الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه اجمعين
بينماانا اتصفح في احدى المواقع ,لفت انتباهي فتوى لدار الأفتاء المصريه تفيد بحسم الجدل بين الناس بشأن مصير والدي النبي صلى الله عليه وسلم ونجاتهم من النار ودخولهم الجنه لأنهم من اهل الفترة.
في البداية أود التنبيه على أن هذه المسائل مما لا ينبغي الحديث فيها ولا الخوض فيها
لأنها تخص نسب النبي صلى الله عليه وسلم
كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى ( نور على الدرب ) :
" هذا السؤال ليس من الأسئلة التي يستحسن أن يسأل عنها لأنه لا فائدة منها إطلاقاً، ولكن بعد السؤال عنها لابد من الجواب " أهـ .
فأحدنا لا يرضى بالكلام عن والديه ، مهما بلغا من فسق أو كفر
فما بالكم بوالدي النبي صلى الله عليه وسلم !
لكن لما كثرت المناقشات في المنتدى
وتم السؤال عنها
لا بد لنا أن نناقش هذا الأمر على ضوء الأدلة والبراهين
والأمر مفتوح للجميع في الردود والمناقشة
---------------------------------------------
أولاً : ما تعريف أهل الفترة ؟
أهل الفترة : هم الأناس الذي وجدوا في الفترة بين كل نبيين كعيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم
( تعريف العلامة ابن كثير - تفسير القرآن العظيم 2 / 35 - بتصرف )
وحكم أهل الفترة ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
روى الإمام أحمد من حديث الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ:
فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا،
وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ،
وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا،
وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ،
فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ،
قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا. قال الألباني صحيح.
فهؤلاء يبعثون يوم القيامة ويمتحنهم المولى عز وجل ..
ثانياً : هل أهل مكة والعرب لم تبلغهم دعوة أو رسالة ؟
وهل نقول أنهم من أهل الفترة ؟
هم في زمن الفترة فعلاً
لكن بلغتهم دعوة إبراهيم عليه السلام
والدليل على ذلك
قس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل
بلغتهم الدعوة وآمنوا بها وأنذروا قومهم
وخطب قس بن ساعدة مشهورة وغنية عن التعريف
يعرفها كل أهل الأدب والبلاغة
منها :
خطبة قس بن ساعدة الإيادي بسوق عكاظ :
" أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت،
ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج،
ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة.
إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟!
أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا،
يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه إن لله دينا هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه،
وإنكم لتأتون من الأمر منكرا. "
إذاً ... العرب وصلتهم دعوة إبراهيم عليه السلام
يقول النووي رحمه الله – شارحا الحديث الأول - :
" فيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار ،
وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم "
( شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .
ثالثاً : هل يفيد الإنسان نسبه أو قرابته ...
هناك عدة أسئلة ..
ماذا أفاد ابن نوح كون أبيه نبياً ؟
الجواب : ما قاله جل وعلا : { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45)
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) } .
هل نفع ابن نوح كون أبيه نبيا .. وكونه من أهله ..
أجابنا الشارع الحكيم عن هذا بالآية السابقة .
بل نفى أن يكون من أهله
لأنه كفر بالله عز وجل
سؤال آخر : هل أفاد امرأة لوط كون زوجها نبياً ؟
الجواب : قال تعالى : { قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) }
يقول أحدهم : لماذا ؟ أليس زوجها نبياً ؟؟
نقول : لا تنفع القرابة في شفاعة أحد ونجاته من عذاب النار .
سؤال آخر أيضاً :
هل أفاد آزر كون ابنه إبراهيم عليه السلام نبياً ؟
الجواب : {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ }التوبة114
الخلاصة .. لا تنفع القرابة ولا النسب في شيء يوم القيامة .
فيوم القيامة : { وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً }لقمان33
رابعاً : هل النبي صلى الله عليه وسلم يقول غير الحق ؟
لماذا هذا السؤال ؟
قال بعض الناس في الحديث الذي يقول فيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
عندما جاء رجل يسأله عن أبيه، فقال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أبي وأبوك في النار}،
فقال بعض الناس : إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك وهو غضبان ؟
الجواب :
هذا الكلام من التأويل الباطل الذي يفسد الحديث،
لأن الله سبحانه قد برأ نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أن يقول الكذب، حتى وإن قلنا أنه قال قولاً وهو غضبان،
لأن الله سبحانه يقول: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]
فمن يؤول ذلك ويقول أن حديث {أبي وأبوك في النار }، قال ذلك وهو غضبان فهذا كذب،
ولو أن شخصاً قال لك -حتى وهو غضبان- سأعطيك كذا لو فعلت كذا وكذا، وتبين لك خلافه، فتعتقد أنه كذب عليك، وإن كان قالها وهو في حالة غضب،
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينطق عن الهوى.
ولهذا لما كان بعض الصحابة يكتب حديثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال بعضهم الآخر:
{تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا الحق }
ثم إن الحديث ليس فيه غضب: {أبي وأبوك في النار } هذا الحديث ليس فيه غضب ولا ما يستدعي الغضب، فلا يرد كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الواضح الصريح بأقاويل الناس كائناً من كان.
خامساً : اتفق المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على صحة أحاديث البخاري ومسلم ..
ولا يوجد من ينكر ذلك إلا من شذ ...
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس أن رجلاً قال يا رسول الله أين أبي؟
قال: "في النار"، فلما قفا دعاه فقال: " إن أبي وأباك في النار " .
وروى الإمام مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة قال:
زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال:
" استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم بالموت ".
ولم ينه رب العزة نبيه عن الاستغفار لأحد من المؤمنين
فمن الذي نُهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لهم ؟
اقرأ معي هذه الآية :
قال تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } [التوبة:113].
فقد نزلت هذه الآية لنهي النبي عن الاستغفار لعمه أبي طالب ونهي المؤمنين عن الاستغفار للآبائهم المشركين ( راجع تفسير الجلالين ) .
والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيشمل كل قرابة مشركة للإنسان .
فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصريح العبارة التي لا تحتمل التأويل ولا التحريف : " أبي وأباك في النار " .
والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قرر أن والده مشرك في النار .
فمن نحن حتى نأتي ونقول للنبي صلى الله عليه وسلم : لا يا رسول الله إن والدك في الجنة ؟
أيعقل أن يعارض قول النبي وصريح عبارته بأفهامنا وعواطفنا وعقولنا القاصرة ؟
وأيضاً نهى الله عز وجل النبي عن الاستغفار لأمه ؟
فهل نأتي نحن ونعترض على نهي الله عز وجل لنبيه ونقول أن والدة النبي في الجنة ؟
أخرج الإمام أحمد من حديث بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إني أتيت قبر أم محمد فسألت ربي الشفاعة فمنعنيها..... الحديث.
منع الله عز وجل نبيه من الشفاعة لأمه !!
نأتي نحن ونقول هي في الجنة ؟
يجب علينا أن ندرك أن النسب لا ينجي الإنسان من عذاب الله تعالى ،
يقول النووي رحمه الله : " من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين " (شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .
إذا كان والدي النبي في الجنة على حد من يزعم ذلك ؟
فما قوله في عم النبي صلى الله عليه وسلم : أبو طالب
فهو أشد نصرة للنبي من والديه ..
قال الامام مسلم رحمه الله في صحيحه :
و حدثني حرملة بن يحيى التجيبي أخبرنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال :
لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله "
فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب .
وأبى أن يقول لا إله إلا الله .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " . فأنزل الله عز وجل :
{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم }
وأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين }
(مسلم رقم 132 وأخرجه البخاري أيضا برقم 4772)
فهل انتفع أبو طالب بقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم
وهل شفع نسب النبي له بالنجاة من النار ودخول الجنة ؟!!!
شبهة : قد حاول بعض أهل العلم الدفاع عن والدي النبي صلى الله عليه وسلم والحكم بنجاتهما ،
وأن الله تعالى أحياهما بعد موتهما ، فأسلما وآمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم ماتا على ذلك ،
واستدل على هذا بأحاديث موضوعة وضعيفة جدا لا يصح الاستدلال بها .
رد الشبهة :
" قال العظيم آبادي : " كل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ونجاتهما أكثره موضوع مكذوب مفترى ،
وبعضه ضعيف جدا لا يصح بحال ، لاتفاق أئمة الحديث على وضعه وضعفه
كالدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي وجماعة "
(عون المعبود12/494 باختصار، وانظر: مجموع الفتاوى4/324) .
و يجب علينا أن ندرك أن النسب لا ينجي الإنسان من عذاب الله تعالى ،
يقول النووي رحمه الله : " من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين " (شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .
ولم يكن حكم والدي النبي صلى الله عليه وسلم وجده بدعا في ذلك ،
فقد أصر والد إبراهيم عليه السلام على الكفر حتى مات على ذلك فتبرأ منه إبراهيم عليه السلام ،
كما قال تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } [التوبة:114] ،
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرر هذا الأمر بجلاء ، وذلك حين نزلت عليه الآية الكريمة { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء:214] ،
قال : « يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ،
يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ،
ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا » رواه البخاري (2753) ومسلم (206)
وينبغي على كل مسلم أن لا يحكم عاطفته في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته دونما حجة وبينة من علم
فيبوء بالخسارة في الدنيا والآخرة ، والله المستعان "
ثم اما بعد
بينماانا اتصفح في احدى المواقع ,لفت انتباهي فتوى لدار الأفتاء المصريه تفيد بحسم الجدل بين الناس بشأن مصير والدي النبي صلى الله عليه وسلم ونجاتهم من النار ودخولهم الجنه لأنهم من اهل الفترة.
في البداية أود التنبيه على أن هذه المسائل مما لا ينبغي الحديث فيها ولا الخوض فيها
لأنها تخص نسب النبي صلى الله عليه وسلم
كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى ( نور على الدرب ) :
" هذا السؤال ليس من الأسئلة التي يستحسن أن يسأل عنها لأنه لا فائدة منها إطلاقاً، ولكن بعد السؤال عنها لابد من الجواب " أهـ .
فأحدنا لا يرضى بالكلام عن والديه ، مهما بلغا من فسق أو كفر
فما بالكم بوالدي النبي صلى الله عليه وسلم !
لكن لما كثرت المناقشات في المنتدى
وتم السؤال عنها
لا بد لنا أن نناقش هذا الأمر على ضوء الأدلة والبراهين
والأمر مفتوح للجميع في الردود والمناقشة
---------------------------------------------
أولاً : ما تعريف أهل الفترة ؟
أهل الفترة : هم الأناس الذي وجدوا في الفترة بين كل نبيين كعيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم
( تعريف العلامة ابن كثير - تفسير القرآن العظيم 2 / 35 - بتصرف )
وحكم أهل الفترة ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
روى الإمام أحمد من حديث الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ:
فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا،
وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ،
وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا،
وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ،
فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ،
قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا. قال الألباني صحيح.
فهؤلاء يبعثون يوم القيامة ويمتحنهم المولى عز وجل ..
ثانياً : هل أهل مكة والعرب لم تبلغهم دعوة أو رسالة ؟
وهل نقول أنهم من أهل الفترة ؟
هم في زمن الفترة فعلاً
لكن بلغتهم دعوة إبراهيم عليه السلام
والدليل على ذلك
قس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل
بلغتهم الدعوة وآمنوا بها وأنذروا قومهم
وخطب قس بن ساعدة مشهورة وغنية عن التعريف
يعرفها كل أهل الأدب والبلاغة
منها :
خطبة قس بن ساعدة الإيادي بسوق عكاظ :
" أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت،
ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج،
ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة.
إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟!
أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا،
يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه إن لله دينا هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه،
وإنكم لتأتون من الأمر منكرا. "
إذاً ... العرب وصلتهم دعوة إبراهيم عليه السلام
يقول النووي رحمه الله – شارحا الحديث الأول - :
" فيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار ،
وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم "
( شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .
ثالثاً : هل يفيد الإنسان نسبه أو قرابته ...
هناك عدة أسئلة ..
ماذا أفاد ابن نوح كون أبيه نبياً ؟
الجواب : ما قاله جل وعلا : { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45)
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) } .
هل نفع ابن نوح كون أبيه نبيا .. وكونه من أهله ..
أجابنا الشارع الحكيم عن هذا بالآية السابقة .
بل نفى أن يكون من أهله
لأنه كفر بالله عز وجل
سؤال آخر : هل أفاد امرأة لوط كون زوجها نبياً ؟
الجواب : قال تعالى : { قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) }
يقول أحدهم : لماذا ؟ أليس زوجها نبياً ؟؟
نقول : لا تنفع القرابة في شفاعة أحد ونجاته من عذاب النار .
سؤال آخر أيضاً :
هل أفاد آزر كون ابنه إبراهيم عليه السلام نبياً ؟
الجواب : {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ }التوبة114
الخلاصة .. لا تنفع القرابة ولا النسب في شيء يوم القيامة .
فيوم القيامة : { وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً }لقمان33
رابعاً : هل النبي صلى الله عليه وسلم يقول غير الحق ؟
لماذا هذا السؤال ؟
قال بعض الناس في الحديث الذي يقول فيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
عندما جاء رجل يسأله عن أبيه، فقال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أبي وأبوك في النار}،
فقال بعض الناس : إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك وهو غضبان ؟
الجواب :
هذا الكلام من التأويل الباطل الذي يفسد الحديث،
لأن الله سبحانه قد برأ نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أن يقول الكذب، حتى وإن قلنا أنه قال قولاً وهو غضبان،
لأن الله سبحانه يقول: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]
فمن يؤول ذلك ويقول أن حديث {أبي وأبوك في النار }، قال ذلك وهو غضبان فهذا كذب،
ولو أن شخصاً قال لك -حتى وهو غضبان- سأعطيك كذا لو فعلت كذا وكذا، وتبين لك خلافه، فتعتقد أنه كذب عليك، وإن كان قالها وهو في حالة غضب،
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينطق عن الهوى.
ولهذا لما كان بعض الصحابة يكتب حديثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال بعضهم الآخر:
{تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا الحق }
ثم إن الحديث ليس فيه غضب: {أبي وأبوك في النار } هذا الحديث ليس فيه غضب ولا ما يستدعي الغضب، فلا يرد كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الواضح الصريح بأقاويل الناس كائناً من كان.
خامساً : اتفق المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على صحة أحاديث البخاري ومسلم ..
ولا يوجد من ينكر ذلك إلا من شذ ...
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس أن رجلاً قال يا رسول الله أين أبي؟
قال: "في النار"، فلما قفا دعاه فقال: " إن أبي وأباك في النار " .
وروى الإمام مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة قال:
زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال:
" استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم بالموت ".
ولم ينه رب العزة نبيه عن الاستغفار لأحد من المؤمنين
فمن الذي نُهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لهم ؟
اقرأ معي هذه الآية :
قال تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } [التوبة:113].
فقد نزلت هذه الآية لنهي النبي عن الاستغفار لعمه أبي طالب ونهي المؤمنين عن الاستغفار للآبائهم المشركين ( راجع تفسير الجلالين ) .
والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيشمل كل قرابة مشركة للإنسان .
فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصريح العبارة التي لا تحتمل التأويل ولا التحريف : " أبي وأباك في النار " .
والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قرر أن والده مشرك في النار .
فمن نحن حتى نأتي ونقول للنبي صلى الله عليه وسلم : لا يا رسول الله إن والدك في الجنة ؟
أيعقل أن يعارض قول النبي وصريح عبارته بأفهامنا وعواطفنا وعقولنا القاصرة ؟
وأيضاً نهى الله عز وجل النبي عن الاستغفار لأمه ؟
فهل نأتي نحن ونعترض على نهي الله عز وجل لنبيه ونقول أن والدة النبي في الجنة ؟
أخرج الإمام أحمد من حديث بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إني أتيت قبر أم محمد فسألت ربي الشفاعة فمنعنيها..... الحديث.
منع الله عز وجل نبيه من الشفاعة لأمه !!
نأتي نحن ونقول هي في الجنة ؟
يجب علينا أن ندرك أن النسب لا ينجي الإنسان من عذاب الله تعالى ،
يقول النووي رحمه الله : " من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين " (شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .
إذا كان والدي النبي في الجنة على حد من يزعم ذلك ؟
فما قوله في عم النبي صلى الله عليه وسلم : أبو طالب
فهو أشد نصرة للنبي من والديه ..
قال الامام مسلم رحمه الله في صحيحه :
و حدثني حرملة بن يحيى التجيبي أخبرنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال :
لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله "
فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب .
وأبى أن يقول لا إله إلا الله .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " . فأنزل الله عز وجل :
{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم }
وأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين }
(مسلم رقم 132 وأخرجه البخاري أيضا برقم 4772)
فهل انتفع أبو طالب بقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم
وهل شفع نسب النبي له بالنجاة من النار ودخول الجنة ؟!!!
شبهة : قد حاول بعض أهل العلم الدفاع عن والدي النبي صلى الله عليه وسلم والحكم بنجاتهما ،
وأن الله تعالى أحياهما بعد موتهما ، فأسلما وآمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم ماتا على ذلك ،
واستدل على هذا بأحاديث موضوعة وضعيفة جدا لا يصح الاستدلال بها .
رد الشبهة :
" قال العظيم آبادي : " كل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ونجاتهما أكثره موضوع مكذوب مفترى ،
وبعضه ضعيف جدا لا يصح بحال ، لاتفاق أئمة الحديث على وضعه وضعفه
كالدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي وجماعة "
(عون المعبود12/494 باختصار، وانظر: مجموع الفتاوى4/324) .
و يجب علينا أن ندرك أن النسب لا ينجي الإنسان من عذاب الله تعالى ،
يقول النووي رحمه الله : " من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين " (شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .
ولم يكن حكم والدي النبي صلى الله عليه وسلم وجده بدعا في ذلك ،
فقد أصر والد إبراهيم عليه السلام على الكفر حتى مات على ذلك فتبرأ منه إبراهيم عليه السلام ،
كما قال تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } [التوبة:114] ،
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرر هذا الأمر بجلاء ، وذلك حين نزلت عليه الآية الكريمة { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء:214] ،
قال : « يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ،
يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ،
ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا » رواه البخاري (2753) ومسلم (206)
وينبغي على كل مسلم أن لا يحكم عاطفته في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته دونما حجة وبينة من علم
فيبوء بالخسارة في الدنيا والآخرة ، والله المستعان "