شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (19)
شرح: النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم، والنوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في آخر عمره، والنوع الثالث والستون: معرفة الطبقات، والنوع الرابع والستون: في معرفة الموالي من الرواة والعلماء، والنوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
فلا يعول الإنسان على مثل هذه الأمور.
ومن سار نحو الدار ستين حجةً*** فقد حان منه الملتقى وكأن قدِ
وصل خلاص، ويش أكثر من ستين؟ ثلاثة وستين عمر محمد -صلى الله عليه وسلم-، قد بلغ شخص الثلاثة والستين فقيل له: هذا عمر نبيك خلاص استعد، قال: لا، لنا نبي ثاني اسمه نوح، توفي -رحمه الله- هو من طلاب العلم، ومن خيارهم، لكن صاحب فكاهة دعابة -رحمة الله عليه-، توفي في العام الماضي، يقول: لنا نبي ثاني اسمه نوح.
طالب:.......
...... للدعوة هذا...... خمسين عام، الله المستعان، رحمه الله، غفر الله لنا وله.
"قال الحافظ أبو نعيم: ولا يعرف هذا لغيرهم من العرب".
يعني الأربعة جميعاً، جد الأب والجد والأب والابن كل الأربعة ماتوا على مائة وعشرين.
"قلتُ: قد عُمّر جماعة من العرب أكثر من هذا, وإنما أراد أن أربعة نسقاً يعيش كل منهم مائة وعشرين سنة لم يتفق هذا في غيرهم، وأما سلمان الفارسي فقد حكى العباس بن يزيد البحراني الإجماع على أنه عاش.."
البحراني إيش معنى البحراني؟
طالب:.......
ها؟ إيش معنى بحراني؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
إيش تسمونه...... بحراني؟ إيه لكن نسبة إلى البحرين بحراني، هذا هو الصحيح، النسبة إلى البحرين بحراني كما حققه كثير من أهل العلم، وإلا كيف يقول: بحراني واسم أبوه يزيد يجتمع؟
"وأما سلمان الفارسي فقد حكى العباس بن يزيد البحراني الإجماع على أنه عاش مائتين وخمسين سنة".
هذا المتفق عليه، لكن الزيادة محل الخلاف.
"واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين سنة، وقد أورد الشيخ أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله- وفيات أعيان من الناس، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو بن ثلاثٍ وستين سنة على المشهور.."
قيل: ستين، وقيل: خمسة وستين، في وفاته -عليه الصلاة والسلام- قيل: ستين، ومن قال الستين حذف الثلاث لأنها كسر، ..... خمس وستين وعد سنة الولادة وجبرها، وسنة الوفاة وجبرها، والجماهير على أنه ابن ثلاثٍ وستين سنة كأبي بكر وعمر.
"على المشهور يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وأبو بكر عن ثلاثٍ وستين أيضاً في جمادى سنة ثلاثة عشرة، وعمر عن ثلاثٍ وستين أيضاً في ذي الحجة سنة ثلاثٍ وعشرين.
قلتُ: وكان عمر أول من أرخ التاريخ الإسلامي بالهجرة بالنبوية من مكة إلى المدينة، كما بسطنا ذلك في سيرته، وفي كتابنا التاريخ وكان أمره.."
كتاب التاريخ المسمى: (البداية والنهاية) وهو من أجل كتب التاريخ وأوثقها، صاحبه إمام ثقة يعتمد عليه في النقل، إلا أن التواريخ تجمع، هم يذكرون الأسانيد، ويجعلون العهدة على الرواة، لكنه من أوثق التواريخ وأجلها وأنفعها وأنفسها.
"وكان أمره بذلك في سنة ستة عشرة من الهجرة، وقتل عثمان بن عفان وقد جاوز الثمانين، وقيل: بلغ التسعين في ذي الحجة سنة خمسٍ وثلاثين، وعلي في رمضان سنة أربعين عن ثلاثٍ وستين في قول، وطلحةُ والزبير قتلا يوم الجمل سنة ستٍ وثلاثين، قال الحاكم: سنُّ كلٌ منهما أربعٌ وستون سنة، وتوفي سعدٌ عن ثلاثٍ وسبعين سنة خمسٍ وخمسين، وكان آخر من توفي من العشرة، وسعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، وله ثلاثٌ أو أربعٌ وسبعون، وعبد الرحمن بن عوفٍ عن خمسٍ وسبعين، سنة اثنتين وثلاثين، وأبو عبيدة سنة ثمانية عشرة، وله ثمانٌ وخمسون -رضي الله عنهم أجمعين-.
قلتُ: وأما العبادلة فعبد الله بن عباس سنة ثمانٍ وستين، وابن عمر وابن الزبير في سنة ثلاثٍ وسبعين، وعبد الله بن عمروٍ سنة سبعٍ وستين.."
وهؤلاء تأخرت وفياتهم حتى احتاج الناس إلى علمهم فنقلت مذاهبهم، أما ابن مسعود تقدمت وفاته، فلذا لم يعده الإمام أحمد من العبادلة، وإن قاله الجوهري، وغلط في ذلك، له أوهام الجوهري.
"وأما عبد الله بن مسعود فليس منهم، قاله أحمد بن حنبل خلافاً للجوهري حيث عدَّه منهم، وقد كانت وفاته سنة إحدى وثلاثين، قال ابن الصلاح: الثالث أصحاب المذاهب الخمسة المتبوعة، سفيان الثوري توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة وله أربعٌ وستون سنة.."
له مذهب سفيان الثوري، له مذهب انقرض تبعه أناس إلى القرن الثالث، ثم انقرض مذهبه كالأوزاعي، الطبري أيضاً صار له مذهب متبوع وانقرض، داود الظاهري له أتباع، المقصود هؤلاء هم الأئمة المتبوعون، ولم يبقَ من المذاهب إلا الأربعة من مذاهب أهل السنة الذين يعتد بهم في الإجماع والخلاف، وأما ما عداهم فلا عبرة بهم.
"وتوفي مالكُ بن أنس بالمدينة سنة وتسعين وسبعين ومائة، وقد جاوز الثمانين، وتوفي أبو حنيفة ببغداد سنة خمسين ومائةٍ وله سبعون سنة، وتوفي الشافعي محمد بن إدريس سنة أربعٍ ومائتين عن أربعٍ وخمسين سنة، وتوفي أحمد بن حنبل ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين عن سبعٍ وسبعين سنة.
قلتُ: وقد كان أهل الشام على مذهبٍ الأوزاعي نحواً من مائتي سنة، وكانت وفاته سنةَ سبعين وخمسين ومائة ببيروت من ساحل الشام، وله من العمر بضعٌ وستون، وكذلك إسحاق بن راهويه.."
راهَوَيه راهَوَيه.... المحدثون يقولون: راهَوْيه، ويقولون: إن (ويه) اسم من أسماء الشيطان، ويعتمدون في ذلك على خبرٍ ضعيف، لكن الجادة عندهم -عند أهل اللغة والنحو- هو راهويه مثل سيبويه، ونفطويه.
"وكذلك إسحاق بن راهويه قد كان إماماً متبعاً له طائفةٌ يقلدونه ويجتهدون على مسلكه، يقال لهم: الإسحاقية، وقد كانت وفاته سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين عن بضعٍ وسبعين سنة.
قال ابن الصلاح: الرابع أصحاب كتب الحديث الخمسة: البخاري ولد سنة أربعٍ وتسعين ومائة، ومات ليلة عيد الفطر سنة ستٍ وخمسين ومائتين بقريةٍ يقال لها: خرتنك، ومسلمُ بن الحجاج توفي سنة إحدى وستين ومائتين عن خمسٍ وخمسين سنة، أما أبو داود سنة خمسٍ وسبعين ومائتين، الترمذي بعده بأربع سنين سنة تسعٍ وسبعين، أبو عبد الرحمن النسائي سنة ثلاثٍ وثلاثمائة.."
هو آخرهم.
"قلتُ: وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني صاحب السنن التي كُمِّل بها الكتب الستة، والسنن الأربعة بعد الصحيحين التي اعتنى بأطرافها الحافظ ابن عساكر، وكذلك شيخنا الحافظ المزي.."
أول من أدخل ابن ماجه في الستة أبو الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي الأطراف هو أول من أدخل ابن ماجه، والخلاف قائم في السادس، هل هو ابن ماجه لكثرة زوائده على الخمسة؟ أو هو الموطأ لإمامة مؤلفه وكثرة الصحيح فيه؟ أو الدارمي أيضاً لكثرة صحيحه وعلو إسناده؟ المقصود أن المسألة خلافية بين أهل العلم.
"وكذلك شيخنا الحافظ المزي اعتنى برجالها وأطرافها وهو كتابٌ مفيد قويُّ التبويب في الفقه.."
كتابٌ مفيد يعني كتاب ابن ماجه، فيه أحاديث كثيرة زائدة على ما في الكتب الخمسة، وتراجمه مفيدة تدل على قوةٍ في فقهه، وإن كان الضعيف فيه كثير.
"وقد كانت وفاته سنة ثلاثٍ وسبعين ومائتين -رحمهم الله تعالى-.
قال الخامس: سبعةٌ من الحفاظ انتفع بتصانيفهم في أعصارنا، أبو الحسن الدارقطني توفي سنة خمسٍ وثمانين وثلاثمائة عن تسعٍ وسبعين سنة، الحاكم.."
انتفع بتصانيفه الدارقطني لا سيما (العلل) و(السنن) علله لا نظير له في الدنيا، لكن يحتاج إلى أهل يطالع فيه وينتفع منه.
"الحاكم أبو عبد الله النيسابوري توفي في صفر سنة خمسٍ وأربعمائة وقد جاوز الثمانين..."
كتابه: (المستدرك) كتابٌ نافع، وفيه من الصحيح الزائد على الصحيحين شيء كثير، لكن إنما ينتفع به المتأهل لتساهله الشديد.
"عبد الغني بن سعيد المصري في صفر سنة تسع وأربعمائة بمصر عن سبع وسبعين سنة، الحافظ أبو نعيم الأصبهاني سنة ثلاثين وأربعمائة وله ست وتسعون سنة.
ومن الطبقة الأخرى الشيخ أبو عمرو بن عبد البر النمري توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن خمس وتسعين سنة..."
لو قدم قبله البيهقي لأنه يأتي بالعطف بـ(ثم) ما هو موجودة عندكم (ثم)؟
طالب: إلا (ثم) نعم.
كذا قال؟
طالب: ثم أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي.
لعله نظر إلى الولادة، لا شك أن ولادة ابن عبد البر قبل البيهقي وإن تقدمت وفاته.
"ثم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي توفي بنيسابور سنة ثمانين وخمسين وأربعمائة عن أربعٍ وسبعين سنة..."
يعني العطف بـ(ثم) يقتضي الترتيب، قد يقول قائل كيف يقول: (ثم) والبيهقي بعد ابن عبر البر وقبله بالوفاة خمس سنوات، لكن كأنه نظر إلى الولادة ابن عبد البر متقدم في الولادة، عمره خمسة وتسعين سنة، فتكون ولادته سنة ثمان وستين وثلاثمائة، والبيهقي..؟
طالب:.......
كم؟
طالب:.......
أربعة وسبعين سنة عمره توفي في سنة ثمان وخمسين، أربعة وعشرين...، ستة وسبعين يصير ميلاده، يصير ثلاثمائة وستة وسبعين.
"ثم أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن إحدى وسبعين سنة.."
من العجائب الوفاة واحدة، ابن عبد البر حافظ المغرب وهذا حافظ المشرق في سنة واحدة.
"قلتُ: وقد كان ينبغي أن يذكر مع هؤلاء جماعةٌ اشتهرت تصانيفهم بين الناس، ولا سيما عند أهل الحديث كالطبراني، وقد توفي سنة ستين وثلاثمائة صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها، والحافظ أبو يعلى الموصلي والحافظ أبو بكر البزار وإمام الأئمة..."
.... سبع وثلاثمائة، والبزار سنة اثنتين وتسعين ومائتين، هؤلاء لا شك أنهم نفعوا، وأفادت الأمة من تصانيفهم، فالإشادة بهم مناسبة، ليسوا بأقل ممن ذكر.
"وإمامُ الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة توفي سنة إحدى عشر وثلاثمائة صاحب الصحيح..."
أنواع التقاسيم صحيح ابن خزيمة، أنواع التقاسيم لابن حبان الآتي.
"وكذلك أبو حاتم محمد بن حبان البستي صاحب الصحيح أيضاً، وكانت وفاته سنة أربعٍ وخمسين وثلاثمائة، والحافظ.."
يعني ابن خزيمة وابن حبان أولى بالذكر من الحاكم، ابن خزيمة ثلاثة أرباع الكتاب مفقود، لكن الربع الموجود فيه خير -إن شاء الله-، ابن حبان موجود ترتيبه ومطبوع ومتداول.
"والحافظ أبو أحمد بن عدي صاحب الكامل، توفي سنة سبعٍ وستين وثلاثمائة.
النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم:
النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم، وهذا الفن من أهم العلوم وأعلاها وأنفعها, إذ به تعرف صحة سند الحديث من ضعفه.."
هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الصحيح من الضعيف، والتمييز بين المقبول والمردود، لا وسيلة إلا ذلك، معرفة ثقة الرواة وضبطهم وضعفهم.
"وقد صنف الناس في ذلك قديماً وحديثاً كتباً كثيرة من أنفعها كتاب ابن أبي حاتم، ولابن حبان كتابان نافعان أحدهما: في الثقاة، والآخر في الضعفاء، وكتاب الكامل لابن عدي.."
نعم صنف الناس في تواريخ الرجال، وتراجمهم، والحكم عليهم مؤلفات نافعة كتواريخ يحيى بن معين، وسؤالات الإمام أحمد، وتواريخ البخاري أيضاً، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم كل هذه كتب لا يستغني عنها طالب علم، أقوال الأئمة كلها فيها، ابن حبان أيضاً له الثقات وله المجروحون، ابن عدي له الكامل كتابٌ نفيس، الحافظ الذهبي له الميزان، ابن حجر له لسانه، الحافظ عبد الغني المقدسي له الكمال في أسماء الرجال في تراجم الكتب الستة، وتهذيبه للحافظ المزي، وتهذيب تهذيبه لابن حجر، وتقريب التهذيب له، والتذهيب للحافظ الذهبي، والكاشف له، والخلاصة للخزرجي، هذه كتب ينبغي أن يعتني بها طالب العلم، وأن يطلع على ما فيها من أقوال في الرواة جرحاً وتعديلاً، فإن كان متأهلاً للموازنة بين هذه الأقوال والترجيح بينها فلا بأس، وإلا فليقلد.
"والتواريخ المشهورة, ومن أجلها تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب، وتاريخ دمشق للحافظ أبي القاسم بن عساكر.."
نعم هذه التواريخ تواريخ بغداد، تاريخ أصبهان، تاريخ دمشق، تاريخ بخارى، تاريخ قزوين، تواريخ تعتني بالرواة، وما قيل فيهم جرحاً وتعديلاً، وتذكر بعض عواليهم وما أشبه ذلك وأخبارهم، هذه كتب ينبغي لطالب العلم العناية بها؛ لأنها يوجد فيها ما لا يوجد في كتب الرجال، لا سيما إذا كان الرجل من غير رواة الكتب الستة، ففي الغالب يوجد في هذه التواريخ تواريخ البلدان.
"وتهذيب شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي، وميزان شيخنا الحافظ أبي عبد الله اللهبي، وقد جمعتُ بينهما وزدتُ في تحرير الجرح والتعديل عليهما في كتابٍ وسميته: بـ(التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل) وهو من أنفع شيء للفقيه البارع، وكذلك المحدث، وليس الكلام في جرحٍ الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين بغيبة."
لأن بعض الناس يقول: هؤلاء أئمة كبار أهل التحري والورع وقعوا في الناس: فلان ضعيف، فلان يكذب، فلان يسرق الحديث، فلان كذا، ويش معنى الغيبة؟ نقول: هذا من النصيحة، هذا ما لا يتم الواجب إلا به، بل هو واجب على الأمة أن تتصدى لمثل هذا، وقد قام به الأئمة خير قيام.
"وليس الكلام في جرح الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين بغيبة، بل يثاب متعاطي ذلك إذا قصد به ذلك، وقيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك يوم القيامة؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خصمي يومئذٍ، وسمع أبو تراب النخشبي أحمد بن حنبل وهو يتكلم في بعض الرواة فقال له: أتغتاب العلماء؟ فقال له: ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة، ويقال: إن أول من تصدى للكلام في الرواة شعبة بن الحجاج، وتبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم تلامذته أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وعمرو بن علي الفلاس وغيرهم".
تكلم قبلهم من الصحابة لكن شيء يسير جداً، ومن التابعين كابن سيرين على نطاق ضيق جداً؛ لعدم الحاجة إلى الكلام، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((بئس أخو العشيرة)) يعني نقد الرجل، وهذا أصل في هذا الباب، لكن هؤلاء تكلموا في الرواة بشكل عام، كلما ازدادت الحاجة زاد الكلام، والله المستعان.
"وقد تكلم في ذلك مالكٌ وهشام بن عروة وجماعة من السلف الصالح، وقد قال -عليه السلام-: ((الدين النصيحة)) وقد تكلم بعضهم في غيره فلم يعتبر لما بينهما من العداوة المعلومة".
نعم أهل العلم يميزون بين الكلام الذي باعثه النصيحة وبين الكلام في الأقران، التشفي بعضهم من بعض، وهذا وإن كان نادر جداً جداً، يعني حصل في حالات يسير بين مالك وابن إسحاق، وبين النسائي لما تكلم في أحمد بن صالح المصري لسبب من الأسباب هذا لا يقدح فيهم؛ لأن وقوع الهفوة من الشخص من الذي يسلم من الخطأ، من الذي يسلم من الهوى، لكن الله المستعان، مثل هذا لا يعول عليه عند أهل العلم، ويميزونه من غيره.
"وقد ذكروا من أمثلة ذلك كلام محمد بن إسحاق في الإمام مالك، وكذا كلام مالك فيه، وقد وسع السهيلي القول في ذلك، وكذلك كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري حين منعه من حضور مجلسه".
النوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في آخر عمره:
"النوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في.."
النسائي -رحمه الله- لما منعه الحارث بن مسكين من سماع الحديث ما تكلم فيه، بل روى عنه وخرج، النسائي معروف في شدة الورع، لكن هذا اجتهاده بالنسبة لأحمد بن صالح ولم يوافق عليه، بالنسبة للحارث بن مسكين منعه من حضور الدرس فكان يروي عنه، يجلس وراء السارية ويسمع الحديث ويروي عنه بدون صيغة، لا يقول: أخبرنا؛ لأنه ممنوع من الإخبار، ولا حدثنا إنما يقول: الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع.
طالب:.......
إيش فيه؟
طالب:.......
على كل حال هناك هفوات وقعت من الأئمة لكن باعثهم في ذلك النصيحة، واجتهدوا، ولذا لا بد من الموازنة في أقوالهم، ومن نعم الله -سبحانه وتعالى- أنه لا يتفق اثنين أو ثلاثة على تضعيف ثقة أو العكس.
"في معرفة من اختلط في آخر عمره إما لخوف أو ضرر أو مرض أو عرض، كعبد الله بن لهيعة لما ذهبت كتبه اختلط في عقله, فمن سمع من هؤلاء قبل اختلاطهم قبلت روايتهم, ومن سمع بعد ذلك أو شك في ذلك لم تقبل".
نعم الرواة الذين اختلطوا في آخر أعمارهم حصل لهم النسيان الكامل أو الخرف، هناك من يضعف وهذا هو الجادة، والغالب أن الإنسان يضعف في آخر عمره، لكن هذا لا يؤثر عليه إلا إذا كثر، أما من اختلط اختلاطاً كلياً فلا بد من التوقف عن الرواية عنه بعد الاختلاط، وهناك كتب ألفت في الرواة المختلطين (نهاية الاغتباط) وغيره من الكتب تبين الرواة الذين اختلطوا، ومن روى عنهم قبل الاختلاط، ومن روى عنهم بعد الاختلاط، ومن روى عنهم قبله وبعده، على كل حال من روى بعد الاختلاط لا تقبل روايته، وقبله روايته مقبولة كما هو معروف.
"وممن اختلط بأخرة عطاء بن السائب وأبو إسحاق السبيعي, قال الحافظ أبو يعلى الخليلي: وإنما سمع ابن عيينة منه بعد ذلك، وسعيد بن أبي عروبة, وكان سماع وكيع والمعافى بن عمران منه بعد اختلاطه، والمسعودي وربيعة وصالح مولى التوأمة، وحصين بن عبد الرحمن قاله النسائي، وسفيان بن عيينة قبل موته بسنتين قاله يحيى القطان، وعبد الوهاب الثقفي قاله ابن معين، وعبد الرزاق بن همام قال أحمد بن حنبل: اختلط بعدما عمي، فكان يلقن فيتلقن، فمن سمع منه بعدما عمي فلا شيء..."
هذه مشكلة من يعتمد على الكتاب، ويهمل الحفظ، إذا عمي ضاع، إذا احترق الكتاب وفُقد كذلك، إذا سافر دون كتبه صار لا شيء، هذه حال كثير من ينتسب إلى العلم في العصور المتأخرة، لما اعتمدوا على هذه الكتب، ورصت هذه الكتب في الدواليب إذا راح يمين وإلا يسار قال: لا بد أراجع، فإذا عمي......، ولهذا يحرص الإنسان في حال الصحة وفي حال الشباب أن يكثر من المحفوظ، بادئاً بكتاب الله -جل وعلا-؛ لأنه يحتاج إلى الكتاب، وقد لا يحصل له، لا يحصل له في كل ظرف، لا يتهيأ له الكتاب، فإذا كان محفوظاً الحمد لله وجد الكتاب أو لم يوجد، الخطب سهل، والله المستعان.
"قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما رواه الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، فلعل سماعه كان منه بعد اختلاطه.."
نعم الدبري متأخر جداً، يروي عنه الطبراني، وبين الطبراني وعبد الرزاق كم؟ نحو ثلاثمائة وستين وهذا مائتين وستة أو سبع..، أكثر من قرن ونصف بينهم، والدبري واسطة بينهما، لم يدرك من حياة عبد الرزاق إلا ست سنوات أو سبع، يذكره مثل الحلم، فعله روى عنه بعد اختلاطه.
"وذكر إبراهيم الحربي أن الدبري كان عمره حينما مات عبد الرزاق ست أو سبع سنين، وعارم اختلط بأخرة، وممن اختلط بعد هؤلاء أبو كلابة الرقاشي وأبو أحمد الغطريفي وأبو بكر بن مالك القطيعي خرف حتى لا يدري ما يقرأ".
النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات:
"النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات.."
..... فيه (الاغتباط)، (نهاية الاغتباط)، كتب في الاختلاط.
"معرفة الطبقات، وذلك أمرٌ اصطلاحي، فمن الناس من يرى الصحابة كلهم طبقة واحدة، ثم التابعون بعدهم أخرى، ثم من بعدهم كذلك، وقد يستشهد.."
نعم منهم من يجعل الصحابة كلهم طبقة واحدة باعتبار الشرف شرف الصحبة، وأن كلاً منهم لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا مفاوتة ولا مفاضلة بينهم من حيث السماع منه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الحاكم جعلهم على اثنتي عشرة طبقة.
"وقد يستشهد على هذا بقوله -عليه السلام-: ((خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) فذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، ومن الناس من يقسم الصحابة إلى طبقات, وكذلك التابعين فمن بعدهم، ومنهم من يجعل كل قرن أربعين سنة، ومن أجل الكتب في هذا.."
والطبقة تجمع أقوام متشابهين في السن والأخذ عن الشيوخ، يعني أشبه ما تكون بالزملاء، الطبقة يعني الزملاء.
"ومن أجل الكتب في هذا (طبقات محمد بن سعد) كاتب الواقدي، وكذلك كتاب: (التاريخ) لشيخنا العلامة أبي عبد الله الذهبي -رحمه الله-، وله كتاب (طبقات الحفاظ) مفيد أيضاً جداً".
نعم له تاريخ رتبه على الطبقات تاريخ الحافظ الذهبي تاريخ كبير تاريخ الإسلام، وله أيضاً تذكرة الحفاظ كلاهما مطبوع.
النوع الرابع والستون: في معرفة الموالي من الرواة والعلماء:
النوع الرابع والستون: في معرفة الموالي من الرواة والعلماء، وهو من المهمات، فربما نسب أحدهم إلى القبيلة فيعتقد السامع أنه منهم صليبة، وإنما هو من مواليهم فيميز ذلك ليعلم، وإن كان قد ورد في الحديث: ((مولى القوم من أنفسهم)) ومن ذلك أبو البختري الطائي، وهو سعيد بن فيروز، وهو مولاهم، وكذلك أبو العالية الرياحي، وكذلك الليث بن سعد الفهمي، وكذلك عبد الله بن وهب القرشي، وهو مولى لعبد الله بن صالح كاتب الليث، وهذا كثير.."
أبو البختري ليس من طيء وإنما مولى، وكذلك أبو العالية ليس من الرياح، وكذلك الليث، وعبد الله بن وهب كل هؤلاء موالي.
"فأما ما يذكر في ترجمة البخاري أنه مولى الجعفيين فلإسلام جده الأعلى على يد بعض الجعفيين.."
نعم يمان الجعفي والي بخارى، وهو جد عبد الله بن محمد المسندي شيخ البخاري، أسلم جد البخاري الأعلى على يد يمان الجعفي فنسب إلى جعف، ليس منهم إنما هو مولاهم.
"وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجسي ينسب إلى ولاء عبد الله بن المبارك؛ لأنه أسلم على يديه وكان نصرانياً، وقد يكون الولاء بالحلف, كما يقال في نسب الإمام مالك بن أنس: مولى التيميين, وهو حميري أصبحي صليبة, ولكن كان جده مالك بن أبي عامر حليفاً لهم، وقد كان عسيفاً عند طلحة بن عبد الله التيمي أيضاً فنسب إليهم كذلك".
نعم أجير عندهم أجير، والأجير إذا طالت المدة عند صاحبه قد يعرف بالنسبة إليه، هذا واضح.
"وقد كان جماعة من سادات العلماء في زمن السلف من الموالي, وقد روى مسلم.."
بل غالبهم، وهذا من حكمة الله -سبحانه وتعالى- أن الشرف شرف النسب إذا لم يصاحبه العمل لا ينفع وحده ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) فمن حكمة الله -سبحانه وتعالى- أن برز في العلوم كلها أو جلها الموالي على ما سيأتي.
"وقد روى مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب لما تلقاه نائب مكة أثناء الطريق في حج أو عمرة, قال له: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى, قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من الموالي, فقال: أما إني سمعت نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله يرفع بهذا العلم أقواماً، ويضع به آخرين)).
وذكر الزهري أن هشام بن عبد الملك قال له: من يسود أهل مكة؟ فقلت: عطاء, قال.."
قال: من العرب أم من الموالي؟ قلتُ: من الموالي -عطاء-، ومثله من يأتي بعده كلهم، اللهم إلا النخعي إبراهيم.
"فقلت: عطاء، قال: فأهل اليمن؟ قلت: طاوس, قال: فأهل الشام؟ فقلت: مكحول, قال: فأهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب, قال: فأهل الجزيرة؟ فقلت: ميمون بن مهران, قال: فأهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم, قال: فأهل البصرة؟ فقلت: الحسن بن أبي الحسن, قال: فأهل الكوفة؟ فقلت: إبراهيم النخعي, وذكر أنه يقول له عند كل واحد..."
المقصود أن كلهم من الموالي إلا إبراهيم لما قال له قال: فرجت عني، كلهم من الموالي إلا إبراهيم.
"وذكر أنه يقول عند كل واحدٍ: أمن العرب أم من الموالي؟ فيقول: من الموالي, فلما انتهى قال: يا زهري والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها, فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه, فمن حفظه ساد، ومن ضيعه سقط.."
نعم هذا المقياس، المقياس الدين من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط، ولو كان من أشراف الناس، ولو كان من نسل محمد بن عبد الله، الله المستعان.
"قلتُ: وسأل بعض الأعراب رجلاً من أهل البصرة, فقال: من هو سيد هذه البلدة؟ قال: الحسن بن أبي الحسن البصري, قال: أمولى هو؟ قال: نعم, قال: فبم سادهم؟ فقال: بحاجتهم إلى علمه وعدم احتياجه إلى دنياهم, فقال الأعرابي: هذا لعمر أبيك هو السؤدد.
النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم:
النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم، وهو مما يعتني به كثير من علماء الحديث، وربما ترتب عليه فوائد مهمة، منها معرفة شيخ الراوي.."
إذا عرفت بلد الراوي وأنه نفس بلد الذي روى عنه أو قريبٌ منه، وأمكن لقاؤه يعني يسهل عليك الحكم على أنه لقيه أو لم يلقه، أما تباعد البلدان كما نص الحافظ ابن رجب -رحمه الله- فالسلف والأئمة كلهم يحكمون بالانقطاع مع تباعد البلدان.
"فربما اشتبه بغيره, فإذا عرفنا بلده تعين بلديه غالباً، وهذا مهم جليل، وقد كانت العرب إنما ينسبون إلى القبائل والعمائر والعشائر والبيوت, والعجم إلى شعوبها ورساتيقها وبلدانها, وبنو إسرائيل إلى أسباطها، فلما جاء الإسلام.."
نعم العرب تنتسب إلى القبائل فلان قرشي، فلان مخزومي، فلان ثقفي، أما الأعاجم ينتسبون إلى البلدان، فلان نيسابوري، فلان خرساني، فلان بغدادي، هكذا، لما انتشر العرب في البلدان وخالطوا الأعاجم انتسبوا مثلهم.
"فلما جاء الإسلام وانتشر الناس في الأقاليم نسبوا إليها، أو إلى مدنها أو قراها، فمن كان من قرية فله الانتساب إليها بعينها وإلى مدينتها إن شاء أو إقليمها, ومن كان من بلدة ثم انتقل منها إلى غيرها فله.."
له الانتساب إليها بعينها إلى القرية، وإن عمم قليلاً وانتسب إلى ما هو أعم من ذلك مما تدخل تحته هذه القرية فلا بأس، انتسب إلى الإقليم الأعم لا بأس.
"فمن كان من قرية فله الانتساب إليها بعينها وإلى مدينتها إن شاء أو إقليمها، ومن كان من بلدةٍ ثم انتقل منها إلى غيرها فله الانتساب إلى أيهما شاء, والأحسن أن يذكرهما فيقول مثلاً: الشامي ثم العراقي, أو الدمشقي ثم المصري, ونحو ذلك، وقال بعضهم: إنما يسوغ الانتساب إلى البلد إذا أقام فيه أربع سنين فأكثر, وفي هذا نظر.."
التحديد لا دليل عليهم، نعم قد يقال: هذا اصطلاح أنه إذا أقام أربع سنين، لكن أربع سنين يمكن ينتسب في عمره إلى عشر من البلدان إذا كان رحال في كل بلدٍ يجلس، لكن هذا لا دليل عليه.
"وفي هذا نظر، والله -سبحانه وتعالى- أعلم بالصواب.
وهذا آخر ما يسره الله تعالى من اختصار علوم الحديث، وله الحمد والمنة.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ على محمد.
شرح: النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم، والنوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في آخر عمره، والنوع الثالث والستون: معرفة الطبقات، والنوع الرابع والستون: في معرفة الموالي من الرواة والعلماء، والنوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
فلا يعول الإنسان على مثل هذه الأمور.
ومن سار نحو الدار ستين حجةً*** فقد حان منه الملتقى وكأن قدِ
وصل خلاص، ويش أكثر من ستين؟ ثلاثة وستين عمر محمد -صلى الله عليه وسلم-، قد بلغ شخص الثلاثة والستين فقيل له: هذا عمر نبيك خلاص استعد، قال: لا، لنا نبي ثاني اسمه نوح، توفي -رحمه الله- هو من طلاب العلم، ومن خيارهم، لكن صاحب فكاهة دعابة -رحمة الله عليه-، توفي في العام الماضي، يقول: لنا نبي ثاني اسمه نوح.
طالب:.......
...... للدعوة هذا...... خمسين عام، الله المستعان، رحمه الله، غفر الله لنا وله.
"قال الحافظ أبو نعيم: ولا يعرف هذا لغيرهم من العرب".
يعني الأربعة جميعاً، جد الأب والجد والأب والابن كل الأربعة ماتوا على مائة وعشرين.
"قلتُ: قد عُمّر جماعة من العرب أكثر من هذا, وإنما أراد أن أربعة نسقاً يعيش كل منهم مائة وعشرين سنة لم يتفق هذا في غيرهم، وأما سلمان الفارسي فقد حكى العباس بن يزيد البحراني الإجماع على أنه عاش.."
البحراني إيش معنى البحراني؟
طالب:.......
ها؟ إيش معنى بحراني؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
إيش تسمونه...... بحراني؟ إيه لكن نسبة إلى البحرين بحراني، هذا هو الصحيح، النسبة إلى البحرين بحراني كما حققه كثير من أهل العلم، وإلا كيف يقول: بحراني واسم أبوه يزيد يجتمع؟
"وأما سلمان الفارسي فقد حكى العباس بن يزيد البحراني الإجماع على أنه عاش مائتين وخمسين سنة".
هذا المتفق عليه، لكن الزيادة محل الخلاف.
"واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين سنة، وقد أورد الشيخ أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله- وفيات أعيان من الناس، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو بن ثلاثٍ وستين سنة على المشهور.."
قيل: ستين، وقيل: خمسة وستين، في وفاته -عليه الصلاة والسلام- قيل: ستين، ومن قال الستين حذف الثلاث لأنها كسر، ..... خمس وستين وعد سنة الولادة وجبرها، وسنة الوفاة وجبرها، والجماهير على أنه ابن ثلاثٍ وستين سنة كأبي بكر وعمر.
"على المشهور يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وأبو بكر عن ثلاثٍ وستين أيضاً في جمادى سنة ثلاثة عشرة، وعمر عن ثلاثٍ وستين أيضاً في ذي الحجة سنة ثلاثٍ وعشرين.
قلتُ: وكان عمر أول من أرخ التاريخ الإسلامي بالهجرة بالنبوية من مكة إلى المدينة، كما بسطنا ذلك في سيرته، وفي كتابنا التاريخ وكان أمره.."
كتاب التاريخ المسمى: (البداية والنهاية) وهو من أجل كتب التاريخ وأوثقها، صاحبه إمام ثقة يعتمد عليه في النقل، إلا أن التواريخ تجمع، هم يذكرون الأسانيد، ويجعلون العهدة على الرواة، لكنه من أوثق التواريخ وأجلها وأنفعها وأنفسها.
"وكان أمره بذلك في سنة ستة عشرة من الهجرة، وقتل عثمان بن عفان وقد جاوز الثمانين، وقيل: بلغ التسعين في ذي الحجة سنة خمسٍ وثلاثين، وعلي في رمضان سنة أربعين عن ثلاثٍ وستين في قول، وطلحةُ والزبير قتلا يوم الجمل سنة ستٍ وثلاثين، قال الحاكم: سنُّ كلٌ منهما أربعٌ وستون سنة، وتوفي سعدٌ عن ثلاثٍ وسبعين سنة خمسٍ وخمسين، وكان آخر من توفي من العشرة، وسعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، وله ثلاثٌ أو أربعٌ وسبعون، وعبد الرحمن بن عوفٍ عن خمسٍ وسبعين، سنة اثنتين وثلاثين، وأبو عبيدة سنة ثمانية عشرة، وله ثمانٌ وخمسون -رضي الله عنهم أجمعين-.
قلتُ: وأما العبادلة فعبد الله بن عباس سنة ثمانٍ وستين، وابن عمر وابن الزبير في سنة ثلاثٍ وسبعين، وعبد الله بن عمروٍ سنة سبعٍ وستين.."
وهؤلاء تأخرت وفياتهم حتى احتاج الناس إلى علمهم فنقلت مذاهبهم، أما ابن مسعود تقدمت وفاته، فلذا لم يعده الإمام أحمد من العبادلة، وإن قاله الجوهري، وغلط في ذلك، له أوهام الجوهري.
"وأما عبد الله بن مسعود فليس منهم، قاله أحمد بن حنبل خلافاً للجوهري حيث عدَّه منهم، وقد كانت وفاته سنة إحدى وثلاثين، قال ابن الصلاح: الثالث أصحاب المذاهب الخمسة المتبوعة، سفيان الثوري توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة وله أربعٌ وستون سنة.."
له مذهب سفيان الثوري، له مذهب انقرض تبعه أناس إلى القرن الثالث، ثم انقرض مذهبه كالأوزاعي، الطبري أيضاً صار له مذهب متبوع وانقرض، داود الظاهري له أتباع، المقصود هؤلاء هم الأئمة المتبوعون، ولم يبقَ من المذاهب إلا الأربعة من مذاهب أهل السنة الذين يعتد بهم في الإجماع والخلاف، وأما ما عداهم فلا عبرة بهم.
"وتوفي مالكُ بن أنس بالمدينة سنة وتسعين وسبعين ومائة، وقد جاوز الثمانين، وتوفي أبو حنيفة ببغداد سنة خمسين ومائةٍ وله سبعون سنة، وتوفي الشافعي محمد بن إدريس سنة أربعٍ ومائتين عن أربعٍ وخمسين سنة، وتوفي أحمد بن حنبل ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين عن سبعٍ وسبعين سنة.
قلتُ: وقد كان أهل الشام على مذهبٍ الأوزاعي نحواً من مائتي سنة، وكانت وفاته سنةَ سبعين وخمسين ومائة ببيروت من ساحل الشام، وله من العمر بضعٌ وستون، وكذلك إسحاق بن راهويه.."
راهَوَيه راهَوَيه.... المحدثون يقولون: راهَوْيه، ويقولون: إن (ويه) اسم من أسماء الشيطان، ويعتمدون في ذلك على خبرٍ ضعيف، لكن الجادة عندهم -عند أهل اللغة والنحو- هو راهويه مثل سيبويه، ونفطويه.
"وكذلك إسحاق بن راهويه قد كان إماماً متبعاً له طائفةٌ يقلدونه ويجتهدون على مسلكه، يقال لهم: الإسحاقية، وقد كانت وفاته سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين عن بضعٍ وسبعين سنة.
قال ابن الصلاح: الرابع أصحاب كتب الحديث الخمسة: البخاري ولد سنة أربعٍ وتسعين ومائة، ومات ليلة عيد الفطر سنة ستٍ وخمسين ومائتين بقريةٍ يقال لها: خرتنك، ومسلمُ بن الحجاج توفي سنة إحدى وستين ومائتين عن خمسٍ وخمسين سنة، أما أبو داود سنة خمسٍ وسبعين ومائتين، الترمذي بعده بأربع سنين سنة تسعٍ وسبعين، أبو عبد الرحمن النسائي سنة ثلاثٍ وثلاثمائة.."
هو آخرهم.
"قلتُ: وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني صاحب السنن التي كُمِّل بها الكتب الستة، والسنن الأربعة بعد الصحيحين التي اعتنى بأطرافها الحافظ ابن عساكر، وكذلك شيخنا الحافظ المزي.."
أول من أدخل ابن ماجه في الستة أبو الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي الأطراف هو أول من أدخل ابن ماجه، والخلاف قائم في السادس، هل هو ابن ماجه لكثرة زوائده على الخمسة؟ أو هو الموطأ لإمامة مؤلفه وكثرة الصحيح فيه؟ أو الدارمي أيضاً لكثرة صحيحه وعلو إسناده؟ المقصود أن المسألة خلافية بين أهل العلم.
"وكذلك شيخنا الحافظ المزي اعتنى برجالها وأطرافها وهو كتابٌ مفيد قويُّ التبويب في الفقه.."
كتابٌ مفيد يعني كتاب ابن ماجه، فيه أحاديث كثيرة زائدة على ما في الكتب الخمسة، وتراجمه مفيدة تدل على قوةٍ في فقهه، وإن كان الضعيف فيه كثير.
"وقد كانت وفاته سنة ثلاثٍ وسبعين ومائتين -رحمهم الله تعالى-.
قال الخامس: سبعةٌ من الحفاظ انتفع بتصانيفهم في أعصارنا، أبو الحسن الدارقطني توفي سنة خمسٍ وثمانين وثلاثمائة عن تسعٍ وسبعين سنة، الحاكم.."
انتفع بتصانيفه الدارقطني لا سيما (العلل) و(السنن) علله لا نظير له في الدنيا، لكن يحتاج إلى أهل يطالع فيه وينتفع منه.
"الحاكم أبو عبد الله النيسابوري توفي في صفر سنة خمسٍ وأربعمائة وقد جاوز الثمانين..."
كتابه: (المستدرك) كتابٌ نافع، وفيه من الصحيح الزائد على الصحيحين شيء كثير، لكن إنما ينتفع به المتأهل لتساهله الشديد.
"عبد الغني بن سعيد المصري في صفر سنة تسع وأربعمائة بمصر عن سبع وسبعين سنة، الحافظ أبو نعيم الأصبهاني سنة ثلاثين وأربعمائة وله ست وتسعون سنة.
ومن الطبقة الأخرى الشيخ أبو عمرو بن عبد البر النمري توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن خمس وتسعين سنة..."
لو قدم قبله البيهقي لأنه يأتي بالعطف بـ(ثم) ما هو موجودة عندكم (ثم)؟
طالب: إلا (ثم) نعم.
كذا قال؟
طالب: ثم أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي.
لعله نظر إلى الولادة، لا شك أن ولادة ابن عبد البر قبل البيهقي وإن تقدمت وفاته.
"ثم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي توفي بنيسابور سنة ثمانين وخمسين وأربعمائة عن أربعٍ وسبعين سنة..."
يعني العطف بـ(ثم) يقتضي الترتيب، قد يقول قائل كيف يقول: (ثم) والبيهقي بعد ابن عبر البر وقبله بالوفاة خمس سنوات، لكن كأنه نظر إلى الولادة ابن عبد البر متقدم في الولادة، عمره خمسة وتسعين سنة، فتكون ولادته سنة ثمان وستين وثلاثمائة، والبيهقي..؟
طالب:.......
كم؟
طالب:.......
أربعة وسبعين سنة عمره توفي في سنة ثمان وخمسين، أربعة وعشرين...، ستة وسبعين يصير ميلاده، يصير ثلاثمائة وستة وسبعين.
"ثم أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن إحدى وسبعين سنة.."
من العجائب الوفاة واحدة، ابن عبد البر حافظ المغرب وهذا حافظ المشرق في سنة واحدة.
"قلتُ: وقد كان ينبغي أن يذكر مع هؤلاء جماعةٌ اشتهرت تصانيفهم بين الناس، ولا سيما عند أهل الحديث كالطبراني، وقد توفي سنة ستين وثلاثمائة صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها، والحافظ أبو يعلى الموصلي والحافظ أبو بكر البزار وإمام الأئمة..."
.... سبع وثلاثمائة، والبزار سنة اثنتين وتسعين ومائتين، هؤلاء لا شك أنهم نفعوا، وأفادت الأمة من تصانيفهم، فالإشادة بهم مناسبة، ليسوا بأقل ممن ذكر.
"وإمامُ الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة توفي سنة إحدى عشر وثلاثمائة صاحب الصحيح..."
أنواع التقاسيم صحيح ابن خزيمة، أنواع التقاسيم لابن حبان الآتي.
"وكذلك أبو حاتم محمد بن حبان البستي صاحب الصحيح أيضاً، وكانت وفاته سنة أربعٍ وخمسين وثلاثمائة، والحافظ.."
يعني ابن خزيمة وابن حبان أولى بالذكر من الحاكم، ابن خزيمة ثلاثة أرباع الكتاب مفقود، لكن الربع الموجود فيه خير -إن شاء الله-، ابن حبان موجود ترتيبه ومطبوع ومتداول.
"والحافظ أبو أحمد بن عدي صاحب الكامل، توفي سنة سبعٍ وستين وثلاثمائة.
النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم:
النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم، وهذا الفن من أهم العلوم وأعلاها وأنفعها, إذ به تعرف صحة سند الحديث من ضعفه.."
هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الصحيح من الضعيف، والتمييز بين المقبول والمردود، لا وسيلة إلا ذلك، معرفة ثقة الرواة وضبطهم وضعفهم.
"وقد صنف الناس في ذلك قديماً وحديثاً كتباً كثيرة من أنفعها كتاب ابن أبي حاتم، ولابن حبان كتابان نافعان أحدهما: في الثقاة، والآخر في الضعفاء، وكتاب الكامل لابن عدي.."
نعم صنف الناس في تواريخ الرجال، وتراجمهم، والحكم عليهم مؤلفات نافعة كتواريخ يحيى بن معين، وسؤالات الإمام أحمد، وتواريخ البخاري أيضاً، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم كل هذه كتب لا يستغني عنها طالب علم، أقوال الأئمة كلها فيها، ابن حبان أيضاً له الثقات وله المجروحون، ابن عدي له الكامل كتابٌ نفيس، الحافظ الذهبي له الميزان، ابن حجر له لسانه، الحافظ عبد الغني المقدسي له الكمال في أسماء الرجال في تراجم الكتب الستة، وتهذيبه للحافظ المزي، وتهذيب تهذيبه لابن حجر، وتقريب التهذيب له، والتذهيب للحافظ الذهبي، والكاشف له، والخلاصة للخزرجي، هذه كتب ينبغي أن يعتني بها طالب العلم، وأن يطلع على ما فيها من أقوال في الرواة جرحاً وتعديلاً، فإن كان متأهلاً للموازنة بين هذه الأقوال والترجيح بينها فلا بأس، وإلا فليقلد.
"والتواريخ المشهورة, ومن أجلها تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب، وتاريخ دمشق للحافظ أبي القاسم بن عساكر.."
نعم هذه التواريخ تواريخ بغداد، تاريخ أصبهان، تاريخ دمشق، تاريخ بخارى، تاريخ قزوين، تواريخ تعتني بالرواة، وما قيل فيهم جرحاً وتعديلاً، وتذكر بعض عواليهم وما أشبه ذلك وأخبارهم، هذه كتب ينبغي لطالب العلم العناية بها؛ لأنها يوجد فيها ما لا يوجد في كتب الرجال، لا سيما إذا كان الرجل من غير رواة الكتب الستة، ففي الغالب يوجد في هذه التواريخ تواريخ البلدان.
"وتهذيب شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي، وميزان شيخنا الحافظ أبي عبد الله اللهبي، وقد جمعتُ بينهما وزدتُ في تحرير الجرح والتعديل عليهما في كتابٍ وسميته: بـ(التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل) وهو من أنفع شيء للفقيه البارع، وكذلك المحدث، وليس الكلام في جرحٍ الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين بغيبة."
لأن بعض الناس يقول: هؤلاء أئمة كبار أهل التحري والورع وقعوا في الناس: فلان ضعيف، فلان يكذب، فلان يسرق الحديث، فلان كذا، ويش معنى الغيبة؟ نقول: هذا من النصيحة، هذا ما لا يتم الواجب إلا به، بل هو واجب على الأمة أن تتصدى لمثل هذا، وقد قام به الأئمة خير قيام.
"وليس الكلام في جرح الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين بغيبة، بل يثاب متعاطي ذلك إذا قصد به ذلك، وقيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك يوم القيامة؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خصمي يومئذٍ، وسمع أبو تراب النخشبي أحمد بن حنبل وهو يتكلم في بعض الرواة فقال له: أتغتاب العلماء؟ فقال له: ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة، ويقال: إن أول من تصدى للكلام في الرواة شعبة بن الحجاج، وتبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم تلامذته أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وعمرو بن علي الفلاس وغيرهم".
تكلم قبلهم من الصحابة لكن شيء يسير جداً، ومن التابعين كابن سيرين على نطاق ضيق جداً؛ لعدم الحاجة إلى الكلام، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((بئس أخو العشيرة)) يعني نقد الرجل، وهذا أصل في هذا الباب، لكن هؤلاء تكلموا في الرواة بشكل عام، كلما ازدادت الحاجة زاد الكلام، والله المستعان.
"وقد تكلم في ذلك مالكٌ وهشام بن عروة وجماعة من السلف الصالح، وقد قال -عليه السلام-: ((الدين النصيحة)) وقد تكلم بعضهم في غيره فلم يعتبر لما بينهما من العداوة المعلومة".
نعم أهل العلم يميزون بين الكلام الذي باعثه النصيحة وبين الكلام في الأقران، التشفي بعضهم من بعض، وهذا وإن كان نادر جداً جداً، يعني حصل في حالات يسير بين مالك وابن إسحاق، وبين النسائي لما تكلم في أحمد بن صالح المصري لسبب من الأسباب هذا لا يقدح فيهم؛ لأن وقوع الهفوة من الشخص من الذي يسلم من الخطأ، من الذي يسلم من الهوى، لكن الله المستعان، مثل هذا لا يعول عليه عند أهل العلم، ويميزونه من غيره.
"وقد ذكروا من أمثلة ذلك كلام محمد بن إسحاق في الإمام مالك، وكذا كلام مالك فيه، وقد وسع السهيلي القول في ذلك، وكذلك كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري حين منعه من حضور مجلسه".
النوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في آخر عمره:
"النوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في.."
النسائي -رحمه الله- لما منعه الحارث بن مسكين من سماع الحديث ما تكلم فيه، بل روى عنه وخرج، النسائي معروف في شدة الورع، لكن هذا اجتهاده بالنسبة لأحمد بن صالح ولم يوافق عليه، بالنسبة للحارث بن مسكين منعه من حضور الدرس فكان يروي عنه، يجلس وراء السارية ويسمع الحديث ويروي عنه بدون صيغة، لا يقول: أخبرنا؛ لأنه ممنوع من الإخبار، ولا حدثنا إنما يقول: الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع.
طالب:.......
إيش فيه؟
طالب:.......
على كل حال هناك هفوات وقعت من الأئمة لكن باعثهم في ذلك النصيحة، واجتهدوا، ولذا لا بد من الموازنة في أقوالهم، ومن نعم الله -سبحانه وتعالى- أنه لا يتفق اثنين أو ثلاثة على تضعيف ثقة أو العكس.
"في معرفة من اختلط في آخر عمره إما لخوف أو ضرر أو مرض أو عرض، كعبد الله بن لهيعة لما ذهبت كتبه اختلط في عقله, فمن سمع من هؤلاء قبل اختلاطهم قبلت روايتهم, ومن سمع بعد ذلك أو شك في ذلك لم تقبل".
نعم الرواة الذين اختلطوا في آخر أعمارهم حصل لهم النسيان الكامل أو الخرف، هناك من يضعف وهذا هو الجادة، والغالب أن الإنسان يضعف في آخر عمره، لكن هذا لا يؤثر عليه إلا إذا كثر، أما من اختلط اختلاطاً كلياً فلا بد من التوقف عن الرواية عنه بعد الاختلاط، وهناك كتب ألفت في الرواة المختلطين (نهاية الاغتباط) وغيره من الكتب تبين الرواة الذين اختلطوا، ومن روى عنهم قبل الاختلاط، ومن روى عنهم بعد الاختلاط، ومن روى عنهم قبله وبعده، على كل حال من روى بعد الاختلاط لا تقبل روايته، وقبله روايته مقبولة كما هو معروف.
"وممن اختلط بأخرة عطاء بن السائب وأبو إسحاق السبيعي, قال الحافظ أبو يعلى الخليلي: وإنما سمع ابن عيينة منه بعد ذلك، وسعيد بن أبي عروبة, وكان سماع وكيع والمعافى بن عمران منه بعد اختلاطه، والمسعودي وربيعة وصالح مولى التوأمة، وحصين بن عبد الرحمن قاله النسائي، وسفيان بن عيينة قبل موته بسنتين قاله يحيى القطان، وعبد الوهاب الثقفي قاله ابن معين، وعبد الرزاق بن همام قال أحمد بن حنبل: اختلط بعدما عمي، فكان يلقن فيتلقن، فمن سمع منه بعدما عمي فلا شيء..."
هذه مشكلة من يعتمد على الكتاب، ويهمل الحفظ، إذا عمي ضاع، إذا احترق الكتاب وفُقد كذلك، إذا سافر دون كتبه صار لا شيء، هذه حال كثير من ينتسب إلى العلم في العصور المتأخرة، لما اعتمدوا على هذه الكتب، ورصت هذه الكتب في الدواليب إذا راح يمين وإلا يسار قال: لا بد أراجع، فإذا عمي......، ولهذا يحرص الإنسان في حال الصحة وفي حال الشباب أن يكثر من المحفوظ، بادئاً بكتاب الله -جل وعلا-؛ لأنه يحتاج إلى الكتاب، وقد لا يحصل له، لا يحصل له في كل ظرف، لا يتهيأ له الكتاب، فإذا كان محفوظاً الحمد لله وجد الكتاب أو لم يوجد، الخطب سهل، والله المستعان.
"قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما رواه الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، فلعل سماعه كان منه بعد اختلاطه.."
نعم الدبري متأخر جداً، يروي عنه الطبراني، وبين الطبراني وعبد الرزاق كم؟ نحو ثلاثمائة وستين وهذا مائتين وستة أو سبع..، أكثر من قرن ونصف بينهم، والدبري واسطة بينهما، لم يدرك من حياة عبد الرزاق إلا ست سنوات أو سبع، يذكره مثل الحلم، فعله روى عنه بعد اختلاطه.
"وذكر إبراهيم الحربي أن الدبري كان عمره حينما مات عبد الرزاق ست أو سبع سنين، وعارم اختلط بأخرة، وممن اختلط بعد هؤلاء أبو كلابة الرقاشي وأبو أحمد الغطريفي وأبو بكر بن مالك القطيعي خرف حتى لا يدري ما يقرأ".
النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات:
"النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات.."
..... فيه (الاغتباط)، (نهاية الاغتباط)، كتب في الاختلاط.
"معرفة الطبقات، وذلك أمرٌ اصطلاحي، فمن الناس من يرى الصحابة كلهم طبقة واحدة، ثم التابعون بعدهم أخرى، ثم من بعدهم كذلك، وقد يستشهد.."
نعم منهم من يجعل الصحابة كلهم طبقة واحدة باعتبار الشرف شرف الصحبة، وأن كلاً منهم لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا مفاوتة ولا مفاضلة بينهم من حيث السماع منه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الحاكم جعلهم على اثنتي عشرة طبقة.
"وقد يستشهد على هذا بقوله -عليه السلام-: ((خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) فذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، ومن الناس من يقسم الصحابة إلى طبقات, وكذلك التابعين فمن بعدهم، ومنهم من يجعل كل قرن أربعين سنة، ومن أجل الكتب في هذا.."
والطبقة تجمع أقوام متشابهين في السن والأخذ عن الشيوخ، يعني أشبه ما تكون بالزملاء، الطبقة يعني الزملاء.
"ومن أجل الكتب في هذا (طبقات محمد بن سعد) كاتب الواقدي، وكذلك كتاب: (التاريخ) لشيخنا العلامة أبي عبد الله الذهبي -رحمه الله-، وله كتاب (طبقات الحفاظ) مفيد أيضاً جداً".
نعم له تاريخ رتبه على الطبقات تاريخ الحافظ الذهبي تاريخ كبير تاريخ الإسلام، وله أيضاً تذكرة الحفاظ كلاهما مطبوع.
النوع الرابع والستون: في معرفة الموالي من الرواة والعلماء:
النوع الرابع والستون: في معرفة الموالي من الرواة والعلماء، وهو من المهمات، فربما نسب أحدهم إلى القبيلة فيعتقد السامع أنه منهم صليبة، وإنما هو من مواليهم فيميز ذلك ليعلم، وإن كان قد ورد في الحديث: ((مولى القوم من أنفسهم)) ومن ذلك أبو البختري الطائي، وهو سعيد بن فيروز، وهو مولاهم، وكذلك أبو العالية الرياحي، وكذلك الليث بن سعد الفهمي، وكذلك عبد الله بن وهب القرشي، وهو مولى لعبد الله بن صالح كاتب الليث، وهذا كثير.."
أبو البختري ليس من طيء وإنما مولى، وكذلك أبو العالية ليس من الرياح، وكذلك الليث، وعبد الله بن وهب كل هؤلاء موالي.
"فأما ما يذكر في ترجمة البخاري أنه مولى الجعفيين فلإسلام جده الأعلى على يد بعض الجعفيين.."
نعم يمان الجعفي والي بخارى، وهو جد عبد الله بن محمد المسندي شيخ البخاري، أسلم جد البخاري الأعلى على يد يمان الجعفي فنسب إلى جعف، ليس منهم إنما هو مولاهم.
"وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجسي ينسب إلى ولاء عبد الله بن المبارك؛ لأنه أسلم على يديه وكان نصرانياً، وقد يكون الولاء بالحلف, كما يقال في نسب الإمام مالك بن أنس: مولى التيميين, وهو حميري أصبحي صليبة, ولكن كان جده مالك بن أبي عامر حليفاً لهم، وقد كان عسيفاً عند طلحة بن عبد الله التيمي أيضاً فنسب إليهم كذلك".
نعم أجير عندهم أجير، والأجير إذا طالت المدة عند صاحبه قد يعرف بالنسبة إليه، هذا واضح.
"وقد كان جماعة من سادات العلماء في زمن السلف من الموالي, وقد روى مسلم.."
بل غالبهم، وهذا من حكمة الله -سبحانه وتعالى- أن الشرف شرف النسب إذا لم يصاحبه العمل لا ينفع وحده ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) فمن حكمة الله -سبحانه وتعالى- أن برز في العلوم كلها أو جلها الموالي على ما سيأتي.
"وقد روى مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب لما تلقاه نائب مكة أثناء الطريق في حج أو عمرة, قال له: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى, قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من الموالي, فقال: أما إني سمعت نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله يرفع بهذا العلم أقواماً، ويضع به آخرين)).
وذكر الزهري أن هشام بن عبد الملك قال له: من يسود أهل مكة؟ فقلت: عطاء, قال.."
قال: من العرب أم من الموالي؟ قلتُ: من الموالي -عطاء-، ومثله من يأتي بعده كلهم، اللهم إلا النخعي إبراهيم.
"فقلت: عطاء، قال: فأهل اليمن؟ قلت: طاوس, قال: فأهل الشام؟ فقلت: مكحول, قال: فأهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب, قال: فأهل الجزيرة؟ فقلت: ميمون بن مهران, قال: فأهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم, قال: فأهل البصرة؟ فقلت: الحسن بن أبي الحسن, قال: فأهل الكوفة؟ فقلت: إبراهيم النخعي, وذكر أنه يقول له عند كل واحد..."
المقصود أن كلهم من الموالي إلا إبراهيم لما قال له قال: فرجت عني، كلهم من الموالي إلا إبراهيم.
"وذكر أنه يقول عند كل واحدٍ: أمن العرب أم من الموالي؟ فيقول: من الموالي, فلما انتهى قال: يا زهري والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها, فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه, فمن حفظه ساد، ومن ضيعه سقط.."
نعم هذا المقياس، المقياس الدين من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط، ولو كان من أشراف الناس، ولو كان من نسل محمد بن عبد الله، الله المستعان.
"قلتُ: وسأل بعض الأعراب رجلاً من أهل البصرة, فقال: من هو سيد هذه البلدة؟ قال: الحسن بن أبي الحسن البصري, قال: أمولى هو؟ قال: نعم, قال: فبم سادهم؟ فقال: بحاجتهم إلى علمه وعدم احتياجه إلى دنياهم, فقال الأعرابي: هذا لعمر أبيك هو السؤدد.
النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم:
النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم، وهو مما يعتني به كثير من علماء الحديث، وربما ترتب عليه فوائد مهمة، منها معرفة شيخ الراوي.."
إذا عرفت بلد الراوي وأنه نفس بلد الذي روى عنه أو قريبٌ منه، وأمكن لقاؤه يعني يسهل عليك الحكم على أنه لقيه أو لم يلقه، أما تباعد البلدان كما نص الحافظ ابن رجب -رحمه الله- فالسلف والأئمة كلهم يحكمون بالانقطاع مع تباعد البلدان.
"فربما اشتبه بغيره, فإذا عرفنا بلده تعين بلديه غالباً، وهذا مهم جليل، وقد كانت العرب إنما ينسبون إلى القبائل والعمائر والعشائر والبيوت, والعجم إلى شعوبها ورساتيقها وبلدانها, وبنو إسرائيل إلى أسباطها، فلما جاء الإسلام.."
نعم العرب تنتسب إلى القبائل فلان قرشي، فلان مخزومي، فلان ثقفي، أما الأعاجم ينتسبون إلى البلدان، فلان نيسابوري، فلان خرساني، فلان بغدادي، هكذا، لما انتشر العرب في البلدان وخالطوا الأعاجم انتسبوا مثلهم.
"فلما جاء الإسلام وانتشر الناس في الأقاليم نسبوا إليها، أو إلى مدنها أو قراها، فمن كان من قرية فله الانتساب إليها بعينها وإلى مدينتها إن شاء أو إقليمها, ومن كان من بلدة ثم انتقل منها إلى غيرها فله.."
له الانتساب إليها بعينها إلى القرية، وإن عمم قليلاً وانتسب إلى ما هو أعم من ذلك مما تدخل تحته هذه القرية فلا بأس، انتسب إلى الإقليم الأعم لا بأس.
"فمن كان من قرية فله الانتساب إليها بعينها وإلى مدينتها إن شاء أو إقليمها، ومن كان من بلدةٍ ثم انتقل منها إلى غيرها فله الانتساب إلى أيهما شاء, والأحسن أن يذكرهما فيقول مثلاً: الشامي ثم العراقي, أو الدمشقي ثم المصري, ونحو ذلك، وقال بعضهم: إنما يسوغ الانتساب إلى البلد إذا أقام فيه أربع سنين فأكثر, وفي هذا نظر.."
التحديد لا دليل عليهم، نعم قد يقال: هذا اصطلاح أنه إذا أقام أربع سنين، لكن أربع سنين يمكن ينتسب في عمره إلى عشر من البلدان إذا كان رحال في كل بلدٍ يجلس، لكن هذا لا دليل عليه.
"وفي هذا نظر، والله -سبحانه وتعالى- أعلم بالصواب.
وهذا آخر ما يسره الله تعالى من اختصار علوم الحديث، وله الحمد والمنة.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ على محمد.