إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}

    {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}
    ***
    الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:بينما أنا استمع لمحاضرة مسجلة لأحد المشائخ وهو يحذر من فتنة الاختلاط بالنساء في المدارس والجامعات والوظائف والبيوت وغير ذلك ...الخ إذ به يستشهد بقول الله { فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ }على أن اللذين يُصرون على معصية الاختلاط هم من أسباب الفرقة والخلاف في صفوف الدعوة السلفية بل هم سبب العداوة والبغضاء ، ذلك بأنهم وعُظوا ونُصحوا بالترك فأصروا على المعاصي ، فوقعت العداوة بين الناصح والمنصوح بل وأصبح المختلط عدواً لذاك المحذر ويتربص به الدوائر أو يحاول رد النصيحة بفضيحة لمن وعظه.والأية عامة فيمن كل من ترك العمل بالعلم وأصر على المعاصيفأحببت نقل كلام المفسرين في الآية الآنفة الذكر ونظائرها لما في ذلك من الفائدة
    *****
    قال الله عزوجل:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }[الأنعام: 44]
    قال الأمام المفسر ابن كثير رحمه الله :
    { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } أي: أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ }أي: فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم، عياذا بالله من مكره؛ ولهذا قال: { حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا } أي: من الأموال والأولاد والأرزاق { أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } أي: على غفلة { فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } أي: آيسون من كل خير.قال الوالبي، عن ابن عباس: المبلس: الآيس.وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به، فلا رأي له. ومن قَتَر عليه فلم ير أنه ينظر له، فلا رأي له، ثم قرأ: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } قال الحسن: مكر بالقوم ورب الكعبة؛ أعطوا حاجتهم ثم أخذوا. رواه ابن أبي حاتم.وقال قتادة: بَغَت القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعيمهم (4) فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. رواه ابن أبي حاتم أيضًا.وقال مالك، عن الزهري: { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } قال: إرخاء (5) الدنيا وسترها.عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رأيت الله يُعْطِي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ، فإنما هو اسْتِدْرَاج". ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }تفسير ابن كثير [3 /256]
    ***
    قال الأمام المفسر الشوكاني رحمه الله:قوله :
    { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } أي : تركوا ما ذكروا به ، أو أعرضوا عما ذكروا به ، لأن النسيان لو كان على حقيقته لم يؤاخذوا به ، إذ ليس هو من فعلهم ، وبه قال ابن عباس ، وابن جريج ، وأبو علي الفارسي .فتح القدير ـ تفسير [2 /412]
    ***
    قال الرازي في تفسيره :
    أنهم لما نسوا ما ذكروا به من البأساء والضراء فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، ونقلناهم من البأساء والضراء إلى الراحة والرخاء وأنواع الآلاء والنعماء ، والمقصود أنه تعالى عاملهم بتسليط المكاره والشدائد عليهم تارة فلم ينتفعوا به ، فنقلهم من تلك الحالة إلى ضدها وهو فتح أبواب الخيرات عليهم وتسهيل موجبات المسرات والسعادات لديهم فلم ينتفعوا به أيضاً . وهذا كما يفعله الأب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى طلباً لصلاحه حتى إذا فرحوا بما أوتوا من الخير والنعم ، لم يزيدوا على الفرح والبطر من غير انتداب لشكر ولا إقدام على اعتذار وتوبة ، فلا جرم أخذناهم بغتة .واعلم أن قوله { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } معناه فتحنا عليهم كل شيء كان مغلقاً عنهم من الخير ، { حتى إذا فرحوا } أي إذا ظنوا أن الذي نزل بهم من البأساء والضراء ما كان على سبيل الانتقام من الله . ولما فتح الله عليهم أبواب الخيرات ظنوا أن ذلك باستحقاقهم ، فعند ذلك ظهر أن قلوبهم قست وماتت وأنه لا يرجى لها انتباه بطريق من الطرق ، لا جرم فاجأهم الله بالعذاب من حيث لا يشعرون . قال الحسن : في هذه الآية مكر بالقوم ورب الكعبة ، وقال صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فإن ذلك استدراج من الله تعالى » ثم قرأ هذه الآية . قال أهل المعاني : وإنما أخذوا في حال الرخاء والراحة ليكون أشد لتحسرهم على ما فاتهم من حال السلامة والعافية وقوله : { فإذا هم مبلسون } أي آيسون من كل خير . قال الفرّاء : المبلس الذي انقطع رجاؤه ، ولذلك قيل للذي سكت عند انقطاع حجته قد أبلس . وقال الزجاج : المبلس الشديد الحسرة الحزين ، والابلاس في اللغة يكون بمعنى اليأس من النجاة عند ورود الهلكة ، ويكون بمعنى انقطاع الحجة ، ويكون بمعنى الحيرة بما يرد على النفس من البلية وهذه المعاني متقاربة .تفسير الرازي [6 /289]
    ******
    {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [المائدة: 14]
    قال الأمام المفسر ابن كثير رحمه الله :
    { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } أي: وتركوا العمل به رغبة عنه.قال الحسن: تركوا عُرَى دينهم ووظائف الله التي لا يقبل العمل إلا بها. وقال غيره: تركوا العمل فصاروا إلى حالة رديئة، فلا قلوب سليمة، ولا فطر مستقيمة، ولا أعمال قويمة.وقال { فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } أي: فألقينا بينهم العداوة والتباغض لبعضهم بعضا، ولا يزالون كذلك إلى (2) قيام الساعة. وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين، يكفر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا؛ فكل فرقة تُحَرم الأخرى ولا تدعها تَلجُ معبدها،تفسير ابن كثير [3 /67]
    ****
    قال الجزائري في تفسيره:
    { أغرينا بينهم العداوة } : الإِغراء : التحريش والمراد أوجدنا لهم أسباب الفرقة والخلاف إلى يوم القيامة بتدبيرنا الخاص فهم أعداء لبعضهم البعض أبداً .أيسر التفاسير للجزائري [1 /338]
    قال الزمخشري في تفسيره :
    فألصقنا وألزمنا من غري بالشيء إذا لزمه ولصق به وأغراه غيره . ومنه الغراء الذي يلصق بهالكشاف [2 /11]قال الالوسي في تفسيره{ فَأَغْرَيْنَا } أي ألزمنا وألصقنا ، وأصله اللصوقتفسير الألوسي [4 /426]
    *****
    {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)} [الأعراف: 165، 166]
    قال الأمام المفسر ابن كثير رحمه الله :
    { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } أي: فلما أبى الفاعلون المنكر قبول النصيحة، { أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي: ارتكبوا المعصية { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين، وسكت عن الساكتين؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحا فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيما فيذموا،تفسير ابن كثير [3 /494]
    قال الرازي في تفسيره :وقوله :
    { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } يعني : أنهم لما تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه ، أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الظالمين المقدمين على فعل المعصية .تفسير الرازي [7 /281]
    قال الالوسي في تفسيره
    { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } الضمير في { نسوا } للمنهيين أي تركوا ما ذكرهم به الصالحون وجعل الترك نسياناً مبالغة إذ أقوى أحوال الترك أن ينسى المتروك وما موصولة بمعنى الذي.تفسير البحر المحيط [5 /479]
    ****
    فائدة للمفسر الشنيقطي في المراد بالنسيان
    قال الشنقيطي رحمه الله :
    وصف كل من اليهود والنصارى والمشركين بالنسيان في الجملة ، ففي اليهود يقول تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } [ المائدة 13 ] .
    وفي النصارى يقوله تعالى : { وَمِنَ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } [ المائدة : 14 ] .
    وفي المشركين يقول تعالى : { الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُون } [ الأعراف : 51 ] ،
    فيكون التحذير منصباً أصالة على المنافقين وشاملاً معهم كل تلك الطوائف لاشتراكهم جميعاً في أصل النسيان .أما النسيان هنا ، فهو بمعنى الترك ، وقد نص عليه الشيخ - رحمة الله تعالى عليه - عند الكلام على قوله تعالى : { لَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا } [ طه : 115 ] فذكر وجهين ، وقال : العرب تطلق النسيان وتريد به الترك ولو عمداً ، ومنه قوله تعالى : { قَالَ كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى } [ طه : 126 ] .فالمراد من هذه الآية الترك قصداً .وكقوله : { فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [ الاعراف : 51 ] .وقوله : { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ } [ السجدة : 14 ] .وقوله : { وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } [ الحشر : 19 ] الآية . انتهى .أما النسيان الذي هو ضد الذكر ، وهو الترك عن قصد ، فليس داخلاً هنا ، لأن هذه الأمة قد أعفيت من المؤاخذة عليه ، كما في قوله تعالى : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } [ البقرة : 286 ] . الآية .وفي الحديث أن الله تعالى قال : « قد فعلت قد فعلت » أي عند ما تلاها صلى الله عليه وسلم .وجاء في السنة « إن الله قد تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه »وقد بين الشيخ - رحمة الله تعالى عليه - هذا النوع في دفع إياهم الاضطراب على الجواب عن الإشكال الموجود في نسيان آدم ، هل كان عن قصد أو عن غير قصد ، وإذا كان عن غير قصد ، فكيف يؤاخذ؟ . وبين خصائص هذه الأمة في هذا الباب رحمة الله تعالى عليه ، فليرجع إليه .وإذا تبين المراد بالتحذير من مشابهتهم في النسيان ، وتبين معنى النسيان ، فكيف أنساهم الله أنفسهم؟ وهذه مقتطفات من أقوال المفسرين في هذا المقام لزيادة البيان :قال ابن كثير رحمه الله : لا تنسوا ذكر الله تعالى فينسيكم العمل الصالح ، فإن الجزاء من جنس العمل .وقال القرطبي : نسوا الله أي تركوا أمره ، فأنساهم أنفسهم أن يعملوا لها خيراً .أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن [8 /199]
    وقال الشنقيطي رحمه الله في قول الله { فَنَسِيَ }:وقوله تعالى : { فَنَسِيَ } فيه للعلماء معروفان : أحدهما - أن المراد بالنسيان الترك ، فلا ينافي كون الترك عمداً . والعرب تطلق النسيان وتريد به الترك ولو عمداً ، ومنه قوله تعالى : { قَالَ كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى } [ طه : 126 ] فالمراد في هذه الآية : الترك قصداً . وكقوله تعالى : { فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [ الأعراف : 51 ] ، وقوله تعالى : { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الخلد بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ السجدة : 14 ] ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أولئك هُمُ الفاسقون } [ الحشر : 19 ] ، وقوله تعالى : { وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ الجاثية : 34 ] . وعلى هذا فمعنى قوله : { فَنَسِيَ } أي ترك الوفاء بالعهد ، وخالف ما أمره الله به من ترك الأكل من تلك الشجرة ، لأن النهي عن الشيء يستلزم الأمر بضده .والوجه الثاني هو أن المراد بالنسيان في الآية : النسيان الذي هو ضد الذكر ، لأن إبليس لما أقسم له بالله أنه له ناصح فيما دعاه إليه من الأكل من الشجرة التي نهاه ربه عنها - غره وخدعه بذلك ، حتى أنساه العهد المذكور . كما يشير إليه قوله تعالى : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } [ الأعراف : 21-22 ] . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي رواه عنه ابن أبي حاتم ا ه .ولقد قال بعض الشعراء :وما سمي الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلا أنه يتقلبأما على القول الأول فلا إشكال في قوله : { وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } [ طه : 121 ] وأما على الثاني ففيه إشكال معروف . لأن الناسي معذور فكيف يقال فيه { وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } . وأظهر أوجه الجواب عندي عن ذلك : أن آدم لم يكن معذوراً بالنسيان . وقد بينت في كتابي ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) الأدلة الدالة على أن العذر بالنسيان والخطأ والإكراه من خصائص هذه الأمة . كقوله هنا { فَنَسِيَ } مع قوله { وعصى } فأسند إليه النسيان والعصيان ، فدل على أنه غير معذور بالنسيان . ومما يدل على هذا ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة : أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } [ البقرة : 286 ] قال الله نعم قد فعلت . فلو كان ذلك معفواً عن جميع الأمم لما كان لذكره على سبيل الامتنان وتعظيم المنة عظيم موقع . ويستأنس لذلك بقوله : { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا } [ البقرة : 286 ] ويؤيد ذلك حديث : « إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » . فقوله « تجاوز لي عن أ/تي » يدل على الاختصاص بأمته . وليس مفهوم لقب . لأن مناط التجاوز عن ذلك هو ما خصه الله به من التفضيل على غيره من الرسل . والحديث المذكور وإن أعله الإمام أحمد وابن أبي حاتم فله شواهد ثابتة في الكتاب والسنة . ولم يزل علماء الأمة قديماً وحديثاً يتلقونه بالقبول . ومن الأدلة على ذلك حديث طارق بن شهاب المشهور في الذي دخل النار في ذباب قربه مع أنه مكره وصاحبه الذي امتنع من تقريب شيء للصنم ولو ذباباً قتلوه . فدل ذلك على أن الذي قربه مكره . لأنه لو لم يقرب لقتلوه كما قتلوا صاحبه ، ومع هذا دخل النار فلم يكن إكراهه عذراً . ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى عن أصحاب الكهف : { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تفلحوا إِذاً أَبَداً } [ الكهف : 20 ] فقوله : { يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ } دليل على الإكراه ، وقوله : { وَلَن تفلحوا إِذاً أَبَداً } دليل على عدم العذر بذلك الإكراه . كما أوضحنا ذلك في غير هذا الموضع .واعلم أن في شرعنا ما يدل على نوع من التكليف بذلك في الجملة ، كقوله تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } [ النساء : 92 ] الآية . فتحرير رقبة هنا كفارة لذلك القتل خطأ . والكفارة تشعر بوجود الذنب في الجملة . كما يشير إلى ذلك قوله في كفارة القتل خطأ { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ الله وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء : 92 ] فجعل صوم الشهرين بدلاً من العتق عند العجز عنه . وقوله بعد ذلك { تَوْبَةً مِّنَ الله } يدل على أن هناك مؤاخذة في الجملة بذلك الخطأ ، مع قوله : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [ الأحزاب : 5 ] وما قدمنا من حديث مسلم : أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما قرأ { لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } [ البقرة : 286 ] قال الله نعم قد فعلت ، فالمؤاخذة التي هي الإثم مرفوعة والكفارة المذكورة . قال بعض أهل العلم : هي بسبب التقصير في التحفظ والحذر من وقوع الخطإ والنسيان ، والله جل وعلا أعلم .وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } [ طه : 121 ] هو ونحوه من الآيات مستند من قال من أهل الأصول بعدم عصمة الأنبياء من الصغائر التي لا تتعلق بالتبليغ . لأنهم يتداركونها بالتوبة والإنابة إلى الله حتى تصير كأنها لم تكن .واعلم أن جميع العلماء أجمعوا على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في كل ما يتعلق بالتبليغ . وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) واختلفوا في عصمتهم من الصغائر التي لا تعلق لها بالتبليغ اختلافاً مشهوراً معروفاً في الأصول . ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع منهم بعض الشيء فإنهم يتداركونه بصدق الإنابة إلى الله حتى يبلغوا بذلك درجة أعلا من درجة من لم يقع منه ذلك . كما قال هنا : { وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } [ طه : 121 ] ثم أتبع ذلك بقوله : { ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهدى } [ طه : 122 ] .وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } يدل على أن أبانا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس من الرسل الذين قال الله فيهم { فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل } [ الأحقاف : 35 ] وهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : هم جميع الرسل . وعن ابن عباس وقتادة { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } أي لم نجد له صبراً عن أكل الشجرة ومواظبة على التزام الأمر . وأقوال العلماء راجعة إلى هذا ، والوجود في قوله : { لَمْ نَجِدْ } قال أبو حبان في البحر : يجوز أن يكون بمعنى العلم ، ومفعولاه { لَهُ عَزْماً } وأن يكون نقيض العدم . كأنه قال : وعدّ مناله عزماً ا ه منه . والأول أظهر ، والله تعالى أعلم .أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن [4 /175]
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو الخطاب فؤاد السنحاني; الساعة 28-09-2012, 10:15 AM.
يعمل...
X