تذكير العباد
بأهمية الرجوع إلى أهل العلم في قضايا الحروب والجهاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أما بعد:
قال تعالى:
{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}
وقال تعالى:
{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}
فلا بد للمقاتل والمجاهد أن يرجع إلى أهل العلم وأن يستشيرهم في كل ما أشكل عليه من أمور القتال حتى يجاهد على نور وبصيرة
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خبرتهم وحنكتهم وشجاعتهم في المعارك و الغزوات لا يفرطون في هذا الجانب أبداّ
وسأذكر لك بعض الأمثلة والدروس والنماذج على ذلك:
الدرس الأول:
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر علي بن أبي طالب بأن يقود المعركة في غزوة خيبر ويعطيه الراية بيده
فيرجع إليه علي رضي الله عنه ويسأله ويستفسر منه
يا رسول الله:على ماذا أقاتل الناس
فيقول له رسول الله ـــ موجها ومرشدا ـــ:
{أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله
فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم}
درس عظيم في الرجوع إلى أهل العلم !
لم يقل أنا الفارس المغوار!؟
وأنا الرجل الذي يحبه الله ورسوله وأنا الذي أختارني رسول الله من بين سائر أصحابه لقيادة هذه المعركة
وأنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة!؟
بل يرجع ويسأل ويستفتي حتى يقاتل ويجاهد على بصيرة ونور!
الدرس الثاني:
هذا المقداد بن الأسود ــ رضي الله عنه ــ
الأسد المغوار المعروف بشجاعته وبسالته يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيقول:
يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها
ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله
أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟
قال لا تقتله....فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال}
والمعنى: إنه بمنزلتك أي معصوم الدم، وإنك بمنزلته أي مباح الدم بالقصاص.
ما أعظمه من درس يستفسر ويسأل عن شيء لم يقع بعد لكن خشي أن يقع ذلك
فيقع في حيرة من أمره
فأراد أن يسير على نور وعلى بصيرة في قتاله وجهاده في سبيل الله
الدرس الثالث:
صحابي آخر يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسأل ويستفسر فيقول: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال
لا تعطه مالك !
قال أرأيت إن قاتلني قال قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار}
ما أعظمهم من رجال تربوا على يد محمد صلى الله عليه وسلم
يسألون ويستفسرون عن أشياء كثيرة ويذكرون الاحتمالات الكثيرة خشية أن يقعوا في الزلل والإثم.
الدرس الرابع:
عندما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله
جاء بعض أصحابه إليه فقالوا:
يا رسول الله الرجل يقاتل حمية ويقاتل عصبية ويقاتل ليذكر ويقاتل ليغنم ويقاتل ليرى مكانه
أي ذلك في سبيل الله
الله أكبر
ما أعظم هؤلاء الرجال يريدون جهادا صحيحا شرعيا مقبولا فيرجعون إلى أهل العلم يستفتونهم ويسألونهم فيجيبهم رسول الله قائلا
{ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}
الدرس الخامس:
وهو ما حصل في غزوة أحد
فقد روى البخاري وغيره من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير فقال:
(إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم) فهزموهم قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا فأصابوا منا سبعين وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا فقال أبو سفيان أفي القوم محمد ثلاث مرات فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات ثم قال أفي القوم ابن الخطاب ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا فما ملك عمر نفسه فقال كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك قال يوم بيوم بدر والحرب سجال إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ثم أخذ يرتجز أعل هبل أعل هبل قال النبي صلى الله عليه وسلم
ألا تجيبوا له قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا الله أعلى وأجل قال إن لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوا له قال قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم.
هذه القصة فيها دروس كثيرة وعظيمة في أهمية الرجوع إلى أهل العلم وأن المخالفة قد تكون سببا للهزيمة.
والشاهد من القصة أنه في كل مرة يقولون يا رسول الله ما نقول
فيقول قولوا كذا وكذا إخواني في الله!
الدروس كثيرة جدا في وجوب الرجوع إلى أهل العلم في أمور كثيرة قد تقع في الجهاد
فيحتاج المجاهد والمقاتل أن يرجع إلى أهل العلم في أمور كثيرة قد تصادفه لا محالة في أرض المعركة
من ذلكم:
أمور تقسيم الجيش وترتيبه وطاعة الأمير والحراسة والرباط و معاملة الأسرى والقتلى
ودفن القتلى والصلح والهدنة والفدية وتبادل الأسرى وقتل النساء والصبيان والتمثيل بالقتلى
والكر والفر والتحيز إلى فئة والفرار من الزحف
والغنيمة والأخذ منها وحكم الغلول، وسلب القتيل
وتعلم الرمي ورد الأطفال وصغار السن الذين لم يبلغوا الحلم وعدم إقحامهم في المعارك
وأخذ الحذر عند صلاة الخوف طائفة تصلي وطائفة تقف في وجوه الأعداء
والحذر من الجواسيس
والحكم لمن قتل بالشهادة
ونحو ذلك
وعن كل ذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون ويستفسرون
الرجوع إلى أهل العلم في المعارك والحروب والغزوات سبب لحسن العاقبة إخواني في الله
وفي المقابل فإن عدم الرجوع إلى أهل العلم في قضايا المعارك والغزوات والقتال والجهاد في سبيل الله
سبب للعواقب الوخيمة والتي قد لا تحمد عقباها
وأضرب لكم مثالا واحد واكتفي به
وهو ما وقع من صحابي جليل ـــ غفر الله له ورضي عنه ــ
ولا أذكره على سبيل التنقص حاشا لله ومعاذ الله
ولكن أذكره على سبيل العبرة والعظة وأخذ الدروس
هذا الصحابي الجليل هو
أحد الفرسان والابطال الشجعان.
قائد محنك معروف ومشهور
ممن أثخن في الأعداء وفتح الله الفتوحات الكثيرة على يديه
وهو ممن يذكر عنه أنه لم يغلب في جاهلية ولا في إسلام
إنه خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه
لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا يريدون بذلك أسلمنا أسلمنا ولكنهم لم يحسنوا أن يقولوا ذلك
فجعل خالد رضي الله عنه يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل من الصحابة رجلا ليقتله.
فقال عبد الله بن عمر أما أنا فوالله لا أقتل أسيري!
فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ما فعل خالد
فقال عليه الصلاة والسلام : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد}
والقصة ثابتة في الصحيح
إخواني في الله
قد يحصل أن يتخلف بعض الإخوة عن الجهاد والقتال في سبيل الله ليس رغبة عنه ولا زهدا فيه
ولا رغبة بالعيش وكراهية للموت ولا خوفا ولا جبنا
فالأجل قد كتبه الله
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
ولكن قد يحصل ذلك لأعذار شرعية صحيحة يعلمها الله عز وجل
وجميعكم يعلم فضائل الجهاد وما للمجاهد والمرابط والشهيد من الفضائل العظيمة والمناقب الحميدة لو لم يكن منها إلا أن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام !
ومع ذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
يحتمل الأعذار لبعض أصحابه الذين كانوا صادقين في نواياهم ممن لم يجاهدوا معه وما تخلفوا عنه إلا لعذر شرعي
بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام
فكان يقول:
(إن في المدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا وكانوا معكم) وفي رواية (إلا وشركوكم فيل الأجر حبسهم المرض وفي رواية حبسهم العذر )
بل ربنا سبحانه وتعالى يقول
{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرفة منهم طائفة ليتفقهوا في
الدين ...}
ويقول في آخر سورة المزمل:
{علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون
يقاتلون في سبيل الله}
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم {لينبعث وفي لفظ ليخرج من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما}
ويقول :{من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزاء ومن خلفه بأهله بخير فقد غزاء}
ولا أعني بذلك التخذيل عن الجهاد أو التزهيد والترغيب عنه معاذ الله وحاشا لله
ومن فهم ذلك فقد أبعد النجعة ولكن أعني بذلك
أن من وفقه الله للجهاد في سبيله فليحمد الله وليخلص النية لله ولا يقاتل حمية
أو عصبية أو يقاتل ليغنم أو ليذكر عند الناس بأنه شجاع وبطل ومقدام
وإنما لتكون كلمة الله هي العليا
فإذا كانت هذه هي النية فلا تبالي بعد ذلك بمن خذل أو ثبط أو حتى تخلف عنك وقعد.
ومادامت نيتك لله وحده لا تريد إلا وجهه فلا تطعن ولا تلمز ولا تحتقر
ولا تسب ولا تشتم أحدا من إخوانك إذا لم يكن معك في الصف لمواجهة ومقارعة الأعداء
فكما أن الصلاة والصيام والحج والصدقة عبادات عظيمة تعملها لله وترجو ثوابها من الله
ولا تمن بهذه الأعمال على غيرك بأنك قد فعلتها وأديتها وحرصت عليها وإن فرط فيها غيرك
{يا ايها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} ّ{ولا تبطلوا أعمالكم}
فهكذا الشأن في عبادة الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام فلا تمن بجهادك على أحد
فإن الله هو الذي وفقك له وأعانك ويسره لك ولولاه لما وفقت أبدا!
فلا تقل أنا أجاهد وأنا في ساحة الجهاد وأنا أرابط الأيام والليالي وأنا كذا وأنا كذا !!!
وأما أنت يا فلان فأنت راقد وأنت هارب وأنت جبان وأنت قاعد تتفرج !!!!
وأنت مخذل وأنت مثبط وأنت كذا وأنت كذا
فلعل ذلك يكون سببا لبطلان أجرك وثوابك ـــ والعياذ بالله.
قال تعالى
{يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان}
ولتعلم أن الله سبحانه وتعالى قد يبلغ بعض إخوانك ممن تخلف عن القتال لعذر شرعي
إن كان صادقا مع الله وأخلص نيته لله
أن الله سبحانه وتعالى قد يبلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه
كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا تظن أخي في الله أنك أنت الوحيد الذي يألم أو يصيبه الأسى والحزن لفراق بعض إخوانه إن قتل في أرض المعركة أو أصابته جراح أو تم أسره أو نحو ذلك
بل إن ذلك يؤلم ويحزن كل سني في أي بقعة كان.
وفي الختام :
نسأل الله أن يثبت أقدام المجاهدين والمرابطين في سبيله في كل مكان وأن ينصرهم وأن يسلمهم ويغنمهم
وأن يمكنهم من رقاب الأعداء من الرافضة الحوثيين ومن ناصرهم.
ونسأل الله أن يعجل بهلاك الرافضة وأن يدمرهم وأن يبور مكرهم وأن يكفينا
شرهم بما شاء وكيفما شاء
اللهم ارحم قتلانا وتقبلهم في الشهداء وارفع درجتهم في المهديين وأسكنهم الفردوس الاعلى واجمعنا بهم في دار كرامتك ، وداوي اللهم جرحانا ، وكن للأرامل واليتامى والثكالى، ومن شرد من داره وبلدته يا أرحم الرحمين
والحمد لله رب العالمين
كتبه/ راجي عفو ربه
أبو عبدالرحمن جلال بن طاهر الأصبحي
الأحد 20 من ذي الحجة 1436هجرية.
بأهمية الرجوع إلى أهل العلم في قضايا الحروب والجهاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أما بعد:
قال تعالى:
{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}
وقال تعالى:
{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}
فلا بد للمقاتل والمجاهد أن يرجع إلى أهل العلم وأن يستشيرهم في كل ما أشكل عليه من أمور القتال حتى يجاهد على نور وبصيرة
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خبرتهم وحنكتهم وشجاعتهم في المعارك و الغزوات لا يفرطون في هذا الجانب أبداّ
وسأذكر لك بعض الأمثلة والدروس والنماذج على ذلك:
الدرس الأول:
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر علي بن أبي طالب بأن يقود المعركة في غزوة خيبر ويعطيه الراية بيده
فيرجع إليه علي رضي الله عنه ويسأله ويستفسر منه
يا رسول الله:على ماذا أقاتل الناس
فيقول له رسول الله ـــ موجها ومرشدا ـــ:
{أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله
فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم}
درس عظيم في الرجوع إلى أهل العلم !
لم يقل أنا الفارس المغوار!؟
وأنا الرجل الذي يحبه الله ورسوله وأنا الذي أختارني رسول الله من بين سائر أصحابه لقيادة هذه المعركة
وأنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة!؟
بل يرجع ويسأل ويستفتي حتى يقاتل ويجاهد على بصيرة ونور!
الدرس الثاني:
هذا المقداد بن الأسود ــ رضي الله عنه ــ
الأسد المغوار المعروف بشجاعته وبسالته يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيقول:
يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها
ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله
أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟
قال لا تقتله....فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال}
والمعنى: إنه بمنزلتك أي معصوم الدم، وإنك بمنزلته أي مباح الدم بالقصاص.
ما أعظمه من درس يستفسر ويسأل عن شيء لم يقع بعد لكن خشي أن يقع ذلك
فيقع في حيرة من أمره
فأراد أن يسير على نور وعلى بصيرة في قتاله وجهاده في سبيل الله
الدرس الثالث:
صحابي آخر يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسأل ويستفسر فيقول: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال
لا تعطه مالك !
قال أرأيت إن قاتلني قال قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار}
ما أعظمهم من رجال تربوا على يد محمد صلى الله عليه وسلم
يسألون ويستفسرون عن أشياء كثيرة ويذكرون الاحتمالات الكثيرة خشية أن يقعوا في الزلل والإثم.
الدرس الرابع:
عندما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله
جاء بعض أصحابه إليه فقالوا:
يا رسول الله الرجل يقاتل حمية ويقاتل عصبية ويقاتل ليذكر ويقاتل ليغنم ويقاتل ليرى مكانه
أي ذلك في سبيل الله
الله أكبر
ما أعظم هؤلاء الرجال يريدون جهادا صحيحا شرعيا مقبولا فيرجعون إلى أهل العلم يستفتونهم ويسألونهم فيجيبهم رسول الله قائلا
{ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}
الدرس الخامس:
وهو ما حصل في غزوة أحد
فقد روى البخاري وغيره من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير فقال:
(إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم) فهزموهم قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا فأصابوا منا سبعين وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا فقال أبو سفيان أفي القوم محمد ثلاث مرات فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات ثم قال أفي القوم ابن الخطاب ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا فما ملك عمر نفسه فقال كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك قال يوم بيوم بدر والحرب سجال إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ثم أخذ يرتجز أعل هبل أعل هبل قال النبي صلى الله عليه وسلم
ألا تجيبوا له قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا الله أعلى وأجل قال إن لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوا له قال قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم.
هذه القصة فيها دروس كثيرة وعظيمة في أهمية الرجوع إلى أهل العلم وأن المخالفة قد تكون سببا للهزيمة.
والشاهد من القصة أنه في كل مرة يقولون يا رسول الله ما نقول
فيقول قولوا كذا وكذا إخواني في الله!
الدروس كثيرة جدا في وجوب الرجوع إلى أهل العلم في أمور كثيرة قد تقع في الجهاد
فيحتاج المجاهد والمقاتل أن يرجع إلى أهل العلم في أمور كثيرة قد تصادفه لا محالة في أرض المعركة
من ذلكم:
أمور تقسيم الجيش وترتيبه وطاعة الأمير والحراسة والرباط و معاملة الأسرى والقتلى
ودفن القتلى والصلح والهدنة والفدية وتبادل الأسرى وقتل النساء والصبيان والتمثيل بالقتلى
والكر والفر والتحيز إلى فئة والفرار من الزحف
والغنيمة والأخذ منها وحكم الغلول، وسلب القتيل
وتعلم الرمي ورد الأطفال وصغار السن الذين لم يبلغوا الحلم وعدم إقحامهم في المعارك
وأخذ الحذر عند صلاة الخوف طائفة تصلي وطائفة تقف في وجوه الأعداء
والحذر من الجواسيس
والحكم لمن قتل بالشهادة
ونحو ذلك
وعن كل ذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون ويستفسرون
الرجوع إلى أهل العلم في المعارك والحروب والغزوات سبب لحسن العاقبة إخواني في الله
وفي المقابل فإن عدم الرجوع إلى أهل العلم في قضايا المعارك والغزوات والقتال والجهاد في سبيل الله
سبب للعواقب الوخيمة والتي قد لا تحمد عقباها
وأضرب لكم مثالا واحد واكتفي به
وهو ما وقع من صحابي جليل ـــ غفر الله له ورضي عنه ــ
ولا أذكره على سبيل التنقص حاشا لله ومعاذ الله
ولكن أذكره على سبيل العبرة والعظة وأخذ الدروس
هذا الصحابي الجليل هو
أحد الفرسان والابطال الشجعان.
قائد محنك معروف ومشهور
ممن أثخن في الأعداء وفتح الله الفتوحات الكثيرة على يديه
وهو ممن يذكر عنه أنه لم يغلب في جاهلية ولا في إسلام
إنه خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه
لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا يريدون بذلك أسلمنا أسلمنا ولكنهم لم يحسنوا أن يقولوا ذلك
فجعل خالد رضي الله عنه يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل من الصحابة رجلا ليقتله.
فقال عبد الله بن عمر أما أنا فوالله لا أقتل أسيري!
فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ما فعل خالد
فقال عليه الصلاة والسلام : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد}
والقصة ثابتة في الصحيح
إخواني في الله
قد يحصل أن يتخلف بعض الإخوة عن الجهاد والقتال في سبيل الله ليس رغبة عنه ولا زهدا فيه
ولا رغبة بالعيش وكراهية للموت ولا خوفا ولا جبنا
فالأجل قد كتبه الله
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
ولكن قد يحصل ذلك لأعذار شرعية صحيحة يعلمها الله عز وجل
وجميعكم يعلم فضائل الجهاد وما للمجاهد والمرابط والشهيد من الفضائل العظيمة والمناقب الحميدة لو لم يكن منها إلا أن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام !
ومع ذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
يحتمل الأعذار لبعض أصحابه الذين كانوا صادقين في نواياهم ممن لم يجاهدوا معه وما تخلفوا عنه إلا لعذر شرعي
بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام
فكان يقول:
(إن في المدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا وكانوا معكم) وفي رواية (إلا وشركوكم فيل الأجر حبسهم المرض وفي رواية حبسهم العذر )
بل ربنا سبحانه وتعالى يقول
{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرفة منهم طائفة ليتفقهوا في
الدين ...}
ويقول في آخر سورة المزمل:
{علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون
يقاتلون في سبيل الله}
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم {لينبعث وفي لفظ ليخرج من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما}
ويقول :{من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزاء ومن خلفه بأهله بخير فقد غزاء}
ولا أعني بذلك التخذيل عن الجهاد أو التزهيد والترغيب عنه معاذ الله وحاشا لله
ومن فهم ذلك فقد أبعد النجعة ولكن أعني بذلك
أن من وفقه الله للجهاد في سبيله فليحمد الله وليخلص النية لله ولا يقاتل حمية
أو عصبية أو يقاتل ليغنم أو ليذكر عند الناس بأنه شجاع وبطل ومقدام
وإنما لتكون كلمة الله هي العليا
فإذا كانت هذه هي النية فلا تبالي بعد ذلك بمن خذل أو ثبط أو حتى تخلف عنك وقعد.
ومادامت نيتك لله وحده لا تريد إلا وجهه فلا تطعن ولا تلمز ولا تحتقر
ولا تسب ولا تشتم أحدا من إخوانك إذا لم يكن معك في الصف لمواجهة ومقارعة الأعداء
فكما أن الصلاة والصيام والحج والصدقة عبادات عظيمة تعملها لله وترجو ثوابها من الله
ولا تمن بهذه الأعمال على غيرك بأنك قد فعلتها وأديتها وحرصت عليها وإن فرط فيها غيرك
{يا ايها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} ّ{ولا تبطلوا أعمالكم}
فهكذا الشأن في عبادة الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام فلا تمن بجهادك على أحد
فإن الله هو الذي وفقك له وأعانك ويسره لك ولولاه لما وفقت أبدا!
فلا تقل أنا أجاهد وأنا في ساحة الجهاد وأنا أرابط الأيام والليالي وأنا كذا وأنا كذا !!!
وأما أنت يا فلان فأنت راقد وأنت هارب وأنت جبان وأنت قاعد تتفرج !!!!
وأنت مخذل وأنت مثبط وأنت كذا وأنت كذا
فلعل ذلك يكون سببا لبطلان أجرك وثوابك ـــ والعياذ بالله.
قال تعالى
{يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان}
ولتعلم أن الله سبحانه وتعالى قد يبلغ بعض إخوانك ممن تخلف عن القتال لعذر شرعي
إن كان صادقا مع الله وأخلص نيته لله
أن الله سبحانه وتعالى قد يبلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه
كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا تظن أخي في الله أنك أنت الوحيد الذي يألم أو يصيبه الأسى والحزن لفراق بعض إخوانه إن قتل في أرض المعركة أو أصابته جراح أو تم أسره أو نحو ذلك
بل إن ذلك يؤلم ويحزن كل سني في أي بقعة كان.
وفي الختام :
نسأل الله أن يثبت أقدام المجاهدين والمرابطين في سبيله في كل مكان وأن ينصرهم وأن يسلمهم ويغنمهم
وأن يمكنهم من رقاب الأعداء من الرافضة الحوثيين ومن ناصرهم.
ونسأل الله أن يعجل بهلاك الرافضة وأن يدمرهم وأن يبور مكرهم وأن يكفينا
شرهم بما شاء وكيفما شاء
اللهم ارحم قتلانا وتقبلهم في الشهداء وارفع درجتهم في المهديين وأسكنهم الفردوس الاعلى واجمعنا بهم في دار كرامتك ، وداوي اللهم جرحانا ، وكن للأرامل واليتامى والثكالى، ومن شرد من داره وبلدته يا أرحم الرحمين
والحمد لله رب العالمين
كتبه/ راجي عفو ربه
أبو عبدالرحمن جلال بن طاهر الأصبحي
الأحد 20 من ذي الحجة 1436هجرية.