• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الكوس بتوضيح بعض مخالفات الفركوس ومشابهته للقرضاوي المكدوس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكوس بتوضيح بعض مخالفات الفركوس ومشابهته للقرضاوي المكدوس

    الكوس بتوضيح بعض مخالفات الفركوس ومشابهته على القرضاوي المكدوس
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
    ]يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [
    ] يا أيها الناس أتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً،واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم ورقيباً[
    يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً [
    فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
    أما بعد .
    فإن في هذه الرسالة أبين على مسألتين عظيمتين تخبط فيهما الفركوس ,
    الأولى: حكم سفر المرأة المسلمة بلا محرم .
    الثاني: تكفير المعين حيث لم يذكر شروط التكفير وموانعه واطلق عليه التكفير.
    أما الأولى : فقد جاء النهي عن أن تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام أويومين أو مسير يوم وليلة بغير محرم وجاء أيضاً النهي عن ذلك من غير تقييد فدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تسافر ولا يجوز لها أن تباشر السفر ولا يجوز لها أن تخرج من البلد إلا بمحرم ولا تحج وحدها، وأن المحرمية من الواجبات على المرأة المسلمة سواء كانت شابة أوعجوزة وسواء أكان السفر طويلاً أم قصيراً، وسواء أكان معها نساء أم لا، وسواء كانت شابة جميلة أم عجوزاً شوهاء، وسواء في طائرة أم غيرها, ولأن المرأة التي خرجت حاجة مع الصحابة مع مجتمع من أفضل المجتمعات ونساء من أزكى النساء وكان زوجها قد اكتتب في الجهاد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحق بامرأته فأمره أن يترك الجهاد ليلحق بامرأته فكان دليلاً على أن المرأة لا تسافر وحدها , ولم يستفصله النبي صلى الله عليه وسلّم ؟
    وسنذكر الأدلة التي تحرم سفر المرأة بلا محرم إن شاء الله بعد جواب الفركوس .
    حكم سفر المرأة لوحدها عند محمد علي فركوس
    سئل الفركوس عن هذا السؤال: هل يجوز لزوجتي أن تسافر بمفردها من فرنسا متوجهة إلى أهلها في الجزائر؟ مع العلم بأنّ المسافة في الطائرة لن تستغرق أكثر من ثلاث ساعات، وأنّها لن تبيت إلاّ في بيت أهلها.
    الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
    فقد وردت في مسألة سفر المرأة جملة من الأحاديث الصحيحة الثابتة، ....
    والأصل المقرر-انطلاقاً من هذه الأحاديث- ألاّ تسافر المرأة وحدها، بل يجب أن تكون في صحبة زوجها أو ذي محرم لها، وهذا الحكم لا خلاف فيه لدخولهما في مضمون الحديث بصورة قطعية وإنّما الخلاف في تعدية الحكم لمعناهما، والمعنى المأخوذ من اعتبار الزوج وذي المحرم في الحديث هو الرفقة المأمونة، بمعنى أنّ الحكم في هذه الأحاديث دائر بين اتباع اللفظ أو اعتبار المعنى، والصحيح أنّ اعتبار المعنى-في هذه المسألة- أقوى فيتعدى الحكم إلى غير الزوج وذي محرم ممّن يحصل معهم الأمن، ذلك لأنّ السفر يندرج في أحكام العادات ([1]) والأصل فيها الالتفات إلى المعاني والمقاصد، كما أنّ سفر المرأة بغير محرم إنّما حرم سدّا لذريعة المحرم، وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة،([2]) وممّا يقوي اعتبار المعنى ما رواه البخاري في صحيحه أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحج في آخر حجة حجها، فبعث معهنّ عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما،([3]) ثمّ كان عثمان رضي الله عنه بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحج بهنّ في خلافته أيضا، وهذا حجة وإجماع عل جواز سفر المرأة برفقة نساء ثقات لأنّ أمّهات المؤمنين كنّ ثمانية في سفرهنّ للحج، وقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأمر من دون نكير عليهنّ من غيرهنّ من الصحابة رضي الله عنهم.
    فالحاصل أنّه يلزم صحبة الزوج أو ذي المحرم للمرأة في السفر، وأنّه يقوم مقام الزوج وذي المحرم وجود الرفقة المأمونة ([4]) المتمثلة في جماعة من النساء الثقات، أو في قوم عدول من الرجال والنساء الثقات، وهو مذهب جمهور أهل العلم.
    هذا، وإذا تقرر من مفهوم الأحاديث السابقة عدم جواز سفر المرأة لوحدها فإنّ مدة استغراق الطائرة ومبيت المرأة عند أهلها لا تأثير له في حكم المنع.([5])
    نقول وبالله التوفيق إن سفر المرأة بلا محرم محرم لأنه جاء النهي عن ذلك بقيد ومن غير تقييد. قال إبن عثيمين :لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب ويقول: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) عام، فكل ما يسميه الناس سفراً فإنه لا يحل للمرأة أن تسافره إلا بمحرم. لقاء الباب المفتوح - (5 / 93)
    وإليك الأدلة التي تحرم خروج المرأة بدون محرم
    فعن ابن عمر عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم وأخرجه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لا يحل لامرأة ٍ تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليالٍ إلا ومعها ذو محرم رواه البخاري ومسلم وأبى داود
    وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عند مسلم والترمذي .أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها . رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني : صحيح وفي الباب عن أبي هريرة و ابن عباس و ابن عمر
    وقال أبو عيسى هذا حديث حسن وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم .
    وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم . قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقال الشيخ الألباني : صحيح
    حديث أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي: أَنْ لاَ تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصى .متفق عليه
    وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ زَوْجُهَا ». رواه مسلم وابن ماجه
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ) . فقال رجل يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج ؟ . فقال ( اخرج معها ) رواه البخاري ومسلم
    وفي لفظ: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال رجل : يا رسول الله : إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال : انطلق فحج مع امرأتك )، وعند الدار قطني وصححه أبو عوانة : ( ولا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ) .
    وأما كلام أهل العلم فنذكر ما تيسر لنا
    سئل الشيخ ابن العثيمين
    السائل: السلام عليكم.
    الشيخ: وعليكم السلام.
    السائلة: فضيلة الشيخ هناك أناس عندهم خادمة يريدون أن يحجوا بها، فهل تحج بدون محرم؟ الشيخ: لابد من مَحْرَم.
    السائلة: إذا لم يوجد؟ الشيخ: فلا تحج.
    السائلة: لا تحج؟ الشيخ: لا يجوز أن تحج إلا بمَحْرَم.
    السائلة: لا يصح أيضاً؟ الشيخ: لا يجوز أن تحج إلا بمَحْرَم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة, وإني اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا, فقال: انطلق فَحُجَّ مع امرأتك ) دروس للشيخ العثيمين
    والمرأة إذا لم تجد محرماً فإنه لا إثم عليها بتأخير الحج.
    دروس للشيخ العثيمين
    وقال أيضاً قوله تعالى : {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَلَمِينَ} .
    ومن الاستطاعة أن يكون للمرأة مَحْرَمٌ، فلا يجب أداء الحج على من لا محرم لها لامتناع السفر عليها شرعاً، إذ لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج ولا غيره بدون محرم، سواء أكان السفر طويلاً أم قصيراً، وسواء أكان معها نساء أم لا، وسواء كانت شابة جميلة أم عجوزاً شوهاء، وسواء في طائرة أم غيرها لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلّم يخطب يقول : « لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم»، فقام رجلٌ فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : « انطلق فحج مع امرأتك».ولم يستفصله النبي صلى الله عليه وسلّم هل كان معها نساء أم لا ؟ ولا هل كانت شابة جميلة أم لا ؟ ولا هل كانت آمنةً أم لا ؟
    والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم صونُ المرأة عن الشر والفساد، وحمايتها من أهل الفجور والفسق؛ فإن المرأة قاصرةٌ في عقلها وتفكيرها والدفاع عن نفسها، وهي مطمعُ الرجال، فربما تُخدع أو تُقهر، فكان من الحكمة أن تُمنع من السفر بدون محرم يُحافظ عليها ويصونها؛ ولذلك يُشترط أن يكون المَحرَم بالغاً عاقلاً، فلا يكفي المحرم الصغير أو المعتوه.
    والمَحرَمُ زوج المرأة، وكل ذَكرٍ تَحرمُ عليه تحريماً مؤبداً بقرابةٍ أو رضاع أو مصاهرة.
    وقال صالح الفوزان
    الحج يجب على المسلم ذكراً كان أم أنثى , لكن يشترط لوجوبه على المرأة زيادة عما سبق من الشروط وجود المحرم الذي يسافر معها لأدائه ; لأنه لا يجوز لها السفر لحج ولا لغيره بدون محرم : لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تسافر المرأة إلا مع محرم , ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم رواه أحمد بإسناد صحيح .
    وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : إني أريد أن أخرج في جيش كذا , وامرأتي تريد الحج , فقال : " اخرج معها وفي " الصحيحين " : إن امرأتي خرجت حاجة , وإني اكتتبت في غزوة كذا , قال : " انطلق فحج معها " وفي " الصحيح " وغيره : لا يحل لامرأة تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم .
    فهذه جملة نصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرم على المرأة أن تسافر بدون محرم يسافر معها , سواء كان السفر للحج أو لغيره , وذلك لأجل سد الذريعة عن الفساد والافتتان منها وبها .
    وسئل أيضاً ـ هل يجوز سفر المرأة بدون محرم ؟ مثلاً : اتصل زوجها وهو في مدينة ما على زوجته، وأخبرها بأنه حدث له عارض؛ أي : مرض، فقال لها : احجزي على أقرب طائرة واحضري لي؛ فما حكم سفرها لوحدها ؟
    لا يجوز سفر المرأة مسافة ثمانين كيلو مترًا فأكثر؛ إلا مع ذي محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/35، 36 ) ، وانظر كذلك : ( 2/58 ) من الصحيح ] ، والمراد مسيرة يومين مشيًا على الأقدام، وهو ما يساوي ثمانين كيلو مترًا تقريبًا؛ لأن في سفر المرأة بدون محرم خطرًا عليها من ناحية تعرضها للفتنة وطمع الرجال الفاسدين بها، والمحرم يصونها ويحفظها، ولا فرق في ذلك بين السفر على الطائرة أو السيارة أو الدابة أو غير ذلك؛ لعموم النهي الوارد في الأحاديث؛ ولأن العلة موجودة، وهي الخوف عليها .
    وسئل أيضاً ـ ما رأيكم فيمن يسمح لزوجته بالسفر بالطائرة مع طفلها الصغير ولا يسافر معها هو بحجة أنه مشغول ولا يسمح له عمله بذلك ؟
    لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم لا في الطائرة ولا في غيرها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تسافر مسيرة يوم وليلة - وفي رواية أخرى : مسيرة يومين - ؛ إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/35، 36 ) ، وانظر كذلك : ( 2/58 ) من الصحيح ] .
    وقال أيضاَ . لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم بأي وسيلة من وسائل السفر في الطائرة، ولا في السيارة، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/35، 36 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وفي رواية : ( مسيرة يوم إلا مع ذي محرم ) [ رواها الإمام ابن خزيمة في " صحيحه " ] ، فالسفر لا يجوز إلا مع محرمها حتى ولو كان السفر بوسيلة سريعة لعموم الحديث، ولأن المرأة يعتريها ما يعتريها في الطائرة وفي السيارة فتحتاج إلى المحرم، قد يتأخر موعد الطائرة، قد تتعطل السيارة، قد تتعطل الطائرة، قد تغير اتجاهها إلى بلد آخر لظروف طارئة، أو يحدث لها ما يحدث فهي بحاجة إلى المحرم الذي يصونها ويأخذ بيدها في المخاطر، والله أعلم .
    وقالت اللجنة : يجوز لك أن تحجَّ مع والدتك من مالها، وتجزؤك عن حجَّة الإسلام، وأما سفر والدتك للحجِّ بدون مَحْرَم فلا يجوز.
    وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
    عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
    وسئل عبدالمحسن العباد: هل للمرأة أن تسافر بدون محرم بصحبة امرأة أخرى ذات محرم؟ الجواب: المحرم الذي معهما هو لتلك المرأة، وأما هي فليس لها محرم، والمرأة ليست محرماً للمرأة، بل محرمها هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، هذا هو محرم المرأة، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، والمرأة ليس لها أن تسافر مع امرأة ذات محرم؛ لأن محرم المرأة ليس محرماً للمرأة الأخرى، وإنما يجوز لها أن تسافر مع وجود محرم لها هي. شرح سنن أبي داود
    وسئل أيضاً : هل يجوز للمرأة السفر بدون محرم عند أمن الفتنة؟ الجواب: المرأة لا تسافر بدون محرم، سواء أمنت الفتنة أو لم تأمن، وأمن الفتنة معناه: أن تسافر مع أناس مأمونين فتأمن، لكن سفرها بدون محرم لا يجوز ولو كانت مع أناس مأمونين، فيحرم سفر المرأة بدون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وما قال: إلا إذا أمنت الفتنة فلها أن تسافر مع من تسافر معه ممن ليس محرماً، وإنما أطلق ذلك. شرح سنن أبي داود
    وسئل أيضاً: في بلادنا قل أن توجد حلقات العلم التي توافق منهج السلف، فهل للمرأة أن تذهب إلى منطقة أخرى بدون محرم لحضور مجالس العلم بدليل الضرورة؟ الجواب: ليس لها ذلك، ولكن يمكنها أن تحصل العلم عن الكتب النافعة إن كانت قارئة، وإن كانت غير قارئة فعن طريق الأشرطة، وبذلك تحصل الدروس الكثيرة بدون أن تسافر بدون محرم، فذلك لا يجوز لها لا للعلم ولا لغيره، بل ولا لحج الفريضة، فإذا لم تجد المحرم فهي غير مستطيعة، فلا يجب عليها الحج. شرح سنن أبي داود
    وسئل أيضاً: ما حكم سفر المرأة لوحدها بدون محرم في الطائرة خاصة إذا كانت مدة السفر يسيره، مثل أن تكون ساعتين؟ الجواب: سفر المرأة بدون محرم لا يجوز في طائرة ولا في سيارة ولا في باخرة، ولا في أي وسيلة نقل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فقال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم .). حتى سفر الحج ليس لها أن تسافره إلا إذا وجد المحرم، ولا تكون قادرة على الحج إلا إذا وجد المحرم، ولو كانت عندها قدرة مالية وليس عندها محرم فليس لها أن تسافر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم). ولو كان السفر في الطائرة، ولو كانت مدة السفر ساعة أو ساعتين، ولو كانت أقل من ذلك، ولو كانت فترة وجيزة، فالسفر إذا قطعته بالطائرة في فترة وجيزة فإنه يقال له: سفر ولا يخرج عن كونه سفراً. وجاء في بعض الأحاديث اللفظ مطلقاً، ليس فيه ذكر ثلاثة أيام، ولعل المقصود أنه سئل عن ثلاثة أيام فأجاب، وسئل عن أقل وأكثر فأجاب، وجاء مطلقاً بدون تقييد. فكل ما يقال له: سفر ليس للمرأة أن تقدم عليه إلا مع ذي محرم، وهو زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح. شرح سنن أبي داود
    وقال أيضاً وسفر النساء بدون محرم هو من الأمور التي جاءت الشريعة بتحريمها والمنع منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وكل ذلك صيانة للمرأة من أن تتعرض لما لا تحمد عقباه عليها في عرضها وفي نفسها. شرح سنن أبي داود
    وقال الشيخ ربيع حفظه الله
    فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم ، فقام رجل فقال يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة، قال: اذهب فحج مع امرأتك " متفق عليه .
    ففي هذا الحديث الحفاظ على عرض المرأة وعرض أهلها في حضرها وسفرها فلا يخلون بها الرجل ولو كانت صحابية وهو صحابي.
    ولا يحل لها السفر إلا مع محرم.
    وانظر كيف صرف النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الصحابي المجاهد عن الجهاد وأمره أن يحج مع امرأته ، وهي في غاية الأمن وفي رفقتها صحابة في قمة الإيمان والشرف والابتعاد عن محارم الله وهم يؤدون عبادة عظيمة وهي الحج إلى بيت الله الحرام .
    ولو كانت هناك ظروف تسقط فيها القوامة ويرخص فيها للمرأة أن تسافر بغير محرم لكانت هذه الظروف التي حجت فيها هذه المرأة الصحابية ففي الحديث وجوب القيام على المرأة في السفر الآمن فضلاً عن غيره .
    وقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم سفر المرأة بغير محرم منها هذا الحديث الذي سلف ومنها حديث أبي سعيد: "لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها " .
    ومنها حديث أبي هريرة: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم " رواه مسلم .
    هذه النصوص طبقت في عهد الرسول وصحابته الكرام وخلفائه الراشدين وإلى يومنا هذا .
    ولو كانت هناك امرأة تستحق أن يرخص لها أن تسافر سفراً قصيراً فضلاً عن الطويل لكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
    فقد روى مسلم عنها أنها قالت : " قلت يا رسول الله أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن ينطلق بها إلى التنعيم قالت : فأردفني خلفه على جمل له قالت : فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضرب رجلي بِعِلَّةِ الراحلة قلت له: وهل ترى من أحد قالت: فأهللت بعمرة ثم أقبلنا حتى انتهينا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الحصبة".
    فهذه عائشة أم المؤمنين وزوجة أكرم البشر وبنت أبي بكر الصديق وفضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، لم يسمح لها أن تذهب من مكة إلى التنعيم الذي لا تزيد مسافته على أربعة أميال من مكة إلا مع محرمها، وكان ذهابها مع أخيها ليلاً وهي لابسة خمارها فإذا كشفته ضربها بعلة الراحلة . الحقوق والواجبات على الرجال والنساء في الإسلام - (34)
    وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله
    أنه قد نهى أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم أو زوج: تارةً يقدر وتارةً يطلق. وأقل ماروي في التقدير بريد، فدل ذلك على أن البريد يكون سفرًا، كما أن الثلاثة الأيام تكون سفرًا، واليومين تكون سفرًا: واليوم يكون سفرًا. هذه الأحاديث ليس لها مفهوم بل نهى عن هذا وهذا وهذا.
    ننصح للأخوة أن يتقيدوا بالنصوص الشرعية لأن التقيد بالنصوص عبادة ولا يغتروا الكوس الفركوس الذي يتخبط في أخطائه وحاله كما يقيل يمشى على رجل واحدة ولا بالقرضاوي المكدوس
    قال الشيخ الإسلام ابن تيمية : وَالدُّنْيَا كُلُّهَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا مَا أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ شَمْسُ الرِّسَالَةِ وَأُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَيْهَا وَلَا بَقَاءَ لِأَهْلِ الْأَرْضِ إلَّا مَا دَامَتْ آثَارُ الرُّسُلِ مَوْجُودَةً فِيهِمْ فَإِذَا دَرَسَتْ آثَارُ الرُّسُلِ مِنْ الْأَرْضِ وانمحت بِالْكُلِّيَّةِ خَرَّبَ اللَّهُ الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ وَالسُّفْلِيَّ وَأَقَامَ الْقِيَامَةَ . وَلَيْسَتْ حَاجَةُ أَهْلِ الْأَرْضِ إلَى الرَّسُولِ كَحَاجَتِهِمْ إلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ؛ وَالرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ وَلَا كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إلَى حَيَاتِهِ ؛ وَلَا كَحَاجَةِ الْعَيْنِ إلَى ضَوْئِهَا وَالْجِسْمِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ؛ بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ؛ وَأَشَدُّ حَاجَةً مِنْ كُلِّ مَا يُقَدَّرُ وَيَخْطُرُ بِالْبَالِ فَالرُّسُلُ وَسَائِطُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَهُمْ السُّفَرَاءُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ . وكان خَاتَمُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى رَبِّهِ : مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .مجموع الفتاوى (19 / 101)
    وللعلامة ابن القيم - رحمه الله - كلام نفيس يُشبه كلام شيخه شيخ الإسلام - رحمه الله - ولا عجب! فكلاهما يصدر عن مشكاة واحدة.
    يقول - رحمه الله: وافترض على عباده طاعته ومحبته والقيام بحقوقه وسد الطرق كلها إليه وإلى جنته فلم يفتح لأحد إلا من طريقه فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال والفرقان المبين الذي باتباعه يميز أهل الهدى من أهل الضلال ولم يزل صلى الله عليه وعلى آله وسلم مشمرا في ذات الله تعالى لا يرده عنه راد صادعا بأمره لا يصده عنه صاد إلى أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب بعد شتاتها . إعلام الموقعين - (1 / 4)
    وقال أيضاً : ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فوقَ كل ضرورة إلى معرفة الرسول، وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا، ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيلَ إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا مِن جهتهم، ولا يُنال رضى الله البتة إلا على أيديهم، فالطَّيِّب من الأعمال والأقوال والأخلاق، ليس إلا هديهم وما جاؤوا به، فهم الميزانُ الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم تُوزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظمُ مِن ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فُرِضَت، فضرورةُ العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير. وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديُه وما جاء به طرفةَ عين، فسد قلبُك، وصار كالحوت إذا فارق الماء، ووضع في المِقلاة، فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل، كهذه الحال، بل أعظمُ، ولكن لا يُحِسُّ بهذا إلا قلب حي ومَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلاَمُ . زاد المعاد في هدي خير العباد - (1 / 69)
    أن الحق أرفع من أقوال الرجال
    قال ابن عثيمين : أن الحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق. هذا هو الميزان الصحيح، وإن كان لمقام الرجال ومراتبهم أثر في قبول أقوالهم، كما نقبل خبر العدل، ونتوقف في خبر الفاسق، لكن ليس هذا هو الميزان في كل حال، فإن الإنسان بشر، يفوته من كمال العلم وقوة الفهم ما يفوته، فقد يكون الرجل ديناً وذا خلق، ولكن يكون ناقص العلم أو ضعيف الفهم، فيفوته من الصواب بقدر ما حصل له من النقص والضعف، أو يكون قد نشأ على طريق معين، أو مذهب معين، لا يكاد يعرف غيره، فيظن أن الصواب منحصر فيه، ونحو ذلك. القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى (85)
    وقال الألوسي : فإذا اتبعت فاتبع سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وسلّم الذي آدم ومن دونه من الأنبياء والأولياء تحت لوائه فإذا اتبعت واحداً من أمته فلا تتبعه لمجرد كونه رجلاً مشهوراً بين الناس مقبولاً عند الأمراء والسلاطين بل كان الواجب عليك أن تعرف أولاً الحق ثم تزن الرجال به . روح البيان - (3 / 197)
    وقال ابن القيم : العلم هاد والحال الصحيح مهتد به وهو تركة الأنبياء وتراثهم وأهله عصبتهم ووراثهم وهو حياة القلوب ونور البصائر وشفاء الصدور ورياض العقول ولذة الأرواح وأنس المستوحشين ودليل المتحيرين وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال
    وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين والغي والرشاد والهدى والضلال به يعرف الله ويعبد ويذكر ويوحد ويحمد ويمجد وبه اهتدى إليه السالكون ومن طريقه وصل إليه الواصلون ومن بابه دخل عليه القاصدون به تعرف الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام وبه توصل الأرحام وبه تعرف مراضي الحبيب وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب
    وهو إمام والعمل مأموم وهو قائد والعمل تابع وهوالصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والأنيس في الوحشة والكاشف عن الشبهة والغني الذي لا فقر على من ظفر بكنزه والكنف الذي لا ضيعة على من آوى إلى حرزه مذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وطلبه قربة وبذله صدقة ومدارسته تعدل بالصيام والقيام والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام . مدارج السالكين - (2 / 469)
    المسألة الثانية التي يعتبر من أخطائه أيضاً ما جاء عن هذا السؤال: له علاقة بالعقيدة وبالضبط في مسألة التكفير
    بعض الإخوة عندنا يقولون إنّه بمجرد أن يسمع معين بالآية التي تثبت كفر من فعل هذا الفعل فإنّه قد قامت عليه الحجّة فهو كافر مرتد، ذكرنا أنّه لابد من البيان والتوضيح فإن أصرّ فهو كما قلت وإلاّ فلا.
    نرجوا -حفظكم الله- توجيها لهذه المسألة مع ذكر كلام علمائنا في ذلك إن أمكن بطبيعة الحال الدليل أولا، وقد استدل لما ذكر بحديث أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع بي من يهودي أو نصراني و لم يؤمن بي كان حقا على الله أن يدخله النّار".
    والله نسأل التوفيق لنا ولكم، وسبحانك اللّهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.
    والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
    الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
    فالاستدلال بالحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب الإيمان في قوله صلى الله عليه وسلم "والذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهودي ولا نصراني ثمّ يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاّ كان من أصحاب النّار". على من وصف بالإسلام ثمّ تلبس بشيء من مظاهر الشرك، فإنّه استدلال في غاية البطلان ذلك لأنّ المراد بالحديث أنّ العبد لا يكون مسلماً في أحكام الدنيا إذا لم يحقق الالتزام الإجمالي بالشريعة التي هي اتباع النبي صلى الله وآله وسلم والانقياد لحكم الله وشرعه، وعليه فالعبد الذي قامت عليه الحجّة الشرعية بالرسالة المحمّدية ولم يلتزم بها فهو كافر معاند في أحكام الدنيا والآخرة، أمّا إذا لم تبلغه الدعوة ولم تقم عليه الحجّة أو وصلته مشوهة فهو كافر جاهل في أحكام الدنيا أمّا في الآخرة فحكمه إلى الله تعالى وهو أعلم به لكونه لم يحقق الالتزام الشرعي بالانقياد إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وقد أشار ابن القيم -رحمه الله تعالى- إلى هذا المعنى بما نصه: (والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله ورسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل) ([6]) ثمّ اعلم أنّ من وصف بالإسلام ثمّ أتى ببعض مظاهر الشرك أو لم يلتزم ببعض جوانب الشريعة فإنّ ما عليه أهل السنة أن لا تكفير إلاّ بشرط قيام الحجّة عليه لا بمجرد فعله الظاهر، والمعتبر في بلوغ الحجة إمكان العلم وعدم إمكان الجهل إذ لا تكليف إلاّ بمعلوم ولأنّ الأصل في المكلّف عدم العلم حتّى تثبت أنّ الحجة قد بلغته يقينا لا احتمال فيها، ولا تكون إلاّ بالعلم بحال المعيّن على الخصوص وتبين أمره ومدى قيام الحجة عليه، لذلك لا يمكن الاعتبار بمجرّد النظر إلى الحجّة ظهورها من غير التبين من حال المعين، وقد جرى عمل الصحابة في عدم المؤاخذة والعقاب مع تحقق الجهل من المعيّن. في المحلى: (11/184).
    أمّا إذا قامت الحجة عليه تامّة فإنّ من أصرّ على فعله بعد التعريف والبيان يكفر، فهذا مستحلّ لذنبه كما بينه ابن تيمية في مناهج السنة. منهاج السنة:(5/130).
    والله أعلم وفوق كل ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليماً.
    وهذا الجواب ناقص كما ترى بحيث لم يذكر شروط التكفير وموانعها في حق المسلم المعين فتعين إضافتها في موانع التكفير
    1- الجهل. قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) [هود : 46 ، 47]
    2- والإكراه. مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل : 106]
    3- والخطأ. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) [النساء : 92 ، 93]
    4- والنسيان. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) [البقرة : 286]
    5- والتأويل السائغ.
    6- عدم إقامة الحجة . مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء : 15]
    وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [الأنعام : 92]
    ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ [الأنعام : 131]
    وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود : 117]
    وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص : 59]
    7- عدم فهم الحجة . 8- عنده الشبهات . 9- صغير . 10- مجنون .
    إقامة الحجة قبل حكم الشخص
    لأن الله جلّ ثناؤه لا يكلِّف عبدًا فرضًا من فرائضه، إلا بعد تبيينه له وإقامةِ الحجة عليه به.
    وقوله( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) يقول تعالى ذكره: وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم. ([7])
    وقوله: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا } أي: لا يستوي هذا وهذا. كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله، والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له. فأين هذا من هذا؟
    قال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: هذه الآية ضربت مثلا للمشرك والمخلص، ولما كان هذا المثلُ ظاهرا بَيِّنا جليا، قال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ } أي: على إقامة الحجة عليهم، { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } أي: فلهذا يشركون بالله.([8])
    (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال : 42]) والبينة إقامة الحجة والبرهان أي ليموت من يموت عن بينة رآها وعبرة عاينها فقامت عليه الحجة وكذلك حياة من يحيا وقال بن إسحاق : ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت عذره ويؤمن من آمن على ذلك .وأما إقامة الحجة باللسان فكانت دائمة .ولإقامة الحجة وإزاحة كل علة .([9])
    وأنه ما هلك من هلك إلا بعد إقامة الحجة عليهم وإزاحة العلة منهم
    ذكر أنه لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه فبين سبحانه أنه لم يتركهم سدى ولا يؤاخذهم قبل إقامة الحجة عليهم والظاهر أنه لا يعذبهم لا فى الدنيا ولا فى الآخرة إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال الرسل وبه قالت طائفة من أهل العلم وذهب الجمهور إلى أن المنفى هنا هو عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة .([10])
    لبيان أنه إنما يؤاخذ به بعد إقامة الحجة عليه ومن كذب فيما ليس بمحجوج فيه فهو بمنزلة الصبي الذي لا يستحق الوعيد بكذبه .
    وصدر الآية تنبيه على قدرة الله تعالى وإقامة الحجة على الكفرة فلما فرغ من ذلك جعله مثالا للحق والباطل والايمان والكفر واليقين في الشرع والشك فيه .([11])
    وفي هذه الآيات دليل على وجوب المحاجة في الدين وإقامة الحجة على المبطلين كما احتج الله تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في أمر المسيح عليه السلام وأبطل بها شبهتهم وشغبهم .
    وهذا يدل على أن الكافر إذا طلب منا إقامة الحجة عليه وبيان دلائل التوحيد والرسالة حتى يعتقدهما لحجة ودلالة كان علينا إقامة الحجة وبيان توحيد الله وصحة نبوة النبي ص - وأنه غير جائز لنا قتله إذا طلب ذلك منا إلا بعد بيان الدلالة وإقامة الحجة لأن الله قد أمرنا بإعطائه الأمان حتى يسمع كلام الله وفيه الدلالة أيضا على أن علينا تعليم كل من التمس منا تعريفه شيئا من أمور الدين لأن الكافر الذي استجارنا ليسمع كلام الله إنما قصد التماس معرفة صحة الدين .([12])
    وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ .
    أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمُفْتِيَ أَفْتَى بِالْخَطَإِ فَالْعُقُوبَةُ لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ فَالْوَاجِبُ أَنْ تُبَيِّنَ دِلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى خَطَئِهِ وَيُجَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الدَّلِيلِ وَالْجَوَابِ عَنْ الْمُعَارِضِ .
    وإذا كان هذا على ما وصفنا علم أنه لم يبق بعد ذلك عتب لزائغ ولا طعن لمبتدع إذ كان - عليه السلام - قد أقام الدين بعد أن أرسى أوتاده وأحكم أطنابه ولم يدع النبي صلى الله عليه و سلم لسائر من دعاه إلى توحيد الله حاجة إلى غيره ولا لزائغ طعنا عليه ثم مضى - صلى الله عليه و سلم - محمودا بعد إقامة الحجة وتبليغ الرسالة وأداء الأمانة والنصيحة لسائر الأمة حتى لم يحوج أحدا من أمته إلى البحث عن شيء قد أغفله هو مما ذكره لهم أو معنى أسره إلى أحد من أمته .([13])
    وقال ابن القيم والأصل الثالث أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له فهذا بمنزلة الأصم الذي يلا يسمع شيئا ولا يتمكن من الفهم .([14])
    وسئل الوادعي
    هل يشترط إقامة الحجة على مرتكب الكفر أو البدعة مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكم على ذو الخويصرة، فقال: ((يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدّين)). وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الخوارج كلاب النّار))، وقوله: ((القدريّة مجوس هذه الأمّة))؟
    يحكم عليه بظاهر فعله، والعذر بالجهل بينه وبين الله سبحانه وتعالى، فنحن نؤمن ونعتقد أن الجاهلين يعذرون وربما يختبرون في عرصات القيامة، كما جاء في حديث أبي هريرة وفي حديث الأسود بن سريع.([15])
    فهم الحجة شرط مهم
    قال سليمان بن عبدالله ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم وذلك أقرب وأسرع إلى فهم الحجة وأبعد من المحك واللجاجة .
    وقال صاحب كشف فهذا مما يدل على جهله وأنه لم يفرق بين فهم الحجة وبلوغ الحجة ففهمها نوع وبلوغها نوع آخر فقد تقوم الحجة على من لم يفهمها ..
    ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة فإن الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إلى قوله سبيلا وقال تعالى وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا فقيام الحجة وبلوغها نوع وفهمها نوع آخر وكفرهم الله ببلوغها إياهم مع كونهم لم يفهموها .
    وقال ابن تيمية وإذا قدر أن فيهم من يعجز عن فهم الحجة فهذا إذا لم يكن معذورا مع عدم قيامها فهو مع قيامها أولى أن لا يعذر وإن كان معذورا مع قيامها فهو مع عدمها أعذر فعلى التقديرين قيام الحجة أنصر وأعذر وقد ..قال النبي صلى الله عليه و سلم ما أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين .([16])
    إزالة الشبهات
    قال ابن تيمية وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ .
    والمستدل قد يعجز عن نظم دليل على ذلك إما لعجزه عن تصوره واما لعجزه عن التعبير عنه فإنه ليس كل ما تصوره الانسان أمكن كل أحد أن يعبر عنه باللسان وقد يعجز المستمع عن فهمه ذلك الدليل وان أمكن نظم الدليل وفهمه فقد يحصل العجز عن إزالة الشبهات المعارضة إما من هذا وإما من هذا وإما منهما . ([17])
    وقال القاضي : دلَّت الآية على أنَّ المؤاخذة بالذنب لا تحصل إلاَّ بعد البيان , وإزاحة العلَّة .
    وقال الشوكاني ثم ذكر سبحانه أنه ما هلك من هلك إلا بعد إقامة الحجة عليهم وإزاحة العلة منهم .([18])
    حكم الشخص بعد إقامة الحجة
    قال ابن تيمية وَمَنْ أَثْبَتَ لِغَيْرِ اللَّهِ مَا لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا .
    وَمَنْ خَالَفَ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : فَإِنَّهُ يَكُونُ إمَّا كَافِرًا وَإِمَّا فَاسِقًا وَإِمَّا عَاصِيًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فَيُثَابُ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَيُغْفَرُ لَهُ خَطَؤُهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعِلْمُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } . وَأَمَّا إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَخَالَفَهَا : فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِحَسَبِ ذَلِكَ إمَّا بِالْقَتْلِ وَإِمَّا بِدُونِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
    وَلِهَذَا لَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُفْرِ الَّذِي قَالَ : إذَا أَنَا مُتّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ مَعَ شَكِّهِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِعَادَتِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُكَفِّرُ الْعُلَمَاءُ مِنْ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِنَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ ؛ فَإِنَّ حُكْمَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الرِّسَالَةِ . وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ لَا يَكُونُ قَدْ بَلَغَتْهُ النُّصُوصُ الْمُخَالِفَةُ لِمَا يَرَاهُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ بَعَثَ بِذَلِكَ فَيُطْلِقُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ وَيُكَفِّرُ مَتَى قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا ؛ دُونَ غَيْرِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ؟ .
    ولَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ يَكْفُرُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِكُفْرِهِ فَإِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ كَفَرَ حِينَئِذٍ .([19])
    وقال ابن حزم فإن بعض الناس رأى ألا يجاهد مع أئمة الجور
    وهذا يعذر لجهله وخطأه ما لم تقم عليه الحجة فإن قامت عليه الحجة وتمادى على التدين بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر مشرك حلال الدم والمال لقوله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
    وفمن حكم في دين الله عز وجل بما استحسن وطابت نفسه عليه دون برهان من نص ثابت أو إجماع فلا أحد أضل منه وبالله تعالى نعوذ من الخذلان إلا من جهل ولم تقم عليه حجة فالخطأ لا ينكر وهو معذور مأجور ولكن من بلغه البيان وقامت عليه الحجة فتمادى على هواه فهو فاسق عاص لله عز وجل.
    ومن قال فيما ليس قرآنا إنه قرآن فقد فارق الإجماع وكذب الله تعالى وخرج عن الإسلام إلا أن يكون جاهلا ومن أجاز هذا وقامت عليه الحجة ولم يرجع فهو كافر مشرك مرتد حلال الدم والمال لا نشك في ذلك أصلا .
    وأما إن قامت عليه الحجة فعاند تقليدا ففاسق وهذا في غاية البيان فيما قلنا والحمد لله رب العالمين .
    وأما الجاهل فهو معذور وأما من قامت عليه الحجة فتمادى فهو فاسق بلا شك وسيرد فيعلم وما توفيقنا إلا بالله .
    وإننا لا نفسق الخوارج ولا غيرهم ولكننا نقول من قامت عليه الحجة بحديث لا معارض له أو آية لا معارض لها أو برهان ضروري فتمادى على قوله المخالف للحق أو تناقض فاحتج في مكان مما لا يصح مثله في غير ذلك المكان وبنى عليه ذلك فتمادى على قوله الفاسد في فتيا في شيء من الفقه أو في اعتقاد فهو فاسق وكل ذلك سواء .
    وقال صاحب توجيه النظر ومن تعلق بالرأي فظن أنه مصيب في ذلك فهو معذور مأجور مرة إلا أن تقوم عليه الحجة ببطلانه فإن قامت عليه الحجة ببطلانه فثبت على القول به فهو ممن يحكم في الدين بما لم يأذن به الله تعالى . ([20])
    من يقيم الحجة ويفهم الناس بها
    قال سليمان بن سحمان وأما قول السائل: هل كل تقوم به الحجة أم لا بد من إنسان يحسن إقامتها على من أقامها عليه؟ فالذي يظهر لي _ والله أعلم _ أنها لا تقوم الحجة إلا بمن يحسن إقامتها, وأما من لا يحسن إقامتها: كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه, ولا ما ذكره العلماء في ذلك, فإنه لا تقوم به الحجة فيما أعلم, والله أعلم.([21])

    فرق بين المطلق والمعين
    قال ابن تيمية أَنَّ التَّكْفِيرَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ قَدْ تَنْتَقِي فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ وَأَنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد وَعَامَّةَ الْأَئِمَّةِ : الَّذِينَ أَطْلَقُوا هَذِهِ العمومات لَمْ يُكَفِّرُوا أَكْثَرَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ .
    ولَكِنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ ؛ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَدْ يَتَكَلَّمُ فِي مَسْأَلَةٍ بِاجْتِهَادِهِ فَيُخْطِئُ فِيهَا فَلَا يُكَفَّرُ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُكَفَّرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الْمُكَفِّرَةُ .
    وقالت أئمة الدعوة عدم تكفير، المعين ابتداء لسبب ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى، أوجب له التوقف في تكفيره قبل إقامة الحجة عليه، قال رحمه الله تعالى: نعلم بالضرورة انه لم يشرع لأمته أن تدعو أحدا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا يغيرها ولا بلفظ الاستعاذة ولا يغيرها كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم مما يخالفه انتهى.
    قلت: فذكر رحمه الله تعالى ما أوجب له عدم إطلاق الكفر عليهم، على التعيين خاصة، إلا بعد البيان والإصرار فإنه قد صار أمة وحده; لأن من العلماء من كفره، بنهيه لهم عن الشرك في العبادة، فلا يمكن أن يعاملهم بمثل ما قال .([22])
    العذر بالجهل في المسائل العقيدة وغيرها
    أقوال العلماء
    1. قال الإمام الشافعي- رحمه الله-: لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، و أما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر . ([23])
    2. وقال الإمام ابن حزم - رحمه الله-: وصدق أبو يوسف القاضي إذا سئل عن شهادة من يسب السلف الصالح فقال: لو ثبت عندي على رجل أنه يسب جيرانه ما قبلت شهادته فكيف من يسب أفاضل الأمة؟ إلا أن يكون من الجهل بحيث لم تقم عليه حجة النص بفضلهم والنهي عن سبهم، فهذا لا يقدح سبهم في دينه أصلاً، ولا ما هو أعظم من سبهم لكن حكمه أن يعلم ويعرف، فإن تمادى فهو فاسق، و إن عاند في ذلك الله تعالى أو رسوله - صلى الله عليه وسلم- فهو كافر مشرك، ولو أن آمرءاً بدل القرآن مخطئا جاهلا أو صلى لغير القبلة، كذلك ما قدم ذلك في دينه عند أحد من أهل الإسلام حتى تقوم عليه الحجة بذلك . ([24])
    3. وقال الإمام ابن العربي المالكي - رحمه الله -: (الطاعات كما تسمى إيماناً، كذلك المعاصي تسمى كفراً، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد عليه الكفر المخرج من الملة، فالجاهل والمخطيء من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى يتبين له الحجة التي يكفر تاركها بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعاً قطعياً يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع .([25])
    4. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: وَمَنْ أَثْبَتَ لِغَيْرِ اللَّهِ مَا لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا .([26])
    وَلِهَذَا لَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُفْرِ الَّذِي قَالَ : إذَا أَنَا مُتّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ مَعَ شَكِّهِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِعَادَتِهِ .([27])
    فَهَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ . وَالْمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْلَى بِالْمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا .([28])
    وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقَالَةَ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ يُقَالُ هِيَ كُفْرٌ قَوْلًا يُطْلَقُ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ ؛ فَإِنَّ " الْإِيمَانَ " مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَلَقَّاةِ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْكُمُ فِيهِ النَّاسُ بِظُنُونِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ . وَلَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ فِي كُلِّ شَخْصٍ قَالَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَافِرٌ حَتَّى يَثْبُتَ فِي حَقِّهِ شُرُوطُ التَّكْفِيرِ وَتَنْتَفِي مَوَانِعُهُ مِثْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ الْخَمْرَ أَوْ الرِّبَا حَلَالٌ ؛ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ ؛ أَوْ لِنُشُوئِهِ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ أَوْ سَمِعَ كَلَامًا أَنْكَرَهُ وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا أَنَّهُ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُنْكِرُ أَشْيَاءَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا. ([29])
    وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا : وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ .([30])
    وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْخَطَأَ فِي دَقِيقِ الْعِلْمِ مَغْفُورٌ لِلْأُمَّةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَهَلَكَ أَكْثَرُ فُضَلَاءِ الْأُمَّةِ . وَإِذَا كَانَ اللَّهُ يَغْفِرُ لِمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ لِكَوْنِهِ نَشَأَ بِأَرْضِ جَهْلٍ ؛ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَطْلُبْ الْعِلْمَ فَالْفَاضِلُ الْمُجْتَهِدُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِحَسَبِ مَا أَدْرَكَهُ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ مُتَابَعَةَ الرَّسُولِ بِحَسَبِ إمْكَانِهِ هُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يَتَقَبَّلَ اللَّهُ حَسَنَاتِهِ وَيُثِيبَهُ عَلَى اجْتِهَادَاتِهِ وَلَا يُؤَاخِذَهُ بِمَا أَخْطَأَ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ :{ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } . وَ أَهْلُ السُّنَّةِ جَزَمُوا بِالنَّجَاةِ لِكُلِّ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ تَعَالَى ؛ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ وَإِنَّمَا تَوَقَّفُوا فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ ؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِدُخُولِهِ فِي الْمُتَّقِينَ .([31])
    وَأَمَّا " التَّكْفِيرُ " : فَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَنْ اجْتَهَدَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَدَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَ : لَمْ يُكَفَّرْ ؛ بَلْ يُغْفَرُ لَهُ خَطَؤُهُ . وَمَنْ تَبَيَّنَ لَهُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَشَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ : فَهُوَ كَافِرٌ . وَمَنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَقَصَّرَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَتَكَلَّمَ بِلَا عَلَمٍ : فَهُوَ عَاصٍ مُذْنِبٌ . ثُمَّ قَدْ يَكُونُ فَاسِقًا وَقَدْ تَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ تَرْجَحُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ . فَ " التَّكْفِيرُ " يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الشَّخْصِ فَلَيْسَ كُلُّ مُخْطِئٍ وَلَا مُبْتَدَعٍ وَلَا جَاهِلٍ وَلَا ضَالٍّ يَكُونُ كَافِرًا ؛ بَلْ وَلَا فَاسِقًا بَلْ وَلَا عَاصِيًا لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ " مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ " وَقَدْ غَلِطَ فِيهَا خَلْقٌ مِنْ أَئِمَّةِ الطَّوَائِفِ الْمَعْرُوفِينَ عِنْدَ النَّاسِ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ . وَغَالِبُهُمْ يَقْصِدُ وَجْهًا مِنْ الْحَقِّ فَيَتَّبِعُهُ وَيَعْزُبُ عَنْهُ وَجْهٌ آخَرُ لَا يُحَقِّقُهُ فَيَبْقَى عَارِفًا بِبَعْضِ الْحَقِّ جَاهِلًا بِبَعْضِهِ ؛ بَلْ مُنْكِرًا لَهُ .([32])
    وَهَكَذَا الْأَقْوَالُ الَّتِي يَكْفُرُ قَائِلُهَا قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَمْ تَبْلُغْهُ النُّصُوصُ الْمُوجِبَةُ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَقَدْ تَكُونُ عِنْدَهُ وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فَهْمِهَا وَقَدْ يَكُونُ قَدْ عَرَضَتْ لَهُ شُبُهَاتٌ يَعْذُرُهُ اللَّهُ بِهَا فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَأَخْطَأَ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ خَطَأَهُ كَائِنًا مَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسَائِلِ النَّظَرِيَّةِ أَوْ الْعَمَلِيَّةِ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَجَمَاهِيرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَا قَسَّمُوا الْمَسَائِلَ إلَى مَسَائِلِ أُصُولٍ يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا وَمَسَائِلِ فُرُوعٍ لَا يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا . فَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ نَوْعٍ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْأُصُولِ وَبَيْنَ نَوْعٍ آخَرَ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْفُرُوعِ فَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ لَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمْثَالِهِمْ ([33])
    1. وقال الإمام الشوكاني- رحمه الله-: (...فلابد من شرح الصدر بالكفر، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه...)([34])
    6-وقال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله-:أحد أبرز أئمة المدرسة السلفية في هذا الوقت في شرحه لهذه المسألة: (كثير من جماهير المسلمين اليوم يعيشون بين المسلمين يصومون ويصلون، ومع ذلك لم يفقهوا التوحيد الذي هو أس الإسلام كما ذكرنا، هل بلغتهم الدعوة؟ أنا أقول لم تبلغهم الدعوة، المفروض أن هؤلاء تبلغهم الدعوة من مشايخهم الذين يتلقون عنهم العلم ولكن لا أقول أن هؤلاء (أي المشايخ) ينطبق عليهم الكلام المأثور فاقد الشيء لا يعطيه... أقول مع هذه الدلالات كلها نحن لا نستطيع أن نكفر هؤلاء المسلمين لأنه لم تقم الحجة عليهم، لأنه ليس هناك دعاة كفؤ سيطروا على جو سوريا مثلاً فضلاً عن بلاد أخرى وبلغت هذه الجماهير دعوة التوحيد خالصة لا شرك فيها...)([35])
    7- وسئل الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله-:عن حكم من يجهل أن صرف شيء من الدعاء لغير الله شرك؟
    فأجاب بقوله : الجهل بالحكم فيما يكفر كالجهل بالحكم فيما يفسق، فكما أن الجاهل بما يفسق يعذر بجهله فكذلك الجاهل بما يكفر يعذر بجهله ولا فرق لأن الله - عز وجل - يقول: { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } . ويقول الله - تعالى - : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } . وهذا يشمل كل ما يعذب عليه الإنسان ويقول الله -عز وجل - : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
    لكن إذا كان هذا الجاهل مفرطًا في التعلم ولم يسأل ولم يبحث فهذا محل نظر . فالجهال بما يكفر وبما يفسق إما أن لا يكون منهم تفريط وليس على بالهم إلا أن هذا العمل مباح فهؤلاء يعذرون ، ولكن يدعون للحق فإن أصروا حكم عليهم بما يقتضيه هذا الإصرار ، وأما إذا كان الإنسان يسمع أن هذا محرم أو أن هذا مؤد للشرك ولكنه تهاون أو استكبر فهذا لا يعذر بجهله.
    وسئل - رعاه الله بمنه وكرمه - : هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالتوحيد؟
    فأجاب بقوله : العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه ؛ لأن الله -سبحانه وتعالى - قال: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ } حتى قال - عز وجل - :{ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } ولقوله -تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } . ولقوله -تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } . ولقول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « والذي نفسي بيده لا يسمع بي واحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار » .
    والنصوص في هذا كثيرة، فمن كان جاهلًا فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور الدين، ولكن يجب أن نعلم أن من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي إنه يذكر له الحق ولكنه لا يبحث عنه، ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه، ومن يعظمهم ويتبعهم، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور، لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم: { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ } . وفي الآية الثانية: { وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } .
    فالمهم أن الجهل الذي يعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق، ولا يذكر له، هو رافع للإثم، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله.([36])
    وسئل فضيلة الشيخ: عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة ؟
    فأجاب بقوله : الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافًا لفظيًا في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر ، أو هذا الفعل كفر ، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات ، أو وجود بعض الموانع .
    وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين:
    الأول : أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن دينًا يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا ، وأما في الآخرة فأمره إلى الله -تعالى - ، والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل - والله أعلم بما كانوا عاملين ، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله -تعالى - : { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } وإنما قلنا : تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى حكمه ، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم -رحمه الله تعالى -في كتابه - : "طريق الهجرتين" عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.
    النوع الثاني : أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام ، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهرًا ، أما في الآخرة فأمره إلى الله - عز وجل - وقد دل على ذلك الكتاب ، والسنة ، وأقوال أهل العلم.
    فمن أدلة الكتاب: قوله - تعالى - : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } .
    وقوله: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } .
    وقوله : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } .
    وقوله: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } . . وقوله : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } . وقوله : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان.
    وأما السنة:ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه - « أن النبي ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال : "والذي نفس محمد بيده لا » « يسمع بي أحد من هذه الأمة -يعني أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". » ([37])
    وهذا السائل يقول: لقد خاب وتاه الكثير من الشباب في مسألة العذر بالجهل، متى يعذر الجاهل بجهله؟ ودلونا على مراجع في هذه المسألة التي أثيرت، وهل وقع خلاف قديم بين السلف؟ وهل هو معتبر أم لا؟
    فأجاب رحمه الله تعالى: العذر للجهل ثابت بالقرآن وثابت بالسنة أيضاً، وهو مقتضى حكمة الله عز وجل ورحمته، يقول الله تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ). ويقول الله تعالى:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إِلَى قوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ). ويقول الله تبارك وتعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). ويقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). والآيات في هذا عديدة، كلها تدل على أنه لا كفر إلا بعد علم، وهذا مقتضى حكمة الله ورحمته، إذ إن الجاهل معذور، وكيف يؤاخذه الله عز وجل- وهو أرحم الراحمين، وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها- على شيء لم يعلمه؟ فمن شرط التكفير بما يكفر من قول أو عمل أن يكون عن علم، وأن يكون عن قصد أيضاً، فلو لم يقصده الإنسان بل سبق لسانه إليه لشدة غضب أو لشدة فرح أو لتأويل تأوله فإنه لا يكون كافراً عند الله عز وجل. يدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة من الأرض ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فأضلها- أي: ضاعت منه- فطلبها فلم يجدها، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت وهو آيس منها، فإذا براحلته عنده فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح). وهذا خطأ عظيم هو في نفسه كفر، لكن الرجل ما قصده، لكن لشدة الفرح سبق لسانه إلى هذا، ولم يكن بذلك كافراً؛ لأنه لم يقصد ما يقول. وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام (عن رجل كان مسرفاً على نفسه، وخاف من الله تعالى أن يعاقبه، فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويذروه في اليم، ظنّاً منه أنه يتغيب عن عذاب الله، ولكن الله تعالى جمعه بعده وسأله: لم فعل هذا؟ قال: يا ربي خوفاً منك. فغفر الله له)، مع أنه كان شاكّاً في قدرة الله، والشك في قدرة الله كفر، لكنه متأول وجاهل فعفا الله عنه. وليعلم أن مسألة التكفير أصلها وشروطها لا يأخذها الإنسان من عقله وفكره وذوقه فيكفر من شاء ويعصم من شاء, الأمر في التكفير وعدم التكفير إلى الله عز وجل، كما أن الحكم بالوجوب أو التحريم أو التحليل إلى الله وحده، كما قال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ). فالأمر في التكفير والعصمة إلى الله تبارك وتعالى، وأعني بالعصمة: يعني الإسلام الذي يعصم الإنسان به دمه وماله، هو إلى الله، إلى الله وحده، فلا يجوز إطلاق الكفر على شخص لم تثبت في حقه شروط التكفير. وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن من دعا رجلاً بالكفر أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك فإنه يعود هذا الكلام على قائله) يكون هو الكافر وهو عدو الله. فليحذر الإنسان من إطلاق التكفير على من لم يكفره الله ورسوله، وليحذر من إطلاق عداوة الله على من لم يكن عدوّاً لله ورسوله، وليحبس لسانه فإن اللسان آفة الآفات.....
    والخلاصة: أن مسألة التكفير والعصمة ليست إلينا، بل هي إلى الله ورسوله، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر، ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر، حتى وإن عظمت ذنوبه في مفهومنا وفي أذواقنا، الأمر ليس إلينا، الأمر في هذه الأمور إلى الله ورسوله. ولا بد للتكفير من شروط معلومة عند أهل العلم .([38])
    متى يعذر الإنسان بالجهل ومتى لا يعذر به، من ناحية العقيدة والأحكام الفقهية؟ مأجورين.
    فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال مهم سؤال عظيم لا يتسع المقام لذكر التفصيل فيه؛ لأنه يحتاج إلى كلام كثير قد يستوعب هذه الحلقة كلها وزيادة، ولكن على سبيل الإجمال لدينا آيات من القرآن وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن الإنسان معذور بالجهل في كل شيء، لكن قد يكون مقصراً في طلب العلم فلا يعذر، وقد تبلغه الحجة ولكنه يستكبر ويستنكر فلا يعذر في هذه الحال، ومن الآيات الدالة على أن الإنسان معذور بالجهل قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: (قد فعلت). وقال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ). وقال الله تبارك تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ). وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ). وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ). والآيات في هذا المعنى عديدة، وكذلك في السنة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). ولكن قد يكون الإنسان مقصراً بطلب العلم، بحيث يتيسر له العلم ولكنه لا يهتم به ولا يلتفت إليه، وقد يكون الإنسان مستكبراً عما بلغه من الحق، فيبين له الحق ولكنه يقول: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ). كما يوجد من كثير من العامة المعظمين لكبرائهم من أمراء أو علماء أو غير ذلك، يستنكفون عن الحق إذا دعوا إليه، وهؤلاء ليسوا بمعذورين، فالمسألة مسألة خطيرة عظيمة يجب التأني فيها والتريث، وربما نقول: لا يقضى فيها قضاءً عامّاً بل ينظر إلى كل قضية بعينها، فقد نحكم على شخص بكفره مع جهله وقد لا نحكم عليه، والناس يختلفون في مدى غايتهم في الجهل: منهم الجاهل مطلقاً جهلاً مطبقاً لا يدري عن شيء كأنه بهيمة، ومنهم من عنده فطنة وحركة فكر لكنه عنده استكبار عن الحق، ومنهم من هو بين ذلك. فعلى كل حال الجواب على وجه عام فيه نظر، ولكن تذكر قواعد وتطبق كل حال على ما تقتضيه هذه الحال.([39])
    وهذه المسألة التي استثناها العلماء تُبَيِّنُ أنَّه لا فرق بين الأمور القطعيَّة في الدِّين وبين الأمور الظنِّيَّة في أنَّ الإنسان يُعْذَر بالجهل فيها، وهذه المسألة ـ أعني العذر بالجهل ـ مهمَّةٌ تحتاج إلى تثبُّتٍ حتى لا نُكفِّر من لم يَدُلَّ الدَّليل على كفره.([40])
    8- وقال ابن عبد البر - رحمه الله-:ومن جهل صفة من صفات الله عز وجل وآمن بسائر صفاته وعرفها لم يكن بجهله بعض صفات الله كافرا قالوا وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله وهذا قول المقتدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين .([41])
    9- وقال الشيخ ربيع - رحمه الله-: السؤال : هل يُعذر بالجهل من وقع في ناقض من نواقض الإسلام ؟
    الجواب : إذا كان في بلاد المسلمين والإسلام ظاهر فهذا لا يُعذر ,أما إنسان ما بلغته الدعوة فهذا يُعذر بالجهل إلى أن تقام عليه الحجة ويُبيَّن له لأنّ الله عزّ وجلّ قال :
    ( لأنذركم به ومن بلغ ) ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .فكثير من أئمة السلف ومن أجلّهم وأعظمهم ابن تيمية رحمه الله يرى العذر بالجهل حتى في الشركيات والكفريات إذا كان يجهل ؛وقع في الشرك أو وقع في الكفر وهو يجهل أنّ هذا شرك أو كفر ولم يبلغه من العلم ونصوص الشريعة ما يبين له أنّ هذا شرك أو كفر فهذا يُعذَر .
    والسؤال الثالث والعشرون : سؤال حول العذر بالجهل ؟
    الجواب :هذه المسألة ؛مسألة العذر بالجهل أو عدم العذر يركض من ورائها أناس أهل فتنة ! ويريدون تفريق السلفيين وضرب بعضهم ببعض ! وأنا كنت في المدينة اتصل بي رياض السعيد وهو معروف وموجود في الرياض الآن قال لي: إن هنا في الطائف خمسين شابا كلهم يكفرون الألباني ! لماذا ؟ لأنه لا يكفِّر القبوريين ويعذرهم بالجهل !! طيب ,هؤلاء يكفرون ابن تيمية وابن القيم وكثير من السلف؛ لأنهم يعذرون بالجهل وعندهم أدلة منها ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ونصوص أخرى فيها الدلالة الواضحة ,ومنها ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) ونصوص أخرى تدل على أنّ المسلم لا يكفر بشيء من الكفر وقع فيه ,نقول : وقع في الكفر ؛هذا كفر وقع فيه عن جهل مثلا فلا نكفره حتى نبين له الحجة ونقيم عليه الحجة فإذا عاند كفرناه .
    وهذا القول عليه كثير من أئمة العلماء في نجد وبعضهم يتناقض كلامه مرة يشترط إقامة الحجة ومرة يقول : لا يعذر بالجهل ! فيتعلق أناس بأقوال من لا يعذر بالجهل ويهمل النصوص الواضحة في اشتراط قيام الحجة وأنه لا يكفَّر المسلم الذي وقع في مكفِّر حتى تقام عليه الحجة ومنهم ما ذكرته لكم عن الإمام الشافعي رحمه الله والنصوص التي ذكرتها لكم . ([42])





    [1] - هذا كلام باطل لا قيمة له ولا أساس له من الشرع ولا يوافق فيه أحد من أهل العلم على هذا التقعيد .
    قال عبدالمحسن العباد كما في شرح سنن أبي داود " وسفر النساء بدون محرم هو من الأمور التي جاءت الشريعة بتحريمها والمنع منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)

    [2] - هذا الكلام يخالف كلام أهل العلم بحيث أن الحاجة لا تحل محرماً .
    قال محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله رحمه الله
    والحاجة : كالجائع الذى لو لم يجد ما يأكل لم يهلك غير أنه يكون فى جهد ومشقة وهذا لا يبيح المحرم . الموافقات 2/10-11. المنثور في القواعد - (2 / 319) وغمز عيون البصائر 1 / 277 .
    وقال الماوردي رحمه الله : فالحاجة لا تبيح محظورًا.
    وقال الإمام الشافعي رحمه الله :لأن الحاجة لا تحق لأحدٍ أن يأخذ مال غيره .
    وقال السيوطي رحمه الله في تعريف الحاجة: إن الحاجة لا تبيح حرامًا ولا تسقط واجبًا.
    وقال أحمد الزرقا في كتابه شرح القواعد الفقهية : الظاهر أن ما يجوز للحاجة إنما يجوز فيما ورد في نص يجوزه أو تعامل، أو لم يرد فيه شيء منهما، ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه، وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به.
    وقال مصطفى الزرقا في المدخل الفقهي العام: وأما الأحكام التي ثبتت على بناء الحاجة فهي لا تصادم نصا، ولكنها تخالف القواعد والقياس.
    وقال أبو بكر بن العربي المالكي حيث قال في كتابه القبس (القاعدة السابعة) :"اعتبار الحاجة في تجويز الممنوع كاعتبار الضرورة في تحليل المحرم "
    وقال الشافعي: "وليس يحل بالحاجة محرم إلا في الضرورات".
    والسيوطي نفسه صرح بذلك: "أكل الميتة في حالة الضرورة يقدم على أخذ مال الغير". الأم - (2 / 77) الحاوى الكبير - (15 / 179) (الأم: 3/28) (الأشباه والنظائر:ص62)

    [3] - قال حمد " واستدلوا : بما روى البخاري : أن عمر أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف " وكان ذلك بمحضر من الصحابة ، والشاهد أنه قد بعث معهن عثمان وعبد الرحمن وهما ليس بمحارم لهن .
    وهذا الاستدلال فيه ضعف من وجهين :
    الوجه الأول : - وهو أضعف من الوجه الثاني - أن يقال : إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لهن من حفظ الله وعنايته لحفظ عرضه صلى الله عليه وسلم ما ليس لغيرهن ، ولهن من الصيانة والعفاف أعظم ذلك ، فلا يقاس غيرهن بهن - هذا لو سلمنا أنه ليس معهن محرم .
    الوجه الثاني : أن يقال : إن هذا الأثر ليس فيه أنه ليس معهن محرم ، وإنما فيه أن عمر بعث معهن على القافلة عثمان وعبد الرحمن أي أمراء على القافلة ، فهما أمراء القافلة التي فيها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وليس في الأثر أنه ليس معهن محارم فإن الأثر لم يتعرض لذلك ، وهنَّ أجلَّ من أن يخالفن النبي صلى الله عليه وسلم في نهيه العام أن تسافر المرأة بلا محرم .
    لذلك الصحيح ما هو مشهور في المذهب من : أن المرأة ليس لها أن تسافر إلا مع ذي محرم . ثم إن الفارق ظاهر ، فإن المحرم لا يقوم مقامه شيء فلا يقاس به غيره ، فكونها تكون مع جماعة النساء لا يغني ذلك عن محرمها ولا يقوم مقامه ، والأصل في القياس هو التماثل فلا يلحق هذه المسألة بمسألة المحرم مع وجود الفارق ". شرح زاد المستقنع - (11 / 27)

    [4] - هذا الكلام من أبطل الباطل بحيث يخالف النصوص فعن ابن عمر عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم وأخرجه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لا يحل لامرأة ٍ تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليالٍ إلا ومعها ذو محرم رواه البخاري ومسلم وأبى داود
    وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عند مسلم والترمذي .أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني : صحيح
    وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم . قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقال الشيخ الألباني : صحيح
    وعن أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي: أَنْ لاَ تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصى متفق عليه
    وعَنه أيضاً قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ زَوْجُهَا ». رواه مسلم وابن ماجه
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ) . فقال رجل يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج ؟ . فقال ( اخرج معها ) رواه البخاري ومسلم

    [5] - هذه الفتوى تشبه فتوى للقرضاوى وإليك نصها
    س: امرأة وجب عليها الحج، وهي صحيحة الجسم، لديها المال الكافي لنفقات حجها ولكن لم يتيسر لها زوج أو محرم تحج معه . فهل يجوز لها أن تحج في رفقة بعض المسلمين أو المسلمات، مع ملاحظة أن الطرق الآن أصبحت آمنة، ولم يعد في السفر مخاطرة كما كان من قبل ؟ أم يجب عليها تأخير الحج إلى أن يتهيأ لها المحرم ؟
    ج: الأصل المقرر في شريعة الإسلام ألا تسافر المرأة وحدها، بل يجب أن تكون في صحبة زوجها، أوذي محرم لها.
    ومستند هذا الحكم ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ".
    وعن أبي هريرة مرفوعًا: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم " (رواه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة).
    وعن أبي سعيد عنه - صلى الله عليه وسلم -: " لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذي محرم ". (رواه الشيخان في رواية لهما عن أبي سعيد).
    وعن ابن عمر: " لا تسافر ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم ". (متفق عليه من حديث ابن عمر).
    والظاهر أن اختلاف الروايات لاختلاف السائلين وسؤالهم، فخرجت جوابًا لهم، غير أن أبا حنيفة رجح حديث ابن عمر الأخير، ورأى أن لا يعتبر المحرم إلا في مسافة القصر . وهو رواية عن أحمد.
    وهذه الأحاديث تشمل كل سفر، سواء كان واجبًا كالسفر لزيارة أو تجارة أو طلب علم أو نحو ذلك.
    وليس أساس هذا الحكم سوء الظن بالمرأة وأخلاقها، كما يتوهم بعض الناس، ولكنه احتياط لسمعتها وكرامتها، وحماية لها من طمع الذين في قلوبهم مرض، ومن عدوان المعتدين من ذئاب الأعراض، وقطاع الطرقات، وخاصة في بيئة لا يخلو المسافر فيها من اجتياز صحار مهلكة، وفي زمن لم يسد فيه الأمان، ولم ينتشر العمران.
    ولكن ما الحكم إذا لم تجد المرأة محرمًا يصحبها في سفر مشروع: واجب أو مستحب أو مباح ؟ وكان معها بعض الرجال المأمونين، أو النساء الثقات، أو كان الطريق آمنًا.
    لقد بحث الفقهاء هذا الموضوع عند تعرضهم لوجوب الحج على النساء . مع نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تسافر المرأة بغير محرم.
    ( أ ) فمنهم من تمسك بظاهر الأحاديث المذكورة، فمنع سفرها بغير المحرم، ولو كان لفريضة الحج، ولم يستثن من هذا الحكم صورة من الصور.
    ( ب ) ومنهم من استثنى المرأة العجوز التي لا تشتهي، كما نقل عن القاضي أبي الوليد الياجي، من المالكية، وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، كما قال ابن دقيق العيد، يعني مع مراعاة الأمر الأغلب فتح الباري 4|447.
    ( ج ) ومنهم من استثنى من ذلك ما إذا كانت المرأة مع نسوة ثقات . بل اكتفى بعضهم بحرة مسلمة ثقة.
    ( د ) ومنهم من اكتفى بأمن الطريق . وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية . ذكر ابن مفلح في (الفروع) عنه قال: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة .. ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع . وقال بعض أصحابه فيه وفي كل سفر غير واجب كزيارة وتجارة. (انظر: الفروع 3\236- 237 ).
    ونقل الأثرم عن الإمام أحمد: لا يشترط المحرم في الحج الواجب . وعلل ذلك بقوله: لأنها تخرج مع النساء، ومع كل من أمنته.
    بل قال ابن سيرين: مع مسلم لا بأس به.
    *و قال الأوزاعي: مع قوم عدول.
    *و قال مالك: مع جماعة من النساء.
    *و قال الشافعي: مع حرة مسلمة ثقة . وقال بعض أصحابه: وحدها مع الأمن. (الفروع 3\ 235 – 236 ).
    قال الحافظ ابن حجر: والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات . وفي قول: تكفي امرأة واحدة ثقة . وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المهذب تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنًا.
    وإذا كان هذا قد قيل في السفر للحج والعمرة، فينبغي أن يطرد الحكم في الأسفار كلها، كما صرح بذلك بعض العلماء (فتح الباري 4 \ 447، ط. مصطفى الحلبي) . لأن المقصود هو صيانة المرأة وحفظها وذلك متحقق بأمن الطريق، ووجود الثقات من النساء أو الرجال.
    والدليل على جواز سفر المرأة من غير محرم عند الأمن ووجود الثقات :
    أولأً: ما رواه البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن، فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك . وهذا يعتبر إجماعًا.
    ثانيًا: ما رواه الشيخان من حديث عدي بن حاتم، فقد حدثه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مستقبل الإسلام وانتشاره، وارتفاع مناره في الأرض. فكان مما قال: " يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة (بالعراق) تؤم البيت لا زوج معها، لا تخاف إلا الله ." ([5]) وهذا الخبر لا يدل على وقوع ذلك فقط، بل يدل على جوازه أيضًا، لأنه سبق في معرض المدح بامتداد ظل الإسلام وأمنه.
    هذا ونود أن نضيف هنا قاعدتين جليلتين :
    أولأً: أن الأصل في أحكام العادات والمعاملات هو الالتفات إلى المعاني والمقاصد بخلاف أحكام العبادات، فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد . كما قرر ذلك الإمام الشاطبي ووضحه واستدل له.
    الثانية: إن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة . ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدًا للذريعة.
    كما يجب أن نضيف أن السفر في عصرنا، لم يعد كالسفر في الأزمنة الماضية، محفوفًا بالمخاطر لما فيه من اجتياز الفلوات، والتعرض للصوص وقطاع الطرق وغيرهم.
    بل أصبح السفر بواسطة أدوات نقل تجمع العدد الكثير من الناس في العادة، كالبواخر والطائرات، والسيارات الكبيرة، أو الصغيرة التي تخرج في قوافل . وهذا يجعل الثقة موفورة، ويطرد من الأنفس الخوف على المرأة، لأنها لن تكون وحدها في موطن من المواطن.
    ولهذا لا حرج أن تحج مع توافر هذا الجو الذي يوحي بكل اطمئنان وأمان.
    وبالله التوفيق . فتاوى معاصرة - (1 / 285)

    [6] - فإنّ استدلال كلام الإمام ابن القيم في غاية البطلان وذلك المراد بقوله كافر من الكفار المعاندين سمع رسول الله ولم يدخل في الإسلام وأنكر الحق الذي جاء به عناداً وكرهاً وبغضاً ولم يؤمن بالله ولا رسوله ولا الملائكة ولا..... أوأنكر الإسلام تقليداً لأهل العناد وجهلاً فحكم الإمام ابن القيم هؤلاء ولم يتطرق في مسلم أتى ببعض مظاهر الشرك جهلاً منه .فقال رحمه الله : والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عناداً أو جهلا وتقليداً لأهل العناد فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد وقد أخبر الله في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار وأن الأتباع مع متبوعهم وأنهم يتحاجون في النار وأن الأتباع يقولون ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقال تعالى وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون نا نصيباً من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد وقال تعالى ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا فهذا إخبار من الله وتحذير بأن المتبوعين والتابعين اشتركوا في العذاب ولم يغن عنهم تقليدهم شيئاً . طريق الهجرتين - (1 / 608)


    [7] - تفسير الطبري - (1 / 167) - (2 / 510) - (11 / 374) - (12 / 211) - (21 / 373) - (17 / 402)

    [8] - تفسير ابن كثير (4 / 477) - (6 / 593) - (7 / 96)

    [9] - تفسير القرطبي- (3 / 286) - (6 / 419) - (8 / 22)- (8 / 204) - (9 / 93) - (11 / 132)
    - (12 / 146) - (18 / 201)

    [10] - فتح القدير - (2 / 382)- (3 / 173)- (3 / 214) - (4 / 223) - (4 / 383) - (5 / 259)

    [11] - روح المعاني - (4 / 3)- (13 / 132) - (23 / 80)

    [12] - أحكام القرآن للجصاص - (2 / 298) - (4 / 273)


    [13] - مجموع الفتاوى - (4 / 108) - (8 / 508) - (11 / 679) - (12 / 466) - (12 / 501) - (14 / 333) - (16 / 486) - (16 / 507) - (16 / 509) - (27 / 238) - (27 / 307) منهاج السنة النبوية - (5 / 174) - (3 / 117) درء تعارض العقل والنقل - (3 / 388)

    [14] - طريق الهجرتين - (611)

    [15] - تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب - (100)

    [16] - تيسير العزيز الحميد - (302) كشف الأوهام والإلتباس - (159) الجواب الصحيح - (1 / 245)

    [17] - مجموع الفتاوى - (12 / 466) - (12 / 501) الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (2 / 147)
    درء تعارض العقل والنقل - (3 / 319)

    [18] - اللباب في علوم الكتاب - (3 / 479) فتح القدير - (3 / 173)


    [19] - مجموع الفتاوى - (1 / 112) مجموع الفتاوى - (1 / 113) مجموع الفتاوى - (3 / 229) مجموع الفتاوى - (28 / 501) مجموع الفتاوى - (11 / 303)
    مجموع الفتاوى - (35 / 99) مجموع الفتاوى - (5 / 306)



    [20] - الإحكام - - (1 / 134) - (2 / 215) (4 / 561) - (5 / 70) - (6 / 298) - (7 / 353) توجيه النظر إلى أصول الأثر - (2 / 899)

    [21] - مناهج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع - (1 / 79)

    [22] - مجموع الفتاوى - (12 / 487)مجموع الفتاوى - (35 / 99) الفتاوى الكبرى - (3 / 474) الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (2 / 210) الرد على البكري - (2 / 731)


    [23] - فتح الباري 13/418، وانظر الإيمان الأوسط 80.

    [24] - الأحكام في أصول الأحكام 1/133.

    [25] - نقل القاسمي عنه كما في محاسن التأويل 5/1307.

    [26] - مجموع الفتاوى - (1 / 112)
    1. - مجموع الفتاوى - (28 / 501)
    1. - مجموع الفتاوى - (3 / 231)
    1. - مجموع الفتاوى - (35 / 165)

    [30] - مجموع الفتاوى - (3 / 229) مجموع الفتاوى - (6 / 60) مجموع الفتاوى - (19 / 208) مجموع الفتاوى - (20 / 33)
    1. - مجموع الفتاوى - (20 / 165)
    1. - مجموع الفتاوى - (12 / 180)
    1. - مجموع الفتاوى - (23 / 346)

    [34] - الروضة الندية 2/291.

    [35] - سعة رحمة رب العالمين ص36 عن شريط مسجل للسيخ الألباني
    1. - مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (2 / 126)

    1. - مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (2 / 130)


    [38] - فتاوى نور على الدرب - لابن عثيمين - (14 / 47)

    [39] - فتاوى نور على الدرب - لابن عثيمين - (14 / 49)

    [40] - الشرح الممتع على زاد المستقنع - (2 / 13)

    [41] - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (18 / 42)

    [42] - فتاوى في العقيدة والمنهج ( الحلقة الأولى )
يعمل...
X