بسم الله الرحمن الرحيم
وقـــفـــات مــــــع أصـحـــــاب الـمــــخـــــــدرات
فائدة : قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله تعالى في الكبائر[ص86] ـ : ( فو الله ما فرح إبليس بمثل فرحه بالحشيشة لأنه زينها للأنفس الخسيسة فاستحلوها واسترخصوها ) اه
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد :
إن الحياة كما هو معلوم فيها سبل كثيرة ومغريات وفيرة والعاقل من سلك السبيل الذي ينتهي به إلى الجنة وإن كان صعبا وأن يترك السبيل الذي ينتهي به إلى النار وإن كان سهلاً ميسوراً؛وليس بخاف على المسلمين ما أصبحنا فيه من فتن عظيمة فلننتبه لأنفسنا ولنأخذ حذرنا ، ومن هذه الفتن فتنة المال ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال) رواه والترمذي عن كعب بن عياض وصححه الألباني في الصحيحة برقم [592]؛ لذلك فأعداء الإسلام يخططون بشتى الوسائل وبكل ما أوتوا من كيد ومكرٍ للإطاحة بالإسلام والمسلمين وتدمير المسلمين؛ ومن الوسائل التي أفسدوا بها الإسلام تلك السموم المسماة بالمخدرات فهم يزرعونها ويصنعونها ويصدرونها إلى بلاد المسلمين عن طريف شياطين الإنس من تجار الدمار؛ فمن أجل ذلك كان لزاما أن نقف معهم وقفات وأن نبين حالهم نصحا للأمة وتبرئة للذمة من باب النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم .
الــوقــفــــة الأولـــــى : حـــكـــم الــمـخــــدرات
الحكم فيها ما قاله الله في كتابه العزيز وهو قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) } المائدة ، قال الشيخ يحي بن علي الحجوري ـ حفظه الله تعالى في كتابه شرعية طلب الحلال [ص8] ما نصه ـ :( فهذه الآية فيها وجوب الإنتهاء عن كل ما وجد فيه هذه الأوصاف التي بين الله عز وجل أنها علة التحريم وهي : 1ـ أن الخمر رجس أي نجس نجاسة معنوية ،2ـ وأنه من عمل الشيطان يضر به العبد ويصيره مسلوب العقل سيء التصرف والفعل ،3ـ وأنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس فشاربه ربما يقتل النفس المحرمة أو يرتكب أشد الفواحش مع أمه أو أخته أو ابنته أو غيرهن من المحرمات ،4ـ وأنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة في حال سكر صاحبه ويسبب القسوة عن ذكر الله وعن طاعته وكل هذه الأضرار والمفاسد محققة في الحشيشة فهي تأخذ كل أحكام الخمر المذكورة في القرآن الكريم ) ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم برقم [2003] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة )) .
ضابط الخمر : أما ضابط الخمر فهو الإسكار فكل شيء مسكر من أي نوع كان فإنه خمر وذلك لما جاء في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال :{...والخمر ما خامر العقل ...} البخاري [4343] ومسلم [7744] قال أهل العلم ما خلط العقل أو غطاه يسمى خمراً ؛ إذن يتبين لنا من هذا أن المخدرات تدخل في ضابط الخمر وهو الإسكار فحكمها حكم الخمر أي التحريم .
الــوقـفــة الـثـانـيــة : تـأريـخ حــدوث الــمــــخــدرات
قال الشيخ الفوزان كما في تسهيل الإلمام [5/293] : ( وأشد من الخمر ما حدث بعد القرون المفضلة من المخدرات ؛ فالمخدرات لم تكن معروفة في القرون الأولى وإنما جائت مع التتار كما قال شيخ الإسلام بن تيمية : جائت لما اجتاح التتار بلاد المسلمين جاؤو معهم بالحشيشة والمخدرات ) علماً بأن مجيء التتار كان سنة 617ه .
الوقـفـة الـثـالـثة : حـكــم مــتــعــاطــيــهــــا
حكم متعاطيها : هو حكم متعاطي الخمر ، قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى [34/212] : ( وعلى من تناول القليل منها والكثير حد الشرب ثمانون سوطاً أو أربعون إذا كان مسلما يعتقد تحريم المسكر ) وهذا في الدنيا أما عقوبته في الآخرة فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة : عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له ) رواه الترمذي [1295] وابن ماجة [3381] وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم [2357] وكذلك المخدرات .
حكم المستحل : قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى : ( ومن استحل ذلك فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً لايغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين وحكم المرتد شر من حكم اليهودي والنصراني ) .
حكم المروج لها : التأديب ومعاقبته بأشد العقوبات وإذاتكر منه ترويجها فإنه يقتل لأنه من أعظم المفسدين الذين يسعون في الأرض فساداً ، راجع الخطب المنبرية للفوزان [2/111].
الـــوقــفـــة الـــرابـــعـــــة : أضـــرارهـــــــا
اعلم وفقك الله للحق أن الإسلام جاء لحفظ النفس والمال والعرض والعقل والدين ؛ يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً(29) ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً (30)} النساء ، ويقول تعالى : { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين (195) } البقرة ،
وأي ضرر أشد من تحسي هذا السم وقد ذكر العلماء في مضار المخدرات نحواً من مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية .
فمن المضار الدينية :1ـ عظم خطرها لأنها مقرونة بالأنصاب والأزلام كما في الآية، 2ـ تنزع من متعاطيها نور الإيمان عند تعاطيها ، 3ـ من مات وهو مدمن لها لقي الله كعابد وثن وقال صلى الله عليه وسلم : (( مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن )) رواه أحمد [2449] وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم [6549] والصحيحة برقم [677] ،4ـ تذهب الحياء والنخوة والغيرة ،5ـ تذهب العقل الذي يتميز به الإنسان عن الحيوان ،6ـ تعرض صاحبها للعن وذلك للحديث المتقدم ، 7ـ من أسباب دخول النار ، 8ـ يحرم على متعاطيها خمر الجنة ،9ـ تورث البغضاء والأحقاد ،10ـ تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ،11ـ سبب لقتل النفس المحرمة وتفني العمر وتبلي الشباب وتلقي إلى التهلكة ، 12ـ من أسباب عدم قبول الدعاء ،13ـ تنسي الشهادة عند الموت ، ومن المضار الدنيوية ما قاله شيخ الإسلام في الفتاوى [34/224] : ( وأين هؤلاء الضلال مما تورثه هذه الملعونة من قلة الغيرة وزوال الحمية حتى يصير آكلها إما ديوثاً وإما مأبوناً وإما كلاهما وتفسد الأمزجة حتى جعلت خلقاً كثيراً مجانين وتجعل الكبد بمنزلة السفنج ومن لم يجن منها فقد أعطته نقص العقل ولو صحا منها فإنه لا بد أن يكون في عقله خبل ) اه.
الـــوقـــفــة الـــخـــامــــســــة : حـكـــم كــســب الــمــخـــــــــدرات
يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (172) } البقرة ، فهذا أمر من الله لعباده أن يأكلوا من الطيبات وأن يتركوا المحرمات والخبائث ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع : ... منها و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه ... )) رواه الترمذي (2417) وحسنه الألباني في الصحيحة (946) فليعد كل منا للسؤال جوابا صحيحاً وأن يفكر في عاقبة أمره وأن يعلم أننا في زمنٍ قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن حلال أم من حرام )) رواه البخاري برقم [2059] عن أبي هريرة رضي الله عنه .
أخي العزيز ! فكما علمت أن المخدرات حرام فكذلك الاتجار بها بيعاً وشراءً وتهريباً وتسويقاً محرم أيضاً كحرمة تناوله ، روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه )) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم [2359] فمن هذا الحديث وغيره يتبين أن بيع المواد المحرمة حراماً وأن الكسب الذي يأتي من هذه الطريق كسب محرم يجب على المسلم أيبتعد عنه ، قال تعالى : { قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون [100] } المائدة ، واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن بائع الخمر ومبتاعها وآكل ثمنها في جملة من لعنهم فيها وقد تقدم الحديث ، وكذلك بيع المخدرات وأكل ثمنها من أعظم المحرمات وأخبث المكاسب وهي أشد من الخمر وبائعها يدخل في اللعن ، فاتق الله أخي المسلم وتذكر الوقوف بين يدي الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
الــوقـفـة الــسادسـة : الـتـعـامـل مـع أصـحــاب الـمـخــدرات
نتعامل معهم بالنصيحة والأخذ على أيديهم وذلك بمنعهم من تعاطيها وعلاجهم من الإدمان وعلى الآباء والأمهات أن يكونوا أول الناصحين ؛ لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله ، وتحذيرهم من دعاة الفساد قرناء السوء ، وبحجزهم عن الظلم إن كانوا من المروجين وعلى أهل البلد منع وحجز كل من يروج للمخدرات إن كان من أهل البلد ، ومطاردتهم إن كانوا من غير البلد وعليهم إبلاغ السلطة عنهم ، وعلى السلطة تأديبهم التأديب الرادع لهم وإقامة الحد عليهم ، حفاظاً على رعاياهم ، وأصحاب المخدرات لا يزوجون ومن زوجهم فقد غش تلكم المسكينة ، ولا يحظر ولائمهم ولا يقترض منهم إن كان مالهم من الحرام فقط ، ولا يورث منهم جزاءً وفاقاً .
الــوقــفـة الــســابــعـــة : الــتــوبــة والــــتـــخـــلـــص
قال تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } النور [31] ، ويقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحاً } التحريم [8] فهذه الآيات وأمثالها تدعوا إلى التوبة من جميع الذنوب والمعاصي سواءً من الكبائر أو من الصغائر،فعلينا بالتوبة من جميع الذنوب ومن ذلك التوبة من هذه الكبيرة التي تفسد العقل والدين وذلك بترك التعاطي لها والإقلاع عنها والتوبة وعدم الرجوع إليها ولا إلى غيرها من المسكرات والتخلص من المال الحرام ، قال الشيخ يحي الحجوري حفظه الله تعالى في رسالته شرعية طلب الحلال [ص38] ما نصه : (وعلى هذا فمن كان لديه مال حرام وجب عليه التخلص منه بدفعه إلى الفقراء والمساكين ومن في حكمهما من مصالح المسلمين وليس له في ذلك أجرٌ اللهم إلا ما أجر امتثاله ) .
مسألة : إن كان له على الناس من مال المخدرات ؟؟
يأخذه منهم لكن يتصدق به تخلصاً منه لا تقرباً به ولا يدعه عند الناس فيجتمع العوض والمعوض وإن كان للناس عليه من أثمان المخدرات فله أن يمتنع من وفائهم ويقول : أنا لا أوفيكم هذا شيءٌ حرام ولكن في هذه الحال يتصدق بقيمة ما أخذه من الناس من هذه المخدرات حتى لا يجتمع في حقه العوض والمعوض ، مقتبس من فتاوى العثيمين [28/368] .
نصيحة من ذهب : قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ( لو كان العقل يشترى لتغالى الناس في ثمنه فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده ) وصدق رحمه الله ، أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه وأن ينفع به الإسلام والمسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين .
وكتبها : أبو عبدالله أحمد بن سلمان الحساني
وقـــفـــات مــــــع أصـحـــــاب الـمــــخـــــــدرات
فائدة : قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله تعالى في الكبائر[ص86] ـ : ( فو الله ما فرح إبليس بمثل فرحه بالحشيشة لأنه زينها للأنفس الخسيسة فاستحلوها واسترخصوها ) اه
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد :
إن الحياة كما هو معلوم فيها سبل كثيرة ومغريات وفيرة والعاقل من سلك السبيل الذي ينتهي به إلى الجنة وإن كان صعبا وأن يترك السبيل الذي ينتهي به إلى النار وإن كان سهلاً ميسوراً؛وليس بخاف على المسلمين ما أصبحنا فيه من فتن عظيمة فلننتبه لأنفسنا ولنأخذ حذرنا ، ومن هذه الفتن فتنة المال ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال) رواه والترمذي عن كعب بن عياض وصححه الألباني في الصحيحة برقم [592]؛ لذلك فأعداء الإسلام يخططون بشتى الوسائل وبكل ما أوتوا من كيد ومكرٍ للإطاحة بالإسلام والمسلمين وتدمير المسلمين؛ ومن الوسائل التي أفسدوا بها الإسلام تلك السموم المسماة بالمخدرات فهم يزرعونها ويصنعونها ويصدرونها إلى بلاد المسلمين عن طريف شياطين الإنس من تجار الدمار؛ فمن أجل ذلك كان لزاما أن نقف معهم وقفات وأن نبين حالهم نصحا للأمة وتبرئة للذمة من باب النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم .
الــوقــفــــة الأولـــــى : حـــكـــم الــمـخــــدرات
الحكم فيها ما قاله الله في كتابه العزيز وهو قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) } المائدة ، قال الشيخ يحي بن علي الحجوري ـ حفظه الله تعالى في كتابه شرعية طلب الحلال [ص8] ما نصه ـ :( فهذه الآية فيها وجوب الإنتهاء عن كل ما وجد فيه هذه الأوصاف التي بين الله عز وجل أنها علة التحريم وهي : 1ـ أن الخمر رجس أي نجس نجاسة معنوية ،2ـ وأنه من عمل الشيطان يضر به العبد ويصيره مسلوب العقل سيء التصرف والفعل ،3ـ وأنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس فشاربه ربما يقتل النفس المحرمة أو يرتكب أشد الفواحش مع أمه أو أخته أو ابنته أو غيرهن من المحرمات ،4ـ وأنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة في حال سكر صاحبه ويسبب القسوة عن ذكر الله وعن طاعته وكل هذه الأضرار والمفاسد محققة في الحشيشة فهي تأخذ كل أحكام الخمر المذكورة في القرآن الكريم ) ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم برقم [2003] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة )) .
ضابط الخمر : أما ضابط الخمر فهو الإسكار فكل شيء مسكر من أي نوع كان فإنه خمر وذلك لما جاء في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال :{...والخمر ما خامر العقل ...} البخاري [4343] ومسلم [7744] قال أهل العلم ما خلط العقل أو غطاه يسمى خمراً ؛ إذن يتبين لنا من هذا أن المخدرات تدخل في ضابط الخمر وهو الإسكار فحكمها حكم الخمر أي التحريم .
الــوقـفــة الـثـانـيــة : تـأريـخ حــدوث الــمــــخــدرات
قال الشيخ الفوزان كما في تسهيل الإلمام [5/293] : ( وأشد من الخمر ما حدث بعد القرون المفضلة من المخدرات ؛ فالمخدرات لم تكن معروفة في القرون الأولى وإنما جائت مع التتار كما قال شيخ الإسلام بن تيمية : جائت لما اجتاح التتار بلاد المسلمين جاؤو معهم بالحشيشة والمخدرات ) علماً بأن مجيء التتار كان سنة 617ه .
الوقـفـة الـثـالـثة : حـكــم مــتــعــاطــيــهــــا
حكم متعاطيها : هو حكم متعاطي الخمر ، قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى [34/212] : ( وعلى من تناول القليل منها والكثير حد الشرب ثمانون سوطاً أو أربعون إذا كان مسلما يعتقد تحريم المسكر ) وهذا في الدنيا أما عقوبته في الآخرة فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة : عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له ) رواه الترمذي [1295] وابن ماجة [3381] وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم [2357] وكذلك المخدرات .
حكم المستحل : قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى : ( ومن استحل ذلك فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً لايغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين وحكم المرتد شر من حكم اليهودي والنصراني ) .
حكم المروج لها : التأديب ومعاقبته بأشد العقوبات وإذاتكر منه ترويجها فإنه يقتل لأنه من أعظم المفسدين الذين يسعون في الأرض فساداً ، راجع الخطب المنبرية للفوزان [2/111].
الـــوقــفـــة الـــرابـــعـــــة : أضـــرارهـــــــا
اعلم وفقك الله للحق أن الإسلام جاء لحفظ النفس والمال والعرض والعقل والدين ؛ يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً(29) ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً (30)} النساء ، ويقول تعالى : { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين (195) } البقرة ،
وأي ضرر أشد من تحسي هذا السم وقد ذكر العلماء في مضار المخدرات نحواً من مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية .
فمن المضار الدينية :1ـ عظم خطرها لأنها مقرونة بالأنصاب والأزلام كما في الآية، 2ـ تنزع من متعاطيها نور الإيمان عند تعاطيها ، 3ـ من مات وهو مدمن لها لقي الله كعابد وثن وقال صلى الله عليه وسلم : (( مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن )) رواه أحمد [2449] وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم [6549] والصحيحة برقم [677] ،4ـ تذهب الحياء والنخوة والغيرة ،5ـ تذهب العقل الذي يتميز به الإنسان عن الحيوان ،6ـ تعرض صاحبها للعن وذلك للحديث المتقدم ، 7ـ من أسباب دخول النار ، 8ـ يحرم على متعاطيها خمر الجنة ،9ـ تورث البغضاء والأحقاد ،10ـ تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ،11ـ سبب لقتل النفس المحرمة وتفني العمر وتبلي الشباب وتلقي إلى التهلكة ، 12ـ من أسباب عدم قبول الدعاء ،13ـ تنسي الشهادة عند الموت ، ومن المضار الدنيوية ما قاله شيخ الإسلام في الفتاوى [34/224] : ( وأين هؤلاء الضلال مما تورثه هذه الملعونة من قلة الغيرة وزوال الحمية حتى يصير آكلها إما ديوثاً وإما مأبوناً وإما كلاهما وتفسد الأمزجة حتى جعلت خلقاً كثيراً مجانين وتجعل الكبد بمنزلة السفنج ومن لم يجن منها فقد أعطته نقص العقل ولو صحا منها فإنه لا بد أن يكون في عقله خبل ) اه.
الـــوقـــفــة الـــخـــامــــســــة : حـكـــم كــســب الــمــخـــــــــدرات
يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (172) } البقرة ، فهذا أمر من الله لعباده أن يأكلوا من الطيبات وأن يتركوا المحرمات والخبائث ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع : ... منها و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه ... )) رواه الترمذي (2417) وحسنه الألباني في الصحيحة (946) فليعد كل منا للسؤال جوابا صحيحاً وأن يفكر في عاقبة أمره وأن يعلم أننا في زمنٍ قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن حلال أم من حرام )) رواه البخاري برقم [2059] عن أبي هريرة رضي الله عنه .
أخي العزيز ! فكما علمت أن المخدرات حرام فكذلك الاتجار بها بيعاً وشراءً وتهريباً وتسويقاً محرم أيضاً كحرمة تناوله ، روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه )) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم [2359] فمن هذا الحديث وغيره يتبين أن بيع المواد المحرمة حراماً وأن الكسب الذي يأتي من هذه الطريق كسب محرم يجب على المسلم أيبتعد عنه ، قال تعالى : { قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون [100] } المائدة ، واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن بائع الخمر ومبتاعها وآكل ثمنها في جملة من لعنهم فيها وقد تقدم الحديث ، وكذلك بيع المخدرات وأكل ثمنها من أعظم المحرمات وأخبث المكاسب وهي أشد من الخمر وبائعها يدخل في اللعن ، فاتق الله أخي المسلم وتذكر الوقوف بين يدي الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
الــوقـفـة الــسادسـة : الـتـعـامـل مـع أصـحــاب الـمـخــدرات
نتعامل معهم بالنصيحة والأخذ على أيديهم وذلك بمنعهم من تعاطيها وعلاجهم من الإدمان وعلى الآباء والأمهات أن يكونوا أول الناصحين ؛ لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله ، وتحذيرهم من دعاة الفساد قرناء السوء ، وبحجزهم عن الظلم إن كانوا من المروجين وعلى أهل البلد منع وحجز كل من يروج للمخدرات إن كان من أهل البلد ، ومطاردتهم إن كانوا من غير البلد وعليهم إبلاغ السلطة عنهم ، وعلى السلطة تأديبهم التأديب الرادع لهم وإقامة الحد عليهم ، حفاظاً على رعاياهم ، وأصحاب المخدرات لا يزوجون ومن زوجهم فقد غش تلكم المسكينة ، ولا يحظر ولائمهم ولا يقترض منهم إن كان مالهم من الحرام فقط ، ولا يورث منهم جزاءً وفاقاً .
الــوقــفـة الــســابــعـــة : الــتــوبــة والــــتـــخـــلـــص
قال تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } النور [31] ، ويقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحاً } التحريم [8] فهذه الآيات وأمثالها تدعوا إلى التوبة من جميع الذنوب والمعاصي سواءً من الكبائر أو من الصغائر،فعلينا بالتوبة من جميع الذنوب ومن ذلك التوبة من هذه الكبيرة التي تفسد العقل والدين وذلك بترك التعاطي لها والإقلاع عنها والتوبة وعدم الرجوع إليها ولا إلى غيرها من المسكرات والتخلص من المال الحرام ، قال الشيخ يحي الحجوري حفظه الله تعالى في رسالته شرعية طلب الحلال [ص38] ما نصه : (وعلى هذا فمن كان لديه مال حرام وجب عليه التخلص منه بدفعه إلى الفقراء والمساكين ومن في حكمهما من مصالح المسلمين وليس له في ذلك أجرٌ اللهم إلا ما أجر امتثاله ) .
مسألة : إن كان له على الناس من مال المخدرات ؟؟
يأخذه منهم لكن يتصدق به تخلصاً منه لا تقرباً به ولا يدعه عند الناس فيجتمع العوض والمعوض وإن كان للناس عليه من أثمان المخدرات فله أن يمتنع من وفائهم ويقول : أنا لا أوفيكم هذا شيءٌ حرام ولكن في هذه الحال يتصدق بقيمة ما أخذه من الناس من هذه المخدرات حتى لا يجتمع في حقه العوض والمعوض ، مقتبس من فتاوى العثيمين [28/368] .
نصيحة من ذهب : قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ( لو كان العقل يشترى لتغالى الناس في ثمنه فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده ) وصدق رحمه الله ، أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه وأن ينفع به الإسلام والمسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين .
وكتبها : أبو عبدالله أحمد بن سلمان الحساني