بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره الصادقين في الإتباع و المتابعة ظاهراً وباطناً صدقاً وعدلاً إلى يوم الدين .
أمـــــــــــــــــــــــــا بــــــــــــــــــــــــــــــــــــعــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــد...
فهذه رسالة صغيرة فيها حث وترغيب لأولياء أمور المسلمين وفقهم الله على قتل وقتال فرقة تنظيم القاعدة وليدة الخوارج واستئصال جذورهم وذلك لما يحصل بسببهم من الفساد العريض في البلاد ، من التمكين والتمهيد لأعداء الإسلام في الدخول والسطو على بلاد المسلمين ، ومن استباحة دماء المسلمين المحرمة ، وقطع طرقهم ،وتعطيل مصالحهم وترويعهم وزعزعة أمنهم واستقرارهم.
ونزوح بعضهم من ديارهم ، وإفساد فطر أولادهم والتشويش عليهم وغرز فكرهم الدموي في قلوبهم المتولد من فكرهم الخبيث المخبث ألا وهو تكفير ولاة أمور المسلمين ومن كان تحت ولايتهم .
كم من أرواح بريئة أزهقت بسبب هذا الفكر الغالي المنحرف وكم من شباب المسلمين ضاعوا وماعوا وكان نهاية أمرهم أن مزقت أشلائهم وقطعت أعضائهم إرباً إرباً بسبب هذا الفكر الدموي الضال أربابه عن سواء السبيل .
ولقد صار كثير من شباب المسلمين يساقون إلى الموت سوقاً ويتسببون بقتل الأنفس البريئة وفي ذلك عدة محاذير:
1) إن هذا نهج مخالف لنهج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأتباعه و أنصاره
يقول تعالى ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾
ويقول تعالى﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
2) إنه تسبب في قتل نفسه
روى الشيخان عن أبي زيد ثايت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ) .
وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ) .
3) إنه تسبب بإزهاق نفسٍ أو أنفس بريئة لم يؤمر بقتلها .
يقول تعالى ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ .
والحمقى من فرقة تنظيم القاعدة وليدة الخوارج يستدلون على سوء منهجهم هذا وفكرهم الدموي بحديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ) . قالت قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟ قال ( يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم )
رواه البخاري .
وهذا استدلال فاسد ولا حجة لهم فيه إذ أن العقوبة التي في الحديث هي الهجمة السماوية قاله ابن المنير رحمه الله (انظر فتح الباري 4- ص399) .
وهذا بخلاف أفعالكم الإجرامية الدموية .
وكم للخوارج وأفراخهم من تنظيم القاعدة من سوء فهم وسقم فقه لكثير من الأدلة الشرعية
ورحم الله الحافظ ابن كثير إذ يقول في "البداية والنهاية" (7/317): وما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج: إنهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾.[الكهف: 103-105].
والمقصود أن هؤلاء الجهلة الضلال، والأشقياء في الأقوال والأفعال، اجتمع رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين، وتواطأوا على المسير إلى المدائن ليملكوها على الناس، ويتحصنوا بها ويبعثوا إلى إخوانهم وأضرابهم - ممن هو على رأيهم ومذهبهم، من أهل البصرة وغيرها - فيوافوهم إليها، ويكون اجتماعهم عليها.
فقال لهم زيد بن حصن الطائي: إن المدائن لا تقدرون عليها، فإن بها جيشًا لا تطيقونه، وسيمنعوها منكم، ولكن واعدوا إخوانكم إلى جسر نهر جوخى، ولا تخرجوا من الكوفة جماعات، ولكن اخرجوا وحدانًا؛ لئلا يفطن بكم، فكتبوا كتابًا عامًا إلى من هو على مذهبهم ومسلكهم من أهل البصرة وغيرها، وبعثوا به إليهم ليوافوهم إلى النهر؛ ليكونوا يدًا واحدة على الناس، ثم خرجوا يتسللون وحدانًا لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج، فخرجوا من بين الآباء والأمهات والأخوال والخالات، وفارقوا سائر القرابات، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسموات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر الموبقات، والعظائم و الخطيئات، وأنه مما زينه لهم إبليس الشيطان الرجيم المطرود عن السموات، الذي نصب العداوة لأبينا آدم ثم لذريته ما دامت أرواحهم في أجسادهم مترددات، والله المسؤول أن يعصمنا منه بحوله وقوته إنه مجيب الدعوات، وقد تدارك جماعة من الناس بعض أولادهم وإخوانهم فردوهم وأنبوهم ووبخوهم، فمنهم من استمر على الاستقامة، ومنه من فر بعد ذلك فلحق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة([1])، وذهب الباقون إلى ذلك الموضع ووافي إليهم من كانوا كتبوا إليه من أهل البصرة وغيرها، واجتمع الجميع بالنهروان وصارت لهم شوكة ومنعة، وهم جند مستقلون وفيهم شجاعة وعندهم أنهم متقربون بذلك.فهم لا يصطلى لهم بنار، ولا يطمع في أن يؤخذ منهم بثأر، وبالله المستعان.انتهى
ثم إن أفعال فرقة تنظيم القاعدة وليدة الخوارج وما يقومون به من سفك دماء المسلمين ليعتبر علماً من أعلام النبوة .
روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال : ( إن من ضئضئ هذا أو في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )
وهذه سمة بارزة في الخوارج ومنهم فرقة تنظيم القاعدة وليدتها .
وأي شؤم وشر حصل للمسلمين بسبب هذه الفرقة الشاذة .
أعداء الإسلام في مأمن والمسلمون في مذبح وهذا مما يزيدنا يقيناً وثباتاً أن هذه الفرقة فرقة خارجية إذ أن الجامع لهم هو تكفير المسلمين واستباحة دمائهم والخروج على ولاة أمورهم .قال عبد القاهر البغدادي رحمه الله : وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها([2]) فذكر الكعبى في مقالاته أن الذي يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها إكفار على وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضي بتحكيم الحكمين و الإكفار بارتكاب الذنوب ووجوب الخروج على الإمام الجائر وقال شيخنا أبو الحسن الذي يجمعها إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما ووجوب الخروج على السلطان الجائر ولم يرض ما حكاه الكعبى من إجماعهم على تكفير مرتكبى الذنوب الصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم وقد أخطأ الكعبى في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبى الذنوب منهم وذلك أن النجدات من الخوراج لا يكفرون أصحاب الحدود من موافقيهم . انتهى (انظر الفرق بين الفرق ص:78 -79)
قلت : والتكفير هو الجامع لفرق الخوارج وإنما فرقة النجدات لم يكفروا أصحاب الحدود من أتباعهم وأما من خالفهم فهم كفار .
قال البغدادي رحمه الله : ومن بدع نجدة - زعيم فرقة النجدات - أيضا أنه تولى أصحاب الحدود من موافقيه وقال لعل الله يعذبهم بذنوبهم في غير نار جهنم ثم يدخلهم الجنة وزعم أن النار يدخلها من خالفه في دينه. انتهى (المصدر السابق ص:92) .
وقال أيضاً (ص :92 - 93) : ومنها - أي من ضلالات نجدة بن عامر الحروري - أيضا أنه قال من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة وأصر عليها فهو مشرك ومن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر عليه فهو مسلم إذا كان من موافقيه على دينه فلما أحدث هذا الإحداث وعذر أتباعه بالجهالات استتابه أكثر أتباعه من إحداثه وقالوا له اخرج إلى المسجد وتب من إحداثك ففعل ذلك . انتهى
وقال الحافظ رحمه الله : وزاد نجدة على معتقد الخوارج أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر ولو اعتقد معتقدهم وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها وكفروا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادرا وإن لم يكن قادرا فقد ارتكب كبيرة وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر وكفوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم مطلقا وفتكوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبي والنهب فمنهم من يفعل ذلك مطلقا بغير دعوة منهم ومنهم من يدعو أولا ثم يفتك ولم يزل البلاء بهم يزيد إلى أن أمر المهلب بن أبي صفرة على قتالهم فطاولهم حتى ظفر بهم وتقلل جمعهم ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية ودخلت طائفة منهم المغرب . انتهى (انظر فتح الباري 12- 297).
وهذا واضح من مذهب فرق الخوارج وإن حصل شذوذ من بعض فرقهم أو أفرادهم لا يعني هذا خروجهم عن هذا الأصل وإلا فما هو الدافع لاستباحة دماء المسلمين والخروج على ولاة أمورهم ، إن لم يكن الدافع هو تكفير المسلمين وولاة أمورهم فما أدري ما هو الدافع !!
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله ويقول : إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين ذكره البخاري تعليقاً مجزوماً به .(انظر صحيح البخاري
مع الفتح 12- ص295)
قال الحافظ رحمه الله : وصله الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سأل نافعا كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية قال كان يراهم شرار خلق الله انطلقوا إلى آيات الكفار فجعلوها في المؤمنين قلت وسنده صحيح. انتهى (المصدر السابق ص 298).
وقال عبد الكريم الشهرستاني رحمه الله : كل من خرج عن الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيا سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان. انتهى (انظر الملل والنحل 1 - ص129).
وقال ابن قدامة رحمه الله : والخارجون عن قبضة الإمام أصناف أربعة .... الثالث : الخوارج الذين يكفرون بالذنب ويكفرون عثمان وعليا وطلحا والزبير وكثيرا من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم.... انتهى (انظر المغني مع الشرح الكبير 10 - ص47).
وقال الحافظ رحمه الله : أما الخوارج فهم جمع خارجة أي طائفة وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين . انتهى (انظر فتح الباري 12- ص296).
هذا ومن أجل ما تقدم بيانه مختصراً من سوء وخبث معتقد فرقة تنظيم القاعدة وليدة الخوارج ، أحببت أن أذكر جملة من الأدلة الشرعية في الترغيب والحث على قتل وقتال هذه الشرذمة البغيضة الفاسدة المفسدة وذلك بإسناد الأمور إلى أهلها من ولاة أمور المسلمين ، فعليهم أن يقوموا بواجبهم الشرعي في استئصال هذه الجرثومة وهذا السرطان الهالك المهلك وذلك بأن يكونوا هم والمسلمون يداً واحدة في صد هذا العدو الباغي على البلاد والعباد .
هذا وإن رأى ولاة أمور المسلمين أن يبعثوا لهؤلاء القوم الحيارى المغرر بهم من أهل العلم من أهل السنة لكي ينصحوهم ويزيلوا ما علق في أذهانهم من سوء معتقد هذا الفكر الدموي فذاك حسن ، وأسوتهم في ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند أرسل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لمناظرتهم وأن رأوا قتالهم ابتداء فلهم ذلك لأن الحجة قائمة عليهم ، لاسيما وأن أعلام السنة وأئمة الهدى في هذا العصر كالعلامة ابن باز والعلامة الوادعي والعلامة الألباني والعلامة العثيمين رحمة الله عليهم وغيرهم قد أنكروا عليهم وبينوا فساد منهجهم([3]) فما كان من القوم إلا المكابرة والعناد والاستمرار في الغي والبغي والعدوان إلا من رحم الله منهم ووفقه وقليل ماهم.
قال الإمام النووي رحمه الله : قوله صلى الله عليه وعلى آله و سلم : ( فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فان في قتلهم أجرا ) هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج و البغاة وهو إجماع العلماء قال القاضي أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام وخالفوا رأى الجماعة وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم والاعتذار إليهم قال الله تعالى (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) لكن لا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم ولا يقتل أسيرهم ولا تباح أموالهم وما لم يخرجوا عن الطاعة وينتصبوا للحرب لا يقاتلون بل يوعظون ويستتابون من بدعتهم وباطلهم وهذا كله ما لم يكفروا ببدعتهم فان كانت بدعة مما يكفرون به جرت عليهم أحكام المرتدين وأما البغاة الذين لا يكفرون فيرثون ويورثون ودمهم في حال القتال هدر وكذا أموالهم التي تتلف في القتال والأصح أنهم لا يضمنون أيضا ما أتلفوه على أهل العدل في حال القتال من نفس ومال وما أتلفوه في غير حال القتال من نفس ومال ضمنوه ولا يحل الانتفاع بشيء من دوابهم وسلاحهم في حال الحرب عندنا وعند الجمهور وجوزه أبو حنيفة والله أعلم.انتهى (شرح مسلم 7/ ص169-170).
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله : والخارجون عن قبضة الإمام أصناف أربعة .... الثالث : الخوارج الذين يكفرون بالذنب ويكفرون عثمان وعليا وطلحا والزبير وكثيرا من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم فظاهر قول الفقهاء من أصحابنا المتأخرين أنهم بغاة حكمهم حكمهم وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي وجمهور الفقهاء وكثير من أهل الحديث و مالك يرى استتابتهم فان تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون حكمهم حكم المرتدين وتباح دماؤهم وأموالهم فان تحيزوا في مكان وكانت لهم منعة وشوكة صاروا أهل حرب كسائر الكفار وان كانوا في قبضة الإمام استتابهم كاستتابة المرتدين فان تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانت أموالهم فيئا لا يرثهم ورثتهم المسلمون.... وأكثر الفقهاء على أنهم بغاة ولا يرون تكفيرهم قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وجعلهم كالمرتدين وقال ابن عبد البر في الحديث الذي رويناه قوله : [ يتمارى في الفوق ] يدل على انه لم يكفرهم لأنهم علقوا من الإسلام بشيء بحيث يشك في خروجهم منه وروي عن علي أنه لما قاتل أهل النهر وان قال لأصحابه : لا تبدأوهم في القتال وبعث إليهم أقيدونا بعبد الله بن خباب قالوا : كلنا قتله([4]) فحينئذ استحل قتالهم لإقرارهم على أنفسهم بما يوجب قتلهم وذكر ابن عبد البر عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن أهل النهروان : أكفار هم ؟ قال : من الكفر فروا قيل : فمنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل : فما هم ؟ قال : هم قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا وبغوا علينا وقاتلونا فقاتلناهم ولما جرحه ابن ملجم قال للحسن : أحسنوا إساره فان عشت فأنا ولي دمي وإن مت فضربة كضربتي وهذا رأي عمر بن عبد العزيز فيهم وكثير من العلماء والصحيح إن شاء الله أن الخوارج يجوز قتلهم ابتداءً و الإجهاز على جريحهم لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتلهم ووعده بالثواب من قتله فان عليا رضي الله عنه قال : لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولان بدعتهم وسوء فعلهم يقتضي حل دمائهم بدليل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من عظم ذنبهم وأنهم شر الخلق والخليقة وأنهم يمرقون من الدين وأنهم كلاب النار وحثه على قتلهم وإخباره بأنه لو أدركهم لقتلهم قتل عاد فلا يجوز إلحاقهم بمن أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالكف عنهم وتورع كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قتالهم ولا بدعة فيهم. انتهى المراد بتصرف (انظر المغني مع الشرح الكبير 10/ص47-48).
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى : باب من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه ثم ذكر حديثين في الباب (انظر الصحيح مع الفتح 12/ص303).
قال الحافظ الإسماعيلي رحمه الله : الترجمة في ترك قتال الخوارج والحديث في ترك القتل للمنفرد والجميع إذا أظهروا رأيهم ونصبوا للناس القتال وجب قتالهم وانما ترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قتل المذكور لأنه لم يكن أظهر ما يستدل به على ما وراءه فلو قتل من ظاهره الصلاح عند الناس قبل استحكام أمر الإسلام ورسوخه في القلوب لنفرهم عن الدخول في الإسلام وأما بعده صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يجوز ترك قتالهم إذا هم أظهروا رأيهم وتركوا الجماعة وخالفوا الأئمة مع القدرة على قتالهم قلت وليس في الترجمة ما يخالف ذلك إلا انه أشار إلى أنه لو اتفقت حالة مثل حالة المذكور فاعتقدت فرقة مذهب الخوارج مثلا ولم ينصبوا حربا أنه يجوز للامام الإعراض عنهم إذا رأى المصلحة في ذلك كأن يخشى أنه لو تعرض للفرقة المذكورة لأظهر من يخفي مثل اعتقادهم أمره وناضل عنهم فيكون ذلك سببا لخروجهم ونصبهم القتال للمسلمين مع ما عرف من شدة الخوارج في القتال وثباتهم وإقدامهم على الموت ومن تأمل ما ذكر أهل الأخبار من أمورهم تحقق ذلك وقد ذكر ابن بطال عن المهلب قال التألف إنما كان في أول الإسلام إذا كانت الحاجة ماسة لذلك لدفع مضرتهم فأما إذ أعلى الله الإسلام فلا يجب التألف إلا أن تنزل بالناس حاجة لذلك فلإمام الوقت ذلك قلت وأما ترجمة البخاري القتال والخبر في القتل فلأن ترك القتال يؤخذ من ترك القتل من غير عكس.انتهى (المصدر السابق 12/ص304).
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في تعداده ذكر فوائد حديث كعب بن مالك رضي الله عنه الطويل : منها: تركُه قتل المنافقين، وقد بلغه عنهم الكفرُ الصريحُ، فاحتج به مَن قال: لا يُقْتَلُ الزنديق إذا أظهر التوبة، لأنهم حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم ما قالوا، وهذا إذا لم يكن إنكاراً، فهو توبة وإقلاع، وقد قال أصحابُنا وغيرهم:ومَن شُهِدَ عليه بالرِّدَّةِ، فشهد أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، لم يكشف عن شىء عنه بعد، وقال بعض الفقهاء: إذا جحد الرِّدَّة، كفاه جحدها. ومَن لم يقبل توبة الزنديق، قال: هؤلاء لم تَقُمْ عليهم بيِّنة، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يحكمُ عليهم بعلمه، والذي بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنهم قولَهم لم يبلِّغه إياه نصابُ البيِّنة، بل شهد به عليهم واحد فقط، كما شهد زيدُ بن أرقم وحدَه على عبد الله بن أُبَىّ، وكذلك غيرُه أيضاً، إنما شهد عليه واحد.
وفي هذا الجواب نظر، فإن نفاق عبد الله بن أُبَىّ، وأقوالَه في النفاق كانت كثيرةً جداً، كالمتواترة عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، وبعضهم أقرَّ بلسانه، وقال: "إنما كنا نخوضُ ونلعب"، وقد واجهه بعضُ الخوارج في وجهه بقوله: إنَّك لم تَعْدِلْ.
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قيل له: ألا تقتلهم؟ لم يقل ما قامت عليهم بيِّنةٌ، بل قال: "لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أصْحَابَه".
فالجوابُ الصحيح إذن: أنه كان في ترك قتلهم في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مصلحة تتضمن تأليفَ القلوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وجمع كلمة الناس عليه، وكان في قتلهم تنفيرٌ، والإسلام بعدُ في غُربة، ورسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحرصُ شىْءٍ على تأليف الناسِ، وأتركُ شىيء لما يُنَفِّرُهم عن الدخول في طاعته، وهذا أمر كان يختصُّ بحال حياته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وكذلك تركُ قتل مَن طعن عليه في حكمه بقوله في قصة الزُّبير وخصمه: أنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. وفي قسمه بقوله: إنَّ هذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. وقول الآخر له: إنك لم تعدِل، فإنَّ هذا محضُ حقه، له أن يستوفِيَه، وله أن يترُكَه، وليس للأُمة بعده تركُ استيفاء حقِّه، بل يتعينُ عليهم استيفاؤه، ولا بُدَّ، ولتقرير هذه المسائل موضع آخر، والغرضُ التنبيه والإشارة. انتهى (انظر زاد المعاد 3/ص567-568).
وهذا أوان الشروع في ذكر ما تيسر من الأدلة الشرعية في قتل وقتال هذه الفرقة الدموية :
يقول تعالى ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله : قوله : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } قد اختلف الناس في سبب نزول هذه الآية فذهب الجمهور إلى أنها نزلت في العرنيين وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي : أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع الطريق ويسعى في الأرض بالفساد قال ابن المنذر : قول مالك صحيح قال أبو ثور محتجا لهذا القول : إن قوله في هذه الآية { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } يدل على أنها نزلت في غير أهل الشرك لأنهم قد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم فدل ذلك على أن الآية نزلت في أهل الإسلام انتهى وهكذا يدل على هذا قوله تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : [ الإسلام يهدم ما قبله ] أخرجه مسلم وغيره وحكى ابن جرير الطبري في تفسيره عن بعض أهل العلم أن هذه الآية : أعني آية المحاربة نسخت فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العرنيين ووقف الأمر على هذه الحدود وروي عن محمد بن سيرين أنه قال : كان هذا قبل أن تنزل الحدود يعني فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالعرنيين وبهذا قال جماعة من أهل العلم وذهب جماعة آخرون إلى أن فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالعرنيين منسوخ بنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المثلة والقائل بهذا مطالب ببيان تأخر الناسخ وسيأتي سياق الروايات الواردة في سبب النزول والحق أن هذه الآية تعم المشرك وغيره لمن ارتكب ما تضمنته ولا اعتبار بخصوص السبب بل الاعتبار بعموم اللفظ قال القرطبي في تفسيره : ولا خلاف بين أهل العلم في أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت في المرتدين أو اليهود انتهى ومعنى قوله مترتب : أي ثابت قيل المراد بمحاربة الله المذكورة في الآية هي محاربة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومحاربة المسلمين في عصره ومن بعد عصره بطريق العبارة دون الدلالة ودون القياس لأن ورود النص ليس بطريق خطاب المشافهة حتى يختص حكمه بالمكلفين عند النزول فيحتاج في تعميم الخطاب لغيرهم إلى دليل آخر وقيل إنها جعلت محاربة المسلمين محاربة لله ولرسوله إكبارا لحربهم وتعظيما لأذيتهم لأن الله سبحانه لا يحارب ولا يغالب والأولى أن تفسر محاربة الله سبحانه بمعاصيه ومخالفة شرائعه ومحاربة الرسول تحمل على معناها الحقيقي وحكم أمته حكمه وهم أسوته والسعي في الأرض فسادا يطلق على أنواع من الشر كما قدمنا قريبا قال ابن كثير في تفسيره : قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب : إن قرض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض وقد قال تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } انتهى
إذا تقرر لك ما قررناه من عموم الآية ومن معنى المحاربة والسعي في الأرض فسادا فاعلم أن ذلك يصدق على كل من وقع منه ذلك سواء كان مسلما أو كافرا في مصر وغير مصر في كل قليل وكثير وجليل وحقير وأن حكم الله في ذلك هو ما ورد في هذه الآية من القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض ولكن لا يكون هذا حكم من فعل أي ذنب من الذنوب بل من كان ذنبه هو التعدي على دماء العباد وأموالهم فيما عدا ما قد ورد له حكم غير هذا الحكم في كتاب الله أو سنة رسوله كالسرقة وما يجب فيه القصاص لأنا نعلم أنه قد كان في زمنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تقع منه ذنوب ومعاص غير ذلك ولا يجري عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا الحكم المذكور في هذه الآية وبهذا تعرف ضعف ما روي عن مجاهد في تفسير المحاربة المذكورة في هذه الآية أنها الزنا والسرقة ووجه ذلك أن هذين الذنبين قد ورد في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهما حكم غير هذا الحكم
وإذا عرفت ما هو الظاهر من معنى هذه الآية على مقتضى لغة العرب التي أمرنا بأن نفسر كتاب الله وسنة رسوله بها فإياك أن تغتر بشيء من التفاصيل المروية والمذاهب المحكية إلا أن يأتيك الدليل الموجب لتخصيص هذا العموم أو تقييد هذا المعنى المفهوم من لغة العرب فأنت وذاك اعمل به وضعه في موضعه وأما ما عداه :
( فدع عنك نهبا صيح في حجراته ... وهات حديثا ما حديث الرواحل )
على أنا سنذكر من هذه المذاهب ما تسمعه اعلم أنه قد اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة فقال ابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وأبو ثور : إن من شهر السلاح في قبة الإسلام وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار : إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله وبهذا قال مالك وصرح بأن المحارب عنده من حمل على الناس في مصر أو في برية أو كابرهم على أنفسهم وأموالهم دون نائرة ولا ذحل ولا عداوة قال ابن المنذر : اختلف عن مالك في هذه المسألة فأثبت المحاربة في المصر مرة ونفي ذلك مرة وروي عن ابن عباس غير ما تقدم فقال في قطاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض وروي عن أبي مجلز وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدي وعطاء على اختلاف في الرواية عن بعضهم وحكاه ابن كثير عن الجمهور وقال أيضا : وهكذا عن غير واحد من السلف والأئمة وقال أبو حنيفة : إذا قتل قتل وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وإذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه : إن شاء قطع يديه ورجليه وإن شاء لم يقطع وقتله وصلبه وقال أبو يوسف : القتل يأتي على كل شيء ونحوه قول الأوزاعي وقال الشافعي : إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ثم قطعت رجله اليسرى وحسمت وخلي لأن هذه الجناية زادت على السرقة بالحرابة وإذا قتل قتل وإذا أخذ المال وقتل قتل وصلب وروي عنه أنه قال : يصلب ثلاثة أيام وقال أحمد : إن قتل قتل وإن أخذ المال قطعت يده ورجله كقول الشافعي ولا أعلم لهذه التفاصيل دليلا لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله إلا ما رواه ابن جرير في تفسيره وتفرد بروايته فقال : حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي حبيب : أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية فكتب إليه يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين وهم من بجيلة قال أنس : فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل وأخافوا السبيل وأصابوا الفرج الحرام قال أنس : فسأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل عن القضاء فيمن حارب فقال : من سرق وأخاف الطريق فاقطع يده لسرقته ورجله بإضافته ومن قتل فاقتله ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه وهذا مع ما فيه من النكارة الشديدة لا يدرى كيف صحته ؟ قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكره لشيء من التفاصيل التي ذكرناها ما لفظه : ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره إن صح سنده ثم ذكره .انتهى (انظر فتح القدير 2/ص49 - 52).
وقال العلامة السعدي رحمه الله : المحاربون لله ولرسوله، هم الذين بارزوه بالعداوة، وأفسدوا في الأرض بالكفر والقتل، وأخذ الأموال، وإخافة السبل ، والمشهور أن هذه الآية الكريمة في أحكام قطاع الطريق، الذين يعرضون للناس في القرى والبوادي، فيغصبونهم أموالهم، ويقتلونهم، ويخيفونهم، فيمتنع الناس من سلوك الطريق التي هم بها ، فتنقطع بذلك،فأخبر الله أن جزاءهم ونكالهم -عند إقامة الحد عليهم- أن يفعل بهم واحد من هذه الأمور.... فدل هذا أن قطع الطريق من أعظم الذنوب، موجب لفضيحة الدنيا وعذاب الآخرة، وأن فاعله محارب لله ولرسوله.
وإذا كان هذا شأن عظم هذه الجريمة، علم أن تطهير الأرض من المفسدين، وتأمين السبل والطرق، عن القتل، وأخذ الأموال، وإخافة الناس، من أعظم الحسنات وأجل الطاعات، وأنه إصلاح في الأرض، كما أن ضده إفساد في الأرض. انتهى (انظر تفسير السعدي ص208).
ويقول تعالى : ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
قال العلامة القرطبي رحمه الله : .... الثالثة : في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين. وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين ، واحتج بقوله عليه السلام : "قتال المؤمن كفر" . ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر ، تعالى الله عن ذلك وقد قاتل الصديق رضي الله عنه : من تمسك بالإسلام وامتنع من الزكاة ، وأمر ألا يتبع مُولٍّ ، ولا يجهز على جريح ، ولم تحل أموالهم ، بخلاف الواجب في الكفار. وقال الطبري : لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ولا أبطل باطل ، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم ، بأن يتحزبوا عليهم ، ويكف المسلمون أيديهم عنهم ، وذلك مخالف لقوله عليه السلام : "خذوا على أيدي سفهائكم" .
الرابعة : قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذه الآية أصل في قتال المسلمين ، والعمدة في حرب المتأولين ، وعليها عول الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة ، وإياها عني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله : "تقتل عمارا الفئة الباغية" . وقوله عليه السلام في شأن الخوارج : "يخرجون على خير فرقة أو على حين فرقة" ، والرواية الأولى أصح ، لقوله عليه السلام : "تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحق" . وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب ومن كان معه....
السابعة : إذا خرجت على الإمام العدل خارجة باغية ولا حجة لها ، قاتلهم الإمام بالمسلمين كافة أو من فيه كفاية ، ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة ، فإن أبوا من الرجوع والصلح قوتلوا. ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم ، ولا تسبي ذراريهم ولا أموالهم. وإذا قتل العادل الباغي ، أو الباغي العادل وهو وليه لم يتوارثا. ولا يرث قاتل عمدا على حال. وقيل : إن العادل يرث الباغي ، قياسا على القصاص.انتهى المراد بتصرف (انظر الجامع لأحكام القرآن 16/317).
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله : فأوجب سبحانه قتال الطائفة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله ولا فرق بين أن يكون البغي من أحد من المسلمين على إمامهم أو على طائفة منهم.انتهى (انظر الدراري المضيئة 2462/)
وقال العلامة صديق حسن خان رحمه الله : وليس القعود عن نصرة الحق من الورع بعد قوله الله عز وجل: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} والحاصل: أنه إذا تبين الباغي ولم يلتبس ولا دخل في الصلح كان القعود عن مقاتلته خلاف ما أمر الله به وأما مع اللبس فلا وجوب حتى يتبين المحق من المبطل لكن يجب السعي في الصلح كما أمر الله به . انتهى (انظر الروضة الندية 2/773-774).
وقال العلامة السعدي رحمه الله : وفي هاتين الآيتين من الفوائد، غير ما تقدم: أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية، ولهذا، كان من أكبر الكبائر، وأن الإيمان، والأخوة الإيمانية، لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار، التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى وجوب الإصلاح، بين المؤمنين بالعدل، وعلى وجوب قتال البغاة، حتى يرجعوا إلى أمر الله، وعلى أنهم لو رجعوا، لغير أمر الله، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه، أنه لا يجوز ذلك، وأن أموالهم معصومة، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة ،دون أموالهم. انتهى (انظر تفسير السعدي ص766).
وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بعث علي وهو في اليمن إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذهبية في تربتها فقسمها بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم أحد بني مجاشع وبين عيينة بن بدر الفزاري وبين علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بني نبهان فتغيظت قريش والأنصار فقالوا يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا قال ( إنما أتألفهم ) . فأقبل رجل غائر العينين ناتئ الجبين كث اللحية مشرف الوجنتين محلوق الرأس فقال يا محمد اتق الله فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( فمن يطيع الله إذا عصيته فيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني ) . فسأل رجل من القوم قتله - أراه خالد بن الوليد - فمنعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ) .
وفي رواية لهما : لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود .
قال الإمام النووي رحمه الله : قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( ان من ضئضىء هذا قوما ) هو بضادين معجمتين مكسورتين وآخره مهموز وهو أصل الشيء وهكذا هو في جميع نسخ بلادنا وحكاه القاضي عن الجمهور وعن بعضهم أنه ضبطه بالمعجمتين والمهملتين جميعا وهذا صحيح في اللغة قالوا ولأصل الشيء أسماء كثيرة منها الضئضئ بالمعجمتين والمهملتين والنجار بكسر النون والنحاس والسنخ بكسر السين واسكان النون وبخاء معجمة والعنصر والعنض والأرومة قوله صلى الله عليه و سلم
( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ) أي قتلا عاما مستأصلا كما قال تعالى﴿ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ﴾ وفيه الحث على قتالهم وفضيلة لعلى رضي الله عنه في قتالهم . انتهى (انظر شرح مسلم 7/162).
قال العلامة أبو العباس القرطبي رحمه الله في (المفهم) : وفي الحديث علم من أعلام النبوة حيث أخبر بما وقع قبل أن يقع وذلك أن الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دمائهم وتركوا أهل الذمة فقالوا نفي لهم بعهدهم وتركوا قتال المشركين واشتغلوا بقتال المسلمين وهذا كله من آثار عبادة الجهال الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم وكفي أن رأسهم رد على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره ونسبه إلى الجور نسأل الله السلامة .
قال ابن هبيرة وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين والحكمة فيه أن في قتالهم حفظ رأس مال الإسلام وفي قتال أهل الشرك طلب الربح وحفظ رأس المال أولى . انتهى( بواسطة الفتح12/314-315).
وروى الشيخان عن سويد بن غفلة رحمه الله قال: قال علي رضي الله عنه : إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثا فو الله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول ( سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ) .
وروى مسلم عن عَبيدة السلماني رحمه الله عَنْ عَلِىٍّ قَالَ ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ - أَوْ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ - لَوْلاَ أَنْ تَبْطَرُوا لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - - قَالَ - قُلْتُ آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قَالَ إِى وَرَبِّ الْكَعْبَةِ إِى وَرَبِّ الْكَعْبَةِ إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
قول علي رضي الله عنه : (لَوْلاَ أَنْ تَبْطَرُوا) البطر: الطغيان عند النعمة وطول الغنى -كما في النهاية-
وقال الراغب رحمه الله: البطر دَهَشٌ يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها . انتهى (انظر مفردات القرآن ص55) .
وروى مسلم عن زيد بن وهب الجهني رحمه الله : أَنَّهُ كَانَ في الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِىٍّ - رضي الله عنه - الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ فَقَالَ عَلِىٌّ رضي الله عنه أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يَقُولُ « يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَىيءٍ وَلاَ صَلاَتُكُمْ إِلَى صَلاَتِهِمْ بِشَيءٍ وَلاَ صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بشيء يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ». لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِىَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لاَتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلاً لَهُ عَضُدٌ وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْي عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هَؤُلاَءِ يَخْلُفُونَكُمْ في ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَأَغَارُوا في سَرْحِ النَّاسِ فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ فَنَزَّلَنِى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلاً حَتَّى قَالَ مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِىُّ فَقَالَ لَهُمْ أَلْقُوا الرِّمَاحَ وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ. فَرَجَعُوا فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ وَسَلُّوا السُّيُوفَ وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ - قَالَ - وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ رَجُلاَنِ فَقَالَ عَلِىٌّ رضي الله عنه الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ. فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَامَ عَلِىي - رضي الله عنه - بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ أَخِّرُوهُمْ. فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الأَرْضَ فَكَبَّرَ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ - قَالَ - فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِي فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ الذي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فَقَالَ إي وَاللَّهِ الذي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ،حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلاَثًا وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ.
قال الحافظ رحمه الله : وفيه الكف عن قتل من يعتقد الخروج على الإمام ما لم ينصب لذلك حربا أو يستعد لذلك لقوله فإذا خرجوا فاقتلوهم و حكى الطبري الإجماع على ذلك في حق من لا يكفر باعتقاده وأسند عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب في الخوارج بالكف عنهم ما لم يسفكوا دما حراما أو يأخذوا مالا فان فعلوا فقاتلوهم ولو كانوا ولدي ومن طريق ابن جريج قلت لعطاء ما يحل في قتال الخوارج قال إذا قطعوا السبيل وأخافوا الأمن وأسند الطبري عن الحسن أنه سئل عن رجل كان يرى رأي الخوارج ولم يخرج فقال العمل أملك بالناس من الرأي.انتهى المراد (انظر الفتح 12/313).
وقال رحمه الله : وفيه جواز قتال من خرج عن طاعة الإمام العادل ومن نصب الحرب فقاتل على اعتقاد فاسد ومن خرج يقطع الطرق ويخيف السبيل ويسعى في الأرض بالفساد.انتهى (المصدر السابق12/315).
فائدة
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله : فتأمل قوة إيمانِ حاطب التي حملته على شهودِ بدر، وبذلِه نفسَه مع رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وإيثارِهِ اللهَ ورسولَه على قومه وعشيرتهِ وقرابتهِ وهم بين ظهراني العدُوِّ، وفي بلدهم، ولم يَثْنِ ذلكَ عِنَانَ عزمِه، ولا فَلَّ مِن حَدِّ إيمانه ومواجهته للقتال لمن أهلُه وعشيرته وأقاربُه عندهم، فلما جاء مرضُ الجسِّ، برزت إليه هذه القوةُ، وكان البُحرانُ صالحاً، فاندفع المرض، وقام المريض، كأن لم يكن به قَلبَةٌ، ولما رأى الطبيبُ قوةَ إيمانه قد استعلت على مرض جَسِّه وقهرته، قال لمن أراد فصده: لا يحتاجُ هذا العارض إلى فصاد، "ومَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أهل بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم، فَقَدْ غَفرْتُ لَكُم".
وعكس هذا ذو الخُويصِرَة التميمى و أضرابه مِن الخوارج الذين بلغ اجتهادُهم في الصلاةِ والصِّيَامِ والقراءة إلى حد يَحْقِرُ أحدُ الصحابة عملَه معه كيف قال فيهم: "لَئِنْ أدْركْتُهُم لأَقْتَلَنَّهُم قَتْلَ عَادٍ"، وقال: "اقْتُلُوهُم فإنَّ في قَتْلِهِمْ أَجْرَاً عِنْدَ اللهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ". وقال: "شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ"، فلم ينتفِعُوا بتلك الأعمال العظيمةِ مع تلك المواد الفاسدة المهلكةِ واستحالت فاسدةً .انتهى (انظر زاد المعاد 3/426-427).
وعن عقبة بن وسّاج رحمه الله قال : كان صاحب لي يحدثني عن شأن الخوارج ، وطعنهم على أمرائهم ، فحججت ، فلقيت عبد الله بن عمرو ، فقلت له : أنت من بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقد جعل الله عندك علما ، وأناس بهذا العراق يطعنون على أمرائهم ، ويشهدون عليهم بالضلالة . فقال لي : أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين أتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقليد من ذهب وفضة ، فجعل يقسمها بين أصحابه ، فقام رجل من أهل البادية فقال : يا محمد ، والله لئن أمرك الله أن تعدل فما أراك أن تعدل ، فقال : « ويحك من يعدل عليه بعدي ؟ » فلما ولى قال : « ردوه رويدا » . فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « إن في أمتي أخا لهذا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، كلما خرجوا فاقتلوهم » ، ثلاثاً. رواه ابن أبي عاصم في السنة و البزار وصححه شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله.
ولأبن أبي عاصم أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أتاه رجل - يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهو يقسم تبرا يوم حنين ، فقال : يامحمد اعدل . فقال : « ويحك إن لم أعدل ، عند من يلتمس العدل ؟ » ثم قال : « يوشك أن يأتي قوم مثل هذا ، يسألون كتاب الله وهم أعداؤه ، يقرءون كتاب الله ، محلقة رءوسهم ، إذا خرجوا فاضربوا أعناقهم » الحديث ذكره شيخنا رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين .
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كلما خرجوا فاقتلوهم) فيه المبادرة بقتلهم وعدم التواني في ذلك حتى لا يستفحل شرهم وفسادهم البلاد والعباد .
وعن سعيد بن جُمهان رحمه الله قال : أتيت عبد الله بن أبي أوفي وهو محجوب البصر فسلمت عليه قال لي من أنت فقلت أنا سعيد بن جمهان قال فما فعل والدك قال قلت قتلته الأزارقة([5])
قال لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة حدثنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم كلاب النار قال قلت الازارقة وحدهم أم الخوارج كلها قال بلى الخوارج كلها قال قلت فان السلطان يظلم الناس ويفعل بهم قال فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال ويحك يا بن جمهان عليك بالسواد الأعظم عليك بالسواد الأعظم إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فان قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه. رواه الإمام أحمد .
وله عن سعيد بن جُمهان رحمه الله قال : كنا نقاتل الخوارج وفينا عبد الله بن أبي أوفي وقد لحق له غلام بالخوارج وهم من ذلك الشط ونحن من ذا الشط فناديناه أبا فيروز أبا فيروز ويحك هذا مولاك عبد الله بن أبي أوفي قال نعم الرجل هو لو هاجر قال ما يقول عدو الله قال قلنا يقول نعم الرجل لو هاجر قال فقال أهجرة بعد هجرتي مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول طوبى لمن قتلهم وقتلوه .
وفي رواية له قال رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول طوبى لمن قتلهم ثم قتلوه قال عفان في حديثه وقتلوه ثلاثا. الحديثان حسنهما شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله .
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (طوبى لمن قتلهم) قال الراغب رحمه الله : قيل هو اسم شجرة في الجنة ، وقيل بل إشارة إلى كل مستطاب في الجنة من بقاء بلا فناء وعز بلا زوال وغنى بلا فقر .انتهى (انظر المفردات في غريب القرآن ص321).
وفي هذا الحديث وغيره من أدلة الباب وكذا حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه المتقدم أن ولي أمر المسلمين أو نائبه ومن معه من المسلمين هم الذين يباشرون ويتولون قتل وقتال الخوارج ليس غير.
وعن أبي غالب حزور رحمه الله عن أبي أمامة : انه رأى رءوسا منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة كلاب النار كلاب النار ثلاثا شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه ثم قرأ { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } الآيتين قلت لأبي أمامة أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لو لم أسمعه إلا مرتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا أو ستا أو سبعا ما حدثتكم. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وقل الترمذي هذا حديث حسن وذكره شيخنا الوادعي رحمه الله تعالى في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين.
وفي هذا الحديث أن الخوارج شر الطوائف المنتسبة إلى الإسلام وقد جاء وصفهم بما هو أشد من هذا في غير ما حديث ، منها ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ في أُمَّتِهِ يَخْرُجُونَ في فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ سِيمَاهُمُ التَّحَالُقُ قَالَ « هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ - أَوْ مِنْ أَشَرِّ الْخَلْقِ - يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ ». قَالَ فَضَرَبَ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لَهُمْ مَثَلاً أَوْ قَالَ قَوْلاً « الرَّجُلُ يَرْمِى الرَّمِيَّةَ - أَوْ قَالَ الْغَرَضَ - فَيَنْظُرُ في النَّصْلِ فَلاَ يَرَى بَصِيرَةً وَيَنْظُرُ في النَّضِىِّ فَلاَ يَرَى بَصِيرَةً وَيَنْظُرُ في الْفُوقِ فَلاَ يَرَى بَصِيرَةً ». قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَأَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ.
ولمسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - « إِنَّ بَعْدِى مِنْ أُمَّتِى - أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِى مِنْ أُمَّتِى - قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَلاَقِيمَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ ». فَقَالَ ابْنُ الصَّامِتِ فَلَقِيتُ رَافِعَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِىَّ أَخَا الْحَكَمِ الْغِفَارِىِّ قُلْتُ مَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِى ذَرٍّ كَذَا وَكَذَا فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
ولمسلم أيضاً عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ وَهُوَ مَعَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالُوا لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ. قَالَ عَلِىٌّ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وَصَفَ نَاسًا إِنِّى لأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ في هَؤُلاَءِ « يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لاَ يَجُوزُ هَذَا مِنْهُمْ - وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ . الحديث .
وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله كما تقدم .(انظر فتح الباري 12/298)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يخرج قوم في آخر الزمان سفهاء الأحلام أحداث أو قال حدثاء الأسنان يقولون من خير قول الناس يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية فمن أدركهم فليقتلهم فإن في قتلهم أجرا عظيما عند الله لمن قتلهم. رواه الإمام أحمد وغيره وحسنه شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله .
وروى ابن أبي عاصم في السنة عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إن في أمتي قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، فإذا خرجوا فاقتلوهم ، فإذا خرجوا فاقتلوهم . وفي رواية : سيخرج من أمتي ناس ذلقة ألسنتهم بالقرآن لا يجاوز تراقيهم ، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم ، فإنه يؤجر قاتلهم » الحديث صححه شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله .
قال الأمام أحمد رحمه الله( 5/42) : ثنا روح ثنا عثمان الشحام ثنا مسلم بن أبي بكرة عن أبيه : أن نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر برجل ساجد وهو ينطلق إلى الصلاة فقضى الصلاة ورجع عليه وهو ساجد فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال من يقتل هذا فقام رجل فحسر عن يديه فاخترط سيفه وهزه ثم قال يا نبي الله بأبي أنت وأمي كيف أقتل رجلا ساجدا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم قال من يقتل هذا فقام رجل فقال أنا فحسر عن ذراعيه واخترط سيفه وهزه حتى أرعدت يده فقال يا نبي الله كيف اقتل رجلا ساجدا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والذي نفس محمد بيده لو قتلتموه لكان أول فتنة وآخرها .
وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم 938 فقال رحمه الله: ثنا الحسين بن البزار ، حدثنا روح بن عبادة فذكره . قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى في ظِلالِ الجنة : إسناده صحيح .
وإلى هنا و الحمد لله رب العالمين وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
كتبه :
محمد العمودي كان المولى له محافظة عدن حرسها الله من إلحاد الشيوعية الكافرة وزندقة الحوثية الرافضية المجوسية مديرية المعلا
يوم الخميس قبيل صلاة الظهر بنحو من ساعة الموافق 26جمادي الثاني 1435ه
([1])ولعلك قد رأيت إعلانات في بعض الشوارع وفيها مناشدة بعض أولياء الأمور بعض مسؤلي الدولة بالإفراج عن أبنائهم الذين ضحك عليهم أرباب هذا الفكر الدموي.ذلك لتعلم أن هذا الفكر هو وليد الخوارج سواءً بسواء
(2) وقد ذكر قبل في ص27: ثم اختلفت الخوارج بعد ذلك فيما بينها فصارت مقدار عشرين فرقة كل واحدة تكفر سائرها !!!!!
([3])وأكثرهم إنكاراً وتنكيلاً بهم وتحذيراً وتنفيراً شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله حتى كان يسميهم بجماعة الفساد وكذا خليفته من بعده الناصح الأمين أبو عبد الرحمن يحي بن علي الحجوري أعزه الله وأعز به دينه وتولاه بحفظه
([4]) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : وكان من جملة من قتلوه عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسروه وامرأته معه وهي حامل فقالوا: من أنت ؟ قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكم قد روعتموني فقالوا: لا بأس عليك، حدثنا ما سمعت من أبيك فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي " فاقتادوه بيده فبينما هو يسير معهم إذ لقي بعضهم خنزير البعض أهل الذمة فضربه بعضهم فشق جلده فقال له آخر: لم فعلت هذا وهو لذمي ؟ فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه وبينا هو معهم إذ سقطت تمرة من نخلة فأخذها أحدهم فألقاها في فمه، فقال له آخر: بغير إذن ولا ثمن ؟ فألقاها ذاك من فمه، ومع هذا قدموا عبد الله بن خباب فذبحوه، و جاؤوا إلى امرأته فقالت: إني امرأة حبلى، ألا تتقون الله، فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها... (انظر البداية والنهاية7/318)
([5])فرقة من فرق الخوارج