نموذج من كذب وتلبيس بعض المتعصبة على غير الناطقين باللغة العربية
[وهذا رد على بعض المتعصبين لأهل الباطل كأصحاب المكتبة السلفية]
بسم الله الرحمن الرحيم
إن مسلك الحزبيين والمبتدعة كأبي حسن المأربي وعلي الحلبي هو حمل المجمل على المفصل، وقد بيّن العلماء مغالطاتهم وضلالاتهم التي يقرّونها المخالفة لمنهج السلف. ومنهج السلف أن من تكلم بلفظ يحتمل حقاً وباطلاً أنكروه ولم يقرّوه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في درء تعارض العقل والنقل (1145 /)]: "فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة أيضاً، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلاً بباطل". اهـ
ولهذا حارب علماؤنا هؤلاء المبتدعة الذي يلبّسون على الناس باستخدام الألفاظ المجملة، قال الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله [في تنبيه الغبي في الرد على مخالفات أبي الحسن المأربي]: "فأقول: إنَّ هناك اختلافًا بين المسألتين، حمل المجمل على المفصل لا يجوز إلاَّ في كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم ... ". اهـ
وكذلك رد أهل العلم على من لم يجمع كلام العلماء حتى يتضح مقصودهم، قال الشيخ النجمي [المصدر السابق]: "أمَّا إذا أشكل كلام بعض أهل العلم، وكان له كلامٌ في موضعين أو أكثر، فإنَّه يجب أن يجمع بعضه إلى بعض... ". اهـ
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله [في رده على الحلبي]: "ثالثاً: على الأخ الشيخ علي بن حسن إذا كان ولابد من نقل كلام أهل العلم أن يستوفي النقل من أوله إلى آخره ويجمع كلام العالم في المسألة من مختلف كتبه حتى يتضح مقصوده ويرد بعض كلامه إلى بعض ولا يكتفي بنقل طرف ويترك الطرف الآخر لأن هذا يسبب سوء الفهم وأن ينسب إلى العالم مالم يقصده". اهـ
قلت: فتبيّن للقارئ الكريم أن الإجمال والإطلاق في الألفاظ وبنقل طرف من كلام العالم دون الآخر هو سبيل أهل الأهواء، وأن سبيل أهل السنة والحق هو البيان والتفصيل والتصريح في الكلام.
** * **
واعلم -رحمك الله- أن أهل السنة والجماعة لا يعتقدون العصمة من الخطأ إلاّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سواه فغير معصوم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في مجموع الفتاوى (4/ 434)]: "(وَأَهْلُ السُّنَّةِ) تُحْسِنُ الْقَوْلَ فِيهِمْ وَتَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، لَكِنْ لَا يَعْتَقِدُونَ الْعِصْمَةَ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ وَعَلَى الْـخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ سِوَاهُ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ وَالْـخَطَأِ ". اهـ
وقد بيّن العلماء أخطاء من خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم مهما علت منزلته، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة، وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة؛ فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأى أي معظَّم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ، ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد، لا بغضاً له؛ بل هو محبوب عندهم معظَّم في نفوسهم لكن رسول الله أحب إليهم، وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره؛ فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفوراً له، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه"[1].اهـ
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله [في السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (106)]: "وقد رُويَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حذر من زلّة العالم، وعن ابن مسعود أنه قال: «لَا يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلًا، إِنْ آمَنَ آمَنَ وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فَإِنَّهُ لَا أُسْوَةَ فِي الشرّ». وأقول متمما لهذا الكلام: وعند أن ينتهيَ إلى العالم من الصحابة يقال له: هذا الصحابيّ أخذ علمه عن أعلم البشر المرسل من الله إلى عباده، المعصوم عن الخطأ في أقواله وأفعاله، فتقليده أولى من تقليد الصحابيّ الذي لم يصل إليه إلا شُعبةٌ من شُعب علومه وليس له من العصمة شيء، ولم يجعل الله سبحانه قوله ولا فعله ولا اجتهاده حجة على أحد من الناس". اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في العقيدة الواسطية]: "[فَصْلٌ: وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ] ... ويُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ: إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ. وَهُم مَّعَ ذَلِكَ لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجـُمْلَةِ. وَلَهُم مِّنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ ـ إِنْ صَدَرَ... ". اهـ
قلت: فتبيّن لنا أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين غير معصومين عن الخطأ، ولكنهم معذورون لأنهم مجتهدون رضوان الله تعالى أجمعين، وكما هو معلوم المجتهد يخطئ ويصيب كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم [في الصحيحين]: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ». وتبيّن لنا أن المنهي عنه هو ذكر مساوئ الصحابة والقدح فيهم وتنقيصهم والخوض فيما حصل بينهم من خلاف، ففرق واضح بين هذا وبين بيان خطأ من خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم نصحاً للإسلام والمسلمين، لأننا مأمورون باتباع سنته عليه الصلاة والسلام وترك كل ما خالفها كما قال تعالى ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف:3]، ولهذا قال أئمة السلف كالإمام مالك رحمه الله تعالى [ابن عبد البر في الجامع ( 2 / 91)]: "ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ ويؤخذ من قوله ويترك إلاّ النبي صلى الله عليه وسلم". اهـ
وللأسف يظن بعض الناس أن تخطئة الإمام تستلزم الطعن فيه!!! والعلامة الألباني رحمه الله قد فند هذه الشبهة التي تبنّاها الكثير من الناس؛ فقال رحمه الله [في مقدمة كتابه صفة صلاة النبي (ص63) "باب شبهات وجوابها"]: "ثم إن هناك وهماً شائعاً عند بعض المقلّدين، يصدهم عن اتباع السنة التي تبيّن لهم أن المذاهب على خلافها، وهو ظنهم أن اتباع السنة يستلزم تخطئة صاحب المذهب، والتخطئة معناها عندهم الطعن في الإمام، ولما كان الطعن في فرد من أفراد المسلمين لا يجوز؛ فكيف في إمام من أئمتهم؟!
والجواب: أن هذا المعنى باطل؛ وسببه الانصراف عن التفقه في السنة، وإلا فكيف يقول ذلك المعنى مسلم عاقل؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائل: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» [البخاري ومسلم] فهذا الحديث يردّ ذلك المعنى، ويبيّن بوضوح لا غموض فيه أن قول القائل: (أخطأ فلان) معناه في الشرع: (أثيب فلان أجراً واحداً)، فإذا كان مأجوراً في رأي من خطّأه؛ فكيف يتوهّم من تخطئته إياه الطعن فيه؟! لا شك أن هذا التوهّم أمر باطل، يجب على كل من قام به أن يرجع عنه؛ وإلا فهو الذي يطعن في المسلمين، وليس في فرد عادي منهم، بل في كبار أئمتهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين وغيرهم، فإننا نعلم يقيناً أن هؤلاء الأجلّة كان يخطئ بعضهم بعضاً، ويرد بعضهم على بعض، أفيقول عاقل: إن بعضهم كان يطعن في بعض؟! ....
ولقد نسي هؤلاء -ولا أقول: تناسوا- أنهم بسبب هذا الوهم وقعوا فيما هو شر مما منه فروا، فإنه لو قال لهم قائل: إذا كان الاتباع يدل على احترام المتبوع، ومخالفته تدل على الطعن فيه؛ فكيف أجزتم لأنفسكم مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وترك اتباعها إلى اتباع إمام المذاهب في خلاف السنة، وهو معصوم، والطعن فيه ليس كفرا؟! فلئن كان عندكم مخالفة الإمام تعتبر طعناً فيه؛ فمخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم أظهر في كونها طعناً فيه، بل ذلك هو الكفر بعينه -والعياذ بالله منه-...". اهـ
قلت: فتبيّن للقارئ اللبيب أن الرد وبيان خطأ من خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا يعتبر طعناً في حق المخالف مهما علت منزلته، وأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أحق أن يُعظّم ويُتبع ويُقتدى به من رأى أي معظَّم قد خالف أمره عليه الصلاة والسلام. وهؤلاء الظانون هذا الظن الباطل -أي أن تخطئة الإمام تستلزم الطعن فيه- ويكأنهم يدّعون العصمة للمخطئ(!)وكما تقدم ذِكره؛ أن السلف لا يعتقدون العصمة لأحد إلاّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
** * **
والآن إليك أيها القارئ نموذج من كذب بعض المتعصبة لأهل الباطل على العوام والأعاجم:
- أحد المتعصبين لأهل الباطل لا يجمع كلام العلماء ويكتفي بنقل طرف واحد دون الآخر
قام أحد المتعصبين لأهل الباطل بنقل كلام مجمل من كلام الشيخ ربيع وفقه الله وغيره من أهل العلم، ولا شك أن هذا ينتج منه سوء الفهم وأن ينسب إلى العالم مالم يقصده كما تقدم ذِكره. فهذا الرجل ذكر طرفاً واحداً من كلام الشيخ ربيع ولم يذكر بقية كلامه، وقال [كما في الصورة التالية]: "قال الشيخ ربيع: ولو حصل أن صحابياً وقع في خطأ لا تذكره؛ قل هو مجتهد". اهـ
ولو نظرنا إلى شرح الشيخ لرسالة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله [أصول السنة (ص69) ط دار المنهاج]؛ لوجدنا أن الشيخ قال: "... ولو حصل ولو ثبت أن هذا الصحابي وقع في خطأ لا تذكره ولا تنتقصه بهذا الحديث؛ بل قل مجتهد، هذا مذهب أهل السنة والجماعة أنه ما حصل من خلاف بين الصحابة فهم مجتهدون...". اهـ
فالشيخ يقصد تنقيص الصحابي والخلاف الذي وقع بين الصحابة كما هو واضح في شرحه، ولم يقل كلاماً مجملاً كما زعم هذا الكاتب. وعندما أرسل له أحد الإخوة صورة الصفحة من شرح الشيخ؛ بدأ هذا المتنكر للحق وأهله -وبكل جرأة- بترجمة الكلام الذي يوافق هواه ليلبس على السائل، فانظر أيها القارئ -وفقني الله وإياك إلى الحق- ماذا صنع هذا الرجل:
كما ترى أيها القارئ؛ قام بترجمة طرف من كلام الشيخ ربيع وقال: "ولو ثبت أن هذا الصحابي وقع في خطأ لا تذكره ولا تنتقصه بهذا الحديث؛ بل قل مجتهد، هذا مذهب أهل السنة والجماعة(!)". اهـ
قلت: هذا إن دل على شيء فيدل على أن هذا الرجل تعمد التلبيس والكذب على الشيخ ربيع وفقه الله، لأنه بعد أن راسلته بنفسي وبيّنت له كلام الشيخ؛ فما هي إلاّ لحظات وحذف كلامه، دون أن يبيّن للناس عن خطئه وتراجعه، ولكن فضحه الله. ومما يبين كذب هذا الرجل على الشيخ ربيع، فها هو الشيخ يقول بكل وضوح [كما في فتاوى في العقيدة والمنهج (الحلقة الثالثة) سؤال27] [2]: "...أما أئمة الهدى فإنهم إن أخطأوا نبين أن هذا خطأ مع احترامنا وتقديرنا لهم، حبنا لهم لا يجيز لنا أن نروِّج لأخطائهم ونقول: إنها حسنات، ولو كان المخطئ من الصحابة؛ لا يجوز أن نزين خطأه بل نقول خطأ مع احترامنا وتقديرنا وحبنا له لكن النصح لله يقتضي منا أن نبين خطأ هذا المسلم الذي نحبه ونجلّه". اهـ
وعلى هذا فأقول لهذا المتنكر للحق؛ اتق الله وتب إليه، واطلب العلم، وتلبيسك هذا على الناس سيكون وبال عليك في الدنيا والآخرة، لأن المسألة مسألة دين، قال الله تعالى ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل:25].
** * **
- أصحاب المكتبة السفلية: يحملون المجمل على المفصل للتلبيس على العوام وغير الناطقين باللغة العربية!!
سلك أصحاب المكتبة السلفية هذا المسلك الخطير الذي حذّر منه العلماء قديماً وحديثاً، فها هو أحد دعاة المكتبة السلفية (في محاضرة ألقاها في مدينة كاردف -ببريطانيا-) يستخف بعقول الناس ويدندن كلاماً مجملاً غير مفصل في هذا الوقت الذي يُشاع فيه أن تخطئة الإمام تستلزم الطعن فيه؛ فقال -هداه الله-: "قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ... والأخذ بآثارهم فضيلة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص" [3]. اهـ [استمع إليه: من هنا]
قلت: أولاً؛ كلام الإمام أحمد رحمه الله كلام حق وهو معتقد أهل السنة والجماعة.
ثانياً؛ أحب أن ألفت النظر أن هذا الداعي من المكتبة السلفية عندما ترجم ما ذكره عن الإمام أحمد زاد عليه لفظ "أي خطأ" [4]، ومفهوم كلامه أن الإمام أحمد يقول لا يجوز ذكر أي خطأ صدر من أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كذب على إمام أهل السنة في زمانه.
ثالثاً؛ العجيب أن هذا الرجل كان يدندن بكلام نحوه في محاضرته كلها!! وكان معظم الحضور من الطلاب المبتدئين وكثير منهم لا يعرف هذه المسائل كما هو الواقع في هذه البلاد التي يحيط بها الجهل من جميع الجوانب، بل حتى أن بعضهم قد لا يـجيد أبسط أمور التوحيد والعبادات كشروط وواجبات الوضوء، وقد يكون فيهم حديثو عهد بكفر، والمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن؛ قال له «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ... الحديث». وهذه هي طريقة العلماء الربانيين؛ وقد قال البخاري [في صحيحه عقب حديث رقم(67)]: "ويُقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره" اهـ. وقال علي رضي الله عنه [كما في صحيح البخاري] «حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ».
وفعلاً حصل تلبيس على بعض الناس ممن التقينا بهم في كاردف، وبحمد الله بيّنا لهم وتراجعوا عن أقوالهم، فرأينا الحاجة لكتاب هذا البيان المختصر نصحاً للإسلام والمسلمين. وعلى هذا فأقول؛ كيف يؤتمن على من يكذب على الأئمة كالإمام الجليل أحمد بن حنبل رحمه الله؛ وكيف يؤتمن على من يلبّس على الناس والعوام، بل ويكذب على المنهج السلفي؟!! قال الله تعالى ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق:14]، وقال تعالى ﴿أَلاَ يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [المطففين:4-5].
رابعاً، كما ذكرنا آنفا أن العلماء يبيّنون خطأ من خالف السنة من الأئمة بدون استثناء، وأن هذا لا يعتبر طعناً فيهم بل هو نصح للإسلام والمسلمين، والأمثلة على ذلك كثيرة: فقد ذكر الألباني أن الصحابة كان يخطّئ بعضهم بعضاً، فقال رحمه الله [كما في مقدمة صفة صلاة النبي (ص63)]: "... فإننا نعلم يقينا أن هؤلاء الأجلة كان يخطّئ بعضهم بعضاً ويرد بعضهم على بعض، أفيقول عاقل: إن بعضهم كان يطعن في بعض؟! بل لقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطأ أبا بكر رضي الله عنه في تأويله رؤيا كان رآها رجل؛ فقال صلى الله عليه وسلم له: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» [البخاري ومسلم] فهل طعن صلى الله عليه وسلم في أبي بكر بهذه الكلمة؟؟!!". اهـ
وإن طبقنا الكلام المجمل لهذا الداعي من المكتبة السلفية -هداه الله- (أي أن مذهب أهل السنة والجماعة هو عدم ذكر أي خطأ صدر من أي صحابي) فكيف يُعرف الحق ويُبيّن للناس أن اجتهاد هذا الصحابي غير صواب وأنه مخالف للسنة؟! ومَن مِن علماء السلف سيسلم من هذه الفرية؟؟!!!
- فها هو شيخ الإسلام ابن تيمية يقول [كما في مجموع الفتاوى (6 61 /)]: "إذَا رَأَيْت الْمَقَالَةَ الْمُخْطِئَةَ قَدْ صَدَرَتْ مِنْ إمَامٍ قَدِيمٍ فَاغْتُفِرَتْ؛ لِعَدَمِ بُلُوغِ الْحُجَّةِ لَهُ؛ فَلَا يُغْتَفَرُ لِمَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ مَا اُغْتُفِرَ لِلْأَوَّلِ، فَلِهَذَا يُبَدَّعُ مَنْ بَلَغَتْهُ أَحَادِيثُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهَا إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَا تُبَدَّعُ عَائِشَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ بِأَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ؛ فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ نَافِعٌ".اهـ
قلت: فهل كلام شيخ الإسلام يتضمن الطعن في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟؟!!
- وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن عبدالله ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنكر على من استدل بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال [كما في مجموع الفتاوى (2 281 /)]: "...فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا بَيَّنَ لَهُمْ مَعْنَى كَلَامِ عُمَرُ يُنَازِعُونَهُ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ لَهُمْ: فَقَدِّرُوا أَنَّ عُمَرُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ. أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوهُ أَمْ عُمَرُ وَكَذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إذَا بَيَّنَ لَهُمْ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَتُّعِهِ يُعَارِضُونَهُ بِمَا تَوَهَّمُوهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَيَقُولُ لَهُمْ: يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ. أَقُولُ لَكُمْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. يُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُعَارِضَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ". اهـ
قلت: فهل كلام ابن عمر يتضمن الطعن في الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما؟؟!!
- وها هو الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول [كما في مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين (باب صفة الصلاة)]: "أما فعل ابن مسعود رضي الله عنه فلا يحتج به لأنه خالف الحديث، وذلك أن كل من خالف النص مهما كانت منزلته في الدين فإنه يعتذر عنه، ولا يحتج بقوله، ولا يعارض به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم" [5]. اهـ
قلت: وهل كلام الشيخ ابن عثيمين يتضمن الطعن في الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه؟؟!!
- وها هو الألباني رحمه يقول [في سلسلة الهدى والنور (785) دقيقة 39] عن أبي هريرة: "...وقوع العالم في البدعة لا يعني أنه مبتدع، وأن وقوع العالم في ارتكاب المحرم أي بالقول بإباحة ما هو حرام -طبعاً اجتهاد منه هناك وهناك- لا يعني أنه ارتكب محرماً، فأقول: أثر أبي هريرة هذا الذي ينص على أنه كان يقوم يوم الجمعة قبل الصلاة يعظ الناس ويذكرهم يصلح أن يكون مثالاً صالحاً لكون البدعة قد تقع من رجل عالم وليس مع ذلك هو مبتدعاً ... نحن نقول نعم هذه بدعة؛ لأنها مخالفة للسنة وسيأتي البيان، لكن ما نقول أن أبا هريرة مبتدع ... ". اهـ [المادة الصوتية: من هنا]
قلت: وهل كلام الشيخ الألباني يتضمن الطعن في الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه؟؟!!
- وها هو الوادعي رحمه الله يقول عن أذان عثمان: "... سني وقع في بدعة، فأنت تقول عملك هذا بدعة ولا تسميه مبتدعاً كما حصل من عثمان رضي الله تعالى عنه في أذان الجمعة الأول، فعبدالله بن عمر يسميه بدعة -الأذان الأول للجمعة- ولكن ليس هناك من يجرؤ على تسمية عثمان أو على قول القول بأن عثمان مبتدع رضي الله تعالى عنه ...". اهـ [المادة الصوتية: من هنا]
قلت: وهل كلام الشيخ الوادعي يتضمن الطعن في الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه؟؟!!
إن كان الجواب -على ما تقدم- نعم، فنقول: يلزم من كلامك هذا أنك تبدع هؤلاء الأئمة وتضللهم، وأنك أغير على دين الله وأعلم بالحق منهم .وما أحقك أن توصف بالبدعة والضلالة!!
وإن كان الجواب لا -ولا أظن أن أحداً سلفياً سيقول نعم- فأقول: إذاً ما الفرق بين كلام هؤلاء الأئمة الذين نحبهم ونجلهم ونوقرهم وكلام الشيخ يحيى الحجوري حفظه الله؟؟!!
ولماذا هذه الحملة الشرسة على دماج وشيخها؛ وترك بقية العلماء الذين قالوا بقوله [6] ؟؟؟
أليس هذا الكيل بمكيالين؟؟!! أم ماذا تسمون هذا؟!
أليست المسألة مسألة النفاح عن دين الله؛ أم أنها مسألة ولاء وبراء ودفاع عن أشخاص؟!
﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنعام:143]؟!
أما أثر ابن عمر فهو ثابت عنه رضي الله عنه، ولم يسبق أن ضعفه أحد من أئمة الجرح والتعديل، أضف إلى ذلك لم يقل أحد منهم إنه طعن في عثمان رضي الله عنه؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية [كما في منهاج السنة النبوية - (6 / 183)] وهو بصدد الكلام عن مسألة الأذان الأول: "وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ كَانَ يُنْكِرُ هَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُنْكِرُهُ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يُعَابُ بِهِ عُثْمَانُ". اهـ
وقال أيضاً رحمه الله [معارج الوصول (ص25)]: "وَكَثِيرٌ مِنْ مُجْتَهِدِي السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَدْ قَالُوا وَفَعَلُوا مَا هُوَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ بِدْعَةٌ، إمَّا لِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ ظَنُّوهَا صَحِيحَةً، وَإِمَّا لِآيَاتِ فَهِمُوا مِنْهَا مَا لَمْ يُرَدْ مِنْهَا، وَإِمَّا لِرَأْيٍ رَأَوْهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ لَمْ تَبْلُغْهُمْ، وَإِذَا اتَّقَى الرَّجُلُ رَبَّهُ مَا اسْتَطَاعَ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: «قَدْ فَعَلْت» وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ". اهـ
فيكفينا أن نقول عندئذ: كيف نعتقد شيئاً لم يعتقده سلفنا الصالح ونتخذه اليوم ديناً؟! قال الامام مالك رحمه الله [الاعتصام للإمام الشاطبي]: "فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً". اهـ
ومع هذا يستدل بعضهم بقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى أن الصحابة أجمعوا على سنية أذان عثمان. ولو نظرنا إلى كلامه رحمه الله؛ سيظهر لنا أنه لم يقف على أثر ابن عمر، ولهذا قال [كما في شرح العقيدة السفارينية]: "...لأني لا أعلم إلى ساعتنا هذه أن أحداً من الصحابة أنكر على عثمان رضي الله عنه هذا الأذان ..." [7]. اهـ
والثوابت الشرعية والأصول السلفية على من علم حجة على من لم يعلم. وهذه الدعوى منقوضة بما ثبت عن الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وغيره ممن أنكره من السلف، ولهذا قال العلامة محمد علي آدم الأثيوبي الولوي [8] [في ذخيرة العقبى (61 /186-187)]: "قد ثبت مما سبق أن ما زاده عثمان رضي الله عنه من الأذان ليس محل إجماع؛ فقد ثبت إنكاره عن ابن عمر وغيره؛ فما اقتضاه كلام ابن المنذر رحمه الله من دعوى اتفاق الأمة غير صحيح". اهـ
قلت: فتبين للقارئ اللبيب أن المسألة عبارة عن ولاء وبراء لبعض الأشخاص والدفاع عنهم بالباطل والانتصار لهم، ولهذا يسعى هؤلاء ليلاً ونهاراً في التلبيس على العوام والأعاجم، وفعلهم هذا ليس إلاّ لإسقاط الشيخ يحيى الحجوري حفظه الله! وأنى لهم هذا؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللّـَهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:40]، وقال تعالى ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ [الزمر:20].
والحمد لله رب العالمين
كتبه الفقير إلى عفو ربه:
أبوعبدالله موسى بن عبدالله الـبرعاوي الصومالي
[من مدينة كاردف -بريطانيا-]
في ليلة الخميس 22 شوال 1434 هـ (الموافق 28 08/ /2013 م)
--------------------------------------
[1] ذكره الألباني رحمه الله [في كتابه صفة صلاة النبي (ص48)] وقال: "نقله في التعليق على إيقاظ الهمم (ص93)".
[2] رابط كلام الشيخ في موقعه: [http://www.rabee.net/show_book.aspx?pid=5&bid=217&gid].
[3] لعلة يقصد قول الإمام أحمد المذكور في طبقات الحنابلة.
[4] فقال: "... لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم، أو أي خطأ، أو أي نقص، هذا هو المنهج السلفي، هذا هو حبل الله، هذا هو الجماعة...". اهـ
[5] كان جواب الشيخ على هذا السؤال: "ما حكم الركوع دون الصف، ثم المشي إليه، مع العلم بأنه قد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه فعله، فعن زيد بن وهب قال: دخلت المسجد أنا وابن مسعود فأدركنا الإمام وهو راكع، فركعنا ثم مشينا حتى استوينا في الصف، فلما قضى الإمام الصلاة قمت لأقضي، فقال عبد الله: قد أدركت الصلاة..."
[6] منهم ابن عمر رضي الله عنهما، وتلميذه نافع، وهشام بن الغاز، والعلامة الصنعاني، والمبارك فوري، والإمام تقي الدين الهلالي المغربي، والعلامة الألباني، والعلامة الوادعي عليهم رحمة الله أجمعين.
[7] وقال رحمه الله [في كتابه شرح الأصول من علم الأصول]: "والموقوف: ما أضيف إلى الصحابي ولم يثبت له حكم الرفع. وهو حجة على القول الراجح، إلاّ أن يخالف نصّاً أو قول صحابي آخر. فإن خالف نصّاً أخذ بالنص، وإن خالف قول صحابي آخر أخذ بالراجح منهما". اهـ
[8] كان العلامة الوادعي يثني عليه، راجع مقدمة الوادعي لكتابه "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى".
الرد بصيغة بي دي أف
من هنا بارك الله فيكم
من هنا بارك الله فيكم