سنة اربع وثمانين ومائة من الهجرة
وفيها توفي :
أحمد بن الرشيد
كان زاهدا عابدا قد تنسك ، وكان لا يأكل إلا من عمل يده في الطين ، كان يعمل فاعلا فيه ، وليس يملك إلا مروا وزنبيلا - أي : مجرفة وقفَّة - وكان يعمل في كل جمعة بدرهم ودانق يتقرب بهما من الجمعة إلى الجمعة ، وكان لا يعمل إلا في يوم السبت فقط ، ثم يقبل على العبادة بقية أيام الجمعة .
وكان من زبيدة في قول بعضهم ، والصحيح أنه من امرأة كان الرشيد قد أحبها فتزوجها فحملت منه بهذا الغلام ، ثم إن الرشيد أرسلها إلى البصرة وأعطاها خاتما من ياقوت أحمر ، وأشياء نفيسة ، وأمرها إذا أفضت إليه الخلافة أن تأتيه .
فلما صارت الخلافة إليه لم تأته ولا ولدها ، بل اختفيا ، وبلغه أنهما ماتا ، ولم يكن الأمر كذلك ، وفحص عنهما فلم يطلع لهما على خبر ، فكان هذا الشاب يعمل بيده ويأكل من كدها ، ثم رجع إلى بغداد ، وكان يعمل في الطين ويأكل مدة زمانية .
هذا وهو ابن أمير المؤمنين ، ولا يذكر للناس من هو إلى أن اتفق مرضه في دار من كان يستعمله في الطين فمرَّضه عنده .
فلما احتضر أخرج الخاتم وقال لصاحب المنزل : اذهب بهذا إلى الرشيد وقل له : صاحب هذا الخاتم يقول لك : إياك أن تموت في سكرتك هذه فتندم حيث لا ينفع نادما ندمه ، واحذر انصرافك من بين يدي الله إلى الدارين ، وأن يكون آخر العهد بك ، فإن ما أنت فيه لو دام لغيرك لم يصل إليك ، وسيصير إلى غيرك ، وقد بلغك أخبار من مضى .
قال : فلما مات دفنته ، وطلبت الحضور عند الخليفة ، فلما أوقفت بين يديه قال : ما حاجتك ؟
قلت : هذا الخاتم دفعه إلي رجل وأمرني أن أدفعه إليك ، وأوصاني بكلام أقوله لك .
فلما نظر الخاتم عرفه فقال : ويحك وأين صاحب هذا الخاتم ؟
قال : فقلت : مات يا أمير المؤمنين .
ثم ذكرت الكلام الذي أوصاني به ، وذكرت له أنه يعمل بالفاعل في كل جمعة يوما بدرهم وأربع دوانيق ، أو بدرهم ودانق ، يتقوت به سائر الجمعة ، ثم يقبل على العبادة .
قال : فلما سمع هذا الكلام قام فضرب بنفسه الأرض وجعل يتمرغ ويتقلب ظهرا لبطن ويقول : والله لقد نصحتني يا بني ، ثم بكى ، ثم رفع رأسه إلى الرجل وقال : أتعرف قبره ؟
قلت : نعم ! أنا دفنته .
قال : إذا كان العشي فائتني .
فقال : فأتيته فذهب إلى قبره فلم يزل يبكي عنده حتى أصبح ، ثم أمر لذلك الرجل بعشرة آلاف درهم ، وكتب له ولعياله رزقا .
أحمد بن الرشيد
كان زاهدا عابدا قد تنسك ، وكان لا يأكل إلا من عمل يده في الطين ، كان يعمل فاعلا فيه ، وليس يملك إلا مروا وزنبيلا - أي : مجرفة وقفَّة - وكان يعمل في كل جمعة بدرهم ودانق يتقرب بهما من الجمعة إلى الجمعة ، وكان لا يعمل إلا في يوم السبت فقط ، ثم يقبل على العبادة بقية أيام الجمعة .
وكان من زبيدة في قول بعضهم ، والصحيح أنه من امرأة كان الرشيد قد أحبها فتزوجها فحملت منه بهذا الغلام ، ثم إن الرشيد أرسلها إلى البصرة وأعطاها خاتما من ياقوت أحمر ، وأشياء نفيسة ، وأمرها إذا أفضت إليه الخلافة أن تأتيه .
فلما صارت الخلافة إليه لم تأته ولا ولدها ، بل اختفيا ، وبلغه أنهما ماتا ، ولم يكن الأمر كذلك ، وفحص عنهما فلم يطلع لهما على خبر ، فكان هذا الشاب يعمل بيده ويأكل من كدها ، ثم رجع إلى بغداد ، وكان يعمل في الطين ويأكل مدة زمانية .
هذا وهو ابن أمير المؤمنين ، ولا يذكر للناس من هو إلى أن اتفق مرضه في دار من كان يستعمله في الطين فمرَّضه عنده .
فلما احتضر أخرج الخاتم وقال لصاحب المنزل : اذهب بهذا إلى الرشيد وقل له : صاحب هذا الخاتم يقول لك : إياك أن تموت في سكرتك هذه فتندم حيث لا ينفع نادما ندمه ، واحذر انصرافك من بين يدي الله إلى الدارين ، وأن يكون آخر العهد بك ، فإن ما أنت فيه لو دام لغيرك لم يصل إليك ، وسيصير إلى غيرك ، وقد بلغك أخبار من مضى .
قال : فلما مات دفنته ، وطلبت الحضور عند الخليفة ، فلما أوقفت بين يديه قال : ما حاجتك ؟
قلت : هذا الخاتم دفعه إلي رجل وأمرني أن أدفعه إليك ، وأوصاني بكلام أقوله لك .
فلما نظر الخاتم عرفه فقال : ويحك وأين صاحب هذا الخاتم ؟
قال : فقلت : مات يا أمير المؤمنين .
ثم ذكرت الكلام الذي أوصاني به ، وذكرت له أنه يعمل بالفاعل في كل جمعة يوما بدرهم وأربع دوانيق ، أو بدرهم ودانق ، يتقوت به سائر الجمعة ، ثم يقبل على العبادة .
قال : فلما سمع هذا الكلام قام فضرب بنفسه الأرض وجعل يتمرغ ويتقلب ظهرا لبطن ويقول : والله لقد نصحتني يا بني ، ثم بكى ، ثم رفع رأسه إلى الرجل وقال : أتعرف قبره ؟
قلت : نعم ! أنا دفنته .
قال : إذا كان العشي فائتني .
فقال : فأتيته فذهب إلى قبره فلم يزل يبكي عنده حتى أصبح ، ثم أمر لذلك الرجل بعشرة آلاف درهم ، وكتب له ولعياله رزقا .