إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحوار الوديع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحوار الوديع





    الحوار الوديع مع فضيلة الشيخ عبد الله المنيع


    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله ، وصحبه ؛ أمَّا بعد :

    فقد اطلعت على ما نشر في جريدة عكاظ - ص24 من يوم الثلاثاء 3 ذي الحجة لعام 1426 هـ السنة السابعة والأربعين في العدد برقم 14374 – على مقالٍ للشيخ عبد الله بن سليمان المنيع حول قضية الرمي قبل الزوال في يوم النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق حيث رجَّح القول بجواز الرمي قبل الزوال ، واستدل على ذلك بأدلة :

    1- قوله : " ليس في كتاب الله تعالى ، ولافي سنة رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم قولٌ صريحٌ في تحديد وقت الرمي بدءاً من الزوال " وأقول : إنَّ أهل العلم متفقون على أنَّ الرمي عبادةٌ موقتة ، فرمي الجمرة الكبرى يوم العيد ، وقته الإختياري قبل الزوال ، ورمي أيام التشريق للجمرات الثلاث موقَّتٌ بما بعد الزوال إلى غروب الشمس هذا هو الوقت الإختياري .

    ولمَّا حصل في السنوات الأخيرة شدة الزحام ، ووقوع تلف بعض الأنفس عند الرمي عند ذلك رأى مجلس هيئة كبار العلماء توسعة الوقت في آخره بحيث قرَّر هذا المجلس برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله قرروا امتداد وقت الرمي في الليل ، وأنَّ من لم يمكنه الرمي في أمسية ذلك اليوم له أن يرمي بعد الغروب إلى منتصف الليل أو إلى الليل كله ، ومعنى ذلك أنَّ ما بعد طلوع الفجر وقتٌ يختلف عن الوقت الأول فلايجوز الرمي فيه لليوم الذي قبله ولا لذلك اليوم نفسه ؛ والحقيقة أنَّهم وفِّقوا في هذا القرار ، وذلك أنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم في إجابته عن الأسئلة التي حصلت في اليوم الأول من أيام التشريق حيث قال السائـل : (( إني حلقت قبل أن أذبح ؟ فقال : لا حرج ، فقال : إني رميت بعد ما أمسيت ؟ قال : لا حرج فما علمته سئل عن شيء يومئذ إلا قال : لا حرج ، ولم يأمر بشيء من الكفارة )) رواه البيهقي في السنن الكبرى ج 5 ص 150برقم 9452 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقال البيهقي رحمه الله : " وأخرجه البخاري من حديث يزيد بن زريع وغيره عن خالد الحذاء " وورد في كتاب الإستذكار لابن عبد البر في ج13 / 222 برقم 893 : (( عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه أنَّ ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عبيد نفست بالمزدلفة ، فتخلَّفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر ، فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ، فلم ير عليهما شيئاً )) قال المحقق : وأخرجه مالكٌ في الموطأ برقم 409 وفي هذا دليلٌ على أنَّ الضرورات لها أحكام لكنَّ تلك الضرورة لايستدل بها من هو معافى ، وأيضاً أنَّ ما بعد الوقت من الزمن الملاصق للوقت الإختياري يجوز أن يكون التوسع فيه ، ولايدل على إبطال التوقيت إذ أنَّ التوقيت في أيام التشريق بما بعد الزوال مستفادٌ من الأحاديث الصحيحة ، ومن ذلك ما ورد عن جابر بن عبد الله في صحيح مسلم قال : (( رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحىً ، وأمَّا بعدُ فإذا زالت الشمس )) وفي البخاري ، والموطأ ، وأبي داود عن وبرة بن عبد الرحمن السُّلمي ؛ قال : (( سألت ابن عمر رضي الله عنهما متى أرمي الجمار ؟ قال : إذا رمى إمامك فارمه ، فأعدْتُ عليه المسألة ، فقال : كنَّا نتحيَّن ، فإذا زالت الشمس رمينا )) أخرجه البخاري ، وفي رواية الموطأ عن نافعٍ أنَّ ابن عمر رضي الله عنه قال : (( لاتُرمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس )) وعند الترمذي عن عبد الله بن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس )) قال المحقق لجامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد في ج1 / 328 – 3039 وأقول هذه الأحاديث دالةٌ على التوقيت ، وينظم إليها قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( خذوا عنِّي مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )) رواه البيهقي في السنن الكبرى ، وفي ذلك دلالةٌ واضحةٌ على وجوب التوقيت الذي حدَّده رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعله ، وقول الصحابي : (( كنَّا نتحيَّن )) دالٌّ على التوقيت ، وأنَّه لايجوز الرمي قبل الزوال ، فلو كان يجوز الرمي قبل الزوال لم يتحينوا ، وينتظروا حتى تزول الشمس ؛ لأنَّ معنى نتحيَّن أي ننتظر إلى حين تزول الشمس ، والله سبحانه وتعالى يقول : ) ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( ويقول تعالى : ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ( فهل يجوز بعد هذا لأحدٍ أن يقول أنَّ الرمي ليس مؤقتاً ؛ وهو ما دلَّ عليه قول الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع عفا الله عنَّا وعنه بأنَّه : " ليس في كتاب الله ، ولافي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولٌ صريح في تحديد وقت الرمي بدءاً من الزوال " فهذه الأدلة التي ذكرتها تدل صراحةً على أنَّ الرمي في أيام التشريق موقَّتٌ بما بعد الزوال ، ومن خالف عن ذلك فإنَّ قوله هو الذي يجب أن يرد وإن كان من كان فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي خاطبنا الله بطاعته ، وأخذ ما جاء به دون غيره ، وغاية ما في الأمر أنَّ من قال خلاف هذا القول وهو التوقيت بما بعد الزوال من قال خلاف هذا فإنَّ قوله مرفوضٌ ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : ) فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليـم ( قـال في المغـني في ج5 / 328 : " فصلٌ ، ولايرمى في أيام التشريق إلاَّ بعد الزوال ؛ فإن رمى قبل الزوال أعاد ؛ نصَّ عليه أحمد ، وروي ذلك عن ابن عمر ، وبه قال مالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وروي عن الحسن ، وعطاء ؛ إلاَّ أنَّ إسحاق ، وأصحاب الرأي ؛ رخصَّوا في الرمي يوم النَّفر قبل الزوال ، ولاينفروا إلاَّ بعد الزوال ، وعن أحمد مثله " اهـ وأقول : تقدَّم الاستـدلال على ذلك بما فيه كفاية ؛ نسأل الله أن يعفو عنَّا ، وأن يتوب علينا فيما قد يحصل منَّا من المخالفات بتأويلٍ ؛ أو تساهلٍ ؛ إنَّه جوادٌ كريم .

    2- قول الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع حفظه الله : " صحَّ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنَّه رخَّص للرعاة والسُّقاة برمي جمار اليومين من أيام التشريق متقدماً أو متأخرا ، ولم ينههم صلى الله عليه وسلم عن الرمي قبل الزوال ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة منـزَّهٌ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " اهـ وأقول : " روى مالكٌ في الموطأ ، والترمذي ، وأبو داود ، والنسائي عن أبي البدَّاح عاصم بن عربي عن أبيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ، ثمَّ يرمون الغد ، ومن بعد الغد ، ثمَّ يرمون يوم النَّفر ؛ قال : مالكٌ تفسير ذلك فيما نُرى ، والله أعلم أنَّهم يرمون يوم النحر فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد ، وذلك يوم النَّفر الأول يرمون لليوم الذي مضى ، ثمَّ يرمون ليومهم ذلك ؛ لأنَّه لايقضي أحدٌ شيئاً حتى يجب عليه ، فإذا وجب عليه ، ومضى كان القضاء بعد ذلك ، فإن بدا لهم في النَّفر فقد فرغوا ، وإن أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النَّفر الآخر ونفروا " أخرجه مالكٌ في الموطأ " وفي رواية الترمذي قال : (( أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ، ثمَّ يجمعون رمي يومين بعد يوم النَّحر فيرمونه في أحدهما )) " قال : " قال مالكٌ : ظننت أنَّه قال في الأول منهما ، ثمَّ يرمون يوم النَّفر له ، ولأبي داود ، والنَّسائي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص للرعاء أن يرموا يوماً ، ويدَعوا يوماً ، وفي رواية أخرى للنسائي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النَّحر واليومين اللذين بعده يجمعونهما في أحدهما " انتهى من جامع الأصول ج3 / 216 باب وقت الرمي ؛ وأقول : إنَّ قوله في بعض هذه الروايات فيرمونه في أحدهما لابدَّ أن يكون المتعيِّن أنَّهم يرمون في اليوم الأخير منهما ؛ لأنَّ قول مالك : " ذلك لأنَّه لايقضي أحدٌ شيئا حتى يجب عليه ، فإذا وجب عليه ، ومضى كان القضاء بعد ذلك ؛ فإن بدا لهم في النَّفر ، فقد فرغوا ....الخ " وأقول : إنَّ هذا البيان يقضي على الروايات الموهمة للتقديم ؛ وهو قوله : " ثمَّ يجمعون رمي يومين بعد يوم النَّحر ، فيرمونه في أحدهما " وما جاء في مثل هذه الرواية يوهم التقديم ؛ وهو أن يرمي اليومين ؛ وهما الحادي عشر ، والثاني عشر في أحدهما ، وكأنَّه يظهر من قوله : " في أحدهما " أنَّه يجوز أن يرميهما تقديماً أو تأخيراً ، فالبيان الذي ذكره مالكٌ في الموطأ يقضي على هذا الوهم ، ويعيِّن الرمي في أحد اليومين ؛ وهو اليوم الثاني ؛ فيرمي أولاً الحادي عشر ، ثمَّ يرمي بعد ذلك لليوم الثاني عشر ، وما يريد أن يتوصل إليه الشيخ عبدالله المنيع من جواز الرمي قبل الزوال فإنَّ ذلك باطلٌ بما بيَّنه مالكٌ رحمه الله ، وأنَّه لايقضي أحدٌ شيئاً حتى يجب عليه ، فإذا وجب عليه ، ومضى كان القضاء ، والقضاء يحكي الأداء بأن يكون بعد الزوال ، فهذا الاستنتاج الذي ذكره الشيخ عفا الله عنَّا وعنه استنتاجٌ باطلٌ أخطأ فيه الشيخ وفقنا الله وإياه ، ولكنَّه أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يذهبوا بعد يوم النَّحر لرعاية الإبل بعيداً عن منى ، ويغيبوا اليوم الحادي عشر ، ثمَّ يأتوا في اليوم الثاني عشر ، فيرمون لليومين مبتدئين باليوم الحادي عشر ، فإذا انتهوا منه ، رموا لليوم الثاني عشر ، ويكون الرمي في وقته ، ومن قال بجواز الرمي قبل وقته ؛ فعليه الدليل الصحيح الصريح ؛ علماً بأنَّ الفقهاء قالوا : أنَّ من قدَّم جمرةً متأخرةً ، وأخَّر المتقدمة ؛ بطل رمي المتأخرة ؛ التي قدَّمها ، وعليه أن يعيد ، وإذا كان الرمي ليومين ، فالترتيب واجبٌ من باب أولى ، ولا أطيل بذكر أقوال الفقهاء ، فالشيخ عبد الله يعلم ذلك .

    3- ثمَّ قال حفظه الله : " ذكر مجموعة من أهل العلم أنَّ للحاج تأخير رمي جماره إلى آخر يومٍ من أيام التشريق فيرميها مرتبةً على الأيام السابقة " أقول إلى هنا الكلام صحيح .

    لكنَّ قوله : " ذكروا من تعليل ذلك أنَّ أيام التشريق مع يوم العيد وقتٌ واحد للرمي ، وأنَّ الرمي آخر يومٍ لجميع أيام التشريق رمي أداءٍ لا رمي قضاء ، واستدلوا على جواز ذلك بترخيصه صلى الله عليه وسلم للرعاة والسُّقاة بتقديم الرمي أو تأخيره .

    ثمَّ قال عفا الله عنَّا وعنه : " ولايخفى أنَّ غالب العبادات لها أوقاتٌ تؤدَّى فيها " أقول : هذا صحيحٌ ، ولكن هل يجوز أداء الصلاة قبل دخول وقتها ؟ الجواب : أنَّ هذا لايجوز إلاَّ في جمع التقديم في السفر أمَّا ما عدا ذلك فلايجوز فيه تقديم العبادة على وقتها ، ولاشكَّ أنَّ رمي الجمار مؤقتٌ بما بعد الزوال في أيام التشريق ، فلايجوز تقديمه على وقته ، وهذا واضحٌ كما بيَّنَّا أنَّ قرار هيئة كبار العلماء إنَّما كان في آخر الوقت ؛ وهو إدخال الليل ، وجعله وقتاً للأداء من أجل الضرورة ، ولم يقولوا أنَّه يجوزتقديم الرمي لليوم قبل زواله وإنَّما جعلوا التوسعة في آخره ، وكذلك الأوقات في الصلوات ؛ فإنَّ الوقت الإضطراري يكون في آخر الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم : (( تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا ؛ لايذكر الله فيها إلا قليلا )) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج 1 / 443 برقم 1927 ثمَّ قال : " لفظ حديث أبي الربيع رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن الصباح وغيره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 2 / 254 برقم 7453 عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ، ومن أدركها من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركهـا )) فالوقت الإضطراري في أوقات الصلاة إنَّما كان في آخر الأوقات ، ولم يكن في أولها فقياسه هنا بقوله : " ولانعلم خلافاً بين أهل العلم في أنَّ الصلاة في وقتها الإضطراري جائزةٌ ، وتعتبر أداءً لاقضاءاً " أقول للشيخ لكنَّ الأمر يختلف فيما استدللت عليه وهو الرمي قبل الزوال بينهما فارقٌ عظيم ، فالوقت الإضطراري في الصلاة يكون في أواخر الأوقات ؛ أمَّا قياسك للرمي قبل الزوال على الوقت الإضطراري في الصلاة فهو قياسٌ مع الفارق ؛ لأنَّك أنت تستدل على جواز التقديم قبل الوقت أي قبل دخول وقت الرمي الذي دلَّ عليه قول الصحابي : " كنَّا نتحيَّن " كما سبق بيانه ، ولايخفى بطلان هذا الإستدلال ؛ علماً بأنَّ كلَّ يومٍ من أيام التشريق الرمي فيه عبادة مستقلة تبدأ من بعد الزوال ، وقضاءه في اليوم الثاني يعدُّ قضاءاً ، ومن أخَّر الرمي إلى اليوم الثالث عشر لعجزه عن الزحام في اليومين قبله فإنَّه يكون في حقِّه رمي اليومين الحادي عشر والثاني عشر قضاءاً ، ورمي الثالث عشر أداءً ، ولاشكَّ أنَّه إن أخَّر ذلك مع القدرة عليه يعدُّ ملوماً ، وعلى هذا فلايجوز الإستدلال بهذا على الرمي قبل دخول وقته .

    4- قول الشيخ عبد الله المنيع حفظه الله : " الترخيص للرعاة والسُّقاة في تقديم رميهم أو تأخيره مبعثه رفع الحرج ، ودفع المشقة ، والأخذ بالتيسير ...الخ " وأقول ما ذكره الشيخ عفا الله عنَّا وعنه من أنَّ مبعث الترخيص للرعاة والسقاة هو دفعٌ للحرج والمشقة ؛ فهذا صحيح ؛ لكن كونه أذن لهم في تقديم رمي يومٍ قبل أن يجب ؛ هذا القول غير صحيح كما قد بيَّنَّا ذلك فيما سبق ، وعلى هذا فالترخيص تيسيرٌ لكنَّه مبنيٌّ على أنَّه لايرمي ذلك اليوم إلاَّ بعد الزوال ؛ أمَّا قبل الزوال فقد بيَّنَّا أنَّه لايجوز لقول ابن عمر : (( كنَّا نتحيَّن ، فإذا زالت الشمس رمينا )) وقول ابن عمر في رواية الموطأ عن نافعٍ أنَّ ابن عمر رضي الله عنه قال : (( لاتُرمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس )) وقول عبد الله بن عباس في رواية الترمذي : (( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس )) هذه الأدلة الواضحة تدل على أنَّ رمي كلَّ يومٍ لايجوز قبل زواله ؛ سواءً كان لليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر ، فبطل استدلال الشيخ عبد الله المنيع هدانا الله وإياه على جواز التقديم قبل الزوال .

    5- قوله : " الخلاف في حكم الرمي في الليل أقوى من الخلاف في الحكم قبل الزوال " اعترافٌ من الشيخ عبد الله بأنَّ الخلاف في ابتداء وقت الرمي للضرورة ، وإن كان ضعيفاً ؛ لكنَّه أقوى من الخلاف في الرمي قبل الزوال ؛ ولذلك صدر من هيئة كبار العلماء بجواز الرمي في الليل إلى طلوع الفجر ، وذلك لرفع الحرج ، ودفع المشقة ، والأخذ بالتيسير .

    وقوله : " مع أنَّ القول بعدم جواز الرمي في الليل قول جمهور أهل العلم ؛ ولكنَّ الفتوى تتغيَّر بتغيُّر الأحوال والظروف " وأقول إنَّ الفتوى لاتتغيَّر بتغيُّر الأحوال والظروف إلاَّ إذا كان لها ما يسندها ، فقول هيئة كبار العلماء بجواز الرمي إلى طلوع الفجر أملته الضرورة ، ولاتمل الضرورة جواز الرمي قبل مجيء وقته ؛ بل كلُّ أمور الدنيا تكون خاضعةً للدين ، فمن قال : أنَّه على عجل لأنَّ حجزه في مساء اليوم الثاني عشر ؛ نقول له يجب أن يتأخر حجزك ، وإذا لم يمكنك الرمي في هذا اليوم ، فلابدَّ أن تبقى هذه الليلة لتعود إلى بلدك بحجٍّ صحيحٍ وأنت قد أنفقت الأموال ، وتجشمت المصاعب ، فإنَّه يجب عليك أن تخضع الظروف الدنيوية للدين ، ولايجوز لك أن تخلَّ بالدين بأن ترمي قبل الزوال من أجل الأمور الدنيوية .

    6- قال الشيخ عبد الله المنيع : " لانظنُّ وجود منازعٍ ينازع في أنَّ رمي الجمار ، وفي عصرنا الحاضر فيه من المشقة ، وتعريض النَّفس للهلاك ما الله به عليم ، ولايخفى أنَّ الإضطرار يبيح للمسلم تناول المحرم ، ودفع هلاك النَّفس غير باغٍ ولاعاد ، فالإحتجاج على الجواز بالاضطرار متَّجهٌ ؛ بل أنَّ الحاجة الملحة قد تكون سبباً لجواز الممنوع " اهـ ؛ وأقول : يا شيخ لقد عالجت هيئة كبار العلماء هذه الضرورة بتمديد وقت الرمي إلى طلوع الفجر من اليوم الثالث عشر ، وهذا علاجٌ حاسمٌ ، ولم يبق إلاَّ الاستعجال لبعض الناس ، ومن العلاج ما عملته الدولة السعودية حفظها الله وأيَّدها من توسعة المرمى ، وتهيئته ليكون فيه التسهيل على الحجاج ، فلاداعي أن نبيح الرمي قبل الزوال ، فما قبل الزوال ليس وقتاً للرمي كمَّا بيَّنَّا بالأدلة على ذلك من أقوال الصحابة ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والإقتداء ، ولايجوز أن نشرع شيئاً لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    7- قال الشيخ عفا الله عنَّا وعنه : " جاء عن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله رواية من الشيخ عبد الله بن عقيل في كتابه الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة في معرض تعليق الشيخ عبد الرحمن بن سعدي على رسالة الشيخ عبد الله بن محمود رحمه الله في حكم جواز الرمي قبل الزوال قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ما نصُّه : ويمكن الإستدلال عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم : من سأل عن التقديم والتأخير كأنَّه جوابٌ لمن سأل عن التقديم والتأخير : افعل ولاحرج ، وأحسن من هذا الإستدلال بحديث ابن عباس المذكور حيث قال له رجلٌ : رميت بعد ما أمسيت ؟ قال : افعل ولاحرج ...إلى آخر ما ذكر " .

    وأقول : أولاً : أنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا إنَّما كان جواباً على أسئلة قومٍ قد حصلت منهم المخالفات جهلاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( افعل ولاحرج )) وهذا غاية ما يكون فيه دليلٌ على إسقاط الإثم عن الجاهل ؛ إذا فعل ما فعل يحسب أنَّ ذلك جائزٌ ، ولم يكن كذلك ، فلاينطبق عليه ، ولايؤخذ منه القول بجواز الرمي قبل دخول وقته أي قبل الزوال .

    ثانياً : سبق أن قرَّرنا أنَّ الوقت الإضطراري يكون في آخر الأوقات ؛ أمَّا الإستدلال به على تقديم الرمي قبل وقته ؛ فهو استدلالٌ غير صحيح .

    ثالثاً : أنَّ في قول الصحابي عبد الله بن عمر : (( كنَّا نتحيَّن حتى إذا زالت الشمس رمينا )) إخبارٌ منه بأنَّ ذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولايفعلون ذلك إلاَّ بأمره .

    رابعاً : أنَّه لاحجة في أحدٍ غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن مع احترامنا للشيخ السعدي رحمه الله ، والاعتراف بعلمه ، وجلالته ، وفضله إلاَّ أنَّا نرى أنَّ الرمي قبل الزوال غير صحيح ؛ لأنَّه قبل دخول وقته فيكون كمن صلَّى الصلاة قبل دخول وقتها .

    خامساً : أنَّ العلاج قد حصل من هيئة كبا ر العلماء بتمديد وقت الرمي في الليل كله .

    سادساً : ومن العلاج ما عملته الدولة السعودية من التوسعة في المرمى الذي يخفف الزحام ، ويسهل الرمي ، وبالله التوفيق .

    وهذا ما رأيت أنَّه يجب بيانه وتوضيحه لمن يخفى عليه هذا الأمر لعلَّ الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها من شاء من عباده ، وأسأل الله أن يصلح أحوالنا ، وأن يرزقنا المتابعة لما جاء به نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه .






    كتبها

    أحمد بن يحيى بن محمد النَّجمي

    5 / 12 / 1426 هـ


    أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفي الشيخ أحمد النجمي
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن عبدالله العماد; الساعة 14-05-2008, 01:33 PM.
يعمل...
X