بسم الله الرحمن الرحيم
هذا تفريغ للدرس 31 من تفسير سورة التوبة
من تفسير ابن كثير ـ رحمه الله ـ
للعلامة المجاهد الشيخ يحي بن علي الحجوري ـ حفظه الله
وإليكم التفريغ :من تفسير ابن كثير ـ رحمه الله ـ
للعلامة المجاهد الشيخ يحي بن علي الحجوري ـ حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ في بيان قول الله ـ عز وجل ـ {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[ التوبة :61].
قال ـ رحمه الله ـ يقول تعالى: ومن المنافقين قوم يُؤذون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالكلام فيه ويقولون: { هُوَ أُذُنٌ } أي: من قال له شيئا صدقه، ومن حدثه فينا صدقه" ــــ يعني كان عداءهم أذى خاص هؤلاء إضافة إلى ما لهم من الأذى الأخر؛ وهم أنهم يسيئون الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه عبارة عن أذن من لقَّنه تلقن ، ومن أجل ذلك يؤذونه لماذا يستمع لأناس من سوء ظنهم برسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقدون أنهم هم أذكى وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جالسه تأثر به، قال الله { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ }
ـــــ" قال: ومن حدثه فينا صدقه، فإذا جئنا وحلفنا له صدقنا. روي معناه عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. قال الله تعالى: { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ } أي: هو أذن خير، يعرف الصادق من الكاذب، " ـــ أذن خير هو يستمع لكن يعرف الصادق من الكاذب وما ينجرّ لكلام أحد وإنمّا الذي يقبله هو الحق ـــــــــ " { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي: ويصدق المؤمنين، { وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ } أي: وهو حجة على الكافرين؛ ولهذا قال: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) }
قال قتادة في قوله تعالى: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } ، قال: ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا، وإن كان ما يقول محمد حقا، لهم شر من الحمير. قال: فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد لحق، ولأنت أشر من الحمار.
قال: فسعى بها الرجل إلى النبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل إلى الرجل فدعاه قال: "ما حملك على الذي قلت؟
" فجعل يلتعن، ويحلف بالله ما قال ذلك. وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب، فأنزل الله، عز وجل: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ }."
ـــ الأيمان الفاجرة سمة من سمات المنافقين ـــ "وقوله تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا } أي: ألم يتحققوا ويعلموا أنه من حاد الله تعالى أي: شاقه وحاربه وخالفه، وكان في حدود حَدٍّ والله ورسوله في حدٍّ { فإن له نار جهنم خالدا فيها }
أي: مهانًا معذبا، { ذلك الخزي العظيم } أي: وهذا هو الذل العظيم، والشقاء الكبير."ــــ
قال في بيان قول الله ـ عز وجل ـــــ": { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) }
قال مجاهد: يقولون القول بينهم، ثم يقولون: عسى الله ألا يفشي علينا سرنا هذا.
وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: { وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [المجادلة: 8].
وقال في هذه الآية: { قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون } أي: إن الله سينزل على رسوله ما يفضحكم به، ويبين له أمركم كقوله تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } إلى قوله: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } [محمد: 29، 30] (2) ؛
ولهذا قال قتادة: كانت تسمى هذه السورة "الفاضحة"، فاضحة المنافقين."ــــــ وغير واحد قال هذا هي اسمها اسمها معلوم، يقولون قولا ويفعلون فعلا ويتشطرون فيه وينزل القرآن يفضحهم ، ولا يدرون إلا والقرآن يُتلى بأحوالهم وأقوالهم التي قالوها وهكذا فهي الفاضحة ، لكنهم عندهم تجلُّد ما يَخجلون عندهم تجلُّد كلما فُضحوا بفضيحة انتقلوا إلى الأخرى، وهكذا غطوا تلك ما بلوا بها وما شوا إلى الأخرى وهكذا عندهم تجلد ــــــــ "وقال في قول الله ــ عز وجل ــ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)}
قال أبو معشر المديني (3) عن محمد بن كعب القُرَظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قُرّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء"ـــــــ يعنون النبي صلى الله عليه وأصحابه مع أنّهم ما ذهبوا إلى معركة تبوك قالوا خافوا من بني الأصفر من نساء بني الأصفر وهذا جُبن منهم ، و معركة أحد ردوا عددا من الناس ما يريدون لقاء العدو جُبن وأيضا عدة حالات منهم منها التخذيل، وكانوا يقولون بيوتنا عورة أي ما يريدون يذهبون من أجل يخافون على نسائهم كل هذا من جبنهم ومع أيضا تخذيلهم، والآن إذا جلسوا يتهمون رسول الله صلى الله عليه وأصحابه بالجبن
ـــــــ" ما أرى قُرّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء.
فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } إلى قوله: { كانوا مجرمين } وإن رجليه لتنسفان في لفظ تسفعان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم."ـــيعني النسعة شيء مظفور يجعل زمام للبعير وغيره نسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالنسعة ، يعني قلبوها مزاحا ـ
ــــــ "وقال عبد الله بن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما ما رأيت مثل قُرائنا هؤلاء، أرغبَ بطونا، ولا أكذبَ ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المسجد: كذبتَ، ولكنك منافق.لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقا بحَقَب"ـــــــ الحزام الذي يلي حُقب البعير ـــــــ "بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تَنكُبُه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } الآية .
وقد رواه الليث عن هشام بن سعد بنحو من هذا وقال ابن إسحاق: وقد كان جماعة من المنافقين منهم وَديعة بن ثابت، أخو بني أمية بن زيد، من بني عمرو بن عوف، ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له: مُخَشّن بن حُميّر يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جِلادَ بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا؟
والله لكأنا بكم غدا مُقَرّنين في الحبال، إرجافا وترهيبا للمؤمنين، فقال مُخَشّن بن حُمَيّر: والله لوددتُ أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وإننا نَنْفَلتُ أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه. "ـــــ أي بعض المنافقين يعاد متمسك شيئا ما وبعضهم أيضا عبارة عن مُجالس لهم وليس منافقا ـــــ "هذه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما بلغني -لعمار بن ياسر: "أدرك القوم، فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قلتم كذا وكذا". فانطلق إليهم عمار، فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته،
فجعل يقول وهو آخذ بحَقَبها: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، فنزلت الآية ، فقال مُخَشّن بن حُمّير: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي. فكان الذي عُفي عنه في هذه الآية مُخَشّن بن حُمّير، فَتُسمى عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة، فلم يوجد له أثر وقال قتادة: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } قال: فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وركْب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها، هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على ما قالوا، فقال: "عَليَّ بهؤلاء النفر" فدعاهم، فقال: "قلتم كذا وكذا". فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب" ــــ كان النبي صلى الله عليه في شؤونه في جهاده في دعوته هؤلاء يتضاحكون في الكلام عليه والأذى له ، مضاحكة وغير مبالين فأخزاهم الله ـــ" وقال عِكْرِمة في تفسير هذه الآية: كان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول: اللهم إني أسمع آية أنا أعُنَى بها تقشعر منها الجلود، وتُجِبُّ منها القلوب، اللهم، فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك، لا يقول أحد: أنا غسّلت، أنا كفنت، أنا دفنت، قال: فأصيب يوم اليمامة، فما أحد من المسلمين إلا وقد وُجد غيره .
وقوله: { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } أي: بهذا المقال الذي استهزأتم به { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً } أي: لا يُعْفى عن جميعكم، ولا بد من عذاب بعضكم، { بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } أي: مجرمين بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة. "ـــ كلمة قد يُبق بها الإنسان، هؤلاء { وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا }[التوبة :73].
فنسأل الله أن يكفينا ويكفي المسلمين شر المنافقين ، فتنتهم فتنة ،أشد من فتنة الكفار؛ تربص، شماتة ، ومضاحكة، وسخرية، وأذى، وتخذيل، تخديل، وغير ذلك من فتنتهم ولكنهم الله لهم بالمرصاد نعم
تدخل أحد الحاضرين :....
الشيخ : ماذا يا أخي ارفع صوتك؟نعم
المتدخل :.......
الشيخ : ما فيه شواهد طيب، في شأن المسائل الحسنة، يعني منهم من يضعف حديثه في سنن ابن ماجة وفي الغير ، لكن الشيخ الألباني يحسن له، طيب .
استفدنا تفسير آية { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ } ما معناه أذن أي يستمع لكل من تحدّث عنده ، يعني فهذا إذا تحدثوا تكلموا عنّا عنده يستمع لهم ، ويقبل قولهم،
ما معنى قول { أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ }، أذن خير: يعرف الحق من الباطل، هذا أذن خير؛ إذا كان يعرف الحق من الباطل فهو أذن خير ، يصدق الصادق ويكذب الكاذب ، إلى هنا وفقكم الله اهـ .
فرغه أبو عبد الرحمن إبراهيم أوموسي غفر الله له ولوالديه