قال شيخ الاسلام ابن تيمية - رحمه الله-
مشيراً إلى بعض فضائل الجهاد
– في سياق دعوته الناس إلى قتال التتار :-
وَلِهَذَا كَانَ الْجِهَادُ مُوجِبًا لِلْهِدَايَةِ الَّتِي هِيَ مُحِيطَةٌ بِأَبْوَابِ الْعِلْمِ. كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فَجَعَلَ لِمَنْ جَاهَدَ فِيهِ هِدَايَةَ جَمِيعِ سُبُلِهِ تَعَالَى؛
وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا: إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَانْظُرُوا مَاذَا عَلَيْهِ أَهْلُ الثَّغْرُ فَإِنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} . وَفِي الْجِهَادِ أَيْضًا: حَقِيقَةُ الزُّهْدِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الدَّارِ الدُّنْيَا. وَفِيهِ أَيْضًا: حَقِيقَةُ الْإِخْلَاصِ. فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا فِي سَبِيلِ الرِّيَاسَةِ وَلَا فِي سَبِيلِ الْمَالِ وَلَا فِي سَبِيلِ الْحَمِيَّةِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ قَاتَلَ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَلِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
وَأَعْظَمُ مَرَاتِبِ الْإِخْلَاصِ: تَسْلِيمُ النَّفْسِ وَالْمَالِ لِلْمَعْبُودِ
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} . وَ (الْجَنَّةُ اسْمٌ لِلدَّارِ الَّتِي حَوَتْ كُلَّ نَعِيمٍ) . أَعْلَاهُ النَّظَرُ إلَى اللَّهِ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ مِمَّا قَدْ نَعْرِفُهُ وَقَدْ لَا نَعْرِفُهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ} . مجموع الفتاوى (28/ 443)