تلقي العلوم الدينية
في دار الحديث بدماج السلفية
(وذكر غيره من مراكز الدعوة السنية)
تقديم الشيخ المفضال:
أبي عبد الرحمن عبد الرقيب بن علي الكوكباني حفظه الله
تأليف الفقير إلى الله:
أبي فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم الشيخ المفضال أبي عبد الرحمن عبد الرقيب بن علي الكوكباني حفظه الله
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً مزيداً، أما بعد:
فقد طالعت رسالة أخينا المفضال الكاتب المفيد أبي فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي حفظه الله بعنوان: "تلقي العلوم الدينية في دار الحديث بدماج السلفية"، فألفيتها رسالة قيمة في موضوعها. وأخونا المؤلف هو ذلك الكاتب الغيور على السنة الذابّ عن حياضها بمداد قلمه، فكتابته في رسائله أو في شبكة العلوم السلفية تدلك على ذلك([1]).
فنسأل الله أن ينفع بهذه الرسالة كاتبها وقارئها إنه سميع قريب مجيب، وهو سبحانه بكل خير كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
كتبه
أبو عبد الرحمن عبد الرقيب بن علي الكوكباني
2 شوال 1434 هـ
([1]) جزى الله شيخنا أبا عبد الرحمن عبد الرقيب خيراً على حسن طنه بي وتشجيعه إيّاي. فمن الله الرسالة والشريعة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ والبيان، وعلينا التسليم والنصرة. والفضل بيد الله وحده ولا حول ولا قوة إلا به.
مقدمة المؤلف عفا الله عنه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فقد تساءل بعض الإخوة عن دار الحديث بدماج وشروط الدراسة فيها. فعزمت –بما يسر الله لي- على تعريف دار الحديث بدماج، ومؤسسها، والقائم بها حاليا، والدروس القائمة فيها، ونحو ذلك حتى يتبين لمن لم يعرفها أو يلتبس عليه بعض حقيقة الأمور فيها، وكما قيل: من جهل شيئا عاداه، والحب يتبع العلم، كلما ازداد علم الشخص بمحاسن الشيء ازداد حبه إياه بتوفيق الله وحده.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا». (أخرجه مسلم (2674)).
وأذكر الشروط الدراسية فيها مع شيء من التوضيح حولها.
فأقول مستعينا بالله:
الباب الأول: التعريف بدار الحديث بدماج
دماج قرية تقع جنوب شرق مدينة صعدة في شمال اليمن، و هي عبارة عن وادي به حوض مائي طيب و أرض زراعية خصبة تحيط بها الجبال من جميع الجهات.
وهي مسقط رأس الإمام المجدد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله ورفع درجته وأعلى منزلته- . وسيأتي الكلام إن شاء الله على سيرته.
أسس بها رحمه الله دار الحديث السلفية التي تقوم على عِمد ثلاث : الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح. و لأصحاب الدار ثلاثة وظائف : علم و عمل و دعوة .
تتكون هذه الدار السلفية من مسجد يتسع لأكثر من ستة ألف مصلٍّ و مصلى للنساء يتسع لأكثر من ألفي مصلية.
ومدرسة مكونة من أربعة فصول للأولاد الصغار يدرسون فيها القرآن، والعقيدة السلفية، و الحروف، و يلحق بهذه الدار مكتبتان عامتان إحداهما للرجال تقع في الدور الثاني من مقدمة المسجد و مكتبة للنساء تقع في مؤخرة الدور الثاني للمسجد خلف مصلى النساء و بها عدة سكنات عامة و سكن أسفل الطابق الأرض " بَدْروم " تحت المسجد و سكن آخر تحت مجلس الضيوف و بها مطبخ عام للطلاب العزاب و بقية الطلاب ينامون في المسجد. و في أيام الصيف ينامون على سطح المسجد و في ساحة الطعام، و هي عبارة عن ساحة عليها مظلة حديدية معدة للأكل و تقي الطلاب حر الصيف و برد الشتاء و كرب الخريف، و بها مولد كهربائي لا بأس به يتم تشغيله ابتداء من الساعة الرابعة صباحا إلى شروق الشمس و من قبيل المغرب إلى الساعة العاشرة ليلا يضيء المسجد و ما حوله من مرافق و كذلك البيوت المجاورة .
و جدولهم على مدار اليوم و الليلة كالآتي :
يصلون الفجر جماعة في مسجدين الأول مسجد الدار و يسمى " مسجد المكتبة " يؤمهم في صلاة الفجر شيخنا يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى خليفة الشيخ الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى -و هو خير خلف لخير سلف، نصر الله به الدعوة و خذل به البدعة-. وأما في بقية الأوقات يؤمهم الشيخ أحمد الوصابي حفظه الله.
ومسجد آخر في المزرعة. و المزرعة عبارة عن مساكن الطلاب الذين يأتون لطلب العلم مع عوائلهم .
فإذا انتهوا من صلاة الفجر أقبلوا على الذكر و قراءة القرآن حتى تطلع الشمس ثم يصلي من أحب منهم ركعتي الإشراق لوقت الضحى ثم يتوجهون بعد شروق الشمس إلى دروسهم الخاصة في جميع الفنون.
تدرس دروس عدة في الفرائض، و العقيدة، و اللغة، و الفقه، وأصول الفقه، ومصطلح الحديث، على مقدار الساعة، إلى الظهيرة، على حسب رغبات كل طالب. يدخل كل طالب فيما يناسبه من الدروس و الذي يشتغل بالحفظ يبقى مع محفوظاته و كذلك أصحاب المراجعات. ولهم فرصة لأخذ طعام الإفطار. وأقيمت الصلوات والدروس أيضا في مسجد الوطن، ومسجد الحضن، ومسجد العمال، ومسجد براقة، ومسجد الوادي.
وأما الباحثون: فإن المكتبة تفتح لهم من الساعة السادسة صباحا إلى قبل أذان الظهر بثلث ساعة يقوم حارس المكتبة بإشعار الطلاب بوقت الخروج استعدادا لصلاة الظهر، فعند ذلك يجتمع الطلاب في المسجد حين الأذان و بعده يصلون أربع ركعات قبلية للظهر لحديث عائشة –رضي الله تعالى عنها- في "الصحيح" و أحيانا ينوّعون فيصلون ركعتين لحديث ابن عمر –رضي الله عنهما- في "الصحيحين" ثم يصلون الظهر جماعة ثم بعد ذلك يؤدون أذكار الصلاة و هكذا في كل صلاة، ثم يصلون بعدها الراتبة البعدية ثم يقوم الشيخ العلامة أبو عبد الرحمن الحجوري بإلقاء درسه اليومي الذي لا ينقطع إلا يوم الجمعة و إلا فهو مستمر حتى في الأعياد و هذا الدرس يكون على النحو التالي :
السبت و الإثنين و الأربعاء "تفسير ابن كثير" -رحمه الله تعالى- وبقية الأيام "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" للإمام الوادعي رحمه الله تعالى.
وعادة الشيخ حفظه الله أن يقوم قبل الدرس بالإجابة عن أسئلة و استفسارات إخوانه طلاب العلم أو ينبّه على ما يحتاج التنبيه عليه مع ما يتخلل الدروس من الملح العلمية و غيرها.
ثم ينصرفون لغدائهم وحاجاتهم إلى قبيل صلاة العصر ويستعدون للصلاة فيصنعون كما صنعوا في الظهر ثم يلقي الشيخ درس "صحيح البخاري" و هو درس يومي لا ينقطع، و هكذا جميع الدروس و في هذا الوقت يجيب الشيخ عن الأسئلة ثم يقرأ الطلاب الحديث الذي درسوه اليوم السابق. ثم يقرأ الشيخ الحديث التالي و يعلق عليه بعد ذلك و ينصرف الطلاب إلى أعمالهم ، أهل الأبحاث إلى المكتبة و المدرسون إلى دروسهم و الشيخ يجلس مع زُوَّاره و مع أهل الإشكالات ينصح و يوجه و يدعو إلى الله عز وجل ثم يرجع إلى بيته يراجع بحوثه أو يقدم لبحوث إخوانه و غير ذلك من الأعمال.
بعد ذلك يؤدي الطلاب أذكار المساء و يستعدون لصلاة المغرب فيصلونها ثم يؤدون أذكارها و نافلتها البعدية.
وأيضا قبلها يبتدرون السواري وغيرها لصلاة النافلة القبلية عملا بحديث أنس –رضي الله تعالى عنه-عند البخاري (625) ومسلم (837): كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي
ولحديث عبد الله بن مغفل –رضي الله تعالى عنه- : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا قبل صلاة المغرب». قال في الثالثة: «لمن شاء». كراهية أن يتخذها الناس سنة. (أخرجه البخاري (1183)).
و بعد الانتهاء من شعيرة المغرب و أذكارها و نافلتها البعدية يقوم الشيخ حفظه الله تعالى إلى كرسيه لإلقاء دروس الماتعة: يجيب على الأسئلة كعادته، ثم يدرّس "صحيح مسلم"، ثم يدرّس "جامع بيان العلم" للإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى، ثم يدرّس "الحطة في الصحاح الستة" لصديق حسن خان رحمه الله، و يستمر الدرس إلى صلاة العشاء و متوسط وقته ساعة و نصف إلى ساعتين إلا ربع. ثم نصلي العشاء ثم بعد ذلك يتوجه الطلاب العزاب إلى عشائهم، و أصحاب العوائل إلى بيوتهم، و الباحثون إلى مكتبتهم و من كانت لديه دروس بعد العشاء فإلى دروسهم و أهل المراجعات إلى مراجعاتهم ثم تنطفئ الكهرباء الساعة العاشرة فيبقى من أحب المراجعة على أضواء البطارية و ينام من أحب النوم إلى قبيل الفجر بساعة أو ساعتين ثم يستعد الطلاب لقيام الليل و لصلاة الفجر و بعضهم يصلي الوتر قبل نومه.
وهكذا فإذا صلوا الفجر صنعوا كما كانوا يصنعون بالأمس هذه طريقتهم، و هذا فعلهم يحرصون في ذلك كله على تعلم الكتاب و السنة و العمل بالكتاب و السنة و الدعوة إلى الكتاب و السنة و موافقة الكتاب و السنة ، مجتمع ليس فيه تلفاز و لا غناء أو تبرج جمع الله لهم خير الدنيا و الآخرة بإذنه سبحانه و تعالى لقوله تعالى : ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون﴾.
(مستفاد من ملزمة "الابتهاج بأخبار دماج" لشيخنا الفاضل أبي محمد عبد الحميد بن يحيى الزعكري الحجوري حفظه الله، مع تهذيب وبعض الإضافات).
الباب الثاني: ترجمة وجيزة لمؤسس هذه الدار
هذه ترجمة الإمام الوادعي رحمه الله الوجيزة الرائعة الدالة على إمامته في الخيرات.
نسبه:
هو الإمام العلامة المحدث أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي بن قايدة الهمداني الوادعي اليمني
مراحل طلبه العلم:
بدأ الإمام رحمه الله تعالى طلب العلم في المكتب حتى انتهى من منهج المكتب، ثم ذهب إلى مسجد الهادي فلم يساعد على طلب العلم. وبعد زمن اغترب إلى أرض الحرمين ونجد، فاستنصح بعض الواعظين ما هي الكتب المفيدة ليشتريها؟ فأرشده إلى "صحيح البخاري" و"بلوغ المرام" و"رياض الصالحين" و"فتح المجيد". وكان رحمه الله يعمل آنذاك حارساً على عمارة في الحجون، فعكف على هذه الكتب يقرءها وكانت تعلق في ذهنه لأن العمل في بلده كان على خلاف ما فيها سيما كتاب "فتح المجيد".
وبعد مدة رجع رحمه الله إلى بلده، وبدأ ينكر الذي وجد مجتمعه عليه من الذبح لغير الله، وبناء القباب على القبور، ونداء الأموات، والاستغاثة بهم. فبلغ ذلك الشيعة فأغاظهم ذلك فقائل منهم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه)، ومنهم من يرسل إلى أقربائه ويقول: (إن لم تمنعوه فسنسجنه). وبعد المضايقات قرروا قراراً لم يستطع الفرار منه: قرروا أن يدخلوه "جامع الهادي".
فلما رأى أن الكتب المدرَّسة غير مفيدة ما عدا "النحو"، ورأى أن الكتب المقررة شيعية معتزلية أقبل رحمه الله على "النحو"، وكان ينصح أحد مدريسهم: محمدَ بن حورية بترك التنجيم، فأبى عليه بل نصح أصحاب الجامع بطرد الشيخ مقبل رحمه الله منها، فشفعوا له.
فلما قامت الثورة الجمهورية ترك هو رحمه الله وأهله البلاد ونزلوا نجران، ولازم شيخه أبا الحسين مجد الدين المؤيَّد، فاستفاد منه خصوصا في اللغة العربية. فمكث بها قدر سنتين، ثم رحل إلى أرض الحرمين ونجد، فسكن بنجد قدر شهر ونصف في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للشيخ محمد بن سنان الحدائي رحمه الله، وكان يكرمه كثيرا لما يرى من استفادته.
ثم رحل رحمه الله إلى مكة، فكان يشتغل هناك إن وجد شغلا، ويطلب العلم في الليل، يحضر دروس الشيخ يحيى بن عثمان الباكستاني في "تفسير ابن كثير" و"البخاري" و"مسلم". ويدرس عند الشيخ العالم الفاضل: القاضي يحيى الأشوال اليماني "سبل السلام"، وغير ذلك. ويدرس عند الشيخ العالم الفاضل: عبد الرزاق الشاحذي المحويتي اليماني بعض الكتب يطلبها الشيخ رحمه الله.
فلما فُتح معهد الحرم المكي، دخل فيه فتتلمذ عند بعض أبرز المشايخ: الشيخ عبد العزيز السبيِّل، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، وكذلك عند الشيخ محمد السبيِّل. وبعد الاستقرار في المعهد خرج رحمه الله إلى نجران للإتيان بأهله، للسكنى بمكة مدة الدراسة في المعهد وكانت ست سنين.
ويدرس بين المغرب والعشاء عند الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي. ويدرس عند الشيخ محمد بن عبد الله الصومالي نحو سبعة أشهر، وكان آية في معرفة رجال "الصحيحين"، واستفاد منه كثيرا في علم الحديث.
ثم انتقل إلى المدينة إلى الجامعة الإسلامية في كلية الدعوة وأصول الدين، ومن أبرز مشايخه الشيخ السيد محمد الحكيم المصري، والشيخ محمود عبد الوهاب فائد المصري. وفي العطلة دخل في كلية الشريعة، فانتهى رحمه الله من الكليتين وأعطي شهادتين. قال رحمه الله: (وأنا بحمد الله لا أبالي بالشهادتين. المعتبر عندي هو العلم).
وفي ذلك العام فتحت في الجامعة دراسة عالية وهي التي يسمونها بالماجستير، فدخل فيها وتخصص في قسم علم الحديث. وكان أبرز مشايخه الشيخ محمد الأمين المصري، و الشيخ السيد محمد الحكيم المصري، والشيخ حماد بن محمد الأنصاري. وكان يحضر بعض الليالي درس الإمام عبد العزيز بن باز في الحرم المدني في صحيح مسلم، ويحضر درس الإمام الألباني في جلساته الخاصة بطلبة العلم للاستفادة.
دعوته في السعودية
ومنذ كان في الحرم المكي كان يدرِّس بعض طلاب العلم في "قطر الندى"، و"التحفة السنية"، وفي المدينة يدرس طلاب العلم في "التحفة السنية"، وفي بيته يدرِّس في جامع الترمذي، وقطر الندى، والباعث الحثيث. فانتشرت دعوة كبيرة بالمدينة في مدة ست سنوات قام بها هو وبعض زملائه. وحصلت رحلات دعوية في جميع أنحاء المملكة العربية فاستفاد منها الناس وأحبّوا الدعوة.
فلما اشتعلت فتنة جهيمان وأصحابه أمرت الحكومة السعودية بترحيل الغرباء، والشيخ رحمه الله بريء من الحركات الجهيمانية.
ولما وصل إلى اليمن رجع الإمام رحمه الله إلى قريته ومكث بها يعلِّم الأولاد القرآن، وأقام الدعوة فتكالب عليه الشيعة وأعداء الإسلام. ودعاه ذات مرة أحد المسئولين فدخل عليه الإمام رحمه الله، ومعه حسين بن قائد مجلي فتكلم على الشيعة، وشرح له أن الشيخ ومن معه يدعون إلى الكتاب والسنة، وأن الشيعة حسدوهم على ذلك، ويخافون أن يظهر الحق، فقال المسئول: (إن الشيعة سوّدت تاريخ اليمن، وما دامت دعوتك كذلك فادع ونحن معك).
وبعد ذلك مكث رحمه الله في مكتبته، وما هي إلا أيام فإذا بعض المصريين، ففتح رحمه الله دروسا في بعض كتب الحديث واللغة، ولم يزل طلبة العلم يفدون من مصر، والكويت، وأرض الحرمين ونجد، والجزائر، وليبيا، والصومال، وبلجيكا، ومن كثير من البلاد الإسلامية وغيرها.
حرصه على تعليم طلابه وأهل بيته
وكان الإمام رحمه الله حريصاً على العلم فقد كان مهتماً بالتدريس أيما اهتمام، كانت له دروس عدة: فكان يدرس قبل أذان الظهر بساعة كتابه "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين"، ولما انتهى منه أخذ يدرس في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" وبعد صلاة الظهر يدرس يوماً في "تفسير بن كثير" ويوماً يدرس في كتابه "الصحيح المسند من أسباب النزول" فلما انتهى منه جعل مكانه درس "الجامع الصحيح" فصار يوماً يدرس "التفسير" ويوماً يدرس "الجامع الصحيح".
وبعد العصر يدرس في "صحيح البخاري" وبعد المغرب يدرس في "صحيح مسلم" ، وفي كتابه "أحاديث معلة ظاهرها الصحة" ولما انتهى منه درس كتابه "غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل". ولما انتهى منه درس كتابه "ذم المسألة"، إلا أنه غاب في تدريسه كثيرا لما بدء مرضه يشتد عليه وكتبه هذه كلها درسها مع "صحيح مسلم". ولما انتهى من كتاب "ذم المسأله" درس في كتابه "الصحيح المسند من دلائل النبوه" وكان يجعل يوما له ويوما لـ: "صحيح مسلم" ومع هذين الكتابين يدرس كتاب "المستدرك" وكتابه "الصحيح المسند في القدر". فهذه دروس الإمام الوادعي رحمه الله الخاصه في دار الحديث. وإذا انتقل إلى بيته يدرس ابنته أم عبدالله كتاب "قطر الندى"، ثم يقرأ نساؤه عليه حديثا من كتابه "دلائل النبوة". وكذلك يدرسهن الإملاء، وكان يدرس زوجته أم شعيب "المتممة" قبل النوم.
وفور ذكاؤه، وسعة علمه، وقوة فقهه
وكان رحمه الله إذا تكلم في علم الرجال كأنه فارس ميدان هذا العلم كان يأتي بفوائد عجيبة وربما جاء في بعض الأسانيد فلان بن فلان فيقول أخشى أن يكون تصحيفاً فيبحث فيوجد أنه مصحف كما قال. وأما النحو إذا ناقش طلبته كأنه لا يوجد غيره في معرفة هذا الفن لكثرة الفوائد التي يطرحها في دروسه. وإذا تكلم في العلل أدهش من حوله. وإذا جاءته أسئلة يجيب عليها وكان سريع الاستحضار للأدلة لقد كنا نندهش من قوة ذاكرته يأتي بالأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله فيرصها رصاً ويناسق بينها ويستبنط منها استنباطات عجيبة مع أنه لا يحفظ القرآن كاملاً ومن قرأ في كتابه "الجامع الصحيح" عرف فقه الرجل من خلال تلك التراجم وكما قيل فقه البخاري في تراجمه.
حرصه على الدعوة
كان الإمام الوادعي رحمه الله حريصاً على الدعوة إلى الله أيما حرص، مع كثرة مشاغله في التأليف والتدريس. وكان يوجه طلبته ويقول لهم: (لا تقبلوا على العلم وتتركوا الدعوة عليكم بالدعوة إلى الله بما تعلمتم). وقد خرج للدعوة ففي بعض السنوات يخرج ويتنقل في كثير من المدن والقرى اليمنية صعِد الجبال ونزل الأودية والسهول، وكان يؤذى من قبل أعداءه من الجماعات كالإخوان المسلمين وأصحاب جمعيتي الحكمة والإحسان والعلمانيين والصوفية وغيرهم، ولا ينقطع عن دعوته إلى الكتاب والسنة. وكان يحضر له الجموع الغفيرة حتى إنه في بعض المحاضرات لا تتسع المساجد للجموع التي تحضر فيجعلونها في مصلى العيد، فيحذر الناس من جميع المنكرات من الشرك والبدع والحزبية التي فرقت شمل الأمة وغير ذلك. ويناصح المزارعين والمدرسين والمسؤولين والآباء والأمهات والأبناء والأطباء والتجار والصحفيين والعمال. بل كان حريصاً على هداية الناس أفراداً وجماعات. وجاءه مراسل إذاعة لندن فطلب منه أن يتكلم معه فقال له الشيخ: (ما رأيك تسلم وأتكلم معك؟) فنصحه الشيخ وطلب منه أن يسلم، فأبى، فرفض أن يتكلم معه. ومكث أياماً يحضر الدروس يريد الكلام مع الشيخ، والشيخ يطلب منه أن يسلم كان حريصاً على هدايته ومكث أياماً ثم رحل.
وكان رحمه الله إذا انتهى من محاضرته ينتقل إلى بيت أحد الأخوة، فيجتمع الناس به يسألونه فيجيب على أسئلتهم، فإذا انصرفوا عنه قرأ إن كان لديه نشاط، وإلا ينام.
حرصه على طلاب العلم
وكان رحمه الله حريصا على طلبة العلم وكان يحزن ويتوجع إذا علم أن طلبته يحتاجون شيئا ولم يستطيعوا الحصول عليه فقد قال رحمه الله في بعض دروسه: أعظم مشقة تواجهني أعظم من مواجهة المبتدعة وأعظم من التأليف هي حاجات الطلاب
وكان رحمه الله لا يبخل على طلابه بشيء، فقد خرج مرة بعد درس الظهر من بيته ومعه صحن فيه أرز وإناء فيه لبن فأعطاه بعض الطلبة. وكان إذا خرج من الدرس بعد الظهر وجاء أحد يسأله عن سؤال قال له: (ادخل نتغدى ثم نتكلم).
ومرة قدم له بعض طلبة العلم ورقة في أحد الدروس مكتوب فيها: (أنا طالب علم وأحب العلم وعليّ دين وأخشى أن يصرفني عن طلب العلم). وبعد ما قرأها الشيخ أخذ يدرس وقبل الإنتهاء من الدرس قال في مكبر الصوت: (الأخ الذي قدم الورقة يذهب إلى الأخ فلان ويقول له كم دينه وننظر هل نستطيع مساعدته).
سخاوة نفسه
فقد كان رحمه الله كريماً، يستقبل وفوداً. وإذا جاءه زائرون دعاهم إلى بيته للغداء. وإذا جاءوا في وقت متأخر استقبلهم الطلاب إلى غرفة الضيوف، ثم يلتقون بالشيخ، ويقدم الغداء بنفسه في كثير من الأوقات. وكذلك كان يجلس معه بعض الزوار بعد صلاة الفجر، فيقدم لهم زبيباً ويكرمهم غاية الإكرام وكان يجود بما يملكه .
ولم يكن يدخر عنهم شيئا وهو يعتبرهم أبناءه وكان رحمه الله تعالى يراعي جدا شعور الطلاب ولهذا فقد كان من الموانع في عدم شراء ثوب للعيد له من أجل لا يكون شئ قي قلوب طلاب العلم الذين لا يجدون ملابس جديدة للعيد ويقول: (هات الموجود).
وعند أن خرج من اليمن في هذه الآونة الأخيرة اشتاق جدا للمركز ولطلابه. وربما تذكرهم وبكى ويقول: (هم أولادي).
تواضعه
وكان رحمه الله ذا أخلاق سامية فلا يحتقر المسكين والضعيف ويرحم الصغير ويعين الكبير ويشفق على النساء الصالحات ويعينهن بكل ما في وسعه.
فمن تواضعه لو ناداه طفل وهو يمشي لوقف له، يكلمه، وينظر ماذا يريد. ويأتيه الصغير وهو على كرسيه يلقي درسه، فيتوقف عن إلقاء درسه فيقول له الصغير: (أريد أن أقرأ حديثاً في مكبر الصوت) فيرفعه الإمام أو يأمر بعض طلبة العلم برفعه، فيجلسه أمامه، فيقرأ الصغير حديثه، والإمام يبتسم، ولا يتضجر. وكان مع طلبته هين لين.
ومن تواضعه أنه كان إذا جاءه العوام يجلس معهم الوقت الطويل بالرغم من حرصه على الوقت، حتى إنه قال لنا في بعض دروسه: (يأتيني العوام فأجلس معهم وأحتسب على الله لأنهم لا يعرفون قيمة الوقت، وسيقولون إنني متكبر. أما طلاب العلم أعاملهم خلاف العوام، لأنهم يعرفون قيمة الوقت. وابن الجوزي رحمه الله كان يجمع ما عنده من الأقلام فإذا جاءه الزائرون يجلس معهم يبري الأقلام).
عفته وعزة نفسه
كان الإمام الوادعي رحمه الله عفيفاً، عنده عزة نفس حتى إن من عزة نفسه أنه كان يتحرج من أن يكتب لأهل الخير بما يخص طلبته. فعلم بذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فكتب إليه: (يا أبا عبدالرحمن اكتب وأنت مأجور). وإذا أتته الأموال لطلبة العلم مباشرة يحيلها إلى المسؤول عن شؤون الطلاب. وكان رحمه الله على هذه الخصلة الطيبة من بداية أمره.
ودرس الطلاب في كتابه "ذم المسألة" وكان يذم من يذهب يتسول باسم الدعوة ويحذر منه. قال في مقدمة كتابه السالف ذكره: أما بعد فإني لما رأيت أقواماً ممن يزعمون أنهم دعاة إلى الله تخصصوا للتسول وتركوا الاحتراف. فرب زراع يأكل أكلاً حلالاً من كسب يده بل عمله من أفضل القربات، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة».
ورب شخص يعمل في التجارة وهي أيضاً من أفضل القربات وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الكسب أطيب قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور([1]).
بل ربما يكون الرجل بدوياً يأكل مما تنتجه غنمه وإبله فيرى المتسولين يفتحون المعارض ويبنون العمائر، فيعفو لحيته ويتشبه بالدعاة إلى الله ويحترف التسول أف لها من وضيفة مشينة مزرية.
زهده رحمه الله
ذكر رحمه الله أنه عندما كان يتعلم في جامع الهادي كان يبقى معه شيء من الخبز فيضعه في فتحة في الجدار يقال لها الخزانة. فيأتي يوم من الأيام لا يجد أكلاً فيأتي لها. قال رحمه الله: (فأدخل يدي ورأسي أبحث عنها، ثم أخرجها وقد نسج عليها العنكبوت، فأميط عنها التراب، فأجدها قد يبست فأبلّها بالماء، ثم إن وجدت حبة من الطماطم فأمر طيب، وإلا أكلتها).
وجاء يوما بعض الناس من فاعلي الخير إلى الإمام رحمه الله فأرادوا أن يبنوا له بيتا فقال لهم: (هاتوا المال) فأخذ منهم المال، وبنى به مسجداً، وبنى غرفة صغيرة فوق المسجد. فلما جاءوا قالوا له: (أين البيت) قال لهم: (هذا هو بيتي) وأراهم المسجد وأشار لهم إلى الغرفة الصغيرة التي فوق المسجد.
ومن زهده([2]) في الدنيا أنه أوقف أرضا كبيرة كان يملكها لطلبته كي يبنوا فيها مساكن لهم.
وقال رحمه الله: وأخيراً فإني أنصح لأهل السنة أن يصبروا على الفقر فهي الحال التي اختارها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ورعه
وكان رحمه الله تعالى ورعاً([3]) فلا يبقى مال الدعوة عنده بل يحيله إلى مسؤول المال. بل كان ربما يهدى له شيء من شخص لا يعرفه فيترك الانتفاع به ويعطيه من تستحقه من زوجاته.
محاولة الأعداء قتله
إن أهل الباطل قد حاولوا اغتيال هذا العالم الجليل والمجاهد النبيل فإنه عندما كان هو وبعض مشايخ أهل السنة بمدينة عدن في مسجد الرحمن وضع له رجلان لغما في الطريق الذي سيخرج منه الشيخ رحمه الله ولكن كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه﴾ [فاطر: 43] فقد انفجر اللغم ومزق جسدي هذين الآثمين.
وكذلك حاولوا قتله في وقت آخر وسلم الله الشيخ رحمه الله.
صبره على المرض
دخل أحد الفضلاء يوما على الإمام رحمه الله وكان مريضاً مرضاً شديداً، فأراد أن يخرج يلقي دروسه فقال له: (يا شيخ أنت متعب، يقوم بالدروس غيرُك). فأجاب: (لا والله لا أترك هذه الوجوه الطيبة).
وخرج يوما من بيته يلقي الدروس ويده مربوطة إلى عنقه وعليها جبيرة فسئل بعض الطلاب ما الذي حصل للإمام؟ قالوا: (سقط في بيته على الأرض) ولم يترك الدروس حتى شفي.
وقالت زوجه أم شعيب حفظها الله: وكان يصبر على المرض فما يشكو لأحد مرضه حتى إنه في مرضه الأخير كنت أتألم لحالته وهو يضحك ويسألنا وأنا أقول: يا شيخ ارفق بنفسك فيقول الحمد لله أنا مرتاح ثم أسكت.
وفاته رحمه الله
من أجل شدة مرضه رحل رحمه الله في تاريخ 16 ربيع الثاني 1421 هـ إلى الرياض فاستقبله أمراء السعودية استقبالهم للأمراء وأكرموه غاية الإكرام، وفي مكة أعدّ له الأمير السلفي نايف بن عبد العزيز رحمه الله منزلا لا يبعد عن المسجد الحرام إلا بمقدار خمسين مترا. ثم في أواخر شهر جمادى الثانية 1421 هـ رحل إلى أمريكا للعلاج على حساب الأمراء السعودية، فلما وصل هناك رحّب به محبو الدعوة السلفية ترحيبا عظيما وبذلوا أموالا وأنفسا لخدمته وأكرموه غاية الإكرام.
وفي أواخر شهر شوال 1421 هـ وصل إلى جدة وهو محرِم بعمرة متمتع بها إلى الحج تحت إكرام وخدمة الحكومة السعودية، حتى أكمل أعمال الحج في الثالث عشر من ذي الحجة.
وفي 7 ربيع الثاني 1422 هـ تعالج إلى ألمانيا على حساب الأمراء السعوديين، ثم وفي اليوم السبت 30 ربيع الثاني 1422 هـ رجع إلى صنعاء. وفي ليلة الأحد بين المغرب والعشاء توفي رحمه الله بابتسامة ملأت وجهه، وقد وصّى أن يدفن في مقبرة العدل في مكة. فقامت وزارة الداخلية السعودية بإرسال ثلاثة من الضباط لمرافقة جنازة الإمام رحمه الله حتى وصلوا إلى مكة. غسلت جنازته رحمه الله في جدة ولم تفارق ابتسامته وجهه في الغسل ولا بعده، ثم صلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة الفجر، ثم دفن في مقبرة العدل بمكة بعد جهد عظيم في إخراج جنازته من المسجد لكثرة المصلين والحاضرين.
مراجع الترجمة:
الباب الثالث: بيان سعة علوم الإمام الوادعي رحمه الله وإمامته وسلفيته
الفصل الأول: مصنفات الإمام الوادعي رحمه الله
وقد ترك هذا الإمام الجليل رحمه الله تراثاً عظيماً في ميادين العلوم الشرعية الدالة على سعة علمه، وثباته على الحق، وكثرة نصائحه للأمة. قال يحيى بن خالد رحمه الله: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الكتاب يدل على عقل كاتبه، والرسول يدل على عقل مرسله، والهديّة تدل على عقل مهديها. ("العقد الفريد"/2/ص 114/لابن عبد ربه الأندلسي).
فمن مصنفات الإمام الوادعي رحمه الله:
1- الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
2 - تراجم رجال الحاكم في المستدرك
3 - تتبع أوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي طبعت ضمن المستدرك
4 - تراجم رجال الدار قطني في سننه
5 - الصحيح المسند من دلائل النبوة
6 - غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل
7 - الجامع الصحيح في القدر
8 - صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال
9 - إجابة السائل عن أهم المسائل
10 - الشفاعة
11- رياض الجنة في الرد على أعداء السنة
12- الطليعة في الرد على غلاة الشيعة وحكم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
13 - تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب
14 - المخرج من الفتنة
15 - الصحيح المسند من أسباب النزول
16 - ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر
17 - المصارعة
18 - الباعث على شرح الحوادث
19 - إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن
20 - الجامع الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
21 - غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة
22 - الفواكه الجنية في الخطب والمحاضرات السنية
23 - قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد
24 – إلحاد الخميني في أرض الحرمين
25 - تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام محمد بن علي الشوكاني
26 - فتوى في وحدة المسلمين مع الكفار
27 - إقامة البرهان على ضلال عبد الرحيم الطحان
28 - الديباج في مراثي شيخ الإسلام الشيخ عبد العزيز ابن باز
29 - حكم تصوير ذوات الأرواح
30 - المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح
31 - فضائح ونصائح
32 - مقتل الشيخ جميل الرحمن الأفغاني ومعه بحث حول كلمة وهابي.
33 - إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي
34 - تحقيق تفسير ابن كثير (حقق مجلداً وما بقي قام بتحقيقه بعض طلبته)
35 - الصحيح المسند من التفسير بالمأثور (ولم ينته منه وتقوم إحدى زوجاته بإكماله)
36 - كتاب الإلزامات والتتبع للإمام الدارقطني دراسة وتحقيقاً.
37- البركان لنسف جامعة الإيمان
38- شرعية الصلاة في النعال
39- تحريم الخضاب بالسواد
40- الجمع بين الصلاتين في السفر
41- إيضاح المقال في أسباب الزلزال والرد على الملاحدة الضلال
42- ذم المسألة.
43- السير الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث.
44- مجلس الشيخات في اليمن
الفصل الثاني: تجديد الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله هذا الدين في اليمن
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»([4]). (أخرجه أبو داود (4291) وغيره).
وليس المعنى أن هؤلاء المجددين يأتون بدين جديد مخالف لدين محمد صلى الله عليه وسلم، بل هم يجددون لهذه الأمة ما اندرس من شريعته وسنته. قال المناوي رحمه الله: أي ما اندرس من أحكام الشريعة وما ذهب من معالم السنن وما خفي من العلوم الدينية الظاهرة والباطنة حسبما نطق به الخبر الآتي وهو: «إن الله يبعث» إلى آخره وذلك لأنه سبحانه لما جعل المصطفى خاتمة الأنبياء والرسل، وكانت حوادث الأيام خارجة عن التعداد، ومعرفة أحكام الدين لازمة إلى يوم التناد. ولم تف ظواهر النصوص ببيانها([5]) بل لا بد من طريق واف بشأنها اقتضت حكمة الملك العلام ظهور قوم من الأعلام في غرة كل قرن ليقوم بأعباء الحوادث إجراءً لهذه الأمة مع علمائهم مجرى بني إسرائيل مع أنبيائهم. ("فيض القدير"/1/ص 10).
ولا يلزم أن يكون المجدد في كل عصر واحد لا مزيد عليه، بل يمكن أكثر من ذلك. قال الحافظ رحمه الله: ...أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو متجه، فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير، وتقدمه فيها، ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه. وأما من جاء بعده فالشافعي، وإن كان متصفا بالصفات الجميلة إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل. فعلى هذا كل من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لا. ("فتح الباري"/ لابن حجر /13/ص 295).
ومن نظر إلى سيرة الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله بإنصاف وجد أنه رحمه الله من المجددين حقا، ولا سيما في الديار اليمانية المليئة بالتشيع وغيرها من البدع المظلمة مدة ألف سنة.
فمن السنن المحمدية التي جددها رحمه الله ما تلي:
& في الوضوء: 1- المسح على العمامة
2- المسح على الخفين
3- كيفية مسح الرأس في الوضوء
4- الوضوء بعد أكل لحم الإبل
& في الصلاة: 1- الصلاة في وقتها
2- تسوية الصفوف
3- التقارب بين الصفوف
4- عدم الصلاة بين السواري في صلاة الجماعة
5- عدم التلفظ بالنية
6- الصلاة خلف السترة
7- الصلاة في النعال
8- الإسرار بالبسملة
9- التأمين بعد قراءة الفاتحة
10- وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة
11- قراءة "السجدة" و"الإنسان" في صبح يوم الجمعة
& في الأذان: 1- الأذان الأول قبل الفجر
2- الاكتفاء في يوم الجمعة بأذان واحد وهو حين يجلس الخطيب على المنبر
3- قول المؤذن عند المطر: صلوا في بيوتكم!
& في القبر: 1- تحريم بناء القبة أو غيرها من الأبنية على القبر
2- تحريم المشي بين القبور بالنعال
& في الصوم: 1- تعجيل الفطر عند غروب الشمس، وتأخير السحور إلى قبيل الفجر
& في المسجد: 1- المنبر ذو ثلاث درجات
2- الاعتكاف في المسجد داخل الخيام
& في المعاملة: 1- تحريم مصافحة الرجال النساء الأجنبيات
2- الحث على إفشاء السلام بين المسلمين
3- العفة والقناعة والصبر عن المسألة
إنما هذه نماذج يسيرة في تجديد الإمام الوادعي رحمه الله في الديار اليمانية، فمن أحبّ إتمام النظر فيراجع كتاب "البيان الحسن بترجمة الإمام الوادعي وما أحياه من السنن" للشيخ عبد الحميد الحجوري حفظه الله.
الفصل الثالث: ثناء العلماء على الإمام الوادعي رحمه الله ومناقبه عندهم
الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله لما سئل عن الذين يطعنون في الشيخ ربيع حفظه الله والشيخ مقبل رحمه الله قال: نحن بلا شكٍّ نحمد الله عز وجل، أن سخَّرَ لهذه الدَّعوة الصَّالحة القائمة على الكتاب والسُّنَّة على منهج السَّلف الصَّالح؛ دعاة عديدين في مختلف البلاد الإسلامية يقومون بالفرض الكفائي، الذي قلَّ مَنْ يَقُومُ به في العالم الإسلامي اليوم، فالحطُّ على هذين الشيخين الشيخ ربيع والشيخ مقبل الداعيين إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومحاربة الذين يخالفون هذا المنهج الصحيح؛ هو كما لا يخفى على الجميع إنما يصدر من أحد رجلين: إما جاهلٌ أو صاحب هوى.
الجاهل يمكن هدايته؛ لأنه يظن أنه على شيء من العلم، فإذا تبين العلم الصحيح اهتدى.أما صاحب الهوى فليس لنا إليه سبيل، إلا أن يهديه الله-تبارك وتعالى- فهؤلاء الذين ينتقدون الشيخين-كما ذكرنا-إما جاهلٌ فيعلم، وإما صاحب هوى، فيستعاذ بالله من شره، ونطلبُ من الله –عزوجل- إما أن يهديه وإما أن يقصم ظهره. (من مقدمة كتاب "النصر العزيز على الرد الوجيز" للشيخ ربيع بن هادي (ص6-7) نقلاً عن أشرطة "سلسلة الهدى والنور" رقم (851/1)).
وقال أيضا الإمام الألباني رحمه الله: وأما أهل المعرفة بهذا الفن فهم لا يشكون في ضعف مثل هذا الحديث ، فهذا هو الشيخ الفاضل مقبل بن هادي اليماني يقول في تخريجه على "ابن كثير " ( 1/513 ) بعد أن تكلم على رجال إسناده بإيجاز مفيد فردا فردا : و الحديث ضعيف من أجل الانقطاع ، و ضعف عبيد الله بن الوليد الوصافي. ("السلسلة الضعيفة"/5 /ص 75).
وقال رحمه الله: أما بالنسبة للشيخ مقبل، فأهل مكة أدرى بشعابها، وبالأخبار التي تأتينا منكم أكبر شهادة لكون الله عز وجل قد وفقه توفيقا ربما لا نعرف له مثيلا بالنسبة لبعض الدعاة الظاهرين اليوم على وجه الأرض. ("سلسلة الهدى والنور"/شريط رقم (851)/نقله معمر القدسي هداه الله في كتابه "الشيخ مقبل"/ص80/دار الآثار).
وذُكر للإمام ابن باز رحمه الله انتشار دعوة الشيخ مقبل في اليمن وغيره فقال: هذه ثمرة الإخلاص، هذه ثمرة الإخلاص. (قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي هداه الله، كما نقله الشيخ عبد الحميد الحجوري حفظه الله في "البيان الحسن"/ص33/دار الإمام أحمد).
ومما يدل على مكانته عند الإمام ابن باز ما ذكره الإمام الوادعي رحمه الله نفسه حيث قال: وفي ذات مرةٍ واحدٌ في صنعاء تهرّب إلى الرياض وقال له –أي: للإمام ابن باز رحمه الله- : يا شيخ، أنا من أهل السنة، وليس عندي أي ورقة، فقال له: أثبت لي أنك من أهل السنة، فأخرج ورقة من عندي تعريفا به، وكتب له الشيخ ورقة يمشي بها أينما يريد اهـ. (رثاء الشيخ مقبل للإمام ابن باز/ص16، كما في "إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي هداه الله/ص26-27/دار الآثار).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الشيخ مقبل إمام –فعارضه بعضهم بكلام يطعن به في الشيخ- فقال الشيخ رحمه الله: الشيخ مقبل إمام، الشيخ مقبل إمام. (قاله الشيخ عبد الله بن عثمان الذماري وفقه الله، كما نقله الشيخ عبد الحميد الحجوري حفظه الله في "البيان الحسن"/ص33/دار الإمام أحمد).
وسأل أبو الحسن الحزبي الإمامَ ابن العثيمين رحمه الله عن الشيخ مقبل فقال: هو يُسأل عني اهـ. ("إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي وفقه الله/ص27/دار الآثار).
وقد سأل أبو الحسن الحزبي الإمامَ ابن العثيمين رحمه الله مرة بمنى عن الشيخ مقبل: هناك من أخبر الشيخ أنك تكلمت فيه، فهل هذا صحيح؟ قال: ليس هذا بصحيح، والله! إني لأعتقد أن الشيخ مقبلا إمام من الأئمة اهـ. ("القول الأمين في رثاء ابن عثيمين"/ نفس المصدر).
وقال فضيلة الشيخ صالح فوزان حفظه الله تعالى: الحمد لله وبعد: فقد اطلعت على محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، ألقاها في آخر حياته –رحمه الله- فيها بيان للحق، وردّ للباطل، واعتراف بالجميل للدولة السعودية فيما تقوم به من خدمة للإسلام والمسلمين، وهي شهادة حق من عالم جليل، فجزاه الله خير الجزاء على ما قام به في اليمن وغيره من الدعوة إلى الله ونشر العلم النافع، وتصحيح العقيدة، والحث على التمسك بالسنة. نفع الله بجهوده وكتب له عظيم الأجر والثواب، ...إلخ. (منشورة فضيلة الشيخ صالح فوزان حفظه الله).
قال خالد بن ضحوي هداه الله: ومن تقدير الشيخ ربيع للشيخ مقبل أني قد كنت مع الشيخ ربيع في زيارة للشيخ مقبل في المستشفى التخصصي في جدّة بعد قدومه من ألمانيا، وقد كان في غيبوبة، فلما وصلنا لغرفته وكان الشيخ على سريره تقدم الشيخ ربيع وقبل رأسه ثم بكى بكاءً شديداً، فرحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا به ومشايخنا في جنات النعيم اهـ. ("الثناء البديع على الشيخ ربيع"/ص38-39 /لخالد بن ضحوى الظفيري/دار المنهاج).
وقال فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله: ...، هذا ما نعزّيكم به في حامل لواء السنة والتوحيد، ذلكم الداعي إلى الله المجدد بحق في بلاد اليمن، وامتدت آثار دعوته إلى أصقاع شتى من أصقاع الأرض. وأقول لكم مما أعتقده: إن بلادكم بعد القرون المفضلة عرفت السنة، ومنهج السلف الصالح، على تفاوت الظهور والقوة، ومع ذلك فلا أعرف نظيرا لهذا المعهد الذي منّ الله به عليكم وعلى أهل اليمن، على يدي هذا الرجل الصالح المحدث الزاهد الورع الذي داس الدنيا وزخارفها تحت قدميه اهـ. (1/5/1422 اهـ/ ("إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي وفقه الله/ص27/دار الآثار، وبعضها ذكره الشيخ عبد حميد الحجوري حفظه الله في "البيان الحسن"/ص33/دار الإمام أحمد).
وقال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله أيضا: هذا الرجل الزاهد الورع الذي أعتبره إن شاء الله من المجددين للإسلام في هذا العصر، فرحمه الله ...إلخ. ("إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي وفقه الله/ص28/دار الآثار).
وقال فضيلة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله في زيارته لدار الحديث بدماج بعد ممات الشيخ 3 جمادى الآخرة/1422 هـ: الحمد لله على قضاء الله وقدره، ولا بد من الصبر، فالناس كلهم إلى الموت، ولكن من خلّف مثل هذا لا يعتبر مات، فإنه قد أسس، وإنه قد أصلح، وإنه قد دعا، وإنه قد بذل جهدا نغبطه عليه، ونحسب أنه عند الله من فضلاء الأتقياء، ومن علية الأولياء، ونحسبه كذلك والله حسيبنا جميعا، ولكنا نرى هذا، نراه بأعيننا ونلمسه بحواسنا، ونعرف والحمد لله أنه عمل خيرا كثيرا قل أن يصل إليه أحد، -إلى قوله:- وما هذه الجموع التي نراها إلا من حسنات ذلك الشيخ العظيم، الذي دعا إلى الله وصبر وصابر([6])، وبذل كل غال ونفيس في جمع هذه الوجوه، وحثها على طلب العلم ووضعها على المسار الصحيح ...إلخ. ("إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي وفقه الله/ص28-29/دار الآثار).
وقال فضيلة الشيخ العلامة حماد الأنصاري رحمه الله: إن مقبلا الوادعي تلميذي وأنا الذي اخترت له الموضوع في الماجستير وكان يقرأ علي في البيت في أيام الحرة الشرقية –إلى قوله:- كنت أقول له أرجو أن تكون في اليمن في هذا الزمان كالشوكاني في زمنه. وقد كان مقبل تلميذا ما رأيت مثله في النشاط وطلب العلم اهـ. ("المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري"/2/ص606-607/تأليف ولده عبد الأول).
وقال شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: أما شيخنا العلامة الوادعي رحمه الله؛ فهو عالم سلفيٌّ مشهودٌ له بالخير والسنة والمنهج السلفي الصحيح، وشدّة الحذر والتحذير من الشركيّات، والبدع والخرافات وسائر الفتن، وأشرطتُه ومنهجُه وآثارُه ودعوتُه وطلابه الصالحون الصادقون، وألسنةُ أهلِ العلم وأهلِ الخيرشاهدةٌ بذلك. ("الحجاج لعبد الكريم الإرياني"/للشيخ يحيى الحجوري حفظه الله/ص6-7/مكتبة الفلاح).
الباب الرابع: ترجمة شيخنا العلامة الحجوري حفظه الله
قد توفي الإمام الوادعي رحمه الله مجدد الدين في اليمن، وترك تراثاً عظيماً وهو الدعوة الهائلة، فلا بد رعايتها لأن أيدي الشياطين تمتدّ إليها للإفساد، حتى قال بعضهم: (ذهب زمن الخوف) ويرى صفاء الجو له لأخذ قيادة الدعوة الصافية إلى شفا جرف هار. ولكن الله حفظ دينه، فوفّق الإمام رحمه الله قبل وفاته ليختار خليفته البار المؤتمن وهو شيخنا العلامة المحدث أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله لمواصلة الدعوة السلفية التي قد ملأت الآفاق ودكّت حصون أهل الباطل بشتى أنواعهم. فحفظ الله به وبمن معه دين الأمة، وامتحن الخليفة ببلاء بعد بلاء لحكمة أرادها المولى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل فما يزال الله يبتليه بما يكره، حتى يبلغه إياها». (أخرجه أبو يعلى (رقم (6095)/دار المأمون للتراث)، وغيره. وسند الحديث حسن، وحسنه أيضا الإمام الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (رقم (1599)/مكتبة المعارف).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإذا عظمت المحنة كان ذلك للمؤمن الصالح سببا لعلو الدرجة وعظيم الأجر ... إلخ. ("مجموع الفتاوى"/28 / ص 152-153/ط. مكتبة ابن تيمية).
وهذا شيء من ترجمته رعاه الله:
قال شيخنا يحيى بعد إلحاح وطلب الكثير منه بذكر نبذه عن سَيرِه ِفي طلب العلم، ونعمة الله عليه، والتحدث بالنعم جزء من شكرها:
الحمد لله حمداّ كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فقد طُلب مني أن أكتب نبذة عن مولدي واسمي وبلدي ونشأتي وبعض ما يتعلق بذلك، وبعد تكرار الطلب من الأحبة – أعزهم الله – رأيت تلبية طلبهم بكتابة هذه الأسطر، فأقول وبالله التوفيق:
أما اسمي: فأنا يحيى بن علي بن أحمد بن علي بن يعقوب الحجوري، من قبيلة بني وَهان، من قرية الحَنجَرة في أصل جبل الكُعَيْدنة- أسأل الله أن يُكرمهم بطلب علم كتاب الله وسنة رسوله-.
ثم انتقل جدي أحمد بن علي بن يعقوب إلى قرية تبعُد عنها بمسافة غير يسيرة يقال لها قرية جبَر قبيلة الزغابية، وتزوج منهم، فهم أخوال والدي نشأ بينهم عند بعض أسرته وتزوج منهم أيضا بأمّي من أسرة عقال قرية الزغابية – رحم الله أمواتهم وأصلح أحيائهم– وفيها كان مولدي قبل نحو أربعين عاماً، في أيام ما يُسمى بـ (الثورة الجمهورية اليمنية).
ووالدي - حفظه الله وأمد في عمره في طاعته – شغوف بالزراعة فكان يزرع مزرعةً كبيرة يمتلك منها الخير الكثير من الذرة والسمسم وغير ذلك، حتى كان بعض الناس يقترضون منه الذرة والقصب عند الجدب مع ما أعطاه الله من المواشي من الغنم والبقر، فكان ولله الحمد في الجانب المعيشي على أحسن حال.
وربّانا أنا وإخواني تربية حسنة بعيدين عن القات والدخان والشمّة وغير ذلك من البلايا، وكان من أشد شيءٍ يُغضبه علينا أن يرى من أحدنا قصورا في صلاة الجماعة أو الراتبة، وأحب شيٍء إليه أن يصير بعضنا عالماً، وليس هناك إلا التعليم في الكتاتيب، فجعلني فيما يُسمى بمعلامة الشيخ، أمين تلك القرى وفقيهها وخطيبها (يحيى العتابي –رحمه الله(، والتعليم في تلك المِعْلامة كما هو شأن التعليم القديم، تعليم قراءة القرآن نظراً في المصحف، وتعليم الخط، ومن تخرّج منها غالباً يصير فقيه قريته إمامةً وخطابةً في بعض الخُطب المؤلفة، وكتابة العقود ونحو ذلك. وقد كان الفقيه العتابي –رحمه الله- يُحبني من أكثر طلابه.
ولمّا تخرجت من تلك المِعلامة بقراءة القرآن نظراً ومعرفة شيء من الخط عزم أبي على الذهاب بي إلى مدينة الزيديّة حيث كان يُشاع عند الناس هناك أنها مدينة العلم، وكانوا هم أهل الفتوى في الطلاق والمواريث ونحوها.
ووالدي - حفظه الله- محبٌ للعلم والدِّين كثير الصيام والقيام، ولا أعلمه أكل درهما من حرام، ولكنه ما كان يعرف عن الصوفية والشيعة ولا عن غيرهم من الفرق الضالة شيئاً، فكان يُجلّهم ويزورونه كثيراً، ومن زاره منهم يُكرمه غاية الإكرام، فنجّاني الله عز وجل من الدراسة عند أولئك الصوفية بأمي حفظها الله وأحسن خاتمتها، حيث جعلت تبكي عليّ أن لا أذهب فأبقى في غير بلدي وحدي بغير رفيق من البلاد وأنا صغير، فأبقاني أبي أرعى الغنم، وكان حفظه الله أول من بنى مسجداً من الخشب والقش في قريتنا التي هم فيها الآن، ومع أنه مسجد صغير يسع نحو أربعين مصليا آنذاك يُعتبر جامعا لعدد من القرى حوله، ولمّا تهدّم بناه من الحجر ووسّعه وكنت أنا إمامه، وفي يوم الجمعة يُجعل من يخلفني في رعي الغنم وأخطب بهم في بعض الخطب المؤلّفة، وأكثر ما كنت أعتمد على "الفتوحات الربّانية" للبيحاني رحمه الله حتى كدت أن أحفظها لكثرة تكراري لها.
ثم بعد ذلك ذهبت إلى السعودية فكنت أحضر حلقة الإقراء بعد صلاة الفجر عند فضيلة الشيخ المُقرئ الشهير عُبيد الله الأفغاني –حفظه الله- في مدينة أبها، وسمعنا عنده شيئا من صحيح مسلم كان يبدأ به قبل السماع لنا، ثم لما سافر انتقلت إلى الشيخ المقرئ محمد أعظم الذي كان يدرّس القرآن في مسجد اليحيى، فقرأت عليهما إلى سورة الأعراف، ثم سافر الشيخ أيضاً، وأكملت القراءة برواية حفص عن عاصم عند المقرئ محمد بشير ولله الحمد.
ومع محبتي الشديدة للعلم آنذاك لم أجد هناك آنذاك من يُرشدني إلى الالتحاق بالشيخ الإمام ابن باز أو غيره من علماء المملكة ممن كانوا قائمين بالتعليم رحمهم الله، ثم سمعت بالشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله- وأنه عالم سلفي يُدرّس علوم كتاب الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم- في دماج –حرسها الله ووفق أهلها لكل خير- إحدى قرى بلاد صعدة، فالتحقت به في داره المباركة في عام خمسة وأربعمائة وألف للهجرة النبوية (1405 هـ) على صاحبها الصلاة والسلام، وجاء معي والدي ووصّى بي الشيخ رحمه الله خيراً، ثم انصرف، ولا يزال معيناً لي على طلب العلم بالمساعدات المالية بين حين وآخر.
وبقيت من ذلك التاريخ في طلب العلم؛ لا أحب كثرة السفريات، ولا ضياع شيء من الأوقات حتى يسر الله-عز وجل- من فضله على يدي شيخنا العلامة المحدث السلفي الميمون مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- بخيرٍ كثير من الاستفادة في علوم شتّى.
وكما هو الحال في هذا الدار المبارك، كنت أُضيف إلى ما نتلقاه جميعا من شيخنا شيخ مشايخ الدعوة السلفية في اليمن مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- بعض الدروس في النحو العقيدة و الفقه....، عند بعض المشايخ الأجلة من أكابر طلاب شيخنا الإمام الوادعي -رحمه الله- في الدار، شكر الله لهم جميعاً، وبعد ذلك كان شيخنا مقبل أسكنه الله الفردوس الأعلى يأمرني أن أنوبه في التدريس إذا مرض أو سافر، ولمّا دنى أجله –رحمه الله- أوصى أن أكون بعده خلَفاً له على ذلك الحال.
وكان أعداء هذه الدار يظنون ظن السوء أن بموت الشيخ –رحمه الله- ستزول هذه الدعوة وتصير بنيانها مكاناً للعلف ومجالس لتخزين القات كما كنا نسمعهم نحن وغيرنا في فترة مرض الشيخ وقبل ذلك، فلمّا أقبل الله بقلوب العباد على هذا الخير بعد موت الشيخ –رحمه الله- وتوسعت الدعوة أكثر وصار طلبة العلم أضعاف ما كانوا عليه في حياة مؤسس الدار شيخنا الإمام الوادعي – رحمه الله- اغتاظ من ذلك بعض من أُصيب بمرض الحسد ممن كان من طلاب الشيخ –رحمه الله- ومن غيرهم من أهل الأغراض الدنيوية والفتن الحزبية، فدفع الله شرهم وبوّر مكرهم.
ولا تزال الدعوة في كل خير إلى الأمام، والفضل لله من قبل ومن بعد، فهو القائل: ﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾، ونسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا ديننا ودعوتنا، وأن يدفع عنا وعن بلادنا وسائر بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين.
كتبه
أبو عبد الرحمن يحيى بن علي بن أحمد بن علي بن يعقوب الحجوري
في 19/ شهر جماد الأول/ 1428 هـ.
(انتهى النقل من برامج "فتنة العدني"/ لحسين بن صالح التريمي وفرج بن مبارك الحدري حفظهما الله).
إقامة شيخنا التدريس في دار الحديث
قال الشيخ الفاضل أبو بشير محمد الحجوري رحمه الله([7]): فلله الحمد والمنة أن هدانا لطلب العلم الشرعي في هذه الدار المباركة، عند شيخنا الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي ‑رحمه الله‑ وأسكنه فسيح جناته، ثم لله الحمد أن ثبتنا لمواصلة طلب العلم عند خليفته على دعوته العلامة الناصح الأمين شيخنا يحيى بن علي الحجوري ‑حفظه الله‑ الذي كان سببًا في ثبات هذا الخير في هذه الدار المباركة [دار الحديث بدماج] بعد موت مؤسسها شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله.
فما زال طلاب العلم من هذا الخير ينهلون، ومن هذا الشيخ وفقه الله يستفيدون، وإليه من أصقاع المعمورة يرحلون. فدروسه مستمرة فهو في الصباح الباكر يصلي بنا إمامًا في دار الحديث بدماج ‑صلاة الفجر‑ وقد منَّ الله عليه بصوت طيب في قراءة القرآن، ثم بعد الصلاة، وأذكار الصلاة، يقوم من أراد السفر من طلبة العلم في الدار، أو الضيوف الوافدين لطلب العلم بالاستئذان منه. وبعض الزوار أو الطلاب لديه أسئلة مستعجلة يقدمها للشيخ، ثم يُسمِّع ما يسر الله له من القرآن، تارة ثلاثة أجزاء أو أقل أو أكثر، فهو يحفظ القرآن، وله به عناية طيبة في مراجعته، والاستدلال به، وأحكامه، ولهذا لا يخرج من المسجد إلى البيت في هذا الوقت إلا إذا كان مريضاً، أو لأمر لا بد منه، ثم يصلي الضحى بعد طلوع الشمس.
ثم يذهب إلى بعض دروسه منها الآن في هذا التأريخ 1430هـ درس في «سبل السلام» للإمام الصنعاني ‑رحمه الله‑، و«إعلام الموقعين» للإمام ابن القيم ‑رحمه الله‑، وقد كانت قبلها في هذا الوقت عدد من الكتب قرئت عليه، ويعلق علها بشرح طيب يحضر ذلك عدد هائل من الطلاب، أهم تلك الكتب النافعة التي قرءت عليه في هذا الوقت: «زاد المعاد» للإمام ابن القيم ‑رحمه الله‑ و«الإيمان الأوسط» لشيخ الإسلام، رحمه الله و«مقدمة أصول التفسير» لشيخ الإسلام أيضا، وقد طبعت بشرحه عليها، و«الرسالة» للإمام الشافعي رحمه الله، و«شرح علل الترمذي» لابن رجب رحمهما الله، وهو الآن يرص للطبع بتعليقه عليها، و«الأذكار» للنووي رحمه الله، و«حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» لابن القيم رحمه الله، و«تطهير الاعتقاد» للصنعاني رحمه الله، و«الموقظة» للذهبي رحمه الله.
ثم بعد هذا الدرس: يدخل بيته ويستمر في مواصلة بحوثه التي هي الآن قريبة من [مائة] بحث. البعض قد طُبِع، والبعض في الطريق، والبعض ما زال مخطوطاً يبحث إلى ما استطاع من الوقت ثم يقيل، وقد يأتي ضيوف مستعجلون فيدق عليه الحراس الباب ويوقظونه للجلوس معهم. وبعض من يأتي في هذا الوقت من مشايخ القبائل، أو المسئولين يأتون زيارة، أو معهم بعض الإشكالات والقضايا. ثم يخرج لصلاة الظهر، ثم بعد الصلاة وأذكارها، وصلاة الراتبة كل يوم درس إما في «تفسير ابن كثير»، أو «الجامع الصحيح» لشيخنا الإمام مقبل بن هادي الوادعي، يوم بيوم غير يوم الجمعة فلا درس فيه قبل صلاة الجمعة.
وقلّما يمرّ يوم وليس معه ضيوف طوال العام وذلك لكثرة الطلاب، والزائرين وبعض الأحيان لا يتَّسِع للضيوف منزله فينزلهم في ديوان الضيوف، فهو قريب من بيته ملتصق به. ودائمًا يحث إخوانه على إكرام الضيوف، أو يكرم ضيوفه، ويقرِّب لهم الطعام بنفسه. ثم يرجع في مواصلة بحوثه والإجابة على الأسئلة الخطية ونحو ذلك إلى العصر. ثم يخرج لصلاة العصر، وبعدها يدرس «صحيح الإمام البخاري».
ويستنبط من الأحاديث استنباطات طيبة وعجيبة وموفقة بعد تسميع الطلاب للحديث الماضي يسمعون فئات فئات، لأنهم كثير؛ فيحفظون «صحيح البخاري» مع أن أكثر الطلاب يحفظون القرآن إلَّا من كان مقصرًا وإلَّا فالشيخ يحث على حفظ كتاب الله، والحفظ من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والبعض يحفظ «بلوغ المرام»، والآخر «صحيح مسلم»، والآخر «رياض الصالحين»، و«ألفية ابن مالك»، و«كتاب التوحيد» للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب النجدي، و«لمعة الاعتقاد»، و«الواسطية»، «والطحاوية»، و«الورقات»، و«ملحة الإعراب»، و«البيقونية»، و«قصب السكر»، و«السفارينية»، و«الموقظة» وغيرها كثير جدًا من المحفوظات سواء في التوحيد والعقيدة، والنحو، والفقه، و المصطلح...، ثم بعد ذلك يذهب بعد العصر إلى ضيوفه في مجلس الضيوف؛ ناصحا ومجيبا على أسئلتهم، وما كان هناك من حل بعض المشاكل بين طلاب العلم يحكمهم الكتاب والسنة على فهم السلف.
فبعض الطلاب جزاهم الله خيرًا ونفع الله بهم لم يختلف أحد منهم مع أخيه أبدًا، ولهم سنوات في الدار، وبعض منهم لديه حصيلة علمية يستطيع أن يقيم مركزًا في أي بلد من البلدان، فإذا جاء أحد يريد من يقيم دعوة في بلده وجه الشيخ بذلك، إن رأى أنهم أهل سنة، وعندهم قبول لها سواء في اليمن أو خارجها. ثم تكون نصيحة مختصرة للضيوف ويجيب على أسئلتهم في بعض الأحيان، والبعض الآخر يجعل الإجابة عليها: بين مغرب وعشاء في وقت الدرس العام. والضيوف في أكثر الأيام من مختلف بلاد اليمن ومن خارجها.
ثم بعد ذلك يدخل البيت، يتناول فطوره إن كان صائمًا؛ الإثنين والخميس أو الأيام البيض، ويخرج لصلاة المغرب، ثم بعد الصلاة والأذكار والراتبة يدرّس في «صحيح مسلم»، ثم بعده في «سنن البيهقي الصغرى»، ثم «اقتضاء الصراط المستقيم» لشيخ الإسلام. وفي بداية الدروس دروس مختصرة كثيرة، يقرؤها بعض الطلاب غالبهم من الصغار الذين يشجعون على الحفظ، من حفظهم فيعلق عليها بشرح طيب، وقد خرج من هذه الشروح في هذا الدرس المختصر قبل «صحيح مسلم»: «شرح لامية ابن الوردي» «وشرح الواسطية» و«شرح السفارينية» و«شرح البيقونية» و«شرح قصيدة غرامي صحيح» و«شرح منظومة ابن تيمية في الرد على القدرية» التي في سياق احتجاج يهودي وإجابة شيخ الإسلام عليه. و«شرح لامية شيخ الإسلام» وهو الآن يرص، وغيرها، ثم بعد التعليق على مثل هذه المختصرات يجيب على أسئلة الزائرين، فإن لم يكن زائرون يجيب على إشكالات الطلاب، وينصح ويوجه ببعض الأشياء وقد خرج من هذه الإجابة على هذه الأسئلة خمسة مجلدات بعنوان: «الكنز الثمين في الإجابة عن أسئلة طلبة العلم والزائرين » ومجلد آخر بعنوان «إتحاف الكرام بالإجابة عن أسئلة الزكاة والحج والصيام» ومجلد آخر بعنوان «الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى» والباقي غيرها مما لم يطبع بعد كثير والفضل لله وحده.
وفي بعض الليالي تكون له محاضرة على الهاتف إلى أعداد من المساجد في داخل اليمن وخارجه، فإذا علم الطلاب أن له محاضرة في تلك الليلة وضع كثير منهم هواتفهم المحمولة فكل يوصل إلى أهل قريته تلك المحاضرة الهاتفية ويحصل فيها النفع العظيم. وقد طبع من تلك الخطب والمحاضرات مجلدان وبقي مما يجهز للطبع سلسلة مجلدات. بعنوان: «إصلاح الأمة بالخطب والمواعظ من القرآن والسنة».
وبعد صلاة العشاء قد يدخل بعض الطلاب معه لحل بعض الإشكالات والمشورات التي لابد منها. ثم بعد ذلك قد يجيب على أسئلة عبر الهاتف من دول شتى أو من اليمن. وربما طلبوا منه نصيحة، فيلقيها لهم ويجيب على أسئلتهم نحو ساعة، ثم يعود إلى مراجعة بعض بحوث إخوانه طلاب العلم والتقديم لها ثم ينام. وله قسط من قيام الليل. وهو مع ذلك لديه أسرة كبيرة يقوم بما أوجب الله عليه من الرعاية والاهتمام بهم قدر المستطاع.
فجزاه الله خيرا، ونفع به الإسلام والمسلمين، فلهذه الأمور ولغيرته على السنة ودفاعه عنها وعن أهلها، ولصموده أمام الباطل بالحق والنصح، وثباته على الكتاب والسنة، أحبه طلابه وإخوانه الصالحون الناصحون؛ كما ذكر شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله في مقدمة «ضياء السالكين» وكثر أعداؤه الحاسدون الحاقدون فلم يظفروا بشيء إلا مجرد الأذى؛ فإن مما علم منه أنه يبغض الفتن جدًا ويبغض البغي والعدوان؛ فإذا بغي عليه أو على هذه الدعوة المباركة أحد قام بجهده في دفع ذلك البغي، مع تعاون إخوانه الأخيار من الطلاب، وأهل البلاد وغيرهم كثير معه، فيدفع الله ذلك البغي والشر عنه وعن الدعوة وينصره الله عز وجل.
هذه نبذة مختصرة عن دار الحديث بدماج وبرنامج شيخها بعد شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله، هذا هو برنامجه اليومي بما هو معلوم عند جميع طلاب الدار، كتبت ذلك بياناً لظلم من حقر هذه الجهود النافعة للإسلام والمسلمين، من قبيل بعض من عايشها وتربى عليها بين يدي هذا الشيخ حفظه الله، ثم نقض غزله أنكاثاً وصار إلى زمرة المتحزبين الحاقدين، ولهذه الجهود النافعة من المتنكرين، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
كتبه/أبو بشير محمد بن علي الزعكري الحجوري
إكرام شيخنا للغرباء المؤدبين
نشر بعض الحساد أن شيخنا يحيى حفظه الله يطرد الطلاب الغرباء بلا رحمة، وهذا كذب. بل الغرباء –وغيرهم من الطلاب السلفيين الثابتين- فهم في حياة طيبة علمية عملية، يطبقون السنة النبوية والطريقة السلفية بدون منع أو تضييق، مع تقوى الله، ومع احترام الكبار، ورحمة الصغار، والقناعة بما رزقهم الله. وشيخنا أبو عبد الرحمن يحيى الحجوري حفظه الله يرحمنا كثيرا، ويكرمنا غاية الإكرام، ويبالغ في مراعاة مصالحنا، وليس الخبر كالمعاينة.
تواضع شيخنا يحيى حفظه الله
قد مر بنا شيء من صور تواضع شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله. ومن تواضعه أيضا أنه يبغض المدح والإطراء.
فلما مدحه بعض الشعراء كثيرا قال لهم حفظه الله: (جزاك الله خيرا وعفا الله عني وعنك، والله.. والله نحن دون ذلك، نحن طلبة علم، نسأل الله أن يعفو عنا و يتجاوز عنا، والله إننا نعترف لله عز وجل بضعفنا وعجزنا، ونسأل الله أن يتوب علينا، ونحن مقصّرون ومذنبون، وإخواننا حفظهم الله يحسنون الظن بنا كثيرا ولسنا عند هذا أبداً، لسنا عند هذا أبداً، أنا أفيدكم خذوها مني بعلوّ، أنّا والله لسنا عند هذا أبداً، نحن طلاب علم مساكين ضعفاء، نسأل الله رب العالمين أن يتجاوز عنا ويعفو عن إخواننا، والله المستعان وجزاكم الله خيرا) اهـ. (هكذا سمعت شيخنا يقوله أمام الملأ، وهو مذكور في برامج "فتنة العدني").
يا ابنَ الكراِم ألا تدنْو فتبْصرَ ما ... قد حدَّثوك فما راءٍ كمن سمِعاَ. ("نفحة الريحانة "/1/ص 197).
صبر شيخنا على الأمراض
وقد أصيب شيخنا يحيى حفظه الله ببعض الأمراض البدنية، فأحيانا لا بد من استخدام الإبرة لإدخال المواد الغذائية، وأحيانا يكثر من شراب الأدوية فوق العادة. ومع ذلك لم أره ترك درسا من أجل مرض. فأحياناً يخفي عنا مرضه مدة إلقاء الدرس، وأحيانا يرى ذلك في وجهه. ولم يشكُ مرضاً أمامنا. بل في هذه الأشهر –مدة تأليف هذه الرسالة-، أصابه صداع، و"تيفوذ"، وغير ذلك مراراً، مع أن تهديدات الرافضة حول المركز بالهجوم لم ينته. حفظ الله شيخنا، وشفاه، وأعانه.
محنة شيخنا وجميع طلابه
لا تزال المحنة تلو المحنة تنزل بشيخنا الكريم وطلابه حفظهم الله منذ وفاة الإمام المؤسس الوادعي رحمه الله إلى يومنا هذا (شهر رجب سنة 1433 هـ)، ولم تنزل محنة إلا وأردفها الله بمخرج وفرج ونصرة ورفعة. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون﴾ [الصافات/171-173].
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن علم الله منه الصدق أعانه الله تعالى. ("مجموع الفتاوى"/1 /ص373).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها وجعل له فرجا مخرجا. ("إعلام الموقعين"/2/ص 430/دار الحديث).
قام أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني المصري المأربي بفتنة عظيمة في إثر وفاة الإمام الوادعي رحمه الله (1422 هـ)، فحصلت قلقلة في دار الحديث بدماج، وامتدت فتنته إلى كثير من البلدان. وقد كان شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله عثر على بعض أباطيله فردّ عليه وكشفها للناس فأنكر على الشيخ حفظه الله كثير من المشايخ والطلاب، فصبر عليهم، وصابر هو وطلابه الأبرار على إلقاء البيان والتوضيح حتى بصّر الله تعالى الناس فأقرّوا بصدق نصحه في أبي الحسن.
ثم جاءت فتنة صالح البكري، فعمل قلقلة في الدعوة السلفية، وعمل التحريص بين العلماء، ويحذر من مركز دماج، فصبر عليهم شيخنا حفظه الله وبيّن حاله حتى فتح الله تعالى أعين الناس فأنكروا فتنته أشد الإنكار. وفي هذا الحين –آخر شهر جمادى الثانية 1433 هـ- طلب صالح البكري المسامحة من شيخنا ومن السلفيين مما قد مضى منه، فعفا عنه الشيخ حفظه الله([8]).
ثم جاءت قلقلة أبي مالك أحمد بن علي الرياشي وبانت خيانته، وقصده نزول شيخنا من كرسيه، فطُرد من المركز فاضمحل بسرعة.
ثم جاءت فتنة عبد الرحمن بن مرعي العدني في سنة 1427 هـ فصنع قلقلة عظيمة فرّق بها السلفيين في كثير من البلدان. قد ظهر من أقواله وأقوال أصحابه ومن صنيعهم أنهم يريدون انتقال جميع طلاب دماج إلى الفيوش. ويسعون جادين في التحريش بين العلماء. ففتنته أعظم مما قبلها، فهو من أعظم المفسدين في الدعوة السلفية. ولم تنته فتنته إلى يومنا هذا (بداية شهر رجب 1433 هـ)، إلا أن الله عز وجل أذله بما جناه.
ثم جاءت فتنة الروافض الحوثييين الزنادقة الكفار، فحالولوا القضاء على شيخنا يحيى الحجوري وجميع طلاب دار الحديث بدماج حفظهم الله، في ثورتهم السادسة في تاريخ 3 رمضان 1430 هـ إلى 28 صفر 1431 هـ. فباءوا بفشل ذريع.
ثم حاولوا مرة أخرى بالحصار قبل شهر رمضان 1432 هـ مرحلة بعد مرحلة حتى بدءوا إطلاق الرصاص في تاريخ 7 ذي الحجة 1432 هـ فيزداد شدة حتى ينتهي في 1 صفر 1433 هـ. وهذه الحرب السابعة كانت أشد وأكثر ضحايا من السادسة.
ولقد صبّر الله شيخنا يحيى الحجوري وطلابه الأبرار –حفظهم الله- على هذه المحن كلها وعسى الله أن يجعلهم من زمرة المفلحين: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ الله الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب/23، 24].
وهو الذي قال: صيانة ديننا أحب إلينا من صيانة أنفسنا. (بتاريخ 11 محرم 1432 هـ).
وهو الذي قال: فقد وهبنا أنفسنا للدعوة السلفية، ولا نبغي بها بدلاً، ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس:32]. ("أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية"/ص37-38/دار الآثار).
الباب الخامس: بيان إمامة شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله
الفصل الأول: مؤلفاته
مما يدل على سعة علم شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله وقوة بحثه في المسألة كثرة مؤلفاته العلمية. قال أبو منصور الثعالبي رحمه الله: كتاب الْمَرْء عنوان عقله، بل عيار قدره ولسان فَضله، بل ميزَان علمه. ("يتيمة الدهر"/3/ص 282).
فمن مؤلفات شيخنا حفظه الله:
1- أحكام الجمعة وبدعها .
2- ضياء السالكين في أحكام وآداب المسافرين .
3- أحكام التيمم .
4- كشف الوعثاء في زجر الخبثاء الداعين إلى مساواة النساء بالرجال وإلغاء فوارق الأنثى .
5- الرياض المستطابة في مفاريد الصحابة.
6- جامع الأدلة والترجيحات في أحكام الأموات .
7- التبيين في الرد على أحمد نصر الله
8- تلخيص العلل للدراقطني مع الفهرسة .
9- الثمر الداني بتتبع ما أعل في السنن الكبرى للبيهقي.
10- اختصار البداية والنهاية .
11- تعقبات على السيوطي في كتابه الحاوي .
12- تحقيق مصنف عبد الرزاق مع مجموعة من طلابه.
13- تحقيق فتح الباري مع مجموعة من طلابه .
14- العرف الوردي في تحقيق مقدمة سنن الدارمي .
15- اللمع على إصلاح المجتمع .
16- شرح ملحة الإعراب .
17- الأربعون الحسان في فضل الاجتماع على الطعام .
18- شرح كتاب المنتقى لابن جارود .
19- تحقيق أخلاق العلماء للآجري .
20- شرح مقدمة أصول التفسير لأبن تيمية .
21- جلسة ساعة في الرد على المفتين في الإذاعة .
22- السيل العريض الجارف لبعض ضلالات الصوفي عمر بن حفيظ .
23- أسئلة أبي رواحة الحديثية والشعرية .
24- النصيحة المحتومة لقضاة السوء وعلماء الحكومة .
25- تدوين الفائدة في تفسير آية الوضوء من سورة المائدة .
26- الطبقات لما حصل بعد موت شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله في الدعوة السلفية باليمن من الحالات .
27- تحقيق وتعليق وصول الأماني بأصول التهاني للسيوطي .
28- التبين لوجوب تربية البنين .
29- التجلية لأحكام الهدي والأضحية .
30- الصبح الشارق على ضلالات عبد المجيد الزنداني في كتابه توحيد الخالق.
31- شرعية الدعاء على الكافرين وذكر أهم الفوارق بينهم وبين المسلمين ردا على القرضاوي الزائغ المهين .
32- العزلة الشرعية .
33- الثوابت المنهجية .
34- الأدلة الزكية في بيان أقوال الجفري الشركية .
35- تسلية صالح الفقراء لما لهم من الفضل على أصحاب الثراء
36-شرح منظومة الإحسائي على مقدمة ابن أبي زيد القيرواني .
37- المفهوم الصحيح للتيسير في هدي البشير النذير .
38- الأجوبة الرضية على الأسئلة الطبية .
39- المبادي المفيدة في التوحيد والفقه والعقيدة .
40- دراسة وتحقيق رسالة في بيان ما لم يثبت فيه حديث من الأبواب .
41- الحث والتحريض على تعلم أحكام المريض .
42- إعلان النكير على أصحاب الانقلاب والتفجير .
43- الباعث على إنكار أم الخبائث .
44- توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضوال .
45- شرح لامية ابن الوردي .
46- شرح الواسطية .
47- المنة الإلهية بشرح السفارينية .
48- شرح البيقونية .
49- شرح قصيدة غرامي صحيح للأشبيلي في علم المصطلح .
50- شرح منظومة ابن تيمية في الرد على القدرية .
51- الخطب المنبرية أربع مجلدات .
52- شرح الطحاوية .
53- شرح الأربعين النووية .
54- شرح كتاب التوحيد .
55- الكنز الثمين في الإجابة على أسئلة طلبة العلم والزائرين المجموعة الأولي خمس مجلدات .
56- التبيين لبعض الخير في جهاد الكافرين والزنادقة المعتدين
57- إتحاف الكرام بالإجابة عن أسئلة الزكاة والحج والصيام .
58- الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى الجزء الأول .
59- الحجاج لعبد الكريم الإرياني.
60- التحذير من أهمّ صوارف الخير
61- أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية
62- الحجج القاطعة على أن الروافض ضد الإسلام على مرّ التاريخ بلا مدافعة.
63- شرعية النصح والزجر
64- حشد الأدلة على أن اختلاط النساء بالرجال وتجنيدهن من الفتن المضلة.
65- الحُلّة البهيّة بالإجابة عن الأسئلة الجزائرية.
66- فتح الوهاب في نهي المصلي أن يبصق إلى القبلة، وحكم البصاق في المسجد، وحكم المحراب.
67- رفع منار الدين وهدم أفكار دعاة التسامح مع الكافرين.
68- تحقيق وتعليق على كتاب الحطة في ذكر الصحاح الستة
*- وله شرح في كتب الدروس العامة بعضها يفرغ وبعضها تحت الرص .
*- وله من المواد السمعية بين الخطب والمحاضرات والنصائح أكثر من ألف شريط .
وغير ذلك من الجهود العلمية ونسأل الله له التوفيق والبركة.
الفصل الثاني: ثناء العلماء عليه ومنزلته عند المنصفين
إن لشيخنا أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله منزلة رفيعة عند علماء السنة. قال الإمام المجدد الوادعي رحمه الله: (.. والشيخ يحيى حفظه الله تعالى في غاية من التّحرّي، والتُّقى، والزهد، والورع، وخشية الله، وهو قوَّال بالحق لا يخاف في الله لومة لائم...) . (في تقديمه على كتاب "أحكام الجمعة" لشيخنا حفظه الله).
وقال رحمه الله : (...الشيخ الفاضل التّقيّ الزّاهد ... والأخ الشيخ يحيى هو ذلك الرّجل المحبوب لدى إخوانه لما يرون فيه من حسن الاعتقاد، ومحبة السنة، وبغض الحزبيّة المسّاخة...). (في تقديمه على كتاب "ضياء السالكين" لشيخنا حفظه الله).
وقال رحمه الله: (.. وصدق ربّنا إذ يقول: ﴿يأيها الذين آمنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم﴾، فالشيخ يحيى حفظه الله فتح الله عليه بسبب تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم). (في تقديمه على كتاب "الصبح الشارق" لشيخنا حفظه الله).
وقال أخونا عبد الله ماطر وفقه الله: سألت الشيخ – يعني الإمام الوادعي- وأنا والله ليس بيني وبينه إلا الله عز وجل، وأنا في غرفته على سريره الذي ينام عليه. فقلت: يا شيخ إلى من يرجع إليه الإخوة في اليمن؟ ومن هو أعلم واحد في اليمن؟ فسكت الشيخ قليلا ثم قال: الشيخ يحيى. هذا الذي سمعته من الشيخ . وهذا ليس معناه أننا نتنقص علماء اليمن. فإنا نحبهم ونجلهم في الله ..إلخ ("المؤمّرة الكبرى" /ص24).
وقال الأخ سمير الحديدي للشيخ ربيع حفظهما الله: إن أصحاب أبي الحسن يقولون إنه ليس هناك علماء في اليمن. فقال الشيخ ربيع: والشيخ محمد ما هو؟!! والشيخ يحيى ما هو؟!! وغيرهم من إخوانهم. اهـ ("إنباء الفضلاء" /ص22/للشيخ سعيد دعاس رحمه الله([9])).
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله فيه: والذي أدين الله عز وجل به أن الشيخ الحجوري تقي ورع زاهد – وأخذ يثني عليه- وقد مسك الدعوة السلفية بيد من حديد ولا يصلح لها إلا هو وأمثاله (منشورة "ثناء إمام الجرح والتعديل على الشيخ يحيى الحجوري" / لأبي همام البيضاني / تاريخ 1426 هـ).
وقال الشيخ أحمد النجمي رحمه الله: فقد أرسل إلي الشيخ الجليل أخونا في الله يحيى بن علي اليمني الحجوري كتابه الذي ألف في الرد على عبد المجيد الزنداني، الذي قصد به الرد عليه في شطحاته التي دوّنها –إلى قوله:- فقد رد عليه الشيخ يحيى الحجوري –جزاه الله خيرا- في هذه الفقرات وغيره ردا مفحما بالأدلة الساطعة من الكتاب وصحيح السنة، فجزاه الله خيرا وبارك فيه وكثّر الله من أمثاله الذابين عن الحق الناصرين للتوحيد الذائدين عن حياضه .. وبالله التوفيق. (تقديمه على كتاب "الصبح الشارق"/ص7-10/دار الآثار).
وقال الشيخ محمد بن عبد الله الإمام هداه الله: لا يصلح للجرح والتعديل في هذا العصر إلا الشيخ ربيع والشيخ يحيى ("البراهين الجلية" /ص 6 / لأبي زيد معافى المغلافي).
وقال أيضاً هداه الله : لا يطعن في الشيخ العلامة يحيى الحجوري إلا جاهل أو صاحب هوى. ("المؤامرة الكبرى" /ص23 /لعبد الغني القعشمي حفظه الله).
وذكر الأخ عبد الله الدبعي حفظه الله أن الشيخ محمد الإمام وفقه الله ذكر يومًا الخروج للدعوة فقال أحد الحاضرين: يا شيخ إن الشيخ يحيى لم يخرج للدعوة. فقال الشيخ محمد الإمام حفظه الله: انتظر، الحجوري إمام. ("المؤمرة الكبرى" /ص24).
وقال الشيخ عبد العزيز البرعي هداه الله تعالى: ..نحن نعلم أنه على تقوى لله عزّ وجلّ ومراقبة، وأخونا في الله عزّوجلّ ونحبّه في الله، وعالم من علماء السُّنّة، نفع الله به ، أسدٌ من أسود السُّنّة، تاجٌ على رؤوس أهل السُّنّة، نحبُّه في الله عزّ وجلّ. من شريط "أسئلة أصحاب قصيعر"بتاريخ (28/7/1428) .
وقال الشيخ هداه الله تعالى أيضًا : فالشيخ يحيى شامة في وجوه أهل السنة وتاج على رؤوسهم). (نقله الأخ عبد الغني القشعمي حفظه الله في "المؤمرة الكبرى" ص24).
وقال شيخنا جميل الصلوي -حفظه الله-: الذي يتكلم في الشيخ يحيى مطعون، فالشيخ يحيى يتكلم لله ولدين الله، وأحدنا قد يجبن أن يتكلم في بعض الأمور، وهو قد هيئه الله لهذا الأمر، للتعليم، والتأليف، ولحلّ كثير من المشاكل. ("المؤامرة الكبرى" /لعبد الغني القشعمي حفظه الله/ص24).
وقال الشيخ أبو عبد السلام حسن بن قاسم الريمي حفظه الله في مكر ابني مرعي وأتباعه بالشيخ يحيى حفظه الله: .. فأخذوا بكلّ ما أُتوا من عدة وعتاد وقوة وتلبيس وتدليس وقلب للحقائق يريدون من ذلك الإحاطة بهذا الجبل الأشم والدرع الأمين بإذن الله لهذه الدعوة بدماج الخير هو ومن معه من المشايخ النجباء الفضلاء. إلخ ("حقائق واقعية" /ص20)
وقال فضيلة شيخنا أبو أبراهيم محمد بن محمد بن مانع العنسي الصنعاني - حفظه الله-: ننصح إخواننا بأن يرحلوا ا إلى علماء السنة وإلى دار الحديث وقلعة السنة - بدماج - حرسها الله تعالى التى أسست من أول يوم على السنة والتي ليس لها نظير في زماننا هذا من حيث التميز وتقرير العقيدة السلفية والرد على أهل البدع والزيغ والضلال تلك الدار التي أسسها شيخنا المجدد ناصر السنن وقامع البدع أبو عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله تعالى وأكرم مثواه. ولايخفى أن تلك الدار قد نفع الله بها كثيراً وهدى بها كثيراً وتخرج منها المشايخ وطلبة العلم الذين انتشروا في أقطار الأرض دعاةً إلى التوحيد والسنة وإلى منهج السلف.
ولا تزال- بحمد الله - عامرة بالعلم والسنة بعد أن خلف الشيخ فيها بوصية منه الشيخ المحدث أبو عبدالرحمن يحيى بن على الحجوري - حفظه الله تعالى - فقام بالدعوة خير قيام ، قوالاً بالحق ناصراً للسنة قامعاً للبدعة وأهلها فجزاه الله خيراً ("نصيحة مختصرة للإندونيسيين"/ص1).
الباب السادس: بعض مشايخ دار الحديث بدماج
إن فضيلة الشيخ يحيى الحجوري حفظه الله في قيامه بشئون الطلاب يساعده عدد من مشايخ الدار، منهم:
وفضيلة الشيخ أبي محمد أحمد الوصابي،
فضيلة الشيخ أبي محمد عبد الوهاب الشميري،
وفضيلة الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي بن حزام الفضلي الإبي،
وفضيلة الشيخ أبي عمرو عبد الكريم بن أحمد الحجوري العمري،
وفضيلة الشيخ أبي عبد الله زايد بن حسن الوصابي العمري،
وفضيلة الشيخ أبي محمد عبد الحميد بن علي الحجوري الزعكري،
وفضيلة الشيخ أبي بلال خالد عبود الحضرمي،
وفضيلة الشيخ أبي عبد الله طارق بن محمد البعداني الإبي،
وفضيلة الشيخ أبي عبد الله كمال بن ثابت العدني،
وفضيلة الشيخ أبي اليمان عدنان المصقري الذماري،
وفضيلة الشيخ أبي يحيى زكريا اليافعي،
وغيرهم من مشايخ دار الحديث بدماج حفظهم الله جميعًا، بعضهم لم يحبوا أن يذكروا، وهم من مشايخ الدار أيضا يقومون بالتدريس والتأليف والتحقيق والنفاح عن الحق وأهله، فجزاهم الله خيراً. وبعضهم موجودون الآن، وبعضهم بُعثوا إلى بعض البلدان والمناطق للتدريس والدعوة مدة من الزمن.
الباب السابع: شروط الدراسة في دار الحديث بدماج
إن أهل الباطل في مر التاريخ يرغبون في إضلال الناس وإفساد أماكن الخيرات، ويرغبون أن لا يتركوا لأهل السنة ينشرون الحق. وإذا وجدوا مكاناً فيه مجتمع السلفية الصافية وتدارس الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسعون في الدخول فيه، وإفساد أفكار أهله، والقلقلة فيه.
فمن أجل ذلك يسعى أئمة السلف في تصفية الصف حماية لأبنائهم وشبابهم، مع الاستمرار في دعوة الناس إلى الحق والخير.
هذا واصل بن عطاء طرده الإمام الحسن البصري رحمه الله. قال أبو سعد السمعاني رحمه الله: وأصل المعتزلة أن واصل بن عطاء كان من مشائي مجلس الحسن البصري بالبصرة، فلما ظهر الخلاف بين الجماعة وبين مرتكبي الكبائر من المسلمين فقالت الخوارج بتكفيرهم وقالت الجماعة بأنهم مؤمنون وإن فسقوا بالكبائر خرج واصل عن قول الفريقين فزعم أن الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر وفسقه منزلة بين المنزلتين الإيمان والكفر فطرده الحسن عن مجلسه فاعتزل عند سارية في مسجد البصرة وانضم إليه عمرو بن عبيد فقيل لهما ولاتباعهما معتزلي لما اعتزلوا قول الأمة في المنزلة بين المنزلتين. ("الأنساب"/للسمعاني/5/ص338-339).
والقدرية مطرودون من مجلس عكرمة بن عمار رحمه الله. قال معاذ بن معاذ: سمعت عكرمة بن عمار يقول للناس: أحرج على رجل يرى القدر إلا قام فخرج عني، فإني لا أحدثه. ("سير أعلام النبلاء"/7/ص138).
وقال إمام المسلمين في عصره أبو عبد الله مالك بن أنس رحمه الله في جواب من سأله عن كيفية الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأظنك زنديقا. أخرجوه من المسجد. ("طبقات الشافعية الكبرى"/4 /ص163).
وعلى هذه القصة: (وما أراك إلا مبتدعاً) ثم أمر به فأخرج ، علق الإمام ابن عثيمين رحمه الله فقال: وهكذا ينبغي لأهل العلم إذا رأوا في صفوفهم مبتدعاً أن يطردوه عن صفوفهم ، لأن المبتدع وجوده في أهل السنة شر ، لأن البدعة مرض كالسرطان لا يرجى برؤه إلا أن يشاء الله ، قوله : ( إلا مبتدعاً ) : يحتمل أنه أراد ( إلا مبتدعاً ) بهذا السؤال أو ( إلا مبتدعاً ) إلا أنك من أهل البدع ، لأن أهل البدع هم الذين يكون دينهم عن المشتبهات من أجل التشويش على الناس، وأياً كان المعنى فهو يدل على أن من هدي السلف طرد المبتدعين عن صفوف المتعلمين. وهكذا ينبغي أن يطردوا عن المجتمع كله وأن يضيق النطاق عليهم حتى لا تنتشر بدعهم. ولا يقال : إن الإنسان حر، نعم هو حر لكن في حدود الشرع، أما إذا خالف الشرع فإنه يجب أن يضيق عليه ويبين له الحق، فإن رجع إليه فذاك، وإلا عومل بما تقتضيه بدعته من تكفير أو تفسيق. ("شرح العقيدة السفارينية"/1/ص171-172).
فتصفية الصف وإبعاد أهل الباطل معروف عند السلف الصالح. قال النضر بن شميل رحمه الله: كان سليمان التيمي إذا جاءه من لا يعرفه من أهل البصرة قال : أتشهد أن الشقي من شقي في بطن أمه ، وأن السعيد من وعظ بغيره ؟ فإن أقر وإلا لم يحدثه. ("الجامع لأخلاق الراوي"/للخطيب البغدادي /2/ص348).
وقال مهدي بن هلال رحمه الله: أتيت سليمان فوجدت عنده حماد بن زيد، ويزيد بن زريع، وبشر بن المفضل وأصحابنا البصريين، فكان لا يحدث أحدا حتى يمتحنه فيقول له: الزنى بقدر ؟ فإن قال: نعم، استحلفه أن هذا دينك الذي تدين الله به ؟ فإن حلف حدثه خمسة أحاديث. ("سير أعلام النبلاء"/6/ص200).
وقال الحاكم رحمه الله: سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول: لما وقع من أمر الكلابية ما وقع بنيسابور، كان السراج يمتحن أولاد الناس، فلا يحدث أولاد الكلابية، فأقامني من المجلس مرة، فقال: قل: أنا أبرأ إلى الله من الكلابية. فقلت: إن قلت هذا لا يطعمني أبي الخبز. فضحك وقال: دعوا هذا. ("تاريخ الإسلام"/للذهبي/5/ص387).
وهذا إسماعيل بن طغتكين بن أيوب، سلطان اليمن، خرج في زمان أبيه عن مذهب أهل السنة في اليمن، واتبع مذهب الإسماعيلية، فطرده أبوه. ("الأعلام"/للزركلي /1/ص316).
وقال الإمام الوادعي -رحمه الله-: وننصح أهل السنة أن يتميزوا وأن يبنوا لهم مساجد ولو من اللبن أو من سعف النخل، فإنّهم لن يستطيعوا أن ينشروا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بالتميّز وإلا فالمبتدعة لن يتركوهم ينشرون السنة. ("تحفة المجيب" /ص 208).
وقال شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: ننصحكم بالتميز فإن مخالطة أهل الباطل تضييع للحقّ. «من سمع بالدجال فلينأ عنه»([10]). «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»([11]). (15 شعبان 1430 هـ).
وقال حفظه الله: ضابط التميز عند أهل السنة هو الثبات على الحق مع مجانبة أهل الباطل. (15 /11/ 1430 هـ).
وقال حفظه الله: التميز عن أهل الباطل أصل أصيل. وهل خرجت الفتن إلا بسبب عدم التميز عن المبطلين؟ وعلى هذا أدلة من الكتاب والسنة وإجماع السلف. (سجل تاريخ 20 جمادى الثانية 1431 هـ).
وهذا ما كتبه شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله في شروط الدراسة في دار الحديث السلفية بدماج:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، وأشهد أن لا أله إلا الله وان محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
فقد طلب مني أخونا الفاضل سعيد بن حبيشان القائم على موقع دار الحديث بدماج في شبكة نشر المعلومات أن أكتب حسب رغبة السائلين شروط قبول الدراسة لدينا في الدار المذكور رحم الله بانيها، وتلبية للطلب نقول ينبغي لمن يرغب في الدراسة لدينا أن يكون:
وبالله التوفيق.
الباب الثامن: ذكر بعض مراكز السنة السلفية
ومن عظيم نشاط أهل السنة والجماعة في نشر الخير وحرصهم على هداية الناس أنهم فتحوا مراكز الدعوة السلفية في بعض الأماكن، سأذكر بعض ما استحضرتها الآن، على سبيل ذكر نماذج، لا على سبيل الحصر. فمن مراكز مشايخ السنة الثابتين على الحق في أيام المحن في اليمن:
مركز فضيلة الشيخ الوالد أبي إبراهيم محمد بن محمد بن مانع (بصنعاء)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن عبد الرقيب الكوكباني (بصنعاء)،
ومركز فضيلة الشيخ محمد بن صالح القيسي (بصنعاء)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الله أحمد بن عثمان العدني (بعدن)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي معاذ حسين الحطيبي اليافعي (في عدن)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن جميل بن عبده الصلوي (في كتاف)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عمار ياسر الدبعي (بالمكلا)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد الإرياني (في إبّ)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي بكر عبد الرزاق بن صالح النهمي (بذمار)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الله محمد باجمال الحضرمي (في حضرموت)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الله يحيى بن محمد الديلمي (في معبر)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد السلام حسن بن قاسم الريمي (بتعز)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي بكر الحمادي (بتعز)،
وغيرهم الذين لم أستحضرهم الآن، حفظهم الله جميعاً.
وهناك مشايخ الدعوة السلفية في بعض دول العالم، بعضهم معروفون مشهورون، والآخرون لا أعرفهم، ولا يضرّهم أن لم أعرفهم، فكفى بالله شهيداً، وعلينا نشر الخير ودلالة الناس على أهله ما استطعنا إليه سبيلاً.
عن خرشة بن الحر رحمه الله قال: شهد رجل عند عمر بن الخطاب بشهادةٍ ، فقال له : لستُ أعرفك ، ولا يضرك أن لا أعرفك، ائتِ بمن يعرفك . الأثر. (سنده حسن على الأقل كما في "السنن الكبرى" /للبيهقي/رقم (4517)/ط. دار المعرفة).
وقد بعث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبشره بالفتح، فلما وصل البشير بين يدي عمر، قال له عمر: النعمان بعثك؟ قال: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين، فبكى عمر واسترجع، وقال: ومن ويحك، فقال: فلان، وفلان، وفلان، حتى عد ناسا، ثم قال: وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم، فقال عمر رضوان الله عليه وهو يبكي: لا يضرهم، أن لا يعرفهم عمر لكن الله يعرفهم. (أخرجه ابن حبان في "صحيحه" برقم (4756) بسند قوي).
وليس من شروط الأهلية الشهرة عند الناس. قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله: ويعتبر في صحة الإجماع اتفاق كل من كان من أهل الاجتهاد سواء كان معروفاً مشهوراً أو خاملاً مستوراً . ("اللمع" /ص 188-189/المكتبة التوفيقية).
وقال العلامة الزركشي رحمه الله: لا يشترط في المجتهد الذي يعتبر قوله أن يكون مشهوراً في الفتيا ، بل يعتبر قول المجتهد الخامل خلافا لبعض الشاذين. ("البحر المحيط"/ 6/ص100).
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: فيجب أن يعتقد أنه ليس كل من كثر بسطة للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك. ("فضل علم السلف على الخلف"/ص 5).
فنحن نحثّ جميع الإخوة المسلمين على الالتحاق بتلك المراكز العلمية السلفية لنيل شرف العلم عند الله وفضائله في الدنيا والآخرة.
إن الله خلق الإنس والجن ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ويتعبدهم باتباع شريعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحذرهم من مكائد الشيطان الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير. وهذا كله يحتاج إلى رسوخ العلم، فمعرفة تفاصيل الشريعة ليقوم الناس بها ويعرفوا دقائق مصايد الشيطان ليحذروا منها تحتاج إلى بصيرة. فلا بد من الحرص على طلب العلم الشرعي.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا ريب أن الذي أوتي العلم والإيمان أرفع درجة من الذين أوتوا الإيمان فقط،كما دل على ذلك الكتاب والسنة، والعلم الممدوح الذي دل عليه الكتاب والسنة هو العلم الذي ورثته الأنبياء . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن العلماء ورثة الأنبياء؛ إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»([12]).
وهذا العلم ثلاثة أقسام :
علم بالله وأسمائه وصفاته : وما يتبع ذلك، وفي مثله أنزل الله سورة الإخلاص، وآية الكرسي، ونحوهما .
والقسم الثاني : العلم بما أخبر الله به، مما كان من الأمور الماضية، وما يكون من الأمور المستقبلة، وما هو كائن من الأمور الحاضرة، وفي مثل هذا أنزل الله آيات القصص، والوعد، والوعيد وصفة الجنة والنار، ونحو ذلك .
والقسم الثالث : العلم بما أمر الله به من الأمور المتعلقة بالقلوب والجوارح من الإيمان بالله من معارف القلوب وأحوالها وأقوال الجوارح وأعمالها، و هذا العلم يندرج فيه العلم بأصول الإيمان وقواعد الإسلام ويندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، وهذا العلم يندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة،... إلخ.
(انتهى من "مجموع الفتاوى" /11 /ص396-397).
وقال الإمام اللالكائي رحمه الله: فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين ، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين ، والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين ، وكان من أعظم مقول ، وأوضح حجة ومعقول ، كتاب الله الحق المبين ، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين ، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون ، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين ، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثها المضلون . ("شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"/ للالكائي /1 /ص2).
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: فواجب على كل أحد طلب ما يلزمه معرفته ، مما فرض الله عليه ، على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه ، وكل مسلم بالغ عاقل من ذكر أو أنثى ، حر وعبد ، تلزمه الطهارة والصلاة والصيام فرضا ، فيجب على كل مسلم تعرف علم ذلك ، وهكذا يجب على كل مسلم ، أن يعرف ما يحل له وما يحرم عليه ، من المآكل والمشارب والملابس والفروج والدماء والأموال ، فجميع هذا لا يسع أحدا جهله ، وفرض عليهم أن يأخذوا في تعلم ذلك ، حتى يبلغون الحلم وهم مسلمون ، أو حين يسلمون بعد بلوغ الحلم ، ويجبر الإمام أزواج النساء وسادات الإماء على تعليمهن ما ذكرنا ، وفرض على الإمام أيضا ، أن يأخذ الناس بذلك ، ويرتب أقواما لتعليم الجهال ، ويفرض لهم الرزق في بيت المال ، ويجب على العلماء تعليم الجاهل ، ليتميز له الحق من الباطل. ("الفقيه والمتفقه"/ للخطيب البغدادي/1 /ص185).
إذا عرفنا هذا عرفنا أن حاجتنا إلى العلم الشرعي أكبر من حاجتنا إلى أكل وشرب.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: و العلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه : ما جاء به الرسول. و العلم خير من الحال : العلم حاكم و الحال محكوم عليه و العلم هاد والحال تابع و العلم آمر ناه و الحال منفذ قابل. و الحال سيف إن لم يصحبه العلم فهو مخراق في يد لاعب. الحال مركب لا يجارى فإن لم يصحبه علم ألقى صاحبه في المهالك والمتالف. والحال كالمال يؤتاه البر والفاجر فإن لم يصحبه نور العلم كان وبالا على صاحبه. الحال بلا علم كالسلطان الذي لا يزعه عن سطوته وازع. الحال بلا علم كالنار التي لا سائس لها. نفع الحال لا يتعدى صاحبه، ونفع العلم كالغيث يقع على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر. دائرة العلم تسع الدنيا والآخرة ودائرة الحال تضيق عن غير صاحبها وربما ضاقت عنه.
العلم هاد والحال الصحيح مهتد به، وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وأهله عصبتهم ووراثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين، وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال، وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين والغي والرشاد والهدى والضلال. به يعرف الله ويعبد ويذكر ويوحد ويحمد ويمجد، وبه اهتدى إليه السالكون ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون. به تعرف الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام وبه توصل الأرحام وبه تعرف مراضي الحبيب وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب.
وهو إمام والعمل مأموم وهو قائد والعمل تابع، وهو الصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة والغني الذي لا فقر على من ظفر بكنزه، والكنف الذي لا ضيعة على من آوى إلى حرزه. مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام. قال الإمام أحمد رضي الله عنه : الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه .
(انتهى من "مدارج السالكين"/2 /ص469-470).
وليعلموا أنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى نلقى ربنا عز وجل، ولا نقنط من أن يرحمنا الله ويصلح أحوالنا، ولكن الأعداء يحرصون على تعلم الشبهات وارتكاب الشهوات، فإن لم يحمل السلفيون تركة الأنبياء عليهم السلام -وهي العلم الذي به يحصل السلاحان: اليقين والصبر- فغيرهم أجدر ألا يحملوها. وإن لم يكن السلفيون حماة هذا الدين بالأسلحة القوية فغيرهم أحرى ألا يحموه.
الباب التاسع: بيان كمال الإسلام، والأمر باتباع السنة، والنهي عن البدع والمحدثات
إن من فضل الله علينا وعلى الناس –ولكن أكثر الناس لا يشكرون- أنه أرسل أعظم رسله محمدا صلى الله عليه وسلم بأكمل الدين وأحسن الشريعة، فلا يحتاج الإنسان إلى زيادة ولا نقصان في دينه. قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ [المائدة: 3].
وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين». (أخرجه البخاري (3535)) ومسلم (2286)).
قال الحافظ لابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت –إلى قوله:- ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها وقد وقع في رواية همام عند مسلم «إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها» فيظهر أن المراد أنها مكملة محسنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصا ، وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة ، فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة . ("فتح الباري"/10/ص341).
هذا دليل على كمال الإسلام فلا يحتاج إلى زيادة ولا نقص. قال شيخ الإسلام رحمه الله: فما شيء مما أمر الله به أو نهى عنه أو حلله أو حرمه إلا بيّن ذلك. ثم ذكر هذه الآية. ("مجموع الفتاوى"/19/ص 173)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فقد بيّن الله سبحانه على لسان رسوله بكلامه، وكلام رسوله جميع ما أمر به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحلّه، وجميع ما حرّمه، وجميع ما عفا عنه، وبهذا يكون دينه كاملا كما قال تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي﴾، ولكن قد يقصر فهم أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص، وعن وجه الدلالة، وموقعها وتفاوت الأمة في مراتب الفهم عن الله ورسوله لا يحصيه إلا الله. ("إعلام الموقعين"/1/ص332).
وقال الإمام أبو شامة رحمه الله: والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة ببعث رسول الله، وما أوحى الله إليه من الشرع الكامل، ولم يقبضه إليه إلا بعد الإكمال والتبيين. –ثم ذكر الآية-. ("الباعث على إنكار البدع"/ص 116).
فمن عبد الله بمخالفة شريعة النبي صلى الله عليه وسلم فقد ابتدع في الإسلام وكأنه يزعم أن الدين يحتاج إلى تكميل، وهذا ضلال مبين. قال الإمام الشاطبي رحمه الله: فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله : إن الشريعة لم تتم وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها، لأنه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولا استدرك عليها وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.
قال ابن الماجشون : سمعت مالكا يقول : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة زعم أن محمدا صلى الله عليه و سلم خان الرسالة لأن الله يقول : ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا. (نقله الشاطبي في "الاعتصام"/ص 33).
فعلى العبد أن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز له أن يعبد الله بالبدع فصار ضالا خارجا عن الصراط المستقيم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فالهدى بغير هدى من الله أو غير ذلك ضلالة. ونحن علينا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا من الكتاب والحكمة، ونلزم الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، ونعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق، ونأمر بما أمر الله به وهو المعروف، وننهي عما نهى عنه وهو المنكر؛ وأن نتحرى الإخلاص لله في أعمالنا، فإن هذا هو دين الإسلام قال الله تعالى : ﴿بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ [ البقرة : 112 ] ، وقال تعالى : ﴿ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾ [ النساء : 125 ] .
("مجموع الفتاوى/4/ص514-515).
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشيّاً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». (أخرجه أبو داود (4594)/عون المعبود/دار الكتب العلمية) وغيره، وحسنه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" رقم (921) /دار الآثار).
وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ». (أخرجه البخارى (2697) /دار الكتب العلمية)، ومسلم (1718)/دار ابن الجوزي) بلفظ: «ما ليس منه»).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة. فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح. ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك». (أخرجه الإمام أحمد (6764) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (3250)).
وعن رجل من الأنصار من أصحاب الرسول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «فمن اقتدى بي فهو مني. ومن رغب عن سنتي فليس مني. إن لكل عمل شرة، ثم فترة فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل، ومن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى». (أخرجه الإمام أحمد (23521) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (3251)).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ودين الإسلام مبني على أصلين : على ألا نعبد إلا الله، وأن نعبده، بما شرع، لا نعبده بالبدع، قال تعالى : ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ [ الكهف :110 ] ، فالعمل الصالح ما أحبه الله ورسوله. ("مجموع الفتاوى"/25/ص316-317).
الباب العاشر: خطورة الابتداع في الدين
قد مر بنا آنفا ذكر مفاسد الابتداع في الدين منها أنه يعتبر طعنا في الله تعالى أنه لا يكمل لعباده دينهم فيحتاجون إلى زيادة أو نقصان من عند أنفسهم، وأنهم أعرف بمصالحهم من ربهم، وما إلى ذلك من المفاسد.
ثم إنه لا يجوز لعبد أن يتهاون بالبدع والمحدثات لأنها وإن كانت تافهة يسيرة في أعين بعض الناس ولكن عاقبتها وخيمة.
عنْ أنس - رضي الله عنه - قال: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِي أَدَقُّ في أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - الْمُوبِقَاتِ. (أخرجه البخاري (6492/دار الكتب العلمية)).
قال ابن حجر رحمه الله: أي تَعْمَلُونَ أَعْمَالًا تَحْسَبُونَهَا هَيِّنَةً وَهِيَ عَظِيمَة أَوْ تَؤُول إلى العظم . ("فتح الباري" / 11/ ص 371 /مكتبة الصفا).
وقال ابن بَطَّال : الْمُحَقَّرَات إذا كَثُرَتْ صَارَتْ كِبَارًا مَعَ الْإِصْرَار. ("فتح الباري" لابن حجر /ج 11 / ص 371 /مكتبة الصفا).
وقال الإمام البربهاري رحمه الله: واحذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت دينا يدان بها، فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام. ("شرح السنة" للبربهاري رحمه الله/ ص 18/دار الآثار).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإذا أصرّ على ترك ما أمر به من السنة وفعل ما نهى عنه فقد يعاقب بسلب فعل الواجبات حتى يصير فاسقاً أو داعياً إلى بدعة. وإن أصرّ على الكبائر فقد يخاف عليه أن يسلب الإيمان فإن البدع لا تزال تخرج الإنسان من صغير إلى كبير حتى تخرجه إلى الإلحاد والزندقة ... إلخ ("مجموع الفتاوى"/22/ص 305-306/إحالة/دار الوفاء).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن لم تسعه السنة حتى تعداها إلى البدعة مرق من الدين. ومن أطلق للناس ما لم يطلقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع وجود المقتضى للإطلاق فقد جاء بشريعة ثانية، ولم يكن تبعا للرسول، فلينظر أمره أين يضع قدمه. ("الفتاوى الكبرى" /3 /ص167).
الباب الحادي عشر: لا يجوز الدراسة عند أهل البدع
وقد نهانا الله أن نسمع أقوال أهل البدع صيانة لديننا. قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء/140].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عزوجل: ﴿إنكم إذا مثلهم﴾. فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أنه أخذ قوما يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية ﴿إنكم إذا مثلهم﴾([13]) أي إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم.
وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، كما قال: * فكل قرين بالمقارن يقتدي * وقد تقدم. وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى. ("الجامع لأحكام القرآن"/5 /ص396-397/ط. دار الكتاب العربي).
وقال الإمام عبد الرحمن آل سعدي رحمه الله: ﴿ إِنَّكُمْ إِذًا﴾ أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة ﴿مِثْلُهُمْ﴾ لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، والحاصل أن من حضر مجلسًا يعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها. ("تيسير الكريم الرحمن"/ص 216).
لما لم يخضعوا للحق الذي أنزله الله تعالى وجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، صاروا أعداء لله. وكل على حسب انحرافه. قال الله تعالى: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: 4].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب﴾ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». (أخرجه البخاري (4547) ومسلم (2665)).
قال الإمام محمد بن سيرين رحمه الله: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. ("صحيح مسلم"/1/ص12).
وقال الإمام الحسن البصري رحمه الله: يا ابن آدم، دينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك، فإن تسلم فيا لها من راحة ويا لها من نعمة، وإن تكن أخرى فنعوذ بالله فإنما هي نار لا تطفأ وحجر لا تبرد ونفس لا تموت. (أخرجه الإمام الفريابي رحمه الله في "صفات النفاق"/رقم (49) وصححه الشيخ عبد الرقيب الإبي حفظه الله).
حتى وإن كان الرجل ليس من المنافقين ولكن يخشى ضرره على الأمة وجب تحذيره أيضا ولا يجوز التتلمذ عند.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب وبُدّل الدين كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله. وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقاً وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: ﴿لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم﴾ فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء، بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم وقد دخلوا فى بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم، بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها اهـ. ("مجموع الفتاوى" /28 / ص 233/إحالة/دار الوفاء).
فسلامة ديننا رأس مالنا فلا يجوز التفريط فيها. قال الإمام النووي رحمه الله: والسلامة لا يعدلها شيء . ("رياض الصالحين"/2/ص175).
فعلينا التتلمذ عند أهل السنة والحديث، الناصحين فإنهم أرحم الناس بالناس فيعظمون حدود الله، ويحثون الناس على احترامها، وتعظيم حقوق الله وحقوق العباد، ولا يتركون النصيحة، ولا يسكتون عن الضرر الهادف على الناس. قال الإمام البربهاري رحمه الله: ولا يحل أن تكتم النصيحة أحداً من المسلمين برهم وفاجرهم في أمر الدين فمن كتم فقد غش المسلمين ومن غش المسلمين فقد غش الدين ومن غش الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. ("شرح السنة"/ص29-30).
وليس المراد بأهل الحديث مجرد المهتمين بقراءة الحديث وحفظه فقط، بل هم المعتنون به حفظا واتباعا ودفاعا عنه وتنقيته مما ليس منه حماية للدين.
قال أبو محمد ابن قتيبة رحمه الله: فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من وجهته وتتبعوه من مظانه وتقربوا من الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله صلى الله عليه و سلم وطلبهم لآثاره وأخباره برا وبحرا وشرقا وغربا، ... إلخ. ("تأويل مختلف الحديث"/ص 73).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه، أو كتابته أو روايته، بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه، ومعرفته وفهمه ظاهرا وباطنا، واتباعه باطنا وظاهرا، وكذلك أهل القرآن . ("مجموع الفتاوى"/4 /ص95).
وقال رحمه الله: يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة بمعانيها اتباعا لها، وتصديقا وعملا وحبا وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عادها، الذين يروون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم، وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه . ("مجموع الفتاوى"/3 /ص347).
وقال رحمه الله: أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف، ...إلخ. ("مجموع الفتاوى"/6 /ص355).
هؤلاء هم أهل الحديث.
والله تعالى أعلم
دماج، 22 رمضان 1434 هـ
الباب الثاني عشر: صورة خطية من شيخنا يحيى حفظه الله في شروط الدراسة
[IMG]file:///C:\Users\ABUFAI~1\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.jpg[/IMG]
([1]) قال المناوي رحمه الله: «وكل بيع مبرور» أي مقبول عند الله بأن يكون مثاباً به، أو في الشرع بأن لا يكون فاسداً ، ولا غش فيه، ولا خيانة، لما فيه من إيصال النفع إلى الناس بتهيئة ما يحتاجونه. ("فيض القدير"/رقم (1122)).
([2]) قال شيخ الإسلام رحمه الله: والزهد المشروع هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله. ("مجموع الفتاوى"/10/ص21).
([3]) قال شيخ الإسلام رحمه الله: الورع المشروع هو ترك ما قد يضر في الدار الآخرة، وهو ترك المحرمات والشبهات التي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها كالواجبات. فأما ما ينفع في الدار الآخرة بنفسه أو يعين على ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين. ("مجموع الفتاوى"/10/ص21).
([4]) صحيح، قال أبو داود رحمه الله: حدثنا سليمان بن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم به.
سليمان بن داود المهري، هو سليمان بن داود بن حماد، ثقة فقيه كما في "التهذيب".
ابن وهب، ثقة إمام.
سعيد بن أبي أيوب ثقة فقيه، كما في "التهذيب".
شراحيل بن يزيد المعافري وثقه الذهبي رحمه الله في "الكاشف".
أبي علقمة هو مصري ثقة فقيه كما في "التهذيب".
([5]) ليس المعنى أن الدين غير كامل. بل هو كامل غير أن النصوص قد تدل على المعنى دلالة جلية، وقد تدل بدلالة خفية، فيحتاج الناس إلى العلماء الذين يستنبطون لهم الأحكام من هذه النصوص. قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43]. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فقد بين الله سبحانه على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمر به وجميع ما نهى عنه وجميع ما أحله وجميع ما حرمه وجميع ما عفا عنه وبهذا يكون دينه كاملا كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: 3] ولكن قد يقصر فهم أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص وعن وجه الدلالة وموقعها. ("إعلام الموقعين"/1/ص 332).
([6]) قد فرق رحمه الله بين الصبر والمصابرة، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾ [آل عمران: 200]. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فأمرهم بالصبر وهو حال الصابر في نفسه، والمصابرة وهي حاله في الصبر مع خصمه. ("عدة الصابرين"/ص 21).
([7]) كتبه هذا في تاريخ 1430 هـ، وقد توفي الشيخ أبو بشير رحمه الله قتله الرافضة لعنهم الله في الثورة السادسة
([8]) إن هذا الرجل مراوغ في التوبة لأنه بعد إظهاره التراجع وطل العفو أرجع كل ردوده الباطلة على شيخنا يحيى الحجوري بعد ما كان حذفها، بل بعد ذلك أخرج هجوماً جديداً فاجراً على الشيخ يحيى حفظه الله.
([9]) قتله الرافضة لعنهم الله في حصار دماج، في حرب عمران.
([10]) أخرجه أبو داود (الملاحم/باب خروج الدجال/رقم 4311 /ط. دار الحديث)، وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" (رقم 1019/ط. دار الآثار)).
([11]) أخرجه أبو داود (كتاب الأدب/باب من يؤمر أن يجالس/4835/العون/دار الحديث) والترمذي (كتاب الزهد/باب-45/2552/تحفة/دار الحديث)).
([12]) أخرجه أبو داود (3641) والترمذي (2682) الحديث حسن لغيره.
([13]) صحيح، أخرجه الطبري في تفسيره (9/321) وابن أبي حاتم في تفسيره (6127) عن عبد الله بن إدريس، عن العلاء بن المنهال، عن هشام بن عروة في قصة عمر بن عبد العزيز.
ولد هشام بن عروة سنة 61 هـ، وكذلك عمر بن عبد العزيز. ولم يُظنّ بهشام التدليس إلا من أبيه. ولقاؤه بعمر بن عبد العزيز ممكن، فالأثر صحيح.
في دار الحديث بدماج السلفية
(وذكر غيره من مراكز الدعوة السنية)
تقديم الشيخ المفضال:
أبي عبد الرحمن عبد الرقيب بن علي الكوكباني حفظه الله
تأليف الفقير إلى الله:
أبي فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم الشيخ المفضال أبي عبد الرحمن عبد الرقيب بن علي الكوكباني حفظه الله
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً مزيداً، أما بعد:
فقد طالعت رسالة أخينا المفضال الكاتب المفيد أبي فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي حفظه الله بعنوان: "تلقي العلوم الدينية في دار الحديث بدماج السلفية"، فألفيتها رسالة قيمة في موضوعها. وأخونا المؤلف هو ذلك الكاتب الغيور على السنة الذابّ عن حياضها بمداد قلمه، فكتابته في رسائله أو في شبكة العلوم السلفية تدلك على ذلك([1]).
فنسأل الله أن ينفع بهذه الرسالة كاتبها وقارئها إنه سميع قريب مجيب، وهو سبحانه بكل خير كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
كتبه
أبو عبد الرحمن عبد الرقيب بن علي الكوكباني
2 شوال 1434 هـ
([1]) جزى الله شيخنا أبا عبد الرحمن عبد الرقيب خيراً على حسن طنه بي وتشجيعه إيّاي. فمن الله الرسالة والشريعة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ والبيان، وعلينا التسليم والنصرة. والفضل بيد الله وحده ولا حول ولا قوة إلا به.
مقدمة المؤلف عفا الله عنه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فقد تساءل بعض الإخوة عن دار الحديث بدماج وشروط الدراسة فيها. فعزمت –بما يسر الله لي- على تعريف دار الحديث بدماج، ومؤسسها، والقائم بها حاليا، والدروس القائمة فيها، ونحو ذلك حتى يتبين لمن لم يعرفها أو يلتبس عليه بعض حقيقة الأمور فيها، وكما قيل: من جهل شيئا عاداه، والحب يتبع العلم، كلما ازداد علم الشخص بمحاسن الشيء ازداد حبه إياه بتوفيق الله وحده.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا». (أخرجه مسلم (2674)).
وأذكر الشروط الدراسية فيها مع شيء من التوضيح حولها.
فأقول مستعينا بالله:
الباب الأول: التعريف بدار الحديث بدماج
دماج قرية تقع جنوب شرق مدينة صعدة في شمال اليمن، و هي عبارة عن وادي به حوض مائي طيب و أرض زراعية خصبة تحيط بها الجبال من جميع الجهات.
وهي مسقط رأس الإمام المجدد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله ورفع درجته وأعلى منزلته- . وسيأتي الكلام إن شاء الله على سيرته.
أسس بها رحمه الله دار الحديث السلفية التي تقوم على عِمد ثلاث : الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح. و لأصحاب الدار ثلاثة وظائف : علم و عمل و دعوة .
تتكون هذه الدار السلفية من مسجد يتسع لأكثر من ستة ألف مصلٍّ و مصلى للنساء يتسع لأكثر من ألفي مصلية.
ومدرسة مكونة من أربعة فصول للأولاد الصغار يدرسون فيها القرآن، والعقيدة السلفية، و الحروف، و يلحق بهذه الدار مكتبتان عامتان إحداهما للرجال تقع في الدور الثاني من مقدمة المسجد و مكتبة للنساء تقع في مؤخرة الدور الثاني للمسجد خلف مصلى النساء و بها عدة سكنات عامة و سكن أسفل الطابق الأرض " بَدْروم " تحت المسجد و سكن آخر تحت مجلس الضيوف و بها مطبخ عام للطلاب العزاب و بقية الطلاب ينامون في المسجد. و في أيام الصيف ينامون على سطح المسجد و في ساحة الطعام، و هي عبارة عن ساحة عليها مظلة حديدية معدة للأكل و تقي الطلاب حر الصيف و برد الشتاء و كرب الخريف، و بها مولد كهربائي لا بأس به يتم تشغيله ابتداء من الساعة الرابعة صباحا إلى شروق الشمس و من قبيل المغرب إلى الساعة العاشرة ليلا يضيء المسجد و ما حوله من مرافق و كذلك البيوت المجاورة .
و جدولهم على مدار اليوم و الليلة كالآتي :
يصلون الفجر جماعة في مسجدين الأول مسجد الدار و يسمى " مسجد المكتبة " يؤمهم في صلاة الفجر شيخنا يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى خليفة الشيخ الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى -و هو خير خلف لخير سلف، نصر الله به الدعوة و خذل به البدعة-. وأما في بقية الأوقات يؤمهم الشيخ أحمد الوصابي حفظه الله.
ومسجد آخر في المزرعة. و المزرعة عبارة عن مساكن الطلاب الذين يأتون لطلب العلم مع عوائلهم .
فإذا انتهوا من صلاة الفجر أقبلوا على الذكر و قراءة القرآن حتى تطلع الشمس ثم يصلي من أحب منهم ركعتي الإشراق لوقت الضحى ثم يتوجهون بعد شروق الشمس إلى دروسهم الخاصة في جميع الفنون.
تدرس دروس عدة في الفرائض، و العقيدة، و اللغة، و الفقه، وأصول الفقه، ومصطلح الحديث، على مقدار الساعة، إلى الظهيرة، على حسب رغبات كل طالب. يدخل كل طالب فيما يناسبه من الدروس و الذي يشتغل بالحفظ يبقى مع محفوظاته و كذلك أصحاب المراجعات. ولهم فرصة لأخذ طعام الإفطار. وأقيمت الصلوات والدروس أيضا في مسجد الوطن، ومسجد الحضن، ومسجد العمال، ومسجد براقة، ومسجد الوادي.
وأما الباحثون: فإن المكتبة تفتح لهم من الساعة السادسة صباحا إلى قبل أذان الظهر بثلث ساعة يقوم حارس المكتبة بإشعار الطلاب بوقت الخروج استعدادا لصلاة الظهر، فعند ذلك يجتمع الطلاب في المسجد حين الأذان و بعده يصلون أربع ركعات قبلية للظهر لحديث عائشة –رضي الله تعالى عنها- في "الصحيح" و أحيانا ينوّعون فيصلون ركعتين لحديث ابن عمر –رضي الله عنهما- في "الصحيحين" ثم يصلون الظهر جماعة ثم بعد ذلك يؤدون أذكار الصلاة و هكذا في كل صلاة، ثم يصلون بعدها الراتبة البعدية ثم يقوم الشيخ العلامة أبو عبد الرحمن الحجوري بإلقاء درسه اليومي الذي لا ينقطع إلا يوم الجمعة و إلا فهو مستمر حتى في الأعياد و هذا الدرس يكون على النحو التالي :
السبت و الإثنين و الأربعاء "تفسير ابن كثير" -رحمه الله تعالى- وبقية الأيام "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" للإمام الوادعي رحمه الله تعالى.
وعادة الشيخ حفظه الله أن يقوم قبل الدرس بالإجابة عن أسئلة و استفسارات إخوانه طلاب العلم أو ينبّه على ما يحتاج التنبيه عليه مع ما يتخلل الدروس من الملح العلمية و غيرها.
ثم ينصرفون لغدائهم وحاجاتهم إلى قبيل صلاة العصر ويستعدون للصلاة فيصنعون كما صنعوا في الظهر ثم يلقي الشيخ درس "صحيح البخاري" و هو درس يومي لا ينقطع، و هكذا جميع الدروس و في هذا الوقت يجيب الشيخ عن الأسئلة ثم يقرأ الطلاب الحديث الذي درسوه اليوم السابق. ثم يقرأ الشيخ الحديث التالي و يعلق عليه بعد ذلك و ينصرف الطلاب إلى أعمالهم ، أهل الأبحاث إلى المكتبة و المدرسون إلى دروسهم و الشيخ يجلس مع زُوَّاره و مع أهل الإشكالات ينصح و يوجه و يدعو إلى الله عز وجل ثم يرجع إلى بيته يراجع بحوثه أو يقدم لبحوث إخوانه و غير ذلك من الأعمال.
بعد ذلك يؤدي الطلاب أذكار المساء و يستعدون لصلاة المغرب فيصلونها ثم يؤدون أذكارها و نافلتها البعدية.
وأيضا قبلها يبتدرون السواري وغيرها لصلاة النافلة القبلية عملا بحديث أنس –رضي الله تعالى عنه-عند البخاري (625) ومسلم (837): كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي
ولحديث عبد الله بن مغفل –رضي الله تعالى عنه- : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا قبل صلاة المغرب». قال في الثالثة: «لمن شاء». كراهية أن يتخذها الناس سنة. (أخرجه البخاري (1183)).
و بعد الانتهاء من شعيرة المغرب و أذكارها و نافلتها البعدية يقوم الشيخ حفظه الله تعالى إلى كرسيه لإلقاء دروس الماتعة: يجيب على الأسئلة كعادته، ثم يدرّس "صحيح مسلم"، ثم يدرّس "جامع بيان العلم" للإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى، ثم يدرّس "الحطة في الصحاح الستة" لصديق حسن خان رحمه الله، و يستمر الدرس إلى صلاة العشاء و متوسط وقته ساعة و نصف إلى ساعتين إلا ربع. ثم نصلي العشاء ثم بعد ذلك يتوجه الطلاب العزاب إلى عشائهم، و أصحاب العوائل إلى بيوتهم، و الباحثون إلى مكتبتهم و من كانت لديه دروس بعد العشاء فإلى دروسهم و أهل المراجعات إلى مراجعاتهم ثم تنطفئ الكهرباء الساعة العاشرة فيبقى من أحب المراجعة على أضواء البطارية و ينام من أحب النوم إلى قبيل الفجر بساعة أو ساعتين ثم يستعد الطلاب لقيام الليل و لصلاة الفجر و بعضهم يصلي الوتر قبل نومه.
وهكذا فإذا صلوا الفجر صنعوا كما كانوا يصنعون بالأمس هذه طريقتهم، و هذا فعلهم يحرصون في ذلك كله على تعلم الكتاب و السنة و العمل بالكتاب و السنة و الدعوة إلى الكتاب و السنة و موافقة الكتاب و السنة ، مجتمع ليس فيه تلفاز و لا غناء أو تبرج جمع الله لهم خير الدنيا و الآخرة بإذنه سبحانه و تعالى لقوله تعالى : ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون﴾.
(مستفاد من ملزمة "الابتهاج بأخبار دماج" لشيخنا الفاضل أبي محمد عبد الحميد بن يحيى الزعكري الحجوري حفظه الله، مع تهذيب وبعض الإضافات).
الباب الثاني: ترجمة وجيزة لمؤسس هذه الدار
هذه ترجمة الإمام الوادعي رحمه الله الوجيزة الرائعة الدالة على إمامته في الخيرات.
نسبه:
هو الإمام العلامة المحدث أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي بن قايدة الهمداني الوادعي اليمني
مراحل طلبه العلم:
بدأ الإمام رحمه الله تعالى طلب العلم في المكتب حتى انتهى من منهج المكتب، ثم ذهب إلى مسجد الهادي فلم يساعد على طلب العلم. وبعد زمن اغترب إلى أرض الحرمين ونجد، فاستنصح بعض الواعظين ما هي الكتب المفيدة ليشتريها؟ فأرشده إلى "صحيح البخاري" و"بلوغ المرام" و"رياض الصالحين" و"فتح المجيد". وكان رحمه الله يعمل آنذاك حارساً على عمارة في الحجون، فعكف على هذه الكتب يقرءها وكانت تعلق في ذهنه لأن العمل في بلده كان على خلاف ما فيها سيما كتاب "فتح المجيد".
وبعد مدة رجع رحمه الله إلى بلده، وبدأ ينكر الذي وجد مجتمعه عليه من الذبح لغير الله، وبناء القباب على القبور، ونداء الأموات، والاستغاثة بهم. فبلغ ذلك الشيعة فأغاظهم ذلك فقائل منهم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه)، ومنهم من يرسل إلى أقربائه ويقول: (إن لم تمنعوه فسنسجنه). وبعد المضايقات قرروا قراراً لم يستطع الفرار منه: قرروا أن يدخلوه "جامع الهادي".
فلما رأى أن الكتب المدرَّسة غير مفيدة ما عدا "النحو"، ورأى أن الكتب المقررة شيعية معتزلية أقبل رحمه الله على "النحو"، وكان ينصح أحد مدريسهم: محمدَ بن حورية بترك التنجيم، فأبى عليه بل نصح أصحاب الجامع بطرد الشيخ مقبل رحمه الله منها، فشفعوا له.
فلما قامت الثورة الجمهورية ترك هو رحمه الله وأهله البلاد ونزلوا نجران، ولازم شيخه أبا الحسين مجد الدين المؤيَّد، فاستفاد منه خصوصا في اللغة العربية. فمكث بها قدر سنتين، ثم رحل إلى أرض الحرمين ونجد، فسكن بنجد قدر شهر ونصف في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للشيخ محمد بن سنان الحدائي رحمه الله، وكان يكرمه كثيرا لما يرى من استفادته.
ثم رحل رحمه الله إلى مكة، فكان يشتغل هناك إن وجد شغلا، ويطلب العلم في الليل، يحضر دروس الشيخ يحيى بن عثمان الباكستاني في "تفسير ابن كثير" و"البخاري" و"مسلم". ويدرس عند الشيخ العالم الفاضل: القاضي يحيى الأشوال اليماني "سبل السلام"، وغير ذلك. ويدرس عند الشيخ العالم الفاضل: عبد الرزاق الشاحذي المحويتي اليماني بعض الكتب يطلبها الشيخ رحمه الله.
فلما فُتح معهد الحرم المكي، دخل فيه فتتلمذ عند بعض أبرز المشايخ: الشيخ عبد العزيز السبيِّل، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، وكذلك عند الشيخ محمد السبيِّل. وبعد الاستقرار في المعهد خرج رحمه الله إلى نجران للإتيان بأهله، للسكنى بمكة مدة الدراسة في المعهد وكانت ست سنين.
ويدرس بين المغرب والعشاء عند الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي. ويدرس عند الشيخ محمد بن عبد الله الصومالي نحو سبعة أشهر، وكان آية في معرفة رجال "الصحيحين"، واستفاد منه كثيرا في علم الحديث.
ثم انتقل إلى المدينة إلى الجامعة الإسلامية في كلية الدعوة وأصول الدين، ومن أبرز مشايخه الشيخ السيد محمد الحكيم المصري، والشيخ محمود عبد الوهاب فائد المصري. وفي العطلة دخل في كلية الشريعة، فانتهى رحمه الله من الكليتين وأعطي شهادتين. قال رحمه الله: (وأنا بحمد الله لا أبالي بالشهادتين. المعتبر عندي هو العلم).
وفي ذلك العام فتحت في الجامعة دراسة عالية وهي التي يسمونها بالماجستير، فدخل فيها وتخصص في قسم علم الحديث. وكان أبرز مشايخه الشيخ محمد الأمين المصري، و الشيخ السيد محمد الحكيم المصري، والشيخ حماد بن محمد الأنصاري. وكان يحضر بعض الليالي درس الإمام عبد العزيز بن باز في الحرم المدني في صحيح مسلم، ويحضر درس الإمام الألباني في جلساته الخاصة بطلبة العلم للاستفادة.
دعوته في السعودية
ومنذ كان في الحرم المكي كان يدرِّس بعض طلاب العلم في "قطر الندى"، و"التحفة السنية"، وفي المدينة يدرس طلاب العلم في "التحفة السنية"، وفي بيته يدرِّس في جامع الترمذي، وقطر الندى، والباعث الحثيث. فانتشرت دعوة كبيرة بالمدينة في مدة ست سنوات قام بها هو وبعض زملائه. وحصلت رحلات دعوية في جميع أنحاء المملكة العربية فاستفاد منها الناس وأحبّوا الدعوة.
فلما اشتعلت فتنة جهيمان وأصحابه أمرت الحكومة السعودية بترحيل الغرباء، والشيخ رحمه الله بريء من الحركات الجهيمانية.
ولما وصل إلى اليمن رجع الإمام رحمه الله إلى قريته ومكث بها يعلِّم الأولاد القرآن، وأقام الدعوة فتكالب عليه الشيعة وأعداء الإسلام. ودعاه ذات مرة أحد المسئولين فدخل عليه الإمام رحمه الله، ومعه حسين بن قائد مجلي فتكلم على الشيعة، وشرح له أن الشيخ ومن معه يدعون إلى الكتاب والسنة، وأن الشيعة حسدوهم على ذلك، ويخافون أن يظهر الحق، فقال المسئول: (إن الشيعة سوّدت تاريخ اليمن، وما دامت دعوتك كذلك فادع ونحن معك).
وبعد ذلك مكث رحمه الله في مكتبته، وما هي إلا أيام فإذا بعض المصريين، ففتح رحمه الله دروسا في بعض كتب الحديث واللغة، ولم يزل طلبة العلم يفدون من مصر، والكويت، وأرض الحرمين ونجد، والجزائر، وليبيا، والصومال، وبلجيكا، ومن كثير من البلاد الإسلامية وغيرها.
حرصه على تعليم طلابه وأهل بيته
وكان الإمام رحمه الله حريصاً على العلم فقد كان مهتماً بالتدريس أيما اهتمام، كانت له دروس عدة: فكان يدرس قبل أذان الظهر بساعة كتابه "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين"، ولما انتهى منه أخذ يدرس في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" وبعد صلاة الظهر يدرس يوماً في "تفسير بن كثير" ويوماً يدرس في كتابه "الصحيح المسند من أسباب النزول" فلما انتهى منه جعل مكانه درس "الجامع الصحيح" فصار يوماً يدرس "التفسير" ويوماً يدرس "الجامع الصحيح".
وبعد العصر يدرس في "صحيح البخاري" وبعد المغرب يدرس في "صحيح مسلم" ، وفي كتابه "أحاديث معلة ظاهرها الصحة" ولما انتهى منه درس كتابه "غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل". ولما انتهى منه درس كتابه "ذم المسألة"، إلا أنه غاب في تدريسه كثيرا لما بدء مرضه يشتد عليه وكتبه هذه كلها درسها مع "صحيح مسلم". ولما انتهى من كتاب "ذم المسأله" درس في كتابه "الصحيح المسند من دلائل النبوه" وكان يجعل يوما له ويوما لـ: "صحيح مسلم" ومع هذين الكتابين يدرس كتاب "المستدرك" وكتابه "الصحيح المسند في القدر". فهذه دروس الإمام الوادعي رحمه الله الخاصه في دار الحديث. وإذا انتقل إلى بيته يدرس ابنته أم عبدالله كتاب "قطر الندى"، ثم يقرأ نساؤه عليه حديثا من كتابه "دلائل النبوة". وكذلك يدرسهن الإملاء، وكان يدرس زوجته أم شعيب "المتممة" قبل النوم.
وفور ذكاؤه، وسعة علمه، وقوة فقهه
وكان رحمه الله إذا تكلم في علم الرجال كأنه فارس ميدان هذا العلم كان يأتي بفوائد عجيبة وربما جاء في بعض الأسانيد فلان بن فلان فيقول أخشى أن يكون تصحيفاً فيبحث فيوجد أنه مصحف كما قال. وأما النحو إذا ناقش طلبته كأنه لا يوجد غيره في معرفة هذا الفن لكثرة الفوائد التي يطرحها في دروسه. وإذا تكلم في العلل أدهش من حوله. وإذا جاءته أسئلة يجيب عليها وكان سريع الاستحضار للأدلة لقد كنا نندهش من قوة ذاكرته يأتي بالأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله فيرصها رصاً ويناسق بينها ويستبنط منها استنباطات عجيبة مع أنه لا يحفظ القرآن كاملاً ومن قرأ في كتابه "الجامع الصحيح" عرف فقه الرجل من خلال تلك التراجم وكما قيل فقه البخاري في تراجمه.
حرصه على الدعوة
كان الإمام الوادعي رحمه الله حريصاً على الدعوة إلى الله أيما حرص، مع كثرة مشاغله في التأليف والتدريس. وكان يوجه طلبته ويقول لهم: (لا تقبلوا على العلم وتتركوا الدعوة عليكم بالدعوة إلى الله بما تعلمتم). وقد خرج للدعوة ففي بعض السنوات يخرج ويتنقل في كثير من المدن والقرى اليمنية صعِد الجبال ونزل الأودية والسهول، وكان يؤذى من قبل أعداءه من الجماعات كالإخوان المسلمين وأصحاب جمعيتي الحكمة والإحسان والعلمانيين والصوفية وغيرهم، ولا ينقطع عن دعوته إلى الكتاب والسنة. وكان يحضر له الجموع الغفيرة حتى إنه في بعض المحاضرات لا تتسع المساجد للجموع التي تحضر فيجعلونها في مصلى العيد، فيحذر الناس من جميع المنكرات من الشرك والبدع والحزبية التي فرقت شمل الأمة وغير ذلك. ويناصح المزارعين والمدرسين والمسؤولين والآباء والأمهات والأبناء والأطباء والتجار والصحفيين والعمال. بل كان حريصاً على هداية الناس أفراداً وجماعات. وجاءه مراسل إذاعة لندن فطلب منه أن يتكلم معه فقال له الشيخ: (ما رأيك تسلم وأتكلم معك؟) فنصحه الشيخ وطلب منه أن يسلم، فأبى، فرفض أن يتكلم معه. ومكث أياماً يحضر الدروس يريد الكلام مع الشيخ، والشيخ يطلب منه أن يسلم كان حريصاً على هدايته ومكث أياماً ثم رحل.
وكان رحمه الله إذا انتهى من محاضرته ينتقل إلى بيت أحد الأخوة، فيجتمع الناس به يسألونه فيجيب على أسئلتهم، فإذا انصرفوا عنه قرأ إن كان لديه نشاط، وإلا ينام.
حرصه على طلاب العلم
وكان رحمه الله حريصا على طلبة العلم وكان يحزن ويتوجع إذا علم أن طلبته يحتاجون شيئا ولم يستطيعوا الحصول عليه فقد قال رحمه الله في بعض دروسه: أعظم مشقة تواجهني أعظم من مواجهة المبتدعة وأعظم من التأليف هي حاجات الطلاب
وكان رحمه الله لا يبخل على طلابه بشيء، فقد خرج مرة بعد درس الظهر من بيته ومعه صحن فيه أرز وإناء فيه لبن فأعطاه بعض الطلبة. وكان إذا خرج من الدرس بعد الظهر وجاء أحد يسأله عن سؤال قال له: (ادخل نتغدى ثم نتكلم).
ومرة قدم له بعض طلبة العلم ورقة في أحد الدروس مكتوب فيها: (أنا طالب علم وأحب العلم وعليّ دين وأخشى أن يصرفني عن طلب العلم). وبعد ما قرأها الشيخ أخذ يدرس وقبل الإنتهاء من الدرس قال في مكبر الصوت: (الأخ الذي قدم الورقة يذهب إلى الأخ فلان ويقول له كم دينه وننظر هل نستطيع مساعدته).
سخاوة نفسه
فقد كان رحمه الله كريماً، يستقبل وفوداً. وإذا جاءه زائرون دعاهم إلى بيته للغداء. وإذا جاءوا في وقت متأخر استقبلهم الطلاب إلى غرفة الضيوف، ثم يلتقون بالشيخ، ويقدم الغداء بنفسه في كثير من الأوقات. وكذلك كان يجلس معه بعض الزوار بعد صلاة الفجر، فيقدم لهم زبيباً ويكرمهم غاية الإكرام وكان يجود بما يملكه .
ولم يكن يدخر عنهم شيئا وهو يعتبرهم أبناءه وكان رحمه الله تعالى يراعي جدا شعور الطلاب ولهذا فقد كان من الموانع في عدم شراء ثوب للعيد له من أجل لا يكون شئ قي قلوب طلاب العلم الذين لا يجدون ملابس جديدة للعيد ويقول: (هات الموجود).
وعند أن خرج من اليمن في هذه الآونة الأخيرة اشتاق جدا للمركز ولطلابه. وربما تذكرهم وبكى ويقول: (هم أولادي).
تواضعه
وكان رحمه الله ذا أخلاق سامية فلا يحتقر المسكين والضعيف ويرحم الصغير ويعين الكبير ويشفق على النساء الصالحات ويعينهن بكل ما في وسعه.
فمن تواضعه لو ناداه طفل وهو يمشي لوقف له، يكلمه، وينظر ماذا يريد. ويأتيه الصغير وهو على كرسيه يلقي درسه، فيتوقف عن إلقاء درسه فيقول له الصغير: (أريد أن أقرأ حديثاً في مكبر الصوت) فيرفعه الإمام أو يأمر بعض طلبة العلم برفعه، فيجلسه أمامه، فيقرأ الصغير حديثه، والإمام يبتسم، ولا يتضجر. وكان مع طلبته هين لين.
ومن تواضعه أنه كان إذا جاءه العوام يجلس معهم الوقت الطويل بالرغم من حرصه على الوقت، حتى إنه قال لنا في بعض دروسه: (يأتيني العوام فأجلس معهم وأحتسب على الله لأنهم لا يعرفون قيمة الوقت، وسيقولون إنني متكبر. أما طلاب العلم أعاملهم خلاف العوام، لأنهم يعرفون قيمة الوقت. وابن الجوزي رحمه الله كان يجمع ما عنده من الأقلام فإذا جاءه الزائرون يجلس معهم يبري الأقلام).
عفته وعزة نفسه
كان الإمام الوادعي رحمه الله عفيفاً، عنده عزة نفس حتى إن من عزة نفسه أنه كان يتحرج من أن يكتب لأهل الخير بما يخص طلبته. فعلم بذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فكتب إليه: (يا أبا عبدالرحمن اكتب وأنت مأجور). وإذا أتته الأموال لطلبة العلم مباشرة يحيلها إلى المسؤول عن شؤون الطلاب. وكان رحمه الله على هذه الخصلة الطيبة من بداية أمره.
ودرس الطلاب في كتابه "ذم المسألة" وكان يذم من يذهب يتسول باسم الدعوة ويحذر منه. قال في مقدمة كتابه السالف ذكره: أما بعد فإني لما رأيت أقواماً ممن يزعمون أنهم دعاة إلى الله تخصصوا للتسول وتركوا الاحتراف. فرب زراع يأكل أكلاً حلالاً من كسب يده بل عمله من أفضل القربات، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة».
ورب شخص يعمل في التجارة وهي أيضاً من أفضل القربات وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الكسب أطيب قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور([1]).
بل ربما يكون الرجل بدوياً يأكل مما تنتجه غنمه وإبله فيرى المتسولين يفتحون المعارض ويبنون العمائر، فيعفو لحيته ويتشبه بالدعاة إلى الله ويحترف التسول أف لها من وضيفة مشينة مزرية.
زهده رحمه الله
ذكر رحمه الله أنه عندما كان يتعلم في جامع الهادي كان يبقى معه شيء من الخبز فيضعه في فتحة في الجدار يقال لها الخزانة. فيأتي يوم من الأيام لا يجد أكلاً فيأتي لها. قال رحمه الله: (فأدخل يدي ورأسي أبحث عنها، ثم أخرجها وقد نسج عليها العنكبوت، فأميط عنها التراب، فأجدها قد يبست فأبلّها بالماء، ثم إن وجدت حبة من الطماطم فأمر طيب، وإلا أكلتها).
وجاء يوما بعض الناس من فاعلي الخير إلى الإمام رحمه الله فأرادوا أن يبنوا له بيتا فقال لهم: (هاتوا المال) فأخذ منهم المال، وبنى به مسجداً، وبنى غرفة صغيرة فوق المسجد. فلما جاءوا قالوا له: (أين البيت) قال لهم: (هذا هو بيتي) وأراهم المسجد وأشار لهم إلى الغرفة الصغيرة التي فوق المسجد.
ومن زهده([2]) في الدنيا أنه أوقف أرضا كبيرة كان يملكها لطلبته كي يبنوا فيها مساكن لهم.
وقال رحمه الله: وأخيراً فإني أنصح لأهل السنة أن يصبروا على الفقر فهي الحال التي اختارها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ورعه
وكان رحمه الله تعالى ورعاً([3]) فلا يبقى مال الدعوة عنده بل يحيله إلى مسؤول المال. بل كان ربما يهدى له شيء من شخص لا يعرفه فيترك الانتفاع به ويعطيه من تستحقه من زوجاته.
محاولة الأعداء قتله
إن أهل الباطل قد حاولوا اغتيال هذا العالم الجليل والمجاهد النبيل فإنه عندما كان هو وبعض مشايخ أهل السنة بمدينة عدن في مسجد الرحمن وضع له رجلان لغما في الطريق الذي سيخرج منه الشيخ رحمه الله ولكن كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه﴾ [فاطر: 43] فقد انفجر اللغم ومزق جسدي هذين الآثمين.
وكذلك حاولوا قتله في وقت آخر وسلم الله الشيخ رحمه الله.
صبره على المرض
دخل أحد الفضلاء يوما على الإمام رحمه الله وكان مريضاً مرضاً شديداً، فأراد أن يخرج يلقي دروسه فقال له: (يا شيخ أنت متعب، يقوم بالدروس غيرُك). فأجاب: (لا والله لا أترك هذه الوجوه الطيبة).
وخرج يوما من بيته يلقي الدروس ويده مربوطة إلى عنقه وعليها جبيرة فسئل بعض الطلاب ما الذي حصل للإمام؟ قالوا: (سقط في بيته على الأرض) ولم يترك الدروس حتى شفي.
وقالت زوجه أم شعيب حفظها الله: وكان يصبر على المرض فما يشكو لأحد مرضه حتى إنه في مرضه الأخير كنت أتألم لحالته وهو يضحك ويسألنا وأنا أقول: يا شيخ ارفق بنفسك فيقول الحمد لله أنا مرتاح ثم أسكت.
وفاته رحمه الله
من أجل شدة مرضه رحل رحمه الله في تاريخ 16 ربيع الثاني 1421 هـ إلى الرياض فاستقبله أمراء السعودية استقبالهم للأمراء وأكرموه غاية الإكرام، وفي مكة أعدّ له الأمير السلفي نايف بن عبد العزيز رحمه الله منزلا لا يبعد عن المسجد الحرام إلا بمقدار خمسين مترا. ثم في أواخر شهر جمادى الثانية 1421 هـ رحل إلى أمريكا للعلاج على حساب الأمراء السعودية، فلما وصل هناك رحّب به محبو الدعوة السلفية ترحيبا عظيما وبذلوا أموالا وأنفسا لخدمته وأكرموه غاية الإكرام.
وفي أواخر شهر شوال 1421 هـ وصل إلى جدة وهو محرِم بعمرة متمتع بها إلى الحج تحت إكرام وخدمة الحكومة السعودية، حتى أكمل أعمال الحج في الثالث عشر من ذي الحجة.
وفي 7 ربيع الثاني 1422 هـ تعالج إلى ألمانيا على حساب الأمراء السعوديين، ثم وفي اليوم السبت 30 ربيع الثاني 1422 هـ رجع إلى صنعاء. وفي ليلة الأحد بين المغرب والعشاء توفي رحمه الله بابتسامة ملأت وجهه، وقد وصّى أن يدفن في مقبرة العدل في مكة. فقامت وزارة الداخلية السعودية بإرسال ثلاثة من الضباط لمرافقة جنازة الإمام رحمه الله حتى وصلوا إلى مكة. غسلت جنازته رحمه الله في جدة ولم تفارق ابتسامته وجهه في الغسل ولا بعده، ثم صلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة الفجر، ثم دفن في مقبرة العدل بمكة بعد جهد عظيم في إخراج جنازته من المسجد لكثرة المصلين والحاضرين.
مراجع الترجمة:
- "ترجمة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي" بقلم الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله.
- "الرحلة الأخيرة لإمام الجزيرة" بقلم أم سلمة السلفية.
- "نبذة يسيرة من حياة أحد أعلام الجزيرة العلامة الوادعي رحمه الله" بقلم محمد بن علي الصومعي.
- "الباعث على شرح الحوادث" للإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله.
الباب الثالث: بيان سعة علوم الإمام الوادعي رحمه الله وإمامته وسلفيته
الفصل الأول: مصنفات الإمام الوادعي رحمه الله
وقد ترك هذا الإمام الجليل رحمه الله تراثاً عظيماً في ميادين العلوم الشرعية الدالة على سعة علمه، وثباته على الحق، وكثرة نصائحه للأمة. قال يحيى بن خالد رحمه الله: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الكتاب يدل على عقل كاتبه، والرسول يدل على عقل مرسله، والهديّة تدل على عقل مهديها. ("العقد الفريد"/2/ص 114/لابن عبد ربه الأندلسي).
فمن مصنفات الإمام الوادعي رحمه الله:
1- الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
2 - تراجم رجال الحاكم في المستدرك
3 - تتبع أوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي طبعت ضمن المستدرك
4 - تراجم رجال الدار قطني في سننه
5 - الصحيح المسند من دلائل النبوة
6 - غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل
7 - الجامع الصحيح في القدر
8 - صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال
9 - إجابة السائل عن أهم المسائل
10 - الشفاعة
11- رياض الجنة في الرد على أعداء السنة
12- الطليعة في الرد على غلاة الشيعة وحكم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
13 - تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب
14 - المخرج من الفتنة
15 - الصحيح المسند من أسباب النزول
16 - ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر
17 - المصارعة
18 - الباعث على شرح الحوادث
19 - إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن
20 - الجامع الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
21 - غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة
22 - الفواكه الجنية في الخطب والمحاضرات السنية
23 - قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد
24 – إلحاد الخميني في أرض الحرمين
25 - تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام محمد بن علي الشوكاني
26 - فتوى في وحدة المسلمين مع الكفار
27 - إقامة البرهان على ضلال عبد الرحيم الطحان
28 - الديباج في مراثي شيخ الإسلام الشيخ عبد العزيز ابن باز
29 - حكم تصوير ذوات الأرواح
30 - المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح
31 - فضائح ونصائح
32 - مقتل الشيخ جميل الرحمن الأفغاني ومعه بحث حول كلمة وهابي.
33 - إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي
34 - تحقيق تفسير ابن كثير (حقق مجلداً وما بقي قام بتحقيقه بعض طلبته)
35 - الصحيح المسند من التفسير بالمأثور (ولم ينته منه وتقوم إحدى زوجاته بإكماله)
36 - كتاب الإلزامات والتتبع للإمام الدارقطني دراسة وتحقيقاً.
37- البركان لنسف جامعة الإيمان
38- شرعية الصلاة في النعال
39- تحريم الخضاب بالسواد
40- الجمع بين الصلاتين في السفر
41- إيضاح المقال في أسباب الزلزال والرد على الملاحدة الضلال
42- ذم المسألة.
43- السير الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث.
44- مجلس الشيخات في اليمن
الفصل الثاني: تجديد الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله هذا الدين في اليمن
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»([4]). (أخرجه أبو داود (4291) وغيره).
وليس المعنى أن هؤلاء المجددين يأتون بدين جديد مخالف لدين محمد صلى الله عليه وسلم، بل هم يجددون لهذه الأمة ما اندرس من شريعته وسنته. قال المناوي رحمه الله: أي ما اندرس من أحكام الشريعة وما ذهب من معالم السنن وما خفي من العلوم الدينية الظاهرة والباطنة حسبما نطق به الخبر الآتي وهو: «إن الله يبعث» إلى آخره وذلك لأنه سبحانه لما جعل المصطفى خاتمة الأنبياء والرسل، وكانت حوادث الأيام خارجة عن التعداد، ومعرفة أحكام الدين لازمة إلى يوم التناد. ولم تف ظواهر النصوص ببيانها([5]) بل لا بد من طريق واف بشأنها اقتضت حكمة الملك العلام ظهور قوم من الأعلام في غرة كل قرن ليقوم بأعباء الحوادث إجراءً لهذه الأمة مع علمائهم مجرى بني إسرائيل مع أنبيائهم. ("فيض القدير"/1/ص 10).
ولا يلزم أن يكون المجدد في كل عصر واحد لا مزيد عليه، بل يمكن أكثر من ذلك. قال الحافظ رحمه الله: ...أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو متجه، فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير، وتقدمه فيها، ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه. وأما من جاء بعده فالشافعي، وإن كان متصفا بالصفات الجميلة إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل. فعلى هذا كل من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لا. ("فتح الباري"/ لابن حجر /13/ص 295).
ومن نظر إلى سيرة الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله بإنصاف وجد أنه رحمه الله من المجددين حقا، ولا سيما في الديار اليمانية المليئة بالتشيع وغيرها من البدع المظلمة مدة ألف سنة.
فمن السنن المحمدية التي جددها رحمه الله ما تلي:
& في الوضوء: 1- المسح على العمامة
2- المسح على الخفين
3- كيفية مسح الرأس في الوضوء
4- الوضوء بعد أكل لحم الإبل
& في الصلاة: 1- الصلاة في وقتها
2- تسوية الصفوف
3- التقارب بين الصفوف
4- عدم الصلاة بين السواري في صلاة الجماعة
5- عدم التلفظ بالنية
6- الصلاة خلف السترة
7- الصلاة في النعال
8- الإسرار بالبسملة
9- التأمين بعد قراءة الفاتحة
10- وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة
11- قراءة "السجدة" و"الإنسان" في صبح يوم الجمعة
& في الأذان: 1- الأذان الأول قبل الفجر
2- الاكتفاء في يوم الجمعة بأذان واحد وهو حين يجلس الخطيب على المنبر
3- قول المؤذن عند المطر: صلوا في بيوتكم!
& في القبر: 1- تحريم بناء القبة أو غيرها من الأبنية على القبر
2- تحريم المشي بين القبور بالنعال
& في الصوم: 1- تعجيل الفطر عند غروب الشمس، وتأخير السحور إلى قبيل الفجر
& في المسجد: 1- المنبر ذو ثلاث درجات
2- الاعتكاف في المسجد داخل الخيام
& في المعاملة: 1- تحريم مصافحة الرجال النساء الأجنبيات
2- الحث على إفشاء السلام بين المسلمين
3- العفة والقناعة والصبر عن المسألة
إنما هذه نماذج يسيرة في تجديد الإمام الوادعي رحمه الله في الديار اليمانية، فمن أحبّ إتمام النظر فيراجع كتاب "البيان الحسن بترجمة الإمام الوادعي وما أحياه من السنن" للشيخ عبد الحميد الحجوري حفظه الله.
الفصل الثالث: ثناء العلماء على الإمام الوادعي رحمه الله ومناقبه عندهم
الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله لما سئل عن الذين يطعنون في الشيخ ربيع حفظه الله والشيخ مقبل رحمه الله قال: نحن بلا شكٍّ نحمد الله عز وجل، أن سخَّرَ لهذه الدَّعوة الصَّالحة القائمة على الكتاب والسُّنَّة على منهج السَّلف الصَّالح؛ دعاة عديدين في مختلف البلاد الإسلامية يقومون بالفرض الكفائي، الذي قلَّ مَنْ يَقُومُ به في العالم الإسلامي اليوم، فالحطُّ على هذين الشيخين الشيخ ربيع والشيخ مقبل الداعيين إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومحاربة الذين يخالفون هذا المنهج الصحيح؛ هو كما لا يخفى على الجميع إنما يصدر من أحد رجلين: إما جاهلٌ أو صاحب هوى.
الجاهل يمكن هدايته؛ لأنه يظن أنه على شيء من العلم، فإذا تبين العلم الصحيح اهتدى.أما صاحب الهوى فليس لنا إليه سبيل، إلا أن يهديه الله-تبارك وتعالى- فهؤلاء الذين ينتقدون الشيخين-كما ذكرنا-إما جاهلٌ فيعلم، وإما صاحب هوى، فيستعاذ بالله من شره، ونطلبُ من الله –عزوجل- إما أن يهديه وإما أن يقصم ظهره. (من مقدمة كتاب "النصر العزيز على الرد الوجيز" للشيخ ربيع بن هادي (ص6-7) نقلاً عن أشرطة "سلسلة الهدى والنور" رقم (851/1)).
وقال أيضا الإمام الألباني رحمه الله: وأما أهل المعرفة بهذا الفن فهم لا يشكون في ضعف مثل هذا الحديث ، فهذا هو الشيخ الفاضل مقبل بن هادي اليماني يقول في تخريجه على "ابن كثير " ( 1/513 ) بعد أن تكلم على رجال إسناده بإيجاز مفيد فردا فردا : و الحديث ضعيف من أجل الانقطاع ، و ضعف عبيد الله بن الوليد الوصافي. ("السلسلة الضعيفة"/5 /ص 75).
وقال رحمه الله: أما بالنسبة للشيخ مقبل، فأهل مكة أدرى بشعابها، وبالأخبار التي تأتينا منكم أكبر شهادة لكون الله عز وجل قد وفقه توفيقا ربما لا نعرف له مثيلا بالنسبة لبعض الدعاة الظاهرين اليوم على وجه الأرض. ("سلسلة الهدى والنور"/شريط رقم (851)/نقله معمر القدسي هداه الله في كتابه "الشيخ مقبل"/ص80/دار الآثار).
وذُكر للإمام ابن باز رحمه الله انتشار دعوة الشيخ مقبل في اليمن وغيره فقال: هذه ثمرة الإخلاص، هذه ثمرة الإخلاص. (قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي هداه الله، كما نقله الشيخ عبد الحميد الحجوري حفظه الله في "البيان الحسن"/ص33/دار الإمام أحمد).
ومما يدل على مكانته عند الإمام ابن باز ما ذكره الإمام الوادعي رحمه الله نفسه حيث قال: وفي ذات مرةٍ واحدٌ في صنعاء تهرّب إلى الرياض وقال له –أي: للإمام ابن باز رحمه الله- : يا شيخ، أنا من أهل السنة، وليس عندي أي ورقة، فقال له: أثبت لي أنك من أهل السنة، فأخرج ورقة من عندي تعريفا به، وكتب له الشيخ ورقة يمشي بها أينما يريد اهـ. (رثاء الشيخ مقبل للإمام ابن باز/ص16، كما في "إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي هداه الله/ص26-27/دار الآثار).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الشيخ مقبل إمام –فعارضه بعضهم بكلام يطعن به في الشيخ- فقال الشيخ رحمه الله: الشيخ مقبل إمام، الشيخ مقبل إمام. (قاله الشيخ عبد الله بن عثمان الذماري وفقه الله، كما نقله الشيخ عبد الحميد الحجوري حفظه الله في "البيان الحسن"/ص33/دار الإمام أحمد).
وسأل أبو الحسن الحزبي الإمامَ ابن العثيمين رحمه الله عن الشيخ مقبل فقال: هو يُسأل عني اهـ. ("إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي وفقه الله/ص27/دار الآثار).
وقد سأل أبو الحسن الحزبي الإمامَ ابن العثيمين رحمه الله مرة بمنى عن الشيخ مقبل: هناك من أخبر الشيخ أنك تكلمت فيه، فهل هذا صحيح؟ قال: ليس هذا بصحيح، والله! إني لأعتقد أن الشيخ مقبلا إمام من الأئمة اهـ. ("القول الأمين في رثاء ابن عثيمين"/ نفس المصدر).
وقال فضيلة الشيخ صالح فوزان حفظه الله تعالى: الحمد لله وبعد: فقد اطلعت على محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، ألقاها في آخر حياته –رحمه الله- فيها بيان للحق، وردّ للباطل، واعتراف بالجميل للدولة السعودية فيما تقوم به من خدمة للإسلام والمسلمين، وهي شهادة حق من عالم جليل، فجزاه الله خير الجزاء على ما قام به في اليمن وغيره من الدعوة إلى الله ونشر العلم النافع، وتصحيح العقيدة، والحث على التمسك بالسنة. نفع الله بجهوده وكتب له عظيم الأجر والثواب، ...إلخ. (منشورة فضيلة الشيخ صالح فوزان حفظه الله).
قال خالد بن ضحوي هداه الله: ومن تقدير الشيخ ربيع للشيخ مقبل أني قد كنت مع الشيخ ربيع في زيارة للشيخ مقبل في المستشفى التخصصي في جدّة بعد قدومه من ألمانيا، وقد كان في غيبوبة، فلما وصلنا لغرفته وكان الشيخ على سريره تقدم الشيخ ربيع وقبل رأسه ثم بكى بكاءً شديداً، فرحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا به ومشايخنا في جنات النعيم اهـ. ("الثناء البديع على الشيخ ربيع"/ص38-39 /لخالد بن ضحوى الظفيري/دار المنهاج).
وقال فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله: ...، هذا ما نعزّيكم به في حامل لواء السنة والتوحيد، ذلكم الداعي إلى الله المجدد بحق في بلاد اليمن، وامتدت آثار دعوته إلى أصقاع شتى من أصقاع الأرض. وأقول لكم مما أعتقده: إن بلادكم بعد القرون المفضلة عرفت السنة، ومنهج السلف الصالح، على تفاوت الظهور والقوة، ومع ذلك فلا أعرف نظيرا لهذا المعهد الذي منّ الله به عليكم وعلى أهل اليمن، على يدي هذا الرجل الصالح المحدث الزاهد الورع الذي داس الدنيا وزخارفها تحت قدميه اهـ. (1/5/1422 اهـ/ ("إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي وفقه الله/ص27/دار الآثار، وبعضها ذكره الشيخ عبد حميد الحجوري حفظه الله في "البيان الحسن"/ص33/دار الإمام أحمد).
وقال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله أيضا: هذا الرجل الزاهد الورع الذي أعتبره إن شاء الله من المجددين للإسلام في هذا العصر، فرحمه الله ...إلخ. ("إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي وفقه الله/ص28/دار الآثار).
وقال فضيلة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله في زيارته لدار الحديث بدماج بعد ممات الشيخ 3 جمادى الآخرة/1422 هـ: الحمد لله على قضاء الله وقدره، ولا بد من الصبر، فالناس كلهم إلى الموت، ولكن من خلّف مثل هذا لا يعتبر مات، فإنه قد أسس، وإنه قد أصلح، وإنه قد دعا، وإنه قد بذل جهدا نغبطه عليه، ونحسب أنه عند الله من فضلاء الأتقياء، ومن علية الأولياء، ونحسبه كذلك والله حسيبنا جميعا، ولكنا نرى هذا، نراه بأعيننا ونلمسه بحواسنا، ونعرف والحمد لله أنه عمل خيرا كثيرا قل أن يصل إليه أحد، -إلى قوله:- وما هذه الجموع التي نراها إلا من حسنات ذلك الشيخ العظيم، الذي دعا إلى الله وصبر وصابر([6])، وبذل كل غال ونفيس في جمع هذه الوجوه، وحثها على طلب العلم ووضعها على المسار الصحيح ...إلخ. ("إعلام الأجيال"/لسليم بن عبد الله الخوخي وفقه الله/ص28-29/دار الآثار).
وقال فضيلة الشيخ العلامة حماد الأنصاري رحمه الله: إن مقبلا الوادعي تلميذي وأنا الذي اخترت له الموضوع في الماجستير وكان يقرأ علي في البيت في أيام الحرة الشرقية –إلى قوله:- كنت أقول له أرجو أن تكون في اليمن في هذا الزمان كالشوكاني في زمنه. وقد كان مقبل تلميذا ما رأيت مثله في النشاط وطلب العلم اهـ. ("المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري"/2/ص606-607/تأليف ولده عبد الأول).
وقال شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: أما شيخنا العلامة الوادعي رحمه الله؛ فهو عالم سلفيٌّ مشهودٌ له بالخير والسنة والمنهج السلفي الصحيح، وشدّة الحذر والتحذير من الشركيّات، والبدع والخرافات وسائر الفتن، وأشرطتُه ومنهجُه وآثارُه ودعوتُه وطلابه الصالحون الصادقون، وألسنةُ أهلِ العلم وأهلِ الخيرشاهدةٌ بذلك. ("الحجاج لعبد الكريم الإرياني"/للشيخ يحيى الحجوري حفظه الله/ص6-7/مكتبة الفلاح).
الباب الرابع: ترجمة شيخنا العلامة الحجوري حفظه الله
قد توفي الإمام الوادعي رحمه الله مجدد الدين في اليمن، وترك تراثاً عظيماً وهو الدعوة الهائلة، فلا بد رعايتها لأن أيدي الشياطين تمتدّ إليها للإفساد، حتى قال بعضهم: (ذهب زمن الخوف) ويرى صفاء الجو له لأخذ قيادة الدعوة الصافية إلى شفا جرف هار. ولكن الله حفظ دينه، فوفّق الإمام رحمه الله قبل وفاته ليختار خليفته البار المؤتمن وهو شيخنا العلامة المحدث أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله لمواصلة الدعوة السلفية التي قد ملأت الآفاق ودكّت حصون أهل الباطل بشتى أنواعهم. فحفظ الله به وبمن معه دين الأمة، وامتحن الخليفة ببلاء بعد بلاء لحكمة أرادها المولى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل فما يزال الله يبتليه بما يكره، حتى يبلغه إياها». (أخرجه أبو يعلى (رقم (6095)/دار المأمون للتراث)، وغيره. وسند الحديث حسن، وحسنه أيضا الإمام الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (رقم (1599)/مكتبة المعارف).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإذا عظمت المحنة كان ذلك للمؤمن الصالح سببا لعلو الدرجة وعظيم الأجر ... إلخ. ("مجموع الفتاوى"/28 / ص 152-153/ط. مكتبة ابن تيمية).
وهذا شيء من ترجمته رعاه الله:
قال شيخنا يحيى بعد إلحاح وطلب الكثير منه بذكر نبذه عن سَيرِه ِفي طلب العلم، ونعمة الله عليه، والتحدث بالنعم جزء من شكرها:
الحمد لله حمداّ كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فقد طُلب مني أن أكتب نبذة عن مولدي واسمي وبلدي ونشأتي وبعض ما يتعلق بذلك، وبعد تكرار الطلب من الأحبة – أعزهم الله – رأيت تلبية طلبهم بكتابة هذه الأسطر، فأقول وبالله التوفيق:
أما اسمي: فأنا يحيى بن علي بن أحمد بن علي بن يعقوب الحجوري، من قبيلة بني وَهان، من قرية الحَنجَرة في أصل جبل الكُعَيْدنة- أسأل الله أن يُكرمهم بطلب علم كتاب الله وسنة رسوله-.
ثم انتقل جدي أحمد بن علي بن يعقوب إلى قرية تبعُد عنها بمسافة غير يسيرة يقال لها قرية جبَر قبيلة الزغابية، وتزوج منهم، فهم أخوال والدي نشأ بينهم عند بعض أسرته وتزوج منهم أيضا بأمّي من أسرة عقال قرية الزغابية – رحم الله أمواتهم وأصلح أحيائهم– وفيها كان مولدي قبل نحو أربعين عاماً، في أيام ما يُسمى بـ (الثورة الجمهورية اليمنية).
ووالدي - حفظه الله وأمد في عمره في طاعته – شغوف بالزراعة فكان يزرع مزرعةً كبيرة يمتلك منها الخير الكثير من الذرة والسمسم وغير ذلك، حتى كان بعض الناس يقترضون منه الذرة والقصب عند الجدب مع ما أعطاه الله من المواشي من الغنم والبقر، فكان ولله الحمد في الجانب المعيشي على أحسن حال.
وربّانا أنا وإخواني تربية حسنة بعيدين عن القات والدخان والشمّة وغير ذلك من البلايا، وكان من أشد شيءٍ يُغضبه علينا أن يرى من أحدنا قصورا في صلاة الجماعة أو الراتبة، وأحب شيٍء إليه أن يصير بعضنا عالماً، وليس هناك إلا التعليم في الكتاتيب، فجعلني فيما يُسمى بمعلامة الشيخ، أمين تلك القرى وفقيهها وخطيبها (يحيى العتابي –رحمه الله(، والتعليم في تلك المِعْلامة كما هو شأن التعليم القديم، تعليم قراءة القرآن نظراً في المصحف، وتعليم الخط، ومن تخرّج منها غالباً يصير فقيه قريته إمامةً وخطابةً في بعض الخُطب المؤلفة، وكتابة العقود ونحو ذلك. وقد كان الفقيه العتابي –رحمه الله- يُحبني من أكثر طلابه.
ولمّا تخرجت من تلك المِعلامة بقراءة القرآن نظراً ومعرفة شيء من الخط عزم أبي على الذهاب بي إلى مدينة الزيديّة حيث كان يُشاع عند الناس هناك أنها مدينة العلم، وكانوا هم أهل الفتوى في الطلاق والمواريث ونحوها.
ووالدي - حفظه الله- محبٌ للعلم والدِّين كثير الصيام والقيام، ولا أعلمه أكل درهما من حرام، ولكنه ما كان يعرف عن الصوفية والشيعة ولا عن غيرهم من الفرق الضالة شيئاً، فكان يُجلّهم ويزورونه كثيراً، ومن زاره منهم يُكرمه غاية الإكرام، فنجّاني الله عز وجل من الدراسة عند أولئك الصوفية بأمي حفظها الله وأحسن خاتمتها، حيث جعلت تبكي عليّ أن لا أذهب فأبقى في غير بلدي وحدي بغير رفيق من البلاد وأنا صغير، فأبقاني أبي أرعى الغنم، وكان حفظه الله أول من بنى مسجداً من الخشب والقش في قريتنا التي هم فيها الآن، ومع أنه مسجد صغير يسع نحو أربعين مصليا آنذاك يُعتبر جامعا لعدد من القرى حوله، ولمّا تهدّم بناه من الحجر ووسّعه وكنت أنا إمامه، وفي يوم الجمعة يُجعل من يخلفني في رعي الغنم وأخطب بهم في بعض الخطب المؤلّفة، وأكثر ما كنت أعتمد على "الفتوحات الربّانية" للبيحاني رحمه الله حتى كدت أن أحفظها لكثرة تكراري لها.
ثم بعد ذلك ذهبت إلى السعودية فكنت أحضر حلقة الإقراء بعد صلاة الفجر عند فضيلة الشيخ المُقرئ الشهير عُبيد الله الأفغاني –حفظه الله- في مدينة أبها، وسمعنا عنده شيئا من صحيح مسلم كان يبدأ به قبل السماع لنا، ثم لما سافر انتقلت إلى الشيخ المقرئ محمد أعظم الذي كان يدرّس القرآن في مسجد اليحيى، فقرأت عليهما إلى سورة الأعراف، ثم سافر الشيخ أيضاً، وأكملت القراءة برواية حفص عن عاصم عند المقرئ محمد بشير ولله الحمد.
ومع محبتي الشديدة للعلم آنذاك لم أجد هناك آنذاك من يُرشدني إلى الالتحاق بالشيخ الإمام ابن باز أو غيره من علماء المملكة ممن كانوا قائمين بالتعليم رحمهم الله، ثم سمعت بالشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله- وأنه عالم سلفي يُدرّس علوم كتاب الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم- في دماج –حرسها الله ووفق أهلها لكل خير- إحدى قرى بلاد صعدة، فالتحقت به في داره المباركة في عام خمسة وأربعمائة وألف للهجرة النبوية (1405 هـ) على صاحبها الصلاة والسلام، وجاء معي والدي ووصّى بي الشيخ رحمه الله خيراً، ثم انصرف، ولا يزال معيناً لي على طلب العلم بالمساعدات المالية بين حين وآخر.
وبقيت من ذلك التاريخ في طلب العلم؛ لا أحب كثرة السفريات، ولا ضياع شيء من الأوقات حتى يسر الله-عز وجل- من فضله على يدي شيخنا العلامة المحدث السلفي الميمون مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- بخيرٍ كثير من الاستفادة في علوم شتّى.
وكما هو الحال في هذا الدار المبارك، كنت أُضيف إلى ما نتلقاه جميعا من شيخنا شيخ مشايخ الدعوة السلفية في اليمن مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- بعض الدروس في النحو العقيدة و الفقه....، عند بعض المشايخ الأجلة من أكابر طلاب شيخنا الإمام الوادعي -رحمه الله- في الدار، شكر الله لهم جميعاً، وبعد ذلك كان شيخنا مقبل أسكنه الله الفردوس الأعلى يأمرني أن أنوبه في التدريس إذا مرض أو سافر، ولمّا دنى أجله –رحمه الله- أوصى أن أكون بعده خلَفاً له على ذلك الحال.
وكان أعداء هذه الدار يظنون ظن السوء أن بموت الشيخ –رحمه الله- ستزول هذه الدعوة وتصير بنيانها مكاناً للعلف ومجالس لتخزين القات كما كنا نسمعهم نحن وغيرنا في فترة مرض الشيخ وقبل ذلك، فلمّا أقبل الله بقلوب العباد على هذا الخير بعد موت الشيخ –رحمه الله- وتوسعت الدعوة أكثر وصار طلبة العلم أضعاف ما كانوا عليه في حياة مؤسس الدار شيخنا الإمام الوادعي – رحمه الله- اغتاظ من ذلك بعض من أُصيب بمرض الحسد ممن كان من طلاب الشيخ –رحمه الله- ومن غيرهم من أهل الأغراض الدنيوية والفتن الحزبية، فدفع الله شرهم وبوّر مكرهم.
ولا تزال الدعوة في كل خير إلى الأمام، والفضل لله من قبل ومن بعد، فهو القائل: ﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾، ونسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا ديننا ودعوتنا، وأن يدفع عنا وعن بلادنا وسائر بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين.
كتبه
أبو عبد الرحمن يحيى بن علي بن أحمد بن علي بن يعقوب الحجوري
في 19/ شهر جماد الأول/ 1428 هـ.
(انتهى النقل من برامج "فتنة العدني"/ لحسين بن صالح التريمي وفرج بن مبارك الحدري حفظهما الله).
إقامة شيخنا التدريس في دار الحديث
قال الشيخ الفاضل أبو بشير محمد الحجوري رحمه الله([7]): فلله الحمد والمنة أن هدانا لطلب العلم الشرعي في هذه الدار المباركة، عند شيخنا الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي ‑رحمه الله‑ وأسكنه فسيح جناته، ثم لله الحمد أن ثبتنا لمواصلة طلب العلم عند خليفته على دعوته العلامة الناصح الأمين شيخنا يحيى بن علي الحجوري ‑حفظه الله‑ الذي كان سببًا في ثبات هذا الخير في هذه الدار المباركة [دار الحديث بدماج] بعد موت مؤسسها شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله.
فما زال طلاب العلم من هذا الخير ينهلون، ومن هذا الشيخ وفقه الله يستفيدون، وإليه من أصقاع المعمورة يرحلون. فدروسه مستمرة فهو في الصباح الباكر يصلي بنا إمامًا في دار الحديث بدماج ‑صلاة الفجر‑ وقد منَّ الله عليه بصوت طيب في قراءة القرآن، ثم بعد الصلاة، وأذكار الصلاة، يقوم من أراد السفر من طلبة العلم في الدار، أو الضيوف الوافدين لطلب العلم بالاستئذان منه. وبعض الزوار أو الطلاب لديه أسئلة مستعجلة يقدمها للشيخ، ثم يُسمِّع ما يسر الله له من القرآن، تارة ثلاثة أجزاء أو أقل أو أكثر، فهو يحفظ القرآن، وله به عناية طيبة في مراجعته، والاستدلال به، وأحكامه، ولهذا لا يخرج من المسجد إلى البيت في هذا الوقت إلا إذا كان مريضاً، أو لأمر لا بد منه، ثم يصلي الضحى بعد طلوع الشمس.
ثم يذهب إلى بعض دروسه منها الآن في هذا التأريخ 1430هـ درس في «سبل السلام» للإمام الصنعاني ‑رحمه الله‑، و«إعلام الموقعين» للإمام ابن القيم ‑رحمه الله‑، وقد كانت قبلها في هذا الوقت عدد من الكتب قرئت عليه، ويعلق علها بشرح طيب يحضر ذلك عدد هائل من الطلاب، أهم تلك الكتب النافعة التي قرءت عليه في هذا الوقت: «زاد المعاد» للإمام ابن القيم ‑رحمه الله‑ و«الإيمان الأوسط» لشيخ الإسلام، رحمه الله و«مقدمة أصول التفسير» لشيخ الإسلام أيضا، وقد طبعت بشرحه عليها، و«الرسالة» للإمام الشافعي رحمه الله، و«شرح علل الترمذي» لابن رجب رحمهما الله، وهو الآن يرص للطبع بتعليقه عليها، و«الأذكار» للنووي رحمه الله، و«حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» لابن القيم رحمه الله، و«تطهير الاعتقاد» للصنعاني رحمه الله، و«الموقظة» للذهبي رحمه الله.
ثم بعد هذا الدرس: يدخل بيته ويستمر في مواصلة بحوثه التي هي الآن قريبة من [مائة] بحث. البعض قد طُبِع، والبعض في الطريق، والبعض ما زال مخطوطاً يبحث إلى ما استطاع من الوقت ثم يقيل، وقد يأتي ضيوف مستعجلون فيدق عليه الحراس الباب ويوقظونه للجلوس معهم. وبعض من يأتي في هذا الوقت من مشايخ القبائل، أو المسئولين يأتون زيارة، أو معهم بعض الإشكالات والقضايا. ثم يخرج لصلاة الظهر، ثم بعد الصلاة وأذكارها، وصلاة الراتبة كل يوم درس إما في «تفسير ابن كثير»، أو «الجامع الصحيح» لشيخنا الإمام مقبل بن هادي الوادعي، يوم بيوم غير يوم الجمعة فلا درس فيه قبل صلاة الجمعة.
وقلّما يمرّ يوم وليس معه ضيوف طوال العام وذلك لكثرة الطلاب، والزائرين وبعض الأحيان لا يتَّسِع للضيوف منزله فينزلهم في ديوان الضيوف، فهو قريب من بيته ملتصق به. ودائمًا يحث إخوانه على إكرام الضيوف، أو يكرم ضيوفه، ويقرِّب لهم الطعام بنفسه. ثم يرجع في مواصلة بحوثه والإجابة على الأسئلة الخطية ونحو ذلك إلى العصر. ثم يخرج لصلاة العصر، وبعدها يدرس «صحيح الإمام البخاري».
ويستنبط من الأحاديث استنباطات طيبة وعجيبة وموفقة بعد تسميع الطلاب للحديث الماضي يسمعون فئات فئات، لأنهم كثير؛ فيحفظون «صحيح البخاري» مع أن أكثر الطلاب يحفظون القرآن إلَّا من كان مقصرًا وإلَّا فالشيخ يحث على حفظ كتاب الله، والحفظ من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والبعض يحفظ «بلوغ المرام»، والآخر «صحيح مسلم»، والآخر «رياض الصالحين»، و«ألفية ابن مالك»، و«كتاب التوحيد» للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب النجدي، و«لمعة الاعتقاد»، و«الواسطية»، «والطحاوية»، و«الورقات»، و«ملحة الإعراب»، و«البيقونية»، و«قصب السكر»، و«السفارينية»، و«الموقظة» وغيرها كثير جدًا من المحفوظات سواء في التوحيد والعقيدة، والنحو، والفقه، و المصطلح...، ثم بعد ذلك يذهب بعد العصر إلى ضيوفه في مجلس الضيوف؛ ناصحا ومجيبا على أسئلتهم، وما كان هناك من حل بعض المشاكل بين طلاب العلم يحكمهم الكتاب والسنة على فهم السلف.
فبعض الطلاب جزاهم الله خيرًا ونفع الله بهم لم يختلف أحد منهم مع أخيه أبدًا، ولهم سنوات في الدار، وبعض منهم لديه حصيلة علمية يستطيع أن يقيم مركزًا في أي بلد من البلدان، فإذا جاء أحد يريد من يقيم دعوة في بلده وجه الشيخ بذلك، إن رأى أنهم أهل سنة، وعندهم قبول لها سواء في اليمن أو خارجها. ثم تكون نصيحة مختصرة للضيوف ويجيب على أسئلتهم في بعض الأحيان، والبعض الآخر يجعل الإجابة عليها: بين مغرب وعشاء في وقت الدرس العام. والضيوف في أكثر الأيام من مختلف بلاد اليمن ومن خارجها.
ثم بعد ذلك يدخل البيت، يتناول فطوره إن كان صائمًا؛ الإثنين والخميس أو الأيام البيض، ويخرج لصلاة المغرب، ثم بعد الصلاة والأذكار والراتبة يدرّس في «صحيح مسلم»، ثم بعده في «سنن البيهقي الصغرى»، ثم «اقتضاء الصراط المستقيم» لشيخ الإسلام. وفي بداية الدروس دروس مختصرة كثيرة، يقرؤها بعض الطلاب غالبهم من الصغار الذين يشجعون على الحفظ، من حفظهم فيعلق عليها بشرح طيب، وقد خرج من هذه الشروح في هذا الدرس المختصر قبل «صحيح مسلم»: «شرح لامية ابن الوردي» «وشرح الواسطية» و«شرح السفارينية» و«شرح البيقونية» و«شرح قصيدة غرامي صحيح» و«شرح منظومة ابن تيمية في الرد على القدرية» التي في سياق احتجاج يهودي وإجابة شيخ الإسلام عليه. و«شرح لامية شيخ الإسلام» وهو الآن يرص، وغيرها، ثم بعد التعليق على مثل هذه المختصرات يجيب على أسئلة الزائرين، فإن لم يكن زائرون يجيب على إشكالات الطلاب، وينصح ويوجه ببعض الأشياء وقد خرج من هذه الإجابة على هذه الأسئلة خمسة مجلدات بعنوان: «الكنز الثمين في الإجابة عن أسئلة طلبة العلم والزائرين » ومجلد آخر بعنوان «إتحاف الكرام بالإجابة عن أسئلة الزكاة والحج والصيام» ومجلد آخر بعنوان «الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى» والباقي غيرها مما لم يطبع بعد كثير والفضل لله وحده.
وفي بعض الليالي تكون له محاضرة على الهاتف إلى أعداد من المساجد في داخل اليمن وخارجه، فإذا علم الطلاب أن له محاضرة في تلك الليلة وضع كثير منهم هواتفهم المحمولة فكل يوصل إلى أهل قريته تلك المحاضرة الهاتفية ويحصل فيها النفع العظيم. وقد طبع من تلك الخطب والمحاضرات مجلدان وبقي مما يجهز للطبع سلسلة مجلدات. بعنوان: «إصلاح الأمة بالخطب والمواعظ من القرآن والسنة».
وبعد صلاة العشاء قد يدخل بعض الطلاب معه لحل بعض الإشكالات والمشورات التي لابد منها. ثم بعد ذلك قد يجيب على أسئلة عبر الهاتف من دول شتى أو من اليمن. وربما طلبوا منه نصيحة، فيلقيها لهم ويجيب على أسئلتهم نحو ساعة، ثم يعود إلى مراجعة بعض بحوث إخوانه طلاب العلم والتقديم لها ثم ينام. وله قسط من قيام الليل. وهو مع ذلك لديه أسرة كبيرة يقوم بما أوجب الله عليه من الرعاية والاهتمام بهم قدر المستطاع.
فجزاه الله خيرا، ونفع به الإسلام والمسلمين، فلهذه الأمور ولغيرته على السنة ودفاعه عنها وعن أهلها، ولصموده أمام الباطل بالحق والنصح، وثباته على الكتاب والسنة، أحبه طلابه وإخوانه الصالحون الناصحون؛ كما ذكر شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله في مقدمة «ضياء السالكين» وكثر أعداؤه الحاسدون الحاقدون فلم يظفروا بشيء إلا مجرد الأذى؛ فإن مما علم منه أنه يبغض الفتن جدًا ويبغض البغي والعدوان؛ فإذا بغي عليه أو على هذه الدعوة المباركة أحد قام بجهده في دفع ذلك البغي، مع تعاون إخوانه الأخيار من الطلاب، وأهل البلاد وغيرهم كثير معه، فيدفع الله ذلك البغي والشر عنه وعن الدعوة وينصره الله عز وجل.
هذه نبذة مختصرة عن دار الحديث بدماج وبرنامج شيخها بعد شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله، هذا هو برنامجه اليومي بما هو معلوم عند جميع طلاب الدار، كتبت ذلك بياناً لظلم من حقر هذه الجهود النافعة للإسلام والمسلمين، من قبيل بعض من عايشها وتربى عليها بين يدي هذا الشيخ حفظه الله، ثم نقض غزله أنكاثاً وصار إلى زمرة المتحزبين الحاقدين، ولهذه الجهود النافعة من المتنكرين، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
كتبه/أبو بشير محمد بن علي الزعكري الحجوري
إكرام شيخنا للغرباء المؤدبين
نشر بعض الحساد أن شيخنا يحيى حفظه الله يطرد الطلاب الغرباء بلا رحمة، وهذا كذب. بل الغرباء –وغيرهم من الطلاب السلفيين الثابتين- فهم في حياة طيبة علمية عملية، يطبقون السنة النبوية والطريقة السلفية بدون منع أو تضييق، مع تقوى الله، ومع احترام الكبار، ورحمة الصغار، والقناعة بما رزقهم الله. وشيخنا أبو عبد الرحمن يحيى الحجوري حفظه الله يرحمنا كثيرا، ويكرمنا غاية الإكرام، ويبالغ في مراعاة مصالحنا، وليس الخبر كالمعاينة.
تواضع شيخنا يحيى حفظه الله
قد مر بنا شيء من صور تواضع شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله. ومن تواضعه أيضا أنه يبغض المدح والإطراء.
فلما مدحه بعض الشعراء كثيرا قال لهم حفظه الله: (جزاك الله خيرا وعفا الله عني وعنك، والله.. والله نحن دون ذلك، نحن طلبة علم، نسأل الله أن يعفو عنا و يتجاوز عنا، والله إننا نعترف لله عز وجل بضعفنا وعجزنا، ونسأل الله أن يتوب علينا، ونحن مقصّرون ومذنبون، وإخواننا حفظهم الله يحسنون الظن بنا كثيرا ولسنا عند هذا أبداً، لسنا عند هذا أبداً، أنا أفيدكم خذوها مني بعلوّ، أنّا والله لسنا عند هذا أبداً، نحن طلاب علم مساكين ضعفاء، نسأل الله رب العالمين أن يتجاوز عنا ويعفو عن إخواننا، والله المستعان وجزاكم الله خيرا) اهـ. (هكذا سمعت شيخنا يقوله أمام الملأ، وهو مذكور في برامج "فتنة العدني").
يا ابنَ الكراِم ألا تدنْو فتبْصرَ ما ... قد حدَّثوك فما راءٍ كمن سمِعاَ. ("نفحة الريحانة "/1/ص 197).
صبر شيخنا على الأمراض
وقد أصيب شيخنا يحيى حفظه الله ببعض الأمراض البدنية، فأحيانا لا بد من استخدام الإبرة لإدخال المواد الغذائية، وأحيانا يكثر من شراب الأدوية فوق العادة. ومع ذلك لم أره ترك درسا من أجل مرض. فأحياناً يخفي عنا مرضه مدة إلقاء الدرس، وأحيانا يرى ذلك في وجهه. ولم يشكُ مرضاً أمامنا. بل في هذه الأشهر –مدة تأليف هذه الرسالة-، أصابه صداع، و"تيفوذ"، وغير ذلك مراراً، مع أن تهديدات الرافضة حول المركز بالهجوم لم ينته. حفظ الله شيخنا، وشفاه، وأعانه.
محنة شيخنا وجميع طلابه
لا تزال المحنة تلو المحنة تنزل بشيخنا الكريم وطلابه حفظهم الله منذ وفاة الإمام المؤسس الوادعي رحمه الله إلى يومنا هذا (شهر رجب سنة 1433 هـ)، ولم تنزل محنة إلا وأردفها الله بمخرج وفرج ونصرة ورفعة. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون﴾ [الصافات/171-173].
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن علم الله منه الصدق أعانه الله تعالى. ("مجموع الفتاوى"/1 /ص373).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها وجعل له فرجا مخرجا. ("إعلام الموقعين"/2/ص 430/دار الحديث).
قام أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني المصري المأربي بفتنة عظيمة في إثر وفاة الإمام الوادعي رحمه الله (1422 هـ)، فحصلت قلقلة في دار الحديث بدماج، وامتدت فتنته إلى كثير من البلدان. وقد كان شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله عثر على بعض أباطيله فردّ عليه وكشفها للناس فأنكر على الشيخ حفظه الله كثير من المشايخ والطلاب، فصبر عليهم، وصابر هو وطلابه الأبرار على إلقاء البيان والتوضيح حتى بصّر الله تعالى الناس فأقرّوا بصدق نصحه في أبي الحسن.
ثم جاءت فتنة صالح البكري، فعمل قلقلة في الدعوة السلفية، وعمل التحريص بين العلماء، ويحذر من مركز دماج، فصبر عليهم شيخنا حفظه الله وبيّن حاله حتى فتح الله تعالى أعين الناس فأنكروا فتنته أشد الإنكار. وفي هذا الحين –آخر شهر جمادى الثانية 1433 هـ- طلب صالح البكري المسامحة من شيخنا ومن السلفيين مما قد مضى منه، فعفا عنه الشيخ حفظه الله([8]).
ثم جاءت قلقلة أبي مالك أحمد بن علي الرياشي وبانت خيانته، وقصده نزول شيخنا من كرسيه، فطُرد من المركز فاضمحل بسرعة.
ثم جاءت فتنة عبد الرحمن بن مرعي العدني في سنة 1427 هـ فصنع قلقلة عظيمة فرّق بها السلفيين في كثير من البلدان. قد ظهر من أقواله وأقوال أصحابه ومن صنيعهم أنهم يريدون انتقال جميع طلاب دماج إلى الفيوش. ويسعون جادين في التحريش بين العلماء. ففتنته أعظم مما قبلها، فهو من أعظم المفسدين في الدعوة السلفية. ولم تنته فتنته إلى يومنا هذا (بداية شهر رجب 1433 هـ)، إلا أن الله عز وجل أذله بما جناه.
ثم جاءت فتنة الروافض الحوثييين الزنادقة الكفار، فحالولوا القضاء على شيخنا يحيى الحجوري وجميع طلاب دار الحديث بدماج حفظهم الله، في ثورتهم السادسة في تاريخ 3 رمضان 1430 هـ إلى 28 صفر 1431 هـ. فباءوا بفشل ذريع.
ثم حاولوا مرة أخرى بالحصار قبل شهر رمضان 1432 هـ مرحلة بعد مرحلة حتى بدءوا إطلاق الرصاص في تاريخ 7 ذي الحجة 1432 هـ فيزداد شدة حتى ينتهي في 1 صفر 1433 هـ. وهذه الحرب السابعة كانت أشد وأكثر ضحايا من السادسة.
ولقد صبّر الله شيخنا يحيى الحجوري وطلابه الأبرار –حفظهم الله- على هذه المحن كلها وعسى الله أن يجعلهم من زمرة المفلحين: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ الله الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب/23، 24].
وهو الذي قال: صيانة ديننا أحب إلينا من صيانة أنفسنا. (بتاريخ 11 محرم 1432 هـ).
وهو الذي قال: فقد وهبنا أنفسنا للدعوة السلفية، ولا نبغي بها بدلاً، ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس:32]. ("أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية"/ص37-38/دار الآثار).
الباب الخامس: بيان إمامة شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله
الفصل الأول: مؤلفاته
مما يدل على سعة علم شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله وقوة بحثه في المسألة كثرة مؤلفاته العلمية. قال أبو منصور الثعالبي رحمه الله: كتاب الْمَرْء عنوان عقله، بل عيار قدره ولسان فَضله، بل ميزَان علمه. ("يتيمة الدهر"/3/ص 282).
فمن مؤلفات شيخنا حفظه الله:
1- أحكام الجمعة وبدعها .
2- ضياء السالكين في أحكام وآداب المسافرين .
3- أحكام التيمم .
4- كشف الوعثاء في زجر الخبثاء الداعين إلى مساواة النساء بالرجال وإلغاء فوارق الأنثى .
5- الرياض المستطابة في مفاريد الصحابة.
6- جامع الأدلة والترجيحات في أحكام الأموات .
7- التبيين في الرد على أحمد نصر الله
8- تلخيص العلل للدراقطني مع الفهرسة .
9- الثمر الداني بتتبع ما أعل في السنن الكبرى للبيهقي.
10- اختصار البداية والنهاية .
11- تعقبات على السيوطي في كتابه الحاوي .
12- تحقيق مصنف عبد الرزاق مع مجموعة من طلابه.
13- تحقيق فتح الباري مع مجموعة من طلابه .
14- العرف الوردي في تحقيق مقدمة سنن الدارمي .
15- اللمع على إصلاح المجتمع .
16- شرح ملحة الإعراب .
17- الأربعون الحسان في فضل الاجتماع على الطعام .
18- شرح كتاب المنتقى لابن جارود .
19- تحقيق أخلاق العلماء للآجري .
20- شرح مقدمة أصول التفسير لأبن تيمية .
21- جلسة ساعة في الرد على المفتين في الإذاعة .
22- السيل العريض الجارف لبعض ضلالات الصوفي عمر بن حفيظ .
23- أسئلة أبي رواحة الحديثية والشعرية .
24- النصيحة المحتومة لقضاة السوء وعلماء الحكومة .
25- تدوين الفائدة في تفسير آية الوضوء من سورة المائدة .
26- الطبقات لما حصل بعد موت شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله في الدعوة السلفية باليمن من الحالات .
27- تحقيق وتعليق وصول الأماني بأصول التهاني للسيوطي .
28- التبين لوجوب تربية البنين .
29- التجلية لأحكام الهدي والأضحية .
30- الصبح الشارق على ضلالات عبد المجيد الزنداني في كتابه توحيد الخالق.
31- شرعية الدعاء على الكافرين وذكر أهم الفوارق بينهم وبين المسلمين ردا على القرضاوي الزائغ المهين .
32- العزلة الشرعية .
33- الثوابت المنهجية .
34- الأدلة الزكية في بيان أقوال الجفري الشركية .
35- تسلية صالح الفقراء لما لهم من الفضل على أصحاب الثراء
36-شرح منظومة الإحسائي على مقدمة ابن أبي زيد القيرواني .
37- المفهوم الصحيح للتيسير في هدي البشير النذير .
38- الأجوبة الرضية على الأسئلة الطبية .
39- المبادي المفيدة في التوحيد والفقه والعقيدة .
40- دراسة وتحقيق رسالة في بيان ما لم يثبت فيه حديث من الأبواب .
41- الحث والتحريض على تعلم أحكام المريض .
42- إعلان النكير على أصحاب الانقلاب والتفجير .
43- الباعث على إنكار أم الخبائث .
44- توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضوال .
45- شرح لامية ابن الوردي .
46- شرح الواسطية .
47- المنة الإلهية بشرح السفارينية .
48- شرح البيقونية .
49- شرح قصيدة غرامي صحيح للأشبيلي في علم المصطلح .
50- شرح منظومة ابن تيمية في الرد على القدرية .
51- الخطب المنبرية أربع مجلدات .
52- شرح الطحاوية .
53- شرح الأربعين النووية .
54- شرح كتاب التوحيد .
55- الكنز الثمين في الإجابة على أسئلة طلبة العلم والزائرين المجموعة الأولي خمس مجلدات .
56- التبيين لبعض الخير في جهاد الكافرين والزنادقة المعتدين
57- إتحاف الكرام بالإجابة عن أسئلة الزكاة والحج والصيام .
58- الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى الجزء الأول .
59- الحجاج لعبد الكريم الإرياني.
60- التحذير من أهمّ صوارف الخير
61- أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية
62- الحجج القاطعة على أن الروافض ضد الإسلام على مرّ التاريخ بلا مدافعة.
63- شرعية النصح والزجر
64- حشد الأدلة على أن اختلاط النساء بالرجال وتجنيدهن من الفتن المضلة.
65- الحُلّة البهيّة بالإجابة عن الأسئلة الجزائرية.
66- فتح الوهاب في نهي المصلي أن يبصق إلى القبلة، وحكم البصاق في المسجد، وحكم المحراب.
67- رفع منار الدين وهدم أفكار دعاة التسامح مع الكافرين.
68- تحقيق وتعليق على كتاب الحطة في ذكر الصحاح الستة
*- وله شرح في كتب الدروس العامة بعضها يفرغ وبعضها تحت الرص .
*- وله من المواد السمعية بين الخطب والمحاضرات والنصائح أكثر من ألف شريط .
وغير ذلك من الجهود العلمية ونسأل الله له التوفيق والبركة.
الفصل الثاني: ثناء العلماء عليه ومنزلته عند المنصفين
إن لشيخنا أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله منزلة رفيعة عند علماء السنة. قال الإمام المجدد الوادعي رحمه الله: (.. والشيخ يحيى حفظه الله تعالى في غاية من التّحرّي، والتُّقى، والزهد، والورع، وخشية الله، وهو قوَّال بالحق لا يخاف في الله لومة لائم...) . (في تقديمه على كتاب "أحكام الجمعة" لشيخنا حفظه الله).
وقال رحمه الله : (...الشيخ الفاضل التّقيّ الزّاهد ... والأخ الشيخ يحيى هو ذلك الرّجل المحبوب لدى إخوانه لما يرون فيه من حسن الاعتقاد، ومحبة السنة، وبغض الحزبيّة المسّاخة...). (في تقديمه على كتاب "ضياء السالكين" لشيخنا حفظه الله).
وقال رحمه الله: (.. وصدق ربّنا إذ يقول: ﴿يأيها الذين آمنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم﴾، فالشيخ يحيى حفظه الله فتح الله عليه بسبب تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم). (في تقديمه على كتاب "الصبح الشارق" لشيخنا حفظه الله).
وقال أخونا عبد الله ماطر وفقه الله: سألت الشيخ – يعني الإمام الوادعي- وأنا والله ليس بيني وبينه إلا الله عز وجل، وأنا في غرفته على سريره الذي ينام عليه. فقلت: يا شيخ إلى من يرجع إليه الإخوة في اليمن؟ ومن هو أعلم واحد في اليمن؟ فسكت الشيخ قليلا ثم قال: الشيخ يحيى. هذا الذي سمعته من الشيخ . وهذا ليس معناه أننا نتنقص علماء اليمن. فإنا نحبهم ونجلهم في الله ..إلخ ("المؤمّرة الكبرى" /ص24).
وقال الأخ سمير الحديدي للشيخ ربيع حفظهما الله: إن أصحاب أبي الحسن يقولون إنه ليس هناك علماء في اليمن. فقال الشيخ ربيع: والشيخ محمد ما هو؟!! والشيخ يحيى ما هو؟!! وغيرهم من إخوانهم. اهـ ("إنباء الفضلاء" /ص22/للشيخ سعيد دعاس رحمه الله([9])).
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله فيه: والذي أدين الله عز وجل به أن الشيخ الحجوري تقي ورع زاهد – وأخذ يثني عليه- وقد مسك الدعوة السلفية بيد من حديد ولا يصلح لها إلا هو وأمثاله (منشورة "ثناء إمام الجرح والتعديل على الشيخ يحيى الحجوري" / لأبي همام البيضاني / تاريخ 1426 هـ).
وقال الشيخ أحمد النجمي رحمه الله: فقد أرسل إلي الشيخ الجليل أخونا في الله يحيى بن علي اليمني الحجوري كتابه الذي ألف في الرد على عبد المجيد الزنداني، الذي قصد به الرد عليه في شطحاته التي دوّنها –إلى قوله:- فقد رد عليه الشيخ يحيى الحجوري –جزاه الله خيرا- في هذه الفقرات وغيره ردا مفحما بالأدلة الساطعة من الكتاب وصحيح السنة، فجزاه الله خيرا وبارك فيه وكثّر الله من أمثاله الذابين عن الحق الناصرين للتوحيد الذائدين عن حياضه .. وبالله التوفيق. (تقديمه على كتاب "الصبح الشارق"/ص7-10/دار الآثار).
وقال الشيخ محمد بن عبد الله الإمام هداه الله: لا يصلح للجرح والتعديل في هذا العصر إلا الشيخ ربيع والشيخ يحيى ("البراهين الجلية" /ص 6 / لأبي زيد معافى المغلافي).
وقال أيضاً هداه الله : لا يطعن في الشيخ العلامة يحيى الحجوري إلا جاهل أو صاحب هوى. ("المؤامرة الكبرى" /ص23 /لعبد الغني القعشمي حفظه الله).
وذكر الأخ عبد الله الدبعي حفظه الله أن الشيخ محمد الإمام وفقه الله ذكر يومًا الخروج للدعوة فقال أحد الحاضرين: يا شيخ إن الشيخ يحيى لم يخرج للدعوة. فقال الشيخ محمد الإمام حفظه الله: انتظر، الحجوري إمام. ("المؤمرة الكبرى" /ص24).
وقال الشيخ عبد العزيز البرعي هداه الله تعالى: ..نحن نعلم أنه على تقوى لله عزّ وجلّ ومراقبة، وأخونا في الله عزّوجلّ ونحبّه في الله، وعالم من علماء السُّنّة، نفع الله به ، أسدٌ من أسود السُّنّة، تاجٌ على رؤوس أهل السُّنّة، نحبُّه في الله عزّ وجلّ. من شريط "أسئلة أصحاب قصيعر"بتاريخ (28/7/1428) .
وقال الشيخ هداه الله تعالى أيضًا : فالشيخ يحيى شامة في وجوه أهل السنة وتاج على رؤوسهم). (نقله الأخ عبد الغني القشعمي حفظه الله في "المؤمرة الكبرى" ص24).
وقال شيخنا جميل الصلوي -حفظه الله-: الذي يتكلم في الشيخ يحيى مطعون، فالشيخ يحيى يتكلم لله ولدين الله، وأحدنا قد يجبن أن يتكلم في بعض الأمور، وهو قد هيئه الله لهذا الأمر، للتعليم، والتأليف، ولحلّ كثير من المشاكل. ("المؤامرة الكبرى" /لعبد الغني القشعمي حفظه الله/ص24).
وقال الشيخ أبو عبد السلام حسن بن قاسم الريمي حفظه الله في مكر ابني مرعي وأتباعه بالشيخ يحيى حفظه الله: .. فأخذوا بكلّ ما أُتوا من عدة وعتاد وقوة وتلبيس وتدليس وقلب للحقائق يريدون من ذلك الإحاطة بهذا الجبل الأشم والدرع الأمين بإذن الله لهذه الدعوة بدماج الخير هو ومن معه من المشايخ النجباء الفضلاء. إلخ ("حقائق واقعية" /ص20)
وقال فضيلة شيخنا أبو أبراهيم محمد بن محمد بن مانع العنسي الصنعاني - حفظه الله-: ننصح إخواننا بأن يرحلوا ا إلى علماء السنة وإلى دار الحديث وقلعة السنة - بدماج - حرسها الله تعالى التى أسست من أول يوم على السنة والتي ليس لها نظير في زماننا هذا من حيث التميز وتقرير العقيدة السلفية والرد على أهل البدع والزيغ والضلال تلك الدار التي أسسها شيخنا المجدد ناصر السنن وقامع البدع أبو عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله تعالى وأكرم مثواه. ولايخفى أن تلك الدار قد نفع الله بها كثيراً وهدى بها كثيراً وتخرج منها المشايخ وطلبة العلم الذين انتشروا في أقطار الأرض دعاةً إلى التوحيد والسنة وإلى منهج السلف.
ولا تزال- بحمد الله - عامرة بالعلم والسنة بعد أن خلف الشيخ فيها بوصية منه الشيخ المحدث أبو عبدالرحمن يحيى بن على الحجوري - حفظه الله تعالى - فقام بالدعوة خير قيام ، قوالاً بالحق ناصراً للسنة قامعاً للبدعة وأهلها فجزاه الله خيراً ("نصيحة مختصرة للإندونيسيين"/ص1).
الباب السادس: بعض مشايخ دار الحديث بدماج
إن فضيلة الشيخ يحيى الحجوري حفظه الله في قيامه بشئون الطلاب يساعده عدد من مشايخ الدار، منهم:
وفضيلة الشيخ أبي محمد أحمد الوصابي،
فضيلة الشيخ أبي محمد عبد الوهاب الشميري،
وفضيلة الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي بن حزام الفضلي الإبي،
وفضيلة الشيخ أبي عمرو عبد الكريم بن أحمد الحجوري العمري،
وفضيلة الشيخ أبي عبد الله زايد بن حسن الوصابي العمري،
وفضيلة الشيخ أبي محمد عبد الحميد بن علي الحجوري الزعكري،
وفضيلة الشيخ أبي بلال خالد عبود الحضرمي،
وفضيلة الشيخ أبي عبد الله طارق بن محمد البعداني الإبي،
وفضيلة الشيخ أبي عبد الله كمال بن ثابت العدني،
وفضيلة الشيخ أبي اليمان عدنان المصقري الذماري،
وفضيلة الشيخ أبي يحيى زكريا اليافعي،
وغيرهم من مشايخ دار الحديث بدماج حفظهم الله جميعًا، بعضهم لم يحبوا أن يذكروا، وهم من مشايخ الدار أيضا يقومون بالتدريس والتأليف والتحقيق والنفاح عن الحق وأهله، فجزاهم الله خيراً. وبعضهم موجودون الآن، وبعضهم بُعثوا إلى بعض البلدان والمناطق للتدريس والدعوة مدة من الزمن.
الباب السابع: شروط الدراسة في دار الحديث بدماج
إن أهل الباطل في مر التاريخ يرغبون في إضلال الناس وإفساد أماكن الخيرات، ويرغبون أن لا يتركوا لأهل السنة ينشرون الحق. وإذا وجدوا مكاناً فيه مجتمع السلفية الصافية وتدارس الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسعون في الدخول فيه، وإفساد أفكار أهله، والقلقلة فيه.
فمن أجل ذلك يسعى أئمة السلف في تصفية الصف حماية لأبنائهم وشبابهم، مع الاستمرار في دعوة الناس إلى الحق والخير.
هذا واصل بن عطاء طرده الإمام الحسن البصري رحمه الله. قال أبو سعد السمعاني رحمه الله: وأصل المعتزلة أن واصل بن عطاء كان من مشائي مجلس الحسن البصري بالبصرة، فلما ظهر الخلاف بين الجماعة وبين مرتكبي الكبائر من المسلمين فقالت الخوارج بتكفيرهم وقالت الجماعة بأنهم مؤمنون وإن فسقوا بالكبائر خرج واصل عن قول الفريقين فزعم أن الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر وفسقه منزلة بين المنزلتين الإيمان والكفر فطرده الحسن عن مجلسه فاعتزل عند سارية في مسجد البصرة وانضم إليه عمرو بن عبيد فقيل لهما ولاتباعهما معتزلي لما اعتزلوا قول الأمة في المنزلة بين المنزلتين. ("الأنساب"/للسمعاني/5/ص338-339).
والقدرية مطرودون من مجلس عكرمة بن عمار رحمه الله. قال معاذ بن معاذ: سمعت عكرمة بن عمار يقول للناس: أحرج على رجل يرى القدر إلا قام فخرج عني، فإني لا أحدثه. ("سير أعلام النبلاء"/7/ص138).
وقال إمام المسلمين في عصره أبو عبد الله مالك بن أنس رحمه الله في جواب من سأله عن كيفية الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأظنك زنديقا. أخرجوه من المسجد. ("طبقات الشافعية الكبرى"/4 /ص163).
وعلى هذه القصة: (وما أراك إلا مبتدعاً) ثم أمر به فأخرج ، علق الإمام ابن عثيمين رحمه الله فقال: وهكذا ينبغي لأهل العلم إذا رأوا في صفوفهم مبتدعاً أن يطردوه عن صفوفهم ، لأن المبتدع وجوده في أهل السنة شر ، لأن البدعة مرض كالسرطان لا يرجى برؤه إلا أن يشاء الله ، قوله : ( إلا مبتدعاً ) : يحتمل أنه أراد ( إلا مبتدعاً ) بهذا السؤال أو ( إلا مبتدعاً ) إلا أنك من أهل البدع ، لأن أهل البدع هم الذين يكون دينهم عن المشتبهات من أجل التشويش على الناس، وأياً كان المعنى فهو يدل على أن من هدي السلف طرد المبتدعين عن صفوف المتعلمين. وهكذا ينبغي أن يطردوا عن المجتمع كله وأن يضيق النطاق عليهم حتى لا تنتشر بدعهم. ولا يقال : إن الإنسان حر، نعم هو حر لكن في حدود الشرع، أما إذا خالف الشرع فإنه يجب أن يضيق عليه ويبين له الحق، فإن رجع إليه فذاك، وإلا عومل بما تقتضيه بدعته من تكفير أو تفسيق. ("شرح العقيدة السفارينية"/1/ص171-172).
فتصفية الصف وإبعاد أهل الباطل معروف عند السلف الصالح. قال النضر بن شميل رحمه الله: كان سليمان التيمي إذا جاءه من لا يعرفه من أهل البصرة قال : أتشهد أن الشقي من شقي في بطن أمه ، وأن السعيد من وعظ بغيره ؟ فإن أقر وإلا لم يحدثه. ("الجامع لأخلاق الراوي"/للخطيب البغدادي /2/ص348).
وقال مهدي بن هلال رحمه الله: أتيت سليمان فوجدت عنده حماد بن زيد، ويزيد بن زريع، وبشر بن المفضل وأصحابنا البصريين، فكان لا يحدث أحدا حتى يمتحنه فيقول له: الزنى بقدر ؟ فإن قال: نعم، استحلفه أن هذا دينك الذي تدين الله به ؟ فإن حلف حدثه خمسة أحاديث. ("سير أعلام النبلاء"/6/ص200).
وقال الحاكم رحمه الله: سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول: لما وقع من أمر الكلابية ما وقع بنيسابور، كان السراج يمتحن أولاد الناس، فلا يحدث أولاد الكلابية، فأقامني من المجلس مرة، فقال: قل: أنا أبرأ إلى الله من الكلابية. فقلت: إن قلت هذا لا يطعمني أبي الخبز. فضحك وقال: دعوا هذا. ("تاريخ الإسلام"/للذهبي/5/ص387).
وهذا إسماعيل بن طغتكين بن أيوب، سلطان اليمن، خرج في زمان أبيه عن مذهب أهل السنة في اليمن، واتبع مذهب الإسماعيلية، فطرده أبوه. ("الأعلام"/للزركلي /1/ص316).
وقال الإمام الوادعي -رحمه الله-: وننصح أهل السنة أن يتميزوا وأن يبنوا لهم مساجد ولو من اللبن أو من سعف النخل، فإنّهم لن يستطيعوا أن ينشروا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بالتميّز وإلا فالمبتدعة لن يتركوهم ينشرون السنة. ("تحفة المجيب" /ص 208).
وقال شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: ننصحكم بالتميز فإن مخالطة أهل الباطل تضييع للحقّ. «من سمع بالدجال فلينأ عنه»([10]). «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»([11]). (15 شعبان 1430 هـ).
وقال حفظه الله: ضابط التميز عند أهل السنة هو الثبات على الحق مع مجانبة أهل الباطل. (15 /11/ 1430 هـ).
وقال حفظه الله: التميز عن أهل الباطل أصل أصيل. وهل خرجت الفتن إلا بسبب عدم التميز عن المبطلين؟ وعلى هذا أدلة من الكتاب والسنة وإجماع السلف. (سجل تاريخ 20 جمادى الثانية 1431 هـ).
وهذا ما كتبه شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله في شروط الدراسة في دار الحديث السلفية بدماج:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، وأشهد أن لا أله إلا الله وان محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
فقد طلب مني أخونا الفاضل سعيد بن حبيشان القائم على موقع دار الحديث بدماج في شبكة نشر المعلومات أن أكتب حسب رغبة السائلين شروط قبول الدراسة لدينا في الدار المذكور رحم الله بانيها، وتلبية للطلب نقول ينبغي لمن يرغب في الدراسة لدينا أن يكون:
- سلفياً مؤدباً.
- أن يكون مزكى إلينا من أحد علماء السنة أو من طالب علم معروف عندي فإن لم يتيسر له ذلك فبعد مجيئه إن عرفت منه ما ذكر في الشرط الأول يُقبل إن شاء الله.
- أن أعرف شخصه واسمه فور مجيئه فآذن له بطلب العلم وقد أوجهه إلى ما أراه ينفعه في هذا الشأن.
- الصغير دون البلوغ غير مقبول إلا إن كان معه هنا من يكون مسئولا عن رعايته وتربيته.
وبالله التوفيق.
الباب الثامن: ذكر بعض مراكز السنة السلفية
ومن عظيم نشاط أهل السنة والجماعة في نشر الخير وحرصهم على هداية الناس أنهم فتحوا مراكز الدعوة السلفية في بعض الأماكن، سأذكر بعض ما استحضرتها الآن، على سبيل ذكر نماذج، لا على سبيل الحصر. فمن مراكز مشايخ السنة الثابتين على الحق في أيام المحن في اليمن:
مركز فضيلة الشيخ الوالد أبي إبراهيم محمد بن محمد بن مانع (بصنعاء)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن عبد الرقيب الكوكباني (بصنعاء)،
ومركز فضيلة الشيخ محمد بن صالح القيسي (بصنعاء)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الله أحمد بن عثمان العدني (بعدن)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي معاذ حسين الحطيبي اليافعي (في عدن)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن جميل بن عبده الصلوي (في كتاف)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عمار ياسر الدبعي (بالمكلا)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد الإرياني (في إبّ)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي بكر عبد الرزاق بن صالح النهمي (بذمار)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الله محمد باجمال الحضرمي (في حضرموت)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد الله يحيى بن محمد الديلمي (في معبر)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي عبد السلام حسن بن قاسم الريمي (بتعز)،
ومركز فضيلة الشيخ أبي بكر الحمادي (بتعز)،
وغيرهم الذين لم أستحضرهم الآن، حفظهم الله جميعاً.
وهناك مشايخ الدعوة السلفية في بعض دول العالم، بعضهم معروفون مشهورون، والآخرون لا أعرفهم، ولا يضرّهم أن لم أعرفهم، فكفى بالله شهيداً، وعلينا نشر الخير ودلالة الناس على أهله ما استطعنا إليه سبيلاً.
عن خرشة بن الحر رحمه الله قال: شهد رجل عند عمر بن الخطاب بشهادةٍ ، فقال له : لستُ أعرفك ، ولا يضرك أن لا أعرفك، ائتِ بمن يعرفك . الأثر. (سنده حسن على الأقل كما في "السنن الكبرى" /للبيهقي/رقم (4517)/ط. دار المعرفة).
وقد بعث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبشره بالفتح، فلما وصل البشير بين يدي عمر، قال له عمر: النعمان بعثك؟ قال: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين، فبكى عمر واسترجع، وقال: ومن ويحك، فقال: فلان، وفلان، وفلان، حتى عد ناسا، ثم قال: وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم، فقال عمر رضوان الله عليه وهو يبكي: لا يضرهم، أن لا يعرفهم عمر لكن الله يعرفهم. (أخرجه ابن حبان في "صحيحه" برقم (4756) بسند قوي).
وليس من شروط الأهلية الشهرة عند الناس. قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله: ويعتبر في صحة الإجماع اتفاق كل من كان من أهل الاجتهاد سواء كان معروفاً مشهوراً أو خاملاً مستوراً . ("اللمع" /ص 188-189/المكتبة التوفيقية).
وقال العلامة الزركشي رحمه الله: لا يشترط في المجتهد الذي يعتبر قوله أن يكون مشهوراً في الفتيا ، بل يعتبر قول المجتهد الخامل خلافا لبعض الشاذين. ("البحر المحيط"/ 6/ص100).
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: فيجب أن يعتقد أنه ليس كل من كثر بسطة للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك. ("فضل علم السلف على الخلف"/ص 5).
فنحن نحثّ جميع الإخوة المسلمين على الالتحاق بتلك المراكز العلمية السلفية لنيل شرف العلم عند الله وفضائله في الدنيا والآخرة.
إن الله خلق الإنس والجن ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ويتعبدهم باتباع شريعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحذرهم من مكائد الشيطان الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير. وهذا كله يحتاج إلى رسوخ العلم، فمعرفة تفاصيل الشريعة ليقوم الناس بها ويعرفوا دقائق مصايد الشيطان ليحذروا منها تحتاج إلى بصيرة. فلا بد من الحرص على طلب العلم الشرعي.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا ريب أن الذي أوتي العلم والإيمان أرفع درجة من الذين أوتوا الإيمان فقط،كما دل على ذلك الكتاب والسنة، والعلم الممدوح الذي دل عليه الكتاب والسنة هو العلم الذي ورثته الأنبياء . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن العلماء ورثة الأنبياء؛ إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»([12]).
وهذا العلم ثلاثة أقسام :
علم بالله وأسمائه وصفاته : وما يتبع ذلك، وفي مثله أنزل الله سورة الإخلاص، وآية الكرسي، ونحوهما .
والقسم الثاني : العلم بما أخبر الله به، مما كان من الأمور الماضية، وما يكون من الأمور المستقبلة، وما هو كائن من الأمور الحاضرة، وفي مثل هذا أنزل الله آيات القصص، والوعد، والوعيد وصفة الجنة والنار، ونحو ذلك .
والقسم الثالث : العلم بما أمر الله به من الأمور المتعلقة بالقلوب والجوارح من الإيمان بالله من معارف القلوب وأحوالها وأقوال الجوارح وأعمالها، و هذا العلم يندرج فيه العلم بأصول الإيمان وقواعد الإسلام ويندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، وهذا العلم يندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة،... إلخ.
(انتهى من "مجموع الفتاوى" /11 /ص396-397).
وقال الإمام اللالكائي رحمه الله: فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين ، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين ، والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين ، وكان من أعظم مقول ، وأوضح حجة ومعقول ، كتاب الله الحق المبين ، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين ، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون ، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين ، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثها المضلون . ("شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"/ للالكائي /1 /ص2).
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: فواجب على كل أحد طلب ما يلزمه معرفته ، مما فرض الله عليه ، على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه ، وكل مسلم بالغ عاقل من ذكر أو أنثى ، حر وعبد ، تلزمه الطهارة والصلاة والصيام فرضا ، فيجب على كل مسلم تعرف علم ذلك ، وهكذا يجب على كل مسلم ، أن يعرف ما يحل له وما يحرم عليه ، من المآكل والمشارب والملابس والفروج والدماء والأموال ، فجميع هذا لا يسع أحدا جهله ، وفرض عليهم أن يأخذوا في تعلم ذلك ، حتى يبلغون الحلم وهم مسلمون ، أو حين يسلمون بعد بلوغ الحلم ، ويجبر الإمام أزواج النساء وسادات الإماء على تعليمهن ما ذكرنا ، وفرض على الإمام أيضا ، أن يأخذ الناس بذلك ، ويرتب أقواما لتعليم الجهال ، ويفرض لهم الرزق في بيت المال ، ويجب على العلماء تعليم الجاهل ، ليتميز له الحق من الباطل. ("الفقيه والمتفقه"/ للخطيب البغدادي/1 /ص185).
إذا عرفنا هذا عرفنا أن حاجتنا إلى العلم الشرعي أكبر من حاجتنا إلى أكل وشرب.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: و العلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه : ما جاء به الرسول. و العلم خير من الحال : العلم حاكم و الحال محكوم عليه و العلم هاد والحال تابع و العلم آمر ناه و الحال منفذ قابل. و الحال سيف إن لم يصحبه العلم فهو مخراق في يد لاعب. الحال مركب لا يجارى فإن لم يصحبه علم ألقى صاحبه في المهالك والمتالف. والحال كالمال يؤتاه البر والفاجر فإن لم يصحبه نور العلم كان وبالا على صاحبه. الحال بلا علم كالسلطان الذي لا يزعه عن سطوته وازع. الحال بلا علم كالنار التي لا سائس لها. نفع الحال لا يتعدى صاحبه، ونفع العلم كالغيث يقع على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر. دائرة العلم تسع الدنيا والآخرة ودائرة الحال تضيق عن غير صاحبها وربما ضاقت عنه.
العلم هاد والحال الصحيح مهتد به، وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وأهله عصبتهم ووراثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين، وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال، وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين والغي والرشاد والهدى والضلال. به يعرف الله ويعبد ويذكر ويوحد ويحمد ويمجد، وبه اهتدى إليه السالكون ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون. به تعرف الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام وبه توصل الأرحام وبه تعرف مراضي الحبيب وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب.
وهو إمام والعمل مأموم وهو قائد والعمل تابع، وهو الصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة والغني الذي لا فقر على من ظفر بكنزه، والكنف الذي لا ضيعة على من آوى إلى حرزه. مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام. قال الإمام أحمد رضي الله عنه : الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه .
(انتهى من "مدارج السالكين"/2 /ص469-470).
وليعلموا أنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى نلقى ربنا عز وجل، ولا نقنط من أن يرحمنا الله ويصلح أحوالنا، ولكن الأعداء يحرصون على تعلم الشبهات وارتكاب الشهوات، فإن لم يحمل السلفيون تركة الأنبياء عليهم السلام -وهي العلم الذي به يحصل السلاحان: اليقين والصبر- فغيرهم أجدر ألا يحملوها. وإن لم يكن السلفيون حماة هذا الدين بالأسلحة القوية فغيرهم أحرى ألا يحموه.
الباب التاسع: بيان كمال الإسلام، والأمر باتباع السنة، والنهي عن البدع والمحدثات
إن من فضل الله علينا وعلى الناس –ولكن أكثر الناس لا يشكرون- أنه أرسل أعظم رسله محمدا صلى الله عليه وسلم بأكمل الدين وأحسن الشريعة، فلا يحتاج الإنسان إلى زيادة ولا نقصان في دينه. قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ [المائدة: 3].
وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين». (أخرجه البخاري (3535)) ومسلم (2286)).
قال الحافظ لابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت –إلى قوله:- ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها وقد وقع في رواية همام عند مسلم «إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها» فيظهر أن المراد أنها مكملة محسنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصا ، وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة ، فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة . ("فتح الباري"/10/ص341).
هذا دليل على كمال الإسلام فلا يحتاج إلى زيادة ولا نقص. قال شيخ الإسلام رحمه الله: فما شيء مما أمر الله به أو نهى عنه أو حلله أو حرمه إلا بيّن ذلك. ثم ذكر هذه الآية. ("مجموع الفتاوى"/19/ص 173)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فقد بيّن الله سبحانه على لسان رسوله بكلامه، وكلام رسوله جميع ما أمر به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحلّه، وجميع ما حرّمه، وجميع ما عفا عنه، وبهذا يكون دينه كاملا كما قال تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي﴾، ولكن قد يقصر فهم أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص، وعن وجه الدلالة، وموقعها وتفاوت الأمة في مراتب الفهم عن الله ورسوله لا يحصيه إلا الله. ("إعلام الموقعين"/1/ص332).
وقال الإمام أبو شامة رحمه الله: والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة ببعث رسول الله، وما أوحى الله إليه من الشرع الكامل، ولم يقبضه إليه إلا بعد الإكمال والتبيين. –ثم ذكر الآية-. ("الباعث على إنكار البدع"/ص 116).
فمن عبد الله بمخالفة شريعة النبي صلى الله عليه وسلم فقد ابتدع في الإسلام وكأنه يزعم أن الدين يحتاج إلى تكميل، وهذا ضلال مبين. قال الإمام الشاطبي رحمه الله: فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله : إن الشريعة لم تتم وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها، لأنه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولا استدرك عليها وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.
قال ابن الماجشون : سمعت مالكا يقول : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة زعم أن محمدا صلى الله عليه و سلم خان الرسالة لأن الله يقول : ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا. (نقله الشاطبي في "الاعتصام"/ص 33).
فعلى العبد أن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز له أن يعبد الله بالبدع فصار ضالا خارجا عن الصراط المستقيم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فالهدى بغير هدى من الله أو غير ذلك ضلالة. ونحن علينا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا من الكتاب والحكمة، ونلزم الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، ونعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق، ونأمر بما أمر الله به وهو المعروف، وننهي عما نهى عنه وهو المنكر؛ وأن نتحرى الإخلاص لله في أعمالنا، فإن هذا هو دين الإسلام قال الله تعالى : ﴿بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ [ البقرة : 112 ] ، وقال تعالى : ﴿ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾ [ النساء : 125 ] .
("مجموع الفتاوى/4/ص514-515).
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشيّاً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». (أخرجه أبو داود (4594)/عون المعبود/دار الكتب العلمية) وغيره، وحسنه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" رقم (921) /دار الآثار).
وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ». (أخرجه البخارى (2697) /دار الكتب العلمية)، ومسلم (1718)/دار ابن الجوزي) بلفظ: «ما ليس منه»).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة. فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح. ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك». (أخرجه الإمام أحمد (6764) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (3250)).
وعن رجل من الأنصار من أصحاب الرسول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «فمن اقتدى بي فهو مني. ومن رغب عن سنتي فليس مني. إن لكل عمل شرة، ثم فترة فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل، ومن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى». (أخرجه الإمام أحمد (23521) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (3251)).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ودين الإسلام مبني على أصلين : على ألا نعبد إلا الله، وأن نعبده، بما شرع، لا نعبده بالبدع، قال تعالى : ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ [ الكهف :110 ] ، فالعمل الصالح ما أحبه الله ورسوله. ("مجموع الفتاوى"/25/ص316-317).
الباب العاشر: خطورة الابتداع في الدين
قد مر بنا آنفا ذكر مفاسد الابتداع في الدين منها أنه يعتبر طعنا في الله تعالى أنه لا يكمل لعباده دينهم فيحتاجون إلى زيادة أو نقصان من عند أنفسهم، وأنهم أعرف بمصالحهم من ربهم، وما إلى ذلك من المفاسد.
ثم إنه لا يجوز لعبد أن يتهاون بالبدع والمحدثات لأنها وإن كانت تافهة يسيرة في أعين بعض الناس ولكن عاقبتها وخيمة.
عنْ أنس - رضي الله عنه - قال: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِي أَدَقُّ في أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - الْمُوبِقَاتِ. (أخرجه البخاري (6492/دار الكتب العلمية)).
قال ابن حجر رحمه الله: أي تَعْمَلُونَ أَعْمَالًا تَحْسَبُونَهَا هَيِّنَةً وَهِيَ عَظِيمَة أَوْ تَؤُول إلى العظم . ("فتح الباري" / 11/ ص 371 /مكتبة الصفا).
وقال ابن بَطَّال : الْمُحَقَّرَات إذا كَثُرَتْ صَارَتْ كِبَارًا مَعَ الْإِصْرَار. ("فتح الباري" لابن حجر /ج 11 / ص 371 /مكتبة الصفا).
وقال الإمام البربهاري رحمه الله: واحذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت دينا يدان بها، فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام. ("شرح السنة" للبربهاري رحمه الله/ ص 18/دار الآثار).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإذا أصرّ على ترك ما أمر به من السنة وفعل ما نهى عنه فقد يعاقب بسلب فعل الواجبات حتى يصير فاسقاً أو داعياً إلى بدعة. وإن أصرّ على الكبائر فقد يخاف عليه أن يسلب الإيمان فإن البدع لا تزال تخرج الإنسان من صغير إلى كبير حتى تخرجه إلى الإلحاد والزندقة ... إلخ ("مجموع الفتاوى"/22/ص 305-306/إحالة/دار الوفاء).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن لم تسعه السنة حتى تعداها إلى البدعة مرق من الدين. ومن أطلق للناس ما لم يطلقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع وجود المقتضى للإطلاق فقد جاء بشريعة ثانية، ولم يكن تبعا للرسول، فلينظر أمره أين يضع قدمه. ("الفتاوى الكبرى" /3 /ص167).
الباب الحادي عشر: لا يجوز الدراسة عند أهل البدع
وقد نهانا الله أن نسمع أقوال أهل البدع صيانة لديننا. قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء/140].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عزوجل: ﴿إنكم إذا مثلهم﴾. فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أنه أخذ قوما يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية ﴿إنكم إذا مثلهم﴾([13]) أي إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم.
وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، كما قال: * فكل قرين بالمقارن يقتدي * وقد تقدم. وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى. ("الجامع لأحكام القرآن"/5 /ص396-397/ط. دار الكتاب العربي).
وقال الإمام عبد الرحمن آل سعدي رحمه الله: ﴿ إِنَّكُمْ إِذًا﴾ أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة ﴿مِثْلُهُمْ﴾ لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، والحاصل أن من حضر مجلسًا يعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها. ("تيسير الكريم الرحمن"/ص 216).
لما لم يخضعوا للحق الذي أنزله الله تعالى وجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، صاروا أعداء لله. وكل على حسب انحرافه. قال الله تعالى: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: 4].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب﴾ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». (أخرجه البخاري (4547) ومسلم (2665)).
قال الإمام محمد بن سيرين رحمه الله: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. ("صحيح مسلم"/1/ص12).
وقال الإمام الحسن البصري رحمه الله: يا ابن آدم، دينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك، فإن تسلم فيا لها من راحة ويا لها من نعمة، وإن تكن أخرى فنعوذ بالله فإنما هي نار لا تطفأ وحجر لا تبرد ونفس لا تموت. (أخرجه الإمام الفريابي رحمه الله في "صفات النفاق"/رقم (49) وصححه الشيخ عبد الرقيب الإبي حفظه الله).
حتى وإن كان الرجل ليس من المنافقين ولكن يخشى ضرره على الأمة وجب تحذيره أيضا ولا يجوز التتلمذ عند.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب وبُدّل الدين كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله. وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقاً وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: ﴿لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم﴾ فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء، بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم وقد دخلوا فى بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم، بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها اهـ. ("مجموع الفتاوى" /28 / ص 233/إحالة/دار الوفاء).
فسلامة ديننا رأس مالنا فلا يجوز التفريط فيها. قال الإمام النووي رحمه الله: والسلامة لا يعدلها شيء . ("رياض الصالحين"/2/ص175).
فعلينا التتلمذ عند أهل السنة والحديث، الناصحين فإنهم أرحم الناس بالناس فيعظمون حدود الله، ويحثون الناس على احترامها، وتعظيم حقوق الله وحقوق العباد، ولا يتركون النصيحة، ولا يسكتون عن الضرر الهادف على الناس. قال الإمام البربهاري رحمه الله: ولا يحل أن تكتم النصيحة أحداً من المسلمين برهم وفاجرهم في أمر الدين فمن كتم فقد غش المسلمين ومن غش المسلمين فقد غش الدين ومن غش الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. ("شرح السنة"/ص29-30).
وليس المراد بأهل الحديث مجرد المهتمين بقراءة الحديث وحفظه فقط، بل هم المعتنون به حفظا واتباعا ودفاعا عنه وتنقيته مما ليس منه حماية للدين.
قال أبو محمد ابن قتيبة رحمه الله: فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من وجهته وتتبعوه من مظانه وتقربوا من الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله صلى الله عليه و سلم وطلبهم لآثاره وأخباره برا وبحرا وشرقا وغربا، ... إلخ. ("تأويل مختلف الحديث"/ص 73).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه، أو كتابته أو روايته، بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه، ومعرفته وفهمه ظاهرا وباطنا، واتباعه باطنا وظاهرا، وكذلك أهل القرآن . ("مجموع الفتاوى"/4 /ص95).
وقال رحمه الله: يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة بمعانيها اتباعا لها، وتصديقا وعملا وحبا وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عادها، الذين يروون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم، وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه . ("مجموع الفتاوى"/3 /ص347).
وقال رحمه الله: أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف، ...إلخ. ("مجموع الفتاوى"/6 /ص355).
هؤلاء هم أهل الحديث.
والله تعالى أعلم
دماج، 22 رمضان 1434 هـ
الباب الثاني عشر: صورة خطية من شيخنا يحيى حفظه الله في شروط الدراسة
[IMG]file:///C:\Users\ABUFAI~1\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.jpg[/IMG]
([1]) قال المناوي رحمه الله: «وكل بيع مبرور» أي مقبول عند الله بأن يكون مثاباً به، أو في الشرع بأن لا يكون فاسداً ، ولا غش فيه، ولا خيانة، لما فيه من إيصال النفع إلى الناس بتهيئة ما يحتاجونه. ("فيض القدير"/رقم (1122)).
([2]) قال شيخ الإسلام رحمه الله: والزهد المشروع هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله. ("مجموع الفتاوى"/10/ص21).
([3]) قال شيخ الإسلام رحمه الله: الورع المشروع هو ترك ما قد يضر في الدار الآخرة، وهو ترك المحرمات والشبهات التي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها كالواجبات. فأما ما ينفع في الدار الآخرة بنفسه أو يعين على ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين. ("مجموع الفتاوى"/10/ص21).
([4]) صحيح، قال أبو داود رحمه الله: حدثنا سليمان بن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم به.
سليمان بن داود المهري، هو سليمان بن داود بن حماد، ثقة فقيه كما في "التهذيب".
ابن وهب، ثقة إمام.
سعيد بن أبي أيوب ثقة فقيه، كما في "التهذيب".
شراحيل بن يزيد المعافري وثقه الذهبي رحمه الله في "الكاشف".
أبي علقمة هو مصري ثقة فقيه كما في "التهذيب".
([5]) ليس المعنى أن الدين غير كامل. بل هو كامل غير أن النصوص قد تدل على المعنى دلالة جلية، وقد تدل بدلالة خفية، فيحتاج الناس إلى العلماء الذين يستنبطون لهم الأحكام من هذه النصوص. قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43]. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فقد بين الله سبحانه على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمر به وجميع ما نهى عنه وجميع ما أحله وجميع ما حرمه وجميع ما عفا عنه وبهذا يكون دينه كاملا كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: 3] ولكن قد يقصر فهم أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص وعن وجه الدلالة وموقعها. ("إعلام الموقعين"/1/ص 332).
([6]) قد فرق رحمه الله بين الصبر والمصابرة، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾ [آل عمران: 200]. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فأمرهم بالصبر وهو حال الصابر في نفسه، والمصابرة وهي حاله في الصبر مع خصمه. ("عدة الصابرين"/ص 21).
([7]) كتبه هذا في تاريخ 1430 هـ، وقد توفي الشيخ أبو بشير رحمه الله قتله الرافضة لعنهم الله في الثورة السادسة
([8]) إن هذا الرجل مراوغ في التوبة لأنه بعد إظهاره التراجع وطل العفو أرجع كل ردوده الباطلة على شيخنا يحيى الحجوري بعد ما كان حذفها، بل بعد ذلك أخرج هجوماً جديداً فاجراً على الشيخ يحيى حفظه الله.
([9]) قتله الرافضة لعنهم الله في حصار دماج، في حرب عمران.
([10]) أخرجه أبو داود (الملاحم/باب خروج الدجال/رقم 4311 /ط. دار الحديث)، وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" (رقم 1019/ط. دار الآثار)).
([11]) أخرجه أبو داود (كتاب الأدب/باب من يؤمر أن يجالس/4835/العون/دار الحديث) والترمذي (كتاب الزهد/باب-45/2552/تحفة/دار الحديث)).
([12]) أخرجه أبو داود (3641) والترمذي (2682) الحديث حسن لغيره.
([13]) صحيح، أخرجه الطبري في تفسيره (9/321) وابن أبي حاتم في تفسيره (6127) عن عبد الله بن إدريس، عن العلاء بن المنهال، عن هشام بن عروة في قصة عمر بن عبد العزيز.
ولد هشام بن عروة سنة 61 هـ، وكذلك عمر بن عبد العزيز. ولم يُظنّ بهشام التدليس إلا من أبيه. ولقاؤه بعمر بن عبد العزيز ممكن، فالأثر صحيح.