لماذا الذم والإهدار لمتتبعي رخص العلماء من الحزبيين والمنحرفين ولا يُذم العلماء الذين تبعوهم في خطأهم؟؟؟
الجواب:
قال الشيخ العالم المجاهد سعيد بن دعاس رحمه الله في "عبث فركوس":
وأما الإهدارُ والذمُّ بالمخالفة, فمقتضاه عنادُ المخالف, وتماديه في مخالفة الحق, ومشاقته, بالهوى, والشبهات, والجناية والافتئات على أصول الشريعة وأحكامها, بإيراد الإشكالات والاستدلالات البعيدة, كما هو حالُ فركوس.
فلو تأملنا فيه لرأيناه بعيد الصلة بصفات من خطأهُ زلةٌ وفلتةٌ, حيث يبدوا في آراءه, تلمُّسُ الشبهات, وقلة التحري, والورع, والتناقض, وتتبع زلات العلماء, والمشاقة, والعبث بأصول الاستدلال, ومن كان ذا حالُهُ, فليس شأنُهُ شأنُ ذي زلةٍ وخطأٍ عن اجتهادٍ وحسن قصدٍ, وتحرِّ للحق, وإنصافٍ وإذعان.
ولذا قال ابن رجبٍ في "الفرق بين النصيحة والتعيير", كما في "مجموع رسائله" (2/407): وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين, فأما أهل البدع والضلالة, ومن تشبَّه بالعلماء, وليس منهم, فيجوز بيان جهلهم, وإظهار عيوبهم, تحذيراً من الاقتداء بهم.اهـ
وقال شيخ الإسلام بن تيمية, كما في "مجموع الفتاوى" (28/221): وَإِذَا كَانَ مُبْتَدِعًا يَدْعُو إلَى عَقَائِدَ تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَوْ يَسْلُكُ طَرِيقًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيُخَافُ أَنْ يُضِلَّ الرَّجُلُ النَّاسَ بِذَلِكَ : بَيَّنَ أَمْرَهُ لِلنَّاسِ لِيَتَّقُوا ضَلَالَهُ وَيَعْلَمُوا حَالَهُ.اهـ
قلتُ: ولو سبقَ أن كان الواحدُ منهم في عداد جماعة أهل الحق, إن بدت منه دلائل اتباع الهوى, والشبهات, ونحو ذلك, كما فعله السلف, وأئمة الهدى.
قال ابن قدامة في "الردِّ على ابن عقيل الحنبلي" (ص/20): ولكن وجب بيان حال هذا الرجل –يعني- ابن عقيل الحنبلي- حين اغترَّ بمقالته قومٌ, واقتدى ببدعته طائفةٌ من أصحابنا, شككهم في اعتقادهم حسنُ ظنهم فيه, واعتقادهم أنه من حملة دعاة السنة, فوجب حينئذِ كشف حاله, وإزالة حسن ظنهم فيه, ليزول عنهم اغترارهم بقوله, وينحسمُ الداءُ بانحسام سببه, فإن الشيءَ يزول من حيث ثبت.اهـ
كما فعل ذلك –أيضاً- الحسنُ البصريُّ, وغيره من أهل العلم, بواصل بن عطاء الغزال, حين أبدى ضلالته, وبعمرو بن عبيدٍ, حين انضم إلى واصل بن عطاء.
قال الذهبي في "السير" (5/464): و"تاريخ الإسلام", حوادث (121-140): طردهُ –يعني: واصل بن عطاء- الحسنُ عن مجلسه, لما قال الفاسقُ لا مؤمن, ولا كافر, فانضمَّ إليه عمرو بن عبيد.اهـ
وذكر في "تاريخ الإسلام", حوادث (141-160) (ص/241) قال أبو بكر: كان عمرو بن عبيد بالبصرة يجالس الحسن مدَّةً, ثم أزاله واصلُ عن مذهب أهل السنة.اهـ
ونقل –أيضاً- (ص/240) عن عبدالوهاب الخفاف, قال: مررتُ بعمرو بن عبيد, وهو وحدَهُ, فقلت: مالك تركوك؟ فقال: نهى ابن عون الناس عنَّا, فانتهوا.اهـ
وفعله الإمام أحمدُ مع حسين بن علي الكرابيسي, مع أنه كان كما قال المروزي: يذبُّ عن السنة, ويظهر نصرة أبي عبدالله. ذكره ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2/806).
وكان فقيه بغداد, ومن بحور العلم, تدل تصانيفه على تبحره, كما ذكره الذهبي في "السير" (12/79-80), و"تاريخ الإسلام" حوادث (241-250) (ص/242).
بل كان من أقران الإمام أحمد, حيث شاركه في الرواية عن عددٍ من مشايخه, كيزيد بن هارون, وشبابة بن سوار, ويعلى ومحمد ابني عبيد الطنافسي, والشافعي, وتفقه به, كما في "تاريخ الإسلام" حوادث (241-250), و"تاريخ بغداد" (8/4), و"السير" (12/80), و"تهذيب الكمال" (1/437-440).
فتكلّم فيه أحمد, وحذر منه, وكشف عن مذهبه, وبدعه, فتجنب الناس الأخذ عنه, كما في "الكامل" لابن عدي (2/241), و"تاريخ بغداد" (8/64و65و66).
حتى قال ابن معين, لما قيل له: إن حسيناً الكرابيسي يتكلمُ في أحمد, قال: ينطلُ حسين, ويرتفعُ أحمد. ذكره الخطيب في "تاريخ بغداد" (8/64).
وروى ابن عدي في "الكامل" (2/423), ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد" (8/66-67): قال سمعتُ محمد بن عبدالله الشافعي, يخاطبُ المتعلمين لمذهب الشافعي: ويقول لهم: اعتبروا بهذين النفسين, حسين الكرابيسي, و أبي ثور, والحسين في علمه, وأبو ثور, لا يعشرُهُ في علمه, فتلكم فيه أحمد في باب مسألة اللفظ, فسقط, و أثنى على أبي ثور, فارتفع, للزوم السنة.اهـ
فمقتضى السقوط والارتفاع موافقة السنة ومخالفتها, كما أشار محمد بن عبد الله الشافعي بقوله: (للزوم السنة), لا قول أحمد بمجرده.
وعلى هذا الأصل بُني ما ذكره ابن الصلاح في كتاب "معرفة علوم الحديث" (ص/236) عن ابن المبارك, وأحمد بن حنبل, والحميدي, وغيرهم, أن من غلط في حديثٍ, وبُيِّنَ له غلطُهُ, فلم يرجع عنه, وأصرَّ على رواية ذلك الحديث, سقطت رواياته, ولم يُكتب عنه, قال ابن الصلاح: وفي هذا نظر, وهو غير مستنكر, إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد, أو نحوه.اهـ
وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/78) في ذكر من تُترك روايته: ومنهم من سبق لسانه, حتى حدَّث بالشيء, الذي أخطأ فيه, وهو لا يعلمُ, ثم تبيَّن له, وعلم, فلم يرجع عنه, وتمادى في روايته ذلك الخطأ, بعد علمه أنه أخطأ فيه أول مرةٍ, ومن كان هكذا كان كذاباً بعلم صحيحٍ, ومن صحَّ عليه الكذب استحقَّ الترك.اهـ
قال العراقي في "التقييد والإيضاح" (1/601 ط دار البشائر): فقيَّد ابن حبان ذلك بكونه علم خطأه, وإنما يكون عناداً إذا علم الحق وخالفه.اهـ
والرواية ومخالفة حكم الشرع في هذا الحكم سواءٌ, وهو الذي جرى عليه أهل العلم, ولذا لم يهدروا رواية من أخطأ في الرواية, ولم يظهر منه العناد, والتمادي, والإصرار على الخطأ, وهذا أمرٌ متجسِّدٌ في الروايات الشاذة, التي أخطأ فيها ثقاتُ وحفاظُ المحدثين, وإلى ذلك يشير ما ذكره ابن حبان, وابن الصلاح.
قال ابن رجب في "الفرق بين النصيحة والتعيير", كما في "مجموع رسائله" (2/403): ولا فرق بين الطعن في رواة ألفاظ الحديث, والتمييز بين من تقبل روايته منهم, ومن لا تُقبلُ, وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة, وتأولَ شيئاً منها على غير تأويله, وتمسَّك بما لا يُتمسَّك به, ليُحذر من الاقتداء به, فيما أخطأ فيه.اهـ
ولذا قال العلامة التفهني في تقريظ كتاب "الردِّ الوافر" (ص/256) فيمن ثبت عنه كلام مخالف لحكم الشريعة, ولم يرجع عنه بعد البيان والنصح, قال: فإن تاب وإلا رتَّبنا ما تقتضيه الشريعة المحمدية.اهـ
رحمة الله على الشيخ سعيد بن دعاس فقد أجاد وأفاد كما كانت عادته رحمه الله.
الجواب:
قال الشيخ العالم المجاهد سعيد بن دعاس رحمه الله في "عبث فركوس":
وأما الإهدارُ والذمُّ بالمخالفة, فمقتضاه عنادُ المخالف, وتماديه في مخالفة الحق, ومشاقته, بالهوى, والشبهات, والجناية والافتئات على أصول الشريعة وأحكامها, بإيراد الإشكالات والاستدلالات البعيدة, كما هو حالُ فركوس.
فلو تأملنا فيه لرأيناه بعيد الصلة بصفات من خطأهُ زلةٌ وفلتةٌ, حيث يبدوا في آراءه, تلمُّسُ الشبهات, وقلة التحري, والورع, والتناقض, وتتبع زلات العلماء, والمشاقة, والعبث بأصول الاستدلال, ومن كان ذا حالُهُ, فليس شأنُهُ شأنُ ذي زلةٍ وخطأٍ عن اجتهادٍ وحسن قصدٍ, وتحرِّ للحق, وإنصافٍ وإذعان.
ولذا قال ابن رجبٍ في "الفرق بين النصيحة والتعيير", كما في "مجموع رسائله" (2/407): وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين, فأما أهل البدع والضلالة, ومن تشبَّه بالعلماء, وليس منهم, فيجوز بيان جهلهم, وإظهار عيوبهم, تحذيراً من الاقتداء بهم.اهـ
وقال شيخ الإسلام بن تيمية, كما في "مجموع الفتاوى" (28/221): وَإِذَا كَانَ مُبْتَدِعًا يَدْعُو إلَى عَقَائِدَ تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَوْ يَسْلُكُ طَرِيقًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيُخَافُ أَنْ يُضِلَّ الرَّجُلُ النَّاسَ بِذَلِكَ : بَيَّنَ أَمْرَهُ لِلنَّاسِ لِيَتَّقُوا ضَلَالَهُ وَيَعْلَمُوا حَالَهُ.اهـ
قلتُ: ولو سبقَ أن كان الواحدُ منهم في عداد جماعة أهل الحق, إن بدت منه دلائل اتباع الهوى, والشبهات, ونحو ذلك, كما فعله السلف, وأئمة الهدى.
قال ابن قدامة في "الردِّ على ابن عقيل الحنبلي" (ص/20): ولكن وجب بيان حال هذا الرجل –يعني- ابن عقيل الحنبلي- حين اغترَّ بمقالته قومٌ, واقتدى ببدعته طائفةٌ من أصحابنا, شككهم في اعتقادهم حسنُ ظنهم فيه, واعتقادهم أنه من حملة دعاة السنة, فوجب حينئذِ كشف حاله, وإزالة حسن ظنهم فيه, ليزول عنهم اغترارهم بقوله, وينحسمُ الداءُ بانحسام سببه, فإن الشيءَ يزول من حيث ثبت.اهـ
كما فعل ذلك –أيضاً- الحسنُ البصريُّ, وغيره من أهل العلم, بواصل بن عطاء الغزال, حين أبدى ضلالته, وبعمرو بن عبيدٍ, حين انضم إلى واصل بن عطاء.
قال الذهبي في "السير" (5/464): و"تاريخ الإسلام", حوادث (121-140): طردهُ –يعني: واصل بن عطاء- الحسنُ عن مجلسه, لما قال الفاسقُ لا مؤمن, ولا كافر, فانضمَّ إليه عمرو بن عبيد.اهـ
وذكر في "تاريخ الإسلام", حوادث (141-160) (ص/241) قال أبو بكر: كان عمرو بن عبيد بالبصرة يجالس الحسن مدَّةً, ثم أزاله واصلُ عن مذهب أهل السنة.اهـ
ونقل –أيضاً- (ص/240) عن عبدالوهاب الخفاف, قال: مررتُ بعمرو بن عبيد, وهو وحدَهُ, فقلت: مالك تركوك؟ فقال: نهى ابن عون الناس عنَّا, فانتهوا.اهـ
وفعله الإمام أحمدُ مع حسين بن علي الكرابيسي, مع أنه كان كما قال المروزي: يذبُّ عن السنة, ويظهر نصرة أبي عبدالله. ذكره ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2/806).
وكان فقيه بغداد, ومن بحور العلم, تدل تصانيفه على تبحره, كما ذكره الذهبي في "السير" (12/79-80), و"تاريخ الإسلام" حوادث (241-250) (ص/242).
بل كان من أقران الإمام أحمد, حيث شاركه في الرواية عن عددٍ من مشايخه, كيزيد بن هارون, وشبابة بن سوار, ويعلى ومحمد ابني عبيد الطنافسي, والشافعي, وتفقه به, كما في "تاريخ الإسلام" حوادث (241-250), و"تاريخ بغداد" (8/4), و"السير" (12/80), و"تهذيب الكمال" (1/437-440).
فتكلّم فيه أحمد, وحذر منه, وكشف عن مذهبه, وبدعه, فتجنب الناس الأخذ عنه, كما في "الكامل" لابن عدي (2/241), و"تاريخ بغداد" (8/64و65و66).
حتى قال ابن معين, لما قيل له: إن حسيناً الكرابيسي يتكلمُ في أحمد, قال: ينطلُ حسين, ويرتفعُ أحمد. ذكره الخطيب في "تاريخ بغداد" (8/64).
وروى ابن عدي في "الكامل" (2/423), ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد" (8/66-67): قال سمعتُ محمد بن عبدالله الشافعي, يخاطبُ المتعلمين لمذهب الشافعي: ويقول لهم: اعتبروا بهذين النفسين, حسين الكرابيسي, و أبي ثور, والحسين في علمه, وأبو ثور, لا يعشرُهُ في علمه, فتلكم فيه أحمد في باب مسألة اللفظ, فسقط, و أثنى على أبي ثور, فارتفع, للزوم السنة.اهـ
فمقتضى السقوط والارتفاع موافقة السنة ومخالفتها, كما أشار محمد بن عبد الله الشافعي بقوله: (للزوم السنة), لا قول أحمد بمجرده.
وعلى هذا الأصل بُني ما ذكره ابن الصلاح في كتاب "معرفة علوم الحديث" (ص/236) عن ابن المبارك, وأحمد بن حنبل, والحميدي, وغيرهم, أن من غلط في حديثٍ, وبُيِّنَ له غلطُهُ, فلم يرجع عنه, وأصرَّ على رواية ذلك الحديث, سقطت رواياته, ولم يُكتب عنه, قال ابن الصلاح: وفي هذا نظر, وهو غير مستنكر, إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد, أو نحوه.اهـ
وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/78) في ذكر من تُترك روايته: ومنهم من سبق لسانه, حتى حدَّث بالشيء, الذي أخطأ فيه, وهو لا يعلمُ, ثم تبيَّن له, وعلم, فلم يرجع عنه, وتمادى في روايته ذلك الخطأ, بعد علمه أنه أخطأ فيه أول مرةٍ, ومن كان هكذا كان كذاباً بعلم صحيحٍ, ومن صحَّ عليه الكذب استحقَّ الترك.اهـ
قال العراقي في "التقييد والإيضاح" (1/601 ط دار البشائر): فقيَّد ابن حبان ذلك بكونه علم خطأه, وإنما يكون عناداً إذا علم الحق وخالفه.اهـ
والرواية ومخالفة حكم الشرع في هذا الحكم سواءٌ, وهو الذي جرى عليه أهل العلم, ولذا لم يهدروا رواية من أخطأ في الرواية, ولم يظهر منه العناد, والتمادي, والإصرار على الخطأ, وهذا أمرٌ متجسِّدٌ في الروايات الشاذة, التي أخطأ فيها ثقاتُ وحفاظُ المحدثين, وإلى ذلك يشير ما ذكره ابن حبان, وابن الصلاح.
قال ابن رجب في "الفرق بين النصيحة والتعيير", كما في "مجموع رسائله" (2/403): ولا فرق بين الطعن في رواة ألفاظ الحديث, والتمييز بين من تقبل روايته منهم, ومن لا تُقبلُ, وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة, وتأولَ شيئاً منها على غير تأويله, وتمسَّك بما لا يُتمسَّك به, ليُحذر من الاقتداء به, فيما أخطأ فيه.اهـ
ولذا قال العلامة التفهني في تقريظ كتاب "الردِّ الوافر" (ص/256) فيمن ثبت عنه كلام مخالف لحكم الشريعة, ولم يرجع عنه بعد البيان والنصح, قال: فإن تاب وإلا رتَّبنا ما تقتضيه الشريعة المحمدية.اهـ
رحمة الله على الشيخ سعيد بن دعاس فقد أجاد وأفاد كما كانت عادته رحمه الله.