و النزول , و الغضب , و الفرح , و الضحك و نحو ذلك ؛ و طريق إثباتها هو الدليل السمعي [الكتاب و السنة] فقط .
و الصفات الذاتية على قسمين : معنوية ، وخبرية .
1/فالمعنوية : كالسمع و البصر و العلم والقدرة و الحياة و نحو ذلك . [وطريق إثباتها الدليل السمعي العقلي ، مع العلم أن العقل لا يستقل بإثباتها بل يكون تبعاً للسمع [الكتاب والسنة] في ذلك .] .
2/ و الخبرية : كالوجه و اليدين و الساق و العينين ونحو ذلك مما لا يثبت إلى من طريق الدليل السمعي [الكتاب والسنة] فقط . [ انظر " الصفات الألهية "للعلامة محمد أمان الجامي-رحمه الله- (ص/207-208).] .
و إن مما يقدح في توحيد الأسماء و الصفات ؛ الإلحاد فيها و قد حذر الله تعالى من ذلك حيث قال : ﴿ و ذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ﴾ [الأعراف:180] ، وهو أنواع :
1/ أن تسمي الأصنام بها كما سمّى المشركون اللات من أله ، والعزى من العزيز .
2/ تسمية الله بما لم يسم به نفسه كتسمية النصارى له تعالى أباً ، والفلاسفة موجب الوجود بذاته ، أو علة فاعلة .
3/ وصفه تعالى بما تقدس عنه و تنزه من النقائص كقول اليهود عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين : إنه فقير ، و قولهم : يد الله مغلولة .
4/ تعطيل الأسماء و الصفات عن معانيها و هذا أقسام :
أ- نفي الأسماء و الصفات مطلقاً ، كمن يقول : لا موجود , ولا معدوم , ولا حي , ولا ميت ... إلخ , وهو مذهب غلاة المعطلة .
ب- تعطيل الأسماء مع معانيها , مع اثباتها دون الصفات , وهذا مذهب الجهمية .
ت- إثبات الأسماء و معانيها , دون الصفات , وهو مذهب المعتزلة .
ث- إثبات الأسماء و معانيها , وإثبات بعض الصفات دون معانيها , وهذا مذهب الأشاعرة و الماتردية ( وهذا ما قرره هذا المنحرف ) .
ج- تمثيل صفات الله بصفات خلقه كقولهم يد الله كيد المخلوق , وهو مذهب الممثلة الكرامية . [راجع " الفقه الأكبر بشرح قطف الثمر " (1/97) للشيخ الفاضل أبي عمرو الحجوري –كان الله له- ].
و الذي سلكه هذا المنحرف و قرره للمسلمين في خطبته ( إثبات الأسماء و معانيها , وإثبات بعض الصفات دون معانيها ) و هو مذهب الأشاعرة الذي لا يثبتون من الصفات إلا سبعاً وهي المذكورة في هذا البيت :
له الحياة و الكلام و البصر سمع إرادة و علم و اقتدر
فزعموا أن العقل دل عليها فأثبتوها , ويحرفون ما عداها من الصفات التي تليق بجلاله كالإستواء ،و النزول ،و المجيء... ونحوها, فآمنوا ببعض ، وأنكروا بعض, و إنكارهم لهذه الصفات إنما هو من باب التحريف لا من باب التكذيب ؛ لأنهم لو أنكروها تكذيباً ؛ كفروا , لكن ينكرونها تحربفاُ و هو ما يدعونه أنه " تأويل " فضلو او أضلو ا . والله المستعان .
و هذا المذهب - الأشعرية – نسبة إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري –رحمه الله- (ت330) , و قد مر في العقيدة بثلاثة أطوار ؛ مذهب المعتزلة فمكث أربعين سنة وهو في الإعتزال , ثم اتنقل إلى طور آخر بين الإعتزال والسنة يثبت بعض الصفات و يحرف بعضها كما ذكرنا آنفاً , ثم اتهى به الأمر إلى اعتقاد أهل السنة و الجماعة و ما كان عليه السلف الصالح –رضوان الله عليهم- ؛ إذ أبان على ذلك في كتابه " الإبانة عن أصول الديانة" ، ورسالة إلى اهل الثغر ، وغيرها . راجع ترجمته من "سير أعلام النبلاء "(15/85-90) للذهبي ،و " البداية والنهاية" (11/185) لابن كثير وغيرها .
و من تلكم الصفات التي يحرفونها –أعني الأشاعرة- " صفة النزول " وقد نحى هذا المنحرف –هداه الله- نحوهم و صرح بأن هؤلاء علماؤه ؛ فقال بعد أن ذكر حديث النزول قال : (( وكما ذكرنا في دروسنا السابقة و ذكر علماؤنا !! أن النزول هنا هو نزول رحمة الله و ليس نزوله هو سبحانه وتعالى لأنه سبحانه وتعالى لا تسعه السموات والأرض )) أو كما قال﴿كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ﴾[الكهف :5].
و يرد على هذا القول الباطل بمايلي :
أولا : هذا الحديث رواه البخاري برقم(7194) و مسلم برقم(758) عن أبي هريرة ان النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر , فيقول : من يدعوني ؟ فأستجب له , من يسألني ؟ فأعطيه , من يستغفرني ؟ فأغفر له )) وجاء عن جمع من الصحابة ؛ جاء علي بن أبي طالب , وابن مسعود , وجبير بن مطعم , وجابر بن عبد الله , وأبو سعيد الخدري –رضي الله عنهم - .
قال العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- في " شرح العقيدة الواسطية" (ص/395) : (( و هذا الحديث قال بعض أهل العلم : إنه من الأحاديث المتواترة , و اتفقوا على أنه من الأحاديث المشهورة المستفيضة عند اهل العلم بالسنة .)) اهـ .
ثانيا : النزول صفة فعلية ثابتة لله تعالى بصحيح السنة ؛ قال الإمام الآجري –رحمه الله – في كتابه " الشريعة " (3/1124-1126) : (( باب الإيمان والتصديق بأن الله –عزّوجلّ- ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة قال : الإيمان بهذا واجب , و لا يسع المسلم العاقل أن يقول : كيف ينزل , ولا يرد هذا إلا المعتزلة , و أما أهل الحق فيقولون : الإيمان به واجب بلا كيف , و وأن الأخبار قد صحت عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- : (( أن الله عزّوجلّ ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة)) . والذين نقلو إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام و الحلال و الحرام , و علم الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و فكما قبل العلماء عنهم ذلك كذلك قبلوا منهم هذه السنن , و قالوا : من ردها فهو ضال خبيث يحذرونه و يحذرو منه. )) اهـ .
ثالثاُ : أن النزول في هذا الحديث هو نزول حقيقي يليق به سبحانه وتعالى : ﴿ ليس كمثله شيء و هو السميع البصير﴾ ، وأن كل شيء كان الضمير يعود فيه إلى الله ؛ فهو ينسب إليه حقيقة . فعلينا أن نؤمن و نصدق و نقول : ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ، و هي أقرب السموات إلى الأرض , والسموات السبع , و إنما ينزل –عزّ وجلّ- في هذا الوقت من الليل للقرب من عباده جل وعلا ؛ كما يقرب منهم عشية عرفة ؛ حيث يباهي بالواقفين الملائكة .[ شرح الواسطية لابن عثيمين (ص/395) ] .
رابعا : الذين نفو نزول الله تعالى هم : المعتزلة , والجهمية , والأشاعرة , والماتريدية , واجتمعوا على ثلاث شبه, ومدارها أنهم شبهوا نزول الله تعالى بنزول المخلوقين .
الشبهة الأولى : قالوا : لو نزل لخلا منه العرش , ولو خلا منه العرش كان العرش و السموات و الأرض فوقه أثناء النزول .
فيرد على هذه الشبهة بما قاله العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- في "شرح الواسطية" (ص/400-401) : (( يقولون : كيف تقولون : إن الله ينزل ؟! إذا نزل ؛ أين العلو ؟ !و إذا نزل ؛ أين الإستواء على العرش ؟! و إذا نزل ؛ فالنزول حركة و انتقال !! إذا نزل ؛ فالنزول حادث , والحوادث لا تقوم إلا بحادث.
فنقول : هذا جدال باطل , وليس بمانع من القول بحقيقة النزول , هل أنتم أعلم بما يستحقه الله عزّوجلّ من أصحاب الرسول-صلى الله عليه وسلم-؟! فأصحاب الرسول –صلى الله عليه وسلم- ما قالوا هذه الإحتمالات أبداً ؛ قالوا : سمعنا و آمنا و قبلنا وصدقنا, و أنتم أيها الخالفون المخالفون تأتون الآن بالباطل و تقولون : كيف؟! وكيف؟! , ونحن نقول : ينزل , ولا نتكلم عن استوائه على العرش ؛ هل يخلو منه العرش أو يخلو ؟!
أما العلو ؛ فنقول : ينزل , لكنه عال عزّ وجلّ على خلقه ؛ لأنّه ليس معنى النزول أن السماء تقله (و ادعى هذا الرجل انها لا تسعه!), و أن السموات الأخرى تظله ؛ إذ إنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته . فنقول : هو ينزل حقيقة مع علوه حقيقة , وليس كمثله شيء .
أما الإستواء على العرش فهو فعل , ليس من صفات الذات , وليس لنا حق – فيما أرى- أن نتكلم هل يخلو منه العرش أو لا يخلو , بل نسكت كما سكت عن ذلك الصحابة –رضي الله عنهم- . وإذا كان علماء اهل السنة لهم في هذا ثلاثة أقوال :قول بأنه يخلو , وقول بأنه لا يخلو , وقول بالتوقف ...الخ)) اهـ , والصحيح انه قول لا دليل عليه بل نسكت كما سكت الصحابة عنه , قال العلامة صديق بن حسن –رحمه الله- في كتابه"قطف الثمر" : (( و من قال : يخلو العرش عند النزول ، أو لا يخلو, فقد أتى بقول مبتدع و رأي مخترع )) اهـ .
الشبهة الثانية : قالوا : أيلزم من ذلك أن الله يكون دائماُ نازلاً إلى السَّماء؟ ؛ فيجاب عنه أن هذا عين التشبيه بالمخلوق , وانتم تدعون الفرار من التشبيه فوقعتم فيه و ونزول الله تعالى ليس من جنس نزول العباد ﴿ ليس كمثله شيء﴾ .
و كما أنَّه يحاسب عباده يوم القيامة في ساعة واحدة ، ولا يشغله شأن عن شأن , كذا أيضا في صحيح مسلم برقم(395) عن أبي هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : (( قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين , ولعبدي ما سأل و فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين , قال الله تعالى: حمدني عبدي , و إذا قال : الرحمن الرحيم , قال الله تعالى : أثنى علي عبدي , و إذا قال : مالك يوم الدين , قال الله تعالى : مجدني عبدي , فإذا قال : إياك نعبد و إياك نستعين قال : هذا بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل , فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم , صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين قال : هذا لعبدي و لعبدي ما سأل ))
فالله تعالى يقولها لكل مصلّ قرأ الفاتحة , وكم عدد المصلين الذين يقولونها , ولا يحصي عددهم إلا الله , وكل واحد يقول الله له ماذكر في الحديث , ولا يشغله شأن عن شان . راجع "مجموع الفتاوى" (5/478-480).
و كذا نقول في التزول , ولا يلزم من نزوله ما قاله أهل الفرى و الكذب .
الشبهة الثالثة : قالوا : ثلث الليل يختلف من بلد إلى بلد آخر , ففي أي الثلث ينزل ؟
فيجاب عن هذا السؤال بما قال قاله العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- في "شرح الواسطية" (ص/401-402) : (( آمن أولا بأن الله ينزل في هذا الوقت المعين , و إذا آمنت ليس عليك شيء وراء ذلك لا تقل كيف؟ كيف ؟ بل قل : إذا كان ثلث الليل في السعودية فالله نازل , وإذا كان في أمريكا ثلث الليل يكون نزول الله أيضاً , وإذا طلع الفجر انتهى وقت النزول في كل مكان بحسبه , فنزوله سبحانه و تعالى لا يقاس بنزول الخلق . ))اهـ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في " مجموع الفتاوى"(5/243) : ((و أما من يتوهم أن السماوات تنفرج , ثم تلتحم اهـ .
خامساُ : أما قوله أن النزول هنا يراد به نزول رحمته !! , فهذه م, فهذا من أعظم الجهل , وإن وقع فيه طائفة من الرجال)) ن شبه أهل التعطيل في نفي النزول وقد سبق ذكرهم, فقالوا : تنزل رحمته , وينزل أمره ؛ وهذا باطل من وجوه :
الوجه الأول : أن الأصل عدم الحذف , أوالتقدير .
الوجه الثاني : أنه يقول من يدعوني فأستجب له , فهل رحمته أو أمره يقول : من يدعوني فأستجب له ؟! .
هذا مما لا يعقل أن يكون القائل له غير الله سبحانه , والقادر عليه , فلم يكن إلا نزوله سبحانه هذا هو صريح الأدلة والمعقول .
الوجه الثالث : أنه حدد لنزوله ثلث الليل الأخير , وأمره ورحمته لم يحدد نزولها بوقت , بل ينزلان في كل وقت .
قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في " شرح الواسطية" (399-400) : (( وقالوا : ينزل أمر الله ! ... و هذا باطل ؛ فإن نزول أمر الله دائماً , ولا يخت نزوله في الثلث الأخير من الليل قال الله تعالى : ﴿ يُدَبّرُ الأمرَ منَ السَّمَاء إلى الأرض ثُمَّ يَعرُجُ إليه ﴾ [السجدة: 5] , وقال : ﴿و إليه يُرجَعُ الأمرُ كَلُّه ﴾ [ هود :123] , وأما قولهم : تنزل رحمة الله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ! فسبحان الله ! الرحمة لا تنزل إلا في هذا الوقت ! قال الله تعالى : ﴿ وَ مَا بكُم من نعمَة فمن الله ﴾ [النحل : 35] ؛ كل النعم من الله , وهي من آثار رحمة الله , وهي تترى كل وقت !! ))اهـ .
الوجه الرابع : نزول أمره و رحمته لا تكون إلا منه , وهذا يقتضي أن يكون فوق العالم , وهذا يبطل مذهبهم في نفي العلو . [راجع " محموع الفتاوى" (5/415-416) ] .
و من شبه أهل التعطيل أيضا ً ؛ قولهم : أن ذلك مجاز , وان المراد بالنزول الإحسان و الرحمة , واستدلوا بقوله تعالى : ﴿ وانزلنا الحديد﴾ [الحديد:24] , قوله تعالى : ﴿ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ﴾ [الزمر:5] .
قالوا : معلوم ان الحديد و الأنعام لم تنزل من السماء إلى الأرض , والجواب :
أولا : أن المجاز حمار المبتدعة , وليس في كتاب الله , ولا في سنة رسوله –صلى الله عليهو سلم- , ولا في كلام العرب شيء اسمه " مجاز ", بل و لا شرع ولا عرف و لا استعمال صحيح .
ثانيا : أن الحديد إنما يكون في المعادن التي في الجبال , وهي عالية على الأرض , و قد قيل : إن كل ما كان معدنه أعلى حديده أجود .
و أما الأنعام فإنها إنما تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث , ولهذا يقال : أنزل ولا تنزل , ثم إن الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض .
ثالثا: أن الإنزال على ثلاث درجات :
أحدها : إنزال مطلق : كإنزال الحديد و الأنعام .
ثانيها : إنزال من السماء , كقوله تعالى : ﴿ و أنزلنا من السماء ماءً طَهُوراً﴾ [الفرقان:83] .
ثالثها : إنزال منه و كقوله تعالى : ﴿ تَنزيلُ الكتَاب منَ الله العَزيز الحَكيم﴾ [الزمر:1] .
فالحديد و الأنعام تنزلان نزولاً مطلقاً , و الماء منزل من السماء , والقرآن منزل منه تعالى , وبهذا يظهر بطلان تلبيس الجهمية و المعتزلة و المعطلة القائلين : أن كون القرآن منزلاً لا يمنع أن يكون مخلوقاً كالماء و الحديد و الأنعام .[ راجع " مختصر الصواعق المرسلة "(ص/378-381) .] .
و من شبههم (أهل التعطيل) أيضاً : قولهم : انه ينزل ملك من الملائكة .
و الجواب عليه من أوجه :
الوجه الأول : الأصل عدم الحذف , أو التقدير .
الوجه الثاني : قال العلامة الإمام الرباني ابن عثيمين –رحمه الله- في " شرح الواسطية" (ص/400) : ((ثم نقول لمن قال : إنه ملك من الملائكة : هل من المعقول أن الملك من ملا ئكة الله يقول : من يدعوني فأستجب له . . . إلخ ؟! .)) اهـ .
الوجه الثالث : أن نزول الملك على حسب زعمهم أن يكون لا يكون إلا من عنده , وهذا يقتضي أن يكون فوق العالم , وهذا يبطل مذهبهم في نفي علو الله . [راجع " مجموع الفتاوى" (5/415-416) ] .
الوجه الرابع : هل الملائكة لا تنزل إلا إلى السماء الدنيا فقط ! , ولا ينزلون إلى الأرض ؟! .
فبطلت شبه أهل التعطيـــــــــــل بفضل الله تعالى .
أما مسألة : هل ينزل بذاته ؟
هذا اللفظ مما لم يرد به دليل إثباتاً أو نفياُ , فالواجب العدول عنه , و أن نقول : ينزل ربنا , واستوى على العرش , وهكذا في صفات الله , فكما لا تقول : خلق الله بذاته , وقدر بذاته . . .وهكذا , فكذا هنا .
و إنما قاله من قاله من أهل السنة إبطالاً لمذهب أهل التعطيل , [راجع " الصواعق المرسلة" (ص/318) للإمام ابن القيم , و " شرح الواسطية " (ص/399) للإمام ابن عثيمين ] .
و نختم هذه الوريقات بأثر عظيم جاء عن الأوزاعي –رحمه الله- ؛ قال : (( اصبر نفسك على السنّة , وقف حيث وقف القوم , وقل ما قالوا , وكفّ عمّا كفّوا عنه , و أسلك سبيل سلفك الصالح , فإنه يسعك ما وسعهم )) [ أخرجه اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنّة " (1/154- 155) وغيره , و سنده صحيح ] .
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك
كتبه : أبو عبد الله حسين بن مسعود الجيجلي
يوم : 21 /رمضان /1432
حمل من المرفقات