أبو المغيرة أسد بن الفرات
الإمام العلامة القاضي الأمير ، مقدم المجاهدين ، أبو عبد الله الحراني ، ثم المغربي .
مولده بحران سنة أربع وأربعين ومائة قاله ابن ماكولا . وقال غيره : سنة خمس .
ودخل القيروان مع أبيه في الجهاد ، وكان أبوه الفرات بن سنان من أعيان الجند .
روى أسد ، عن مالك بن أنس " الموطأ " ، وعن يحيى بن أبي زائدة ، وجرير بن عبد الحميد ،
وأبي يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن . وغلب عليه علم الرأي ، وكتب علم أبي حنيفة .
أخذ عنه شيخه أبو يوسف ، وقيل : إنه تفقه أولا على الإمام علي بن زياد التونسي .
قيل : إنه رجع من العراق ، فدخل على ابن وهب ، فقال : هذه كتب أبي حنيفة ، وسأله أن يجيب
فيها على مذهب مالك ، فأبى ، وتورع ، فذهب بها إلى ابن القاسم ، فأجابه بما حفظ عن مالك ، وبما
يعلم من قواعد مالك ، وتسمى هذه المسائل الأسدية .
وحصلت بإفريقية له رياسة وإمرة ، وأخذوا عنه ، وتفقهوا به .
وحمل عنه سحنون بن سعيد ، ثم ارتحل سحنون بالأسدية إلى ابن القاسم ، وعرضها عليه ، فقال
ابن القاسم : فيها أشياء لا بد أن تغير ، وأجاب عن أماكن ، ثم كتب إلى أسد بن الفرات : أن
عارض كتبك بكتب سحنون . فلم يفعل ، وعز عليه ، فبلغ ذلك ابن القاسم ، فتألم ، وقال : اللهم لا
تبارك في الأسدية ، فهي مرفوضة عند المالكية .
قال أبو زرعة الرازي : كان عند ابن القاسم نحو ثلاثمائة جلد مسائل عن مالك ، وكان أسد من أهل
المغرب سأل محمد بن الحسن عن مسائل ، ثم سأل ابن وهب ، فلم يجبه ، فأتى ابن القاسم ، فتوسع
له ، وأجاب بما عنده عن مالك وبما يراه ، قال : والناس يتكلمون في هذه المسائل .
قال عبد الرحيم الزاهد : قدم علينا أسد ، فقلت : بم تأمرني ؟ بقول مالك ، أو بقول أهل العراق ؟
فقال : إن كنت تريد الآخرة ، فعليك بمالك .
وقيل : نفدت نفقة أسد وهو عند محمد ، فكلم فيه الدولة ، فنفذوا إليه عشرة آلاف درهم .
وقد كان أسد ذا إتقان ، وتحرير لكتبه ، لقد بيعت كتب فقيه ، فنودي عليها : هذه قوبلت على كتب
الإفريقي ، فاشتروها ورقتين بدرهم .
وعن ابن القاسم ، أنه قال لأسد : أنا أقرأ في اليوم والليلة ختمتين ، فأنزل لك عن ختمة - يعني
لاشتغاله به .
قال داود بن أحمد : رأيت أسدا يعرض التفسير ، فقرأ : (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني )فقال :
ويل أم أهل البدع ، يزعمون أن الله خلق كلاما ، يقول : أنا .
قلت : آمنت بالذي يقول : إني أنا الله ، وبأن موسى كليمه سمع هذا منه ، ولكني لا أدري كيف تكلم الله ؟
مضى أسد أميرا على الغزاة من قبل زيادة الله الأغلبي متولي المغرب ، فافتتح بلدا من جزيرة صقلية
وأدركه أجله هناك في ربيع الآخر ، سنة ثلاث عشرة ومائتين .
وكان مع توسعه في العلم فارسا بطلا شجاعا مقداما ، زحف إليه صاحب صقلية في مائة ألف
وخمسين ألفا . قال رجل : فلقد رأيت أسدا وبيده اللواء يقرأ سورة " يس " ، ثم حمل بالجيش ،
فهزم العدو ، ورأيت الدم وقد سال على قناة اللواء وعلى ذراعه .
ومرض وهو محاصر سرقوسية . ولما ولاه صاحب المغرب الغزو ، قال : قد زدتك الإمرة ، وهي
أشرف ، فأنت أمير وقاض .
سيرأعلام النبلاء مجلد١٠ صفحة ٢٢٥