• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لا بأس بإساءة الظن مع وجود القرائن بأهل الريبة...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لا بأس بإساءة الظن مع وجود القرائن بأهل الريبة...

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه.
    وبـــعد:
    فقد جرى بيني وبين أحد إخواني الفضلاء الكرام السلفيين المنصفين –أحسبه ولا أزكي على الله أحدًا- حوار لم يطل، وكان ذلك قبل بضعة أيام في مسألة (إساءة الظن ببعض الأشخاص الذين جرى الكلام عليهم)، فكان هذا الأخ الكريم –ذكره الله بخير- يحسب أن مجرد إساءة الظن حتى بالأعداء لا ينبغي أو لا يجوز إذا لم يكن مقترنا ببرهان يدل على ذلك الظن المقرون بتلك الحال، وأذكر أنه احتج بقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"، قلتُ: والحديث صحيح في الصحيحين وغيره عن أبي هريرة. وأذكر أني قلت له حينها: لعلك لم تقف على أقوال أهل العلم في الموضوع، وأن الظن يُعمل به عند الاشتباه، وذكرتُ له ما قابل به يعقوب عليه الصلاة والسلام أبناءه حتى في الحال التي صدقوا فيها بعدما جرى منهم ما جرى كما في سورة يوسف، فلم يُسعفني الوقت آنداك بذكر المسألة بشيء من الوضوح ولأن الكلام كان فيه قصور؛ رأيتُ من باب الفائدة ذكر أطراف هذه المسألة بشيء من البسط حسب ما وقفتُ عليه، فأقول مستعيـــنًا بالله الذي لا إله إلا هو:

    لا بأس بإساءة الظن مع وجود القرائن بأهل الريبة ويدخل في هذا الكفار وأهل الأهواء والبدع من باب أولى وأحرى [1 ]

    قال العلامة المفسر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي كما في "أضواء البيان": قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}، يفهم من هذه الآية لزوم الحكم بالقرينة الواضحة الدالة على صدق أحد الخصمين، وكذب الآخر؛ لأن ذكر الله لهذه القصة في معرض تسليم الاستدلال بتلك القرينة على براءة يوسف يدل على أن الحكم بمثل ذلك حق وصواب؛ لأن كون القميص مشقوقاً من جهة دبره دليل واضح على أنه هارب عنها، وهي تنوشه من خلفه، ولكنه تعالى بين في موضع آخر أن محل العمل بالقرينة ما لم تعارضها قرينة أقوى منها، فإن عارضتها قرينة أقوى منها أبطلتها، وذلك في قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [12/18]؛ لأن أولاد يعقوب لما جعلوا يوسف في غيابة الجب، جعلوا على قميصه دم سخلة؛ ليكون وجود الدم على قميصه قرينة على صدقهم في دعواهم أنه أكله الذئب.
    ولا شك أن الدم قرينة على افتراس الذئب له، ولكن يعقوب أبطل قرينتهم هذه بقرينة أقوى منها، وهي عدم شق القميص، فقال: سبحان الله! متى كان الذئب حليماً كيساً يقتل يوسف ولا يشق قميصه. ولذا صرح بتكذيبه لهم في قوله: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [12/18].
    وهذه الآيات المذكورة أصل في الحكم بالقرائن.
    ومن أمثلة الحكم بالقرينة: الرجل يتزوج المرأة من غير أن يراها سابقاً؛ فتزفها إليه ولائد لا يثبت بشهادتهن أن هذه هي فلانة التي وقع عليها العقد؛ فيجوز له جماعها من غير احتياج إلى بينة تشهد على عينها أنها هي التي وقع العقد عليها؛ اعتماداً على قرينة النكاح.
    وكالرجل ينزل ضيفاً عند قوم، فتأتيه الوليدة أو الغلام بالطعام؛ فيجوز له الأكل من غير احتياج إلى ما يثبت إذن مالك الطعام له في الأكل، اعتماداً على القرينة.
    وكقول مالك، ومن وافقه: إن من شم في فيه ريح الخمر يحد حد الشارب، اعتماداً على القرينة؛ لأن وجود ريحها في فيه قرينة على أنه شربها، وكمسائل اللوث وغير ذلك.
    وقد قدمنا في "سورة المائدة "صحة الاحتجاج بمثل هذه القرائن، وأوضحنا بالأدلة القرآنية، أن التحقيق أن شرع من قبلنا الثابت بشرعنا شرع لنا، إلا بدليل على النسخ غاية الإيضاح، والعلم عند الله تعالى.
    وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [12/18]: استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه، كالقسامة وغيرها. وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص. وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح، وهي قوة التهمة، ولا خلاف في الحكم بها، قاله ابن العربي. اهـ كلام القرطبي.
    قلت (عبد الله): انتهـى نقل المراد.

    وفي "سبل السلام" للأمير الصنعاني لما أخذ رحمه الله يتكلم على حديث أبي هريرة (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) قال:
    " .. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ التُّهْمَةُ، وَمَحَلُّ التَّحْذِيرِ وَالنَّهْيِ إنَّمَا هُوَ عَنْ التُّهْمَةِ الَّتِي لَا سَبَبَ لِمَا يُوجِبُهَا؛ كَمَنْ اُتُّهِمَ بِالْفَاحِشَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : وَالْمُرَادُ التَّحْذِيرُ مِنْ تَحْقِيقِ التُّهْمَةِ ، وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَتَقَرُّرِهَا فِي النَّفْسِ دُونَ مَا يَعْرِضُ وَلَا يَسْتَقِرُّ ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُكَلَّفُ بِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ { تَجَاوَزَ اللَّهُ عَمَّا تَحَدَّثَتْ بِهِ الْأُمَّةُ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ } وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ سُفْيَانَ ، وَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَتْمٌ وَلَا فُحْشٌ وَلَا فُجُورٌ وَيُقَيِّدُ إطْلَاقَهُ حَدِيثُ { احْتَرِسُوا مِنْ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ } أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ ، وَالْعَسْكَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا : يَحْرُمُ سُوءُ الظَّنِّ .اهـ
    قلتُ: وللإشارة أُنبِّه هنا على أن حديث "احترسوا من الناس بسوء الظن" المذكور أعلاه؛ ضعفه العلامة المحدث الفقيه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فقد قال كما في "السلسلة الضعيفة" ( 1 / 288 ) :
    "ضعيف جدا ...".اهـ
    قلت: وقد أفاض –رحمه الله- في بيان علة ضعفه فليرجع إليه، وقال آخر تحقيقه لهذا الحديث في الموضع المشار إليه:
    " ثم إن الحديث منكر عندي لمخالفته للأحاديث الكثيرة التي يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها المسلمين بأن لا يسيئوا الظن بإخوانهم ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : " إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث ... " رواه البخاري ( 10 / 395 - 398 ) وغيره ، و هو مخرج في " غاية المرام " ( 417 ) .
    ثم إنه لا يمكن التعامل مع الناس على أساس سوء الظن بهم ، فكيف يعقل أن يأمر صلى الله عليه وسلم أمته أن يتعاملوا على هذا الأساس الباطل ؟!"اهـ.

    وقال العلامة ابن سعدي في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن .." وهو يذكر العبر والفوائد من سورة يوسف:
    " ومنها: أن سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم، فإن يعقوب قال لأولاده بعد ما امتنع من إرسال يوسف معهم حتى عالجوه أشد المعالجة، ثم قال لهم بعد ما أتوه، وزعموا أن الذئب أكله { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا } وقال لهم في الأخ الآخر: { هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ } ثم لما احتبسه يوسف عنده، وجاء إخوته لأبيهم قال لهم: { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا } فهم في الأخيرة - وإن لم يكونوا مفرطين - فقد جرى منهم ما أوجب لأبيهم أن قال ما قال، من غير إثم عليه ولا حرج.اهـ.

    وفي تفسير سورة الحجرات للعلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله:
    " وهنا يقول - عز وجل -: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن }، الظن: هو أن يكون لدى الإنسان احتمالان يترجح أحدهما على الآخر، وهنا عبر الله تعالى بقوله: {كثيراً من الظن } ولم يقل: اجتنبوا الظن كله، لأن الظن ينقسم إلى قسمين:
    القسم الأول: ظن خير بالإنسان، وهذا مطلوب أن تظن بإخوانك خيراً ماداموا أهلاً لذلك، وهو المسلم الذي ظاهره العدالة، فإن هذا يُظن به خيراً، ويُثنى عليه بما ظهر لنا من إسلامه وأعماله.
    القسم الثاني: ظن السوء، وهذا يحرم بالنسبة لمسلم ظاهره العدالة، فإنه لا يحل أن يظن به ظن السوء، كما صرح بذلك العلماء، فقالوا - رحمهم الله -: يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة. أما ظن السوء بمن قامت القرينة على أنه أهل لذلك، فهذا لا حرج على الإنسان أن يظن السوء به، ولهذا من الأمثال المضروبة السائرة: (احترسوا من الناس بسوء الظن)، ولكن هذا ليس على إطلاقه، كما هو معلوم، وإنما المراد: احترسوا من الناس الذين هم أهل لظن السوء فلا تثقوا بهم، والإنسان لابد أن يقع في قلبه شيء من الظن بأحد من الناس لقرائن تحتف بذلك، إما لظهور علامة في وجهه، بحيث يظهر من وجهه العبوس والكراهية في مقابلتك وما أشبه ذلك، أو من أحواله التي يعرفها الإنسان منه أو من أقواله التي تصدر منه فيظن به ظن السوء، فهذه إذا قامت القرينة على وجوده فلا حرج على الإنسان أن يظن به ظن السوء.اهـ

    وقال في تفسير سورة النجم : {إن يتبعون إلا الظن} يعني ما يتبعون إلا الظن، والمراد بالظن هنا الوهم الكاذب، وليس المراد بالظن هنا الراجح من أحد الاحتمالين، وانتبه لهذا فالظن يأتي بمعنى التهمة، ويأتي بمعنى رجحان الشيء، ويأتي بمعنى اليقين. قال الله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} والمراد: اليقين ولا يكفي الظن في اليوم الآخر، بل لابد تيقن، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب () » والتحري هنا يعني هو الظن الغالب.
    {وإن هم إلا يظنون } ظن الاتهام يعني يظنون ظنًّا، هو وهم، ليس له أصل، وبعض العلماء أخذ من هذه الآية أنه لا يجوز العمل بالظن في المسائل الفقهية وغيرها، وهذا خطأ، لأن كثيراً من المسائل الفقهية ظنية: إما لخفاء الدليل، أو خفاء الدلالة: ليس كل مسألة في الفقه يقول بها الإنسان على سبيل اليقين أبداً، بل بعضها يقين وبعضها ظن، والظن إذا تعذر اليقين مما أحل الله، ومن نعمة الله أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن، فليس كل ظن منكراً، لكن الظن الذي ليس له أصل يبنى عليه منكر. فهؤلاء الذين سموا الملائكة تسمية الأنثى لا علم لهم بذلك بل هو ظن مبني على وهم، وربما يكون مبنياً على أهواء، يعني لم يطرأ على بالهم أنهم إناث، ولكن تبعوا آباءهم {وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً } أي: هذا الظن المبني على الوهم لا على القرائن لا يغني من الحق شيئاً، أي لا يفيد شيئاً من الحق، لأنه وهم باطل، والوهم الباطل لا يمكن أن يفيد ..." اهـ

    وقال أيضًا (تفسير سورة التكوير) : {بضنين} بالضاد أي ببخيل، فهو عليه الصلاة والسلام ليس بمتهم في الوحي ولا باخل به، بل هو أشد الناس بذلاً لما أوحي إليه، يُعَلم الناس في كل مناسبة، وهو أبعد الناس عن التهمة لكمال صدقه عليه الصلاة والسلام، وفي قراءة {بظنين} بالظاء المشالة، أي: بمتهم، من الظن وهو التهمة.اهـ

    وقال في تفسير سورة البينة: {أولئك هم شر البرية} أي شر الخليقة؛ لأن البرية هي الخليقة، وعلى هذا فيكون الكفار من بني آدم من (اليهود والنصارى والمشركين) شر البرية (شر الخلائق)
    وقد بين الله ذلك تماماً في قوله: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون} [الأنفال: 55]. وقال تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون، ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} [الأنفال: 22]. فهؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين هم شر البرية عند الله عز وجل، وإذا كانوا هم شر البرية فلن نتوقع منهم إلا كل شر، لأن الشرير ينبثق منه الشر، ولا يمكن أبداً أن نحسن الظن بهم، قد نثق بالصادقين منهم كما وثق النبي صلى الله عليه وسلّم بالمشرك، عبد الله بن أريقط، حين استأجره ليدله على طريق الهجرة، لكن غالبهم وجمهورهم لا يوثق منهم، لأنهم شر .اهـ
    [1 ] : وللإشارة فقد اعتمدت في نقلي هنا لكلام أهل العلم على (المكتبة الشاملة) .

    أكتفي بهذا القدر ففيه غنية -إن شاء الله-، وأسأله سبحانه أن يعيننا على الفقه في دينه، والعمل بما علمناه، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
    كتب أخوكم عبد الله أسكناري
    في 17 جمادى الأولى 1431 هـ
يعمل...
X