إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رد تحقير تفاسير الصحابة وأئمة أهل السنة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد تحقير تفاسير الصحابة وأئمة أهل السنة

    رد تحقير تفاسير الصحابة
    وأئمة أهل السنة

    كتبه الفقير إلى الله:
    أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
    وفقه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
    قد سألني أخ مفضال غيور على دينه –وفقه الله وثبته على الحق إلى يوم يلقاه- فقال: هل ترى في هذه الرسالة شيئا: (لا يزهدنك في فهم القرآن كثرة كتب التفسير، فأكثرها ينقل بعضهم عن بعض. وعلم التفسير علم لم ينضج، ولم يخترق، وسيبقى كذلك لعجز الخلق عن الإحاطة بكلام الله)؟
    ولم أتمكن من الجواب عنها إلا الآن فأعتذر من أخينا على تبطئي لكثرة مشاغلي، فالله يحفظه في الدنيا والآخرة، ويعينه على طاعته، ويعلي قدره.
    أما المقالة المذكورة خشيت أنها جاءت من قبل أعداء السنة والسلفية أو عن شخص لا يدري حقيقة الأمر. لا شك أن أحدا من خلق الله لا يحيط بكلام رب العالمين، وقد قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: 109].
    وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [لقمان: 27].
    الفصل الأول: القرآن جاء بالبينات والهدى
    ومع ذلك أن الله قد أنزل هذا القرآن ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان﴾ [البقرة: 185].
    وإذا كان القرآن أنزل لهداية الناس لا شك أنه جاء بكلام مفهوم العقلاء الثابتين على الفطرة العارفين باللغة العربية. فهو الكتاب المبين البيّن مراده ومعانيه. قال الله تعالى: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين﴾ [يوسف: 1].
    قال الإمام القرطبي رحمه الله: أي المبين حلاله وحرامه، وحدوده وأحكامه وهداه وبركته. ("الجامع لأحكام القرآن"/12/ص109).
    وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ﴿الْمُبِينِ﴾ أي: الواضح الجلي، الذي يفصح عن الأشياء المبهمة ويفسرها ويبينها. ("تفسير القرآن العظيم"/4/ص375).
    وقال الله جل ذكره: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 57، 58].
    فالقرآن جاء لشفاء العليل وإرواء الغليل، وأمر الله عباده أن يفرحوا بهذه المنة الكبرى. فكيف لم يُعلم تفسيره كما ينبغي؟ هذا تناقض واضح يتحاشى الله أن يكون كلامه مثل ذلك.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: أنزل الله سبحانه الكتاب شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ولذلك كانت معانيه أشرف المعاني وألفاظه أفصح الألفاظ وأبينها وأعظمها مطابقة لمعانيها المرادة منها كما وصف سبحانه به كتابه في قوله: ﴿ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا﴾ < الفرقان33 > . فالحق هو المعنى والمدلول الذي تضمنه الكتاب والتفسير الأحسن هو الألفاظ الدالة على ذلك الحق فهي تفسيره وبيانه . والتفسير أصله في الظهور والبيان وباقيه في الاشتقاق الأكبر الإسفار ومنه أسفر الفجر إذا أضاء ووضح ومنه السفر لبروز المسافر من البيوت وظهوره ومنه السفر الذي يتضمن إظهار ما فيه من العلم وبيانه فلا بد من أن يكون التفسير مطابقا للمفسر مفهما له، وكلما كان فهم المعنى منه أوضح وأبين كان التفسير أكمل وأحسن ولهذا لا تجد كلاما أحسن تفسيرا ولا أتم بيانا من كلام الله سبحانه ولهذا سماه سبحانه بيانا وأخبر أنه يسره للذكر وتيسيره للذكر يتضمن أنواعاً من التيسير ، إحداها: تيسير ألفاظه للحفظ . الثاني: تيسير معانيه للفهم . الثالث: تيسير أوامره، ونواهيه للامتثال . ومعلوم أنه لو كان بألفاظ لا يفهمها المخاطب لم يكن ميسرا له بل كان معسرا عليه فهكذا إذا أريد من المخاطب أن يفهم من ألفاظه ما لا يدل عليه من المعاني أو يدل على خلافه فهذا من أشد التعسير وهو مناف للتيسير. ("الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"/1/ص86).
    وقال الله جل ذكره: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون﴾ [يوسف: 2].
    كيف يأمرنا الله بفهم القرآن وهو غير معقول المعنى؟ بل هو القرآن معلوم المعنى معقول المراد لمن صلحت نيته وحسنت طريقته فوفقه الله للصواب. قال الإمام القرطبي رحمه الله: ﴿لعلكم تعقلون﴾ أي لكي تعلموا معانيه، وتفهموا ما فيه. ("الجامع لأحكام القرآن"/12 /ص109).
    فإذا عقله العقل الموفق ازدادت معرفته بالله فازداد إيمانه وخشيته فأثمر علمه به الأعمال الصالحة، فيزداد بذلك عقله ونبله.
    قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسير: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾: فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم واتصفت قلوبكم بمعرفتها، أثمر ذلك عمل الجوارح والانقياد إليه، و ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي: تزداد عقولكم بتكرر المعاني الشريفة العالية، على أذهانكم،. فتنتقلون من حال إلى أحوال أعلى منها وأكمل. ("تيسير الكريم الرحمن"/ص 393).
    الفصل الثاني: بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم مراد الله أتمّ البيان
    ثم إن الله عز وجل أرسل محمد صلى الله عليه وسلم لبيان القرآن، وهو أعقل الناس وأعلمهم بالله ومراده، وقد جمع بين العلم والفصاحة والبيان والصدق والإخلاص والنصح، فأتى بأتمّ الإيضاح وأكمل التفسير، فترك أمته على النور الأبيض الواضح الجلي.
    عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هلك». (أخرجه ابن ماجه (42)/صحيح).
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إنه من المعلوم عند جميع العقلاء أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم هم أعقل الخلق وعقولهم أكمل العقول. ولهذا كان ما جاءوا به فوق عقول البشر ولهذا حصل على أيديهم من الخير ما لم يحصل على أيدي سواهم، وصلح من أحوال النفوس والقلوب وعمارتها بالخير وتزكيتها بالعلم والعمل ما لم يحصل لأحد غيرهم. فعمارة القلوب والدنيا والآخرة على أيديهم وكل فساد في العالم عاما وخاصا فإنما سببه العدول عما جاءوا به ومخالفتهم، فإذا استقريت جميع الشرور التي في العالم جزئياتها وكلياتها وكل فتنة وبلية ورزية رأيت سببها معصيتهم، وكل خير ونعمة في الدنيا والآخرة فسببه طاعتهم واستقر هذا من زمن نوح إلى ساعتك التي أنت فيها، وما عذبت به الأمم من أنواع العذاب وما جرى على هذه الأمة حتى ما أصيب به المسلمون مع نبيهم يوم أحد كان سببه معصية أمره وللعاقل البصير عبرة في نفسه وأحواله خاصة. فهذا شأن هذه العقول الزاكية الكاملة وشأن من خلقهم بمعقوله. ("الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"/2/ص212).
    الفصل الثالث: الصحابة رضي الله عنهم هم أعقل الناس وأعلم الناس بمراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
    قد تلقى أصحابه رضي الله عنهم هذه التعاليم بعقل راسخ فهم أعلم الناس بمراد الله في القرآن ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة، فكيف علم تفسير القرآن لم ينضج وهم شهدوا الوحي وباشروا دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس هذا جهل وضلال؟
    هذا كتاب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عدي بن أرطأة رحمه الله: أما بعد أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره -أراد التوسط بين الأفراط والتفريط- واتباع سنة نبيه صلى الله عليه و سلم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنة، فإنها لك بإذن الله عصمة. ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى. فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم فإنهم هم السابقون فقد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم من مقصر وما فوقهم من محسر . وقد قصر قوم دونهم فجفوا وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. (أخرجه أبو داود في "السنن" (4612) والآجري في "الشريعة" (535)/صحيح).
    انظر كلامه الجميل في الصحابة: فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى.
    فتفسير السلف هو معيار الحق، فمن تعداه ولم يتبع هداهم فقد حاد عن الصراط المستقيم فضلّ إلى النار.
    قال الإمام مالك رحمه الله: ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. (كما في "المبسوط" لإسماعيل بن إسحاق/نقله القاضي عياض رحمه الله في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" /2/ص88).
    وقد ثبت أن الإمام الأوزاعي رحمه الله قال: عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوا لك بالقول اهـ. ("الـشريعة" /للآجري /ص67/دار الكتاب العربي/صحيح).
    وفي رواية الهروي رحمه الله: قال الأوزاعي: عليك بآثار من سلف وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها بالقول، فإن الأمر ينجلي حين ينجلي وأنت منه على طريق مستقيم. ("أحاديث في ذم الكلام وأهله" /رقم (317)).
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهكذا إذا تدبر المؤمن العليم سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم التي فيها ضلال وكفر، وجد القرآن والسنة كاشفين لأحوالهم، مبينين لحقهم، مميزين بين حق ذلك وباطله. والصحابة كانوا أعلم الخلق بذلك، كما كانوا أقوم الخلق بجهاد الكفار والمنافقين، كما قال فيهم عبد الله بن مسعود : من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد،كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. فأخبر عنهم بكمال برّ القلوب، مع كمال عمق العلم، وهذا قليل في المتأخرين. ("مجموع الفتاوى"/4/ص137-138).
    فالصحابة أعلم الناس بكلام الله وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأداه إلى الجيل الذين بعدهم أتمّ الأداء.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إن أعقل الخلق على الإطلاق الرسل وأتباعهم بعدهم أعقل الأمم وأهل الكتاب والشرائع الكبار أعقلهم وأعقل هؤلاء المسلمون وأعقل المسلمين أصحاب رسول الله والتابعون لهم بإحسان وأهل السنة والحديث أعقل الأمة بعدهم على الإطلاق. ("الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"/2/ص333).
    وقال رحمه الله: فهذا كتاب الله ليس فوق بيانه مرتبة في البيان وهذه سنة رسوله مطابقة له أعظم من مطابقة البنان للبنان، وهذه أقوال أعقل الأمم بعده والتابعين لهم بإحسان. ("الصواعق المرسلة"/1/ص420).
    فهدايتهم صراط الجنة، فمن حاد عنهم مال إلى النار. فتفسيرهم هو الهدى المرضيّ، فمن خالفهم ضل الطريق إلى سبيل الغضب.
    قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة/137].
    هذا تنصيص من رب العالمين أن الهدى منوط بهدي الصحابة رضي الله عنهم، فهل يمكن أن يقال إن تفسيرهم غير ناضج؟
    وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة/100].
    فهل يقال إن الله رضي عنهم وجعل طريقتهم هي المتبوعة وهي غير ناضجة؟
    وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء/115].
    هذا واضح جدا أن من طلب النضوج من غير سبيل الرسول والصحابة –وهم المؤمنون حقا- مصيره إلى جهنم.
    وعن الْعِرْبَاض بن سارية رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ: « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ». (أخرجه أبو داود (4607)) وحسنه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" (رقم (921)/دار الآثار)).
    فهل يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سنته وسنة أصحابه سببا للنجاة من الخلاف وهي غير ناضجة؟ بل آراء المتأخرين المليئة بالبدع والمحدثات هي الضلالة نتيجة العقول الغير ناضجة.
    وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا ». (أخرجه مسلم (681)).
    لا يمكن أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم –بتقرير الله تعالى- الأمة أن يطلبوا الرشاد إلى من رأيه غير ناضج.
    فمن تعلّم القرآن بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقة السلف فقد اشتفى وارتوى واهتدى. ومن أعرض عنها هوى إلى الضلال والردى.
    قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ومن سلك غير طريق سلفه أفضت به إلى تلفه. ومن مال عن السنة فقد انحرف عن طريق الجنة. ("تحريم النظر في كتب الكلام"/لابن قدامة/ص 71).
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين، لا نبي بعده . وأمته خير أمة أخرجت للناس . وقد بعثه الله بأفضل الكتب وأفضل الشرائع، وأكمل له ولأمته الدين . وأتم عليه النعمة . ورضي لهم الإسلام دينا . وهو قد دعا إلى الصراط المستقيم، كما قال تعالى : ﴿وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور﴾ [الشوري : 52، 53] . وقد أمرنا الله أن نتبع هذا الصراط المستقيم، ولا نعدل عنه إلى السبل المبتدعة، فقال تعالى : ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾ [ الأنعام : 153 ] . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، وخط خطوطا عن يمينه وشماله، ثم قال : «هذا سبيل الله، وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ : ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾ ولهذا أمرنا الله أن نقول في صلاتنا : ﴿اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ [الفاتحة : 6، 7] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون».
    وهو صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى بين الدين، وأوضح السبيل، وقال : «تركتم على البيضاء النقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك»، وقال صلى الله عليه وسلم : «ما تركت من شيء يقربكم من الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به»، وقال: «إنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» . قال الترمذي : حديث صحيح .
    (انتهى من "مجموع الفتاوى"/27/ص371-372).
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: وكلما كان الرجل عن الرسول أبعد كان عقله أقل وأفسد فأكمل الناس عقولا أتباع الرسل وأفسدهم عقولا المعرض عنهم وعما جاءوا به ولهذا كان أهل السنة والحديث أعقل الأمة وهم في الطوائف كالصحابة في الناس. ("الصواعق المرسلة"/1/ص358).
    وقد سألت فضيلة شيخنا أبا عمرو عبد الكريم بن أحمد الحجوري حفظه الله عن قول قائل: (إن علم التفسير غير ناضج مع كثرة كتب التفسير فأكثرها ينقل بعضهم عن بعض. ولا أحد يحيط بكلام الله)؟ فأجاب حفظه الله: هذا كلام خاظئ، يدل على جهل قائله. نعم، لا أحد يحيط بكلام الله، ولكن علوم التفسير موجودة في كتب التفسير كثيرة. انتهى.
    وقد سألت شيخنا المفضال أبا عبد الرحمن عبد الرقيب الكوكباني حفظه الله عن هذه المقالة أيضاً فقال: لعلّ المتكلّم هو الذي لم ينضج علمه. كيف يقول ذلك وقد علّم الله نبيه صلى الله عليه وسلم مراده، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أحسن البيان؟ وقد بينه سلفنا الصالح بعلوم غزيرة مذكورة في كتب التفاسير كتفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير وغيرهما، ولكن المتكلم هو الذي لم يطلع عليها كما ينبغي. ولا شك أننا في هذا الزمان نحتاج إلى دراسة تلك الكتب النافعة لا في مجرد الدروس العامة، ولكن في الدروس الخاصة فنعطي الاهتمام بها أكثر كما نهتم بدروس المصطلح وغيره. انتهى.
    وقد سألت أيضا شيخنا المفضال أبا محمد عبد الحميد الحجوري حفظه الله عن هذه المقالة فقال: هذا الكلام خاطئ. كيف لا ينضج علم تفسير القرآن وكبت السلف مليئة بالبيان؟ هذا تفسير ابن جرير، وهذا تفسير ابن كثير المليئان بالعلوم والتوضيحات. نعم، فيهما أخبار الإسرائيليات، ولكن بيان السلف لآيات القرآن فيهما كاف وشاف، ولعل المتكلم لم يقرأ كتب تفسير السلف كما ينبغي، أو لعل هذا الكلام جاء من قبل الإخوان المسلمين أو العقلانيين. انتهى.
    والله تعالى أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين.
يعمل...
X