مقدمة كتاب" أبو الحسن يدافع بالباطل والعدوان عن الإخوان(1 ) ودعاة حرية ووحدة الأديان"
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد :
فإنَّ أصل هذا البحث الذي ستقرؤه -بإذن الله- قد نشرته في الثاني عشر من شهر محرم عام (1427هـ) للرد على كتاب أبي الحسن المصري المأربي الذي سماه بـِ (الدفاع عن أهل الاتباع)( 2) يعني بأهل الاتباع: سيد قطب والإخوان المسلمين الخليط العجيب من الصوفية والروافض والخوارج وعلى رأس هذا الخليط حسن البنا والغزالي والترابي والغنوشي الذين صدعوا بالدعوة إلى حرية الأديان وأخوة الأديان ووحدة الأديان، وسيأتيك بيان هذا واضحًا في هذا البحث.
وكذلك يعني به سيد قطب الذي يقول بوحدة الوجود والحلول والجبر وخلق القرآن، وينكر رؤية الله، ويقول بالاشتراكية ويقول بأن الإسلام هو العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من الشيوعية والمسيحية مزيجًا كاملًا يحقق أهدافهما، ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال.
ويمدح عقيدة النيرفانا الهندوكية، ويمدح أهلها، ويذب عنهم، وعقيدتهم تشمل وحدة الوجود والحلول وعقيدة التناسخ إلى غير ذلك من العقائد الباطلة.
وقد بينتُ ذلك في عدد من كتاباتي ومنها «أطوار سيد قطب في وحدة الوجود»، وبينتُ أنه كان يقررها في نَظمه ونثره بدءًا من عام (1935م) أي في حدود عام (1355هـ) إلى أواخر حياته، كما قررها في كتابه «الظلال» الذي ألّفه في أواخر حياته.
ومن بلاياه: سخريته بنبي الله موسى عليه الصلاةوالسلام ,وطعنه في الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه وفي عدد كثير من الصحابة، وخاصة معاوية وعمرو بن العاص رضى الله عنهما، حيث وصفهما بالخيانة والنفاق والغش وشراء الذمم، وغير ذلك من الأوصاف الذميمة.
وكذلك يدافع أبو الحسن عن جماعة التبليغ الذين يبايعون على أربع طرق صوفية: الجشتية والقادرية والنقشبندية والسهروردية، وكلها تشتمل على عقيدة وحدة الوجود والحلول والشركيات والبدع.
ودافع عن أشخاص معروفين مثل عدنان عرعور والشايجي وغيرهما ممن يدورون في فلك سيد قطب، يدافع هذا الرجل عن هذه الأصناف بالتمويهات والسفسطات والخيانات والإلزامات الفاجرة مناهضة ومراغمة لأهل السنة السلفيين، ويدعي مع هذه المخازي أنه سلفي!
ويرمي من ينتقد هذه الأصناف بأنهم شُذاذ وغلاة وخارجون عن منهج السلف، وقال في ربيع بأنه «قد اشتهر في هذا الزمان بالغلو والإسراف ومجانبة سبيل الإنصاف، بل سقط في الإجحاف والاعتساف وإن احمرت أنوف البغاة الغلاة»، إلى أن قال: «ومع علمي بأن هذا أمر شبه مستغرب على كثير من الناس، لا سيما المتعصبة وأهل الهوى والإفلاس»، إلى طعن شديد لا يطيقه مسلم، انظر «الدفاع عن أهل الاتباع»، (2/244-245).
فالإخوان المسلمون وجماعة التبليغ وقياداتهم وسيد قطب وأمثالهم عند أبي الحسن من أهل الاتباع.
وأهل السنة الذين يصفهم بهذه الأوصاف عنده من أهل الابتداع، بل ينسب إلى ربيع أقوالًا كفرية كبرى، يفتريها ويخترعها بطرقه القبيحة من الخيانات والبتر وتقليب الحقائق؛ الأمور التي يخجل من اختراعها غير المسلمين فضلًا عن المسلمين.
ومن عجائبه وسفسطاته أنه يستنكر وصف سيد قطب -الذي تردى في كثير من البدع الكبرى التي ذكرت بعضها للقارئ- يستنكر وصفه بالبدعة والضلال، انظر «الدفاع» (2/368).
ويصف أهل السنة بأوصاف أشد من التبديع، ويقول للصحفي الذي يحاوره:
«ومن سميت من الغائبين( 3) هم مختلفون من قبل الملتقى مع إخوانهم، ثم اختلفوا مع أنفسهم، وذلك لأنهم ينحون نحو الغلو والتطرف، كتبديع الناس، وسَبِّهم، ولعنهم، والتشويه لصورة المخالف وإن كان أهدى منهم سبيلًا وأقوم قيلا، وعدم قبول أي حق من المخالف، والقبول المطلق من الموافق بعجره وبجره، لاسيما إذا كان كبيرًا فيهم(4 )، وهذا انحراف عن الاتجاه السلفي الصحيح.. وجمهور السلفيين على الجادة، وسارت قافلتهم نحو الاعتدال والوسطية»( 5).
أقول: إن التبديع بالحق وعلى منهج السلف الصالح يُعتبر غلوًا وتطرفًا في منهج أبي الحسن ولو كان هذا التبديع لغلاة الصوفية وأهل وحدة الوجود والحلول، ولو كان للطاعنين في الكثير من الصحابة الكرام، وكثير من هؤلاء الذين يبدعهم السلفيون واقعون في الشركيات والبدع الكبرى والضلالات، فهل يوجد حرب على أهل السنة والحق أشد من هذه الحرب وهذه الأراجيف؟
أليس هذا تعطيلًا لأحكام الشريعة وتحريمًا لما أحله الله بل أوجبه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمييز بين الحق والباطل؟
ويقول في ذمهم وتشويه منهجهم: «لأن هذا الفكر الذي شذُّوا به فكر انشطاري, فِكْرُ تآكلٍ لا منهج تكامل، فكر عدواني، وليس منهج رحمة وشفقة، أو تسديد ومقاربة، وقد رددت على فكرهم المخالف للأدلة في مجلدين (الدفاع عن أهل الاتباع).. وقد استرحنا حقيقة من فكر هذه الطائفة من وقت قديم، ونحن مشغولون بقضايا المجتمع الذي نعيش فيه، لا قضايا وهمية، أو نقيم الولاء والبراء على مسائل فرعية جزئية، وليس من المعقول أن يطغى فرع على أصل، أو تطغى جزئية على كلية»( 6).
قال الإمام أبو إسماعيل الصابوني في «عقيدة السلف» (ص121):
«وإحدى علامات أهل السنة: حُبُّهم لأئمة السنة وعلمائها وأنصارها وأوليائها وبغضهم لأئمة البدع الذين يدعون إلى النار، ويَدُلُّون أصحابهم على دار البوار، وقد زيَّن الله سبحانه قلوبَ أهل السنة ونوَّرها بحب علماء السنة فضلًا منه ۴».
أقول: فحال أبي الحسن عكس حال أهل السنة، فهو يحب أهل الضلال والبدع، ويدافع عنهم بالباطل، ويصفهم بأهل السنة وبعضهم بالسلفيين، ويحارب أهل السنة وأنصارها والذابين عنها ويصفهم بصفات قبيحة لا يصف بشيء منها أهل البدع؛ كوصفهم بالغلو والشذوذ و..و..و...
فهل يُعَدُّ سلفيًّا منصفًا من يتولاه، ويذب عنه بالباطل، ويفرض سلفيته على السلفيين فرضًا، ويرى أن نقد أبي الحسن وأمثاله وبيان أحوالهم غلوًا ؟
ألا ترى كيف يصف السلفيين بهذه الأوصاف القبيحة، ولا يصف بها أهل البدع والروافض وسائر الأحزاب العلمانية، وليس له أي مقاومة ضدهم، إنما يقاوم ويحارب السلفيين، ومنها كتابه المليء بالكذب والخيانات والفجور (الدفاع عن أهل الاتباع)، وإنما هو دفاع ظالم عن أهل الضلال والابتداع بما فيهم أهل الحلول ووحدة الوجود ووحدة الأديان.
ومما يصف به السلفيين دعاة الحق ودعاة الاجتماع الصحيح؛ الاجتماع على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح يصفهم بأنهم أهل شذوذ وأهل فكر انشطاري، وهذه أوصافه وأوصاف سادته الإخوان والقطبيين وأوصاف عصابته الماكرة مثل عدنان عرعور والمغراوي والحويني ومحمد حسان ومن ورائهم أهل جمعية إحياء التراث وأهل جمعية البر وغيرهم من الذين يبذلون الأموال لهذه الطائفة الشاذة اللابسة لباس السلفية لتمزيق السلفيين وتشطيرهم في كل مكان بنشاطاتهم وأصولهم الفاسدة، فهذه أوصافهم وأعمالهم المخزية(7 )؛ ينسلون منها ويصفون بها الأبرياء، «رمتني بدائها وانسلت»، والواقع أكبر شاهد، والأدلة كثيرة وقاطعة عند المنصفين، وأما الأوغاد فلا عبرة بهم.
فكل سلفي صادق يعلم أن هذه الصفات والأعمال المفسدة في الأرض إنما هي صفات الإخوان المسلمين والقطبيين، وهذه العصابة المكونة من أبي الحسن ومن ذكرنا من الممزقين المفرقين.
ومن منهج سيد قطب المدمِّر ومنهج تلاميذه نشأت عدة فرق:
منها ما يسمى بالجهاد، ومنها جماعة القاعدة، ومنها السروريون، ومنها الجهاديون في الجزائر والصومال وغيرهما، وجماعة حماس، والبرقاوية.
وقد أوسعوا الأمة تفريقًا وتمزيقًا وتكفيرًا وتفجيرًا ودمارًا وتعاونًا مع الروافض، بل كثير منهم أدوات بأيدي الروافض.
وهذه المخازي كلها عند أبي الحسن توسط واعتدال، وإذا تظاهر بالإنكار على بعضهم وردّ عليهم فبأدب ولين دون بيان للأسباب الحقيقية والمنابع الخطيرة لمنهجهم وأفاعيلهم.
ورده هذا مبني على أمرين:
الأول: تظاهر الإخوان المسلمين والقطبيين بالاستنكار لهذه الأعمال.
والأمر الثاني طبّق فيه القاعدة الإخوانية القطبية: «فريق يُفجِّر وفريق يستنكر».
من هذين الأمرين انطلق أبو الحسن وبهما تشجع على الإنكار المغشوش.
وبلغني أنه تألم من طبع كتابه «التفجيرات» ونشره، في الوقت الذي يفتخر فيه ويتباهى بكتابه «الدفاع عن أهل الاتباع»، والحق أنه دفاع عن أهل الضلال والابتداع وافتراء على أهل الحق والاتباع.
فهو كمن يسمي الخمر بغير اسمها، ويدافع عنها، ويسميها الشراب الروحي.
قال النسائي رحمه الله في «سننه» (8/312) حديث (5658): «أخبرنا محمد بن عبد الأعلى عن خَالِدٍ وهو ابن الحرث عن شُعْبَةَ قال: سمعت أَبَا بَكْرِ بن حَفْصٍ يقول: سمعت ابن مُحَيْرِيزٍ يحدث عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلَّم عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: «يَشْرَبُ نَاسٌ من أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا»، حديث صحيح وأورده الألباني في «الصحيحة» رقم (90) وصححه وساق له شواهد.
فأبو الحسن يسمي الابتداع اتباعًا، ويسمي أهل الضلالات والابتداع أهل السنة، فهو يسميهم بغير اسمهم، ويستميت في الدفاع عنهم، ( فاعتبروا يـا أولي الأبصار ) .
كل هذا وهو يزعم للناس أنه سلفي، وأنه على منهج السلف ومن حماته!
ومع الأسف أنَّ هناك من الناس من يشجعه ويدّعي له السلفية!
فهل عُرف في تأريخ أهل السنة من يدافع عن مثل هذه الأصناف وبمثل أساليبه المنكرة التي مرّ بعضها ؟!
لا يُستغرب أن ينبري للدفاع عنهم صوفي يقول بوحدة الوجود والحلول.
ولا يُستغرب من رافضي محترق أن يدافع عنهم.
ولا يُستغرب أن ينبري واحد من غلاة الإخوان أو التبليغ فيدافع عنهم.
أما شخص يدَّعي السلفية يقوم بهذه الأعمال، ويبذل مجهودًا كبيرًا في تتبع أشرطتي الكثيرة التي أدعو فيها إلى التمسك بالكتاب والسنة، وأفند فيها البدع، وأحذر منها، ومنها بدع جماعة التبليغ وحزب الإخوان المسلمين، يتتبعها شريطًا شريطًا يستخرج منها بطرقه الخائنة العديمة النظير( 8) ما يقذفني به من الفواقر؛ ليدافع عن أهل الباطل والضلال، ويخفي ما في هذه الأشرطة من الحق والسنة الساطعة ليشوهها وصاحبها وليحول بين الناس وبين ما فيها من دعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة والعقائد والمناهج الصحيحة والتحذير من البدع التي حذر الله منها في كتابه وحذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في سنته، وحذّر منها السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة ومن اتبعهم بإحسان، كل هذه الأعمال الخطيرة يرتكبها ليدافع عن البدع الكبرى وأهلها ويسميهم بأهل الاتباع، ويصف من يُبينها ويحذر الناس من شرورها وعواقبها بأقبح الأوصاف التي يأنف شرار أهل البدع منها، ويخرج على الناس بمجلدين كبيرين دفاعًا عن هؤلاء وبطرق لا يسلكها حتى غلاة أهل البدع من التمويهات والخيانات والإلزامات الباطلة، فهذه الأعمال من أعجب عجائب هذا الزمان!
ومع هذه الغرابة، فالرجل لم يسلك طريق أهل العلم أو حتى طريق أهل الباطل في الأخذ والرد وسوق ما يراه من الحجج أو الشبه أو نفي ما أدينهم به من البدع والضلال.
بل سلك طريقًا غريبًا انفرد به، وهو أنه يرى أن مجرد سياق الكلام المنتقد وبيانه من هذا أو ذاك أو ذكر منهج هذه الجماعات وعقيدتها أو تلك يراه جريمة وتكفيرًا من خلال إلزاماته الباطلة!، فإذا سقت كلامًا لشخص معين وبينت ما فيه من الضلال فهذا عنده من تكفير المعين ومخالف لمنهج السلف وغلو مع أنَّك لم تصرح بالتكفير!!
لقد رأى الإخوان المسلمون وجماعة التبليغ كتاباتي، وسمعوا مقالاتي، وفيهم كُتَّاب، ولهم أقلام، لكنهم لما رأوا الحقائق الناصعة والحجج الدامغة ابتعدوا بأنفسهم عن مواجهة الحقائق، وخجلوا أن يتباكوا تباكي أبي الحسن لأن ذلك عندهم لا يغير من الواقع شيئًا، فهم على علاتهم أعقل وأنبل من أبي الحسن الذي نصَّب نفسه كالنائحة الثكلى على مصاب الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وغيرهم من أهل الأهواء.
أنا لا أذكر أني كفّرت شخصًا معينًا، لكن هذا الرجل يدّعي زورًا أني كفّرت فلانًا وفلانًا بعينه بمجرد نقل كلامه وبيان ما فيه، وهذا العمل عنده مخالف لمنهج السلف، يرافق ذلك طعن وتهويش.
فأرى أن أسوق له بعض النماذج من تكفير بعض أئمة السلف لأشخاص معينين لا يوجد فيهم من الضلال مثل ما عند سيد قطب والبنا والغزالي والترابي كما سيرى القارئ في هذا البحث:
1- روى البخاري في كتاب «العلم» حديث (122)، ومسلم في الفضائل حديث (2380) بإسنادهما إلى سعيد بن جبير قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: «إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى عليه الصلاة والسلام صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ليس هو مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ عليه السَّلَام، فقال: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ».
فهذا في مذهب أبي الحسن غلو في التكفير وصادر ممن لم يضبط لسانه إلى آخر أوصافه التي يصف بها أهل السنة المدافعين عن دين الله الحق، لكن العلماء لم يصلوا إلى ما وصل إليه أبو الحسن من إدراك المنهج الواسع العميق، ولم يصلوا إلى ما وصل إليه أبو الحسن من الغيرة والحماس لأهل البدع ومحاربة من ينكر بدعهم فقالوا : هذا الكلام إنما قاله ابن عباس مبالغة في إنكار قوله(9 )، لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة.
وهناك عدد من الصحابة منهم عمر بن الخطاب ﭬ وصفوا عددًا من أعيان المسلمين بالنفاق، ولم يصفهم رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا أحد من الصحابة، ولا أحد من علماء الأمة بأنهم غلاة في التجريح والتكفير، ولم يثر عليهم أحد على امتداد التأريخ الإسلامي، لكن منهج أبي الحسن يقتضي رميهم بالغلو في التكفير لا سيما وهو الرجل الهمام القائم بالعدل، فإذا ذهب أبو الحسن يعتذر لهؤلاء بأي عذر فهو عذرنا مع أننا لم نُصرح بتكفير أحد، فعليه أن يتوب إلى الله من الدفاع عن أهل الباطل بهذه الضراوة والشراسة الغريبة المهلكة.
2- قال الإمام البخاري في «خلق أفعال العباد»:
«42- وقال عبد الحميد: جهم كافر بالله العظيم.
43- وقال وكيع: أحدثوا (10 ) هؤلاء المرجئة الجهمية، والجهمية كفار والمريسي جهمي وعلمتم كيف كفروا قالوا يكفيك المعرفة وهذا كفر والمرجئية يقولون الإيمان قول بلا فعل وهذا بدعة، فمن قال القرآن مخلوق فهو كافر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام يستتاب وإلا ضربت عنقه.
44- وقال وكيع: على المريسي لعنه الله يهودي هو أو نصراني، قال له رجل: كان أبوه أو جده يهوديًّا أو نصرانيًّا قال وكيع: عليه وعلى أصحابه لعنة الله، القرآن كلام الله، وضرب وكيع إحدى يديه على الأخرى.
57- وسئل وكيع عن مثنى الأنماطي فقال: كافر.
58- وقال عبد الله بن داود: لو كان لي على المثنى الأنماطي سبيل لنـزعت لسانه من قفاه وكان جهميًا.
74-وحدثني أبو جعفر قال: حدثنا أحمد بن خالد الخلال قال: سمعت يزيد بن هارون وذكر أبا بكر الأصم والمريسي فقال: هما والله زنديقان كافران بالرحمن حلالي الدم» اهـ.
فهؤلاء الأئمة الذين نقل عنهم الإمام البخاري هذه الأحكام في أهل بدع معينين يُعتبر هؤلاء الأئمة في منهج أبي الحسن من الغلاة والشذاذ ومن كبار المكفرين.
3- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (4/96):
«وَإِذَا تَدَبَّرَ الْعَاقِلُ وَجَدَ الطَّوَائِفَ كُلَّهَا كُلَّمَا كَانَتْ الطَّائِفَةُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَقْرَبَ كَانَتْ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَعْرَفَ وَأَعْظَمَ عِنَايَةً وَإِذَا كَانَتْ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ أَبْعَدَ كَانَتْ عَنْهُمَا أَنْأَى حَتَّى تَجِدَ فِي أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ بَلْ رُبَّمَا ذُكِرَتْ عِنْدَهُ آيَةٌ فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْحَدِيثِ وَرُبَّمَا قَالَ: لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام كَذَا وَتَكُونُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَقَدْ بَلَغَنَا مِنْ ذَلِكَ عَجَائِبُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْنَا أَكْثَرُ.
وَحَدَّثَنِي: ثِقَةٌ أَنَّهُ تَوَلَّى مَدْرَسَةَ مَشْهَدِ الْحُسَيْنِ بِمِصْرِ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ رَجُلٌ يُسَمَّى شَمْسَ الدِّينِ الأصبهاني شَيْخَ الأيكي فَأَعْطَوْهُ جُزْءًا مِنْ الرَّبْعَةِ فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (ألمص) حَتَّى قِيلَ لَهُ: أَلِفٌ لَامٌ مِيمٌ صَادٌ.
فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْحُكُومَةَ الْعَادِلَةَ لِيَتَبَيَّنَ لَك أَنَّ الَّذِينَ يَعِيبُونَ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَيَعْدِلُونَ عَنْ مَذْهَبِهِمْ جَهَلَةٌ زَنَادِقَةٌ مُنَافِقُونَ بِلَا رَيْبٍ(11 ).
وَلِهَذَا لَمَّا بَلَغَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ « ابْنِ أَبِي قتيلة « أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِمَكَّةَ فَقَالَ: قَوْمُ سَوْءٍ. فَقَامَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - وَهُوَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ. وَدَخَلَ بَيْتَهُ. فَإِنَّهُ عَرَفَ مَغْزَاهُ».
وقد نقل هذا الكلام عن الإمام أحمد كل من الهروي في «ذم الكلام» برقم (233)، وابن عبد الهادي في «بحر الدم» برقم (1267).
فما رأي أبي الحسن في الإمام البخاري ومن نقل عنهم وفي الإمامين أحمد وابن تيمية هل هم تكفيريون غلاة لأنهم خالفوا مذهبه فيكفرون أناسًا بالتعيين؟! إن أبا الحسن ليحامي عن أناس فيهم من هو أسوأ من هؤلاء الذين حكم عليهم الأئمة بهذه الأحكام العظيمة التي لا يطيقها الغيورون على أهل الضلال.
4- وقال الإمام ابن بطة رحمه الله في أهل البدع والضلال:
«هم شعوب وقبائل وصنوف وطوائف أنا أذكر طرفًا من أسمائهم وشيئًا من صفاتهم؛ لأن لهم كتبًا قد انتشرت ومقالات قد ظهرت( 12)، لا يعرفها الغرّ من الناس ولا النشأ من الأحداث تخفى معانيها على أكثر من يقرؤها فلعل الحدث يقع إليه الكتاب لرجل من أهل هذه المقالات قد ابتدأ الكتاب بحمد الله والثناء عليه والإطناب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتبع ذلك بدقيق كفره وخفي اختراعه وشرّه فيظن الحدث الذي لا علم له والأعجمي والغمر من الناس أن الواضع لذلك الكتاب عالم من العلماء أو فقيه من الفقهاء ولعله يعتقد في هذه الأمة ما يراه فيها عبدة الأوثان ومن بارز الله ووالى الشيطان.
فمن رؤسائهم المتقدمين في الضلال منهم: الجهم بن صفوان الضّال.
وقد قيل له وهو بالشام: أين تريد فقال: أطلب ربًّا أعبده، فتقلد مقالته طوائف من الضُّلال، وقد قال ابن شوذب: ترك جهم الصلاة أربعين يومًا على وجه الشك.
ومن أتباعه وأشياعه: بشر المريسي والمردار وأبو بكر الأصم وإبراهيم بن إسماعيل ابن علية وابن أبي دؤاد وبرغوث وربالويه والأرمني وجعفر الحذّاء وشعيب الحجام وحسن العطار وسهل الحرار وأبو لقمان الكافر في جماعة سواهم من الضلال وكل العلماء يقولون في من سميناهم أنهم أئمة الكفر ورؤساء الضلالة».
إلى أن قال رحمه الله : «ومن خبثائهم ومن يظهر في كلامه الذّبّ عن السنّة والنصرة لها وقوله أخبث القول: ابن كُلَّاب وحسين النجار وأبو بكر الأصم وابن علية(13 ) أعاذنا الله وإياكم من مقالتهم وعافانا وإياك من شرور مذاهبهم»( 14).
ومثل هذا الكلام لا يحتمله أبو الحسن لأنَّ فيه غلوًّا وشذوذًا... إلى آخر التهم التي يقذف بها هذا الرجل السلفيين أهل الحديث والمنهج السلفي.
وقد تداول أهل السنة هذه الأقوال مع احترام قائليها ومحبتهم وموالاتهم، فإذا كنا ننقل أقوال أهل البدع بنصوصها من كتبهم بدون أحكام فيثور علينا أبو الحسن المأربي ثورة عارمة عديمة النظير تفوق التبديع والطعون والتجديع والتشنيع فهل يُسلِّم لهؤلاء الأئمة؟
هذا بعيد جدًّا لأنه يتنافى مع طبعه ومنهجه الواسع الأفيح وغيرته الشديدة على أهل البدع .
ولقد طلب علماء السوء من شيخ الإسلام أن يعتقد نفي الجهة والتحيز عن ذات الله، وأن لا يقول القرآن حرف وصوت قائم بالله، بل هو معنى نفسي قائم بذات الله، وأنه لا يشار إليه بإشارة حسية بالأصابع، ويطلبون منه أن لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، وأرسلوا بذلك أميرين.
فلما جاء الأميران بهذه المطالب الباطلة رفض تلبية مطالبهم، وردّ عليهم ردًّا علميًّا قويًّا يبين الحق ويدحض شبههم.
قال: «فأخذا الجواب وذهبا فأطالا الغيبة، ثم رجعا ولم يأتيا بكلام محصل إلا طلب الحضور، فأغلظت لهم في الجواب وقلت لهم بصوت رفيع: يا مبدلين يا مرتدين عن الشريعة يا زنادقة(15 )، وكلامًا آخر كثيرًا، ثم قمت وطلبت فتح الباب والعود إلى مكاني. وقد كتبت هنا بعض ما يتعلق بهذه المحنة التي طلبوها مني في هذا اليوم، وبينت بعض ما فيها من تبديل الدين، واتباع غير سبيل المؤمنين، لما في ذلك من المنفعة للمسلمين، وذلك من وجوه كثيرة»، «الفتاوى الكبرى»، (5/6).
ثم سرد تلك الوجوه.
فماذا سيفعل الأسد الهصور أبو الحسن بابن تيمية الذي حكم على رجلين معينين بالردة عن الشريعة وبتبديل الدين وبالزندقة؟
أقول: لقد كان علماء السلف من أقوى الناس تقوى وورعًا وزهدًا وعدلًا وإنصافًا ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا رأوا طغيان أهل البدع وانتشار ضلالهم وانخداع بعض الناس بهم شمروا عن ساعد الجد في قمع أهل الباطل بالحجج والبراهين، مع التحذير الشديد منهم، ذبًا عن حياض دين الله الحق، لئلا يطمس معالمه دعاة الضلال الجاهلين الباغين، وقد يشتد بعضهم في قمعهم والأحكام عليهم.
ويعتبرون ذلك جهادًا في سبيل الله، بل ذلك عندهم أفضل من الجهاد كما صرح بذلك بعض أئمتهم الكبار.
ولم يهبَّ أحد لمحاربتهم والطعن فيهم بالأكاذيب والافتراءات إلا بعض غلاة أهل البدع، لكنهم لم يبلغوا في هذا مبلغ من لبس لباس السنة زورًا وبهتانًا ليتمكن من ضرب السنة وأهلها بسيف السنة المزعوم، تطبيقًا للقاعدة اليهودية «اضرب الإسلام بسيف الإسلام».
ولقد أرهف أبو الحسن هذا السيف ونزل يصول به ويجول على أهل السنة بأصول وأساليب وطرق لم تخطر ببال عتاة أهل البدع ولاسيما المنهج الواسع الأفيح الذي يسع أهل السنة من أمثاله ويسع الأمة كلها؛ ومنهم دعاة أخوة الأديان وحرية الأديان وأهل البدع الشركية ووحدة الوجود ووحدة الأديان(16 ).
كلام السلف في أهل البدع غير المُعَيَّنِين
قال الإمام البخاري في «خلق أفعال العباد»:
«5 - حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر البغدادي قال: سمعت أبا زكريا يحيى بن يوسف الزمي قال: كنا عند عبد الله بن إدريس فجاءه رجل فقال:
يا أبا محمد ما تقول في قوم يقولون القرآن مخلوق؟
فقال: أمن اليهود؟
قال: لا. قال: فمن النصارى؟
قال: لا. قال: فمن المجوس؟
قال: لا. قال: فمن؟
قال: من أهل التوحيد. قال:
ليس هؤلاء من أهل التوحيد؛ هؤلاء الزنادقة من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله مخلوق بقول ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فالله لا يكون مخلوقًا والرحمن لا يكون مخلوقًا والرحيم لا يكون مخلوقًا وهذا أصل الزنادقة من قال هذا فعليه لعنة الله لا تجالسوهم ولا تناكحوهم.
6 - وقال وهب بن جرير: الجهمية الزنادقة إنما يريدون أنه ليس على العرش استوى.
7 - وحلف يزيد بن هارون بالله الذي لا إله إلا هو: من قال إنَّ القرآن مخلوق فهو زنديق ويستتاب فإن تاب وإلا قتل.
8 - وقيل لأبي بكر بن عياش: إن قومًا ببغداد يقولون: إنه مخلوق فقال: ويلك من قال هذا؟ على من قال القرآن مخلوق لعنة الله، وهو كافر زنديق ولا تجالسوهم.
9 - وقال الثوري: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.
10 - وقال حماد بن زيد: القرآن كلام الله نزل به جبرائيل ما يجادلون(17 ) إلا أنه ليس في السماء إله.
11 - وقال ابن مقاتل: سمعت ابن المبارك يقول: من قال ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا ) مخلوق فهو كافر لا ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك» اهـ.
إلى أن قال رحمه الله : « 18- وقال سعيد بن عامر: الجهمية أشر قولًا من اليهود والنصارى قد اجتمعت اليهود والنصارى وأهل الأديان أن الله تبارك وتعالى على العرش وقالوا هم ليس على العرش شيء».
وقال رحمه الله : « 22- وقال علي( 18): ما ( 19) الذين قالوا إن لله ولدًا أكفر من الذين قالوا إن الله لا يتكلم وقال: احذر من المريسي وأصحابه فإن كلامهم يستجلب( 20) الزندقة وأنا كلمت أستاذهم جهمًا فلم يثبت لي أن في السماء إلهًا.
وكان إسماعيل بن أبي أويس يسميهم زنادقة العراق وقيل له: سمعت أحدًا يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: هؤلاء الزنادقة والله لقد فررت إلى اليمن حين سمعت العباس( 21) يكلم بهذا ببغداد فرارًا من هذا الكلام.
وقال علي بن الحسن: سمعت ابن مصعب يقول: كفرت الجهمية في غير موضع من كتاب الله قولهم إن الجنة تفنى وقال الله : ( إنَّ هذا لرزقنا ما له من نفاد ) فمن قال : إنها تنفد فقد كفر وقال : ( أكلها دائم وظلها ) فمن قال: إنها لا تدوم فقد كفر وقال: ( لا مقطوعة ولا ممنوعة ) فمن قال: إنها تنقطع فقد كفر وقال : ( عطاءً غير مجذوذ ) فمن قال: إنها تنقطع فقد كفر.
وقال: أبلغوا الجهمية أنهم كفار وأن نساءهم طوالق».
وقال رحمه الله : «وقال أبو الوليد: من قال القرآن مخلوق فهو كافر ومن لم يعقد قلبه على أن القرآن ليس بمخلوق فهو خارج من الإسلام».
قال أبو عبد الله: نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيت أضل في كفرهم منهم وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم»( 22) اهـ.
روى مسلم في كتاب الإيمان 1(8) بإسناده إلى يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أنَّه قال: « أَبَا عَبْدِ(23 ) الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ قَالَ فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ. ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ..» ثم ساق الحديث المعروف في الإسلام والإيمان والإحسان.
وقال الإمام اللالكائي في «شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة » (4/706-707):
«سياق ما روي من المأثور في كفر القدرية وقتلهم
ومن رأى استتابتهم ومن لم ير
روي عن ابن عباس أن كلام القدرية كفر.
وروي عن ابن عمر أنه لعنهم وتبرأ منهم ولا يجوز على ابن عمر أن يتبرأ من المسلمين.
وعن علي أنه قال لمن أنكر القدر فأقر به والله لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك.
وعن ابن عباس وابن عمر معناه.
- ومن التابعين:
عمر بن عبد العزيز ونافع بن مالك عن مالك الفقيه: يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا .
وروي عنه: ونفوا من ديار المسلمين.
وعن رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي أنهم أفتوا بقتلهم.
- ومن الفقهاء:
عن مالك بن أنس والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن العنبري يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا.
وعن سعيد بن جبير: القدرية يهود.
وعن الشعبي: القدرية نصارى.
وعن نافع مولى ابن عمر: القدرية يقتلون.
وحكى المزني عن الشافعي: أنه كفَّرهم .
وعن إبراهيم بن طهمان: القدرية كفار.
وعن أحمد بن حنبل مثل قول مالك وأبي ثور» اهـ.
وبإسناد اللالكائي إلى عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة قال: «سمعت نافعًا مولى ابن عمر يقول لأمير كان على المدينة: أصلحك الله اضرب أعناقهم يعني القدرية » (24 ).
وقال رحمه الله(1/178): « الجهمية كفار وأن الرافضة رفضوا الإسلام والخوارج مراق» اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (9/24): «فأذكياء طوائف الضلال إما مضللون مداهنون وإما زنادقة منافقون لا يكاد يخلو أحد منهم عن هذين».
وقال رحمه الله في (12/497) من المجموع: «هذا مع العلم بأن كثيرًا من المبتدعة منافقون النفاق الأكبر وأولئك كفار في الدرك الأسفل من النار فما أكثر ما يوجد في الرافضة والجهمية ونحوهم زنادقة منافقون بل أصل هذه البدع هو من المنافقين الزنادقة ممن يكون أصل زندقته عن الصابئين والمشركين فهؤلاء كفار في الباطن ومن علم حاله فهو كافر في الظاهر أيضا».
وقال -أيضًا- رحمه الله في «الفتاوى الكبرى» (3/167) في بيان أن التحليل بدعة: «...ومن لم تسعه السنة حتى تعداها إلى البدعة مرق( 25) من الدين، ومن أطلق للناس ما لم يطلقه لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع وجود المقتضي للإطلاق، فقد جاء بشريعة ثانية( 26) ولم يكن متبعًا للرسول، فلينظر امرء أين يضع قدمه».
وذكر رحمه الله في (3/168): «أن هذه الحيل أول ما ظهر الإفتاء بها في أواخر عصر التابعين، أنكر ذلك علماء ذلك الزمان، مثل أيوب السختياني، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، وعبد الرحمن بن مهدي».
وذكر علماء آخرين منهم الأوزاعي، إلى أن قال:
«ومعلوم أن هؤلاء وأمثالهم هم سرج الإسلام، ومصابيح الهدى، وأعلام الدين، وهم كانوا أعلم أهل وقتهم، وأعلم ممن بعدهم بالسنة الماضية وأفقه في الدين، وأورع في المنطق، وقد كانوا يختلفون في مسائل الفقه، ويقولون باجتهاد الرأي ولا ينكرون على من سلك هذه السبيل فلما اشتد نكيرهم على أهل الرأي الذين استحلوا به الحيل علم أنهم علموا أن هذه بدعة محدثة، وفي كلامهم دلالات على ذلك مثل وصفهم من كان يفتي بذلك بأنه يقلب الإسلام ظهرا لبطن، ويترك الإسلام أرق من الثوب السابري، وينقض الإسلام عروة عروة إلى أمثال هذه الكلمات».
فعلى مذهب المحامي عن أهل الحلول ووحدة الوجود ووحدة الأديان وأتباعهم والغلاة فيهم يكون هؤلاء الأئمة غلاة في التكفير، وفتحوا على الناس باب التكفير.
وذلك أن أبا الحسن يتقطع غيرة وحماسًا على أهل العقائد التي ذكرناها، فكيف سيكون موقفه ممن أطلق هذه العبارات على فقهاء أهل الرأي في زمانهم؟، فليت أبا الحسن وُجِد في ذلك العصر حتى يؤلف كتبًا في الدفاع عن أهل الاتباع وإعلان النكير على دعاة التكفير.
فما رأي أبي الحسن وأنصاره -الذين يرمون السلفية بالغلو- في البخاري واللالكائي وابن تيمية وفي الأئمة الذين نُقِل عنهم هذه الأحكام؟
فهل هم غلاة وشذاذ وأهل أهواء لأنَّهم خالفوا المنهج الواسع الأفيح الذي يسع الإخوان المسلمين ومن انضوى تحت رايتهم من الطوائف الضالة، ويسع جماعة التبليغ وطرقها الصوفية الغالية ويسع الأمَّة جميعًا؟!
ويقرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أصلين عظيمين لا يطيقهما أبو الحسن ومقدسيه من أهل البدع الكبرى.
قال رحمه الله في «مجموع الفتاوى»، (12/497-498) عن هذين الأصلين:
«أحدهما:
أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول، وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق، فنفي الصفات كفر، والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة، أو أنه على العرش، أو أن القرآن كلامه، أو أنه كلم موسى، أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر، وكذلك ما كان في معنى ذلك، وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث.
و«الأصل الثاني»:
أن التكفير العام كالوعيد العام يجب القول بإطلاقه وعمومه( 27)
وأما الحكم على المعين بأنه كافر، أو مشهود له بالنار: فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه».
أقول:
لقد صرّح شيخ الإسلام هنا أن إطلاق الكفر على المعين لا بد فيه من ثبوت شروطه وانتفاء موانعه، وهذا المذهب معروف عنه يعيده ويبديه رحمه الله ، لكنه لا يشترط ذلك في التكفير على وجه العموم، ومن يتتبع كلام أئمة الإسلام يجده موافقًا لكلام شيخ الإسلام، فهم يطلقون الكفر على الجهمية، وعلى من يقول القرآن مخلوق، وعلى من ينكر علو الله واستواءه على عرشه .
لكن الإمام الجهبذ أبو الحسن لا يوافقهم على هذا، بل لا يوافقهم على ما دونه؛ لأنه حامي حمى أهل البدع الكبرى بما في ذلك عقيدة الحلول ووحدة الوجود، فلا يجوز عنده أن تقول في من يطعن في الصحابة، ويعطل صفات الله، ويقول بالحلول ووحدة الوجود وأزلية الروح ويقول بخلق القرآن وبالاشتراكية، ويمدح النيرفانا عقيدة الهندوك، ويمدح أهلها، ويُكفِّر الأمة من فجر تأريخها، لا يجوز في شرعة أبي الحسن أن تطلق لفظ البدعة والضلال على من هذا حاله.
ولقد كنت آمل في أبي الحسن حين كتبت أصل هذا البحث ونشرته في تأريخه المشار إليه ( 28) أن يرجع إلى الحق الواضح المبين والاستسلام لله رب العالمين.
لكن لخذلانه لم يستفد مما في هذا البحث من الأدلة والبراهين، كعادته وأمثاله من المعاندين.
وأبى إلا أن يكون في الباطل من السادرين المعاندين، فذهب يرد عليَّ بمقال ملأه بالكذب والسفسطات وإنكار البدهيات، ثم استمر إلى يومنا هذا في الحرب والطعون الظالمة والشهادة لأهل الضلال بأنهم من أهل السنة وأن السواد الأعظم سلفيون!
وهذا يشمل كل الفرق، فيعطيهم هذه الأوسمة متحديًا للسلفيين السابقين واللاحقين ولمنهجهم الأمين، بل هو يحاربهم ويشوههم ويصفهم بأوصاف أهل الأهواء وأشد من ذلك.
وما يدري أن شهادته لا تقبل في بصلة ونحوها عند حماة هذا الدين والحكام العادلين؛ ذلك لأنه رجلٌ فيه من الأكاذيب والانحراف عن منهج الحق والصدق، وقد بينت ذلك أنا وغيري( 29) في عدد من المقالات، والكتب؛ أمثال الشيخ أحمد النجمي والشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري والشيخ أبو عمر العتيبي وعلماء السنَّة في اليمن وأدانه عدد من أهل السنة في المدينة وجيزان ومصر والجزائر وغيرها فشهاداته وتزكياته لا يقبلها ويفرح بها إلا أهل الأهواء والضلال.
ومن ظلم هذا الرجل ومجازفاته أنه يرمي السلفيين بالغلو؛ لأنهم ينتقدون الإخوان المسلمين وغيرهم من أهل البدع والأهواء ذبًا عن الدين ونصحًا للمسلمين.
والواقع أنه هو المنغمس في الغلو في الإخوان المسلمين وغيرهم، فهو يرفعهم فوق منازلهم، ويحارب من يبين فساد مناهجهم وأصولهم ويرميه بالغلو، ويضع الأصول الفاسدة هو وأمثاله لحمايتهم ولمواجهة من ينتقدهم من أهل السنة.
مثل:
1- «المنهج الواسع الأفيح»، الذي يسع أهل السنة ويسع الأمة كلها.
2- ومثل أصل: «لا يلزمني»، و«ما يقنعني»، يقول هذا لرد الأدلة والبراهين الواضحة وضوح الشمس عنادًا منه ومكابرة، وقد تابعه في هذه الأصول أناس ممن لا خلاق لهم، وذلك من الأدلة الواضحة على فساد فطرهم وفساد منهجهم وبعدهم عن السلف ومنهجهم في قبول الحق والتزامه ونصرته وإعلانه والذب عنه.
3- و«نصحح ولا نهدم»، وهو لا يصحح شيئًا من ضلالات أهل البدع؛ بل يحارب من ينتقدها ويبين الصحيح من الباطل منها، ويغلو في هذه الحرب، فيرتكب الأكاذيب والخيانات والظلم لهدم من يبين الضلال كما سترى في هذا البحث، وكما بينا ذلك في ردودنا السابقة عليه كـ«التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل» وغيره من المقالات التي تشفي صدور الناصحين الصادقين، فيصدق على هذا الرجل وأمثاله «رمتني بدائها وانسلت».
4- ومثل «حمل المجمل على المفصل»، الذي نقل البقاعي أقوال كثير من العلماء على إبطاله، ونقل الشوكاني الإجماع على إبطاله -أيضًا-، وعمل أئمة الجرح والتعديل يدل على خلافه، وهذه كتب الجرح متوفرة بأيدي الناس تدمغ حماة البدع وأهلها باختراع هذا المنهج الباطل.
5- ومثل منهج الموازنات الذي يستخدمه أبو الحسن بطرق ماكرة خلال ذبه الباطل عن أهل الأهواء، ثم هو لا يستخدم شيئًا من هذه الأصول وغيرها في حربه لأهل السنة .
فإن كان يرى أن هذه الأصول حق وعدل فلماذا لا توجد في حربه الطويلة العريضة لأهل السنة فإن العدل في الإسلام واجب على كل أحد ولكل أحد.
وأخيرًا: فإن هذه الأعمال العدوانية اضطرتني إلى نشر هذا البحث مرة أخرى مضيفًا إليه هذه المقدمة وبعض التعقبات مؤملًا أن تزيد أهل الحق المبصرين بصيرة وتوقظ النائمين منهم والغافلين المخدوعين.
وقد ميزت هذه التعقبات بأن وضعت كل تعقب بين قوسين للدلالة على إضافتها وأهميتها.
والله أسأل أن يزيدنا وكل أهل السنة الصادقين ثباتًا وبصيرة وحبًا للحق وذودًا عن حياضه وأن يأخذ بنواصي المسلمين جميعًا إلى الحق والهدى وأن يقشع عنهم غيوم الضلال والردى، إن ربي لسميع الدعاء.
أما بعد :
فإنَّ أصل هذا البحث الذي ستقرؤه -بإذن الله- قد نشرته في الثاني عشر من شهر محرم عام (1427هـ) للرد على كتاب أبي الحسن المصري المأربي الذي سماه بـِ (الدفاع عن أهل الاتباع)( 2) يعني بأهل الاتباع: سيد قطب والإخوان المسلمين الخليط العجيب من الصوفية والروافض والخوارج وعلى رأس هذا الخليط حسن البنا والغزالي والترابي والغنوشي الذين صدعوا بالدعوة إلى حرية الأديان وأخوة الأديان ووحدة الأديان، وسيأتيك بيان هذا واضحًا في هذا البحث.
وكذلك يعني به سيد قطب الذي يقول بوحدة الوجود والحلول والجبر وخلق القرآن، وينكر رؤية الله، ويقول بالاشتراكية ويقول بأن الإسلام هو العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من الشيوعية والمسيحية مزيجًا كاملًا يحقق أهدافهما، ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال.
ويمدح عقيدة النيرفانا الهندوكية، ويمدح أهلها، ويذب عنهم، وعقيدتهم تشمل وحدة الوجود والحلول وعقيدة التناسخ إلى غير ذلك من العقائد الباطلة.
وقد بينتُ ذلك في عدد من كتاباتي ومنها «أطوار سيد قطب في وحدة الوجود»، وبينتُ أنه كان يقررها في نَظمه ونثره بدءًا من عام (1935م) أي في حدود عام (1355هـ) إلى أواخر حياته، كما قررها في كتابه «الظلال» الذي ألّفه في أواخر حياته.
ومن بلاياه: سخريته بنبي الله موسى عليه الصلاةوالسلام ,وطعنه في الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه وفي عدد كثير من الصحابة، وخاصة معاوية وعمرو بن العاص رضى الله عنهما، حيث وصفهما بالخيانة والنفاق والغش وشراء الذمم، وغير ذلك من الأوصاف الذميمة.
وكذلك يدافع أبو الحسن عن جماعة التبليغ الذين يبايعون على أربع طرق صوفية: الجشتية والقادرية والنقشبندية والسهروردية، وكلها تشتمل على عقيدة وحدة الوجود والحلول والشركيات والبدع.
ودافع عن أشخاص معروفين مثل عدنان عرعور والشايجي وغيرهما ممن يدورون في فلك سيد قطب، يدافع هذا الرجل عن هذه الأصناف بالتمويهات والسفسطات والخيانات والإلزامات الفاجرة مناهضة ومراغمة لأهل السنة السلفيين، ويدعي مع هذه المخازي أنه سلفي!
ويرمي من ينتقد هذه الأصناف بأنهم شُذاذ وغلاة وخارجون عن منهج السلف، وقال في ربيع بأنه «قد اشتهر في هذا الزمان بالغلو والإسراف ومجانبة سبيل الإنصاف، بل سقط في الإجحاف والاعتساف وإن احمرت أنوف البغاة الغلاة»، إلى أن قال: «ومع علمي بأن هذا أمر شبه مستغرب على كثير من الناس، لا سيما المتعصبة وأهل الهوى والإفلاس»، إلى طعن شديد لا يطيقه مسلم، انظر «الدفاع عن أهل الاتباع»، (2/244-245).
فالإخوان المسلمون وجماعة التبليغ وقياداتهم وسيد قطب وأمثالهم عند أبي الحسن من أهل الاتباع.
وأهل السنة الذين يصفهم بهذه الأوصاف عنده من أهل الابتداع، بل ينسب إلى ربيع أقوالًا كفرية كبرى، يفتريها ويخترعها بطرقه القبيحة من الخيانات والبتر وتقليب الحقائق؛ الأمور التي يخجل من اختراعها غير المسلمين فضلًا عن المسلمين.
ومن عجائبه وسفسطاته أنه يستنكر وصف سيد قطب -الذي تردى في كثير من البدع الكبرى التي ذكرت بعضها للقارئ- يستنكر وصفه بالبدعة والضلال، انظر «الدفاع» (2/368).
ويصف أهل السنة بأوصاف أشد من التبديع، ويقول للصحفي الذي يحاوره:
«ومن سميت من الغائبين( 3) هم مختلفون من قبل الملتقى مع إخوانهم، ثم اختلفوا مع أنفسهم، وذلك لأنهم ينحون نحو الغلو والتطرف، كتبديع الناس، وسَبِّهم، ولعنهم، والتشويه لصورة المخالف وإن كان أهدى منهم سبيلًا وأقوم قيلا، وعدم قبول أي حق من المخالف، والقبول المطلق من الموافق بعجره وبجره، لاسيما إذا كان كبيرًا فيهم(4 )، وهذا انحراف عن الاتجاه السلفي الصحيح.. وجمهور السلفيين على الجادة، وسارت قافلتهم نحو الاعتدال والوسطية»( 5).
أقول: إن التبديع بالحق وعلى منهج السلف الصالح يُعتبر غلوًا وتطرفًا في منهج أبي الحسن ولو كان هذا التبديع لغلاة الصوفية وأهل وحدة الوجود والحلول، ولو كان للطاعنين في الكثير من الصحابة الكرام، وكثير من هؤلاء الذين يبدعهم السلفيون واقعون في الشركيات والبدع الكبرى والضلالات، فهل يوجد حرب على أهل السنة والحق أشد من هذه الحرب وهذه الأراجيف؟
أليس هذا تعطيلًا لأحكام الشريعة وتحريمًا لما أحله الله بل أوجبه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمييز بين الحق والباطل؟
ويقول في ذمهم وتشويه منهجهم: «لأن هذا الفكر الذي شذُّوا به فكر انشطاري, فِكْرُ تآكلٍ لا منهج تكامل، فكر عدواني، وليس منهج رحمة وشفقة، أو تسديد ومقاربة، وقد رددت على فكرهم المخالف للأدلة في مجلدين (الدفاع عن أهل الاتباع).. وقد استرحنا حقيقة من فكر هذه الطائفة من وقت قديم، ونحن مشغولون بقضايا المجتمع الذي نعيش فيه، لا قضايا وهمية، أو نقيم الولاء والبراء على مسائل فرعية جزئية، وليس من المعقول أن يطغى فرع على أصل، أو تطغى جزئية على كلية»( 6).
قال الإمام أبو إسماعيل الصابوني في «عقيدة السلف» (ص121):
«وإحدى علامات أهل السنة: حُبُّهم لأئمة السنة وعلمائها وأنصارها وأوليائها وبغضهم لأئمة البدع الذين يدعون إلى النار، ويَدُلُّون أصحابهم على دار البوار، وقد زيَّن الله سبحانه قلوبَ أهل السنة ونوَّرها بحب علماء السنة فضلًا منه ۴».
أقول: فحال أبي الحسن عكس حال أهل السنة، فهو يحب أهل الضلال والبدع، ويدافع عنهم بالباطل، ويصفهم بأهل السنة وبعضهم بالسلفيين، ويحارب أهل السنة وأنصارها والذابين عنها ويصفهم بصفات قبيحة لا يصف بشيء منها أهل البدع؛ كوصفهم بالغلو والشذوذ و..و..و...
فهل يُعَدُّ سلفيًّا منصفًا من يتولاه، ويذب عنه بالباطل، ويفرض سلفيته على السلفيين فرضًا، ويرى أن نقد أبي الحسن وأمثاله وبيان أحوالهم غلوًا ؟
ألا ترى كيف يصف السلفيين بهذه الأوصاف القبيحة، ولا يصف بها أهل البدع والروافض وسائر الأحزاب العلمانية، وليس له أي مقاومة ضدهم، إنما يقاوم ويحارب السلفيين، ومنها كتابه المليء بالكذب والخيانات والفجور (الدفاع عن أهل الاتباع)، وإنما هو دفاع ظالم عن أهل الضلال والابتداع بما فيهم أهل الحلول ووحدة الوجود ووحدة الأديان.
ومما يصف به السلفيين دعاة الحق ودعاة الاجتماع الصحيح؛ الاجتماع على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح يصفهم بأنهم أهل شذوذ وأهل فكر انشطاري، وهذه أوصافه وأوصاف سادته الإخوان والقطبيين وأوصاف عصابته الماكرة مثل عدنان عرعور والمغراوي والحويني ومحمد حسان ومن ورائهم أهل جمعية إحياء التراث وأهل جمعية البر وغيرهم من الذين يبذلون الأموال لهذه الطائفة الشاذة اللابسة لباس السلفية لتمزيق السلفيين وتشطيرهم في كل مكان بنشاطاتهم وأصولهم الفاسدة، فهذه أوصافهم وأعمالهم المخزية(7 )؛ ينسلون منها ويصفون بها الأبرياء، «رمتني بدائها وانسلت»، والواقع أكبر شاهد، والأدلة كثيرة وقاطعة عند المنصفين، وأما الأوغاد فلا عبرة بهم.
فكل سلفي صادق يعلم أن هذه الصفات والأعمال المفسدة في الأرض إنما هي صفات الإخوان المسلمين والقطبيين، وهذه العصابة المكونة من أبي الحسن ومن ذكرنا من الممزقين المفرقين.
ومن منهج سيد قطب المدمِّر ومنهج تلاميذه نشأت عدة فرق:
منها ما يسمى بالجهاد، ومنها جماعة القاعدة، ومنها السروريون، ومنها الجهاديون في الجزائر والصومال وغيرهما، وجماعة حماس، والبرقاوية.
وقد أوسعوا الأمة تفريقًا وتمزيقًا وتكفيرًا وتفجيرًا ودمارًا وتعاونًا مع الروافض، بل كثير منهم أدوات بأيدي الروافض.
وهذه المخازي كلها عند أبي الحسن توسط واعتدال، وإذا تظاهر بالإنكار على بعضهم وردّ عليهم فبأدب ولين دون بيان للأسباب الحقيقية والمنابع الخطيرة لمنهجهم وأفاعيلهم.
ورده هذا مبني على أمرين:
الأول: تظاهر الإخوان المسلمين والقطبيين بالاستنكار لهذه الأعمال.
والأمر الثاني طبّق فيه القاعدة الإخوانية القطبية: «فريق يُفجِّر وفريق يستنكر».
من هذين الأمرين انطلق أبو الحسن وبهما تشجع على الإنكار المغشوش.
وبلغني أنه تألم من طبع كتابه «التفجيرات» ونشره، في الوقت الذي يفتخر فيه ويتباهى بكتابه «الدفاع عن أهل الاتباع»، والحق أنه دفاع عن أهل الضلال والابتداع وافتراء على أهل الحق والاتباع.
فهو كمن يسمي الخمر بغير اسمها، ويدافع عنها، ويسميها الشراب الروحي.
قال النسائي رحمه الله في «سننه» (8/312) حديث (5658): «أخبرنا محمد بن عبد الأعلى عن خَالِدٍ وهو ابن الحرث عن شُعْبَةَ قال: سمعت أَبَا بَكْرِ بن حَفْصٍ يقول: سمعت ابن مُحَيْرِيزٍ يحدث عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلَّم عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: «يَشْرَبُ نَاسٌ من أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا»، حديث صحيح وأورده الألباني في «الصحيحة» رقم (90) وصححه وساق له شواهد.
فأبو الحسن يسمي الابتداع اتباعًا، ويسمي أهل الضلالات والابتداع أهل السنة، فهو يسميهم بغير اسمهم، ويستميت في الدفاع عنهم، ( فاعتبروا يـا أولي الأبصار ) .
كل هذا وهو يزعم للناس أنه سلفي، وأنه على منهج السلف ومن حماته!
ومع الأسف أنَّ هناك من الناس من يشجعه ويدّعي له السلفية!
فهل عُرف في تأريخ أهل السنة من يدافع عن مثل هذه الأصناف وبمثل أساليبه المنكرة التي مرّ بعضها ؟!
لا يُستغرب أن ينبري للدفاع عنهم صوفي يقول بوحدة الوجود والحلول.
ولا يُستغرب من رافضي محترق أن يدافع عنهم.
ولا يُستغرب أن ينبري واحد من غلاة الإخوان أو التبليغ فيدافع عنهم.
أما شخص يدَّعي السلفية يقوم بهذه الأعمال، ويبذل مجهودًا كبيرًا في تتبع أشرطتي الكثيرة التي أدعو فيها إلى التمسك بالكتاب والسنة، وأفند فيها البدع، وأحذر منها، ومنها بدع جماعة التبليغ وحزب الإخوان المسلمين، يتتبعها شريطًا شريطًا يستخرج منها بطرقه الخائنة العديمة النظير( 8) ما يقذفني به من الفواقر؛ ليدافع عن أهل الباطل والضلال، ويخفي ما في هذه الأشرطة من الحق والسنة الساطعة ليشوهها وصاحبها وليحول بين الناس وبين ما فيها من دعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة والعقائد والمناهج الصحيحة والتحذير من البدع التي حذر الله منها في كتابه وحذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في سنته، وحذّر منها السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة ومن اتبعهم بإحسان، كل هذه الأعمال الخطيرة يرتكبها ليدافع عن البدع الكبرى وأهلها ويسميهم بأهل الاتباع، ويصف من يُبينها ويحذر الناس من شرورها وعواقبها بأقبح الأوصاف التي يأنف شرار أهل البدع منها، ويخرج على الناس بمجلدين كبيرين دفاعًا عن هؤلاء وبطرق لا يسلكها حتى غلاة أهل البدع من التمويهات والخيانات والإلزامات الباطلة، فهذه الأعمال من أعجب عجائب هذا الزمان!
ومع هذه الغرابة، فالرجل لم يسلك طريق أهل العلم أو حتى طريق أهل الباطل في الأخذ والرد وسوق ما يراه من الحجج أو الشبه أو نفي ما أدينهم به من البدع والضلال.
بل سلك طريقًا غريبًا انفرد به، وهو أنه يرى أن مجرد سياق الكلام المنتقد وبيانه من هذا أو ذاك أو ذكر منهج هذه الجماعات وعقيدتها أو تلك يراه جريمة وتكفيرًا من خلال إلزاماته الباطلة!، فإذا سقت كلامًا لشخص معين وبينت ما فيه من الضلال فهذا عنده من تكفير المعين ومخالف لمنهج السلف وغلو مع أنَّك لم تصرح بالتكفير!!
لقد رأى الإخوان المسلمون وجماعة التبليغ كتاباتي، وسمعوا مقالاتي، وفيهم كُتَّاب، ولهم أقلام، لكنهم لما رأوا الحقائق الناصعة والحجج الدامغة ابتعدوا بأنفسهم عن مواجهة الحقائق، وخجلوا أن يتباكوا تباكي أبي الحسن لأن ذلك عندهم لا يغير من الواقع شيئًا، فهم على علاتهم أعقل وأنبل من أبي الحسن الذي نصَّب نفسه كالنائحة الثكلى على مصاب الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وغيرهم من أهل الأهواء.
أنا لا أذكر أني كفّرت شخصًا معينًا، لكن هذا الرجل يدّعي زورًا أني كفّرت فلانًا وفلانًا بعينه بمجرد نقل كلامه وبيان ما فيه، وهذا العمل عنده مخالف لمنهج السلف، يرافق ذلك طعن وتهويش.
فأرى أن أسوق له بعض النماذج من تكفير بعض أئمة السلف لأشخاص معينين لا يوجد فيهم من الضلال مثل ما عند سيد قطب والبنا والغزالي والترابي كما سيرى القارئ في هذا البحث:
1- روى البخاري في كتاب «العلم» حديث (122)، ومسلم في الفضائل حديث (2380) بإسنادهما إلى سعيد بن جبير قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: «إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى عليه الصلاة والسلام صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ليس هو مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ عليه السَّلَام، فقال: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ».
فهذا في مذهب أبي الحسن غلو في التكفير وصادر ممن لم يضبط لسانه إلى آخر أوصافه التي يصف بها أهل السنة المدافعين عن دين الله الحق، لكن العلماء لم يصلوا إلى ما وصل إليه أبو الحسن من إدراك المنهج الواسع العميق، ولم يصلوا إلى ما وصل إليه أبو الحسن من الغيرة والحماس لأهل البدع ومحاربة من ينكر بدعهم فقالوا : هذا الكلام إنما قاله ابن عباس مبالغة في إنكار قوله(9 )، لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة.
وهناك عدد من الصحابة منهم عمر بن الخطاب ﭬ وصفوا عددًا من أعيان المسلمين بالنفاق، ولم يصفهم رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا أحد من الصحابة، ولا أحد من علماء الأمة بأنهم غلاة في التجريح والتكفير، ولم يثر عليهم أحد على امتداد التأريخ الإسلامي، لكن منهج أبي الحسن يقتضي رميهم بالغلو في التكفير لا سيما وهو الرجل الهمام القائم بالعدل، فإذا ذهب أبو الحسن يعتذر لهؤلاء بأي عذر فهو عذرنا مع أننا لم نُصرح بتكفير أحد، فعليه أن يتوب إلى الله من الدفاع عن أهل الباطل بهذه الضراوة والشراسة الغريبة المهلكة.
2- قال الإمام البخاري في «خلق أفعال العباد»:
«42- وقال عبد الحميد: جهم كافر بالله العظيم.
43- وقال وكيع: أحدثوا (10 ) هؤلاء المرجئة الجهمية، والجهمية كفار والمريسي جهمي وعلمتم كيف كفروا قالوا يكفيك المعرفة وهذا كفر والمرجئية يقولون الإيمان قول بلا فعل وهذا بدعة، فمن قال القرآن مخلوق فهو كافر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام يستتاب وإلا ضربت عنقه.
44- وقال وكيع: على المريسي لعنه الله يهودي هو أو نصراني، قال له رجل: كان أبوه أو جده يهوديًّا أو نصرانيًّا قال وكيع: عليه وعلى أصحابه لعنة الله، القرآن كلام الله، وضرب وكيع إحدى يديه على الأخرى.
57- وسئل وكيع عن مثنى الأنماطي فقال: كافر.
58- وقال عبد الله بن داود: لو كان لي على المثنى الأنماطي سبيل لنـزعت لسانه من قفاه وكان جهميًا.
74-وحدثني أبو جعفر قال: حدثنا أحمد بن خالد الخلال قال: سمعت يزيد بن هارون وذكر أبا بكر الأصم والمريسي فقال: هما والله زنديقان كافران بالرحمن حلالي الدم» اهـ.
فهؤلاء الأئمة الذين نقل عنهم الإمام البخاري هذه الأحكام في أهل بدع معينين يُعتبر هؤلاء الأئمة في منهج أبي الحسن من الغلاة والشذاذ ومن كبار المكفرين.
3- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (4/96):
«وَإِذَا تَدَبَّرَ الْعَاقِلُ وَجَدَ الطَّوَائِفَ كُلَّهَا كُلَّمَا كَانَتْ الطَّائِفَةُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَقْرَبَ كَانَتْ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَعْرَفَ وَأَعْظَمَ عِنَايَةً وَإِذَا كَانَتْ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ أَبْعَدَ كَانَتْ عَنْهُمَا أَنْأَى حَتَّى تَجِدَ فِي أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ بَلْ رُبَّمَا ذُكِرَتْ عِنْدَهُ آيَةٌ فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْحَدِيثِ وَرُبَّمَا قَالَ: لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام كَذَا وَتَكُونُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَقَدْ بَلَغَنَا مِنْ ذَلِكَ عَجَائِبُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْنَا أَكْثَرُ.
وَحَدَّثَنِي: ثِقَةٌ أَنَّهُ تَوَلَّى مَدْرَسَةَ مَشْهَدِ الْحُسَيْنِ بِمِصْرِ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ رَجُلٌ يُسَمَّى شَمْسَ الدِّينِ الأصبهاني شَيْخَ الأيكي فَأَعْطَوْهُ جُزْءًا مِنْ الرَّبْعَةِ فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (ألمص) حَتَّى قِيلَ لَهُ: أَلِفٌ لَامٌ مِيمٌ صَادٌ.
فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْحُكُومَةَ الْعَادِلَةَ لِيَتَبَيَّنَ لَك أَنَّ الَّذِينَ يَعِيبُونَ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَيَعْدِلُونَ عَنْ مَذْهَبِهِمْ جَهَلَةٌ زَنَادِقَةٌ مُنَافِقُونَ بِلَا رَيْبٍ(11 ).
وَلِهَذَا لَمَّا بَلَغَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ « ابْنِ أَبِي قتيلة « أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِمَكَّةَ فَقَالَ: قَوْمُ سَوْءٍ. فَقَامَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - وَهُوَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ. وَدَخَلَ بَيْتَهُ. فَإِنَّهُ عَرَفَ مَغْزَاهُ».
وقد نقل هذا الكلام عن الإمام أحمد كل من الهروي في «ذم الكلام» برقم (233)، وابن عبد الهادي في «بحر الدم» برقم (1267).
فما رأي أبي الحسن في الإمام البخاري ومن نقل عنهم وفي الإمامين أحمد وابن تيمية هل هم تكفيريون غلاة لأنهم خالفوا مذهبه فيكفرون أناسًا بالتعيين؟! إن أبا الحسن ليحامي عن أناس فيهم من هو أسوأ من هؤلاء الذين حكم عليهم الأئمة بهذه الأحكام العظيمة التي لا يطيقها الغيورون على أهل الضلال.
4- وقال الإمام ابن بطة رحمه الله في أهل البدع والضلال:
«هم شعوب وقبائل وصنوف وطوائف أنا أذكر طرفًا من أسمائهم وشيئًا من صفاتهم؛ لأن لهم كتبًا قد انتشرت ومقالات قد ظهرت( 12)، لا يعرفها الغرّ من الناس ولا النشأ من الأحداث تخفى معانيها على أكثر من يقرؤها فلعل الحدث يقع إليه الكتاب لرجل من أهل هذه المقالات قد ابتدأ الكتاب بحمد الله والثناء عليه والإطناب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتبع ذلك بدقيق كفره وخفي اختراعه وشرّه فيظن الحدث الذي لا علم له والأعجمي والغمر من الناس أن الواضع لذلك الكتاب عالم من العلماء أو فقيه من الفقهاء ولعله يعتقد في هذه الأمة ما يراه فيها عبدة الأوثان ومن بارز الله ووالى الشيطان.
فمن رؤسائهم المتقدمين في الضلال منهم: الجهم بن صفوان الضّال.
وقد قيل له وهو بالشام: أين تريد فقال: أطلب ربًّا أعبده، فتقلد مقالته طوائف من الضُّلال، وقد قال ابن شوذب: ترك جهم الصلاة أربعين يومًا على وجه الشك.
ومن أتباعه وأشياعه: بشر المريسي والمردار وأبو بكر الأصم وإبراهيم بن إسماعيل ابن علية وابن أبي دؤاد وبرغوث وربالويه والأرمني وجعفر الحذّاء وشعيب الحجام وحسن العطار وسهل الحرار وأبو لقمان الكافر في جماعة سواهم من الضلال وكل العلماء يقولون في من سميناهم أنهم أئمة الكفر ورؤساء الضلالة».
إلى أن قال رحمه الله : «ومن خبثائهم ومن يظهر في كلامه الذّبّ عن السنّة والنصرة لها وقوله أخبث القول: ابن كُلَّاب وحسين النجار وأبو بكر الأصم وابن علية(13 ) أعاذنا الله وإياكم من مقالتهم وعافانا وإياك من شرور مذاهبهم»( 14).
ومثل هذا الكلام لا يحتمله أبو الحسن لأنَّ فيه غلوًّا وشذوذًا... إلى آخر التهم التي يقذف بها هذا الرجل السلفيين أهل الحديث والمنهج السلفي.
وقد تداول أهل السنة هذه الأقوال مع احترام قائليها ومحبتهم وموالاتهم، فإذا كنا ننقل أقوال أهل البدع بنصوصها من كتبهم بدون أحكام فيثور علينا أبو الحسن المأربي ثورة عارمة عديمة النظير تفوق التبديع والطعون والتجديع والتشنيع فهل يُسلِّم لهؤلاء الأئمة؟
هذا بعيد جدًّا لأنه يتنافى مع طبعه ومنهجه الواسع الأفيح وغيرته الشديدة على أهل البدع .
ولقد طلب علماء السوء من شيخ الإسلام أن يعتقد نفي الجهة والتحيز عن ذات الله، وأن لا يقول القرآن حرف وصوت قائم بالله، بل هو معنى نفسي قائم بذات الله، وأنه لا يشار إليه بإشارة حسية بالأصابع، ويطلبون منه أن لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، وأرسلوا بذلك أميرين.
فلما جاء الأميران بهذه المطالب الباطلة رفض تلبية مطالبهم، وردّ عليهم ردًّا علميًّا قويًّا يبين الحق ويدحض شبههم.
قال: «فأخذا الجواب وذهبا فأطالا الغيبة، ثم رجعا ولم يأتيا بكلام محصل إلا طلب الحضور، فأغلظت لهم في الجواب وقلت لهم بصوت رفيع: يا مبدلين يا مرتدين عن الشريعة يا زنادقة(15 )، وكلامًا آخر كثيرًا، ثم قمت وطلبت فتح الباب والعود إلى مكاني. وقد كتبت هنا بعض ما يتعلق بهذه المحنة التي طلبوها مني في هذا اليوم، وبينت بعض ما فيها من تبديل الدين، واتباع غير سبيل المؤمنين، لما في ذلك من المنفعة للمسلمين، وذلك من وجوه كثيرة»، «الفتاوى الكبرى»، (5/6).
ثم سرد تلك الوجوه.
فماذا سيفعل الأسد الهصور أبو الحسن بابن تيمية الذي حكم على رجلين معينين بالردة عن الشريعة وبتبديل الدين وبالزندقة؟
أقول: لقد كان علماء السلف من أقوى الناس تقوى وورعًا وزهدًا وعدلًا وإنصافًا ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا رأوا طغيان أهل البدع وانتشار ضلالهم وانخداع بعض الناس بهم شمروا عن ساعد الجد في قمع أهل الباطل بالحجج والبراهين، مع التحذير الشديد منهم، ذبًا عن حياض دين الله الحق، لئلا يطمس معالمه دعاة الضلال الجاهلين الباغين، وقد يشتد بعضهم في قمعهم والأحكام عليهم.
ويعتبرون ذلك جهادًا في سبيل الله، بل ذلك عندهم أفضل من الجهاد كما صرح بذلك بعض أئمتهم الكبار.
ولم يهبَّ أحد لمحاربتهم والطعن فيهم بالأكاذيب والافتراءات إلا بعض غلاة أهل البدع، لكنهم لم يبلغوا في هذا مبلغ من لبس لباس السنة زورًا وبهتانًا ليتمكن من ضرب السنة وأهلها بسيف السنة المزعوم، تطبيقًا للقاعدة اليهودية «اضرب الإسلام بسيف الإسلام».
ولقد أرهف أبو الحسن هذا السيف ونزل يصول به ويجول على أهل السنة بأصول وأساليب وطرق لم تخطر ببال عتاة أهل البدع ولاسيما المنهج الواسع الأفيح الذي يسع أهل السنة من أمثاله ويسع الأمة كلها؛ ومنهم دعاة أخوة الأديان وحرية الأديان وأهل البدع الشركية ووحدة الوجود ووحدة الأديان(16 ).
كلام السلف في أهل البدع غير المُعَيَّنِين
قال الإمام البخاري في «خلق أفعال العباد»:
«5 - حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر البغدادي قال: سمعت أبا زكريا يحيى بن يوسف الزمي قال: كنا عند عبد الله بن إدريس فجاءه رجل فقال:
يا أبا محمد ما تقول في قوم يقولون القرآن مخلوق؟
فقال: أمن اليهود؟
قال: لا. قال: فمن النصارى؟
قال: لا. قال: فمن المجوس؟
قال: لا. قال: فمن؟
قال: من أهل التوحيد. قال:
ليس هؤلاء من أهل التوحيد؛ هؤلاء الزنادقة من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله مخلوق بقول ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فالله لا يكون مخلوقًا والرحمن لا يكون مخلوقًا والرحيم لا يكون مخلوقًا وهذا أصل الزنادقة من قال هذا فعليه لعنة الله لا تجالسوهم ولا تناكحوهم.
6 - وقال وهب بن جرير: الجهمية الزنادقة إنما يريدون أنه ليس على العرش استوى.
7 - وحلف يزيد بن هارون بالله الذي لا إله إلا هو: من قال إنَّ القرآن مخلوق فهو زنديق ويستتاب فإن تاب وإلا قتل.
8 - وقيل لأبي بكر بن عياش: إن قومًا ببغداد يقولون: إنه مخلوق فقال: ويلك من قال هذا؟ على من قال القرآن مخلوق لعنة الله، وهو كافر زنديق ولا تجالسوهم.
9 - وقال الثوري: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.
10 - وقال حماد بن زيد: القرآن كلام الله نزل به جبرائيل ما يجادلون(17 ) إلا أنه ليس في السماء إله.
11 - وقال ابن مقاتل: سمعت ابن المبارك يقول: من قال ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا ) مخلوق فهو كافر لا ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك» اهـ.
إلى أن قال رحمه الله : « 18- وقال سعيد بن عامر: الجهمية أشر قولًا من اليهود والنصارى قد اجتمعت اليهود والنصارى وأهل الأديان أن الله تبارك وتعالى على العرش وقالوا هم ليس على العرش شيء».
وقال رحمه الله : « 22- وقال علي( 18): ما ( 19) الذين قالوا إن لله ولدًا أكفر من الذين قالوا إن الله لا يتكلم وقال: احذر من المريسي وأصحابه فإن كلامهم يستجلب( 20) الزندقة وأنا كلمت أستاذهم جهمًا فلم يثبت لي أن في السماء إلهًا.
وكان إسماعيل بن أبي أويس يسميهم زنادقة العراق وقيل له: سمعت أحدًا يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: هؤلاء الزنادقة والله لقد فررت إلى اليمن حين سمعت العباس( 21) يكلم بهذا ببغداد فرارًا من هذا الكلام.
وقال علي بن الحسن: سمعت ابن مصعب يقول: كفرت الجهمية في غير موضع من كتاب الله قولهم إن الجنة تفنى وقال الله : ( إنَّ هذا لرزقنا ما له من نفاد ) فمن قال : إنها تنفد فقد كفر وقال : ( أكلها دائم وظلها ) فمن قال: إنها لا تدوم فقد كفر وقال: ( لا مقطوعة ولا ممنوعة ) فمن قال: إنها تنقطع فقد كفر وقال : ( عطاءً غير مجذوذ ) فمن قال: إنها تنقطع فقد كفر.
وقال: أبلغوا الجهمية أنهم كفار وأن نساءهم طوالق».
وقال رحمه الله : «وقال أبو الوليد: من قال القرآن مخلوق فهو كافر ومن لم يعقد قلبه على أن القرآن ليس بمخلوق فهو خارج من الإسلام».
قال أبو عبد الله: نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيت أضل في كفرهم منهم وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم»( 22) اهـ.
روى مسلم في كتاب الإيمان 1(8) بإسناده إلى يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أنَّه قال: « أَبَا عَبْدِ(23 ) الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ قَالَ فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ. ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ..» ثم ساق الحديث المعروف في الإسلام والإيمان والإحسان.
وقال الإمام اللالكائي في «شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة » (4/706-707):
«سياق ما روي من المأثور في كفر القدرية وقتلهم
ومن رأى استتابتهم ومن لم ير
روي عن ابن عباس أن كلام القدرية كفر.
وروي عن ابن عمر أنه لعنهم وتبرأ منهم ولا يجوز على ابن عمر أن يتبرأ من المسلمين.
وعن علي أنه قال لمن أنكر القدر فأقر به والله لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك.
وعن ابن عباس وابن عمر معناه.
- ومن التابعين:
عمر بن عبد العزيز ونافع بن مالك عن مالك الفقيه: يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا .
وروي عنه: ونفوا من ديار المسلمين.
وعن رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي أنهم أفتوا بقتلهم.
- ومن الفقهاء:
عن مالك بن أنس والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن العنبري يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا.
وعن سعيد بن جبير: القدرية يهود.
وعن الشعبي: القدرية نصارى.
وعن نافع مولى ابن عمر: القدرية يقتلون.
وحكى المزني عن الشافعي: أنه كفَّرهم .
وعن إبراهيم بن طهمان: القدرية كفار.
وعن أحمد بن حنبل مثل قول مالك وأبي ثور» اهـ.
وبإسناد اللالكائي إلى عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة قال: «سمعت نافعًا مولى ابن عمر يقول لأمير كان على المدينة: أصلحك الله اضرب أعناقهم يعني القدرية » (24 ).
وقال رحمه الله(1/178): « الجهمية كفار وأن الرافضة رفضوا الإسلام والخوارج مراق» اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (9/24): «فأذكياء طوائف الضلال إما مضللون مداهنون وإما زنادقة منافقون لا يكاد يخلو أحد منهم عن هذين».
وقال رحمه الله في (12/497) من المجموع: «هذا مع العلم بأن كثيرًا من المبتدعة منافقون النفاق الأكبر وأولئك كفار في الدرك الأسفل من النار فما أكثر ما يوجد في الرافضة والجهمية ونحوهم زنادقة منافقون بل أصل هذه البدع هو من المنافقين الزنادقة ممن يكون أصل زندقته عن الصابئين والمشركين فهؤلاء كفار في الباطن ومن علم حاله فهو كافر في الظاهر أيضا».
وقال -أيضًا- رحمه الله في «الفتاوى الكبرى» (3/167) في بيان أن التحليل بدعة: «...ومن لم تسعه السنة حتى تعداها إلى البدعة مرق( 25) من الدين، ومن أطلق للناس ما لم يطلقه لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع وجود المقتضي للإطلاق، فقد جاء بشريعة ثانية( 26) ولم يكن متبعًا للرسول، فلينظر امرء أين يضع قدمه».
وذكر رحمه الله في (3/168): «أن هذه الحيل أول ما ظهر الإفتاء بها في أواخر عصر التابعين، أنكر ذلك علماء ذلك الزمان، مثل أيوب السختياني، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، وعبد الرحمن بن مهدي».
وذكر علماء آخرين منهم الأوزاعي، إلى أن قال:
«ومعلوم أن هؤلاء وأمثالهم هم سرج الإسلام، ومصابيح الهدى، وأعلام الدين، وهم كانوا أعلم أهل وقتهم، وأعلم ممن بعدهم بالسنة الماضية وأفقه في الدين، وأورع في المنطق، وقد كانوا يختلفون في مسائل الفقه، ويقولون باجتهاد الرأي ولا ينكرون على من سلك هذه السبيل فلما اشتد نكيرهم على أهل الرأي الذين استحلوا به الحيل علم أنهم علموا أن هذه بدعة محدثة، وفي كلامهم دلالات على ذلك مثل وصفهم من كان يفتي بذلك بأنه يقلب الإسلام ظهرا لبطن، ويترك الإسلام أرق من الثوب السابري، وينقض الإسلام عروة عروة إلى أمثال هذه الكلمات».
فعلى مذهب المحامي عن أهل الحلول ووحدة الوجود ووحدة الأديان وأتباعهم والغلاة فيهم يكون هؤلاء الأئمة غلاة في التكفير، وفتحوا على الناس باب التكفير.
وذلك أن أبا الحسن يتقطع غيرة وحماسًا على أهل العقائد التي ذكرناها، فكيف سيكون موقفه ممن أطلق هذه العبارات على فقهاء أهل الرأي في زمانهم؟، فليت أبا الحسن وُجِد في ذلك العصر حتى يؤلف كتبًا في الدفاع عن أهل الاتباع وإعلان النكير على دعاة التكفير.
فما رأي أبي الحسن وأنصاره -الذين يرمون السلفية بالغلو- في البخاري واللالكائي وابن تيمية وفي الأئمة الذين نُقِل عنهم هذه الأحكام؟
فهل هم غلاة وشذاذ وأهل أهواء لأنَّهم خالفوا المنهج الواسع الأفيح الذي يسع الإخوان المسلمين ومن انضوى تحت رايتهم من الطوائف الضالة، ويسع جماعة التبليغ وطرقها الصوفية الغالية ويسع الأمَّة جميعًا؟!
ويقرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أصلين عظيمين لا يطيقهما أبو الحسن ومقدسيه من أهل البدع الكبرى.
قال رحمه الله في «مجموع الفتاوى»، (12/497-498) عن هذين الأصلين:
«أحدهما:
أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول، وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق، فنفي الصفات كفر، والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة، أو أنه على العرش، أو أن القرآن كلامه، أو أنه كلم موسى، أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر، وكذلك ما كان في معنى ذلك، وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث.
و«الأصل الثاني»:
أن التكفير العام كالوعيد العام يجب القول بإطلاقه وعمومه( 27)
وأما الحكم على المعين بأنه كافر، أو مشهود له بالنار: فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه».
أقول:
لقد صرّح شيخ الإسلام هنا أن إطلاق الكفر على المعين لا بد فيه من ثبوت شروطه وانتفاء موانعه، وهذا المذهب معروف عنه يعيده ويبديه رحمه الله ، لكنه لا يشترط ذلك في التكفير على وجه العموم، ومن يتتبع كلام أئمة الإسلام يجده موافقًا لكلام شيخ الإسلام، فهم يطلقون الكفر على الجهمية، وعلى من يقول القرآن مخلوق، وعلى من ينكر علو الله واستواءه على عرشه .
لكن الإمام الجهبذ أبو الحسن لا يوافقهم على هذا، بل لا يوافقهم على ما دونه؛ لأنه حامي حمى أهل البدع الكبرى بما في ذلك عقيدة الحلول ووحدة الوجود، فلا يجوز عنده أن تقول في من يطعن في الصحابة، ويعطل صفات الله، ويقول بالحلول ووحدة الوجود وأزلية الروح ويقول بخلق القرآن وبالاشتراكية، ويمدح النيرفانا عقيدة الهندوك، ويمدح أهلها، ويُكفِّر الأمة من فجر تأريخها، لا يجوز في شرعة أبي الحسن أن تطلق لفظ البدعة والضلال على من هذا حاله.
ولقد كنت آمل في أبي الحسن حين كتبت أصل هذا البحث ونشرته في تأريخه المشار إليه ( 28) أن يرجع إلى الحق الواضح المبين والاستسلام لله رب العالمين.
لكن لخذلانه لم يستفد مما في هذا البحث من الأدلة والبراهين، كعادته وأمثاله من المعاندين.
وأبى إلا أن يكون في الباطل من السادرين المعاندين، فذهب يرد عليَّ بمقال ملأه بالكذب والسفسطات وإنكار البدهيات، ثم استمر إلى يومنا هذا في الحرب والطعون الظالمة والشهادة لأهل الضلال بأنهم من أهل السنة وأن السواد الأعظم سلفيون!
وهذا يشمل كل الفرق، فيعطيهم هذه الأوسمة متحديًا للسلفيين السابقين واللاحقين ولمنهجهم الأمين، بل هو يحاربهم ويشوههم ويصفهم بأوصاف أهل الأهواء وأشد من ذلك.
وما يدري أن شهادته لا تقبل في بصلة ونحوها عند حماة هذا الدين والحكام العادلين؛ ذلك لأنه رجلٌ فيه من الأكاذيب والانحراف عن منهج الحق والصدق، وقد بينت ذلك أنا وغيري( 29) في عدد من المقالات، والكتب؛ أمثال الشيخ أحمد النجمي والشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري والشيخ أبو عمر العتيبي وعلماء السنَّة في اليمن وأدانه عدد من أهل السنة في المدينة وجيزان ومصر والجزائر وغيرها فشهاداته وتزكياته لا يقبلها ويفرح بها إلا أهل الأهواء والضلال.
ومن ظلم هذا الرجل ومجازفاته أنه يرمي السلفيين بالغلو؛ لأنهم ينتقدون الإخوان المسلمين وغيرهم من أهل البدع والأهواء ذبًا عن الدين ونصحًا للمسلمين.
والواقع أنه هو المنغمس في الغلو في الإخوان المسلمين وغيرهم، فهو يرفعهم فوق منازلهم، ويحارب من يبين فساد مناهجهم وأصولهم ويرميه بالغلو، ويضع الأصول الفاسدة هو وأمثاله لحمايتهم ولمواجهة من ينتقدهم من أهل السنة.
مثل:
1- «المنهج الواسع الأفيح»، الذي يسع أهل السنة ويسع الأمة كلها.
2- ومثل أصل: «لا يلزمني»، و«ما يقنعني»، يقول هذا لرد الأدلة والبراهين الواضحة وضوح الشمس عنادًا منه ومكابرة، وقد تابعه في هذه الأصول أناس ممن لا خلاق لهم، وذلك من الأدلة الواضحة على فساد فطرهم وفساد منهجهم وبعدهم عن السلف ومنهجهم في قبول الحق والتزامه ونصرته وإعلانه والذب عنه.
3- و«نصحح ولا نهدم»، وهو لا يصحح شيئًا من ضلالات أهل البدع؛ بل يحارب من ينتقدها ويبين الصحيح من الباطل منها، ويغلو في هذه الحرب، فيرتكب الأكاذيب والخيانات والظلم لهدم من يبين الضلال كما سترى في هذا البحث، وكما بينا ذلك في ردودنا السابقة عليه كـ«التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل» وغيره من المقالات التي تشفي صدور الناصحين الصادقين، فيصدق على هذا الرجل وأمثاله «رمتني بدائها وانسلت».
4- ومثل «حمل المجمل على المفصل»، الذي نقل البقاعي أقوال كثير من العلماء على إبطاله، ونقل الشوكاني الإجماع على إبطاله -أيضًا-، وعمل أئمة الجرح والتعديل يدل على خلافه، وهذه كتب الجرح متوفرة بأيدي الناس تدمغ حماة البدع وأهلها باختراع هذا المنهج الباطل.
5- ومثل منهج الموازنات الذي يستخدمه أبو الحسن بطرق ماكرة خلال ذبه الباطل عن أهل الأهواء، ثم هو لا يستخدم شيئًا من هذه الأصول وغيرها في حربه لأهل السنة .
فإن كان يرى أن هذه الأصول حق وعدل فلماذا لا توجد في حربه الطويلة العريضة لأهل السنة فإن العدل في الإسلام واجب على كل أحد ولكل أحد.
وأخيرًا: فإن هذه الأعمال العدوانية اضطرتني إلى نشر هذا البحث مرة أخرى مضيفًا إليه هذه المقدمة وبعض التعقبات مؤملًا أن تزيد أهل الحق المبصرين بصيرة وتوقظ النائمين منهم والغافلين المخدوعين.
وقد ميزت هذه التعقبات بأن وضعت كل تعقب بين قوسين للدلالة على إضافتها وأهميتها.
والله أسأل أن يزيدنا وكل أهل السنة الصادقين ثباتًا وبصيرة وحبًا للحق وذودًا عن حياضه وأن يأخذ بنواصي المسلمين جميعًا إلى الحق والهدى وأن يقشع عنهم غيوم الضلال والردى، إن ربي لسميع الدعاء.
كتب
ربيع بن هادي عمير المدخلي
في الثامن عشر من شهر شوال عام 1430هـ
ربيع بن هادي عمير المدخلي
في الثامن عشر من شهر شوال عام 1430هـ
__________________
الحواشي:
( 1) المراد : الإخوان المسلمون .
( 2) وذلك نصيحة للمسلمين وذبًّا عن دين الله رب العالمين، ودفعًا للأكاذيب الكبرى التي تنسب إلى القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد.وهذه الأكاذيب اخترعها أناس يدافع عنهم أبو الحسن.
( 3) يعني السلفيين.
( 4) هكذا بهذا الإطلاق والعموم الشامل لكل السلفيين في اليمن، وهكذا يكون العدل والإنصاف!!، فأي تشويه للسلفية والسلفيين يفوق هذا التشويه والتنفير؟
( 5) انظر (ص5) من حواره في صحيفة الناس، ويقصد بجمهور السلفيين الذين وصفهم بهذه الصفات الحزب القطبي.
( 6) (ص5-6) من حواره في صحيفة الناس.
( 7) ففكرهم انشطاري ضد أهل السنة وتجمعي مع أهل البدع والأهواء.
( 8) وذلك ببتر العبارات من سياقها وسباقها ثم تحميلها معان خطيرة لا تحتملها.
( 9) أي قول نوف البكالي.
( 10) كذا، ولا يبعد أن يكون من تصرف النساخ أو الطابعين.
( 11) نقل هذا النص في «بيان تلبيس الجهمية» (2/44)، ونقل نصوصًا أخرى عن غيره في الجهمية.
( 12) وهذا واقع من ينتقدهم ربيع وغيره فلهم كتب قد انتشرت في مشارق الأرض ومغاربها وبين العرب والعجم فاغتر بها كثير وكثير من الناس فأصبحوا يوالون ويعادون عليها وعلى مؤلفيها.
( 13) يعني إبراهيم بن إسماعيل بن علية الجهمي الضال.
( 14) الشرح والإبانة لابن بطة ص (348-352).
( 15) ومعلوم أن شيخ الإسلام رحمه الله لا يُكفِّر إلا من قامت عليه الحجة، وعلى هذا المنهج كثير من العلماء، وأنا أدين الله بهذا المنهج.
( 16) ومع كل جعجعات هذا المصري المأربي وأراجيفه لم يستطع ولن يستطيع هو ولا المئات من أمثاله نفي ودفع هذه العظائم -التي أثبتناها عن قائليها بالنقل الأمين الموثق غاية التوثيق- ممن جند نفسه أو جُنِّد للدفاع عنهم مصداقًا لقول الله تعالى: ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إنَّ الباطل كان زهوقا ) ولقوله تعالى : ( إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) .
( 17) عند شيخ الإسلام ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية» (2/43) هذا اللفظ بهذه الصيغة، ونقله في (2/83) بلفظ «ما يحاولون»، ونقل ابن القيم عددًا من هذه النصوص عن البخاري، ومنها هذا النص بلفظ «ما يحاولون»، انظر «الصواعق المرسلة» (4/1397)، ومعلوم أن ابن تيمية وابن القيم ما ألّفا هذين الكتابين إلا ردًّا على الأشاعرة، فما رأي أبي الحسن فيهما؟ ومعلوم أنهما وإن اشتدا على الأشاعرة فإنهما لا يكفرانهم، فعلى منهج أبي الحسن هما متناقضان إلى آخر الطعون التي وجهها للسلفيين المعاصرين، ثم إنه من المعلوم عند أهل السنة أن الأشاعرة خير من الإخوان المسلمين الذين يتولون الروافض والخوارج وغلاة الصوفية، بينما الأشاعرة يحاربون هذه الأصناف من أهل الضلال.
( 18) يعني علي بن عاصم.
( 19) في الأصل: ( إنَّ).
( 20) في «بيان تلبيس الجهمية» «أبو جاد الزندقة».
( 21) كذا . والصواب " حين سمعت أبا العباس" والمراد به المأمون العباسي الذي دعا إلى القول بخلق القرآن .
( 22) نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عددًا من هذه النصوص عن البخاري، انظر «بيان تلبيس الجهمية» (2/43-44)، ونقل نصوصًا أخرى عنه وعن غيره في هذا الباب تركناها اختصارًا.
( 23) يعني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
( 24) (4/708).
( 25)،(26 ) - ماذا سيقول أبو الحسن في هذه الأحكام؟
(27 ) هكذا يقول شيخ الإسلام: «إن التكفير العام كالوعيد العام يجب القول بإطلاقه وعمومه»، ودون هذا الكلام لا يطيقه أبو الحسن، فهو لا يجيز حتى إطلاق التبديع على أهل البدع الكبرى! ,فإذا كان تنظيم الإخوان المسلمين يضم الروافض والخوارج وغلاة الصوفية فلا يجوز أن يذكر هذا في منهجه، وإذا كان الإخوان المسلمون يتحالفون مع الشيوعيين والبعثيين والناصريين فيا ويلك إن ذكرت هذا، وإذا دعا قادتهم إلى أخوة الأديان وحرية الأديان فذكرت ذلك، فمن يجيرك من غضب أبي الحسن وبطشه؟، ومن يحميك من أحكامه بأنك تكفيري غال في التكفير؟
(28 ) ولقد لقي هذا البحث قبولًا لدى طلاب الحق الناصحين والمتمسكين بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالحين والذابين عن الدين القويم.
(29 ) وسأزيد بيانًا لهذه الأنواع التي ذكرتها.
منقول من شبكة سحاب أصلحهم الله ومن يريدها على الوورد فليدخل على هذا الرابط :
http://www.sahab.net/forums/showthre...d=1#post748029