اسكت بحلم (!) أو انطق بعلم(!) فالعلم النافع هو النافع ما جاء عن أمثال هؤلاء :
قال الإمام الذهبي رحمه الله في"التذكرة"(2/ رداً على من يتنقص ويزدري أئمة الحديث و أوعية العلم لاسيما المتقدمين منهم :
((ولقد كان في هذا العصر وما قاربه من أئمة الحديث النبوي خلق كثير وما ذكرنا عشرهم هنا وأكثرهم مذكورون في تاريخي، وكذلك كان في هذا الوقت خلق من أئمة أهل الرأي والفروع وعدد من أساطين المعتزلة والشيعة وأصحاب الكلام الذين مشوا وراء المعقول وأعرضوا عما عليه السلف من التمسك بالآثار النبوية وظهر في الفقهاء التقليد وتناقص الاجتهاد فسبحان من له الخلق والأمر
فبالله عليك يا شيخ (!)أرفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشزر ولا ترمقنهم بعين النقص ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا فما في من سميت أحد ولله الحمد إلا وهو بصير بالدين عالم بسبيل النجاة وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال: من أحمد ؟! ،وما ابن المديني ؟! وأي شيء أبو زرعة وأبو داود ؟! ، هؤلاء محدثون ولا يدرون ما الفقه ! ما أصوله ! ولا يفقهون الرأي ! ولا علم لهم بالبيان والمعاني والدقائق !! ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله تعالى بالدليل !! ولا هم من فقهاء الملة !
فاسكت بحلم أو انطق بعلم فالعلم النافع هو النافع ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت, وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل, فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه, ومن تكلم بالجاه وبالجهل أو بالشر والبأو فأعرض عنه وذره في غيه فعقباه إلى وبال. نسأل الله العفو والسلامة))اهـ .
قال مقيده -عفا الله عنه- : هذا الكلام من هذا الإمام قاله في من يتنقص أئمة الحديث من حيث العلم والدراية ، فكيف -بالله عليك- لو بلغه من يقول في إمام من كبار التابعين تحت الأقدام(!) في الحضيض(!).
أهذا هو الورع يا منصفون ؟!!
أم هي فلتات اللسان بالهوى و العصبية؟!!
و رحمه الله القائل :
لقد بان للناس الهدى غير أنهم *** غدوا بجلابيب الهوى قد تجلببوا.
لو بلغ هذا الكلام هذا الإمام لقال فيه كما قال عن ابن معين رحمه الله حين تكلم في الشافعي الهمام رحمه الله
قال الذهبي رحمه الله في"الرواة الثقات"(ص/28-31) :
((قال ابن عبد البر أيضاً : قد صح من طرق عن ابن معين أنه يتكلم في الشافعي .
قلت: قد آذى ابن معين نفسه بذلك ولم يلتفت الناس الى كلامه في الشافعي .)).
وها نحن نقولها -أيضاً-لهذا الذي ينقضُ آخرُ مآله أوَّلهُ :
قد آذيت نفسك(يا شيخ) بكلامك في الإمام هشام بن الغاز رحمه الله ، فإن الرجل قد قفز القنطرة و احتجوا به فأرنا ماذا يُنقم به على هشام .
فإن كان في قلبك شيء!! ،فليسكن قلبك!! ولتهدأ جوارحك!!.
و بادر -يرحمك الله- بالتوبة و الإنابة إلى ربك تعالى فإن الرجوع للحق فضيلة و التماطل عن ذلك خذيلة .
كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما- : (( لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك و هديت فيه رشدك أن ترجع فيه إلى الحق فإن الحق قديم ، والرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل ))اهـ . رواه وكيع في "أخبار القضاة"( 1/ 70-73) ، والخطيب في" الفقيه والمتفقه"( 2/ 200) .
قال ابن عبد البر رحمه الله في"الجامع"(2/331) : (( قال مالك: وقال ذلك للثناء على عمر بن الخطاب: ما كان بأعلمنا، ولكنه كان أسرعنا رجوعا إذا سمع الحق.))اهـ.
و قال ابن رجب في"الفرق بين النصيحة والتعيير" :((فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيراً ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم .))اهـ.
و صدق القائل(وهو أبو العتاهية) :
إذا اتضح الصواب فلا تدعه *** فإنك كلما ذقت الصوابا
وجدت له على اللهــــــــــــــــــوات بردا *** كبرد الماء حين صفا وطابا
وليس بحاكم من لا يبالي *** أأخطأ في الحكومة أم أصابا.
و كما قال الذهبي : ((و الله حسيب من يتكلم بجهل و هوى والسكوت يسع الشخص ))اهـ"الرواة الثقات"(ص/33) .
و الحمد لله رب العالمين .
كتبه :
أبو عبد الله حسين الجيجلي