سنة اربع وسبعين من الهجرة
عبد الله بن عمر
ابن الخطاب القرشي العدوي . أبو عبد الرحمن المكي ثم المدني أسلم قديما مع أبيه ولم يبلغ الحلُم وهاجرا وعمره عشر سنين ، وقد استصغر يوم أحد ، فلما كان يوم الخندق أجازه وهو ابن خمس عشرة سنة فشهدها وما بعدها ، وهو شقيق حفصة بنت عمر أم المؤمنين ، أمهما زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون .
وكان عبد الله بن عمر ربعة من الرجال آدم له جمة تضرب إلى منكبيه جسيما يخضب بالصفرة ويحفى شاربه ، وكان يتوضأ لكل صلاة ويدخل الماء في أصول عينيه ، وقد أراده عثمان على القضاء فأبى ذلك ، وكذلك أبوه ، وشهد اليرموك والقادسية وجلولاء وما بينهما من وقائع الفرس ، وشهد فتح مصر ، واختط بها دارا ، وقدم البصرة وشهد غزو فارس وورد المدائن مرارا وكان عمره يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين وعشرين سنة ، وكان إذا أعجبه شيء من ماله يقربه إلى الله عز وجل ، وكأن عبيده قد عرفوا ذلك منه ، فربما لزم أحدهم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه ، فيقال له : إنهم يخدعونك ، فيقول : من خدعنا لله انخدعنا له ، وكان له جارية يحبها كثيرا فأعتقها وزوجها لمولاه نافع ، وقال : إن الله تعالى يقول : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } .
واشترى مرة بعيرا فأعجبه لما ركبه فقال : يا نافع أدخله في إبل الصدقة ، وأعطاه ابن جعفر في نافع عشرة آلاف فقال : أو خيرا من ذلك ؟ هو حر لوجه الله ، واشترى مرة غلاما بأربعين ألفا وأعتقه فقال الغلام : يا مولاي قد أعتقتني فهب لي شيئا أعيش به فأعطاه أربعين ألفا ، واشترى مرة خمسة عبيد فقام يصلى فقاموا خلفه يصلون فقال : لمن صليتم هذه الصلاة ؟ فقالوا : لله ! فقال : أنتم أحرار لمن صليتم له ، فأعتقهم .
والمقصود أنه ما مات حتى أعتق ألف رقبة ، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفا ، وكانت تمضى عليه الأيام الكثيرة والشهر لا يذوق فيه لحما إلا وعلى يديه يتيم ، وبعث إليه معاوية بمائة ألف لما أراد أن يبايع ليزيد ، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء ، وكان يقول : إني لا أسأل أحدا شيئا وما رزقني الله فلا أرده .
وكان في مدة الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه ، وأدى إليه زكاة ماله ، وكان أعلم الناس بمناسك الحج ، وكان يتتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلي فيها ، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة وكان ابن عمر يتعاهدها ويصب في أصلها الماء ، وكان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا تلك الليلة ، وكان يقوم أكثر الليل ، وقيل : إنه مات وهو في الفضل مثل أبيه ، وكان يوم مات خير من بقي ، ومكث ستين سنة يفتي الناس من سائر البلاد ، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ، وروى عن الصديق وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود وحفصة وعائشة وغيرهم .
وعنه خلق منهم بنوه حمزة وبلال وزيد وسالم وعبد الله وعبيد الله وعمر إن كان محفوظ ، وأسلم مولى أبيه وأنس بن سيرين والحسن وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وطاووس وعروة وعطاء وعكرمة ومجاهد وابن سيرين والزهري ومولاه نافع .
وثبت في الصحيح عن حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن عبد الله رجل صالح لو كان يقوم الليل » . وكان بعد يقوم الليل ، وقال ابن مسعود : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا ابن عمر .
وقال جابر : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها ، إلا ابن عمر ، وما أصاب أحد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجاته عند الله وإن كان عليه كريما .
وقال سعيد بن المسيب : مات ابن عمر يوم مات وما من الدنيا أحد أحب أن لقي الله بمثل عمله منه .
وقال الزهري : لا يعدل برأيه فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة ، فلم يخف عليه شيء من أمره ولا من أمر أصحابه رضي الله عنهم .
وقال مالك : بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة وأفتى في الإسلام ستين سنة ، تقدم عليه وفود الناس من أقطار الأرض .
قال الواقدي وجماعة : توفي ابن عمر سنة أربع وسبعين وقال الزبير بن بكار وآخرون : توفي سنة ثلاث وسبعين والأول أثبت ، والله اعلم
البداية والنهاية
عبد الله بن عمر
ابن الخطاب القرشي العدوي . أبو عبد الرحمن المكي ثم المدني أسلم قديما مع أبيه ولم يبلغ الحلُم وهاجرا وعمره عشر سنين ، وقد استصغر يوم أحد ، فلما كان يوم الخندق أجازه وهو ابن خمس عشرة سنة فشهدها وما بعدها ، وهو شقيق حفصة بنت عمر أم المؤمنين ، أمهما زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون .
وكان عبد الله بن عمر ربعة من الرجال آدم له جمة تضرب إلى منكبيه جسيما يخضب بالصفرة ويحفى شاربه ، وكان يتوضأ لكل صلاة ويدخل الماء في أصول عينيه ، وقد أراده عثمان على القضاء فأبى ذلك ، وكذلك أبوه ، وشهد اليرموك والقادسية وجلولاء وما بينهما من وقائع الفرس ، وشهد فتح مصر ، واختط بها دارا ، وقدم البصرة وشهد غزو فارس وورد المدائن مرارا وكان عمره يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين وعشرين سنة ، وكان إذا أعجبه شيء من ماله يقربه إلى الله عز وجل ، وكأن عبيده قد عرفوا ذلك منه ، فربما لزم أحدهم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه ، فيقال له : إنهم يخدعونك ، فيقول : من خدعنا لله انخدعنا له ، وكان له جارية يحبها كثيرا فأعتقها وزوجها لمولاه نافع ، وقال : إن الله تعالى يقول : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } .
واشترى مرة بعيرا فأعجبه لما ركبه فقال : يا نافع أدخله في إبل الصدقة ، وأعطاه ابن جعفر في نافع عشرة آلاف فقال : أو خيرا من ذلك ؟ هو حر لوجه الله ، واشترى مرة غلاما بأربعين ألفا وأعتقه فقال الغلام : يا مولاي قد أعتقتني فهب لي شيئا أعيش به فأعطاه أربعين ألفا ، واشترى مرة خمسة عبيد فقام يصلى فقاموا خلفه يصلون فقال : لمن صليتم هذه الصلاة ؟ فقالوا : لله ! فقال : أنتم أحرار لمن صليتم له ، فأعتقهم .
والمقصود أنه ما مات حتى أعتق ألف رقبة ، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفا ، وكانت تمضى عليه الأيام الكثيرة والشهر لا يذوق فيه لحما إلا وعلى يديه يتيم ، وبعث إليه معاوية بمائة ألف لما أراد أن يبايع ليزيد ، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء ، وكان يقول : إني لا أسأل أحدا شيئا وما رزقني الله فلا أرده .
وكان في مدة الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه ، وأدى إليه زكاة ماله ، وكان أعلم الناس بمناسك الحج ، وكان يتتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلي فيها ، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة وكان ابن عمر يتعاهدها ويصب في أصلها الماء ، وكان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا تلك الليلة ، وكان يقوم أكثر الليل ، وقيل : إنه مات وهو في الفضل مثل أبيه ، وكان يوم مات خير من بقي ، ومكث ستين سنة يفتي الناس من سائر البلاد ، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ، وروى عن الصديق وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود وحفصة وعائشة وغيرهم .
وعنه خلق منهم بنوه حمزة وبلال وزيد وسالم وعبد الله وعبيد الله وعمر إن كان محفوظ ، وأسلم مولى أبيه وأنس بن سيرين والحسن وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وطاووس وعروة وعطاء وعكرمة ومجاهد وابن سيرين والزهري ومولاه نافع .
وثبت في الصحيح عن حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن عبد الله رجل صالح لو كان يقوم الليل » . وكان بعد يقوم الليل ، وقال ابن مسعود : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا ابن عمر .
وقال جابر : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها ، إلا ابن عمر ، وما أصاب أحد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجاته عند الله وإن كان عليه كريما .
وقال سعيد بن المسيب : مات ابن عمر يوم مات وما من الدنيا أحد أحب أن لقي الله بمثل عمله منه .
وقال الزهري : لا يعدل برأيه فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة ، فلم يخف عليه شيء من أمره ولا من أمر أصحابه رضي الله عنهم .
وقال مالك : بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة وأفتى في الإسلام ستين سنة ، تقدم عليه وفود الناس من أقطار الأرض .
قال الواقدي وجماعة : توفي ابن عمر سنة أربع وسبعين وقال الزبير بن بكار وآخرون : توفي سنة ثلاث وسبعين والأول أثبت ، والله اعلم
البداية والنهاية