بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده لا شريك له ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد
فهذا قبس من رسالة بدائع الحكم بذكر فوائد حديث تداعي الأمم
لريحانة الشام الشيخ سليم بن عيد الهلالي ـ حفظه الله ـ .
الفائدة الثالثة
القوى الكافرة وأجهزتها الماكرة ترصد حركة المجتمع المسلم
إن أعداء الله من جند إبليس، وأعوان الشيطان يرصدون نمو أمة الإسلام، وحركة المجتمع المسلم وقوة الدولة المسلمة.
ولم يزل الكفار ومشركو أهل الكتاب يقومون ببذلك منذ فجر الإسلام حيث دولة الإسلام الفتية التي رفع قواعدها ، وأرسى كيانها ،وأشاد بنيانها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والذين معه في المدينة النبوية ، وما حولها من أرض الجزيرة العربية .
وقد جاء هذا صريحا في حديث المخلفين (1)
:ط .... بينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي (2) من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة؛ يقول من يدل على كعب بن مالك؟
فطفق الناس يشيرون له حتى جاءني؛ فدفع إليَّ كتابا من ملك غسان، وكنت كاتبا؛ فقرأته؛ فإذا فيه: أما بعد؛ فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان، ولا مضيعة؛ فَالْحَقْ بنا نواسيك".
فتأمل أيها المسلم اللبيب وتدبر أخي الحبيب كيف يترصد الكفار المحيطون بدولة الإسلام أخبارها ، حتى إذا رأوا أن الوهن دبَّ إليها، والمرض نخر جسمها ، ووجدوا أن الفرصة سنحت تواثبوا عليها من أقطارها ، وكتموا البقية الباقية من أنفاسها .
ومن قرأ تاريخ الحملات الصليبية، وعرف خبايا الحرب الكونية الأولى ؛ حيث جيش بنو الأصفر جيوشهم للقضاء على دولة الخلافة الإسلامية ، استبانت له الأمور كالشمس في رائعة النهار .
وحتى يتم لهم ذلك ؛ فقد أسسوا "عصبة" ، ثم "هيئة "، "ومجلسا للفتن "، ثُمَّ " نظاما عالميا جديدا".
وهذه الدلالة من دلائل النبوة ؛ فقد وقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم :حذو القذة بالقذة.
وتتجلى في الوجوه الآتية :
1-أن أعداء الله يستعملون البعوث الاقتصادية ، ويرسلون الأفواج السياحية ، ويستخدمون الدراسات الاستشراقية للتجسس على المسلمين ، ونقل أخبارهم ، ومعرفة أحوالهم ، وتتبع عوراتِهم ، ولا يزال الأمر على ذلك حتى يوم الناس هذا (!).
2-أن دول الكفر مستعدة لاحتضان كل من تسولت له نفسه أن يكون حربا على المسلمين من أبناء جلدتهم ؛ فلذلك ترى دول الغرب الصليبي ترعاهم وتحتضنهم وتأويهم؛ ليصدوا فسادهم وإرهابهم وغلوهم إلى بلاد المسامين ، ويستبيحوا دمائهم تكفيرا وتفجيرا وتدميرا!!
3-أن اللجوء إلى أنظمة الكفر ودواله ـ ولو كان سياسيا ـ فتنة وابتلاء ، لا ينجو منها إلا من عصمه الله ،وصبر على اللأواء في ديار المسلمين ؛ليؤدي شرط الله في هذه الأمة نصحا بالتي هي أحسن للتي هي أقوام ، وحرصًا على أمنها وأمانِها تحت ضلال الإيمان بالله ورسوله .
4- أن معرفة مخططات أعداء الله لا يكون من خلال ما يعلنونه في إذاعاتِهم أو يكتبونه من صحفهم ومجلاتهم ، أو ما يؤرخونه في مذكراتهم ، بل بالفهم الدقيق والفقه العميق لسبيل المجرمين؛ كما فصله الكتاب والسنة.
5- أن المسلمين لن يستطيعوا رد كيد الكافرين، ودحر مكر المشركين إلا بالصبر والتقوى واليقين.
قال ـ تعالى ـ:{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ }[السجدة :24] .
وقال ـ عز وجل ـ{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا }[آل عمران:120 ]. اهـ
***********************************
1:متفق عليه من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
2:هو الفلاِّح؛ سمي بذلك لأنه يستنبط الماء من الأرض.