الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه امابعد: فان الاجماع دليل وحجة فينبغي للجميع ان يفهم هذا الدليل فهما جليا؛ولذا احببنا ان نختصره في سطور يسيرة فنقول مستعينين بالله:
في تعريف الإجـماع
*
الإجماع لغة: هو العزم، يقال: أجمع فلان على كذا، إذا عزم عليه، وقد يتعدى بدون حرف الجر،فيقال: أجمع فلان كذا، بمعنى عزم، ومنه قوله تعالى: ﴿ فاجمعوا أمركم ﴾ أي: أعزموا،
وقوله -: (( لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل )).
ويأتي بمعنى الاتفاق، يقال: أجمع القوم على كذا، أي: اتفقوا عليه.
*
وأما اصطلاحاً: فهو اتفاق المجتهدين، من أمة محمد على أمرٍ من الأمور في عصر غير عصر الرسول صلى الله عليه وسلم
*
شرح التعريف :
1 –* الإتفاق: هو الاشتراك في الاعتقاد، أو القول، أو الفعل.
*
2 –* المجتهدون: قيد يخرج به اتفاق غيرهم من العوام، فلا عبرة به، ولا بوفاقهم ولا بخلافهم.
والمجتهد من بلغ رتبة الاجتهاد، بشروطه وضوابطه المعروفة.
*
والألف واللام في المجتهدين للاستغراق، فيجب اتفاق جميع المجتهدين، ولا ينعقد الإجماع مع خلاف بعضهم، ولو كان المخالف واحداً.
*
3 –* من أمة محمد : هذا قيد يخرج من كفرناه ببدعته فإنا نلحقه بالمجتهدين من غير المسلمين، ولا عبرة بوفاقه ولا بخلافه.
*
4 –* على أمر من الأمور: سواء أكان هذا الأمر شرعياً، كحل البيع، وحرمة الربا، أم لغوياً ككون الفاء للتعقيب، أم عقلياً، كحدوث العالم، أم دنيوياً، كآراء المجتهدين في تدبير أمور الحرب .
*
وقيل: يختص الإجماع بالأمور الشرعية، واللغوية، دون العقلية والدنيوية.
*
5 –* في عصر غير عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا القيد لإخراج الإجماع في عصره ، فإنه لا ينعقد ، لأن المجتهدين لو فرض أنهم اجتمعوا إليه ، فلابد أن يكون فيهم رسول الله - ، فإن وافقهم على ما ذهبوا إليه ، فالقول قوله ، ويكون هو الحجة ، لا إجماعهم ، وإن خالفهم فالعبرة بقوله : ولا عبرة بخلافهم ولذلك لا يتصور الإجماع في عصره
*
وأما بعد عصره، فالعصور جميعاً سواء في إمكانية الإجماع وحجيته، لا فرق بين عصر الصحابة وعصر غيرهم من الناس.
*
*
في إمكـانيـتهِ وَحجيتـهِ
*
1 –* إمكانية الإجماع:
الإجماع ممكن في نفسه، وليس في العقل ما يمنع من وقوعه أو يحيله، ولا عبرة بمخالفة النظَّام في إمكان انعقاده عادة .
*
ويمكن أن يتصور ذلك في كل عصر ، بأن يرسل الخليفة إلى المجتهدين في عصره ، ويجمعهم في مكان واحد ، ويعرض عليهم الوقائع والحوادث ، ليدلوا فيها باجتهاداتهم ،وقد تتفق كلمتهم على الحكم ، فيكون الإجماع .
*
وإذا تصور على هذه الحالة سهل طريق العلم به ، وإلا فيعرف عن طريق النقل عن جملة المجتهدين ، بأن ينقل عن كل واحدٍ منهم بأنه أفتى في المسألة الفلانية بكذا ، وهم في عصر واحد ، وهذا هو غالب المسائل التي ينقل فيها الإجماع ، والتي صنفت فيها الكتب المستقلة .
*
2 –* حجية الإجماع:
الإجماع هو المصدر الرئيسي الثالث من مصادر التشريع المتفق عليها عند المسلمين، بعد كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو حصن هذا الدين الحصين
*
3 –* دليل حجية الإجماع :
*لقد استدل الأصوليين على حجية الإجماع بأدلة كثيرة من كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأكتفي بذكر أهمها.
فمن الكتاب قوله تعالى : ﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين* نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا﴾.
*
فتواعد الله تعالى على مخالفة سبيل المؤمنين، فدلَّ على وجوب إتباع سبيلهم، وحرمة مخالفته ، وسبيل المؤمنين هو ما أجمعوا عليه والتزموه .
*
وأما من السنة فما تظاهر من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن هذه الأمة لا تجتمع على الضلالة والخطأ، فمن ذلك:
ما رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وأبو داود ، والدار قطني ، والحاكم ، والحافظ الضياء في المختار ، من قوله : (( لا تجتمع أمتي على ضلالة )) وفي رواية *(( على خطأ )) .
*
وما رواه احمد ، والبزار ، الطيالسي ، والطبراني ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، من قوله :
*(( من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية )).
وما رواه الترمذي في النهي عن الشذوذ من قوله -:(( من شذَّ ، شذَّ في النار)).
وما رواه ابن ماجه وأحمد من قوله -: (( عليكم بالسواد الأعظم )) .
*
وغير ذلك من الأحاديث الصريحة الصحيحة التي لا داعي للإطالة بذكرها، والدالة على صحة الإجماع، ووجوب إتباع ما اتفقت عليه الأمة، والتحذير من الشذوذ عنها، والفرار منها.
*
4 –* القطعية والظنية في حجية الإجماع :
ذكرنا أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل بها، ثم عرفنا دليل الحجية، وبقي أن نعرف هل حجية الإجماع قطعية أم ظنية ؟
*
الصحيح الذي عليه الجمهور أن حجية الإجماع قطعية، كحجية الكتاب والسنة، تثبت به الأحكام شرعاً على سبيل اليقين، ويقدم على غيره من الأدلة الظنية إن عارضته.
*
وسواء في ذلك الإجماع الذي بلغ عدد المجمعين فيه عدد التواتر، والإجماع الذي لم يبلغ عدد المجمعين فيه هذا المبلغ ، لأن الدليل الدال على حجية الإجماع لم يقيده بعدد التواتر .
*
والدليل على القطعية في حجيته أن العلماء المعتبرين، والأئمة المجتهدين قد اتفقوا على القطع بتخطئة مخالف الإجماع، ويستحيل في العادة أن يجتمع مثل هذا العدد من الأئمة المجتهدين والمعتبرين على أمر شرعي من غير دليل قاطع فيه، ولذلك وجب بحكم العادة وجود نص قاطع يدل على القطع بتخطئة المخالف للإجماع.
*
*
وهذا القطع إنما هو في الإجماع القولي ، وأما الإجماع السكوتي ، والإجماع الذي ندر به المخالف – على القول بحجيتهما – فإنما هي حجة ظنية ، لوقوع الخلاف فيها .
*
5 – طرق ثبوت الإجماع :
إن الطريق إلى إثبات الإجماع، كالطريق إلى إثبات السنة، فكما أن السنة تثبت بالتواتر والآحاد، كذلك الإجماع يثبت بالنقل المتواتر والآحاد.
*
أما الإجماع الذي نقل إلينا نقلاً متواترا، فلا خلاف في حجيته وثبوته، والخلاف فيما نقل آحادا *والصحيح المعول عليه أن الإجماع يثبت بنقل الواحد العدل ، لأنه من المسائل الشرعية ، وطريق ثبوته طريق ثبوتها ، فكما أن الأخبار والفروع تثبت بنقل الواحد المفيد لغلبة الظن كذلك الإجماع يثبت به .
*
في شــروط الإجماع
*
*
1 –* أن يكون المجمعون من المجتهدين، فلا عبرة بوفاق العوام ولا بخلافهم.
2 –* أن يكون المجمعون من المسلمين .
3 –* أن يكون الإجماع بعد عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم
4 –* اتفاق جميع المجتهدين
*
وهذا شرط معتبر في صحة الإجماع فلو لم يتفق جميع المجتهدين بأن خالف بعضهم في الحكم الذي يراد الإجماع عليه، لم ينعقد الإجماع على الصحيح عند الجمهور، وسواء في ذلك أندر المخالف كالواحد أو كثر، وسواء في ذلك ما كان في أصول الدين أو فروعه .
فإذا انخرم الإجماع ولم ينعقد للمخالفة المذكورة ، لا يكون حجة ، ولو كان الأكثرون على القول به .
*
هل ينعقد الإجماع بالواحد؟
وبناء على ما ذكرناه من ضرورة اتفاق جميع المجتهدين نعلم أنه لو لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد، لم ينعقد الإجماع بقوله، وأقل ما يقع به الاتفاق من مجتهد الأمة اثنان فما فوق، وذلك لأن النصوص الواردة في حجية الإجماع إنما هي في الأمة وليست في الواحد، أما الواحد فلا يعصم عن الخطأ.
*
وهل يشترط في المجمعين حتى يحتج بإجماعهم أن يبلغوا عدد التواتر ؟
الصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يشترط ذلك حيث لم تتعرض له النصوص، ونحن إنما نحتاج إلى التواتر للقطع بصحة الخبر، وما هنا ليس كذلك ، إذ ليس فيه إخبار عن أمر، وإنما هو اتفاق على حكم شرعي لا يحتاج في صحته إلى عدد التواتر .
*
فائدة مهمة:
والمراد بالمجتهدين الذين يجب اتفاقهم، من كان موجوداً وقت وقوع الحادثة، أو طرح المسألة، ولا عبرة بمن سيوجد في المستقبل من المجتهدين، بل عليهم إن وجدوا الإتباع، ولو شرطنا اعتبار من سيوجد من المجتهدين في الأمة لما انعقد إجماع قط.
*
مستند الإجماع
*لابد لكل إجماع من مستند شرعي يستند إليه، وذلك لأن الفتوى بدون مستند شرعي خطأ، والأمة معصومة عنه.
وما قيل من أن الله قد يلهم الأمة الاتفاق على الصواب، ولا حاجة إلى مستند، إنما هو كلام ساقط، لا يعول عليه، ولا يلتفت إليه.
وهذا المستند قد يكون نصاً صحيحاً صريحاً من الكتاب أو السنة، وقد يكون ظاهرا.
وقد ينقل مع الإجماع ، فنطلع عليه ، وقد لا ينقل ، ويكتفي عنه بالإجماع .
*
وهل يجوز أن ينعقد الإجماع عن قياس؟
الصحيح عند الجمهور أنه يصح أن يكون عن قياس، وأنه واقع فعلا، وذلك كالإجماع على تحريم شحم الخنزير قياساً على لحمه، والإجماع على إراقة الزيت ونحوه، ذا ماتت فيه الفأرة قياسا على السمن.
والإجماع على إمامة أبي بكر الصديق قياساً على تقديمه في الصلاة .
والإجماع على قتال مانعي الزكاة قياسا على الصلاة .
والإجماع على تقويم الأَمة في العتق قياساً على العبد ..
*وغير ذلك من المسائل التي أجمعت عليها الأمة ، وكان مستند إجماعها القياس .
*
هل انقراض العصر شرط في الإجماع؟
بناء على ما ذكرناه من اشتراط اتفاق جميع المجتهدين حتى يصح الإجماع، هل يشترط أن يموتوا جميعا ليستقر الإجماع الذي انعقد بوفاقهم ؟
*
الصحيح أنه لا يشترط موتهم جميعا لانعقاده واستقراره، كمالا يشترط موت غالبهم، وذلك لأن الدليل الدال على حجية الإجماع لم يشترط أكثر من اتفاقهم على الحكم، والقول باشتراط موتهم لا دليل عليه، إلا أنه إذا كان الإجماع ظنياً كالإجماع السكوتي* لا بد من استمرار مدة من الزمان – يرجع في مقدارها إلى العرف – يعرف من خلالها استقرار الإجماع وثباته، لاحتمال أن يبوح أحد المجتهدين بما يخالف ما فهم من الإجماع في حالة سكوتهم
ولا يشترط فيه موتهم، أو موت أغلبهم، على الصحيح، كما لا يشترط هذا التمادي من الزمان في صحة الإجماع
ونضيف الى ماسبق مايلي:
تعريف الإجماع السكوتي
قال الشوكاني "وهو أن يقول بعض أهل الاجتهاد بقول وينتشر ذلك في المجتهدين من أهل ذلك العصر فيسكتون ولا يظهر منهم اعتراف ولا إنكار.
وهل الإجماع السكوتي حجة ؟
اتفق العلماء على أن الإجماع حجة باتفاق المسلمين ولكن* اختلفوا على نوع واحد من الإجماع وهو الإجماع السكوتي.
اختلفوا على أقوال منها:
القول لأول : أنه ليس بإجماع ولا حجة ،قال الآمدي :إنه نص الشافعي في الجديد وقال الجويني إنه ظاهر مذهبه.
والقول الثاني : أنه إجماع وحجة وبه قال جماعة من الشافعية وجماعة من أهل الأصول وروي نحوه عن الشافعي قال الأستاذ أبو إسحق : اختلف أصحابنا في تسميته إجماعا مع اتفاقهم على وجوب العلم به وقال أبو حامد الإسفرائيني هو حجة مقطوع بها وفي تسميته إجماعا من الشافعية قولان : أحدهما المنع وإنما هو حجة كالخبر والثاني يسمى إجماعا
القول الثالث : أنه حجة وليس بإجماع قاله أبو هاشم ،وهو أحد الوجهين عند الشافعي كما سلف وبه قال الصيرفي واختاره الآمدي.
القول الرابع : أنه إجماع بشرط انقراض العصر لأنه يبعد مع ذلك أن يكون السكوت لا عن رضا .وبه قال أحمد في رواية عنه ونقله ابن فورك عن أكثر أصحاب الشافعي ونقله الأستاذ أبو طاهر البغدادي عن الحذاق منهم .وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع: إنه المذهب قال : فأما قبل الانقراض ففيه طريقان إحداهما أنه ليس بحجة قطعا والثانية على وجهين.
القول الخامس : أنه إجماع إن كان فتيا لا حكما وبه قال ابن أبي هريرة ،ونقل ابن السمعاني عن ابن أبي هريرة أنه احتج لقوله هذا بقوله "أنا نحضر مجلس بعض الحكام ونراهم يقضون بخلاف مذهبنا ولا ننكر ذلك عليهم فلا يكون سكوتنا رضا منا بذلك.
القول السادس : أنه إجماع إن كان صادرا عن فتيا قاله أبو إسحاق المروزي وعلل ذلك بأن الأغلب أن الصادر من الحاكم يكون عن مشاورة
القول السابع : إن كان في عصر الصحابة كان إجماعا وإلا فلا. قال الماوردي في الحاوي "إن كان عصر الصحابة فإذا قال الواحد منهم قولا أو حكم به فأمسك الباقون فهذا ضربان :
أحدهما: مما يفوت استدراكه كإراقة دم واستباحة فرج فيكون إجماعا لأنهم لو اعتقدوا خلافه لأنكروه إذ لا يصح منهم أن يتفقوا على ترك إنكار منكر، وإن كان مما لا يفوت استدراكه كان حجة لأن الحق لا يخرج عن غيرهم وفي كونه إجماعا يمنع الاجتهاد وجهان لأصحابنا : أحدهما يكون إجماعا لا يسوغ معه الاجتهاد
والثاني: لا يكون إجماعا سواء كان القول فتيا أو حكما
القول الثامن : أنه إجماع بشرط إفادة القرائن العلم بالرضا وذلك بأن يوجد من قرائن الأحوال ما يدل على رضا الساكتين بذلك القول واختار هذا الغزالي في المستصفى ؛وقال بعض المتأخرين: إنه أحق الأقوال لأن إفادة القرائن العلم بالرضا كإفادة النطق له فيصير كالإجماع القطعي وهذا الأخير الذي يطمئن إليه النفس والقول السابع قول قوي .
مثال للإجماع السكوتي
أبوالدرداء وأبوطلحة وأبو هريرة وابن عباس وابن عمر وحذيفة كانوا يصومون تطوعاً ثم أحياناً يقطعون ذلك من غير نكير من بقية الصحابة، فصار ذلك بمثابة الإجماع السكوتي على أن النفل لا يلزم بالشروع فيه، ومع كثرة قطع صوم النفل في عهدهم لم ينقل عنهم إنكار ذلك مما يدل على اتفاقهم على جواز قطعه لأنه نفل فيقاس عليه كل نفل .
هل نفي الخلاف يعد إجماعا:
الجواب اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال هي على النحو الآتي:
القول الأول: إنَّ نفي الخلاف لا يُعد إجماعاً.
وهذا ما ذهب إليه ابن حزم في قوله: "واعلموا أنّ الذي يدعي ويقطع بدعوى الإجماع في مثل هذا أي في المسائل المنفي فيها الخلاف، فإنَّه من أجهل الناس بأقوال الناس واختلافهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل فظهر كذب من ادعى أنَّ ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع"
.** الإحكام لابن حزم (4/590
وقال أيضاً: "وقد أدخل قوم في الإجماع ما ليس فيه... وقوم عدوا مالا يعرفون فيه خلافاً إجماعاً " مراتب الإجماع لابن حزم
وأنكر تسميته إجماعاً ابن القيم عند كلامه عن أصول مذهب الإمام أحمد في قوله: "ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملاً ولا رأياً... ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً"
إعلام الموقعين (1/30).
القول الثاني: إنَّ نفي الخلاف يُعد إجماعاً، وعلى هذا فهما من باب المترادفات.
وهذا الرأي عزاه ابن حزم إلى قوم في قوله: "وزعم قوم أنَّ العالم إذا قال: لا أعلم خلافاً، فهو إجماع" ينظر: الإحكام لابن حزم (4/590
وعزاه الزركشي إلى الماوردي أنه قال: "إذا قال: لا أعرف بينهم خلافاً، إن كان من أهل الاجتهاد، فاختلف أصحابنا، فأثبت الإجماع به قوم، ونفاه آخرون البحر المحيط 4/518
وقال ابن تيمية: "إنَّ الإجماع المدعى في الغالب هو عدم العلم بالمخالف"مجموع فتاوى ابن تيمية (20/247)،
القول الثالث: إن العالم إذا كان محيطاً بالإجماع والخلاف فيكون نفي الخلاف منه إجماعاً، وإلا فلا.
وهذا ما أشار إليه الصيرفي في قوله: "وإنما يسوغ هذا القول، أي اعتبار نفي الخلاف إجماعاً، لمن بحث البحث الشديد وعلم أصول العلم، وحمله، فإذا علم على هذا الوجه لم يجز الخروج منه" البحر المحيط (4/517
وعبارته تفيد أن نفي الخلاف يعد إجماعاً إذا توفر فيه أمران:
***** 1_ أن يكون بعد البحث الشديد في المسألة، وهذا منه إشارة إلى ضرورة الإحاطة بالإجماع والخلاف، لأن من ثمرات البحث الشديد الإحاطة.
**** 2_ أن يكون لـه معرفة بأصول العلم، وهذا القيد يغني عنه محل النزاع في المسألة، إذ لا يتصور في العالم الذي بلغ رتبة الاجتهاد أن لا يكون لـه معرفة بأصول العلم وهذا راي سديد وقول جيد.
والله أعلم وسبحانك اللهم بحمدك لاإله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
أعد وجمع ورتب أخوكم :يونس العدني أبومقبل غفرالله له ولكم
*
*
في تعريف الإجـماع
*
الإجماع لغة: هو العزم، يقال: أجمع فلان على كذا، إذا عزم عليه، وقد يتعدى بدون حرف الجر،فيقال: أجمع فلان كذا، بمعنى عزم، ومنه قوله تعالى: ﴿ فاجمعوا أمركم ﴾ أي: أعزموا،
وقوله -: (( لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل )).
ويأتي بمعنى الاتفاق، يقال: أجمع القوم على كذا، أي: اتفقوا عليه.
*
وأما اصطلاحاً: فهو اتفاق المجتهدين، من أمة محمد على أمرٍ من الأمور في عصر غير عصر الرسول صلى الله عليه وسلم
*
شرح التعريف :
1 –* الإتفاق: هو الاشتراك في الاعتقاد، أو القول، أو الفعل.
*
2 –* المجتهدون: قيد يخرج به اتفاق غيرهم من العوام، فلا عبرة به، ولا بوفاقهم ولا بخلافهم.
والمجتهد من بلغ رتبة الاجتهاد، بشروطه وضوابطه المعروفة.
*
والألف واللام في المجتهدين للاستغراق، فيجب اتفاق جميع المجتهدين، ولا ينعقد الإجماع مع خلاف بعضهم، ولو كان المخالف واحداً.
*
3 –* من أمة محمد : هذا قيد يخرج من كفرناه ببدعته فإنا نلحقه بالمجتهدين من غير المسلمين، ولا عبرة بوفاقه ولا بخلافه.
*
4 –* على أمر من الأمور: سواء أكان هذا الأمر شرعياً، كحل البيع، وحرمة الربا، أم لغوياً ككون الفاء للتعقيب، أم عقلياً، كحدوث العالم، أم دنيوياً، كآراء المجتهدين في تدبير أمور الحرب .
*
وقيل: يختص الإجماع بالأمور الشرعية، واللغوية، دون العقلية والدنيوية.
*
5 –* في عصر غير عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا القيد لإخراج الإجماع في عصره ، فإنه لا ينعقد ، لأن المجتهدين لو فرض أنهم اجتمعوا إليه ، فلابد أن يكون فيهم رسول الله - ، فإن وافقهم على ما ذهبوا إليه ، فالقول قوله ، ويكون هو الحجة ، لا إجماعهم ، وإن خالفهم فالعبرة بقوله : ولا عبرة بخلافهم ولذلك لا يتصور الإجماع في عصره
*
وأما بعد عصره، فالعصور جميعاً سواء في إمكانية الإجماع وحجيته، لا فرق بين عصر الصحابة وعصر غيرهم من الناس.
*
*
في إمكـانيـتهِ وَحجيتـهِ
*
1 –* إمكانية الإجماع:
الإجماع ممكن في نفسه، وليس في العقل ما يمنع من وقوعه أو يحيله، ولا عبرة بمخالفة النظَّام في إمكان انعقاده عادة .
*
ويمكن أن يتصور ذلك في كل عصر ، بأن يرسل الخليفة إلى المجتهدين في عصره ، ويجمعهم في مكان واحد ، ويعرض عليهم الوقائع والحوادث ، ليدلوا فيها باجتهاداتهم ،وقد تتفق كلمتهم على الحكم ، فيكون الإجماع .
*
وإذا تصور على هذه الحالة سهل طريق العلم به ، وإلا فيعرف عن طريق النقل عن جملة المجتهدين ، بأن ينقل عن كل واحدٍ منهم بأنه أفتى في المسألة الفلانية بكذا ، وهم في عصر واحد ، وهذا هو غالب المسائل التي ينقل فيها الإجماع ، والتي صنفت فيها الكتب المستقلة .
*
2 –* حجية الإجماع:
الإجماع هو المصدر الرئيسي الثالث من مصادر التشريع المتفق عليها عند المسلمين، بعد كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو حصن هذا الدين الحصين
*
3 –* دليل حجية الإجماع :
*لقد استدل الأصوليين على حجية الإجماع بأدلة كثيرة من كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأكتفي بذكر أهمها.
فمن الكتاب قوله تعالى : ﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين* نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا﴾.
*
فتواعد الله تعالى على مخالفة سبيل المؤمنين، فدلَّ على وجوب إتباع سبيلهم، وحرمة مخالفته ، وسبيل المؤمنين هو ما أجمعوا عليه والتزموه .
*
وأما من السنة فما تظاهر من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن هذه الأمة لا تجتمع على الضلالة والخطأ، فمن ذلك:
ما رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وأبو داود ، والدار قطني ، والحاكم ، والحافظ الضياء في المختار ، من قوله : (( لا تجتمع أمتي على ضلالة )) وفي رواية *(( على خطأ )) .
*
وما رواه احمد ، والبزار ، الطيالسي ، والطبراني ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، من قوله :
*(( من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية )).
وما رواه الترمذي في النهي عن الشذوذ من قوله -:(( من شذَّ ، شذَّ في النار)).
وما رواه ابن ماجه وأحمد من قوله -: (( عليكم بالسواد الأعظم )) .
*
وغير ذلك من الأحاديث الصريحة الصحيحة التي لا داعي للإطالة بذكرها، والدالة على صحة الإجماع، ووجوب إتباع ما اتفقت عليه الأمة، والتحذير من الشذوذ عنها، والفرار منها.
*
4 –* القطعية والظنية في حجية الإجماع :
ذكرنا أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل بها، ثم عرفنا دليل الحجية، وبقي أن نعرف هل حجية الإجماع قطعية أم ظنية ؟
*
الصحيح الذي عليه الجمهور أن حجية الإجماع قطعية، كحجية الكتاب والسنة، تثبت به الأحكام شرعاً على سبيل اليقين، ويقدم على غيره من الأدلة الظنية إن عارضته.
*
وسواء في ذلك الإجماع الذي بلغ عدد المجمعين فيه عدد التواتر، والإجماع الذي لم يبلغ عدد المجمعين فيه هذا المبلغ ، لأن الدليل الدال على حجية الإجماع لم يقيده بعدد التواتر .
*
والدليل على القطعية في حجيته أن العلماء المعتبرين، والأئمة المجتهدين قد اتفقوا على القطع بتخطئة مخالف الإجماع، ويستحيل في العادة أن يجتمع مثل هذا العدد من الأئمة المجتهدين والمعتبرين على أمر شرعي من غير دليل قاطع فيه، ولذلك وجب بحكم العادة وجود نص قاطع يدل على القطع بتخطئة المخالف للإجماع.
*
*
وهذا القطع إنما هو في الإجماع القولي ، وأما الإجماع السكوتي ، والإجماع الذي ندر به المخالف – على القول بحجيتهما – فإنما هي حجة ظنية ، لوقوع الخلاف فيها .
*
5 – طرق ثبوت الإجماع :
إن الطريق إلى إثبات الإجماع، كالطريق إلى إثبات السنة، فكما أن السنة تثبت بالتواتر والآحاد، كذلك الإجماع يثبت بالنقل المتواتر والآحاد.
*
أما الإجماع الذي نقل إلينا نقلاً متواترا، فلا خلاف في حجيته وثبوته، والخلاف فيما نقل آحادا *والصحيح المعول عليه أن الإجماع يثبت بنقل الواحد العدل ، لأنه من المسائل الشرعية ، وطريق ثبوته طريق ثبوتها ، فكما أن الأخبار والفروع تثبت بنقل الواحد المفيد لغلبة الظن كذلك الإجماع يثبت به .
*
في شــروط الإجماع
*
*
1 –* أن يكون المجمعون من المجتهدين، فلا عبرة بوفاق العوام ولا بخلافهم.
2 –* أن يكون المجمعون من المسلمين .
3 –* أن يكون الإجماع بعد عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم
4 –* اتفاق جميع المجتهدين
*
وهذا شرط معتبر في صحة الإجماع فلو لم يتفق جميع المجتهدين بأن خالف بعضهم في الحكم الذي يراد الإجماع عليه، لم ينعقد الإجماع على الصحيح عند الجمهور، وسواء في ذلك أندر المخالف كالواحد أو كثر، وسواء في ذلك ما كان في أصول الدين أو فروعه .
فإذا انخرم الإجماع ولم ينعقد للمخالفة المذكورة ، لا يكون حجة ، ولو كان الأكثرون على القول به .
*
هل ينعقد الإجماع بالواحد؟
وبناء على ما ذكرناه من ضرورة اتفاق جميع المجتهدين نعلم أنه لو لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد، لم ينعقد الإجماع بقوله، وأقل ما يقع به الاتفاق من مجتهد الأمة اثنان فما فوق، وذلك لأن النصوص الواردة في حجية الإجماع إنما هي في الأمة وليست في الواحد، أما الواحد فلا يعصم عن الخطأ.
*
وهل يشترط في المجمعين حتى يحتج بإجماعهم أن يبلغوا عدد التواتر ؟
الصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يشترط ذلك حيث لم تتعرض له النصوص، ونحن إنما نحتاج إلى التواتر للقطع بصحة الخبر، وما هنا ليس كذلك ، إذ ليس فيه إخبار عن أمر، وإنما هو اتفاق على حكم شرعي لا يحتاج في صحته إلى عدد التواتر .
*
فائدة مهمة:
والمراد بالمجتهدين الذين يجب اتفاقهم، من كان موجوداً وقت وقوع الحادثة، أو طرح المسألة، ولا عبرة بمن سيوجد في المستقبل من المجتهدين، بل عليهم إن وجدوا الإتباع، ولو شرطنا اعتبار من سيوجد من المجتهدين في الأمة لما انعقد إجماع قط.
*
مستند الإجماع
*لابد لكل إجماع من مستند شرعي يستند إليه، وذلك لأن الفتوى بدون مستند شرعي خطأ، والأمة معصومة عنه.
وما قيل من أن الله قد يلهم الأمة الاتفاق على الصواب، ولا حاجة إلى مستند، إنما هو كلام ساقط، لا يعول عليه، ولا يلتفت إليه.
وهذا المستند قد يكون نصاً صحيحاً صريحاً من الكتاب أو السنة، وقد يكون ظاهرا.
وقد ينقل مع الإجماع ، فنطلع عليه ، وقد لا ينقل ، ويكتفي عنه بالإجماع .
*
وهل يجوز أن ينعقد الإجماع عن قياس؟
الصحيح عند الجمهور أنه يصح أن يكون عن قياس، وأنه واقع فعلا، وذلك كالإجماع على تحريم شحم الخنزير قياساً على لحمه، والإجماع على إراقة الزيت ونحوه، ذا ماتت فيه الفأرة قياسا على السمن.
والإجماع على إمامة أبي بكر الصديق قياساً على تقديمه في الصلاة .
والإجماع على قتال مانعي الزكاة قياسا على الصلاة .
والإجماع على تقويم الأَمة في العتق قياساً على العبد ..
*وغير ذلك من المسائل التي أجمعت عليها الأمة ، وكان مستند إجماعها القياس .
*
هل انقراض العصر شرط في الإجماع؟
بناء على ما ذكرناه من اشتراط اتفاق جميع المجتهدين حتى يصح الإجماع، هل يشترط أن يموتوا جميعا ليستقر الإجماع الذي انعقد بوفاقهم ؟
*
الصحيح أنه لا يشترط موتهم جميعا لانعقاده واستقراره، كمالا يشترط موت غالبهم، وذلك لأن الدليل الدال على حجية الإجماع لم يشترط أكثر من اتفاقهم على الحكم، والقول باشتراط موتهم لا دليل عليه، إلا أنه إذا كان الإجماع ظنياً كالإجماع السكوتي* لا بد من استمرار مدة من الزمان – يرجع في مقدارها إلى العرف – يعرف من خلالها استقرار الإجماع وثباته، لاحتمال أن يبوح أحد المجتهدين بما يخالف ما فهم من الإجماع في حالة سكوتهم
ولا يشترط فيه موتهم، أو موت أغلبهم، على الصحيح، كما لا يشترط هذا التمادي من الزمان في صحة الإجماع
ونضيف الى ماسبق مايلي:
تعريف الإجماع السكوتي
قال الشوكاني "وهو أن يقول بعض أهل الاجتهاد بقول وينتشر ذلك في المجتهدين من أهل ذلك العصر فيسكتون ولا يظهر منهم اعتراف ولا إنكار.
وهل الإجماع السكوتي حجة ؟
اتفق العلماء على أن الإجماع حجة باتفاق المسلمين ولكن* اختلفوا على نوع واحد من الإجماع وهو الإجماع السكوتي.
اختلفوا على أقوال منها:
القول لأول : أنه ليس بإجماع ولا حجة ،قال الآمدي :إنه نص الشافعي في الجديد وقال الجويني إنه ظاهر مذهبه.
والقول الثاني : أنه إجماع وحجة وبه قال جماعة من الشافعية وجماعة من أهل الأصول وروي نحوه عن الشافعي قال الأستاذ أبو إسحق : اختلف أصحابنا في تسميته إجماعا مع اتفاقهم على وجوب العلم به وقال أبو حامد الإسفرائيني هو حجة مقطوع بها وفي تسميته إجماعا من الشافعية قولان : أحدهما المنع وإنما هو حجة كالخبر والثاني يسمى إجماعا
القول الثالث : أنه حجة وليس بإجماع قاله أبو هاشم ،وهو أحد الوجهين عند الشافعي كما سلف وبه قال الصيرفي واختاره الآمدي.
القول الرابع : أنه إجماع بشرط انقراض العصر لأنه يبعد مع ذلك أن يكون السكوت لا عن رضا .وبه قال أحمد في رواية عنه ونقله ابن فورك عن أكثر أصحاب الشافعي ونقله الأستاذ أبو طاهر البغدادي عن الحذاق منهم .وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع: إنه المذهب قال : فأما قبل الانقراض ففيه طريقان إحداهما أنه ليس بحجة قطعا والثانية على وجهين.
القول الخامس : أنه إجماع إن كان فتيا لا حكما وبه قال ابن أبي هريرة ،ونقل ابن السمعاني عن ابن أبي هريرة أنه احتج لقوله هذا بقوله "أنا نحضر مجلس بعض الحكام ونراهم يقضون بخلاف مذهبنا ولا ننكر ذلك عليهم فلا يكون سكوتنا رضا منا بذلك.
القول السادس : أنه إجماع إن كان صادرا عن فتيا قاله أبو إسحاق المروزي وعلل ذلك بأن الأغلب أن الصادر من الحاكم يكون عن مشاورة
القول السابع : إن كان في عصر الصحابة كان إجماعا وإلا فلا. قال الماوردي في الحاوي "إن كان عصر الصحابة فإذا قال الواحد منهم قولا أو حكم به فأمسك الباقون فهذا ضربان :
أحدهما: مما يفوت استدراكه كإراقة دم واستباحة فرج فيكون إجماعا لأنهم لو اعتقدوا خلافه لأنكروه إذ لا يصح منهم أن يتفقوا على ترك إنكار منكر، وإن كان مما لا يفوت استدراكه كان حجة لأن الحق لا يخرج عن غيرهم وفي كونه إجماعا يمنع الاجتهاد وجهان لأصحابنا : أحدهما يكون إجماعا لا يسوغ معه الاجتهاد
والثاني: لا يكون إجماعا سواء كان القول فتيا أو حكما
القول الثامن : أنه إجماع بشرط إفادة القرائن العلم بالرضا وذلك بأن يوجد من قرائن الأحوال ما يدل على رضا الساكتين بذلك القول واختار هذا الغزالي في المستصفى ؛وقال بعض المتأخرين: إنه أحق الأقوال لأن إفادة القرائن العلم بالرضا كإفادة النطق له فيصير كالإجماع القطعي وهذا الأخير الذي يطمئن إليه النفس والقول السابع قول قوي .
مثال للإجماع السكوتي
أبوالدرداء وأبوطلحة وأبو هريرة وابن عباس وابن عمر وحذيفة كانوا يصومون تطوعاً ثم أحياناً يقطعون ذلك من غير نكير من بقية الصحابة، فصار ذلك بمثابة الإجماع السكوتي على أن النفل لا يلزم بالشروع فيه، ومع كثرة قطع صوم النفل في عهدهم لم ينقل عنهم إنكار ذلك مما يدل على اتفاقهم على جواز قطعه لأنه نفل فيقاس عليه كل نفل .
هل نفي الخلاف يعد إجماعا:
الجواب اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال هي على النحو الآتي:
القول الأول: إنَّ نفي الخلاف لا يُعد إجماعاً.
وهذا ما ذهب إليه ابن حزم في قوله: "واعلموا أنّ الذي يدعي ويقطع بدعوى الإجماع في مثل هذا أي في المسائل المنفي فيها الخلاف، فإنَّه من أجهل الناس بأقوال الناس واختلافهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل فظهر كذب من ادعى أنَّ ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع"
.** الإحكام لابن حزم (4/590
وقال أيضاً: "وقد أدخل قوم في الإجماع ما ليس فيه... وقوم عدوا مالا يعرفون فيه خلافاً إجماعاً " مراتب الإجماع لابن حزم
وأنكر تسميته إجماعاً ابن القيم عند كلامه عن أصول مذهب الإمام أحمد في قوله: "ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملاً ولا رأياً... ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً"
إعلام الموقعين (1/30).
القول الثاني: إنَّ نفي الخلاف يُعد إجماعاً، وعلى هذا فهما من باب المترادفات.
وهذا الرأي عزاه ابن حزم إلى قوم في قوله: "وزعم قوم أنَّ العالم إذا قال: لا أعلم خلافاً، فهو إجماع" ينظر: الإحكام لابن حزم (4/590
وعزاه الزركشي إلى الماوردي أنه قال: "إذا قال: لا أعرف بينهم خلافاً، إن كان من أهل الاجتهاد، فاختلف أصحابنا، فأثبت الإجماع به قوم، ونفاه آخرون البحر المحيط 4/518
وقال ابن تيمية: "إنَّ الإجماع المدعى في الغالب هو عدم العلم بالمخالف"مجموع فتاوى ابن تيمية (20/247)،
القول الثالث: إن العالم إذا كان محيطاً بالإجماع والخلاف فيكون نفي الخلاف منه إجماعاً، وإلا فلا.
وهذا ما أشار إليه الصيرفي في قوله: "وإنما يسوغ هذا القول، أي اعتبار نفي الخلاف إجماعاً، لمن بحث البحث الشديد وعلم أصول العلم، وحمله، فإذا علم على هذا الوجه لم يجز الخروج منه" البحر المحيط (4/517
وعبارته تفيد أن نفي الخلاف يعد إجماعاً إذا توفر فيه أمران:
***** 1_ أن يكون بعد البحث الشديد في المسألة، وهذا منه إشارة إلى ضرورة الإحاطة بالإجماع والخلاف، لأن من ثمرات البحث الشديد الإحاطة.
**** 2_ أن يكون لـه معرفة بأصول العلم، وهذا القيد يغني عنه محل النزاع في المسألة، إذ لا يتصور في العالم الذي بلغ رتبة الاجتهاد أن لا يكون لـه معرفة بأصول العلم وهذا راي سديد وقول جيد.
والله أعلم وسبحانك اللهم بحمدك لاإله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
أعد وجمع ورتب أخوكم :يونس العدني أبومقبل غفرالله له ولكم
*
*