إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

[التواضع في الكتاب والسنة] لابن القيم رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [التواضع في الكتاب والسنة] لابن القيم رحمه الله

    فصل منزلة التواضع .
    من كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.

    لابن القيم رحمه الله .
    ومن منازل {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] منزلة التواضع
    قال الله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} [الفرقان: 63]
    أي سكينة ووقارا متواضعين، غير أشرين، ولا مرحين ولا متكبرين.
    قال الحسن: علماء حلماء. وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون. وإن سفه عليهم حلموا.
    والهون بالفتح في اللغة: الرفق واللين. والهون بالضم: الهوان. فالمفتوح منه: صفة أهل الإيمان. والمضموم: صفة أهل الكفران. وجزاؤهم من الله النيران.
    وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة: 54] .
    لما كان الذل منهم ذل رحمة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة على تضمينا لمعاني هذه الأفعال. فإنه لم يرد به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل. وإنما هو ذل اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول، فالمؤمن ذلول. كما في الحديث «المؤمن كالجمل الذلول. والمنافق.والفاسق ذليل» وأربعة يعشقهم الذل أشد العشق: الكذاب. والنمام. والبخيل. والجبار.
    وقوله: {أعزة على الكافرين} [المائدة: 54].
    هو من عزة القوة والمنعة والغلبة. قال عطاء رضي الله عنه: للمؤمنين كالوالد لولده. وعلى الكافرين كالسبع على فريسته. كما.
    قال في الآية الأخرى {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29]
    وهذا عكس حال من قيل فيهم:
    كبرا علينا، وجبنا عن عدوكم ... لبئست الخلتان: الكبر، والجبن
    وفي صحيح مسلم. من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله أوحى إلي: أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد. ولا يبغي أحد على أحد» .
    وفي صحيح مسلم. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» .
    وفي الصحيحين. مرفوعا «ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر» .
    وفي حديث احتجاج الجنة والنار «أن النار قالت: ما لي لا يدخلني إلا الجبارون،والمتكبرون؟ وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم» . وهو في الصحيح.
    وفي صحيح مسلم. عن أبي سعيد وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: العزة إزاري. والكبرياء ردائي. فمن نازعني عذبته» .
    وفي جامع الترمذي مرفوعا عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: «لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في ديوان الجبارين. فيصيبه ما أصابهم» .
    «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر على الصبيان فيسلم عليهم» .
    «وكانت الأمة تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم. فتنطلق به حيث شاءت.»
    «وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكل لعق أصابعه الثلاث» .
    «وكان صلى الله عليه وسلم يكون في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط» .وكان صلى الله عليه وسلم «يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير ويأكل مع الخادم. ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه. ولو إلى أيسر شيء» .
    «وكان صلى الله عليه وسلم هين المؤنة، لين الخلق. كريم الطبع. جميل المعاشرة. طلق الوجه بساما، متواضعا من غير ذلة، جوادا من غير سرف، رقيق القلب رحيما بكل مسلم خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم» .

    وقال صلى الله عليه وسلم «ألا أخبركم بمن يحرم على النار - أو تحرم عليه النار - تحرم على كل قريب هين لين سهل» رواه الترمذي. وقال: حديث حسن.
    وقال: «لو دعيت إلى ذراع - أو كراع - لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع - أو كراع - لقبلت»
    رواه البخاري.وكان صلى الله عليه وسلم «يعود المريض. ويشهد الجنازة. ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد» .
    «وكان يوم قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه إكاف من ليف» .
    [فصل أقوال العلماء في التواضع]
    فصل
    .سئل الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال: يخضع للحق، وينقاد له. ويقبله ممن قاله.
    وقيل: التواضع أن لا ترى لنفسك قيمة. فمن رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب. وهذا مذهب الفضيل وغيره.
    وقال الجنيد بن محمد: هو خفض الجناح، ولين الجانب.
    وقال أبو يزيد البسطامي: هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا. ولا يرى في الخلق شرا منه.
    وقال ابن عطاء: هو قبول الحق ممن كان. والعز في التواضع. فمن طلبه في الكبر فهو كتطلب الماء من النار.
    وقال إبراهيم بن شيبان: الشرف في التواضع. والعز في التقوى. والحرية في القناعة.
    ويذكر عن سفيان الثوري رحمه الله، أنه قال: أعز الخلق خمسة أنفس: عالم زاهد وفقيه صوفي. وغني متواضع. وفقير شاكر. وشريف سني.
    وقال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا ينبغي لك هذا. فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين. دخلت نفسي نخوة. فأردت أن أكسرها.
    وولي أبو هريرة رضي الله عنه إمارة مرة. فكان يحمل حزمة الحطب على ظهره. ويقول: طرقوا للأمير.
    وركب زيد بن ثابت مرة. فدنا ابن عباس ليأخذ بركابه. فقال: مه يا ابن عم رسول الله! فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا. فقال: أرني يدك. فأخرجها إليه فقبلها. فقال: هكذا أمرنا نفعل بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين الصحابة رضي الله عنهم حللا، فبعث إلى معاذ حلة مثمنة. فباعها. واشترى بثمنها ستة أعبد وأعتقهم. فبلغ ذلك عمر. فبعث إليه بعد ذلك حلة دونها. فعاتبه معاذ، فقال عمر: لأنك بعت الأولى. فقال معاذ: وما عليك؟ ادفع لي نصيبي. وقد حلفت لأضربن بها رأسك فقال عمر رضي الله عنه: رأسي بين يديك. وقد يرفق الشاب بالشيخ.
    ومر الحسن على صبيان معهم كسر خبز. فاستضافوه. فنزل فأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله. فأطعمهم وكساهم، وقال: اليد لهم. لأنهم لا يجدون شيئا غير ما أطعموني، ونحن نجد أكثر منه.
    ويذكر أن أبا ذر رضي الله عنه عير بلالا رضي الله عنه بسواده، ثم ندم. فألقى بنفسه. فحلف: لا رفعت رأسي حتى يطأ بلال خدي بقدمه. فلم يرفع رأسه حتى فعل بلال.
    وقال رجاء بن حيوة. قومت ثياب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه - وهو يخطب - باثني عشر درهما. وكانت قباء وعمامة وقمصا وسراويل ورداء وخفين وقلنسوة.
    ورأى محمد بن واسع ابنا له يمشي مشية منكرة. فقال: تدري بكم شريت أمك؟ بثلاثمائة درهم، وأبوك - لا كثر الله في المسلمين مثله - أنا. وأنت تمشي هذه المشية؟ .
    وقال حمدون القصار: التواضع أن لا ترى لأحد إلى نفسك حاجة، لا في الدين ولا في الدنيا.
    وقال إبراهيم بن أدهم: ما سررت في إسلامي إلا ثلاث مرات: كنت في سفينة، وفيها رجل مضحاك. كان يقول: كنا في بلاد الترك فأخذ العلج هكذا - وكان يأخذ بشعر.رأسي ويهزني - لأنه لم يكن في تلك السفينة أحد أحقر مني. والأخرى: كنت عليلا في مسجد. فدخل المؤذن، وقال: اخرج. فلم أطق، فأخذ برجلي وجرني إلى خارج. والأخرى: كنت بالشام وعلي فرو. فنظرت فيه فلم أميز بين شعره وبين القمل لكثرته. فسرني ذلك.
    وفي رواية: كنت يوما جالسا. فجاء إنسان فبال علي.
    وقال بعضهم: رأيت في الطواف رجلا بين يديه شاكرية يمنعون الناس لأجله عن الطواف، ثم رأيته بعد ذلك بمدة على جسر بغداد يسأل شيئا. فتعجبت منه.
    فقال لي: إني تكبرت في موضع يتواضع الناس فيه، فابتلاني الله بالذل في موضع يترفع الناس فيه.

    وبلغ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: أن ابنا له اشترى خاتما بألف درهم. فكتب إليه عمر: بلغني أنك اشتريت فصا بألف درهم. فإذا أتاك كتابي فبع الخاتم. وأشبع به ألف بطن. واتخذ خاتما بدرهمين. واجعل فصه حديدا صينيا. واكتب عليه:
    رحم الله امرءا عرف قدر نفسه. والله أعلم.


    منقول .
    من كتاب مدارج السالكين

يعمل...
X