الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فيكثر السؤال عن حكم قرأة الجنب والحائض للقرآن ومس المصحف وقد اختلف العلماء في هذه المسألة إلي ثلاثة أقوال
الأول: فجمهورهم علي المنع من ذلك كله.
الثاني: ذهب جمع من أهل العلم إلي جواز ذلك.
الثالث: وبعضهم له تفصيل في جواز القرأة ومنع مس المصحف.
ونذكر هنا بعض ما استدل به المجيزون فمنها عمومات ما في الصحييحين وغيرهما ومنها:
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاءه قال: (( أين كنت يا أبا هريرة )). قال يا رسول الله لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله إن المؤمن لا ينجس)).
2- و عن حذيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فحاد عنه فاغتسل ثم جاء فقال كنت جنبا. قال: ((إن المسلم لا ينجس)). أخرجهما مسلم في صحيحه.
3- عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ناوليني الخمرة من المسجد )). قالت فقلت إني حائض. فقال: (( إن حيضتك ليست في يدك )).
4- وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن.
5- عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وأنا في حجرتي فأرجل رأسه وأنا حائض.
6- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف فطمثت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: (( ما يبكيك )). فقلت والله لوددت أني لم أكن خرجت العام قال: (( ما لك لعلك نفست )). قلت نعم. قال: (( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )).
7- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
من هذه الأدلة وما في بابها نعلم أن المؤمن طاهر سواءً كان رجلاً أو امرأة ويكون النجس في حال حيض المرأة هو الخارج ومكانه ويجوز لها أن تقرأ القران وتذكر الله وتمس المصحف وتدخل المسجد ولا دليل علي المنع وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب، فأعتقوها، فكانت معهم قالت فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور قالت فوضعته أو وقع منها، فمرت به حدياة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته قالت فالتمسوه فلم يجدوه قالت فاتهموني به قالت فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها قالت والله إني لقائمة معهم، إذ مرت الحدياة فألقته قالت فوقع بينهم قالت فقلت هذا الذي اتهمتموني به - زعمتم - وأنا منه بريئة، وهو ذا هو قالت فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت. قالت عائشة فكان لها خباء في المسجد أو حفش قالت فكانت تأتيني فتحدث عندي قالت فلا تجلس عندي مجلسا إلا قالت: ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا ** ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني .
وبوب عليه البخاري باب نوم المرأة في المسجد والمرأة يلحقها الحيض والجنابة ونحوه .
وأما قول الله تعالى : (( لايمسه إلا المطهرون )) فالمراد بالكتاب اللوح المحفوظ والمراد بقوله (المطهرون ) الملائكة ولو كان المراد رفع الحدث لقال ( إلا المتطهرون ).
قال الشوكاني في فتح القدير قال الواحدي: " أكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الكتاب المكنون, أي: لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون, وهم الملائكة, وقيل: هم الملائكة والرسل من بني آدم, ومعنى «لا يمسه» المس الحقيقي, وقيل: معناه: لا ينزل به إلا المطهرون, وقيل: معناه: لا يقرؤه, وعلى كون المراد الكتاب المكنون هو القرآن, فقيل لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس. كذا قال قتادة وغيره .
وقال الكلبي: المطهرون من الشرك . وقال الربيع بن أنس: المطهرون من الذنوب والخطايا .
وقال محمد بن الفضل وغيره: معنى لا يمسه: لا يقرؤه, إلا المطهرون أي: إلا الموحدون. وقال الفراء: لا يجد نفعه وبركته إلا المطهرون, أي: المؤمنون . وقال الحسين بن الفضل: لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق .
وقد ذهب الجمهور إلى منع المحدث من مس المصحف, وبه قال علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد ابن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي .
وروي عن ابن عباس والشعبي وجماعة منهم أبو حنيفة, أنه يجوز للمحدث مسه, وقد أوضحنا ما هو الحق في هذا في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه. انتهي
وأما حديث ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) فهو حديث مرسل لا تعارض به الثوابت في الصحيحين وغيرهما..
ولو كانت الحائض ممنوعة من القراءة أو مس المصحف لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانًا واضحًا ينقله عنه الثقات الأثبات كما هو الشأن في منع الحائض من الصلاة والصيام، فإن الدواعي علي قرأة القرآن متوفرة لمحبتهم للعمل الصالح.
وأما ما رواه الترمذي (131) وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، قال: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن". فقد قال عنه الإمام أحمد لما سأله ابنه كما نقل العقيلي في الضعفاء (ص 90): "باطل أنكره إسماعيل بن عياش". وكذا قال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في العلل (1/49).
وقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى (21/460): "وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث".
وقال (21/460): "ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن ينهاهن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينهاهن عن الذكر والدعاء، بل أمر الحيض أن يخرجن يوم العيد فيكبرن بتكبير المسلمين، وأمر الحائض أن تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: تلبي وهي حائض وكذلك بمزدلفة ومنى وغير ذلك من المشاعر"، والله أعلم. انتهي
فعلي هذا فالراجح هو جواز قرأة الجنب والحائض والمحدث للقرآن وجواز مس المصحف والأفضل التطهر لحديث :: (وإني كرهت أن أذكر الله إلا علي طهارة ) وأصله في الصحيح عن أبي الجهيم . والله أعلم .
كتبه :: الشيخ أبومحمد عبدالحميد بن يحيى بن زيد الحجوري الزُعكُري حفظه الله ؛؛؛
29 / ربيع ثاني / 1437هــــ
فيكثر السؤال عن حكم قرأة الجنب والحائض للقرآن ومس المصحف وقد اختلف العلماء في هذه المسألة إلي ثلاثة أقوال
الأول: فجمهورهم علي المنع من ذلك كله.
الثاني: ذهب جمع من أهل العلم إلي جواز ذلك.
الثالث: وبعضهم له تفصيل في جواز القرأة ومنع مس المصحف.
ونذكر هنا بعض ما استدل به المجيزون فمنها عمومات ما في الصحييحين وغيرهما ومنها:
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاءه قال: (( أين كنت يا أبا هريرة )). قال يا رسول الله لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله إن المؤمن لا ينجس)).
2- و عن حذيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فحاد عنه فاغتسل ثم جاء فقال كنت جنبا. قال: ((إن المسلم لا ينجس)). أخرجهما مسلم في صحيحه.
3- عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ناوليني الخمرة من المسجد )). قالت فقلت إني حائض. فقال: (( إن حيضتك ليست في يدك )).
4- وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن.
5- عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وأنا في حجرتي فأرجل رأسه وأنا حائض.
6- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف فطمثت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: (( ما يبكيك )). فقلت والله لوددت أني لم أكن خرجت العام قال: (( ما لك لعلك نفست )). قلت نعم. قال: (( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )).
7- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
من هذه الأدلة وما في بابها نعلم أن المؤمن طاهر سواءً كان رجلاً أو امرأة ويكون النجس في حال حيض المرأة هو الخارج ومكانه ويجوز لها أن تقرأ القران وتذكر الله وتمس المصحف وتدخل المسجد ولا دليل علي المنع وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب، فأعتقوها، فكانت معهم قالت فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور قالت فوضعته أو وقع منها، فمرت به حدياة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته قالت فالتمسوه فلم يجدوه قالت فاتهموني به قالت فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها قالت والله إني لقائمة معهم، إذ مرت الحدياة فألقته قالت فوقع بينهم قالت فقلت هذا الذي اتهمتموني به - زعمتم - وأنا منه بريئة، وهو ذا هو قالت فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت. قالت عائشة فكان لها خباء في المسجد أو حفش قالت فكانت تأتيني فتحدث عندي قالت فلا تجلس عندي مجلسا إلا قالت: ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا ** ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني .
وبوب عليه البخاري باب نوم المرأة في المسجد والمرأة يلحقها الحيض والجنابة ونحوه .
وأما قول الله تعالى : (( لايمسه إلا المطهرون )) فالمراد بالكتاب اللوح المحفوظ والمراد بقوله (المطهرون ) الملائكة ولو كان المراد رفع الحدث لقال ( إلا المتطهرون ).
قال الشوكاني في فتح القدير قال الواحدي: " أكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الكتاب المكنون, أي: لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون, وهم الملائكة, وقيل: هم الملائكة والرسل من بني آدم, ومعنى «لا يمسه» المس الحقيقي, وقيل: معناه: لا ينزل به إلا المطهرون, وقيل: معناه: لا يقرؤه, وعلى كون المراد الكتاب المكنون هو القرآن, فقيل لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس. كذا قال قتادة وغيره .
وقال الكلبي: المطهرون من الشرك . وقال الربيع بن أنس: المطهرون من الذنوب والخطايا .
وقال محمد بن الفضل وغيره: معنى لا يمسه: لا يقرؤه, إلا المطهرون أي: إلا الموحدون. وقال الفراء: لا يجد نفعه وبركته إلا المطهرون, أي: المؤمنون . وقال الحسين بن الفضل: لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق .
وقد ذهب الجمهور إلى منع المحدث من مس المصحف, وبه قال علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد ابن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي .
وروي عن ابن عباس والشعبي وجماعة منهم أبو حنيفة, أنه يجوز للمحدث مسه, وقد أوضحنا ما هو الحق في هذا في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه. انتهي
وأما حديث ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) فهو حديث مرسل لا تعارض به الثوابت في الصحيحين وغيرهما..
ولو كانت الحائض ممنوعة من القراءة أو مس المصحف لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانًا واضحًا ينقله عنه الثقات الأثبات كما هو الشأن في منع الحائض من الصلاة والصيام، فإن الدواعي علي قرأة القرآن متوفرة لمحبتهم للعمل الصالح.
وأما ما رواه الترمذي (131) وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، قال: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن". فقد قال عنه الإمام أحمد لما سأله ابنه كما نقل العقيلي في الضعفاء (ص 90): "باطل أنكره إسماعيل بن عياش". وكذا قال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في العلل (1/49).
وقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى (21/460): "وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث".
وقال (21/460): "ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن ينهاهن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينهاهن عن الذكر والدعاء، بل أمر الحيض أن يخرجن يوم العيد فيكبرن بتكبير المسلمين، وأمر الحائض أن تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: تلبي وهي حائض وكذلك بمزدلفة ومنى وغير ذلك من المشاعر"، والله أعلم. انتهي
فعلي هذا فالراجح هو جواز قرأة الجنب والحائض والمحدث للقرآن وجواز مس المصحف والأفضل التطهر لحديث :: (وإني كرهت أن أذكر الله إلا علي طهارة ) وأصله في الصحيح عن أبي الجهيم . والله أعلم .
كتبه :: الشيخ أبومحمد عبدالحميد بن يحيى بن زيد الحجوري الزُعكُري حفظه الله ؛؛؛
29 / ربيع ثاني / 1437هــــ