الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد
قال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (1) سورة الفرقان
قال تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (2) سورة البقرة
قال تعالى {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (138) سورة آل عمران
قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) سورة النساء
قال تعالى {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (52) سورة إبراهيم
قال تعالى {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ } (20) سورة الجاثية
وغير ذلك من المعاني والصفات التي جاءت في القرآن الكريم ,وهذه المعانى والصفات السابقة رغم تنوعها إلا أنها تشير إلى معنى محدد وهي أن القرآن سهل ميسر وأنه كتاب قد أحاط بالحجج إحاطة تامة لا يمكن لأي أحد أن يزعم بعدها ويأتي بعذر يفر منه وبه ،فلو أمكن إعذار الناس بالجهل في أصل الدين ما كان القرآن فرقانًا ولا برهانًا ولا بلاغًا ولا بيانًا ولا بصائر
يقول ابن كثير رحمه الله " ولهذا قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم ما علمه الله شعرًا، {وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي: وما يصلح له، {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أي: ما هذا الذي علمناه، {إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أي: بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره. ولهذا قال: { لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أي: لينذر هذا القرآن البين كل حي على وجه الأرض، كقوله: { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] ، وقال:{ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: 17] . وإنما ينتفع بنذارته من هو حي القلب، مستنير البصيرة، كما قال قتادة: حي القلب، حي البصر. وقال الضحاك: يعني: عاقلًا { وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي: هو رحمة للمؤمن، وحجة على الكافر."
[ تفسير ابن كثير]
قال صلى الله عليه وسلم "القرآن حجة لك أو عليك" رواه مسلم
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " فمعلوم أن الحجة إنما تقوم بالقرآن على من بلغه كقوله: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] فمن بلغه بعض القرآن دون بعض قامت عليه الحجة بما بلغه دون ما لم يبلغه "
[الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/293 ط العاصمة ]
يقول الشيخ حافظ حكمي رحمه الله " فإن الكفار كانوا يسمعون كلام النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون منه كلام الله تعالى وهو يتلوه عليهم ولكن ليس ذلك بسماع استجابة، ولهذا أثبت تعالى هذا السماع الظاهر لهم في قوله تعالى: {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} [الجاثية: 8] ولو كان الكفار لم يسمعوا مطلقًا لا سماع استجابة ولا مطلقًا لم يكن القرآن حجة عليه ولم يكن الرسول بلغهم، لأنهم ما سمعوه منه ولا أفسد من قول هذا لازمه."
[معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول 2/716 ط ابن عفان ]
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله " والسمع الذي نفاه الله عنهم ،سمع المعنى المؤثر في القلب. وأما سمع الحجة فقد كانت حجة الله تعالى عليهم بما سمعوه من آياته ،وإنما لم يسمعهم السماع النافع، لأنه لم يعلم فيهم خيرًا يصلحون به لسماع آياته" [ التفسير ]
يقول محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله " والقرآن الكريم هو عصمة الأمة عند مور بحار الضلالات إلى يوم القيامة، وليس عصمة للقرن الأول من هذه الأمة ،ولا للقرن الثاني والثالث ،بل هو حجة الله العظمى على جميع عباده إلى يوم يلقونه."
[العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم 1/329 ط الرسالة]
- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " المتكلم مقصوده البيان والإفهام وهو حكيم فأما إن كان مقصوده التدليس والتلبيس أو كان جاهلاً فلا يمتنع أن يخاطب الناس بما يفهمون منه خلاف مقصوده أوأن يدلهم بغير دليل لكن هذا متفق على انتفائه في حق الله ورسوله" [بيان تلبيس الجهمية 6/298]
- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " وقد أمر الله بتدبر كتابه قال تعالى {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}(29) سورة ص, ولم يقل : بعض آياته وقال {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}(24) سورة محمد وقال:{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} (68) سورة المؤمنون وأمثال ذلك في النصوص التي تبين أن الله يحب أن يُتَدَبَّرُ الناس القرآن كله وأنه جعله نورًا وهدى لعباده ومحال أن يكون ذلك مما لا يفهم معناه "
[مجموع الفتاوى 4/70 ]
- ويقول أيضًا " وأيضا فإن الله قد أمر بتدبر القرآن مُطْلَقًا ولم يستثن منه شيئًا لا يتدبر ولا قال: لا تدبروا المتشابه والتدبر بدون الفهم ممتنع ولو كان من القرآن ما لا يتدبر لم يعرف فإن الله لم يميزالمتشابه بحد ظاهر حتى يجتنب تدبره ... ولأن الله أخبر أن القرآن بيان وهدى وشفاء ونور ولم يستثن منه شيئًا عن هذا الوصف وهذا ممتنع بدون فهم المعنى "
[مجموع الفتاوى 17/396]
- وله أيضًا " "فإنّ هذه القواعد المتعلقة بتقرير التوحيد، وحسم مادة الشرك والغلو، كلما تنوّع بيانها، ووضحت عباراتها، كان ذلك نورًا على نور، والله المستعان"
[ مجموع الفتاوى 1/313]
- يقول الإمام ابن القيم رحمه الله " هذان الأصلان ( يقصد توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات ) هما قطب رحى القرآن وعليهما مداره وبيانهما من أهم الأمور والله سبحانه بينهما غاية البيان بالطرق الفطرية والعقلية والنظرية والأمثال المضروبة ونوع سبحانه الطرق في إثباتهما أكمل التنويع بحيث صارت معرفة القلوب الصحيحة والفطر السليمة لها بمنزلة رؤية الأعين المبصرة التي لا آفة بها للشمس والقمر والنجوم والأرض والسماء فذاك للبصيرة بمنزلة هذا للبصر فإن سلط التأويل على التوحيد الخبري العلمي كان تسليطه على التوحيد العملي القصدي أسهل وانمحت رسوم التوحيد وقامت معالم التعطيل والشرك ولهذا كان الشرك والتعطيل متلازمين لا ينفك أحدهما عن صاحبه وإمام المعطلين المشركين فرعون فهو إمام كل معطل ومشرك إلى يوم القيامة كما أن إمام الموحدين إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما إلى يوم القيامة "
[الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة ص 403 ط دار العاصمة ]
- يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله " فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة؛ ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد، صلوات الله وسلامه عليه؛ فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض؛ إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، حيث جعله كتابًا مستقيمًا لا اعوجاج فيه ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم، بينًا واضحًا جليًا نذيرًا للكافرين وبشيرًا للمؤمنين "
[ تفسير القرآن العظيم 3/92 ط دار العقيدة ]
- يقول الماوردي رحمه الله (وكان متأولًا أشعريًا) (1)" أظهر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من أعلام نبوته بعد ثبوتها بمعجز القرآن، واستغنائه عما سواه من البرهان، ما جعله زيادة استبصار يحجّ به من قلت فطنته، ويذعن لها من ضعفت بصيرته، ليكون إعجاز القرآن مدركًا بالخواطر الثاقبة تفكرًا واستدلالًا وإعجاز العيان معلومًا ببداية الحواس احتياطًا واستظهارًا، فيكون البليد مقهورًا بوهمه وعيانه، واللبيب محجوبًا بفهمه وبيانه، لأن لكل فريق من الناس طريقًا هي عليهم أقرب، ولهم أجذب، فكان ما جمع انقياد الفرق أوضح سبيلًا، وأعم دليلًا "
[أعلام النبوة للماوردي الباب الثامن في معجزات عصمته صلى الله عليه وسلم]
وطبقًا لعبارة الماوردي فكل إنسان له قدرة منحه الله إياه على فهم القرآن ، وعدم الفهم والانقياد يعود إلى بني الإنسان وليس إلى القرآن الذي يسره الله سبحانه
و يقول الشاطبي رحمه الله "( فصل التكاليف يسعُ الأمي تعقلها) ومنها: أن تكون التكاليف الإعتقادية والعملية مما يسع الأمي تعقلها، ليسعه الدخول تحت حكمها.
أما الإعتقادية -بأن تكون من القرب للفهم، والسهولة على العقل، بحيث يشترك فيها الجمهور من كان منهم ثاقب الفهم أو بليدًا-، فإنها لو كانت مما لا يدركه إلا الخواص، لم تكن الشريعة عامة، ولم تكن أمية، وقد ثبت كونها كذلك، فلا بد أن تكون المعاني المطلوب علمها واعتقادها سهلة المأخذ.
وأيضا، فلو لم تكن كذلك لزمه بالنسبة إلى الجمهور تكليف ما لا يطاق وهو غير واقع، كما هو مذكور في الأصول، ولذلك تجد الشريعة لم تعرف من الأمور الإلهية إلا بما يسع فهمه، وأرجت غير ذلك، فعرفته بمقتضى الأسماء والصفات، وحضت على النظر في المخلوقات، إلى أشباه ذلك، وأحالت فيما يقع فيه الاشتباه على قاعدة عامة، وهو قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (11) سورة الشورى ، وسكتت عن أشياء لا تهتدي إليها العقول، نعم، لا ينكرتفاضل الإدراكات على الجملة، وإنما النظر في القدر المكلف به."
[الموافقات1/403-404 ط الرسالة تحقيق محمد مِرابي ]
- يقول الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله " أحضر بقلبك أن كتاب الله أحسن الكتب، وأعظمها بيانًا، وأشفى لداء الجهل، وأعظمها فرقًا بين الحق والباطل، والله سبحانه قد عرف تفرق عباده واختلافهم قبل أن يخلقهم، وقد ذكر في كتابه{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (64) سورة النحل. وأحضر قلبك هذه الأصول وما يشابهها في ذهنك، واعرضها على قلبك، فإنه إن شاء الله يؤمن بها على سبيل الإجمال. فتأمل قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (21) سورة لقمان، وتكرير هذا الأصل في مواضع كثيرة، وكذلك قوله:{ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ}(71) سورة الأعراف، فكل حجة تحتجون بها تجدها مبسوطة في القرآن، وبعضها في مواضع كثيرة. فأحضر بقلبك أن الحكيم الذي أنزل كتابه شفاء من الجهل، فارقاً بين الحق والباطل، لا يليق منه أن يقرر هذه الحجج ويكررها، مع عدم حاجة المسلمين إليها، ويترك الحجج التي يحتاجون إليها، ويعلم أن عباده يفترقون. حاشا أحكم الحاكمين من ذلك!"
[ الرسائل الشخصية للإمام المجدد ص 262, الدرر السنية 1/49-50]
- يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله " يقول تعالى {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة عن نبيه نوح: أنه قال لقومه: أرأيتم، أي: أخبروني إن كنت على بينة من ربي، أي: على يقين ونبوة صادقة لا شك فيها، وأعطاني رحمة منه مما أوحى إلي من التوحيد والهدى، فخفي ذلك كله عليكم، ولم تعتقدوا أنه حق، أيمكنني أن ألزمكم به، وأجبر قلوبكم على الانقياد والإذعان لتلك البينة التي تفضل الله علي بها، ورحمني بإيتائها، والحال أنكم كارهون لذلك؟ يعني ليس بيدي توفيقكم إلى الهدى وإن كان واضحًا جليًا لالبس فيه، إن لم يهدكم الله جل وعلا إليه."
[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 2/177-178 ط دار الفكر بيروت ]
- يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله " وقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ} أي: وإنما أقاموا على ما هم عليه، تقليدا لأسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى، وليس عدم علمهم بالحق لخفائه وغموضه، وإنما ذلك، لإعراضهم عنه، وإلا فلو التفتوا إليه أدنى التفات، لتبين لهم الحق من الباطل تبينًا واضحًا جليًا ولهذا قال: {فَهُمْ مُعْرِضُونَ}"
[ تفسير السعدي ص 470 ط الرسالة ]
- وقال أيضًا " واعلم أن هذا الأصل الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبودية قد دلت عليه الأدلة النقلية والأدلة العقلية، حتى صار لذوي البصائر أجلى من الشمس، فأما الأدلة النقلية فكل ما في كتاب الله وسنة رسوله، من الأمر به وتقريره، ومحبة أهله وبغض من لم يقم به وعقوباتهم، وذم الشرك وأهله، فهو من الأدلة النقلية على ذلك، حتى كاد القرآن أن يكون كله أدلة عليه "
[تفسير السعدي ص 126 ط الرسالة ]
- يقول الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله " لقد نطق القرآن الكريم بكل برهان عقلي ,ولكنه أورده واضحًا جليًا ,خاليًا من دقائق الكلام ،وذلك لسببين :
أحدهما – أن القرآن نزل على قوم أميين ,فلا بد أن يكون القرآن ميسرًا لأفهامهم وعقولهم : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (4) سورة إبراهيم
الثاني – أن الذي يلتجئ للحجاج المعقد ,والاستدلال الغامض , هو العاجز عن إقامة الحجة بالجلي من الكلام ,أما من استطاع أن يُفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون ,لم يعدل عنه إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلا الأقلون .
والقرآن الكريم كتاب البشر جميعًا ,فلذلك جاءت أدلته في أجلى صورة ,تجمع إلى الوضوح أعلى درجات الاستلال العقلي "
[ دلائل التوحيد للقاسمي ص 145 ط دار النفائس ]
- يقول الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله " عليك بتدبر القرآن حتى تعرف هذا المعنى، تدبر القرآن من أوله إلى آخره من الفاتحة وهي أعظم سورة في القرآن وأفضل سورة فيه إلى آخر ما في المصحف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) سورة الإخلاص والمعوذتين.
تدبر القرآن واقرأه بتدبر وتعقل، ورغبة في العمل والفائدة، لا تقرأه بقلب غافل، اقرأه بقلب حاضر بتفهم وبتعقل، واسأل عما أشكل عليك، اسأل أهل العلم عما أشكل عليك مع أن أكثره بحمد الله واضح للعامة والخاصة ممن يعرف اللغة العربية مثل قوله جل وعلا: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (238) سورة البقرة وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (56) سورة النــور وقوله سبحانه: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } (80) سورة النساء وقوله عز وجل: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} (43) سورة البقرة وقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ } (183) سورة البقرة وقوله سبحانه: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (97) سورة آل عمران وقوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90) سورة المائدة وقوله عز وجل:{ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ } (275) سورة البقرة فكله آيات واضحات بين الله سبحانه وتعالى فيها ما حرم على عباده وما أحل لهم وما أمرهم به، وما نهاهم عنه."
[مجموع فتاوى ابن باز 9/25 ]
- يقول الشيخ عبدالله الغنيمان حفظه الله "وسواء كان الدعاء لمسألة معينة ونفع معين من أمور الدنيا والآخرة أم يخص الآخرة، فكله يكون من أفضل العبادة، فلا يجوز أن يكون الدعاء لغير الله جل وعلا، وهكذا جميع أنواع العبادة يجب أن تكون خالصة لله جل وعلا، وهذه الآية موضحة لمعنى شهادة أن لا إله إلا الله.
وكثير من آيات القرآن يوضح ذلك توضيحًا جليًا، غير أن كثيرًا من الناس يعرض عن فهم القرآن وتدبره، وقد ذم الله جل وعلا الذين لا يفهمون القرآن ولا يتدبرون، فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد:24)، فيجب على المسلم أن يتفهم كتاب ربه؛ لأن الله يخاطب عباده بالخطاب الذي يدعوهم فيه إلى أن يفهموه ويعملوا به."
[ شرح فتح المجيد للغنيمان ترقيم الشاملة درس رقم 30]
وخاتمة القول
وصف الله القرآن بأنه {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (138) سورة آل عمران
فما هو البيان عند أهل اللغة
يقول الجاحظ (وكان إعتزاليًا وخطيبهم يقول بخلق القرآن) (2) : " والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يغضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله كائنًا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدليل، لأن مدار الأمر والغاية التي يجري القائل والسامع، إنما هو الفهم والأفهام، فبأي شيء بلغت الأفهام وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع "
[البيان والتبيين 1/82 ط دار الهلال ]
والبيان هو " الإبانة عن المعنى القائم في النفس وتصويره في نظر القارئ أومسمع السامع تصويرًا صحيحًا لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، فإن علقت به آفة من تينك الآفتين فهو العي والحصر."
[ النظرات مصطفى لطفي المنفلوطي 1/296]
هذا هو معنى البيان ,وضوح مع جلاء مع إفهام مع بساطة ويسر وهذا هو القرآن وقد مر بنا قول الإمام ابن تيمية رحمه الله " المتكلم مقصوده البيان والإفهام وهو حكيم فأما إن كان مقصوده التدليس والتلبيس أو كان جاهلاً فلا يمتنع أن يخاطب الناس بما يفهمون منه خلاف مقصوده أو أن يدلهم بغير دليل لكن هذا متفق على انتفائه في حق الله ورسوله" [بيان تلبيس الجهمية 6/298]
يقول البلاغيون وأهل اللغة أن من لا يستطيع أن يظهر حقه ويوضحه إيضاحًا جليًا لا لبس فيه يدور أمره بين وصفين لا ثالث لهما
أ- إما إنه ليس بليغًا
ب- أو يزعم حقًا ليس له
وهذا محال في شأن الله الواحد الأحد المستحق الأوحد للعبودية ، فإن القرآن الكريم بلغ الغاية في حُسن البيان ،والله سبحانه وتعالى أظهر حقه الأوحد ووضحه وضوحًا جليًا كالشمس في رابعة النهار لا لبس فيه
وصلى الله وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم
--------------
1- في ميزان الإعتدال للذهبي :" على بن محمد، أقضى القضاة، أبو الحسن الماوردي. صدوق في نفسه، لكنه معتزلي."
وسئل الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله عن الماوردى وعقيدته وكتابه الأحكام السلطانية (الفرق بين كتب الحديث وكتب الفقه)
2- في ميزان الإعتدال للذهبي " كان من أئمة البدع" ,وقال ابن حجر في لسان الميزان وهو يصف كتب الجاحظ " وهذه والله صفة كتب الجاحظ كلها فسبحان من أضله على علم" , وقال أبو منصور الأزهري فيمقدمة تهذيب اللغة: وممن تكلم في اللغات بما حضره لسانه وروى عن الثقات ماليس من كلامهم الجاحظ وكان أوتي بسطة في القول وبيانًا عذبًا في الخطابومجالًا في الفنون غير أن أهل العلم كذبوه وعن الصدق دفعوه. وقال ثعلب: كانكذابًا على الله وعلى رسوله وعلى الناس" وينظر هذا البحث في بيان شأنه
http://www.haddady.com/ra_page_views.php?id=14
قال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (1) سورة الفرقان
قال تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (2) سورة البقرة
قال تعالى {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (138) سورة آل عمران
قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) سورة النساء
قال تعالى {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (52) سورة إبراهيم
قال تعالى {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ } (20) سورة الجاثية
وغير ذلك من المعاني والصفات التي جاءت في القرآن الكريم ,وهذه المعانى والصفات السابقة رغم تنوعها إلا أنها تشير إلى معنى محدد وهي أن القرآن سهل ميسر وأنه كتاب قد أحاط بالحجج إحاطة تامة لا يمكن لأي أحد أن يزعم بعدها ويأتي بعذر يفر منه وبه ،فلو أمكن إعذار الناس بالجهل في أصل الدين ما كان القرآن فرقانًا ولا برهانًا ولا بلاغًا ولا بيانًا ولا بصائر
يقول ابن كثير رحمه الله " ولهذا قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم ما علمه الله شعرًا، {وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي: وما يصلح له، {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أي: ما هذا الذي علمناه، {إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أي: بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره. ولهذا قال: { لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أي: لينذر هذا القرآن البين كل حي على وجه الأرض، كقوله: { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] ، وقال:{ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: 17] . وإنما ينتفع بنذارته من هو حي القلب، مستنير البصيرة، كما قال قتادة: حي القلب، حي البصر. وقال الضحاك: يعني: عاقلًا { وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي: هو رحمة للمؤمن، وحجة على الكافر."
[ تفسير ابن كثير]
قال صلى الله عليه وسلم "القرآن حجة لك أو عليك" رواه مسلم
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " فمعلوم أن الحجة إنما تقوم بالقرآن على من بلغه كقوله: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] فمن بلغه بعض القرآن دون بعض قامت عليه الحجة بما بلغه دون ما لم يبلغه "
[الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/293 ط العاصمة ]
يقول الشيخ حافظ حكمي رحمه الله " فإن الكفار كانوا يسمعون كلام النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون منه كلام الله تعالى وهو يتلوه عليهم ولكن ليس ذلك بسماع استجابة، ولهذا أثبت تعالى هذا السماع الظاهر لهم في قوله تعالى: {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} [الجاثية: 8] ولو كان الكفار لم يسمعوا مطلقًا لا سماع استجابة ولا مطلقًا لم يكن القرآن حجة عليه ولم يكن الرسول بلغهم، لأنهم ما سمعوه منه ولا أفسد من قول هذا لازمه."
[معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول 2/716 ط ابن عفان ]
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله " والسمع الذي نفاه الله عنهم ،سمع المعنى المؤثر في القلب. وأما سمع الحجة فقد كانت حجة الله تعالى عليهم بما سمعوه من آياته ،وإنما لم يسمعهم السماع النافع، لأنه لم يعلم فيهم خيرًا يصلحون به لسماع آياته" [ التفسير ]
يقول محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله " والقرآن الكريم هو عصمة الأمة عند مور بحار الضلالات إلى يوم القيامة، وليس عصمة للقرن الأول من هذه الأمة ،ولا للقرن الثاني والثالث ،بل هو حجة الله العظمى على جميع عباده إلى يوم يلقونه."
[العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم 1/329 ط الرسالة]
أقوال أهل العلم في أن القرآن سهل ميسر
- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " المتكلم مقصوده البيان والإفهام وهو حكيم فأما إن كان مقصوده التدليس والتلبيس أو كان جاهلاً فلا يمتنع أن يخاطب الناس بما يفهمون منه خلاف مقصوده أوأن يدلهم بغير دليل لكن هذا متفق على انتفائه في حق الله ورسوله" [بيان تلبيس الجهمية 6/298]
- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " وقد أمر الله بتدبر كتابه قال تعالى {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}(29) سورة ص, ولم يقل : بعض آياته وقال {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}(24) سورة محمد وقال:{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} (68) سورة المؤمنون وأمثال ذلك في النصوص التي تبين أن الله يحب أن يُتَدَبَّرُ الناس القرآن كله وأنه جعله نورًا وهدى لعباده ومحال أن يكون ذلك مما لا يفهم معناه "
[مجموع الفتاوى 4/70 ]
- ويقول أيضًا " وأيضا فإن الله قد أمر بتدبر القرآن مُطْلَقًا ولم يستثن منه شيئًا لا يتدبر ولا قال: لا تدبروا المتشابه والتدبر بدون الفهم ممتنع ولو كان من القرآن ما لا يتدبر لم يعرف فإن الله لم يميزالمتشابه بحد ظاهر حتى يجتنب تدبره ... ولأن الله أخبر أن القرآن بيان وهدى وشفاء ونور ولم يستثن منه شيئًا عن هذا الوصف وهذا ممتنع بدون فهم المعنى "
[مجموع الفتاوى 17/396]
- وله أيضًا " "فإنّ هذه القواعد المتعلقة بتقرير التوحيد، وحسم مادة الشرك والغلو، كلما تنوّع بيانها، ووضحت عباراتها، كان ذلك نورًا على نور، والله المستعان"
[ مجموع الفتاوى 1/313]
- يقول الإمام ابن القيم رحمه الله " هذان الأصلان ( يقصد توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات ) هما قطب رحى القرآن وعليهما مداره وبيانهما من أهم الأمور والله سبحانه بينهما غاية البيان بالطرق الفطرية والعقلية والنظرية والأمثال المضروبة ونوع سبحانه الطرق في إثباتهما أكمل التنويع بحيث صارت معرفة القلوب الصحيحة والفطر السليمة لها بمنزلة رؤية الأعين المبصرة التي لا آفة بها للشمس والقمر والنجوم والأرض والسماء فذاك للبصيرة بمنزلة هذا للبصر فإن سلط التأويل على التوحيد الخبري العلمي كان تسليطه على التوحيد العملي القصدي أسهل وانمحت رسوم التوحيد وقامت معالم التعطيل والشرك ولهذا كان الشرك والتعطيل متلازمين لا ينفك أحدهما عن صاحبه وإمام المعطلين المشركين فرعون فهو إمام كل معطل ومشرك إلى يوم القيامة كما أن إمام الموحدين إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما إلى يوم القيامة "
[الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة ص 403 ط دار العاصمة ]
- يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله " فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة؛ ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد، صلوات الله وسلامه عليه؛ فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض؛ إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، حيث جعله كتابًا مستقيمًا لا اعوجاج فيه ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم، بينًا واضحًا جليًا نذيرًا للكافرين وبشيرًا للمؤمنين "
[ تفسير القرآن العظيم 3/92 ط دار العقيدة ]
- يقول الماوردي رحمه الله (وكان متأولًا أشعريًا) (1)" أظهر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من أعلام نبوته بعد ثبوتها بمعجز القرآن، واستغنائه عما سواه من البرهان، ما جعله زيادة استبصار يحجّ به من قلت فطنته، ويذعن لها من ضعفت بصيرته، ليكون إعجاز القرآن مدركًا بالخواطر الثاقبة تفكرًا واستدلالًا وإعجاز العيان معلومًا ببداية الحواس احتياطًا واستظهارًا، فيكون البليد مقهورًا بوهمه وعيانه، واللبيب محجوبًا بفهمه وبيانه، لأن لكل فريق من الناس طريقًا هي عليهم أقرب، ولهم أجذب، فكان ما جمع انقياد الفرق أوضح سبيلًا، وأعم دليلًا "
[أعلام النبوة للماوردي الباب الثامن في معجزات عصمته صلى الله عليه وسلم]
وطبقًا لعبارة الماوردي فكل إنسان له قدرة منحه الله إياه على فهم القرآن ، وعدم الفهم والانقياد يعود إلى بني الإنسان وليس إلى القرآن الذي يسره الله سبحانه
و يقول الشاطبي رحمه الله "( فصل التكاليف يسعُ الأمي تعقلها) ومنها: أن تكون التكاليف الإعتقادية والعملية مما يسع الأمي تعقلها، ليسعه الدخول تحت حكمها.
أما الإعتقادية -بأن تكون من القرب للفهم، والسهولة على العقل، بحيث يشترك فيها الجمهور من كان منهم ثاقب الفهم أو بليدًا-، فإنها لو كانت مما لا يدركه إلا الخواص، لم تكن الشريعة عامة، ولم تكن أمية، وقد ثبت كونها كذلك، فلا بد أن تكون المعاني المطلوب علمها واعتقادها سهلة المأخذ.
وأيضا، فلو لم تكن كذلك لزمه بالنسبة إلى الجمهور تكليف ما لا يطاق وهو غير واقع، كما هو مذكور في الأصول، ولذلك تجد الشريعة لم تعرف من الأمور الإلهية إلا بما يسع فهمه، وأرجت غير ذلك، فعرفته بمقتضى الأسماء والصفات، وحضت على النظر في المخلوقات، إلى أشباه ذلك، وأحالت فيما يقع فيه الاشتباه على قاعدة عامة، وهو قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (11) سورة الشورى ، وسكتت عن أشياء لا تهتدي إليها العقول، نعم، لا ينكرتفاضل الإدراكات على الجملة، وإنما النظر في القدر المكلف به."
[الموافقات1/403-404 ط الرسالة تحقيق محمد مِرابي ]
- يقول الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله " أحضر بقلبك أن كتاب الله أحسن الكتب، وأعظمها بيانًا، وأشفى لداء الجهل، وأعظمها فرقًا بين الحق والباطل، والله سبحانه قد عرف تفرق عباده واختلافهم قبل أن يخلقهم، وقد ذكر في كتابه{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (64) سورة النحل. وأحضر قلبك هذه الأصول وما يشابهها في ذهنك، واعرضها على قلبك، فإنه إن شاء الله يؤمن بها على سبيل الإجمال. فتأمل قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (21) سورة لقمان، وتكرير هذا الأصل في مواضع كثيرة، وكذلك قوله:{ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ}(71) سورة الأعراف، فكل حجة تحتجون بها تجدها مبسوطة في القرآن، وبعضها في مواضع كثيرة. فأحضر بقلبك أن الحكيم الذي أنزل كتابه شفاء من الجهل، فارقاً بين الحق والباطل، لا يليق منه أن يقرر هذه الحجج ويكررها، مع عدم حاجة المسلمين إليها، ويترك الحجج التي يحتاجون إليها، ويعلم أن عباده يفترقون. حاشا أحكم الحاكمين من ذلك!"
[ الرسائل الشخصية للإمام المجدد ص 262, الدرر السنية 1/49-50]
- يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله " يقول تعالى {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة عن نبيه نوح: أنه قال لقومه: أرأيتم، أي: أخبروني إن كنت على بينة من ربي، أي: على يقين ونبوة صادقة لا شك فيها، وأعطاني رحمة منه مما أوحى إلي من التوحيد والهدى، فخفي ذلك كله عليكم، ولم تعتقدوا أنه حق، أيمكنني أن ألزمكم به، وأجبر قلوبكم على الانقياد والإذعان لتلك البينة التي تفضل الله علي بها، ورحمني بإيتائها، والحال أنكم كارهون لذلك؟ يعني ليس بيدي توفيقكم إلى الهدى وإن كان واضحًا جليًا لالبس فيه، إن لم يهدكم الله جل وعلا إليه."
[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 2/177-178 ط دار الفكر بيروت ]
- يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله " وقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ} أي: وإنما أقاموا على ما هم عليه، تقليدا لأسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى، وليس عدم علمهم بالحق لخفائه وغموضه، وإنما ذلك، لإعراضهم عنه، وإلا فلو التفتوا إليه أدنى التفات، لتبين لهم الحق من الباطل تبينًا واضحًا جليًا ولهذا قال: {فَهُمْ مُعْرِضُونَ}"
[ تفسير السعدي ص 470 ط الرسالة ]
- وقال أيضًا " واعلم أن هذا الأصل الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبودية قد دلت عليه الأدلة النقلية والأدلة العقلية، حتى صار لذوي البصائر أجلى من الشمس، فأما الأدلة النقلية فكل ما في كتاب الله وسنة رسوله، من الأمر به وتقريره، ومحبة أهله وبغض من لم يقم به وعقوباتهم، وذم الشرك وأهله، فهو من الأدلة النقلية على ذلك، حتى كاد القرآن أن يكون كله أدلة عليه "
[تفسير السعدي ص 126 ط الرسالة ]
- يقول الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله " لقد نطق القرآن الكريم بكل برهان عقلي ,ولكنه أورده واضحًا جليًا ,خاليًا من دقائق الكلام ،وذلك لسببين :
أحدهما – أن القرآن نزل على قوم أميين ,فلا بد أن يكون القرآن ميسرًا لأفهامهم وعقولهم : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (4) سورة إبراهيم
الثاني – أن الذي يلتجئ للحجاج المعقد ,والاستدلال الغامض , هو العاجز عن إقامة الحجة بالجلي من الكلام ,أما من استطاع أن يُفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون ,لم يعدل عنه إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلا الأقلون .
والقرآن الكريم كتاب البشر جميعًا ,فلذلك جاءت أدلته في أجلى صورة ,تجمع إلى الوضوح أعلى درجات الاستلال العقلي "
[ دلائل التوحيد للقاسمي ص 145 ط دار النفائس ]
- يقول الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله " عليك بتدبر القرآن حتى تعرف هذا المعنى، تدبر القرآن من أوله إلى آخره من الفاتحة وهي أعظم سورة في القرآن وأفضل سورة فيه إلى آخر ما في المصحف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) سورة الإخلاص والمعوذتين.
تدبر القرآن واقرأه بتدبر وتعقل، ورغبة في العمل والفائدة، لا تقرأه بقلب غافل، اقرأه بقلب حاضر بتفهم وبتعقل، واسأل عما أشكل عليك، اسأل أهل العلم عما أشكل عليك مع أن أكثره بحمد الله واضح للعامة والخاصة ممن يعرف اللغة العربية مثل قوله جل وعلا: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (238) سورة البقرة وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (56) سورة النــور وقوله سبحانه: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } (80) سورة النساء وقوله عز وجل: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} (43) سورة البقرة وقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ } (183) سورة البقرة وقوله سبحانه: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (97) سورة آل عمران وقوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90) سورة المائدة وقوله عز وجل:{ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ } (275) سورة البقرة فكله آيات واضحات بين الله سبحانه وتعالى فيها ما حرم على عباده وما أحل لهم وما أمرهم به، وما نهاهم عنه."
[مجموع فتاوى ابن باز 9/25 ]
- يقول الشيخ عبدالله الغنيمان حفظه الله "وسواء كان الدعاء لمسألة معينة ونفع معين من أمور الدنيا والآخرة أم يخص الآخرة، فكله يكون من أفضل العبادة، فلا يجوز أن يكون الدعاء لغير الله جل وعلا، وهكذا جميع أنواع العبادة يجب أن تكون خالصة لله جل وعلا، وهذه الآية موضحة لمعنى شهادة أن لا إله إلا الله.
وكثير من آيات القرآن يوضح ذلك توضيحًا جليًا، غير أن كثيرًا من الناس يعرض عن فهم القرآن وتدبره، وقد ذم الله جل وعلا الذين لا يفهمون القرآن ولا يتدبرون، فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد:24)، فيجب على المسلم أن يتفهم كتاب ربه؛ لأن الله يخاطب عباده بالخطاب الذي يدعوهم فيه إلى أن يفهموه ويعملوا به."
[ شرح فتح المجيد للغنيمان ترقيم الشاملة درس رقم 30]
وخاتمة القول
وصف الله القرآن بأنه {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (138) سورة آل عمران
فما هو البيان عند أهل اللغة
يقول الجاحظ (وكان إعتزاليًا وخطيبهم يقول بخلق القرآن) (2) : " والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يغضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله كائنًا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدليل، لأن مدار الأمر والغاية التي يجري القائل والسامع، إنما هو الفهم والأفهام، فبأي شيء بلغت الأفهام وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع "
[البيان والتبيين 1/82 ط دار الهلال ]
والبيان هو " الإبانة عن المعنى القائم في النفس وتصويره في نظر القارئ أومسمع السامع تصويرًا صحيحًا لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، فإن علقت به آفة من تينك الآفتين فهو العي والحصر."
[ النظرات مصطفى لطفي المنفلوطي 1/296]
هذا هو معنى البيان ,وضوح مع جلاء مع إفهام مع بساطة ويسر وهذا هو القرآن وقد مر بنا قول الإمام ابن تيمية رحمه الله " المتكلم مقصوده البيان والإفهام وهو حكيم فأما إن كان مقصوده التدليس والتلبيس أو كان جاهلاً فلا يمتنع أن يخاطب الناس بما يفهمون منه خلاف مقصوده أو أن يدلهم بغير دليل لكن هذا متفق على انتفائه في حق الله ورسوله" [بيان تلبيس الجهمية 6/298]
يقول البلاغيون وأهل اللغة أن من لا يستطيع أن يظهر حقه ويوضحه إيضاحًا جليًا لا لبس فيه يدور أمره بين وصفين لا ثالث لهما
أ- إما إنه ليس بليغًا
ب- أو يزعم حقًا ليس له
وهذا محال في شأن الله الواحد الأحد المستحق الأوحد للعبودية ، فإن القرآن الكريم بلغ الغاية في حُسن البيان ،والله سبحانه وتعالى أظهر حقه الأوحد ووضحه وضوحًا جليًا كالشمس في رابعة النهار لا لبس فيه
وصلى الله وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم
--------------
1- في ميزان الإعتدال للذهبي :" على بن محمد، أقضى القضاة، أبو الحسن الماوردي. صدوق في نفسه، لكنه معتزلي."
وسئل الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله عن الماوردى وعقيدته وكتابه الأحكام السلطانية (الفرق بين كتب الحديث وكتب الفقه)
فأجاب " الماوردي أشعري، واتهم بالاعتزال، وهو صاحب تفسير
النكت والعيون، طبع في الكويت ثم طبع في غيرها، واتهم بالإعتزال في
مسائل وفي الجملة هو أشعري المذهب. وكتابه الأحكام السلطانية من جهة الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير دقيق، غير موافق التفاصيل مذاهب السلف"
النكت والعيون، طبع في الكويت ثم طبع في غيرها، واتهم بالإعتزال في
مسائل وفي الجملة هو أشعري المذهب. وكتابه الأحكام السلطانية من جهة الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير دقيق، غير موافق التفاصيل مذاهب السلف"
2- في ميزان الإعتدال للذهبي " كان من أئمة البدع" ,وقال ابن حجر في لسان الميزان وهو يصف كتب الجاحظ " وهذه والله صفة كتب الجاحظ كلها فسبحان من أضله على علم" , وقال أبو منصور الأزهري فيمقدمة تهذيب اللغة: وممن تكلم في اللغات بما حضره لسانه وروى عن الثقات ماليس من كلامهم الجاحظ وكان أوتي بسطة في القول وبيانًا عذبًا في الخطابومجالًا في الفنون غير أن أهل العلم كذبوه وعن الصدق دفعوه. وقال ثعلب: كانكذابًا على الله وعلى رسوله وعلى الناس" وينظر هذا البحث في بيان شأنه
http://www.haddady.com/ra_page_views.php?id=14