سنة اربع ومائتين من الهجرة
البداية والنهاية
أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي
وقد أفردنا له ترجمة مطولة في أول كتابنا طبقات الشافعيين ، ولنذكر ههنا ملخصا من ذلك وبالله المستعان .
هو : محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ، القرشي المطلبي .
والسائب بن عبيد أسلم يوم بدر ، وابنه شافع بن السائب من صغار الصحابة ، وأمه أزدية .
وقد رأت حين حملت به كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ، ثم وقع في كل بلد منه شظية .
وقد ولد الشافعي بغزة ، وقيل : بعسقلان ، وقيل : باليمن ، سنة خمسين ومائة .
ومات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع نسبه فنشأ بها وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين ، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر ، وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة .
وقيل : ابن ثماني عشرة سنة .
أذن له شيخه مسلم بن خالد الزنجي ، وعني باللغة والشعر ، وأقام في هذيل نحوا من عشر سنين ، وقيل : عشرين سنة ، فتعلم منهم لغات العرب وفصاحتها ، وسمع الحديث الكثير على جماعة من المشايخ والأئمة ، وقرأ بنفسه الموطأ على مالك من حفظه فأعجبته قراءته وهمته ، وأخذ عنه علم الحجازيين بعد أخذه عن مسلم بن خالد الزنجي .
وروى عنه خلق كثير قد ذكرنا أسماءهم مرتبين على حروف المعجم .
وقرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين ، عن شبل ، عن ابن كثير ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل ، عن الله عز وجل .
وأخذ الشافعي الفقه عن مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما ، عن جماعة من الصحابة ،منهم : عمرو بن علي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم .
وكلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وتفقه أيضا على مالك عن مشايخه ، وتفقه به جماعة قد ذكرناهم ومن بعدهم إلى زماننا في تصنيف مفرد .
وقد روى ابن أبي حاتم ، عن أبي بشر الدولابي ، عن محمد بن إدريس وراق الحميدي ، عن الشافعي : أنه ولي الحكم بنجران من أرض اليمن ، ثم تعصبوا عليه ووشوا به إلى الرشيد أنه يروم الخلافة ، فحمل على بغل في قيد إلى بغداد فدخلها في سنة أربع وثمانين ومائة وعمره ثلاثون سنة .
فاجتمع بالرشيد فتناظر هو ومحمد بن الحسن بين يدي الرشيد ، وأحسن القول فيه محمد بن الحسن ، وتبين للرشيد براءته مما نسب إليه ، وأنزله محمد بن الحسن عنده .
وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنة ، وقيل : بسنتين ، وأكرمه محمد بن الحسن وكتب عنه الشافعي وقر بعير ، ثم أطلق له الرشيد ألفي دينار ، وقيل : خمسة آلاف دينار .
وعاد الشافعي إلى مكة ففرق عامة ما حصل له في أهله وذوي رحمه من بني عمه ، ثم عاد الشافعي إلى العراق في سنة خمس وتسعين ومائة ، فاجتمع به جماعة من العلماء هذه المرة منهم : أحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، والحسين بن علي الكرابيسي ، والحارث بن شريح البقال ، وأبو عبد الرحمن الشافعي ، والزعفراني ، وغيرهم .
ثم رجع إلى مكة ثم رجع إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة ، ثم انتقل منها إلى مصر فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة ، سنة أربع ومائتين .
وصنف بها كتابه الأم وهو من كتبه الجديدة لأنها من رواية الربيع بن سليمان ، وهو مصري .
وقد زعم إمام الحرمين وغيره أنها من القديم ، وهذا بعيد وعجيب من مثله ، والله أعلم .
وقد أثنى على الشافعي غير واحد من كبار الأئمة منهم : عبد الرحمن بن مهدي ، وسأله أن يكتب له كتابا في الأصول فكتب له الرسالة ، وكان يدعو له في الصلاة دائما ، وشيخه مالك بن أنس .
وقتيبة بن سعيد . وقال : هو إمام .
وسفيان بن عيينة ، ويحيى بن سعيد القطان ، وكان يدعو له أيضا في صلاته .
وأبو عبيد ، وقال : ما رأيت أفصح ولا أعقل ولا أورع من الشافعي .
ويحيى بن أكثم القاضي ، وإسحاق بن راهويه ، ومحمد بن الحسن ، وغير واحد ممن يطول ذكرهم وشرح أقوالهم .
وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحوا من أربعين سنة ، وكان أحمد يقول في الحديث الذي رواه أبو داود ، من طريق عبد الله بن وهب ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن شراحيل بن يزيد ، عن أبي علقمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها » .
قال : فعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى ، والشافعي على رأس المائة الثانية .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن نصر بن معبد الكندي - أو العبدي - ، عن الجارود ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما ، اللهم إنك أذقت أولها عذابا ووبالا فأذق آخرها نوالا » .
وهذا غريب من هذا الوجه ، وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني : لا ينطبق هذا إلا على محمد بن إدريس الشافعي . حكاه الخطيب .
وقال يحيى بن معين ، عن الشافعي : هو صدوق لا بأس به .
وقال مرة : لو كان الكذب له مباحا مطلقا لكانت مروءته تمنعه أن يكذب .
وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : الشافعي فقيه البدن ، صدوق اللسان .
وحكى بعضهم عن أبي زرعة أنه قال : ما عند الشافعي حديث غلط فيه . وحكي عن أبي داود نحوه .
وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة - وقد سئل : هل سنَّة لم تبلغ الشافعي ؟ - فقال : لا ! .
ومعنى هذا أنها تارة تبلغه بسندها ، وتارة مرسلة ، وتارة منقطعة كما هو الموجود في كتبه ، والله أعلم .
وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : سميت ببغداد : ناصر السنة .
وقال أبو ثور : ما رأينا مثل الشافعي ولا هو رأى مثل نفسه .
وكذا قال الزعفراني وغيره .
وقال داود بن علي الظاهري في كتاب جمعه في فضائل الشافعي : للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره من : شرف نسبه ، وصحة دينه ومعتقده ، وسخاوة نفسه ، ومعرفته بصحة الحديث وسقمه وناسخه ومنسوخه ، وحفظه الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء ، وحسن التصنيف ، وجودة الأصحاب والتلامذة ، مثل : أحمد بن حنبل في زهده وورعه ، وإقامته على السنة .
ثم سرد أعيان أصحابه من البغاددة والمصريين ، وكذا عدَّ أبو داود من جملة تلاميذه في الفقه : أحمد بن حنبل .
وقد كان الشافعي من أعلم الناس بمعاني القرآن والسنة ، وأشد الناس نزعا للدلائل منهما ، وكان من أحسن الناس قصدا وإخلاصا ، كان يقول : وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلي شيء منه أبدا فأوجز عليه ولا يحمدوني .
وقد قال غير واحد ، عنه : إذا صح عندكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا به ودعوا قولي ، فإني أقول به ، وإن لم تسمعوا مني .
وفي رواية : فلا تقلدوني .
وفي رواية : فلا تلتفتوا إلى قولي .
وفي رواية : فاضربوا بقولي عرض الحائط ، فلا قول لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء .
وفي رواية : خير من أن يلقاه بعلم الكلام .
وقال : لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد .
وقال : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ، ويطاف بهم في القبائل ، وينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام .
وقال البويطي : سمعت الشافعي يقول : عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صوابا .
وقال : إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأنما رأيت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جزاهم الله خيرا ، حفظوا لنا الأصل ، فلهم علينا الفضل .
ومن شعره في هذا المعنى قوله :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة * إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا * وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وكان يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال : مخلوق ، فهو كافر .
وقد روى عن الربيع وغير واحد من رؤوس أصحابه ما يدل على أنه كان يمر بآيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ، على طريقة السلف .
وقال ابن خزيمة : أنشدني المزني وقال أنشدنا الشافعي لنفسه قوله :
ما شئت كان وإن لم أشأ * وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت * ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد * ومنهم قبيح ومنهم حسن
على ذا مننت وهذا خذلت * وهذا أعنت وذا لمتعن
وقال الربيع : سمعت الشافعي ، يقول : أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي .
وعن الربيع قال : أنشدني الشافعي :
قد عوج الناس حتى أحدثوا بدعا * في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسل
حتى استخف بحق الله أكثرهم * وفي الذي حملوا من حقه شغل
وقد ذكرنا من شعره في السنة وكلامه فيها وفيما قال من الحكم والمواعظ طرفا صالحا في الذي كتبناه في أول طبقات الشافعية .
وقد كانت وفاته بمصر يوم الخميس ، وقيل : يوم الجمعة ، في آخر يوم من رجب سنة أربعومائتين ، وعن أربع وخمسين سنة .
وكان أبيض جميلا طويلا مهيبا يخضب بالحناء ، مخالفا للشيعة رحمه الله وأكرم مثواه .
وقد أفردنا له ترجمة مطولة في أول كتابنا طبقات الشافعيين ، ولنذكر ههنا ملخصا من ذلك وبالله المستعان .
هو : محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ، القرشي المطلبي .
والسائب بن عبيد أسلم يوم بدر ، وابنه شافع بن السائب من صغار الصحابة ، وأمه أزدية .
وقد رأت حين حملت به كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ، ثم وقع في كل بلد منه شظية .
وقد ولد الشافعي بغزة ، وقيل : بعسقلان ، وقيل : باليمن ، سنة خمسين ومائة .
ومات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع نسبه فنشأ بها وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين ، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر ، وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة .
وقيل : ابن ثماني عشرة سنة .
أذن له شيخه مسلم بن خالد الزنجي ، وعني باللغة والشعر ، وأقام في هذيل نحوا من عشر سنين ، وقيل : عشرين سنة ، فتعلم منهم لغات العرب وفصاحتها ، وسمع الحديث الكثير على جماعة من المشايخ والأئمة ، وقرأ بنفسه الموطأ على مالك من حفظه فأعجبته قراءته وهمته ، وأخذ عنه علم الحجازيين بعد أخذه عن مسلم بن خالد الزنجي .
وروى عنه خلق كثير قد ذكرنا أسماءهم مرتبين على حروف المعجم .
وقرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين ، عن شبل ، عن ابن كثير ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل ، عن الله عز وجل .
وأخذ الشافعي الفقه عن مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما ، عن جماعة من الصحابة ،منهم : عمرو بن علي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم .
وكلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وتفقه أيضا على مالك عن مشايخه ، وتفقه به جماعة قد ذكرناهم ومن بعدهم إلى زماننا في تصنيف مفرد .
وقد روى ابن أبي حاتم ، عن أبي بشر الدولابي ، عن محمد بن إدريس وراق الحميدي ، عن الشافعي : أنه ولي الحكم بنجران من أرض اليمن ، ثم تعصبوا عليه ووشوا به إلى الرشيد أنه يروم الخلافة ، فحمل على بغل في قيد إلى بغداد فدخلها في سنة أربع وثمانين ومائة وعمره ثلاثون سنة .
فاجتمع بالرشيد فتناظر هو ومحمد بن الحسن بين يدي الرشيد ، وأحسن القول فيه محمد بن الحسن ، وتبين للرشيد براءته مما نسب إليه ، وأنزله محمد بن الحسن عنده .
وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنة ، وقيل : بسنتين ، وأكرمه محمد بن الحسن وكتب عنه الشافعي وقر بعير ، ثم أطلق له الرشيد ألفي دينار ، وقيل : خمسة آلاف دينار .
وعاد الشافعي إلى مكة ففرق عامة ما حصل له في أهله وذوي رحمه من بني عمه ، ثم عاد الشافعي إلى العراق في سنة خمس وتسعين ومائة ، فاجتمع به جماعة من العلماء هذه المرة منهم : أحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، والحسين بن علي الكرابيسي ، والحارث بن شريح البقال ، وأبو عبد الرحمن الشافعي ، والزعفراني ، وغيرهم .
ثم رجع إلى مكة ثم رجع إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة ، ثم انتقل منها إلى مصر فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة ، سنة أربع ومائتين .
وصنف بها كتابه الأم وهو من كتبه الجديدة لأنها من رواية الربيع بن سليمان ، وهو مصري .
وقد زعم إمام الحرمين وغيره أنها من القديم ، وهذا بعيد وعجيب من مثله ، والله أعلم .
وقد أثنى على الشافعي غير واحد من كبار الأئمة منهم : عبد الرحمن بن مهدي ، وسأله أن يكتب له كتابا في الأصول فكتب له الرسالة ، وكان يدعو له في الصلاة دائما ، وشيخه مالك بن أنس .
وقتيبة بن سعيد . وقال : هو إمام .
وسفيان بن عيينة ، ويحيى بن سعيد القطان ، وكان يدعو له أيضا في صلاته .
وأبو عبيد ، وقال : ما رأيت أفصح ولا أعقل ولا أورع من الشافعي .
ويحيى بن أكثم القاضي ، وإسحاق بن راهويه ، ومحمد بن الحسن ، وغير واحد ممن يطول ذكرهم وشرح أقوالهم .
وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحوا من أربعين سنة ، وكان أحمد يقول في الحديث الذي رواه أبو داود ، من طريق عبد الله بن وهب ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن شراحيل بن يزيد ، عن أبي علقمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها » .
قال : فعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى ، والشافعي على رأس المائة الثانية .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن نصر بن معبد الكندي - أو العبدي - ، عن الجارود ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما ، اللهم إنك أذقت أولها عذابا ووبالا فأذق آخرها نوالا » .
وهذا غريب من هذا الوجه ، وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني : لا ينطبق هذا إلا على محمد بن إدريس الشافعي . حكاه الخطيب .
وقال يحيى بن معين ، عن الشافعي : هو صدوق لا بأس به .
وقال مرة : لو كان الكذب له مباحا مطلقا لكانت مروءته تمنعه أن يكذب .
وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : الشافعي فقيه البدن ، صدوق اللسان .
وحكى بعضهم عن أبي زرعة أنه قال : ما عند الشافعي حديث غلط فيه . وحكي عن أبي داود نحوه .
وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة - وقد سئل : هل سنَّة لم تبلغ الشافعي ؟ - فقال : لا ! .
ومعنى هذا أنها تارة تبلغه بسندها ، وتارة مرسلة ، وتارة منقطعة كما هو الموجود في كتبه ، والله أعلم .
وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : سميت ببغداد : ناصر السنة .
وقال أبو ثور : ما رأينا مثل الشافعي ولا هو رأى مثل نفسه .
وكذا قال الزعفراني وغيره .
وقال داود بن علي الظاهري في كتاب جمعه في فضائل الشافعي : للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره من : شرف نسبه ، وصحة دينه ومعتقده ، وسخاوة نفسه ، ومعرفته بصحة الحديث وسقمه وناسخه ومنسوخه ، وحفظه الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء ، وحسن التصنيف ، وجودة الأصحاب والتلامذة ، مثل : أحمد بن حنبل في زهده وورعه ، وإقامته على السنة .
ثم سرد أعيان أصحابه من البغاددة والمصريين ، وكذا عدَّ أبو داود من جملة تلاميذه في الفقه : أحمد بن حنبل .
وقد كان الشافعي من أعلم الناس بمعاني القرآن والسنة ، وأشد الناس نزعا للدلائل منهما ، وكان من أحسن الناس قصدا وإخلاصا ، كان يقول : وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلي شيء منه أبدا فأوجز عليه ولا يحمدوني .
وقد قال غير واحد ، عنه : إذا صح عندكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا به ودعوا قولي ، فإني أقول به ، وإن لم تسمعوا مني .
وفي رواية : فلا تقلدوني .
وفي رواية : فلا تلتفتوا إلى قولي .
وفي رواية : فاضربوا بقولي عرض الحائط ، فلا قول لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء .
وفي رواية : خير من أن يلقاه بعلم الكلام .
وقال : لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد .
وقال : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ، ويطاف بهم في القبائل ، وينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام .
وقال البويطي : سمعت الشافعي يقول : عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صوابا .
وقال : إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأنما رأيت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جزاهم الله خيرا ، حفظوا لنا الأصل ، فلهم علينا الفضل .
ومن شعره في هذا المعنى قوله :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة * إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا * وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وكان يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال : مخلوق ، فهو كافر .
وقد روى عن الربيع وغير واحد من رؤوس أصحابه ما يدل على أنه كان يمر بآيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ، على طريقة السلف .
وقال ابن خزيمة : أنشدني المزني وقال أنشدنا الشافعي لنفسه قوله :
ما شئت كان وإن لم أشأ * وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت * ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد * ومنهم قبيح ومنهم حسن
على ذا مننت وهذا خذلت * وهذا أعنت وذا لمتعن
وقال الربيع : سمعت الشافعي ، يقول : أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي .
وعن الربيع قال : أنشدني الشافعي :
قد عوج الناس حتى أحدثوا بدعا * في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسل
حتى استخف بحق الله أكثرهم * وفي الذي حملوا من حقه شغل
وقد ذكرنا من شعره في السنة وكلامه فيها وفيما قال من الحكم والمواعظ طرفا صالحا في الذي كتبناه في أول طبقات الشافعية .
وقد كانت وفاته بمصر يوم الخميس ، وقيل : يوم الجمعة ، في آخر يوم من رجب سنة أربعومائتين ، وعن أربع وخمسين سنة .
وكان أبيض جميلا طويلا مهيبا يخضب بالحناء ، مخالفا للشيعة رحمه الله وأكرم مثواه .
البداية والنهاية