الدَّعوَةُ السَّلفيَّّة (وَخصوصاً في دمّاج)
لا تَعرِف العَصرنة والتواكب مع التغيُّرات المنفلتة من قيود الشرع الحنيف .
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله والصّلاة والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد : لا تَعرِف العَصرنة والتواكب مع التغيُّرات المنفلتة من قيود الشرع الحنيف .
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
فإنَّ الناس قد ابتلوا بفتن الشهوات والشبهات قال تعالى : {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }آل عمران179 ، وقال تعالى : (( الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3} )) العنكبوت .
هذه وغيرها تقرر أنَّ الفتنة حاصلة وهي أمر كوني أراده الله ليمتحن عباده وينظر الصادق منهم من الكاذب. وفي خضمَّ هذه الفتن تواجه دعوة الله تعالى – أعني الدّعوة السلفيَّة – الفتنة تلو الأخرى ويحاول أعداء الله – على اختلاف مشاربهم – أن ينالوا منها ولكن هيهات !.
وقد تأثر بعض من لانت عريكته السلفيّة ومن – من قبل – تتولد في نفسه حساسيّة مفرطة ممّا عليه الدعوة السلفيّة من الصفاء والنقاء والتصفية والتربية، فدفعه ذلك إلى التنكر لهذه الثوابت وتلك الأصول التي من خالفها فكبّر عليه أربعاً، فلم يستطع أولئك الذين تأثروا بضغط الجو العصري إلا أن يبرهنوا لتواكبهم هذا بإدخال هذه المخالفات إلى الدين وجعلها من المسائل الخلافيّة التي يسوغ فيها الاختلاف عند أهل السُّنّة – بالرغم من تظافر النصوص القاضية بالتحريم – واستخدموا تلك الجُنَّة القائلة ( لا إنكار في مسائل الخلاف ) هكذا على إطلاقها دون تحرير لما يسوغ فيه الاختلاف وما لا يسوغ وقد لجؤوا إلى ليِّ أعناق الأدلّة – وهيهات – ليعطوا هذه المخالفات الصبغة السلفيّة وقد أساؤوا لكثير ممّن يتبعهم بغير نور ولا هدى ولا حجّة بالغة.
ومن هذه المسائل قولهم :
1 - إنَّ الجمعيّات ممّا ينظم العمل الدعوي الجماعي والسيطرة على الجهود تحت ستار قوله تعالى : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2 ، ونحن لا ننكر عليهم التنظيم الشرعي للعمل الدعوي وإنّما ننكر عليهم الحزبيّة التي هي ولاء وبراء ضيّق وهي ما جاءت النصوص بدحرها وعدم جوازها وهي ليست من المسائل الاجتهاديّة بل محرّمة شرعاً وعقلاً .
2 – القول بجواز الانتخابات وأنّها من المسائل الاجتهاديّة مع تظافر النصوص التي تقضي بالتحريم القطعي الذي لا مرية فيه، فهي لا تجوز بتاتاً لا لضرورة ولا لغيرها لإنها داخلة ضمن إطار الشرك بالله والكفر ولإنها قائمة على الديمقراطيّة ورأي الأغلبيّة على اختلاف اعتقادهم ومشربهم .
3 – القول بجواز الاختلاط وأنّه من المسائل الاجتهاديّة وهذا كسابقه منقوض بتظافر النصوص القاضية بالتحريم وقد أعجبتني كلمة للعلامة الألباني – رحمه الله – حيث قال : قال السائل: كما في "سلسلة الهدى والنور", الشريط رقم «79» سؤال رقم «7». شيخنا: بعض الجامعات في الخارج فيها نوعٌ من الاختلاط, هل يجوز للواحد أن يدرس أو يُدرِّس فيها, أو العمل في هذه الجامعات؟.
فأجاب – رحمه الله -: لا أرى ذلك, لا يجوز, لا أن يَدرس, ولا أن يُدرس !!.
فقال قائلٌ: ما يحتاج تفصيل, إذا كان الشخص سينفع الله به؟.
فقال الشيخ –رحمه الله-: ما يحتاج الأمر –بارك الله فيك إلى تفصيل, لأنه مسلم مكلفٌ عن نفسه, قبل غيره, إذا استطاع أحدنا أن يعطينا ضماناً أن هذا المدرس الذي ينفع الله به, لا يتضرر هو في حشره نفسَه في ذلك المجتمع الخليط, لا يتأثر, فهو كما تقول, لكن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام, كما في الصحيح: «ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» «1» . متفق عليه : البخاري (6011) ومسلم (2586) , عن النعمان بن البشير رضي الله عنه . لذلك ما أنصح من يخشى الله أن يورط نفسه, وأن يدخل هذه المداخل, انجُ بنفسك: ﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم﴾. الحقيقة أنا أعرف هذا الرأي لكثيرين من الدعاة الإسلاميين, وأعتبر هذا من ضغط الجو العصري الحاضر اليوم وفتنته.اهـ
قلت : بقيت مسألة وهي : لماذا لمّا يفتي عبيد الجابري بجواز الدخول في الانتخابات والاختلاط والجمعيات من أجل الدّعوة إذا كان البلد لا يسمح بالدعوة إلا عن طريق الجمعيات لا ينكر عليه وغيره من المنحرفين ينكر عليه هل المسائل الشرعيّة – من حيث الحِلِّ والحُرمة – تختلف من شخص إلى آخر ؟!
وهل القواعد السلفيَّة تطبّق على شخص دون آخر؟
ولماذا لمّا طعن عبد الله البخاري المذعور في الشيخ مقبل الوادعي وداره العامرة بدمّاج لا ينكر عليه وإذا طعن غيره يقال فلان منحرف ؟!
أليس المطعون فيه واحد أم أنَّ المدافع عن البخاري يوافقه على طعوناته في الشيخ مقبل الوادعي ؟!
كل هذه الفرى والكذبات والفجور في الدعوة السلفيّة في اليمن – وفي غيرها – لا نرى من بعض من ينتسب إلى المنهج الحق صوت نكير أو نصرةً للحق الأبلج الذي لا يتنكّر له إلا صاحب هوى له مآرب خفيّة لضرب الدعوة السلفيّة .
فالقواعد السلفيّة والأصول المنهجيّة تتناول كل من حاد عن الجادة – من حيث التطبيق – ولا تطبّق على أشخاص دون آخرين فالحق واحد لا يتعدد والجري خلف مصالح العباد التي تصادم نصوص الشريعة ممّا يذمُّ إذ أنَّ الدين هو المصلحة العليا التي يعوّل عليها ولا يجوز أن يكون الأصل الذي هو الدين تابع للفرع الذي هو المصالح "وذلك لأن الدين أصل، والمصلحة فرع عنه، فلا يصح أن يكون الدين تابعا لمصالح الناس وأهوائهم، بل تسير المصالح تحت سلطانه ومقاصده، فمصلحة الدين أساس للمصالح الأخرى ومقدمة عليها، فيجب التضحية بما سواها مما قد يعارضها من المصالح الأخرى، إبقاءً لها وحفاظاً عليها، وبناءً على هذا الضابط يجب إلغاء كل ما يعارض مصلحة الدين([1])."
هذا بإيجاز ما أردت التذكير به نصرةً للمنهج السلفي وأهلة ونصرة لإخواننا المستهدفين في دار الحديث القلعة السلفيّة بدمّاج حرسها الله من كيد الأعادي.
27 رجب الثلاثاء 1432 هـ
العراق – صلاح الدين
العراق – صلاح الدين
([1]) انظر مقاصد الشريعة الإسلامية (ص392-393) لمحمد بن سعد اليوبي.