• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة السهام الحمراء [2]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة السهام الحمراء [2]

    الكاوي
    لتأصيلات وشطحات
    محمد بن عبدالوهاب الوصابي


    (الحلقـــــة الأولـــــى)
    تأليف: أبي حمزة
    محمد بن حسين بن عمر العمودي الحضرمي نسبًا العدني منزلاً


    قرأها وأذن بنشرها
    فضيلة شيخنا الكريم المكرَّم والدنا الناصح الأمين
    العلامة المحدث الفقيه أبي عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري
    أعزّه الله تعالى وأعزّ به دينه




    **حمل الرسالة من**
    **الخزانة العلمية**
    **لشبكة العلوم السلفية**

    التعديل الأخير تم بواسطة خالد بن محمد الغرباني; الساعة 23-09-2010, 06:17 PM.

  • #2
    الرد كاملا

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الحكيم العليم والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه ومن تمسك بسنته وصدق في اتباع هديه إلى يوم الدين، أما بعد.


    إن بقاء أهل البدع والفتن والأهواء بين أوساط المسلمين، ليعتبر مفسدة محضة، لهم ولغيرهم، وذلك لفسادهم وفساد عقائدهم، وانحراف أخلاقهم وسلوكهم، وبث الشكوك والشبهات بين أوساط المسلمين، فيحصل من الشرّ للمسلمين الشيء العظيم، ولهذا كان ذهابهم وهلاكهم وموتهم راحة للعباد والبلاد والشجر والدواب.
    عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: (الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) أخرجاه.
    قال الحافظ النووي -رحمه الله- في "شرح مسلم" (7/20-21): ..... وأما استراحة العباد من الفاجر: معناه اندفاع أذاه عنهم، وإذاه يكون من وجوه، منها: ظلمه لهم، ومنها: ارتكابه للمنكرات؛ فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك، وربما نالهم ضرره، وإن سكتوا عنه أثموا.اهـ
    قال ابن التين -رحمه الله-: ..... والفاجر يحتمل أن يريد به الكافر، ويحتمل أن يدخل فيه العاصي.اهـ من "الفتح" (11/372).

    قلت: وحمل الحديث على العموم أولى إذ أن ضرر المبتدع الذي يشكك المسلمين في دينهم، بإلقاء الشبه عليهم، وصدهم عن سبيل الله تعالى أعظم وأعظم، فالكفار يفسدون القلوب تبعًا، وأما المبتدعة فيفسدونها ابتداءً كما ذكر ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله-.

    قال سلمة بن شبيب -رحمه الله-.: كنت عند عبدالرزاق، فجاءنا موت عبدالمجيد بن عبدالعزيز، فقال عبدالرزاق: الحمد لله الذي أراح أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عبدالمجيد.اهـ من "تهذيب التهذيب" ترجمة عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي روّاد المرجئ، باختصار يسير جدًا.

    قال الداودي -رحمه الله-.: ..... واستراحة البلاد مما يأتي به من المعاصي؛ فإن ذلك مما يحصل به الجدب، فيقتضي هلاك الحرث والنسل. ذكره في "الفتح" (11/372).

    قلت: ويؤيد ذلك قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)).

    وإلى "الكاوي لتأصيلات وشطحات الشيخ محمد الوصابي":
    قال الشيخ الوصابي: لا نعادي إلا أبا الحسن فقط؟!!!!!( )

    قلت: ومقتضى ذلك أنه لا يعادي إلا بعض رؤوس أهل البدع دون أتباعهم، وهذه قاعدة كاسدة خاسرة، وبيان بطلانها وكسادها من وجوه:
    الوجه الأول: أن الأدلة في ذم المبتدعة والتحذير منهم ومن صحبتهم ومجالستهم ومحادثتهم ومخالطتهم وتعظيمهم والثناء عليهم والتماس الأعذار لهم والدفاع عنهم وإجابة دعوتهم وغير ذلك من المفاسد والمخاطر والأضرار، كل ذلك ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على وجه العموم، وسار على ذلك السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم ومن تبعهم بإحسان، والأدلة على ذلك كثيرة، فمن القرآن:
    قال الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32))، وقال سبحانه: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153))، وقال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)، وقال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)، وقال تعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)، وقال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)، وقال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159).

    ومن السنة:
    عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) أخرجاه. وفيه قصة.
    وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا( ) فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) متفق عليه.

    قال الحافظ ابن الأثير -رحمه الله- في "النهاية": الحَدَث : الأمرُ الحادِث المُنكَر الذي ليس بمُعْتاد ولا معروف في السُّنَّة، والمُحْدث: يُرْوَى بكسر الدال وفَتْحها على الفاعل والمفعول، فمعنى الكَسْر: مَن نَصَر جانِياً أو آواه وأجارَه مِن خَصْمه وحال بينَه وبين أن يَقْتَصَّ منه، والفتح: هو الأمر المُبْتَدَع نَفْسه، ويكون معنى الإِيواء فيه الرّضا به والصبر عليه؛ فإنه إذا رَضِيَ بالبِدْعة وأقرَّ فاعلَها ولم يُنْكِرْ عليه فقد آوَاهُ، ومنه الحديث ( إيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمور ) جمع مُحْدَثة - بالفتح - وهي ما لم يكن معروفا في كتاب ولا سُنَّة ولا إجْماع.اهـ المراد

    عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً). أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وحسنه شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه. وفي رواية أخرى: (كلها في النار إلا واحدة)، وذكر أنها الجماعة. انظر "الصحيحة" للعلامة الألباني رحمة الله عليه رقم (203-204).

    والأقوال عن السلف رحمة الله عليهم في ذلك كثيرة، نكتفي بذكر اثنين منها:

    الأول: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- : لا تجالسوا أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلوب. رواه ابن بطة في "الإبانة" رقم (371) وغيره، وهو صحيح عنه.

    الثاني: عن أبي قلابة عبدالله بن زيد الجرمي -رحمه الله- قال: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون. رواه الدارمي في المقدمة رقم(405) وهو صحيح.

    ولمزيد فائدة انظر "ملزمة" أبي زيد معافى حفظه الله ورعاه المتقدمة ذكرها.

    ومن ادعى التفريق بين الرؤوس وأتباعهم وأنصارهم ممن تبنوا بدعتهم ودعوا إليها؛ فعليه بالدليل.
    الوجه الثاني: أن الله تعالى أمرنا بقتال المشركين كافة، أي: جميعهم، ويدخل في ذلك أتباعهم وأنصارهم، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36).

    وعلى قول الشيخ محمد: لا نقاتل إلا قادة الكفر ورؤوسهم، وهذا فيه إبطال شرعية قتال الأتباع لقادة الشرك، والله عز وجل يقول: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)).

    الوجه الثالث: أن للبدعة أضرارًا سيئة للغاية، تعود على صاحبها بالخسارة في الدنيا قبل الآخرة، وهي كثيرة، فمنها:

    1- أن عمل المبتدع مردود عليه غير مقبول، يقول تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23))، وقال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104).

    عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ). متفق عليه، ولمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ).

    قال الحافظ بن رجب -رحمه الله- في "جامع العلوم والحكم" (ص73): والأعمال قسمان: عبادات، ومعاملات:

    فأما العبادات ، فما كان منها خارجاً عن حكم الله ورسوله بالكلية ، فهو مردود على عامله ، وعامله يدخل تحت قوله : (لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله) فمن تقرَّب إلى الله بعمل، لم يجعله الله ورسولُه قربة إلى الله، فعمله باطلٌ مردودٌ عليه وهو شبيهٌ بحالِ الذين كانت صلاتُهم عندَ البيت مُكاء وتصدية، وهذا كمن تقرَّب إلى الله تعالى بسماع الملاهي، أو بالرَّقص، أو بكشف الرَّأس في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسولُه التقرُّب بها بالكلية .

    2- أن المبتدع أقرب إلى الهلاك والفتنة والانحراف عن دين الله تعالى، يقول تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63).

    قال أبو العباس الفضل بن زياد -رحمه الله-: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول : نظرت في المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ثلاثة وثلاثين موضعا، ثم جعل يتلو: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وجعل يكررها، ويقول: وما الفتنة الشرك ، لعله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ فيهلكه، وجعل يتلو هذه الآية: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)، وقال: وسمعت أبا عبد الله، يقول:«من رد حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فهو على شفا هلكة ». قال الشيخ( ): فالله الله إخواني احذروا مجالسة من قد أصابته الفتنة فزاغ قلبه، وعشيت بصيرته، واستحكمت للباطل نصرته، فهو يخبط في عشواء، ويعشو في ظلمة أن يصيبكم ما أصابهم فافزعوا إلى مولاكم الكريم فيما أمركم به من دعوته، وحضكم عليه من مسألته، فقولوا: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8). أخرجه بن بطة في "الإبانة" (1/رقم97).

    3- أن المبتدع توبته محجوبة:
    عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته).
    قال الحافظ المنذري -رحمه الله- في "الترغيب" (1/86): رواه الطبراني، وإسناده حسن. وصححه العلامة الألباني رحمة الله عليه، انظر "الصحيحة" (4/رقم1620).
    قال الإمام أحمد -رحمه الله-: أي لا يوفق إلى التوبة.

    4- رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ليس إمامًا وأسوة وقدوة للمبتدعين، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
    قال تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ).

    قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" (3/51): وقال بعض السلف: هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث؛ لأن إمامهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.اهـ

    5- أن المبتدع لا يشرب من حوض نبينا الكريم محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللهم يا رب العالمين، إله الأولين والآخرين، ذا الجلال والإكرام، نسألك أن لا تحيل بيننا وبين حوض نبيك محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
    عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيَقُولُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ). أخرجه البخاري.
    عن عبدالله بن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ)، فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا.

    والأحاديث في هذا الباب كثيرة شهيرة. انظر "صحيح" البخاري مع "الفتح" (11/471) وما بعدها، و"صحيح" مسلم مع "شرح النووي" (15/52) وما بعدها.

    قال العلامة القرطبي -رحمه الله- في "التذكرة" في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص352-353): فصل: قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين: فكل من ارتد عن دين أو أحدث فيه مالا يرضاه الله ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طردًا، من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق، وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، ثم البعد قد يكون في حال، ويقربون بعد المغفرة،إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد، وعلى هذا التقدير يكون نور الوضوء، يعرفون به، ثم يقال لهم سحقًا، وإن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يظهرون الإيمان، ويسرون الكفر، فيأخذهم بالظاهر، ثم يكشف لهم الغطاء، فيقول لهم: سُحقًا سُحقًا، ولا يخلد في النار إلا الكافر جاحد مبطل، ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.

    فهذه الأضرار وغيرها كثير، يشترك فيها المبتدعة وأتباعهم وأنصارهم، ممن تبنوا بدعتهم ودعوا إليها، ومن قال بخلاف ذلك، فعليه بالبرهان.

    فائدة: فيها إشكال وجوابه:
    قال الحافظ النووي -رحمه الله- في "شرح مسلم" (12/16) عند حديث عائشة -رضي الله عنها- المتقدم في النهي عن الإحداث: وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام، وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات، وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة زِيَادَة وَهِيَ: أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة سَبَقَ إِلَيْهَا، فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُول: أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات، سَوَاء أَحْدَثَهَا الْفَاعِل، أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا، وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل لِمَنْ يَقُول مِنْ الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ النَّهْي يَقْتَضِي الْفَسَاد، وَمَنْ قَالَ: لَا يَقْتَضِي الْفَسَاد يَقُول هَذَا خَبَر وَاحِد، وَلَا يَكْفِي فِي إِثْبَات هَذِهِ الْقَاعِدَة الْمُهِمَّة، وَهَذَا جَوَاب فَاسِد، وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات، وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ.اهـ

    الوجه الرابع: المبتدعة يحملون أوزار من أضلوه، ويذوقون السوء بسبب صدهم عن سبيل الله تعالى، وتغشى وجوههم ذلة وصغار وقترة، قال تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)) وقال تعالى: (وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)).

    وقال تعالى: (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124))، وقال تعالى: (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ).
    عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم.

    وفي "المسند" "وسنن" ابن ماجة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَلَّمَ فَحَثَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: عِنْدِي كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَمَا بَقِيَ فِي الْمَجْلِسِ رَجُلٌ إِلَّا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُر، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ اسْتَنَّ خَيْرًا فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ كَامِلًا، وَمِنْ أُجُورِ مَنْ اسْتَنَّ بِهِ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ اسْتَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَاسْتُنَّ بِهِ، فَعَلَيْهِ وِزْرُهُ كَامِلًا، وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِي اسْتَنَّ بِهِ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا). الحديث حسنه شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه.

    عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) متفق عليه.
    وهذا عام في كل من دعا إلى ضلالة وصد الناس عن سبيل الله تعالى، ومن قال خلاف ذلك فهو معكوس منكوس.


    فائدة:
    قال شيخ الإسلام أبو عبدالرحمن عبدالله بن المبارك -رحمه الله- : صاحب البدعة على وجهه الظلمة، وإن ادهن كل يوم ثلاثين مرة. أخرجه اللالكائي في "السنة" (1/رقم 250).

    الوجه الخامس: أن المبتدعة لو لا أتباعهم وأنصارهم لما عُرفوا، فأتباعهم وأنصارهم هم الذين عرّفوهم للناس ودلّوا الناس إليهم، فحملوا عنهم بدعهم، وراجوا بها بين الناس، وماجوا ودوّنوها في كتبهم، وزادوا عليها أضعافًا مضاعفة، وغير ذلك مما لا يخفى على كل ذي لُبّ، فصار الأتباع والأنصار من هذه الحيثية، شرًّا من قاداتهم وأسيادهم، فهل بعد ذلك يأتي جويهل مدفوع ومدعوم، ويلبّس على الناس أمر دينهم، ويحصر العداء للقادة دون الأتباع، اللهم سلّم.

    قال شيخنا الكريم متع الله به في محاضرة له في "الحث على التمسك بدين الله": نحن مأمورون بإقامة دين الله على كتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مأمورون، ولا يتم اجتماع للمسلمين أبدًا إلا بهذا الإذاعان والإقامة، وأن لا يركب كل إنسان رأسه، وإن لا يغتر كل إنسان بفكره، وأن لا يعجب كل إنسان بسبب تبعيته، أو بأتباعه لا إن المسألة دين، وكما قيل ويلٌ للمتبوعين من الأتباع، فكم من إنسان :كان أتباعه سببًا في الزج به إلى الضلال، وعدم رجوعه إلى الحق والانصياع له، كم من إنسان على ذلك، اغتر بذلك الكم، وبذلك التابع، وكان على عوج، وحسبنا الله ونعم الوكيل.اهـ

    الوجه السادس: أن المبتدعة وأتباعهم وأنصارهم لا فرق بينهم، لا في الدنيا ولا في الآخرة لحديث: (المرء على دين خليله)، وحديث: (المرء مع من أحب يوم القيامة).

    أما في الدنيا: فأحكامهم واحدة، من حيث الهجر والحب والبغض، والكرّ عليهم وعلى بدعهم، والتنديد بهم وإشهارهم والتشريد بهم، وعدم الصلاة خلفهم( )، وعدم شهود جنائزهم، وعدم عيادة مرضاهم، وردّ شهاداتهم، والتنكيل بهم، وترك حديث الداعية منهم، وغير ذلك مما هو معلوم في مواضعه من كتب السنة.

    وأما في الآخرة فهم عرضة لسوء الحال: نسأل الله تعالى العافية والسلامة، قال تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167))
    وقال تعالى: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)).

    وقال تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)).

    وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)). وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)).

    وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)).

    وقال تعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وقال تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)).

    قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" (4/135): أي: كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله، عز وجل، فإنه دائم بدوامه.
    وهذا كما قال إبراهيم -عليه السلام- لقومه: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ).

    فهذا هو حالهم في الآخرة، فمن أين لنا التفريق يا فلان، بين المبتدعة وأتباعهم؟!!!

    تنبيه: إذا لم تكن البدعة مكفرة؛ فأهلها تحت المشيئة، لقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).

    الوجه السابع: قال الإمام الترمذي -رحمه الله- : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ قَال سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ، الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ). قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَبُو غَالِبٍ اسْمُهُ حَزَوَّرٌ. الحديث ذكره شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه في "الجامع الصيح" (2/165)، وترجم له: من أم قومًا وهم له كارهون، لأمر ديني. وهذا عام في كل مبتدع.

    الوجه الثامن: أنه قد ورد في بعض الأحاديث ذم الأتباع بخصوصهم: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ: إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الْإِزَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ: (وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ) قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: (لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي) ،قَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ: بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ) قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَالَ: (إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ)، قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: (لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ). متفق عليه.

    وأخبرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بأن الخوارج كلاب أهل النار). أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله- من حديث عبدالله بن أبي أوفى وأبي أمامة -رضي الله عنه- ، وحسنهما شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه. وفي حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- في بعض طرقه، كرر ذلك ثلاثًا.

    فماذا يقول الشيخ محمد في هذا الحديث، فهو بين أربعة أمور:

    1- إما أن يعادي أئمة الضلال دون أتباعهم.
    2- وإما أن يعادي الأتباع دون أئمتهم.
    3- وإما أن يعادي الأتباع وأئمتهم.
    4- وإما أن يعادي أهل السنة، ويود أهل البدع، ويتستر بعداوة رؤوسهم، فيصير مآله منهم، للأدلة المذكورة آنفًا، (المرء مع من أحب)، وأيضًا هؤلاء الأتباع لهم ولاء لرؤوسهم، فمن جالسوه قربوه من الرؤوس وحببوا الرؤوس إليه، وبغضّوا إليه من تنكر لهم، و(الأرواح جنود مجندة، ما تآلف منها ائتلف)، كما في "الصحيح" عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

    فإن قال بالأول خُصم، وإن قال بالثاني أُلجم، وإن قال بالثالث اضطرب وتناقض، وإن صار على الرابع، افتتن، ونعوذ بالله من شرّه.

    الوجه التاسع: أن القول بقاعدة الشيخ الوصابي هذه البطالة، يؤدي إلى إهدار قواد شرعية وثوابت سلفية، منها: التصفية والتربية، وضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضعف قاعدة هجر المخالف، وضعف الولاء للحق وأهله، والبراءة من الباطل وحزبه، وهدم باب الجرح، ومحاولة تمييعه، وإسقاط جهود علماء السنة، وغير ذلك من أصول دعوة أهل السنة، التي يحاول فيها الشيخ محمد ، ويسعى لهدمها. والحمد لله صارت هذه المساعي البطالة سببًا لإزهاق أصوله، (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26).
    وانظر أخي السلفي رعاني الله وإياك، إلى قول الله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)).
    ثم تأمل معي يا أخي رعاك الله قوله تعالى: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ).
    فهذا هو حقيقة المنهج الواسع الأفيح، الذي يدعوا إليه الشيخ محمد الوصابي، فهل هذا المنهج الأفيح وسائر أصول الشيخ محمد بن عبدالوهاب، استحالت على دين رب العالمين، حتى لا تبين و لا تذكر ولا تنكر، أما ماذا أيها الناس؟!!! أنبؤني في هذه المسالة بمنطق علمي سلفي، مؤيد بالأدلة، إن كنتم صادقين.
    ورحم الله الإمام أحمد إذ يقول: عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ تُذِيبَ الدُّنْيَا أَكْبَادَ رِجَالٍ وَعَتْ صُدُورُهُمْ الْقُرْآنَ. انظر "الآداب الشرعية" (ص308).

    وإلى هنا والحمد لله رب العالمين، سبحانك وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

    كتبه: محمد العمودي كان الله له في الدارين، ليلة الأحد الموافق/18/ربيع أول/1430هـ
    دماج دار الحديث والسنة العامرة رحم الله مؤسسها رحمة واسعة وحفظ خليفته القائم عليها من بعده ومتع به،
    ودفع عنه كيد الكائدين وشر الحاقدين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو إبراهيم علي مثنى; الساعة 31-03-2009, 02:40 PM.

    تعليق


    • #3
      هذه هي الحلقة الأولى وستلحق الحلقة الثانية قريبا إن شاء الله
      وكذلك تحميل المرفقات للملفين وبارك الله فيكم ونرجو المعذرة في طلوع بعض الرموز فهذا من الكاتب وليس هناك وقت للتعديل
      التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن هيثم الشبوي; الساعة 31-03-2009, 12:06 PM.

      تعليق


      • #4
        وهذه هي الحلقة الثانية بارك الله فيكم

        بسم الله الرحمن الرحيم
        الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد.
        قال الشيخ الوصابي في نصيحة ليلة عاشورا عام 1429هـ: ..... فإن الإنسان كلما أكثر من الشيوخ، كلما اتسعت دائرته العلمية، ونفس الكلام مسألة الجرح، إذا أخذت الجرح عن شخص واحد تصبح ما ترى إلا ما يراه هو، وتصبح أنت ضيق الأفق، ما عندك إلا عين واحدة، لكن خذ الجرح من أكثر من عالم من علماء السنة، ومن علماء التوحيد، خذ هذا العلم من أكثر من واحد، تتسع دائرتك العلمية، ..... فمن الخطأ أن الإنسان ينظر بنظرة ضيقة جدًا، وبعدين ما يرى إلا ما يراه هو، -لا- و سع دائرتك، انظر باقي المشايخ، إذا كان فلان جرّح فلانًا، انظر باقي المشايخ، كان السلف كانوا يمرون على فلان، على يحيى بن معين وعلي بن المديني والنسائي والبخاري والدارقطني وفلان وفلان، وابن أبي حاتم في الراوي الواحد.
        لهذا لما تقرأ في "تهذيب التهذيب" انظر كم فيه، هذا يعدّل، وهذا يجرّح، وهذا يقول حسن، وهذا يقول ضعيف، وهذا يقول متروك، وهذا يقول، ضعيف جدًا، كلام كثير، فما كانوا يلقصون فقط واحد وما في إلا هذا، فإذا كان شخص من الناس طعن مثلاً في شخص، انظر غيره، انظر غيره، من العلماء، ماذا قالوا، وسّع دائرتك العلمية، وآفاقك العلمية يا طالب العلم، سواءً كان في مجال الفقه أو في مجال العقيدة أو في مجال المصطلح وفي مجال علم الجرح والتعديل إلى غير ذلك، ومن أخذ بهذه الوصية سيجد ثمرتها، ويقول: نعم والله فعلاً فرق كبير بين أن تكون تلميذًا على إستاذ واحد، وبين أن تكون تلميذًا لعشرة مشايخ، ومن كبار مشايخ أهل السنة والجماعة.اهـ
        وقال في نصائحه (ص56): وتسمع من هذا العالم وتسمع من الثاني وتسمع من الثالث وتسمع من الرابع.اهـ
        قلت: وفي كلامه هذا عدة مفاسد ومخاطر وبيان ذلك من وجوه:
        الوجه الأول: فيه إبطال قاعدة قبول خبر الواحد العدل الثقة، ومن المقرر شرعًا: أن خبر العدل الصادق يقبل ويعمل به، وإليك برهان ذلك:
        قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}.
        قال العلامة القرطبي-رحمه الله- في "تفسيره" (16/312): الثانية - في هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا؛ لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق، ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا؛ لان الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها.اهـ وانظر "أحكام القرآن" للإمام أبي بكر بن العربي-رحمه الله-(4/132-133).
        قال العلامة الحافظ ابن القيم /: ..... الدليل الثاني: أن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} وفي القراءة الأخرى {فتثبتوا} وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد، أنه لا يحتاج إلى التثبت، ..... الخ كلامه-رحمه الله-. كما في " مختصر الصواعق" (ص550).
        قال العلامة الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان": وهي تدل على عدم تصديق الفاسق في خبره ، وصرح تعالى في موضع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق ، وذلك في قوله: {والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وأولئك هُمُ الفاسقون} [ النور : 4 ] ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره ، وقد دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين: الأول منهما: أن الفاسق إن جاء بنبإ ممكن معرفة حقيقته ، وهل ما قاله فيه الفاسق حق أو كذب فإنه يجب فيه التثبت، والثاني: هو ما استدل عليه بها أهل الأصول من قبول خبر العدل لأن قوله تعالى: {إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فتبينوا} بدل بدليل خطابه ، أعني مفهوم مخالفته أن الجائي بنبإ إن كان غير فاسق بل عدلاً لا يلزم التبين في نبئه على قراءة : فتبينوا. ولا التثبت على قراءة : فتثبتوا ، وهو كذلك.
        قال الحافظ-رحمه الله-: وجه الدلالة منها، يعني الآية: يؤخذ من مفهومي الشرط والصفة؛ فإنهما يقتضيان قبول خبر الواحد..... وقد شاع فاشيًا عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد من غير نكير، فاقتضى الاتفاق منهم على القبول، ولا يقال: لعلهم عملوا بغيرها، أو عملوا بها، لكنها أخبار مخصوصة بشيء مخصوص؛ لأنا نقول: العلم حاصل من سياقها، بأنهم إنما عملوا بها لظهورها، لا لخصوصها. اهـ انظر "الفتح" (13/247).
        قال العلامة السعدي-رحمه الله- في "تفسيره" (ص765): بل الواجب عند خبر الفاسق، التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه، كذب، ولم يعمل به، ففيه دليل، على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب، مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا، ولهذا كان السلف يقبلون روايات كثير من الخوارج، المعروفين بالصدق، ولو كانوا فساقًا.اهـ
        وقد سئل الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي-رحمه الله- في كتابه "الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية" (2/32): فضيلة الشيخ نرجوا أن توضحوا لنا هذه الأمور، ما رأيكم في قول بعض الشباب: أنا لا أقبل قول أي أحد، أن فلانًا من الناس مبتدع أو حزبي، إلا إذ كنت سمعت منه شخصيًا؟
        الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} ومقتضى هذا الأمر: أنه يجب التبين في خبر الفاسق، أما خبر العدل فإنه يؤخذ به، فكيف إذا كان المخبرون جماعة، ومن خيرة المجتمع وأعلاه، وأفضله علمًا وعدالة، فإنه يجب ويتحتم الأخذ به، ومن رده فإنما يرده لهوى في نفسه، لذلك فهو مدان، ويعتبر حزبيًا بهذا الرد، فهو يلحق بهم ويعد منهم، وبالله التوفيق
        وأنت خبير أخي السلفي رعاك الله تعالى: أن كلام الشيخ محمد هذا، كاف في محاولة إبطال هذه القاعدة الشرعية، وأنه صار في ذلك مجانبًا لهدي السلف رحمة الله عليهم، في هذه القاعدة، وغيرها من قواعد وثوابت هذا الدين القيم.
        الوجه الثاني: أن العالم البصير بهذا الفن الجليل، إذا جرّح شخصًا فإنه يجب قبول كلامه مطلقًا، من غير تفسير ولا بيان، وقد علمت دلالة آية الحجرات المتقدمة.
        قال الحافظ الخطيب-رحمه الله- في "الكفاية" (1/337/رقم276): حدثني محمد بن عبيد الله المالكي، قال: قرأت على القاضي أبي بكر محمد بن الطيب قال الجمهور من أهل العلم: إذا جرح من لا يعرف الجرح، يجب الكشف عن ذلك، ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن، والذي يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك، إذا كان الجارح عالما، والدليل عليه نفس ما دللنا به على أنه لا يجب استفسار العدل عما به صار عنده المزكى عدلا، لأننا متى استفسرنا الجارح لغيره فإنما يجب علينا لسوء الظن والاتهام له بالجهل بما يصير به المجروح مجروحا، وذلك ينقض جملة ما بنينا عليه أمره، من الرضا به، والرجوع إليه، ولا يجب كشف ما به صار مجروحا، وإن اختلفت آراء الناس فيما به يصير المجروح مجروحا، كما لا يجب كشف ذلك في العقود والحقوق، وإن اختلف في كثير منها والطريق في ذلك واحد. فأما إذا كان الجارح عاميا، وجب لا محالة استفساره.اهـ
        قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح-رحمه الله- في "المقدمة" (ص51): قلت( ): ولقائل أن يقول: إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح أو في الجرح والتعديل، و قلَّ ما يتعرضون فيها لبيان السبب، بل يقتصرون على مجرد قولهم: فلان ضعيف، وفلان ليس بشيء، ونحو ذلك، أو هذا حديث ضعيف، وهذا حديث غير ثابت ونحو ذلك، فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك، وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر.اهـ
        قال الحافظ العراقي-رحمه الله- في "التقييد" (ص137) : مجيبًا على هذا السؤال، ومما يدفع هذا السؤال رأسًا أو يكون جوابًا عنه: أن الجمهور إنما يوجبون البيان في جرح من ليس عالمًا بأسباب الجرح والتعديل، وأما العالم بأسبابهما فيقبلون جرحه من غير تفسير، ثم ذكر كلام أبي بكر الباقلاني والخطيب المتقدم. وقال قبل ذلك: وقد حكى القاضي أبو بكر عن الجمهور، قبول جرح أهل العلم بهذا الشأن من غير بيان، واختاره إمام الحرمين( ) وأبو بكر الخطيب والغزالي وابن الخطيب، ثم قال بعد ذلك: وما حكيناه عن القاضي أبي بكر هو الصواب.اهـ
        قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله- في "اختصار علوم الحديث" (1/286): أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفته، واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالأنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكاً، أو كذاباً أو نحو ذلك. فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم. ولهذا يقول الشافعي، في كثير من كلامه على الأحاديث: " لا يثبته أهل العلم بالحديث " ، ويرده، ولا يحتج به، بمجرد ذلك. والله أعلم.اهـ
        فهل يا شيخ محمد، الذي يؤخذ قول أحد علماء هذا الشأن المعتبرين، يكون ضيّق الأفق، ما عنده إلا عين واحدة، [يعني أعور] وأن دائرته العلمية ضيّقة، إذ أنه ينظر بنظرة ضيّقة جدًا إلى غير ذلك من الهراء؟!!!
        هل لك سلف صالح سبقك، وحاشاهم من هذا الخبط والخلط والفقه السقيم، وكفى بذلك إهدارًا لجهود علماء السلف رحمة الله عليهم.
        وكفى بذلك تضييعًًا وتمييعًا لقواعد السلف رحمة الله عليهم.
        والذي ألجأك إلى هذا أيها الشيخ المفتون هو: منهجك الواسع الأفيح، الذي لا تزال تسعى جادًا لأحيائه على حساب هدم وإبطال قواعد السلف الصالح رحمة الله عليهم.
        فيا قاتل الله الهوى، كيف يفتك بأصحابه، ويدل على بطلان هذا القول الأعور ما يأتي:
        الوجه الثالث: أن العالم من علماء هذا الشأن إذا جرّح واحدًا كان ذلك كافيًا في الأخذ بقوله، فإن كثروا فالأمر طيب، وإلا فلا يقال عنه أعور، ما يرى إلا بعين واحدة، ولا ضيّق الأفق، ولا يشترط أن يكثر عدد المجرّحين.
        قال الحافظ الخطيب-رحمه الله- في "الكفاية" (1/332): فإن صرح عدل واحد بما يوجب الجرح، فقد اختلف أهل العلم فيه ، فمنهم من قال: لا يثبت، كما لا يثبت في الشهادة، ومنهم من قال: يثبت ذلك، لأن العدد ليس بشرط في قبول الخبر، فلم يكن شرطا في جرح الراوي، ويخالف الشهادة، لأن العدد شرط في قبول الشهادة والحكم بها، فكان شرطا في جرح الشاهد، والله أعلم.اهـ
        قال الحافظ أبو عمر بن الصلاح-رحمه الله- في "المقدمة" (ص52): الرابعة: اختلفوا في أنه، هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد، أو لا بد من اثنين، فمنهم من قال: لا يثبت ذلك إلا باثنين كما في الجرح والتعديل، في الشهادات، ومنهم من قال: وهو الصحيح الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره: إنه يثبت بواحد .....الخ
        قال الحافظ النووي-رحمه الله-: الخامسة: الصحيح أن الجرح والتعديل يثبتان بواحد، وقيل لا بد من اثنين. انظر "تدريب الراوي" (1/308).
        قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله-في "اختصار علوم الحديث" (1/290): ويكفي قول الواحد في التعديل والتجريح على الصحيح.اهـ
        قال الحافظ بن حجر-رحمه الله- في "النزهة" (ص189): وتقبل التزكية من عارف بأسبابها، ولو من واحد على الأصح.اهـ
        وأنت خبير أيها السلفي رعاك، الله أن كلام السلف رحمة الله عليهم، واختلافهم في عدد المعدلين والمجرحين دائر بين الواحد والاثنين، أما الشيخ محمد؛ فإنه قد ارتقى مرتقًا صعبًا، فزعم أنه لا يقبل قول الواحد حتى ينظر إلى بقية المشايخ، ويسمع من الأول ومن الثاني ومن الثالث ومن الرابع، وهكذا ربما يدركه الموت ولم يصل إلى بقيتهم، فأي حماية شخصية عن أهل الأهواء، أشدّ من هذه الحماية المشددة، وفي كلامه ودعواه هذه عدة مفاسد:
        الأولى: عدم قبول خبر العدل الثقة، كما تقدم.
        الثانية: اسقاط جهود هذا العالم، في بيان الحق للناس.
        الثالثة: محاولة إيجاد قول يخالف قول هذا العالم، حتى يضرب بعضه ببعض، نظير دعوة مقاومة المذاهب، فإن قلت: الله مستو على عرشه، قيل: قد خالفك عالم آخر، وإن قلت: الديمقراطية حرام، قيل: قد أفتى بها الشيخ الفلاني، وعلى الحق السلام؟!!!!
        الرابعة: إذا ظفر بقول آخر يخالف قول العالم الأول، يسعى إلى تشويه سمعت هذا العالم، والتنفير عنه والتزهيد فيه ورميه بالشذوذ.
        الخامسة: إبطال قاعدة: من علم حجة على من لم يعلم، والمثبت مقدم على النافي، وبلدي الرجل أعرف بصاحبه من غيره، والجرح المفسر مقدم على التعديل المجمل، وغير ذلك.
        السادس: اشتراط الإجماع في جرح المخالف، وهذا شرط باطل، فكم من الرواة من لم يوجد فيه سوى كلام عالم واحد فقط.
        سئل شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه، ما نصه: بعض الناس يرد قول الجارح من علماء السنة في بعض المبتدعة بحجة أن هذا المجروح لم يتكلم فيه علماء السنة، قائلاً: أين فلان وفلان، لماذا لا يتكلمون؟ ولو كان حقًا لتابعوه، فهل يشترط في الكلام على الشخص وتجريحه، أن يكون أكثر علماء السنة وكلهم قد جرحوه لاسيما وأن هذا الجارح قد اطلع على بينة من كلام هذا المبتدع من خلال محاضراته وتأليفه؟
        فأجاب أعلى ألله درجته في المهديين وحشره مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين: نعم نعم، المسالة يا إخوان، ما قرأ القوم المصطلح، أو أنهم قرؤوا ويلبسوا، نقول لكم بأعظم من هذا: هب أن أحمد بن حنبل قال: ثقة، ويحيى بن معين قال: كذاب، فهل يضره قول يحيى، وقد خالفه أحمد بن حنبل؟!!!
        نعم، قول يحيى جرح مفسر اطلع عليه ما لم يطلع عليه أحمد بن حنبل، فماذا؟ فماذا؟ دع عنك لو جرّحه يحيى بن معين وحده، فعلى هذا إذا قام عالم من علماء العصر وأبرز البراهين على ضلال محمد الغزالي أو يوسف القرضاوي أو منهج الإخوان المسلمين نقبل، ويجب قبوله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}، نعم إذا جاءنا العدل نقبل كما مفهوم الآية، إذا جاءنا العدل نقبل، فأين أنتم من الآية التي تدل على أنه إذا جاءنا العدل بنبأ نقبله، وإذا جاءنا الفاسق بنبأ نتبين، فماذا يا إخوان، فالمهم القوم ملبسون مخالفون لعلمائنا المتقدمين والمتأخرين، والحمد لله وإني أحمد الله سبحانه وتعالى الناس لا يثقون بك يا أيها المهوس، ولا بكلامك.اهـ من "شريط الأجوبة الندية على الأسئلة الهولندية" لعام/ 23/ربيع أول/1420هـ
        وقد سئل العلامة الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله، في أحد اشرطته في الرد على فالح الحربي: (هل يشترط في جرح أهل الأهواء إجماع علماء العصر أم يكفي عالم واحد؟
        فأجاب: هذه من القواعد المميعة الخبيثة بارك الله فيكم أي عصر اشترط هذا الإجماع؟ وما الدليل على هذا الشرط؟ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان هناك شرط فإذا جرح أحمد بن حنبل ويحيى بن معين جرح مبتدعًا أقول لا بد أن يجمع أئمة السنة في العالم كلهم على هذا المبتدع فإذا قال أحمد: هذا مبتدع انتهى كل شيء ولهذا كان إذا قال أحمد فلان مبتدع سلَّم الناس كلهم له ما ركبوا أهواءهم إذا قال ابن معين هذا مبتدع ما أحد ينازعه يشترط الإجماع هذا مستحيل في كل الأحكام الشرعية في كل الأحكام الشرعية مستحيل...(هؤلاء مميعون هؤلاء المميعون وأهل الباطل ودعاة الشر وأهل الصيد في الماء العكر كما يقال فلا تسمعوا لهذه الترَّاهات)، فإذا جرح عالم بصير شخصًا بارك الله فيكم يجب قبول هذا الجرح فإذا عارضه عالم عدل متقن حينئذٍ يدرس يعني ما قاله الطرفان وينظر هذا الجرح وهذا التعديل فإن كان الجرح مفسرًا مبينًا قدم على التعديل ولو كثر عدد المعدلين إذا جاء عالم بجرح مفسر وخالفه عشرون خمسون عالمًا ما عندهم أدلة ما عندهم إلا حسن الظن والأخذ بالظاهر وعنده الأدلة على جرح هذا الرجل عنده الأدلة على جرح هذا الرجل فإنه يقدم الجرح لأن الجارح معه حجة والحجة هي المقدمة وأحيانًا تُقَدَّم الحجة ولو خالفها أهل الأرض, ملئ الأرض خالفه والحجة معه والحق معه الجماعة من كان على الحق ولو كان وحده لو كان إنسان على السنة وخالفه أهل مدينتين ثلاث مبتدعة الحق معه ويقدم ما عنده من الحجة والحق على ما عند الآخرين من الأباطيل فيجب أن يحترم الحق أن تحترم الحجة والبرهان {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فالكثرة لا قيمة لها إذا كانت خالية عن الحجة).اهـ
        وقال أيضًا -حفظه الله- جوابًا على بعض أسئلة شباب عدن في فتنة أبي الحسن: (..... فإذا قدَّم الأدلة لو عارضه مئة عالم من كبار العلماء وأبرزهم لا قيمة لمعارضتهم لأنهم يعارضون الحجة والبرهان، وهم يعارضون بغير حجة ولا برهان والله يقول: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فالبرهان يسكت الألوف من الذين خلت أيديهم من الحجج ولو كانوا علماء فهذه قواعد يجب أن تعرف وعليكم بمراجعة كتب علوم الحديث، ولاسيما الموسعة منها مثل: تدريب الراوي ومثل: فتح المغيث للسخاوي شرح ألفية العراقي، وهذه أمور بدهية عند أهل العلم المنازعة فيها والكلام فيها بالباطل لا يجوز لأننا نفسد العلوم الإسلامية ونخرب القواعد و..... و..... إلى آخره بمثل هذه الأساليب، فلا يجوز لمسلم أن يطرح للناس إلا الحق إلا الحق ويبتعد عن التلبيس والحيل بارك الله فيكم).اهـ انظر "مختصر البيان" (74-75).
        الوجه الرابع: أن من عجيب أمر هذا الشيخ المفتون، أنه يضيّق باب الجرح، ويتهم من يأخذ بقول هذا العالم المعتبر، بأنه أعور، وأنه ضيّق الأفق، وأنه لا يوسع دائرته العلمية، وغير ذلك، وذلك إذا كان الجرح فيه بحق، هو ومن على نهجه، هذا الفاسد، وطريقته الخلفية السقيمة المنحرفة المعوجّة، فيزدريهم ويحتقرهم احتقارًا غاية في السفه والطيش، وعدم مراقبة الله تعالى، في أقواله وأفعاله، ويحاول أن يؤلب عليهم بعض الناس، ممن طربل عليهم وغربل، ويستميل قلوبهم إليه،ويسعى برجله وجنده وخيله وبما يملك، ولو على حساب الافتئات على قواعد السلف الصالح رحمة الله عليهم، وغير ذلك مما يدل على شدّة غيظه وبغيه وفجوره، كل ذلك يحاول إسقاط وإهدار كلام هذا العالم الرباني المعتبر فيه، وإذا نظرت إلى أحواله، علمت أن الرجل جرحه صار متسعًا، وأن الجرح أثر فيه، وصار محروقًا ومتألمًا غاية التألم، استمع إلى كلامه هذا السمج، تعرف ما أخبرتك به، فقال في نفس هذا الشريط:
        فالحمد لله كلمات العلماء هي مثل العسل، العسل على الجرح، الجرح يا إخواني في الله إذا كان مفتوحًا فإنه بحاجة إلى العلاج، فإذا وضعت على هذا الجرح الشطة أحرقته، أو الأسيد أحرقته، أو وضعت عليه البسباس الناشف المطحون أحرقته، فصح بعض الناس كلامهم مثل الشطة على الجراح، فهذا لا يزيد الجراحة إلا تألمًا واحتراقًا وتمزقًا.....الخ كلامه.
        الحمد لله من فيك نوافيك يا وصابي.
        الوجه الخامس: قوله: ..... خذ الجرح من أكثر من عالم من علماء التوحيد ..... انظر باقي المشايخ إذا كان فلان جرّح فلانًا، انظر باقي المشايخ، كان السلف يمرون على فلان، على يحيى بن معين وعلي بن المديني والنسائي والبخاري والدارقطني وفلان وفلان، وابن أبي حاتم في الراوي الواحد، لهذا لما تقرأ في "تهذيب التهذيب" انظر كم فيه، هذا يعدّل، وهذا يجرّح، وهذا يقول حسن، وهذا يقول ضعيف، وهذا يقول متروك، وهذا يقول ضعيف جدًا، كلام كثير، فما كانوا يلقصون، فقط واحد وما في إلا هذا، فإذا كان شخص من الناس طعن مثلاً في شخص، انظر غيره، انظر غيره من العلماء، ماذا قالوا، وسّع دائرتك العلمية، وآفاقك العلمية يا طالب العلم ..... الخ كلامه.
        وفيه بعض الوقفات:
        الوقفة الأولى: قوله خذ الجرح من أكثر من عالم من علماء السنة، ومن علماء التوحيد، وقوله: إذا كان فلان جرّح فلانًا، انظر غيره، انظر غيره من العلماء، ماذا قالوا( ).اهـ
        قلت: إن الله تعالى أمرنا بالعدل، وإن ننزل الناس منازلهم، ونعطي كل ذي حقٍّ حقه من غير وكس ولا شطط، قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}، وقال سبحانه: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)}، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}، وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}.
        وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}، وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}.
        وقال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}، وقال تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}.
        وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}.
        وقال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)}. وقال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}.
        عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أخرجه مسلم.
        وعنه ط قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: (اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ). أخرجه مسلم.
        عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: (أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ) فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا، قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ:(أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. أخرجه البخاري.
        عن عبدالرحمن بن معاذ -رضي الله عنه- قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ بِمِنًى فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا، حَتَّى كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا، فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: بِحَصَى الْخَذْفِ ثُمَّ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ فَنَزَلُوا مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ نَزَلَ النَّاسَ بَعْدَ ذَلِكَ. أخرجه أبو داود، وصححه شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه.
        عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ) قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، (قالَ الدِّينَ) متفق عليه.
        قال الحافظ النووي -رحمه الله- في "شرح مسلم" (15/159): قَالَ أَهْل الْعِبَارَة: الْقَمِيصُ فِي النَّوْم الدِّين، وَجَرُّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاء آثَاره الْجَمِيلَة وَسُنَنه الْحَسَنَة فِي الْمُسْلِمِينَ بَعْد وَفَاته لِيُقْتَدَى بِهِ.اهـ
        قال الحافظ بن حجر في "الفتح" (12/413): وَاتَّفَقَ أَهْل التَّعْبِير عَلَى أَنَّ الْقَمِيص يُعْبَر بِالدِّينِ وَأَنَّ طُوله يَدُلّ عَلَى بَقَاء آثَار صَاحِبه مِنْ بَعْدِهِ . وَفِي الْحَدِيث أَنَّ أَهْل الدِّين يَتَفَاضَلُونَ فِي الدِّين بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَة وَبِالْقُوَّةِ وَالضَّعْف.اهـ
        ومن المعلوم: أن العلماء أهل السنة رحم الله تعالى أمواتهم وحفظ أحيائهم، ليسوا على حدٍّ سواء، منهمالمبرز بالفقه، ومنهم بالعقيدة ، ومنهم في الأصول، ومنهم في الحديث، ومنهم في اللغة، وهكذا، وكثير منهم جمع الله له أكثر من فن، وإن كان يظهر تخصصه في فن دون غيره، وأما علماء الحديث وعلماء الجرح والتعديل،فهم القلة من بين سائر علماء أهل السنة، فمن باب الإنصاف والعدل وتجنّب الجور والاعتساف، وإتيان البيوت من أبوابها، يعلم أن دلالة الناس إلى أهل العلم، هذا أمر لا بد منه، وهو لازم ومتحتم، إذ أن الناس بغير علماء، مثل البهائم السائبة، ومثل الإبل الشاردة؛ لكن الذي ينبغي أن يعلمه كل منصف، أن لكل فن أهله المتخصصون فيه، يرجع إليهم في الأمور المدلهمّة والفتن العاصفات، وتكون الإحالة إليهم، لتميزهم على غيرهم، إذ أن العلماء ليسوا على حدٍّ سواء، وليس هذا من التهميش والازدراء، ولكن من باب إتيان البيوت من أبوابها، كما مضى، بل إن العالم البصير يعرف قدر ومنزلة هؤلاء العلماء، فيؤخذ بقولهم ويحيل إليهم( )، فمثلك يا شيخ محمد على هذا الحال لا ثبات له في هذا الشأن.
        وذروة هؤلاء العلماء وتاجهم هم علماء الحديث والأثر، الذين حفظ الله بهم الدين، وذبوا عن سنة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، وميّزوا بين صحيحها وسقيمها، وكشفوا عن أحوال الرواة، وبينوا منازلهم ومراتبهم وأحوالهم، إلى غير ذلك من مناقبهم ومحامدهم.
        قال الحافظ بن القيم -رحمه الله-في "إعلام الموقعين" (1/8-9): وَلَمَّا كَانَتْ الدَّعْوَةُ إلَى اللَّهِ وَالتَّبْلِيغُ عَنْ رَسُولِهِ شِعَارُ حِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ ، وَأَتْبَاعِهِ مِنْ الْعَالَمِينَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} وَكَانَ التَّبْلِيغُ عَنْهُ مِنْ عَيْنِ تَبْلِيغِ أَلْفَاظِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ وَتَبْلِيغِ مَعَانِيهِ كَانَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ مُنْحَصِرِينَ فِي قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : حُفَّاظُ الْحَدِيثِ ، وَجَهَابِذَتُهُ ، وَالْقَادَةُ الَّذِينَ هُمْ أَئِمَّةُ الْأَنَامِ وَزَوَامِلُ الْإِسْلَامِ ، الَّذِينَ حَفِظُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ مَعَاقِدَ الدِّينِ وَمَعَاقِلَهُ ، وَحَمَوْا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّكْدِيرِ مَوَارِدَهُ وَمَنَاهِلَهُ ، حَتَّى وَرَدَ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ الْحُسْنَى تِلْكَ الْمَنَاهِلَ صَافِيَةً مِنْ الْأَدْنَاسِ لَمْ تَشُبْهَا الْآرَاءُ تَغْيِيرًا ، وَوَرَدُوا فِيهَا {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا}، وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي خُطْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي كِتَابِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إلَى الْهُدَى، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَوْتَى، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسٍ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ وَمَا أَقْبَحَ أَثَرَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ، الَّذِينَ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْبِدْعَةِ، وَأَطْلَقُوا عَنَانَ الْفِتْنَةِ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ، مُجْمِعُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ الْكِتَابِ، يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ وَفِي اللَّهِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ، وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ ؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمُضِلِّينَ.اهـ
        قال الحافظ أبو بكر الخطيب-رحمه الله- في "شرف أصحاب الحديث (ص8-9): وقد جعل الله تعالى أهله( ) أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة. فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبي-صلى الله عليه وسلم- وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأيا تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه والعدول، حفظة الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته. إذا اختلف في حديث، كان إليهم الرجوع، فما حكموا به، فهو المقبول المسموع. ومنهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب محسن. وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم. وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر. من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذلهم الله. لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير وإن الله على نصرهم لقدير. اهـ
        وقال (ص10): فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين، وصرف عنهم كيد المعاندين؛ لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين. فشأنهم حفظ الآثار وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى. قبلوا شريعته قولا وفعلا ، وحرسوا سنته حفظا ونقلا حتى ثبتوا بذلك أصلها ، وكانوا أحق بها وأهلها . وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها. والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها. فهم الحفاظ لأركانها والقوامون بأمرها وشأنها. إذا صدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}. اهـ
        قال عبد الله بن داود الخُريبي: سمعت من، أئمتنا ومن فوقنا أن أصحاب الحديث وحملة العلم هم أمناء الله على دينه وحفاظ سنة نبيه ما علموا وعملوا.اهـ أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" رقم (83).
        قال سفيان الثوري-رحمه الله-: الملائكة حراس السماء، وأصحاب الحديث حراس الأرض. أخرجه الخطيب رقم(85).
        قال يزيد بن زريع-رحمه الله-: لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد. أخرجه الخطيب رقم (86).
        قال الإمام الشافعي-رحمه الله-: إذا رأيتُ رجلاً من أصحاب الحديث، فكأني رأيت النبي-صلى الله عليه وسلم-حيًا. أخرجه الخطيب رقم (90).
        وقال أيضًا: عليكم بأصحاب الحديث؛ فإنهم أكثر الناس صوابًا.
        وقال أيضًا: من قرأ القرآن عظمت قيمته، ومن تفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته. انظر"الآداب الشرعية" (ص141).
        قال الإمام أحمد-رحمه الله-: ليس قوم عندي خيرًا من أهل الحديث، ليس يعرفون إلا الحديث.
        وقال أيضًا: أهل الحديث أفضل من تكلم في العلم. أخرجه الخطيب رقم (95).
        قال أبو الحسنات اللكنوي-رحمه الله-: و من نظر بنظر الإنصاف، و غاص في بحار الفقه و الأصول متجنبا الاعتساف، يعلم علما يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية و الأصلية التي اختلف العلماء فيها، فمذهب المحدثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم، وإني كلما أسير في شعب الاختلاف أجد قول المحدثين فيه قريبا من الإنصاف ، فلله درهم، و عليه شكرهم ( كذا ) كيف لا وهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم حقا ، و نواب شرعه صدقا ، حشرنا الله في زمرتهم ، و أماتنا على حبهم و سيرتهم. اهـ من "السلسلة الصحيحة" (1/486).
        قال العلامة الصنعاني-رحمه الله- في (توضيح الأفكار" (1/5): وكل حديث في الحث على العلم وفضله، فإنه صادق على علم الحديث، بل هو العلم الحقيقي( )، والفرد الكامل عند إطلاق لفظ العلم.
        العلــــم قال الله قال رسولـــــه إن صح والإجماع فاجهد فيه
        وحذار من نصب الخلاف جهالة بين النبي وبين قول فقيــــه
        وقال المصنف( )-رحمه الله-:
        العلم ميراث النبي كذا أتى في النص والعلماء هم ورَّاثه
        فإذا أراد حقيقة تدرى بهــا وراثة وعرفت ما ميراثــــه
        ما ورَّث المختار غير حديثه فينا وذاك متاعه وأثاثـــــه
        فلنا الحديث وراثة نبويـــة ولكل محدث بدعة إحداثه
        قال العلامة صديق حسن خان-رحمه الله-: في كتابه ( نزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار) بعد أن ساق أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والإكثار منها، قال ( ص 161 ) :
        ( لا شك في أن أكثر المسلمين صلاة عليه صلى الله عليه وسلم هم أهل الحديث ورواة السنة المطهرة فإن من وظائفهم في هذا العلم الشريف الصلاة عليه أمام كل حديث ولا يزال لسانهم رطبا بذكره صلى الله عليه وسلم وليس كتاب من كتب السنة ولا ديوان من دواوين الحديث، على اختلاف أنواعها من ( الجوامع ) و ( المسانيد ) و ( المعاجم ) و ( الأجزاء ) وغيرها - إلا وقد اشتمل على آلاف الأحاديث حتى إن أخصرها حجما كتاب ( الجامع الصغير ) للسيوطي فيه عشرة آلاف حديث وقس على ذلك سائر الصحف النبوية فهذه العصابة الناجية والجماعة الحديثية أولى الناس برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يوم القيامة وأسعدهم بشفاعته صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي - ولا يساويهم في هذه الفضيلة أحد من الناس إلا من جاء بأفضل مما جاؤوا به ودونه خرط القتاد فعليك يا باغي الخير وطالب النجاة بلا ضير أن تكون محدثا أو متطفلا على المحدثين وإلا فلا تكن . . . فليس فيما سوى ذلك من عائدة تعود إليك )
        قلت( ): وأنا أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلني من هؤلاء المحدثين الذين هم أولى الناس برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولعل هذا الكتاب من الأدلة على ذلك ورحم الله الإمام أحمد إمام السنة الذي أنشد :
        دين النبي محمد أخبـــــــار نعم المطية للفتى آثـــــار
        لا ترغبن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهـار
        ولربما جهل الفتى أثر الهدى والشمس بازغة لها أنــوار
        قال الحافظ الصوري-رحمه الله-:
        قل لمن عاند الحديث وأضحــى عائبًا أهلــــه ومــن يدعيــه
        أبعلـم تقـول هـــــــذا أبنْ لي أم بجهل فالجهل خلق السفيه
        أيعاب الذين هم حفظوا الدين مـــن الترهــات والتمويــه
        وإلى قولهـــــم وما قـــد رووه راجــع كل عالــم وفقيــــه
        فهذه نبذة مختصرة عن فضل أهل الحديث الذين يجب الرجوع إليهم، لاسيما في الفتن المدلهمة، وهكذا في معرفة الرجال وأحوالهم، ومعرفة الفرق والأحزاب، وليس هذا بعشك يا شيخ محمد فادرجي.
        الوقفة الثانية: قوله وكان السلف كانوا يمرون على فلان، على يحيى بن معين وعلي بن المديني والنسائي والبخاري والدارقطني وفلان وفلان، وابن أبي حاتم في الراوي الواحد؟!!!
        قلت: الزم غرزك يا شيخ محمد، فوالله لن تعدوا قدرك ولو سودت وجهك بالمداد، أبلغ بك الحد إلى هذا المستوى حتى تفتري على السلف الصالح رحمة الله عليهم، لكي يتسنى لك تقعيد قواعدك الخلفية، فهذه كتب الجرح والتعديل معروفة ومعلومة، هل تجد فيها أن السلف كان الواحد منهم يدور على جلّ علماء الحديث في عصره، إن لم يكن كلهم، من أجل السؤال عن راو واحد، من أين لك هذا الكلام؟ وما هو مصدرك فيه؟ ومن فهم قولك هذا وذهب إليه؟ فهذا إن دلّ، إنما يدل هزالة علمك السقيم، وفقهك الهزيل.
        هذا الإمام يحيى بن معين-رحمه الله-إمام الجرح والتعديل في عصره، أشهر تلامذته الذين نقلوا عنه كلامه في الرجال، وسؤالهم إياه عنهم، هو عباس بن محمد الدوري-رحمه الله-، فهو أكثر الناس رواية عن يحيى بن معين، وجمع ذلك في كتابه التاريخ، وهو كتاب عظيم يتكوّن من أربعة مجلدات، وأكثرها نقولات عن يحيى بن معين في الرجال، وكتابه هذا يحوي مئات الرجال، فمن أين لنا أنه كان يتنقل من عالم إلى آخر، يسأل كل واحد منهم عن كل راو، سأل عنه يحيى بن معين، وهكذا أبو حاتم أكثر الناس رواية عنه ابنه عبدالرحمن، رحمة الله عليهما، وكتابه في الجرح والتعديل كبير، عدد مجلداته تسعة مجلدات، وجلها نقولات عن أبيه في الرجال، وربما نقل عن أبي زرعة الرازي، وكتابه فيه آلاف التراجم، فمن أين لنا يا فلان أن ابن أبي حاتم كان يتنقل من عالم إلى آخر، يسأل كل واحد منهم عن كل راو سأل عنه أباه، {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)} وقال تعالى: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}.
        وهكذا جلّ أئمة الجرح والتعديل وتلامذتهم الذين نقلوا عنهم، لم يكن هذا الأمر عندهم كما يزعمه هذا الخرّاص، وإن حصل من هذا، فإنه قليل جدًا.
        انظروا كيف الهوى يردي بصاحبه، على حساب من هذا يا شيخ محمد، على حساب رجل فاجر، وحزبي ماكر، قطع الله دابره ودابر من تعصب له، وأراح ألله أهل السنة من شرّه وشرّ كل من تعصب له وتمالأ معه، انظر ما تقدم في الوجه الثاني.
        الوقفة الثالثة: قوله: لهذا لما تقرأ في "تهذيب التهذيب" انظر كم فيه، هذا يعدل، وهذا يجرّح، وهذا يقول حسن، وهذا يقول ضعيف، وهذا يقول متروك، وهذا يقول، ضعيف جدًا..... الخ.
        قلت: إن اختلاف هؤلاء الأئمة رحمة الله عليهم في الراوي الواحد جرحًا وتعديلاً قبولاً وردًا لا يدل على أن السائل لهم واحد، كما يفهم من كلام هذا الزاعم، ثم إن اختلافهم هذا لا يعني أننا نسقط كلامهم مطلقًا أو نقبله مطلقًا، أو نقبل ما يوافق هوانا؟ لا، ليس الأمر كذلك، وإنما نسلك في ذلك أحد أمرين:
        1- التوفيق بين أقوالهم والجمع بينها، وبعد ذلك يخلص الباحث ويخرج بنتيجة مختصرة في هذا الراوي.
        2- إذا لم نستطع التوفيق والجمع بين أقوالهم، ففي هذه الحالة يقدم الجرح المفسّر على التعديل المجمل، ولو كان عدد المعدلين أكثر من المجرحين.
        قال الحافظ الخطيب-رحمه الله- في كتابه "الكفاية" (1/333): اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان، وعد له مثل عدد من جرحه ، فإن الجرح به أولى، والعلة في ذلك أن الجارح يخبر عن أمر باطن قد علمه، ويصدق المعدل ويقول له: قد علمت من حاله الظاهرة ما علمتها، وتفردت بعلم لم تعلمه من اختبار أمره، وأخبار المعدل عن العدالة الظاهرة لا ينفي صدق قول الجارح فيما أخبر به، فوجب لذلك أن يكون الجرح أولى من التعديل.اهـ
        وقال في (ص336): إذا عدل جماعة رجلا وجرحه أقل عددا من المعدلين، فإن الذي عليه جمهور العلماء أن الحكم للجرح والعمل به أولى، وقالت طائفة : بل الحكم للعدالة، وهذا خطأ، لأجل ما ذكرناه من أن الجارحين يصدقون المعدلين في العلم بالظاهر، ويقولون: عندنا زيادة علم لم تعلموه من باطن أمره، وقد اعتلت هذه الطائفة بأن كثرة المعدلين تقوي حالهم، وتوجب العمل بخبرهم، وقلة الجارحين تضعف خبرهم، وهذا بعد ممن توهمه، لأن المعدلين وإن كثروا ليسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون، ولو أخبروا بذلك وقالوا: نشهد أن هذا لم يقع منه، لخرجوا بذلك من أن يكونوا أهل تعديل أو جرح، لأنها شهادة باطلة على نفي ما يصح، ويجوز وقوعه وإن لم يعلموه، فثبت ما ذكرناه.اهـ
        بل إن ردّ قول الجارح والحالة هذه يعتبر تكذيبًا له، ونقضًا لعدالته.
        قال الخطيب-رحمه الله- في "الكفاية" (1/334-335): ولأن من عمل بقول الجارح لم يتهم المزكي ولم يخرجه بذلك عن كونه عدلا، ومتى لم نعمل بقول الجارح كان في ذلك تكذيب له، ونقض لعدالته، وقد علم أن حاله في الأمانة مخالفة لذلك، ولأجل هذا وجب إذا شهد شاهدان على رجل بحق، وشهد له شاهدان آخران أنه قد خرج منه، أن يكون العمل بشهادة من شهد بقضاء الحق أولى، لأن شاهدي القضاء يصدقان الآخرين، ويقولان: علمنا خروجه من الحق الذي كان عليه، وأنتما لم تعلما ذلك، ولو قال شاهدا ثبوت الحق: نشهد أنه لم يخرج من الحق، لكانت شهادة باطلة.اهـ
        فهذا هو حال أهل الصدق والأمانة والصيانة والديانة، أن همهم الحق والعمل به، وليس غرضهم تضييع الحق وتمييعه، وإهدار جهود أهله الأمناء النصحاء، كما هو الحال في هذا الشيخ المفتون، نسأل الله السلامة، والله المستعان، {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}.

        وإلى هنا والحمد لله رب العالمين، سبحانك وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
        كتبه: محمد العمودي كان الله له في الدارين، قبيل صلاة الظهر من يوم الاثنين الموافق/ عشرين / ربيع أول/1430هـ
        دماج دار الحديث والسنة العامرة رحم الله مؤسسها رحمة واسعة وحفظ خليفته القائم عليها من بعده ومتع به،
        ودفع عنه كيد الكائدين وشر الحاقدين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه
        التعديل الأخير تم بواسطة أبو إبراهيم علي مثنى; الساعة 31-03-2009, 03:36 PM.

        تعليق


        • #5
          أسئل من الله الكريم ان يرفع قدرك و ان يبارك فيك و في علمك يا ابا حمزه كلام طيب يشفي غليل كل سني يحب الدعوه السلفيه و يدافع عنها

          تعليق


          • #6
            قال الشيخ الوصابي ألهمه الله رشده وأرجعه الله الى الحق قال (ونفس الكلام مسألة الجرح، إذا أخذت الجرح عن شخص واحد تصبح ما ترى إلا ما يراه هو، وتصبح أنت ضيق الأفق، ما عندك إلا عين واحدة، لكن خذ الجرح من أكثر من عالم من علماء السنة، ومن علماء التوحيد، خذ هذا العلم من أكثر من واحد، تتسع دائرتك العلمية، ..... )
            فأذن لا نلوم حزبيا يثني على سيد قطب لأن الشيخ عبدالعزيز أل الشيخ لم يجرحه بل أثنى على كتابه المسمى ظلال القران
            وأيضا لا نخطئ حزبيا يحب أبا الحسن المصري لأن من علماء السنة من يثني عليه الى الان
            وهلم جرا من الويلات التي ستجرها على أهل السنه لو عملوا بقبيحتك هذه

            تعليق


            • #7
              الملفات المرفقة

              التعديل الأخير تم بواسطة خالد بن محمد الغرباني; الساعة 23-09-2010, 06:33 PM.

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة أبو العباس محمد العودي مشاهدة المشاركة
                أسئل من الله الكريم ان يرفع قدرك و ان يبارك فيك و في علمك يا ابا حمزه كلام طيب يشفي غليل كل سني يحب الدعوه السلفيه و يدافع عنها
                جـــــزاكــــــم الله خــيــراً وبــارك الله فــيــكـــم

                تعليق


                • #9
                  يرفع للفائده وليرى الناس ما فعل الوصابي هداه الله في الدعوه السلفيه

                  تعليق


                  • #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة عبدالله بن ناصر المري مشاهدة المشاركة
                    يرفع للفائده وليرى الناس ما فعل الوصابي هداه الله في الدعوه السلفيه

                    الله أكبر
                    وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا
                    بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون

                    جزى الله الشيخ محمدًا العمودي خيرًا فقد أثلجت صدورنا وبينت الحق ونسفت الباطل وكشفت تلبيسات الوصابي هداه الله .

                    تعليق

                    يعمل...
                    X