الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مرت بي هذه الفائدة في كتاب الفتاوى الجلية عن المناهج الدعويه للشيخ النجمي رحمه الله فأحببت أن أنقله هنا للفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
س3- فضيلة الشيخ ما رأيكم فيمن يقول لا ينبغي للعلماء أن يرُدَّ بعضهم على بعض في هذا الوقت؛ لأنَّ هذا يقوِّي شوكة الأعداء، ويشقُّ الصف، ولاسيما ونحن المسلمين نعيش في انْهزامية وتسلطٍ من الكفار على كثيرٍ من بلدان المسلمين، ولابدَّ فيه من الاجتماع، والألفة، والْمَحبة لننتصر فيه على أعداء الإسلام أولاً من اليهود، والنصارى، وغيرهم من أهل الملل الباطلة، ثُمَّ بعد ذلك نناقش القضايا، والمفاهيم الَّتِي اختلفت فيها وجهات النظر بكونِها صحيحةً أو خاطئة, نرجو بيان الحق في هذه المسألة الَّتِي وقع فيها كثيرٌ من الشباب، وهل يا شيخ يصح أن نطلق على كل من خالف الكتاب والسنة من المسلمين بأنَّه منافق، وأنَّه عدو للإسلام من الداخل, وجزاكم الله خيرًا؟
ج3- الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
وبعد: الردود واجبةٌ بوجوب الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، فكما أنَّه لايجوز لنا أن نقرَّ الباطل مهما كان نوعه؛ سواءً كان في الأخلاق أو في المعاملات أو في العبادات أو في العقائد وهو الأهم, والله عز وجل قد مدح أمَّة محمدٍ ج بثلاث خصال: وهي الإيْمان بالله أولاً، والأمر بالمعروف ثانيًا، والنَّهي عن المنكر ثالثًا؛ فقال جلَّ من قائل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: من الآية110]. وكما مدح الله أمَّة محمدٍ ج بِهذه الخصال، فقد ذمَّ أهل الكتاب بتركها، فقال عن أهل الكتاب: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ -78, كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة:78-79].
وقد ذمَّ الله عز وجل الكاتمين ولعنهم في قوله -جلَّ من قائل-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ -159, إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة:159-160].
ومن هذه الأدلة نعلم أنَّ الردود الَّتِي تقع إنَّما تقع على أقوامٍ أخطأوا في العقيدة أو في غيرها, فأدخلوا في الإسلام ما ليس منه؛ أحلوا حرامًا أو حرموا حلالاً أو أباحوا ممنوعًا أو سكتوا عن الشرك، وغضوا الطرف عن أهله, أو ابتدعوا بدعةً في الدين حتى يظنُّ الظان أنَّ تلك البدع من الدين.
فمن أجل ذلك ردَّ أقوامٌ من السلفيين على أقوامٍ من المبتدعة، وبينوا الأخطاء الَّتِي وقعوا فيها, سواءً كانت في العقيدة أو في المعاملات أو في العبادات، وإنَّ هؤلاء الذين فعلوا ذلك، وكلفوا أنفسهم بالرد إنَّما فعلوا ذلك بيانًا للحق، ودفعًا للباطل، وذودًا عن الدين، وحمايةً له من أن يدخل فيه ما ليس منه، فهؤلاء قد فعلوا ما أمر الله به، ولَم يكن منهم اعتداء على أحد ولا خروجٌ عن الحق، وإنَّما أرادوا أن يفهم الناس الحق، ويبتعدوا عن الباطل، فمن يخطئهم فهو المخطئ، ومن يضلِّلهم فهو الضال.
أمَّا قول القائل: بأنَّه يجب علينا أن نجتمع، وأن نتآخى، فنقول لهم: على أي شيءٍ نجتمع؟!! فالله عز وجل أمرنا أن نجتمع على الحق، ولَم يأمرنا أن نجتمع على الباطل، والله عز وجل أمرنا أن نكون أمَّةً واحدة كما كان أصحاب رسول الله ج أمَّةً واحدة؛ علمًا بأنَّ أصحابه كان فيهم المنافق، وكان يعاديهم اليهود، والنصارى، والصابئون، والمشركون الوثنيون، وقد قال عز وجل : ﴿يَأَيُّهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التحريم:9].
وما هذه إلاَّ خدعةٌ، وما هذا إلاَّ تضليل حينما يقال إنَّه لاينبغي أن يرد بعضنا على بعض؛ لأنَّ في ذلك شقٌّ للصف، وإظهارٌ للعداوة فيما بين المؤمنين. وهؤلاء منهم من يقول: هذا خداعًا، وهو يعلم أنَّ الحق في غيره، ومنهم من يقول هذا تقليدًا لغيره، ومحاكاةً لمن يقول هذا القول؛ لأنَّ هذا القول ربما انطلى على من لا يعلم، فظنَّ أنَّه حق وهو باطل، وظنَّ أنَّ من قاله ناصحًا، وهو إنَّما قاله ليكيد به الإسلام، ويضر به الدين، فلو سكت أهل الحق والمعرفة حتى يستفحل أمر المبتدعة لكان في ذلك ضرر عظيم.
وما نصر الله نبيه، وأصحاب نبيه إلاَّ لأنَّهم نصروا الحق على أنفسهم أولاً، وعلى غيرهم ثانيًا والله تعالى قد قال: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7].
فإذا نصرنا الله على أنفسنا، وعلى من سوانا نصرنا الله، وإذا خذلنا الحق، وكتمنا ما أمرنا الله بأن نبلغه للناس فإنَّا نكون حينئذٍ قد تعرضنا لغضب الله، وقد قال النَّبِي ج: (إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)([8]) رواه الإمام الترمذي؛ قال أبو عيسى الترمذي: وفي الباب عن عائشة، وأم سلمة، والنعمان بن بشير وعبد الله بن عمر، وحذيفة وهذا حديث صحيح.
فلا يستقيم الدين إلاَّ بالتناصح، والتواصي بالحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقد قال الله عز وجل : ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [هود:116].
وبِهذا نعلم أنَّ الردود الَّتِي تكون في محلها حقٌّ، وبِها تكون إقامة الدين، ومن قال خلاف ذلك حكم عليه بالضلال؛ لأنَّه بكتمان الحق أراد أن يستفحل الباطل؛ نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، والسداد.
ما يحسن أن يستدل به في هذا المقام أنَّ الله عز وجل عاقب أصحاب نبيه في غزوة أحد حين تركوا الجبل الذي أمرهم رسول الله ج بالبقاء فيه بقوله ج: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم، وأوطأناهم، فلاتبرحوا حتى أرسل إليكم فهزموهم)([9]) رواه البخاري. وقد كانوا لمَّا رأوا النَّصر، فحصل فيهم الاختلاف والانْهزام فعاتبهم الله في ذلك بقوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ -152, إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران:152-153]. وما حصل لأصحاب النَّبِي ج أيضًا يوم حنين من الانْهزام بسبب كلمةٍ قالوها: لن نغلب اليوم من قلة، وقد عاتبهم الله عز وجل في ذلك أيضًا بقوله جلَّ من قائل: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ -25, ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: من الآية25-26].
والمهم أنَّه ما استنْزل النَّصر بمثل طاعة الله، وإنَّ الردود على أصحاب الباطل، ورد الحقِّ إلى نصابه، وبيانه لمن يجهله لهو الحق والطاعة الَّتِي يستنْزل بِها النصر.
أمَّا الكثرة مع وجود المعاصي، والبدع، فإنَّها داءٌ وبيل، وموجبةٌ لغضب الله عز وجل وذلك حرمانٌ من خير الدنيا، ومن ذلك النصر على الأعداء، وعزة أهل الحق بالحق الذي يحملونه، وحرمان أيضًا من الظفر، والفلاح في الآخرة، والفوز فيها بتثقيل الموازين، والمرور على الصراط، والنجاة من النار، ودخول الجنة.
وأقول: المخالفون للكتاب والسنة أنواع, منهم: من يقصد المخالفة، ويدعو إلى الباطل، وإذا دعي إلى الحق أبى، وأعرض، ونفر، فهو يعيب دعاة الحق، ويتهمهم بالضلال، والغواية, مع أنَّه هو الضال، وهو الغاوي، فهذا لا شك أنَّه منافق.
وقول من قال: أنَّ من يكون هكذا هو عدوٌّ للدين من داخله, قولٌ صحيح.
أمَّا من وقع في الخطأ جهلاً منه، وإذا روجع رجع، وإذا تبيَّن له الحق قبله، فهذا لاينبغي أن يوصف بأنَّه منافق؛ وإنَّ المشايخ الذين يقولون هذا القول أنَّ للدين عدوًَّا من الداخل لايقولونه إلاَّ عن علم, ولايقصدون به إلاَّ أعداء الدين الحق من دعاة البدع والضلال؛ الذين يصرون على الباطل وهم يعلمون أنَّه باطل؛ يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف؛ فمن أمر بالتحزب، فقد أمر بمنكر، ومن أمر بمتابعة أهل البدع، فقد أمر بمنكر، وهو جديرٌ بأن يقال فيه بأنَّه منافق، وأنَّه عدوٌّ للدين الحق.
أمَّا قول القائل بأنَّهم يطلقون على كل من خالف بأنَّه منافق، فهذا القول ليس بصحيح، وإنَّما يطلقون النفاق على من مضى وصفهم، فتجدهم لو أراد أحدٌ أن يرجع عن الباطل، وعن التحزب، وعن البدع لاموه، وذموه وعصَّبوه، وحزَّبوه ليصر على ذلك الباطل الذي هو فيه، فهؤلاء دعاة ضلالة، وهم في الحقيقة أعداء للدين؛ أعداء للتوحيد؛ أعداء للسنة؛ أعداء للمنهج السلفي شاءوا أم أبوا.
هذا ما نعلمه، وندين الله به بعد تجربة، وبعد سبر للأمور؛ عرفنا من خلال ذلك السبر وتلك التجربة؛ أنَّ أولئك الأعداء من الداخل يهدمون أكثر مما يصلحون، ويضرون أكثر مما ينفعون، ويفسدون وهم يحسبون أنَّهم يحسنون، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
منقول بنصه من كتاب : الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية
مرت بي هذه الفائدة في كتاب الفتاوى الجلية عن المناهج الدعويه للشيخ النجمي رحمه الله فأحببت أن أنقله هنا للفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
س3- فضيلة الشيخ ما رأيكم فيمن يقول لا ينبغي للعلماء أن يرُدَّ بعضهم على بعض في هذا الوقت؛ لأنَّ هذا يقوِّي شوكة الأعداء، ويشقُّ الصف، ولاسيما ونحن المسلمين نعيش في انْهزامية وتسلطٍ من الكفار على كثيرٍ من بلدان المسلمين، ولابدَّ فيه من الاجتماع، والألفة، والْمَحبة لننتصر فيه على أعداء الإسلام أولاً من اليهود، والنصارى، وغيرهم من أهل الملل الباطلة، ثُمَّ بعد ذلك نناقش القضايا، والمفاهيم الَّتِي اختلفت فيها وجهات النظر بكونِها صحيحةً أو خاطئة, نرجو بيان الحق في هذه المسألة الَّتِي وقع فيها كثيرٌ من الشباب، وهل يا شيخ يصح أن نطلق على كل من خالف الكتاب والسنة من المسلمين بأنَّه منافق، وأنَّه عدو للإسلام من الداخل, وجزاكم الله خيرًا؟
ج3- الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
وبعد: الردود واجبةٌ بوجوب الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، فكما أنَّه لايجوز لنا أن نقرَّ الباطل مهما كان نوعه؛ سواءً كان في الأخلاق أو في المعاملات أو في العبادات أو في العقائد وهو الأهم, والله عز وجل قد مدح أمَّة محمدٍ ج بثلاث خصال: وهي الإيْمان بالله أولاً، والأمر بالمعروف ثانيًا، والنَّهي عن المنكر ثالثًا؛ فقال جلَّ من قائل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: من الآية110]. وكما مدح الله أمَّة محمدٍ ج بِهذه الخصال، فقد ذمَّ أهل الكتاب بتركها، فقال عن أهل الكتاب: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ -78, كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة:78-79].
وقد ذمَّ الله عز وجل الكاتمين ولعنهم في قوله -جلَّ من قائل-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ -159, إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة:159-160].
ومن هذه الأدلة نعلم أنَّ الردود الَّتِي تقع إنَّما تقع على أقوامٍ أخطأوا في العقيدة أو في غيرها, فأدخلوا في الإسلام ما ليس منه؛ أحلوا حرامًا أو حرموا حلالاً أو أباحوا ممنوعًا أو سكتوا عن الشرك، وغضوا الطرف عن أهله, أو ابتدعوا بدعةً في الدين حتى يظنُّ الظان أنَّ تلك البدع من الدين.
فمن أجل ذلك ردَّ أقوامٌ من السلفيين على أقوامٍ من المبتدعة، وبينوا الأخطاء الَّتِي وقعوا فيها, سواءً كانت في العقيدة أو في المعاملات أو في العبادات، وإنَّ هؤلاء الذين فعلوا ذلك، وكلفوا أنفسهم بالرد إنَّما فعلوا ذلك بيانًا للحق، ودفعًا للباطل، وذودًا عن الدين، وحمايةً له من أن يدخل فيه ما ليس منه، فهؤلاء قد فعلوا ما أمر الله به، ولَم يكن منهم اعتداء على أحد ولا خروجٌ عن الحق، وإنَّما أرادوا أن يفهم الناس الحق، ويبتعدوا عن الباطل، فمن يخطئهم فهو المخطئ، ومن يضلِّلهم فهو الضال.
أمَّا قول القائل: بأنَّه يجب علينا أن نجتمع، وأن نتآخى، فنقول لهم: على أي شيءٍ نجتمع؟!! فالله عز وجل أمرنا أن نجتمع على الحق، ولَم يأمرنا أن نجتمع على الباطل، والله عز وجل أمرنا أن نكون أمَّةً واحدة كما كان أصحاب رسول الله ج أمَّةً واحدة؛ علمًا بأنَّ أصحابه كان فيهم المنافق، وكان يعاديهم اليهود، والنصارى، والصابئون، والمشركون الوثنيون، وقد قال عز وجل : ﴿يَأَيُّهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التحريم:9].
وما هذه إلاَّ خدعةٌ، وما هذا إلاَّ تضليل حينما يقال إنَّه لاينبغي أن يرد بعضنا على بعض؛ لأنَّ في ذلك شقٌّ للصف، وإظهارٌ للعداوة فيما بين المؤمنين. وهؤلاء منهم من يقول: هذا خداعًا، وهو يعلم أنَّ الحق في غيره، ومنهم من يقول هذا تقليدًا لغيره، ومحاكاةً لمن يقول هذا القول؛ لأنَّ هذا القول ربما انطلى على من لا يعلم، فظنَّ أنَّه حق وهو باطل، وظنَّ أنَّ من قاله ناصحًا، وهو إنَّما قاله ليكيد به الإسلام، ويضر به الدين، فلو سكت أهل الحق والمعرفة حتى يستفحل أمر المبتدعة لكان في ذلك ضرر عظيم.
وما نصر الله نبيه، وأصحاب نبيه إلاَّ لأنَّهم نصروا الحق على أنفسهم أولاً، وعلى غيرهم ثانيًا والله تعالى قد قال: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7].
فإذا نصرنا الله على أنفسنا، وعلى من سوانا نصرنا الله، وإذا خذلنا الحق، وكتمنا ما أمرنا الله بأن نبلغه للناس فإنَّا نكون حينئذٍ قد تعرضنا لغضب الله، وقد قال النَّبِي ج: (إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)([8]) رواه الإمام الترمذي؛ قال أبو عيسى الترمذي: وفي الباب عن عائشة، وأم سلمة، والنعمان بن بشير وعبد الله بن عمر، وحذيفة وهذا حديث صحيح.
فلا يستقيم الدين إلاَّ بالتناصح، والتواصي بالحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقد قال الله عز وجل : ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [هود:116].
وبِهذا نعلم أنَّ الردود الَّتِي تكون في محلها حقٌّ، وبِها تكون إقامة الدين، ومن قال خلاف ذلك حكم عليه بالضلال؛ لأنَّه بكتمان الحق أراد أن يستفحل الباطل؛ نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، والسداد.
ما يحسن أن يستدل به في هذا المقام أنَّ الله عز وجل عاقب أصحاب نبيه في غزوة أحد حين تركوا الجبل الذي أمرهم رسول الله ج بالبقاء فيه بقوله ج: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم، وأوطأناهم، فلاتبرحوا حتى أرسل إليكم فهزموهم)([9]) رواه البخاري. وقد كانوا لمَّا رأوا النَّصر، فحصل فيهم الاختلاف والانْهزام فعاتبهم الله في ذلك بقوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ -152, إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران:152-153]. وما حصل لأصحاب النَّبِي ج أيضًا يوم حنين من الانْهزام بسبب كلمةٍ قالوها: لن نغلب اليوم من قلة، وقد عاتبهم الله عز وجل في ذلك أيضًا بقوله جلَّ من قائل: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ -25, ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: من الآية25-26].
والمهم أنَّه ما استنْزل النَّصر بمثل طاعة الله، وإنَّ الردود على أصحاب الباطل، ورد الحقِّ إلى نصابه، وبيانه لمن يجهله لهو الحق والطاعة الَّتِي يستنْزل بِها النصر.
أمَّا الكثرة مع وجود المعاصي، والبدع، فإنَّها داءٌ وبيل، وموجبةٌ لغضب الله عز وجل وذلك حرمانٌ من خير الدنيا، ومن ذلك النصر على الأعداء، وعزة أهل الحق بالحق الذي يحملونه، وحرمان أيضًا من الظفر، والفلاح في الآخرة، والفوز فيها بتثقيل الموازين، والمرور على الصراط، والنجاة من النار، ودخول الجنة.
وأقول: المخالفون للكتاب والسنة أنواع, منهم: من يقصد المخالفة، ويدعو إلى الباطل، وإذا دعي إلى الحق أبى، وأعرض، ونفر، فهو يعيب دعاة الحق، ويتهمهم بالضلال، والغواية, مع أنَّه هو الضال، وهو الغاوي، فهذا لا شك أنَّه منافق.
وقول من قال: أنَّ من يكون هكذا هو عدوٌّ للدين من داخله, قولٌ صحيح.
أمَّا من وقع في الخطأ جهلاً منه، وإذا روجع رجع، وإذا تبيَّن له الحق قبله، فهذا لاينبغي أن يوصف بأنَّه منافق؛ وإنَّ المشايخ الذين يقولون هذا القول أنَّ للدين عدوًَّا من الداخل لايقولونه إلاَّ عن علم, ولايقصدون به إلاَّ أعداء الدين الحق من دعاة البدع والضلال؛ الذين يصرون على الباطل وهم يعلمون أنَّه باطل؛ يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف؛ فمن أمر بالتحزب، فقد أمر بمنكر، ومن أمر بمتابعة أهل البدع، فقد أمر بمنكر، وهو جديرٌ بأن يقال فيه بأنَّه منافق، وأنَّه عدوٌّ للدين الحق.
أمَّا قول القائل بأنَّهم يطلقون على كل من خالف بأنَّه منافق، فهذا القول ليس بصحيح، وإنَّما يطلقون النفاق على من مضى وصفهم، فتجدهم لو أراد أحدٌ أن يرجع عن الباطل، وعن التحزب، وعن البدع لاموه، وذموه وعصَّبوه، وحزَّبوه ليصر على ذلك الباطل الذي هو فيه، فهؤلاء دعاة ضلالة، وهم في الحقيقة أعداء للدين؛ أعداء للتوحيد؛ أعداء للسنة؛ أعداء للمنهج السلفي شاءوا أم أبوا.
هذا ما نعلمه، وندين الله به بعد تجربة، وبعد سبر للأمور؛ عرفنا من خلال ذلك السبر وتلك التجربة؛ أنَّ أولئك الأعداء من الداخل يهدمون أكثر مما يصلحون، ويضرون أكثر مما ينفعون، ويفسدون وهم يحسبون أنَّهم يحسنون، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
منقول بنصه من كتاب : الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية