إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خطبة صلاة الجمعة //خطورة القول على الله بغير علم // لفضيلة الشيخ سليم الهلالي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خطبة صلاة الجمعة //خطورة القول على الله بغير علم // لفضيلة الشيخ سليم الهلالي

    ظاهرة عمت وطمت؛ حيث تجرأ كثير من الناس في مجتمعاتنا سواء في مجالسهم أو وسائل إعلامهم أو ندواتهم أو مؤتمراتهم على القول على الله بلا علم، بحجة المناقشة والحوار والرأي الآخر وحرية التعبير، وهم في الوقت نفسه يفتقدون أي علم شرعي يؤهلهم لذلك، ولكن غاب عنهم خطورة هذه الظاهرة وأنها أشد من الشرك بالله.
    قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون} [الأعراف: 33].
    قال الإمام ابن قيم الجوزية –رحمه الله- في «إعلام الموقعين» (1/38): «فرتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها، وهو: الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً منه؛ وهو: الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منهما؛ وهو: الشرك به –سبحانه-، ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله؛ وهو: القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه».
    فإن قال قائل: كيف يكون القول على الله بغير علم أشد ضرراً من الشرك بالله؟
    فالجواب:
    أ- أن أصل قاعدة الضلال في العالم ومنشأ الشرك؛ هو: القول على الله بغير علم.
    ب- ضرر الشرك قد يكون واقعاً على المشرك نفسه، ولا يتعدى إلى غيره ما لم يكن داعية، وأما ضرر القول على الله بغير علم يتعدى للآخرين.
    دخل الإمام مالك -رحمه الله- على شيخه ربيعة الرأي؛ فوجده يبكي فقال: ما يبكيك؟ أمصيبة نزلت بك! قال: لا، ولكن استفتي من لا علم عنده! ووقع في الإسلام أمر عظيم، ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق!
    ت- القول على الله بغير علم افتراء على الله، وكذب عليه؛ وتأسيس لدين غير دينه، وطمس لمعالم منهجه، ولذلك كله جاء تأكيد هذا الأمر في عدة آيات:
    1- {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون} [النحل: 116].
    2- {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِين} [الأنعام: 140].
    3- {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُون} [يونس: 59].
    ومستند هذا –أيضاً- ما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».
    وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حذراً في هذا الباب وأبعد الناس عن القول على الله بغير علم.
    * قال أبو بكر الصديق: «أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا أنا قلت في كتاب الله بغير علم».
    * عن الشعبي، عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- قال: أنه خَرَج علينا وهو يقول: ما أبردها على الكبد! ما أبردها على الكبد!
    فقيل له: وما ذلك؟ قال: أن تقول للشيء لا تعلمه: الله أعلم.
    * قال عبد الله بن عباس: إن من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون.
    * قال عبد الله بن مسعود: إن من العلم أن تقول لما لا نعلم: الله أعلم؛ قال الله لنبيه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِين} [ص: 86].
    * عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا ذات يوم عند مالك بن أنس، فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله! جئتك من مسيرة ستة أشهر, حملني أهل بلدي مسألة لأسألك عنها.
    فقال: سل. فسأله عن مسألة، قال: لا أحسنها.
    فبهت الرجل؛ كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء.
    فقال: فأي شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت لهم؟
    قال: تقول لهم: قال مالك: لا أحسن لا.
    هذا يدل على خطورة القول على الله بغير علم؛ لأنه:
    1- تشريع في دين الله ما لم يأذن به الله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
    ولنضرب على ذلك مثالاً:
    الحاكم الذي يعطل حد الزنى مثلاً يراه الناس مجرماً ومفترياً على الله، وهو في الواقع كذلك، لكنه لم يحل الزنى، ويبيح البغاء.
    لكن أليس الذي يروج للمتعة، ويدع الشباب لممارستها، ويزعم: أنها دين الأئمة .. أليس هذا يبيح الزنى ويروّج للرذيلة؟!
    - أليس الذي يبيح للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها، دون ولي وشاهدي عدل ويعقد عليها يبيح الزنى.
    - أليس الذي يبيح زواج التحليل أو ما يسمى بـ (التجحيش) يبيح الزنى.
    - لماذا ثار الناس على ذلك الحاكم الجائر وسكتوا عن هؤلاء المفتين..؟!
    الجواب: لأن هؤلاء خدَّروا الناس؛ فنسبوا هذه الفتاوى إلى الله، وأنها من شرعه ودينه.
    إذن فمن أشد ضرراً وأعظم خطراً على المجتمع.
    أليس هؤلاء الذين يقولون على الله بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير؟!
    2- اتباع لخطوات الشيطان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون} [البقرة: 168و169].
    3- اعتداء على حدود الله:
    - {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1].
    - {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} [البقرة: 229].
    - {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِين} [النساء: 14].
    1- الكفار، فالكافر ليس أهلاً لتصديقه، أو تلقي الأخبار من جهته؛ إلا بعد تحر دقيق وتفتيش وتوثيق.
    ومستند هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمين} [الحجرات: 6].
    فإذا خبر المسلم الفاسق لا يقبل إلا بعد مراجعة وتبين وتثبت، فخبر الكافر الملي من باب أولى!
    2- أهل البدع والأهواء؛ حيث شرعوا ديناً لم يأذن به الله، وسلكوا طريقاً لم يسلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فأمرهم مردود وهم مخذولون؛ كما في «الصحيحين» من حديث عائشة –رضي الله عنها-، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه؛ فهو ردّ».
    وأصناف القائلين على الله بغير على كثيرة؛ منهم:
    3- أصحاب الحيل الذين يبيحون ما حرم الله بالحيل، أو يخرجون من الحقوق الشرعية الواجبة عليهم بالحيل، وفقه الحيل هو السائد الآن في ما يسمى البنوك الإسلامية إلا من رحم الله.
    وهذا الفقه هو إتباع لسنن بني إسرائيل؛ كما في قصة القرية التي كانت حاضرة البحر: {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون} [الأعراف: 163]؛ وكما ثبت أن الله عندما حرم شحوم الميتة على اليهود أذابوها وجملوها ثم باعوها، كما عند البخاري من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح -وهو بمكة-: «إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام». فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؛ فإنّه يطلى بها السّفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها النّاس؟ فقال: «لا، هو حرام». ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «قاتل الله اليهود؛ إنّ الله -عز وجل- لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه».
    4- الذين ينشرون الأحاديث المكذوبة والباطلة والتي لا أصل لها وينسبونها لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: «من كذب علي متعمداً؛ فليتبوأ مقعده من النار» [متواتر].
    والقائل: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع» [أخرجه مسلم].
    والقائل: «من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين».
    فحذار حذار من نشر حديث لا تعلم أصله وفصله وهل قاله رسول الله أم لا.
    وإياك أن تخدع؛ فيقال لك: الأحاديث الضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال.
    وتذكر قول الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك –رحمه الله-: «في الصحيح ما يغني عن الضعيف».
    5- القصاصون الذين يأتون بالقصص المكذوبة والروايات المنحولة؛ لترغيب الناس وترهيبهم، أو إرضاء للعوام، وكثير منهم يستخف بعقول الناس؛ لأن الناس لا يراجعون بعده، ولا يسألون.
    كان قصاص في بغداد يقص ويجتمع عليه الناس، فقال له صاحبه وهو يحاوره: ألا تخاف أن يكتشفك هؤلاء الناس؟
    قال له: إن كل ما ترى هم بقر وليسوا بشراً!
    قال له: كيف؟ لا يعقل إنهم رجال ذوي لحى وشوارب.
    قال له: إذا حضرت المجلس القادم بينت لك ذلك، فإن الجواب ما تراه لا تسمعه.
    فلما جاء الموعد واجتمع الناس ليسمعوا؛ قال ذلك القَصّاص: حدثنا عطية بن الهمشرية عن الحارق الخارق بن النواحة، عن عبد الله بن أبي فرقعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لعق أرنبة أنفه بلسانه دخل الجنة»، فإذا بأهل المجلس كلهم يحاولون لحس أنوفهم بألسنتهم!! فقال القصاص لصاحبه: ألم أقل لك إنهم بقر، فمن الذي يلحس أنفه بلسانه أهم البقر أم البشر؟!
    6- الإعلاميون الجهلة الذين ينسبون إلى القرآن آيات ليست منه: ثلاثة ممن يعدون من كبار الإعلاميين في العالم العربي، أحدهم دكتور في العلوم السياسية، والآخر في الاقتصاد، والثالث صاحب قناة فضائية دكتور في اللغة العربي ويدعي أنه يحفظ القرآن؛ استدل دكتور العلوم السياسية قائلاً كما قال الله تعالى: {الأقربون أولى بالمعروف} هكذا قال! ولم يعترض أحد!! ولما اتصل بهم أحد طلاب العلم؛ لينبههم: أخذتهم العزة بالإثم، وراحوا يتهمونه بالتعصب، وعدم احترام الرأي والرأي الآخر، مع أنهم افتروا على الله، وكذبوا على كتاب الله، فإن هذه المقولة ليست آية، وليست حديثاً، ولا قولاً مأثوراً معتبراً!!
    وهكذا يكون الإعلام الذي يدعي أنه ينصر الإسلام، وهؤلاء هم أهله الذين يناقشون قضايا الأمة المصيرية، ويفتون في قضايا لو عرضت على الفاروق بجمع لها أهل بدر –رضي الله عنهم-.
    تصدر للتدريس كل مهوّس بليد تسمى بالفقيه المدرس
    فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس
    لقد هزلت حتى بدا من هُـزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس
    للاستماع والتحميل:

يعمل...
X