الله أو الطوفان . . . لنجعل رمضان شهر الصلح والصلاح والإصلاح
بقلم فضيلة الشيخ سليم بن عيد الهلالي
الصلح من الصلاح الذي هو ضد الفساد؛ والإصلاح ضد الإفساد.بقلم فضيلة الشيخ سليم بن عيد الهلالي
والصلح والإصلاح منهج الأنبياء: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88]، وميراثهم الذي ينشره أتباعهم وورثتهم: ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 116].
والصلح والإصلاح في المنظور القرآني استوعبا المنظومة الاجتماعية من الأسرة: ﴿أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ [النساء: 128].
إلى الأمة والمجتمع: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا﴾ [الحجرات: 9].
وقد وردت مادة الصلح والإصلاح في القرآن أكثر من مائة وثمانين مرة، مما يدل على مكانتها، وأن حياة الناس لا تستقيم إلا في ظلالها.
وهذه الآيات الكثيرة أمرت بالصلح، وأثنت على الإصلاح، ودعت إلى المبادرة إليها، وإحاطتها بما يكفل بقاء هما، ويضمن استمرارهما، ويحقق غايتهما؛ ليدخل المجتمع كله في السلم كافة و السلام أجمع .
فما أحوجنا إلى تحويل (الصلح والإصلاح) إلى ثقافة تسود كل جوانب حياتنا، ولا تنمحي من ذاكرة أجيالنا؛ فلا تضعف، ولا تهون؛ لئلا يستولي العنف والتفرق والتمزق على عقل الأمة وذاكرتها؛ فيدمر حاضرها، ويجهض مستقبلها.
أليس لنا في رسول الله قدوة صالحة، وأسوة مصلحة ... وهو يجعل الصلح زاد المسلم الذي لا ينفد، والإصلاح تجارتنا التي لن تبور.
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى عليه وسلم قال :«ألا أدلك على تجارة؟» قال: بلى يا رسول الله! قال: «تسعى في الإصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا».
وفي رواية: «ألا أدلك على صدقة يحب الله موضعها؟ تصلح بين الناس؛ فإنها صدقة يحب الله موضعها» [«السلسلة الصحيحة»: (2844)].
فما أحوجنا إلى أن نجعل الصلح وآلياته علماً يؤسس، ونقرر الإصلاح و فعالياته فناً يدرس في جمع مراحل حياتنا، ويمارس على كل مستوياتنا.
فإذا رأينا تباعداً بين اثنين سعينا بالصلح؛ ليصبح قرباً؛ وإذا شاهدنا عداء بين طائفتين سعينا بالإصلاح لينقلب إلى ألفة ومحبة ورحمة.
قال تعالى: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1].
وقال تعالى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء: 114].
وحتى تنجح عملية الصلح، و تتوازن معادلة الإصلاح، وتتفاعل مكونات الصلاح تفاعلاً إيجابياً، فقد حكمها الشرع المبين المنزل من رب العالمين بمجموعة من الضوابط:
1- لا بد من معرفة الأساس الذي يرتفع عليه بناء الصلح والإصلاح؛ وهو: الحق و العدل : فلا صلح إلا بالحق، ولا إصلاح إلا بالعدل.
ذكر السيوطي في «تاريخ الخلفاء» (1/178) عن يحيى الغساني؛ قال: لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل قدمتها؛ فوجدتها من أكثر البلاد سرقة ونقبًا، فكتبت إليه أعلمه حال البلد، وأسأل: آخذ الناس بالظنة، وأضربهم على التهمة، أو آخذهم بالبينة، وما جرت عليه السنة؟
فكتب عمر: أن آخذ الناس بالبينة، وما جرت عليه السنة؛ فإن لم يصلحهم الحق؛ فلا أصلحهم الله!
قال يحيى: ففعلت ذلك؛ فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد، وأقلها سرقة ونقبًا.
2- وجود النية الصادقة، وتوفر العزيمة الصحيحة، وحضور الإدارة الجازمة من جميع أطراف المعادلة.
قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾ [النساء: 35].
فإذا كانت إرادة الإصلاح الصادق بين الزوجين أو الحكمين -على الخلاف في رجوع الضمير في قوله ﴿يريدا﴾- سبباً في توفيق الله لهما في مهمتهما ... فوالذي نفسي بيده: إن وجود ذلك بين الأطراف المتنازعة في الأمة، أو الشركاء المتشاكسين في الحكم أولى وأحرى ... ولو علم الله فيهم خيراً؛ لوفقهم إلى أرشد أمرهم.
3- الصلح لا يسعى إليه المفسدون: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81].
والإصلاح لا يقوى عليه المنافقون: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 12].
ولذلك لا بد أن يسند الأمر إلى القوي الأمين، ويقوم على مقدرات الأمة وخير الدول الحفيظ العليم.
4- لا بد من طرف ثالث مخلص يسعى بالصلح والإصلاح، ويتعامل مع الجميع بالإنصاف، وينهى الباغي عن الظلم والإجحاف.
والمرشح لهذا الدور هم علماء الأمة، وأمناء الملة، والدعاة إلى الله على بصيرة، وبدون ذلك؛ فإن زمام الأمور سيفلت؛ فيأتي الشقاق على كل مقدرات الأمة ولن يبقى منها شيئاً، ويجتاح التمزق كل مقدرات المجتمع؛ فلا يبقى إلا سيئاًَ.
إذاً فلنجعل من شهر رمضان شهر الصلح والصلاح والإصلاح؛ فنعزز ثقافة التسامح والتعاون، ونلغي ثقافة الكراهية والحقد والتنافر والتناحر:
لتمتد أيادي (الحكام) إلى شعوبهم بالخير، وإعطائها ما تستحق من الاحترام والحرية، وتوزيع ثروات الأمة على أفرادها بالتساوي؛ لينعموا بالبركات، ويعيشوا في الخير، وليشكروا الله على ما آتاهم.
ولتمتد أيد (الشعوب) إلى حكامها؛ فيكونوا عوناً لهم على تجاوز الفتن، وعيناً على قوى الشد العكسي من المفسدين الذين يسعون في خراب الدول، ويشيعون الخوف والهلع في المجتمع، ويحبون أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين.
لنعاهد الله جميعاً (حكاماً وشعوباً) على وصل ما قطعنا، وإصلاح ما أفسدنا، وإحياء شرع الله الذي أَمَتْنَا .. لنكون جميعاً مصلحين: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117].
إذا؛ لنختار ولا نحتار: الله أو الطوفان؟!
﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر: 44].
:. الموضوع الاصلى: الله أو الطوفان . . . لنجعل رمضان شهر الصلح والصلاح والإصلاح لفضيلة الشيخ سليم الهلالي | المصدر: منتديات منهاج الرسول السلفية | كاتب الموضوع: أسامة الهلالي .: