• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإجهاز على أعداء الدين من الزنادقة والمنافقين.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإجهاز على أعداء الدين من الزنادقة والمنافقين.

    الإجهازعلىأعداءالدين
    منالزنادقةوالمنافقين
    [من كتاب غربة الإسلام
    للعلامة حمود التويجري
    رحمه الله تعالى]
    قال رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى
    فصل
    الصنف الثامن: المنافقون الذين يُظهرون الإيمان ويُبطنون الكفر، ويسمون الزنادقة.
    وسئل حذيفة رضي الله عنه: ما المنافق؟ قال: الذي يصف الإيمان ولا يعمل به، وفي لفظ: يصف الإسلام ولا يعمل به. رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، من طريق أبيه رحمه الله.
    وقال أبو عثمان: كان حذيفة يؤيس المنافق. رواه عبد الله أيضا، من طريق أبيه.
    وقد قال الله تعالى:
    [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوادِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا] [النساء: 142 - 146]، وقال تعالى: [الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ

    وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيم] [التوبة: 67 - 68]، والآيات فيهم كثيرة جدا.
    وروى الإمام مالك، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تلك صلاة المنافق؛ يجلس يرقُب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا» هذا لفظ مسلم، والترمذي، والنسائي.
    ولفظ مالك وأبي داود: «تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين؛ يجلس أحدهم حتى إذا اصفرّت الشمس، وكانت بين قرني الشيطان، أو على قرني الشيطان، قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا».
    وفي الصحيحين وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار».
    وفي رواية: «ولو علم أحدهم أنه يجد عظما سمينا لشهدها» يعني صلاة العشاء. هذا لفظ مسلم.
    ولفظ البخاري: «والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء»، قال أبو عبد الله البخاري رحمه الله


    تعالى: مرماة: ما بين ظلف الشاة من اللحم.
    وفي صحيح مسلم، عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله؛ يعني ابن مسعود رضي الله عنه: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه.
    وفي رواية: قال عبد الله رضي الله عنه: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف.
    ورواه الإمام أحمد، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة.
    وفي رواية أبي داود: وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لكفرتم.
    وروى أبو نعيم في "الحلية"، من طريق محمد بن أسلم الطوسي، حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: قال


    عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: صلوا الصلوات في المسجد، فإنها من الهدى وسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
    وروى الإمام أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمنافقين علاماتٍ يعرفون بها؛ تحيّتهم لعنةٌ، وطعامهم نهبةٌ، وغنيمتهم غلولٌ، ولا يقربون المساجد إلا هجرا، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا مستكبرين، لا يألفون، ولا يُؤلفون، خشب بالليل، صخب بالنهار».
    وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره، عن كعب الأحبار أنه قال: والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل؛ شرَّابين للقهوات - يعني الخمور - ترّاكين للصلوات، لعّابين بالكعبات، رقّادين عن العتمات، مفرطين في الغدوات، ترّاكين للجماعات، قال: ثم تلا هذه الآية:
    [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَيَلْقَوْنَ غَيًّا] [مريم: 59].
    وروى أبو نعيم في "الحلية"، عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال: المنافق يقول: سواد الناس كثير، وسيغفر لي، ولا بأس علي، فينسئ العمل، ويتمنى على الله تعالى.
    وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن جرير، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المنافق كمثل الشّاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرّةً، وإلى هذه مرة».
    زاد أحمد والنسائي: «لا تدري أيهما تتبع».


    قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه: من النفاق ما هو أكبر؛ يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار؛ كنفاق عبد الله بن أُبي وغيره، بأن يظهر تكذيب الرسول، أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه، ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه إلا عدوا لله ورسوله.
    وهذا القدر كان موجودا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما زال بعده، بل هو بعده أكثر منه على عهده؛ لكون موجبات الإيمان على عهده أقوى، فإذا كانت مع قوتها وكان النفاق موجودا، فوجوده فيما دون ذلك أولى، وفي المنتسبين إلى الإسلام من عامة الطوائف منافقون كثيرون في الخاصة والعامة، ويسمون الزنادقة، وهؤلاء يكثرون في المتفلسفة من المنجمين ونحوهم؛ ثم في الأطباء، ثم في الكُتَّاب أقل من ذلك، ويوجدون في المتصوفة، والمتفقهة، وفي المقاتلة، والأمراء، وفي العامة أيضا، ولكن يوجدون كثيرا في نحل أهل البدع لا سيما الرافضة، ففيهم من الزنادقة والمنافقين ما ليس في أحد من أهل النحل، ولهذا كانت الخرمية، والباطنية، والقرامطة، والإسماعيلية، والنصيرية، ونحوهم من المنافقين الزنادقة منتسبة إلى الرافضة.
    وهؤلاء المنافقون في هذه الأوقات، لكثير منهم ميل إلى دولة هؤلاء التتار؛ لكونهم لا يُلزمونهم شريعة الإسلام، بل يتركونهم وما هم عليه، وبعضهم إنما ينفرون عن التتار لفساد سيرتهم في الدنيا، واستيلائهم على الأموال، واجترائهم على الدماء والسبي، لا لأجل الدين، فهذا ضرب النفاق الأكبر.
    وأما النفاق الأصغر فهو النفاق في الأعمال ونحوها؛ مثل أن يكذب إذا


    حدَّث، ويخلف إذا وعد، ويخون إذا اؤتُمن، أو يفجر إذا خاصم. انتهى.
    قلت: ومن النفاق الأكبر أيضا بغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغض شيء منه.
    ومنه أيضا التحاكم إلى الطواغيت والقوانين الدولية، وعدم الرضى بالأحكام الشرعية، قال الله تعالى:
    [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا] [النساء: 60 - 61]، ثم نفى تبارك وتعالى الإيمان عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم عند الخصومات والتنازع، ويرضى بحكمه، ويطمئن إليه قلبه، ولا يبقى لديه شك ولا شبهة في أنما حكم به فهو الحق الذي يجب المصير إليه، فيذعن لذلك، وينقاد له ظاهرا وباطنا، وأقسم سبحانه وتعالى على هذا النفي بنفسه الكريمة المقدسة فقال تعالى: [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّاقَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] [النساء: 65].
    وقد وقع في هذا النوع كثير من أهل زماننا، ولاسيما أهل الأمصار الذين غلبت عليهم الحرية الإفرنجية، وهانت لديهم الشريعة المحمدية، فاعتاضوا عن التحاكم إليها بالتحاكم إلى القوانين والسياسات والنظامات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما شرعتها لهم الدول الكافرة بالله ورسوله، أو من يتشبه بهم ويحذو حذوهم من الطواغيت الذين ينتسبون إلى الإسلام وهم عنه بمعزل.


    وكثير من المتحاكمين إليها يعتذرون بما كان يعتذر به سلفهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما أخبر الله تعالى عنهم بذلك في قوله: [فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْأَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا] أي يقولون: ما أردنا بالتحاكم إلى أعداء الرسول إلا المداراة والمصانعة، لا اعتقاد صحة حكمهم. وهكذا يقول كثير من المتحاكمين إلى المحاكم المؤسسة على العمل بالنظامات والقوانين الخاطئة، تشابهت قلوبهم، فالله المستعان.
    وأقبح من فعل المنافقين ما يُذكر عن بعض أهل زماننا أنهم قالوا: إن العمل بالشريعة المحمدية يؤخرهم عن اللحاق بأمم الإفرنج وأضرابهم من أعداء الله تعالى، وهذه ردة صريحة قيض الله لأهلها من يعاملهم معاملة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لإخوانهم من قبل.
    ومن النفاق الأكبر أيضا الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، ولو كان على وجه المزح واللعب، قال الله تعالى:
    [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَإِيمَانِكُمْ] [التوبة: 65 - 66]، وقد وقع في هذا كثير من الملاحدة في زماننا؛ كصاحب الأغلال وأمثاله من المرتدين المنافقين، ومثل ذلك الاستهزاء ببعض أمور الدين كما يقع ذلك من كثير من الجهال، ويلتحق بذلك أيضا الاستهزاء بأهل الدين والسخرية بهم كما يفعله كثير من السفهاء، وقد أنزل الله تعالى سورة براءة؛ فكشف فيها أسرار المنافقين، وهتك أستارهم وفضحهم، وأخزاهم في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون، قال الله تعالى: [أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ

    مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ] [التوبة: 63].
    وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: سورة التوبة؟ قال: آلتّوبة؟! هي الفاضحة، ما زالت تنزل: ومنهم، ومنهم، حتى ظنوا أنها لم تُبق أحدا منهم إلا ذُكر فيها.
    وقال البغوي في تفسيره: قال قتادة: هذه السورة تسمى الفاضحة، والمعيرة، والمثيرة؛ أثارت مخازيهم ومثالبهم. انتهى.
    وكل من فعل شيئا من أفعالهم التي ذكرها الله عنهم في سورة براءة وغيرها من السور فهو شريكهم في النفاق بقدر ما فعل، فمستقل ومستكثر، وأولو البصائر والفراسة الإيمانية يعرفون كثيرا منهم بما يبديه الله على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم من آثار المرض الكامن في قلوبهم، وبما يظهر من أفعالهم المطابقة لأفعال المنافقين، قال الله تعالى:
    [أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ] [محمد: 29 - 30]؛ ولحن القول: هو فحوى الكلام الدال على مقصد المتكلم به.
    قال البغوي رحمه الله تعالى: والمعنى: تعرفهم فيما يعرضون به؛ من تهجين أمرك وأمر المسلمين، والاستهزاء بهم. انتهى.
    وما أكثر الواقعين في أمراض النفاق في زماننا هذا، حتى في كثير ممن ينتسب إلى العلم، فالله المستعان.


    ومن أوضح العلامات التي يعرف بها المنافقون إقدامهم على رد الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجراءتهم على تكذيبها ومعارضتها بغير مستند صحيح، بل بمجرد الرأي الفاسد والظن الكاذب، وكذلك الطعن في أئمة الحديث الذين أجمع العلماء على إمامتهم وجلالتهم، ووصفهم بالعجمة، ورميهم باختلاق الأحاديث، وأعظم من ذلك الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وكل هذا قد رأيناه في كتب لضُلال العصريين، وتعليقات لهم كثيرة، وإنما يفعلون ذلك إذا أعيتهم الأحاديث أن يفهموا معانيها، أو لم يظهر لهم وجه الحكمة منها، وربما يفعلون ذلك إذا عارضت الأحاديث ما فتنوا به مما تلقوه من آراء أعداء الله وقوانينهم وسياساتهم ونظاماتهم، فالله المستعان.
    وقد رأيت لبعضهم كلاما سيئا على حديث: «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ... » الحديث، فطعن في الحديث أولاً بغير حجة، ثم قدح في الصحابي الذي رواه، ثم تجاوز ذلك إلى الكلام في النبي صلى الله عليه وسلم وتخطئته، ومعارضة قوله بكلام الأطباء الكفرة وآرائهم الفاسدة، وهذا عين النفاق عياذا بالله من ذلك (1).
    __________
    (1) بعد هذا الكلام ضرب الوالد رحمه الله على عدد من الصفحات، وأسقط أربعا منها، وقد أشار رحمه الله إلى نقل المكتوب فيها إلى كتابه "إقامة البرهان على نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان".
    والمضروب عليه والمسقط يبتدئ من أثناء السطر الخامس من صفحة 119 من المخطوط إلى السطر الحادي عشر من صفحة 126 مع حواشيها وملحقاتها.


    ومن ذلك تولي أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من أصناف الكفار والمشركين، وتفضيل ولاياتهم وسياساتهم وقوانينهم على ولاية المسلمين وسياسة الشرع الشريف وأحكامه، قال الله تعالى: [وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ] [المائدة: 50 - 51]، وما أكثر الواقعين في هذا أو بعضه من المنتسبين إلى الإسلام في هذه الأزمان، وما أكثر من يميل منهم إلى الحرية الإفرنجية ويؤثرها؛ لتحصيل أغراضه الفاسدة، ونيل شهواته العاجلة من أنواع الفسوق والعصيان، ويكره الولاية الإسلامية التي تمنعه من تعاطي المحرمات، وتؤدِّبه على المخالفات.
    ومن علامات المنافقين أيضا بغض الأنصار لما في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار».
    وفي رواية لمسلم: «آية المنافق بغض الأنصار، وآية المؤمن حب الأنصار».
    روى الإمام أحمد، والبخاري في تاريخه، والطبراني، عن سعد بن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأنصار مِحْنة، حبهم إيمان، وبغضهم نفاق».
    وروى البخاري في تاريخه أيضا، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبغض الأنصار إلا منافق».


    وفي الصحيحين عن البراء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله».
    وفي المسند، و"التاريخ الكبير" للبخاري، عن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله».
    وفي المسند أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله».
    وفي صحيح مسلم عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر».
    وفيه أيضا عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر».
    وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله ورسوله، أو إلا أبغضه الله ورسوله».
    ورواه الترمذي ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر» قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما آمن بي من لم يحبني، وما أحبني من لم يحب الأنصار» رواه الدارقطني والبيهقي.
    وعن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب قال: أخبرتني جدتي، عن أبيها رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن بالله من لم يؤمن


    بي، ولا يؤمن بي من لم يحب الأنصار» رواه الدارقطني في سننه.
    ومن أوضح الأدلة على بغض الأنصار هجائهم، والرضا بذلك، وتقريره ونشره، وقد أخبرنا من يُوثق به من التلاميذ أن بعض المدرسين من أدعياء العلم أملى عليهم قصيدة الأخطل النصراني في ذم الأنصار وهجائهم، قال: فامتنع بعض التلاميذ من كتابتها وقالوا: هذا هجاء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز ذلك، فألزمهم أن يكتبوا ذلك، وأن لا يعارضوه في شيء مما يمليه عليهم، قال: وأملى عليهم أيضا لبعض الشعراء في هجو بعض الصحابة رضي الله عنهم، ومدح الحجاج وأمثاله من الظالمين.
    قلت: وهذا دليل على النفاق، والبغض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس العجب من هذا وأمثاله من المغموصين بالنفاق، وإنما العجب من الذين يستجلبونهم من الأماكن البعيدة، ويمكنونهم من إظهار ذلك ونشره بين المسلمين، ومن بث البدع والتكلم بها علانية في المجامع، فالله المستعان وعليه التكلان.
    ومن علامات المنافقين أيضا بغض علي رضي الله عنه؛ لما في صحيح مسلم عنه رضي الله عنه أنه قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة؛ إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.
    ورواه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
    وفي المسند عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم


    يقول لعلي: «لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق».
    وفي المسند أيضا، ومستدرك الحاكم عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله».
    وفي المستدرك للحاكم أيضا عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليها فقد أبغضني» قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه.
    إذا علم هذا فليس المراد بحب علي رضي الله عنه ما يفعله الروافض من الإطراء والغلو فيه، والإفراط في حبه، حتى آل بهم ذلك إلى أن اتخذوه إلها من دون الله، وإنما المراد ما عليه أهل السنة والجماعة من الاقتصاد في حبه؛ لما روى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"، وفي كتاب "السنة"، والحاكم في مستدركه عن علي رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «فيك مثل من عيسى، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به»، ثم قال: يهلك فيّ رجلان: محب مفرط يقرظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني.
    وفي كتاب "السنة" أيضا عن علي رضي الله عنه قال: مثلي في هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم، أحبته طائفة فأفرطت في حبه فهلكت، وأبغضته طائفة فأفرطت في بغضه فهلكت، وأحبته طائفة فاقتصدت في حبه فنجت.
    وإذا كان حب علي رضي الله عنه آية على الإيمان، وبغضه آية على النفاق،


    فحب من هو خير منه كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أولى أن يكون آية على الإيمان، وبغضهم آية على النفاق؛ لما روى البخاري، وأبو داود، والترمذي، وعبد الله ابن الإمام أحمد، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم. هذا لفظ البخاري.
    زاد أبو داود: ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم.
    وعند عبد الله بن أحمد: ثم لا نفضل أحدا على أحد.
    وفي رواية له: ويبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره علينا.
    وفي رواية له، ولأبي داود، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان رضي الله عنهم أجمعين.
    وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وأصحابه متوافرون أبو بكر، وعمر، وعثمان، ثم نسكت.
    وفي المسند أيضا من حديث عمر بن أسيد، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: رسول الله خير الناس، ثم أبو بكر، ثم عمر.
    وفي صحيح البخاري، وسنن أبي داود، وكتاب "السنة" لعبد الله ابن الإمام أحمد، عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول


    عثمان، قلت: ثم أنت، قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.
    وروى الإمام أحمد، وابنه عبد الله، من طرق كثيرة، وابن ماجة عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر.
    وفي بعض الروايات عند الإمام أحمد، وابنه عبد الله، عن أبي جحيفة، وعبد خير، عن علي أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر عمر، ولو شئت سميت الثالث.
    وروى أبو نعيم في "الحلية" من طريق محمد بن المثنى قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: سمعت الحجاج بن المنهال يقول: سمعت حماد بن سلمة يقول: سمعت عاصما يقول: سمعت زرا يقول: سمعت أبا جحيفة رضي الله عنه يقول: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منبر الكوفة فقال: ألا إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ولو شئت أن أخبركم بالثالث لأخبرتكم، ثم نزل من على المنبر وهو يقول: عثمان، عثمان.
    ثم رواه أبو نعيم بإسناد آخر، عن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة نحوه.
    وروى أبو نعيم أيضا من طريق بشر بن الحارث، عن عبد الله بن داود الخريبي، عن سويد مولى آل عمر بن حريث قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول على المنبر: إن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
    وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة": حدثني أبي، حدثنا هشيم، حدثنا حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا إن خير هذه الأمة بعد


    رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، فمن قال سوى هذا بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري. إسناده صحيح على شرط الشيخين.
    وقد اختُلف في سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عمر رضي الله عنه، فقال يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي: إنه لم يسمع منه.
    وقال مسلم في مقدمة صحيحه: إنه قد حفظ عن عمر. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: وهو الصواب إن شاء الله.
    قلت: وفي مسند الإمام أحمد ما يدل على ذلك؛ ففيه بإسناد حسن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنت مع عمر فأتاه رجل فقال: إني رأيت الهلال ... الحديث.
    وفيه أيضا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر رضي الله عنه قال: صلاة السفر ركعتان ... الحديث، وفي آخره: وقال يزيد -يعني ابن هارون-: ابن أبي ليلى قال: سمعت عمر.
    وقد روى البخاري في تاريخه الصغير، بسنده عن ابن أبي ليلى قال: ولدت لست سنين بقين من خلافة عمر. وكذا ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أنه ولد لست بقين من خلافة عمر.
    ومثل هذا السن يعقل فيه الذكي كثيرا مما يراه ويسمعه، بل بعض الأذكياء يحفظ كثيرا من الأشياء لأقل من هذا السن، وعلى هذا فظاهر حديث ابن أبي ليلى عن عمر رضي الله عنه الاتصال، ولم يصنع شيئا من نفى سماعه منه من أجل صغره، والله أعلم.


    وفي جامع الترمذي، ومستدرك الحاكم، عن عائشة رضي الله عنها، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أبو بكر سيدنا، وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في تلخيصه.
    إذا عُرف هذا فالواقع من حال المنتسبين إلى الإسلام شاهد بصحة ما قلنا من الأولوية، فهذه طائفة الروافض، الذين يبغضون أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، ويسبونهم ويتبرءون منهم، فيهم من الزنادقة والمنافقين ما ليس في أحد من أهل النحل، فأبعد الله الروافض وخذلهم، وأبعد الله الخوارج الذين يبغضون عثمان وعليا رضي الله عنهما، ويسبونهما ويتبرءون منهما، وأبعد الله كل من أبغض أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تنقصه أو سبه أو تبرأ منه، ورحمة الله على أهل السنة والجماعة الذين يتولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم، ويحبونهم وينشرون فضائلهم، و
    [ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَاإِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] [الحشر: 10].
    وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصيْفه».
    وفي رواية: «لا تسبوا أحدا من أصحابي» والباقي مثله.
    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الرواية الأولى عن أبي هريرة. رواه الترمذي والطبراني، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.


    وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه» رواه الإمام أحمد، والترمذي وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
    وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شرار أمتي أجرؤهم على صحابتي» رواه أبو نعيم في الحلية.
    وله أيضا من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى الناس يكثرون، وأصحابي يقلون، فلا تسبوهم، من سبهم فعليه لعنة الله».
    وعن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شرّكم» رواه الترمذي وقال: هذا حديث منكر، لا نعرفه من حديث عبيد الله بن عمر إلا من هذا الوجه.
    وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله من سب أصحابي» رواه الطبراني.
    وله أيضا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله من سب أصحابي» رواه الطبراني.
    وله أيضا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين».
    وفي مستدرك الحاكم عن عويم بن ساعدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى اللهعليه وسلم قال: «إن الله تبارك وتعالى اختارني، واختار لي أصحابا، فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا


    يقبل الله منه يوم القيامة صرف ولا عدل» قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه.
    وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة، وهو رواية عن الإمام مالك.
    وقال محمد بن سيرين: ما أظن رجلا يبغض أبا بكر وعمر يحب النبي ?. رواه الترمذي.
    وعن مغيرة قال: كان يقال: شتمُ أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- من الكبائر. رواه ابن أبي حاتم.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ كما فرض الصلاة والصيام والحج والزكاة، فمن أبغض واحدا منهم فلا صلاة له ولا حج ولا زكاة له، ويحشر يوم القيامة من قبره إلى النار» هكذا ساق هذا الحديث القاضي أبو الحسين في ترجمة صدقة بن موسى من طبقات الحنابلة، والله أعلم.
    وروى أبو نعيم في الحلية من حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، أو عن زيد بن وهب، أن سويد بن غفلة دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في إمارته فقال: يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- بغير الذي هما أهل له من الإسلام، فنهض إلى المنبر وهو قابض على يدي فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسبة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق، فحبها


    قربة، وبغضهما مروق، ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه، وصاحبيه، وسيدي قريش، وأبوي المسلمين، فأنا بريء ممن يذكرهما وعليه معاقب.
    وبالجملة فالنفاق من أشد الأمور خطرا، فينبغي للمؤمن أن يحذر منه أشد الحذر، ويخافه على نفسه ولا يأمنه، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم مع كثرة تقواهم لله تعالى، وشدة اجتهادهم في العبادة يخافونه على أنفسهم.
    وروي أن عمر رضي الله عنه قال لحذيفة: أنشدك الله أمنهم أنا؟ قال: لا، ولا أؤمِّن منها أحدا بعدك.
    قال ابن القيم رحمه الله تعالى: سمعت شيخنا -يعني أبا العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى- يقول: ليس مراده أني لا أبرِّئ غيرك من النفاق، بل المراد: لا أفتح عليّ هذا الباب؛ فكل من سألني هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم أزكيه. انتهى.
    وقال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه. ويُذكر عن الحسن أنه قال: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق.
    وروى جعفر الفريابي، عن المعلى بن زياد قال: سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وكان يقول: من لم يخف النفاق فهو منافق.


    وسمع رجل أبا الدرداء يتعوذ من النفاق في صلاته، فلما سلم قال له: ما شأنك وشأن النفاق؟! فقال: اللهم اغفر لي -ثلاثا- لا تأمن البلاء، والله إن الرجل ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه.
    وعنه ? أنه قال: ما الإيمان إلا كقميص أحدكم، يخلعه ويلبسه أخرى، والله ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه فوجد فقده. رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
    وفي صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما-: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون.
    وفيه أيضا عنه رضي الله عنه قال: إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان.
    قلت: إذا كان هذا قول حذيفة رضي الله عنه في زمن الخلفاء الراشدين، ووقت عزة الإسلام وظهوره، وانقماع المنافقين وذلهم بين المؤمنين، فكيف لو رأى حال الأكثرين في أواخر القرن الرابع عشر، فقد تغيرت فيه الأحوال وانعكست الأمور، وظهر الكفر والنفاق، حتى كان بعض ذلك يُدرس في المدارس ويعتنى به، فالله المستعان.
    فمن ذلك ما فشا في زماننا؛ من موافقة طواغيت الإفرنج، وزنادقة المنجمين ونحوهم، وتقليدهم فيما ذهبوا إليه من التخرصات، والظنون الكاذبة المخالفة للقرآن والأحاديث الصحيحة؛ كقولهم: إن الشمس قارة ساكنة لا تزول عن مكانها، وإن الأرض هي التي تجري وتدور حول


    الشمس، وشبهوا ذلك براكب القطار ونحوه من المراكب السريعة يرى في حال سيرها كأن الذي حوله من المباني والشجر يسير، وكأن ما تحته من المركوب واقف، والحال بالعكس، قالوا: فهكذا الأرض مع الشمس، فالشمس قارة لا تزول، والأرض هي التي تجري، ولها دورتان، دورة في كل يوم وليلة، ودورة في كل سنة، هكذا افتروا وزعموا، وهي دسيسة خبيثة من دسائس أعداء الله ورسوله والمؤمنين، قد جعلوها حبالة يصيدون بها خفافيش الأبصار من غوغاء المسلمين وجُهَّالهم، ويحملونهم بذلك على تكذيب القرآن والأحاديث الصحيحة، حتى ينسلخوا من دين الإسلام بالكلية ويصيروا كفارا مثلهم، وقد قال تعالى: [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوافَتَكُونُونَ سَوَاءً] الآية [النساء: 89]، وقال تعالى: [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ] [البقرة: 109]، وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْهُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] [آل عمران: 100 - 101]، وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُواخَاسِرِينَ] [آل عمران: 149]، ففي هؤلاء الآيات الكريمات أبلغ تحذير للمؤمنين من طاعة الكفار والمنافقين، وقبول آرائهم وظنونهم وتخرصاتهم، فإنهم لا يألون المسلمين خبالا، وودوا ما عنَّتهم، وأزلَّهم عن الحق، وأضلهم عن الصراط السوي والهدى، وقد

    جعل الله سبحانه وتعالى للمسلمين في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كفاية وغنية عما سواهما من أقوال الناس وآرائهم وتخرصاتهم، قال الله تعالى: [أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىلِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] [العنكبوت: 51]، وقال تعالى: [وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىعَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ] [آل عمران: 101]، وقال تعالى: [اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ] [الأعراف: 3].
    وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء»، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم، تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء. رواه ابن ماجة.
    وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» رواه الإمام أحمد، وابن ماجة، والحاكم في مستدركه.
    ومن لم يكتف بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عند المسلمين من العلوم الشرعية النافعة المستفادة من الكتاب والسنة، بل ذهب يطلب غير ذلك من أقوال الكفار والمنافقين وآرائهم وتخرصاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، فأبعده الله ولا كفاه، والمقصود ههنا التحذير من دسيسة أعداء الله التي قد سرت في جميع الأقطار الإسلامية على أيدي الكفار والمنافقين، وقبلها الجماهير تلو الجماهير من الأغبياء الغافلين الذين لا يسمعون ولا يعقلون،
    [إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا]، وليس للكفار

    والمنافقين ومقلديهم حجة على هذا القول الذي شغفوا به؛ لا من كتاب الله تعالى ولا من أخبار المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وإنما يعتمدون على ما زخرفته لهم شياطين الإنس والجن من الآراء الفاسدة، والظنون الكاذبة، والقياس الذي يكذبه الحس، ويعلم كل عاقل فساده بالبديهة، وقد قال الله تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُوَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ] [الأنعام: 112 - 113].
    وها أنا أذكر الأدلة على رد هذا القول الباطل من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليعرف الجاهلون به مغزاه، وما أراد به مخترعوه وموافقوهم من تكذيب القرآن (1).
    وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن».
    __________
    (1) سقط بعد هذا الكلام من الأصل ست صفحات من صفحة (131 - 136)، وهي المشتملة على الأدلة التي أشار -رحمة الله- إلى أنه سيذكرها من الكتاب والسنة على قرار الأرض ودوران الشمس، ولعله -رحمه الله- أزالها بعد أن نقل ما فيها إلى كتابه الذي صنفه لهذا الموضوع خاصة وهو كتاب "الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة"، أو إلى ذيله "ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق"، فاكتفى بذكرها هناك، والله أعلم.
    يؤكد ذلك أن الصفحات التالية وهي صفحة (137) من الأصل قد ضُرب على الأسطر الخمسة الأولى منا وما يتبعها من اللحق والحواشي.


    وفي المسند، وصحيح مسلم، وجامع الترمذي من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل» الحديث، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
    وفي المسند أيضا من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل، ويُزاد في حرِّها» الحديث.
    وفي المسند أيضا، وصحيح الحاكم، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تدنو الشمس من الأرض، فيعرق الناس .. » الحديث، قال الحاكم: صحيح الإسناد.
    وهذه الأحاديث الأربعة وإن كانت في أخبار يوم القيامة ففيها دلالة على أن الأرض قارة ثابتة، لا تفارق موضعها، ولو كانت الشمس هي القارة الثابتة لكانت الأرض هي التي تُدنى منها، وهذا خلاف نصوص هذه الأحاديث، والله أعلم.
    فهذا ما يسَّره الله تعالى من الآيات والأحاديث (1) الدالة على أن الشمس تسير وتدور على الأرض، وأن الأرض قارة ثابتة، خلاف ما يزعمه الجغرافيون من أن الشمس قارة، وأن الأرض تدور عليها، وحقيقة قولهم تكذيب الآيات والأحاديث التي ذكرنا، وإطراحها بالكلية، وذلك هو الكفر
    __________
    (1) الإشارة هنا بناء على ما كان في الأصل من ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على قرار الأرض ودوران الشمس، وقد سبقت الإشارة إلى أنه نقل ذلك إلى ما كتبه في هذا الموضوع بخصوصه، وهما كتابا الصواعق الشديدة، وذيل الصواعق، فليتنبه.


    الصريح، والضلال البعيد، قال الله تعالى: [ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ] [العنكبوت: 68]، وقول الجغرافيين في الشمس والأرض دائر بين افتراء الكذب والتكذيب بالحق.
    ومن أعجب العجب أنها قد جُعلتْ في زماننا من الفنون المهمة التي تدرس في كثير من المدارس، ويُعتنى بها في كثير من الأقطار الإسلامية أكثر مما يعتنى بالعلوم الشرعية، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا مصداق ما جاء في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل» الحديث متفق عليه.
    وفي رواية: «من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل».
    ولهما عن عبد الله بن مسعود، وأبي موسى -رضي الله عنهما- قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم» الحديث.
    ومن أقبح الجهل وأظلم الظلم تكذيب الله تعالى، وتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعارضة القرآن والسنة بأقوال الملاحدة والزنادقة وآرائهم الفاسدة، وتَعلُّم ذلك وتعليمه، فالله المستعان.
    وقد ثبت أيضا بالدليل العقلي أن الأرض قارة ساكنة لا تدور، ولا تفارق موضعها أبدا، وذلك بما يسره الله تعالى في زماننا من وجود المراكب الجوية التي تخترق الهواء في جميع أرجاء الأرض، فإن سيرها من المشرق


    إلى المغرب مثل سيرها من المغرب إلى المشرق، وكذلك سيرها من الجنوب إلى الشمال مثل سيرها من الشمال إلى الجنوب، كل ذلك لا يختلف، ولو كان الأمر على ما يزعمه الجغرافيون لكان من في المشرق إذا أراد المغرب رفع طائرته في الهواء، ثم امسكها وقتا يسيرا حتى تصل إليه أقطار المغرب فينزل فيها، وأما من في المغرب فلا يمكنه أن يسير إلى المشرق في مركب جوي أبدا؛ لأنه إذا رفع طائرته عن الأرض فاتته الأرض بسرعة سيرها، هذا على حد زعمهم، وكذلك الذين في الجنوب والشمال لابد أن تفوتهم الأرض بسرعة سيرها، فلا يهتدون إلى موضع قصدوه، ولما كانت هذه التقديرات منتفية، وكان السير في الجو من الأقطار المتباينة مقاربا بعضه بعضا؛ دل ذلك على أن الأرض قارة ساكنة، فقاتل الله زنادقة الجغرافيين الذين خالفوا النقل والعقل جميعا.
    ومن كفريات الجغرافيين التي تدرس في كثير من المدارس أيضا، ويعتني بها كثير من الجهال؛ إضافتهم الإيجاد والتكوين في بعض الأشياء إلى الطبيعة لا إلى الفاعل المختار جل جلاله.
    ومن الجهل الفاضح، وتكذيب الآيات والأحاديث الصحيحة ما زعمه بعض العصريين من كون الملائكة غير عقلاء، وإنما هم عنده بمنزلة الجمادات والنباتات، وفي هذا القول الوخيم أعظم تنقص بالرب جل جلاله، حيث ائتمن على وحيه ووكل بكثير من أمور مخلوقاته من لا يعقل، وفيه أيضا تنقص بجميع الأنبياء والمرسلين حيث أخذوا عمَّن لا يعقل، وفيه أيضا تنقص بالقرآن، وجميع الكتب السماوية، وما فيها من الشرائع


    المنزلة من عند الله تعالى بسفارة الملائكة الكرام، وفيه أيضا تنقص بجميع المؤمنين بالرسل حيث التزموا بشرائع وصدقوا بأمور جاء بها من لا يعقل، هذا ما يقتضيه زعم هذا المبطل، وهو زعم كاذب خاطئ، [كَبُرَتْ كَلِمَةًتَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا].
    والمقصود ههنا التحذير من مكائد أعداء الله ودسائسهم وزخارفهم التي اغتر بها كثير من الناس، حتى آل الأمر ببعضهم إلى تكذيب ما جاء في القرآن والأحاديث الصحيحة، ومعارضة ذلك بآراء أعداء الله وتخرصاتهم، وذلك هو الكفر بعد الإيمان كما تقدم في حديث حذيفة رضي الله عنه، وقد قال الله تعالى:
    [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ * أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَأَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ] [الأنعام: 112 - 117]، وقد نصب أعداء الله الحبائل للمسلمين، وكادوهم بأنواع الكيد والمكر والخداع، وزخرفوا لهم الشبهات والشكوك، ونشروا ذلك في الكتب والصحف؛ ليفتنوهم ويردوهم عن دينهم إن استطاعوا، فمن أصغى إلى أقوالهم،

    وأكبَّ على مطالعة كتبهم وصحفهم فقد عرّض نفسه للبلاء، وألقى بيده إلى التهلكة، ولا يؤمَن عليه أن يقع في كفر أو نفاق أو بدعة، كما وقع ذلك لكثير من المشغوفين بأقوال أعداء الله وآرائهم وتخرصاتهم، والمعصوم من عصمه الله تعالى، قال الله تعالى: [مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِوَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا] [الكهف: 17].
    [غربة الإسلام الجزء الأول ص344إلى372]

يعمل...
X